أ. د. عادل الأسطة - سحر خليفة: التحرر الاجتماعي مدخلا للتحرر الوطني (3)

سحر خليفة : التحرر الاجتماعي مدخلا للتحرر الوطني (3)
بقلم عادل الاسطة
Adel Osta
حين درس ( ادموند ولسون ) الناقد اﻷدبي النفسي ، الروائي ( شارلز ديكنز ) دراسة تجمع بين علم الاجتماع وعلم النفس " وحي الجمع اللبق " رأى أن هناك أمرين تركا أثرا على نفسيته ، وانعكسا في جميع أعماله وهما سجن أبيه في دين ، وإجبار أمه له على العمل في مصنع للدهان اﻷسود ، وهكذا درس ( ولسون ) الصدمات اﻷولى التي تعرض لها اﻷديب ليلحظ مدى انعكاسها في أعماله .
حتى اللحظة ، وربما يعود اﻷمر إلى قلة قراءتي ، أو إلى عدم إلمامي بالمشهد النقدي اﻷدبي في المنفى ، حتى اللحظة لم أقرأ دراسات طبق فيها أصحابها المنهج النفسي في دراسة أعمال محمود درويش وسميح القاسم و فدوى طوقان وسحر خليفة و جبرا ابراهيم جبرا . ولا أريد أن أضم غسان كنفاني إلى القائمة ، ﻷن حضور شخصيته في أعماله يكاد لا يذكر قياسا لحضور شخصيات اﻷدباء المذكورين في أعمالهم ، بخاصة بعد أن أسلمنا أكثرهم سيرته الذاتية أو ما يشبه سيرته الذاتية .
كتب سميح وجبرا وفدوى سيرهم الذاتية ، وكتب درويش ما يشبه السيرة الذاتية ، وأما سحر فحتى اللحظة لم تكتب سيرتها ، وربما ساعدها الفن الروائي على التخفي وراء شخصيات عديدة ، وربما اكتفت بكتابة ما يشبه المذكرات / السيرة ، و لو جزئيا ، في روايتها " مذكرات امرأة غير واقعية " 1986 .
كنت أشرت إلى أن سحر في " عباد الشمس " اختفت وراء رفيف ، وأن سمر في " باب الساحة " 1990 هي نسخة لا
تختلف كثيرا عن رفيف ، إلا في التفاصيل ، وكنت اقتبست من " عباد الشمس" فقرة يخاطب فيها الذكور رفيف بأنها غير قادرة على التخلص من عقدتها . ثمة عقدة ما تعاني منها رفيف ، كما يرى الذكور في الرواية ، وثمة فكرة محورية في أعمال سحر تمتد من أول أعمالها حتى آخر أعمالها " أرض وسماء " 2013 هي موقف المرأة من الرجل ، وهو موقف عدائي في الغالب . إن خضرة في" عباد الشمس " حين تفكر في الانتقام من الرجل الذي عذبها أو يعذبها تفكر في ضربه في منطقة حساسة - بين فخذيه - ، كأنها تريد خصاء الرجل ، وفي " أرض وسماء " تهمس ياسمين في أذن الساردة : " لماذا الرجل يصبح بطلا حين يعجز " (18) . وافتتاحية رواية " أرض وسماء " قد تجعل الذكر القاريء لروايات سحر ، يستعير سؤال الراوية وكلامها ، ليوجهه إلى سحر خليفة نفسها :
" اتصل ربيع ليقول لي ما قاله باﻷمس وأول أمس والماضي البعيد ، إن حبه لم يفتر بعد ، وإنه عاد إلى الحاضر ، كما في الماضي ورسم لي قلبا على رمل ووردة حمراء واسمي واسمه وصورة جميلة من ذاكرته ، أو ذاكرتي ، حين كنا معا في العهد القديم " ( ص 7 ).
إن ما قالته سحر باﻷمس وأول أمس والماضي البعيد تعود لتقوله في الحاضر .
تظل الحارة هي المكان اﻷكثر حضورا في روايات سحر ، حارة نابلس تحديدا ، وإن تنقلت في المكان ، وكتبت عن رام الله والقدس وحيفا وأميركا وبيروت ، وتظل فكرة تحرر المرأة أيضا حاضرة في روايتها ، ولا يتجنى المرء حين يرى هذا الرأي ، فليست سحر هي الكاتبة الوحيدة التي تتكرر اﻷفكار نفسها في رواياتها . وهي نفسها تدرك هذا ، فقد صدرت روايتها " أصل وفصل " 2009 ، صدرتها بعبارة ( باسكال ) : " لا تقولوا لي لم أقل شيئا جديدا . أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد " ويخيل إلي أنه لولا قناعة سحر التامة بمقولة ( باسكال ) لما صدرت بها روايتها ، ويخيل إلي أننا لن نجافي الحقيقة حين نجعل العبارة ترد على لسان سحر نفسها . كأنها هي المتكلم . إن جديد روايات سحر يختلف عن قديمه في أن الكاتبة أخذت تولي الجانب الفني عناية أكبر . اﻷفكار هي اﻷفكار ، ولكن أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد .
أكثر روايات سحر اﻷولى كانت تصويرا لواقع كانت الكاتبة شاهدة عليه ، بل وربما شاركت فيه ، وأكثر من هذا فقد عانت مما عانت منه بعض بطلات رواياتها ، وأخص بالذكر هنا رواية " مذكرات امرأة غير واقعية ".
تختلف رواية " أصل وفصل " عن روايات سحر حتى العام 2004 - أي حتى " ربيع حار " ، تختلف عنها في أنها تقص عن فترة زمنية لم تكن شاهدة عليها ، فالزمن الروائي للرواية يتوقف عند العام 1937. ومع هذا فإن صورة المرأة هنا لا تكاد تختلف عن صورتها في روايات سحر إلا في أن صورة المرأة العربية غير المتعلمة تبدو صورة كاريكاتورية مضحكة جدا . أما المرأة العربية المتعلمة ، وكانت استثناء وعملة نادرة ، فبدت مختلفة ، وهو ما تقوله صورة الغلاف وتشير إليه والصورة ترد في ص 157 من الرواية وهي مأخوذة من كتاب د . وليد الخالدي " قبل منفاهم ".
في " باب الساحة " يترك أبو عزام بيته ، ويقضي وقتا مع امرأة أخرى غير زوجته ، وفي " أصل وفصل " يترك رشاد زوجته رشا ليقيم علاقة مع الفتاة اليهودية سارة ، وتذهب رشا وأخوها وحيد إلى الكيبوتس الإسرائيلي عخشاف ، ليقنعا سارة بالتخلي عن رشاد .
إن فصل " في كيبوتس عخشاف " فصل روائي طريف جدا حقا ( 193 - 222 ) . وروح الرواية ، وهذا هو المهم ، تقول فكرة مهمة لا تلح على ذهن سحر وحسب ، وهي كيف يمكن أن نتحرر ونساؤنا على شاكلة رشا .إنها امرأة تفكيرها محدود محصور ، امرأة ساذجة لا يهمها من هذه الدنيا شيء ولا تعرف أبعد من حدود زوجها وأولادها والذهب والطعام و ... وأما الوطن فهي لا تعرف عنه شيئا ، ﻷن الرجل حشرها في الحرم / الحريم ، وأغلق عليها المنزل .
وتقابل هذه المرأة المرأة اليهودية التي تشارك في الحياة العامة وتقود الجرار وتبني وطنا ، بمشاركة الرجل . المرأة التي تحررت من الحجاب وسيطرة الرجل . هل يستحضر المرء هنا عبارة فدوى طوقان : كيف وبأي حق يطلب مني أبي أن أكتب قصائدقصائد سياسية وهو لا يسمح لي بالمشاركة في أي نشاط سياسي .
انتهى المقال .
( بعد نشر هذا المقال نشرت سحر خليفة سيرتها " روايتي لروايتي " وكنبت عنها مقالا نشرته في الأيام )
نشر المقال يوم الأحد في الأيام الفلسطينية في
13 / 11 / 2015

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى