علجية عيش - في ذكرى تاسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1958

مؤرخون ينبشون في التراب لكشف الحقائق التاريخية المقبورة

(الحكومة المؤقتة منحت 17 مليار فرنك فرنسي لتونس لتغيير عملتها بعد استقلالها في وقت كان جيش التحرير الوطني يعاني من الجوع و نقص السلاح)

( ما خلفية الصراع بين الحكومة التونسية و جبهة التحرير الوطني؟)

(هكذا تفاوض بورقيبة مع رجل الأعمال الأمريكي روك فيلار رئيس بلدية نيويورك لإستغلال البترول الجزائري)

تميز ضيف 1958 بجوٍّ سياسي ساخن كانت الأزمة مفتوحة بين الحكومة التونسية و جبهة التحرير الوطني، كان وجه التركيو على القومية العربية من طرف الصحافة الجزائرية قد وجد آذانا صاغية لدى الرافضين إبعاد تونس من المشرق العربي، تزامنت هذه الفترة بالظروف التي كانت تعيشها العراق أن تنظم بغداد بعد أن انسلخت من الحلف الذي سمي على اسمها إلى الجمهورية العربية المتحدة، و قد خشي الغرب من أن تؤول الأمور لغير صالحه فسارع بإنزال القوات الأمريكية في لبنان و القوات البريطانية في الأٍردن، خاصة و أن الشباب التونسي كان منتأثرا جدا بالحركة البعثية و بشخصية ميشال عفلق و بالأخص الذين درسوا في المشرق و كانوا منبهرين به رغم أن حزب البعث كان ذو اتجاه علماني، تميز الوضع بشيئ من التوتر أمام الدور الذي كان يلعبه ألإعلام الجزائري في تونس ممثلا في جريدة المجاهد حين تحدث عن اتفاقيى غيجلي و الصبحة التي تحدث بها عن القومية العربية، كانت الحكومة التونسية تتابع ما كان تنشره جريدة المجاهد قبل صدور عددها عم طريق مطبعة "لابريس" التي كان يمنلكها يهودي اسمنه صماجا مقيم بباريس و يشرف عليها بتونس يهودي آخر ما دفع بالسلطات التونسية إلى حجر العدد الجديد قبل نزوله إلى السوق.

حسب المؤرخ الجزائري محمد الميلي هذه الحركة التي قامت بها السلطات التونسية هدفها وضع حد لعهد التعايش السلمي مع الثورة الجزائرية و أدبياتها و قد يكون إنذار لجبهة التحرير الوطني حتى تتوقف عن كل يكون مصدر نهييج يسير في غير الإتجاه الذي يريده النظام التونسي التي كانت له حساسية من القومية العربية ، فحجب عدد المجاهد ترك شرخا كبيرا في العلاقات التونسية و جبهة التحرير الوطني و هذا حتى تغير جهة التحرير الوطني من خطها، تزامن هذه الإنسداد مع سوء العلاقة بين الجزائر و المغرب فيرقضية لجنة ىالحدود في 21 مارس 1958 بعدما اعلنت الصحافة المغربية إجراء مفاوضات مغربية فرنسية بشأن الحدود و جاهزية الغلق، في ظل هذه الظروف كان من الضروري غيجاد حل يخدم الثورة و جبهة التحرير الوطني و الجزائر ككل، كان المقترح تاسيسي حكومة جزائرية مؤقتة، إلا أن تشكيل هذه الحكومة لقي عدة انتقادات لأن عملية التشكيل كانت انفرادية و لم يكن هناك عمل تنسبقي جماعي، اي إشراك المجلس الوطني للثورة، فالذي حدث كما يقول ابرامي لونسيس أن لجنة التنسيق و التنفيذ تحولت إلى حكومة.

