المحامي علي ابوحبله - "الأمن مقابل النفط” في خطر وتوقع بتصدع علاقات السعودية بأمريكا

أدى إعلان منظمة "أوبك بلس" الخاصة بالدول المصدّرة للنفط خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً بداية من نوفمبر القادم إلى حالة من الغضب في واشنطن؛ حيث اعتبر نواب بالكونغرس وساسة القرار بمثابة إهانة بالغة من السعودية لبايدن بعد زيارته للرياض في يوليو الماضي، وطلبه مؤخراً من السعودية زيادة الإنتاج لتقليل سعر النفط عالمياً وخفض كلفة الطاقة على المواطن الأمريكي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم، ولتخفيف الأعباء عن حلفاء أمريكا الأوروبيين الذين ينتظرون شتاءً بارداً مع انقطاع الغاز الروسي. فما الذي أوصل العلاقة بين الحليفين إلى هذا المستوى؟ وما الدوافع السعودية لتبني مثل هذا القرار، مع التعهد بخفض إنتاج السعودية النفطي بمفرده نصف مليون برميل يومياً؟ وما الأدوات التي ستستخدمها واشنطن للرد؟ وهل وصل التحالف الأمريكي السعودي لنقطة اللا عودة؟

ويذكر أنه قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 14 فبراير 1945 اجتمع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن سفينة حربية في قناة السويس مع الملك عبد العزيز بن سعود لتدشين شراكة بين البلدين قامت على معادلة (النفط مقابل الأمن) وبمقتضاها أعطت الرياض للشركات الأمريكية الأولوية في التنقيب عن النفط واستخراجه مقابل الحصول على حماية أمريكية تكفل الأمن للسعودية من التهديدات المختلفة

ومع اندلاع الثورة الإيرانية التي تبنت تصدير الثورة لدول الجوار، وغزو السوفييت لأفغانستان عام 1979، واقترابهم من مياه الخليج الدافئة، أصدر الرئيس الأمريكي كارتر مبدأه الذي نص على التعهد بالدفاع عن حقول النفط في الخليج ضد أي عدوان خارجي، ومن ثم تعاونت واشنطن والرياض لاستنزاف الاتحاد السوفييتي قبل تفككه في أفغانستان، كما دعما العراق في حربه ضد إيران 1980-1988- وإن حرصت واشنطن سراً على استنزاف العراق وإيران لبعضهما البعض- وكذلك حشد الرئيس بوش الأب نصف مليون جندي أمريكي ضمن تحالف دولي للدفاع عن السعودية ضد الجيش العراقي واستعادة الكويت عام 1991، كما استطاع التحالف الأمريكي السعودي امتصاص تداعيات مشاركة 15 سعودياً في أحداث سبتمبر 2001، وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين تحت لافتة مكافحة الإرهاب

مع تسلم إدارة بإيدن لمهامها ظهرت علامات انزعاج سعوديه من السياسة الامريكيه وقد أرسلت الرياض مؤخراً عدة رسائل بهذا الخصوص ، وهو ما برز في إعلان التفاوض مع الصين حول بيع النفط باليوان بدلاً من الدولار، وتجنب السعودية إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، واشتراط ولي العهد السعودي زيارة الرئيس الأمريكي للرياض من أجل زيادة إنتاج النفط، وهو ما حدث في يوليو الماضي، ولكن حظي بايدن باستقبال باهت، وسرعان ما لعبت الرياض دوراً محورياً في قرار خفض إنتاج النفط الأخير، مما اعتُبر بمثابة إدارة ظهر السعودية لإدارة بإيدن قبيل انتخابات الكونغرس القادمة

رغم وجود مصلحة سعودية في ارتفاع سعر النفط نظرا لما يجلبه من عائدات ضخمة، ولمواجهة خطر انخفاض الطلب المنتظر على النفط في ظل مؤشرات الركود العالمي، فإن قرار تخفيض الإنتاج يشير إلى أن الرياض لم تعد تنظر لواشنطن كشريك في ملفات الطاقة والاقتصاد، فضلاً عما يعنيه القرار من دعم موسكو التي تستفيد من عائدات النفط المرتفعة في تمويل حربها بأوكرانيا، ودوره في تشديد الضغط على أوروبا التي تعاني من ارتفاع التضخم والزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة ،ورداً على قرار "أوبك بلس"، أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بياناً أعرب فيه عن (خيبة أمل بإيدن إزاء قرار خفض انتاج النفط .. موضحاً أن الإدارة الأمريكية ستتشاور مع الكونغرس بشأن آليات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة)، وهو ما سيعني حال حدوثه صداماً مباشراً بين واشنطن وأوبك، فيما بدأ بعض نواب الكونغرس بطرح مشروعات قوانين تقوض مظلة الحماية الأمريكية للسعودية، حيث أعلن النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي أنه سيقدم تشريعاً يقضي بسحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات، ، فيما قال النائب الديمقراطي كريس ميرفي ينبغي إعادة تقييم تحالف الولايات المتحدة مع السعودية.

إن قرار منظمة “أوبك +” بخفض إنتاجها النفطي بشكل كبير، بينما كانت الولايات المتحدة وفرنسا تطالبانها بزيادته، يؤكد متانة الروابط التي أقيمت بين السعودية وروسيا.

ويمثل قرار “أوبك +” الجديد الذي أثار غضب واشنطن، صفعة حقيقية وجهها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لحلفائه الغربيين، لا سيما الرئيسان الأمريكي جو بادين، والفرنسي إيمانويل ماكرون.

القرار الذي اتخذته منظمة “أوبك +” بقيادة الرياض، يُظهر أن دول الخليج تقف متضامنة مع موسكو وترفض إبعاد نفسها عن حليفها الروسي، العضو منذ عام 2016 في “أوبك +”.

فمنذ بداية الحرب، رفضت السعودية مع جيرانها الخليجيين، إدانة موسكو، مما أثار استياء الغربيين. وقد غادر الرئيس الأمريكي جو بايدن خالي الوفاض من زيارته إلى جدة في منتصف يوليو الماضي. بدوره، لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر حظا خلال استقباله ولي العهد السعودي في نهاية شهر يوليو بقصر الإليزيه. وأكد محمد بن سلمان نفسه كقائد، وأن أزمة الطاقة الحاصلة تؤكد أنه لا مفر من الأمير السعودي، ولا يمكن للضغط أن يؤثر عليه.

بن سلمان كما لو أنه أراد أن يُظهر لحلفائه الغربيين أن علاقاته الجيدة مع بوتين يمكن أن تكون مفيدة لهم، من خلال قيام الرياض بالوساطة التي نجحت في نهاية سبتمبر بإطلاق سراح سجناء غربيين، بينهم أمريكيون وبريطانيون- كانوا محتجزين لدى الروس في أوكرانيا.




.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى