أ. د. عادل الأسطة - في رحيل ياسر عرفات

لم أر ياسر عرفات، وجهاً لوجه، إلاّ مرة واحدة وذلك في العام 1998، يوم توزيع جوائز دولة فلسطين للمرة الثانية، كان ذلك في مدرج المرحوم ظافر المصري، في جامعة النجاح، ولم نتقابل عن قرب، كان يوزع الجوائز والى جانبه الشاعر محمود درويش والوزير، في حينه، السيد ياسر عبد ربه، وكنت اجلس على مقعد جهة اليسار، ربما تبادلنا النظر، وربما لم يكن يعرفني اطلاقاً، خلافاً لي فقد رأيت صوره مئات المرات، عبر الملصق، وعبر الجريدة، وعبر شاشات التلفاز، وربما لم اكتب عنه إلا اقل القليل، ربما أشرت اليه اشارات عابرة في نص "ليل الضفة الطويل"، ولكني قرأت الكثير مما كتب عنه. قرأت ما كتبه شعراء احب قراءة اشعارهم، مثل سعدي يوسف ومحمود درويش، وقرأت قصائد مجهولة المؤلف ربما لا يجدر الاشارة اليها في هذه المناسبة، وما يجدر ان يشار اليه الآن هو ما كتبه عنه محمود درويش، بعد خروج الثورة من بيروت، ونشرته جريدة "الشعب" المقدسية على صفحتها الاولى، في حينه، وكان ما كتبه درويش تحت عنوان "ياسر عرفات والبحر"، وقد عاد درويش وكتب ثانية عن ياسر عرفات في كتابه "ذاكرة للنسيان: سيرة يوم" وأبرز صورة ايجابية لأبي عمار، صورة كنت ايضاً ابرزها للرجل الذي عاد في بداية غزو لبنان، في حزيران من العام 1982 الى بيروت ليقف الى جانب المقاتلين ويقودهم، وكان بإمكانه ان يظل حيث كان، بعيداً عن معارك القتال، لكنه عاد، وعودته تلك تحسب له. وربما كنت من قلة دافعت عن قصيدة محمود درويش "مديح الظل العالي" رأيت فيها مديحا للفدائي المقاتل، وكان ابو عمار فدائياً لم يظن الحرب لعبة، ولم يمارس الهيجاء في ميدان التدريب، وحسب، بل مارسها في ميدان الحرب، على رأي المتنبي في مديح سيف الدولة والطعن في الهيجاء، غير الطعن في الميدان، وسأقدر موقفه في السنوات الاربع الاخيرة، وربما نكون نحن اهل الضفة والقطاع، نحن الذين نعيش الحصار الذي عاشه، وإن عشناه بصورة اقل، ربما نكون نحن اقدر الناس على احترام الرجل الذي كان بإمكانه ان يساوم حتى يخرج من حالة الحصار، ولكنه لم يساوم، وربما نكون نحن الذين سخرنا من موقفه، يوم عاد في تموز من العام 2000، من واشنطن، ظانين ان ما حدث يومها ليس سوى مسرحية، فقد تم طبخ الامور بين (كلينتون) و (باراك) و (عرفات)، ربما نكون الآن، بعد وفاة الرجل الذي لم يساوم، نشعر اكثر من غيرنا بعقدة الذنب، وربما نصدق الآن ما قاله له (كلينتون): اعرف انك لا يمكن ان تساوم على تاريخك. فالرجل ظل ملتزماً بخطوط حمراء لم يتجاوزها، حفاظاً على تاريخه النضالي.
لم أر ياسر عرفات، ولم اقابله، ولا استطيع ان اكتب عنه الكثير، وربما يكون هناك من هو اجدر مني بذلك، وربما انجح فقط في الكتابة عنه، من خلال تقصي صورته في نصوصنا الادبية التي ابرز اصحابها، جلهم، له فيها صورة ايجابية، ولكني لا استطيع ان اترك المناسبة تمر هكذا. وربما لا يكون هذا العيد عيدا، حقا ان الاعياد السابقة لم تكن لنا كذلك، غير ان الحزن هذا العام تضاعف لكثيرين، وكان عيدا حزينا.
في وداع ياسر عرفات ربما اذكر بقصيدة سعدي يوسف الشاعر العراقي، ليس اكثر:
لي وردة بيديك
قد أحببتُها، حتى بلغتُ منازلَ العشاق
لكن الحبيبة سوف تبقى في يديك.
لي وردة في الروح
كم غنيتها، حتى غدوتُ مغني الطرقات
لكن الأغاني سوف تبقى في يديك
لي وردة في الأرض
كم حاولتها، حتى بلغتُ مواقع الثوار
لكن المواقع سوف تبقى في يديك
قل إنها تذوي
وقل إن الرمال تدور حولك
والثلوج تحاصر الطرق البعيدة
والنساء ينحن
والأبناء يضطربون في الآفاق
قل إن السماء تضيق أيضاً
إن خبز الأهل مر
إن متراس الفقير الفقر
قل يا أيها الملك المتوّجُ بالشظية ما تقول
لكنني أدري بما خبأتَ تحت الجلد
أدري بالذي تنوي إذا ما اسودتِ الآفاق
وانقطعتْ بك الطرقات:
تذهب للبداية من نهايتها
وتقول للعشاق: هذي وردتي الاولى
لنضفرها على خصلات قنبلة
لندخل في النهاية
ما الذي كان ياسر عرفات يخبئه في سنوات الحصار الأربع القاسية المرة؟ وسواء أدسوا له السم في الطعام أم لا، فقد كانوا يقتلونه يومياً، والرحمة على (أبو عمار).


بقلم: عادل الاسطة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى