أنسي الحاج - صدّق أو لا تصدق

أحياناً أعاود مطالعة الشعر الذي تحمّستُ له من زمان فلا أصدّق متى أغلق الكتاب وأرتاح من هذا الصدى! إيقاع الموت! أين تبخّرتْ تلك السكرات؟ أين عيناي؟ أين سحر الحروف؟
مللٌ يقتل. ما كان يلمع كالوعد بات ركاماً. هذا بودلير لا يُحتمل وهذا رمبو دعيّ المطلق. هذا الملك الضلّيل لا ينفتح له باب وذاك أبو نواس يتعثّر بالتمسخر ويقع في الطشط الجنسي اللزج وذلك المتنبّي لا يشبع من لحس دمه!
وشوقي، أحمد، الميزان الذي لم يحسم أين يميل!
ونحن معشر ديوك الحداثة أجهز أولادنا على الباقي بعدما فتحنا صندوق باندورا واندلقت منه أفاعي الكاوتشوك وعقارب القشّ. أعرنا أنفسنا لنكون جنود الهدم وبيادق القَدَر. أَطَعْنا إشاراتِ المرور الذي كان ممنوعاً وانتزعنا السدود وانتشينا بما تراءى لنا انتصاراً. ما كان أضعف خصمنا! ليتَ نستطيع إرجاعه من القبر! ولو لأيّامٍ نستأنف خلالها صراعنا وإيّاه. نُطيل أَجَلَه لتكون المهلة لتراجعنا أطول! لننتبه أنّ ما نفعله عقاب لنا ما بعده عقاب! تجنّبوا النصر! تجنّبوا النصر! ما من نصرٍ إلّا وراءه القبر! سلوا الإسكندر! سلوا يوليوس قيصر! سلوا صلاح الدين! سلوا فخر الدين! سلوا دون جوان! سلوا نابوليون! سلوا فكتور هوغو وبودلير ورمبو! سلوا دوستيوفسكي وشوبنهاور ونيتشه، سلوا سقراط وأفلاطون، سلوا موسى ويسوع ومحمد، سلوا أعواد المشانق ومقاصل الثورات، اسأل الكتب، اسأل شكسبير وسوفوكل وأوريبيد وأسخيلوس، اسأل دانتي وهوميروس، اسأل راسين ولافونتين وجبران، وماركس ولينين والماركي دو ساد، اسأل روحك، اسأل لياليك وأوهامك،
وصدّق أو لا تصدّق، سِيّان!
أعلى