لا نعلم إن كان ما كتبه الأكاديميون يقبل الصدق عن الأحداث التي وقعت قبل تاسيس هذه الحكومة، بالنظر إلى الحساسيسات التي كانت تثير القلق و التوتر بين العرب و الأمازيغ ، فابراهيم لونيسي يقول أن كريم بلقاسم حاول تقريب الضباط الجزائريين القادمين من الجيش الفرنسي عن طريق تعيين مولود إيدير رئيسا لديوانه العسكري و تكليفه بإعداد هيكلة جديدة لجيش التحرير الوطني يتولى الإشراف على الضباط الذين تكونوا في الجيش الفرنسي و هو يهدف إلى تحويل جيش التحرير الوطني إلى جيش محترف و في جور تضامني بين الباءات الثلاث تم الإعلان عن ميلاد الحكومة المؤقتة ، و هنا نقف على اوجه التناقض بين ما قاله المؤرخ محمد الميلي بأن الصراع كان داخلي خارجي و ما يقوله ابراهيم لونيسي بأن الصراع كان داخلي داخلي، و لذا ليس من حقنا كقراء للتاريخ أن نقف ضد أو مع، أو نبدي موقفا حاسما إزاء هذه المسألة ، بمعنى الإلتزام بالحياد إلى أن تنكشف الحقائق و تتضح أكثر، و هذا يقف على دور النخبة من المؤرخين و البحثين في التاريخ، خاصة و أن علي كافي يؤكد أن الإعلان عن الحكومة المؤقتة كان مفاجأة، لأن قادة الولايات في الداخل لم تتم استشارتهم بصفتهم أعضاء في المجلس الوطني للثورة، أما القيادة في الخارج كانت تلعب باعصاب قادة الداخل و تقول لهم إنتظروا حدثا يوم 19 سبتمر، و هذا ما يؤكد أن تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة لم يكن شرعيا.

و كما يقال : "اللعاب حميدة و الرشام حميدة" حتى في زمن المحن، فبدلا أن يكون فيه الرفاق متحدين متضامنين يكون اللعب في الظلام، فقد تم الإعلان رسميا على ميلاد الحكومة المؤقتة و تم تحديد مهامها و التي تتمثل في ممارسة السلطة التنفيذية للدولة الجزائرية إلى حين يتحقق الإستقلال و من صلاحياتها انها تقيم العلاقات الدبلوماسية، لم يمر عام على تشكيلها حتى بدأت المشاكل بسبب نفوذ الباءات الثلاث على الحكومة و محاولة العموري الإنقلابية على الباءات الثلاث، ما جعل فرحات عباس يستدعي قادة الداخل للإجتماع في تونس و فك الصراع بين كريم و محمود الشريف و العموري و الباءات الثلاث، هذا الإحتماع عرف باجتماع العقداء العشرة و في هذا الإجتماع طرح تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة ( الثانية)، اقترح فرحات عباس ان تؤول الرئاسة إلى كريم بلقاسم، لكن الرئاسة آلت إلى الرئيس الأول أي إلى فرحات عباس، دون أن يحاول الأعضاء معرفة أسباب التحوّل خاصة بالنسبة لجبهة التحرير الوطني التي كانت ترى أن المهم تشكيلها و لا يهم من يرأسها و هذا كله من اجل الذهاب إلى مرحة جديدة ، رغم أن تشكيلها انطلق من المنفى.

الغريب أن جل الذين عينوا ىاعضاءا في الحكومة المؤقتة كانوا معتقلين من بينهم ( أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، رابح بيطاط، محمد بوضياف، محمد خيضر)، رغم ذلك فقد باركت جبهة التحرير الوطني تشكيل الحكومة المؤقتة في الساعة الواحدة بعد الظهر بتوقيت الجزائر بعدما اعترفت الدول العربية و الإسلامية و الآسيوية بها و اعتبرته الجبهة مكسبا للجزائر ساعد على فك العزلة التي كان ديغول يفرضها على الثورة، و نقف مع شهادة الطراهر سعيداني في حديثه عن القاعدة الشرقية حيث كشف عن جوانب من تصرفات أعضاء الحكومة المؤقتة التي فضل أعضاؤها الإستقرار في تونس يقيمون في منازل ضخمة و تكونت لديهم ممارسات برجوازية و تعالوا على إخوانهم المجاهدين ،بينما كامت الثورة في الدذاخل تمر بأحلم ايامها من حيث النقص في السلاح و الجوع، هكذا اتخذ أعضاء الحكومة المؤقتة من العلاقات الدبلوماسية فرصة لجمع المال، مما أدى إلى نشوب خلافات بين قادة جيش التحرير الوطني و أعضاء الحكومة المؤقتة فحدثت مؤامرة لعموري في نفس السنة.

في الجانب المالي يتساءل مؤرخون و باحثون في التاريخ عن سر امتلاك الحكومة المؤقتة للمال جعل أعضاؤها يعيشون في بحبوحة مالية، تقول التقارير أنه عندما استقلت تونس أرادت أن تغير عملتها من الفرنك الفرنسي إلى الدينار التونسي، منحت لها الحكومة الجزائرية المؤقتة 17 مليار فرنك فرنسي كي تضعه في البنك العالمي لضمان تحويل عملتها في الوقت الذي كان جيش التحرير الوطني يعاني من أزمة مالية خانقة و من نقص في التموين، و لما يطالب قادة الداخل من أعضاء الحكومة المؤقتة بأن يزودوا الولايات بما يجب كان الجواب على الولايات أن تعتمد على وسائلها الخاصة بحجة أن الحكومة المؤقتة لا تملك الأموال اللازمة، فكيف إذن أعطت للحكومة التونسية هذا المبلغ الخيالي؟، خاصة و أن الحكومة التونسية لم ترد المال إلى اليوم.

شهادة أخرى يضيفها الضابط في جيش التحرير الوطني الطاهر سعيداني في مذكراته حول ما تعلق بالتسليح، يقول أن تونس كانت تأخذ 10 بالمائة منه كونه كان يمر على اراضيها، أما عن الحبيب بورقيبة كان هذا الأخير فيما يتعلق بالبترول على اتفاق مع رجل الأعمال الأمريكي روك فيلار رئيس بلدية نيويورك و كان بينهما تفاوض على استغلال البترول الجزائري المتواجد في الجزائر على الحدود التونسية على أنه فرنسيا و وضعه تحت تصرف الحكومة الفرنسية، و قد ذهب بورقيبة إلى ابعد من ذلك عندما ذهب من نيويورك إلى جنيف و التقى بالجنرال ديغول و تحدث الطرفان عن البترول الحدودي، كما طلب بورقيبة من ديغول أن يوسع الحدود التونسية الجزائرية داخل القطر الجزائري عند النقطة 233 التي تقع بها آبار البترول مقابل تلبية كل طلبات الحكومة الفرنسية فيما يخص الثورة الجزائرية ، إلا أن ديغول رفض، بعدها قامت الحكومة التونسية بالتنقل الى النقطة 233 و وضعت العلم التونسي فكانت مواجهات بينها و بين جيش التحرير الوطني لمنعها من وضع العلم التونسي في الأراضي الجزائرية، و قبل ان يصل جيش التحرير الوطني الى المكان كان الجيش الفرنسي واجه التونسيين و قتلهمكما قامت بإجلاء مدبنة بنزرت و تم وقعت مواجهات وقعت فيها اغتيالات، حيث عرفت النقطة 233 بقضية la bonne .

أما تشكيل الحكومة المؤقتة الثانية الذي تم في العاصمة الليبية وقعت فيها تعديلات من خلال حذف بعض الأسماء الذين كانوا أعضاء في الحكومة الأولى على غرار توفيق المدني، في حين تم الإختفاظ بالأعضاء المعتنقلين و السؤال الذي يفرض نفسه على الطرح كيف كانت الحكومة تُسَيَّر و جل أعضائها في النعتقل ( داخل السجون)؟ ربما هناك أمور خفية لم يكن قادة الولايات في الداخل على علم بها ، إلى حين انفجر الوضع حيت تحتم إعادة النظر في التركيبة البشرية للحكومة و هذا خلال الدورة المنعقدة من 09 إلى 27 أوت 1961 تم فيها تعيين بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة المؤقتة بدلا من فرحات عباس، رغم ذلك حافظت القائمة على المعتقلين كما ظل كريم بلقاسم في منصبه كنائب للرئيس، و لعل هذا التغيير كما يقول محمد الميلي كي لا يضعف موقف الحكومة في مواجهة المشروع الديغولي.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى