أمل الكردفاني - تفكك الإتحاد الأوروبي بات وشيكاً

أعتقد أنه لا يوجد إتحاد أكثر هشاشة من الإتحاد الأوروبي. ذلك بأن عوامل تفككه أقرب إلى التحقق من عوامل استمراره. فمن أهم عوامل التفكك:
١- اختلاف اللغات: ادى اختلاف اللغات في أوروبا إلى عدم حيوية التبادل المنفعي وخاصة على مستوى سوق العمل. كانت أهم أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد هو أعداد المهاجرين من أوروبا نسبة لأن اللغة الإنجليزية لغة عالمية، خلافاً للألمانية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية، التي انحصرت وانحسرت. انحصرت في نطاق القوميات الأوروبية والمستعمرات القديمة وانحسرت عالمياً جراء سيادة اللغة الإنجليزية.
٢- التباين في القوة الاقتصادية: لقد كشفت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة التباين الاقتصادي بين دول أوروبا. وهو عامل مهدد لأن عدم التوازن الاقتصادي سيرجح كفة دول على أخرى.
٤- عدم قدرة أوروبا على الإتفاق على القضايا الجوهرية والتي تعتبر مسائل حياة أو موت. فاوروبا فشلت في التعاون لدرء آثار الأزمة الاقتصادية عن بعض الدول، حتى أن اليونان لم تعاني فقط من فرض التزامات قاسية عليها تجبرها على التقشف بل المأساة هي أن بعض دول اوروبا استغلت أزمة اليونان، فبلغاريا مثلاً خفضت من نسبة الضرائب، مما أدى لهروب المستثمرين من اليونان إلى بلغاريا بكميات كبيرة. كذلك في جائحة كورونا، ظل الخلاف حاداً حول معالجة الأزمة، فدولة مثل إيطاليا كفرت بالوحدة الأوروبية والوباء يتفشى فيها ويحصد أبناءها دون أي تدخل اوروبي، بل أن دولاً بعيدة ككوبا هي التي ساهمت بشكل فعال في تمكين أيطاليا من تجاوز الكارثة.
٥- الحماية الأمريكية لأوروبا هي التي تحمي دمقراطيات أوروبا، ويمكن في لحظة غير متوقعة أن تنهار تلك الدموقراطيات الليبرالية، خلافاً لما يظنه البعض. فللدموقراطية الليبرالية نقاط ضعفها. فالدموقراطية تحتاج لصيانة وحماية ومركزية توجيه، تمارسها الآن مراكز قوى موزعة على دول أوروبا ولها تاريخها وامتداداتها في أمريكا. وإذا خلعت امريكا الحماية عن أوروبا، فإن الدموقراطيات نفسها قد تفضي إلى ظهور دكتاتوريات. لذلك شعرت أوروبا بالرعب من وصول ترامب إلى رئاسة أمريكا عبر خطاب شعبوي كالخطاب الذي يمارس في الدول الدكتاتورية. فالعدوى يمكن أن تمتد إلى أوروبا، وربما كان انتصار بعض الاحزاب المتطرفة أحد تاثيرات ترامب او ما يسمى بالترامبية.
تعتبر حرب أوكرانيا والضغوط التي ستواجه بها أوروبا في الشتاء عاملاً هاماً في التعجيل بتفكك الإتحاد الأوروبي. سنلاحظ أن بعض الدول مثل الميجر التي لا زالت تحتفظ بعلاقات مع روسيا، وقد وافقت على استمرار بناء روسيا لمفاعلين لها رغم الحرب، وتذمر الشعب الألماني ضد وقوف حكومة المانيا مع اوكرانيا ضد مصالح الشعب الألماني.. وإذا اشتدت الضغوط على أوروبا فإن تفكك الإتحاد الأوروبي سيكون حتمياً.
قبل سنوات تم منح الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل لتشجيع بقاء هذا الاتحاد واستمراره. غير أنني أرى أن بقاء الوحدة أضحى مسألة صعبة، وسيزداد صعوبة مع مضي الزمن. خاصة مع القفزات الاقتصادية الصينية، التي باتت تمثل تهديداً حقيقياً للصناعات الأوروبية، مع ضعف وبطء قرارات الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين اقتصادياً.
اعتماد الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات لم يعد مجدٍ، بل اثبت أن عواقب تلك العقوبات أخطر على أوروبا من اي مهددات أخرى.. كما أن اعتماد الاتحاد الأوروبي على أمريكا يجعل أوروبا رهينة القيد الأمريكي باستمرار هيمنة هذه الأخيرة على القرار الأوروبي.
لذلك أتوقع أن هذا الاتحاد قد لا يستمر لأكثر من خمس أو عشر سنوات قادمات على أكثر تقدير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى