أ. د. عادل الأسطة - موتيفات وأفكار في الأدب الفلسطيني . موتيف الإخوة.. صورة الإخوة في الرواية الفلسطينية: "صرنا أقل ذكاء"

على كثرة الروايات الفلسطينية الصادرة فإن موضوعاتها تخلو من موضوعات وأفكار عرفها الأدب العالمي ، ويبدو أننا " صرنا أقل ذكاء " - وهذا سطر شعري لمحمود درويش وقد استخدمه قبله دارسون إسرائيليون في دراسة الأدب الإسرائيلي ، وقد وظفته من قبل في كثير من كتاباتي ، فما الذي استجد ؟
مؤخرا قرأت روايتين فلسطينيتين صدرتا في العامين الأخيرين ٢٠٢٢ و ٢٠٢٠ وتوقفت أمام موضوع / فكرة / لازمة الإخوة فيهما ، وهي فكرة حضورها قليل في الرواية الفلسطينية - أقر بأنني لم أقرأ الروايات الصادرة كلها - إذا ما قورن حضورها بالكتابة عن الاحتلال والسجن والمخيم والمنفى ، فنكبة ١٩٤٨ وما ترتب عليها فرضت موضوعات محددة على روايتنا وأقصت موضوعات أخرى منها العلاقات بين الإخوة ، فلم تحضر هذه الموضوعات حضورا لافتا . خذوا روايتنا قبل ١٩٤٨ . إنها تخلو منها تماما . خذوا روايتنا بعد ١٩٤٨ حتى ١٩٨٧ ممثلة في روايات كنفاني وجبرا وحبيبي وسحر خليفة ، فنادرا ما تقرأون رواية عائلية تأتي على العلاقات بين الإخوة ؛ توافقهم أو اختلافهم فصراعهم ، ونادرا ما تقرأون عن إخوة متصارعين أعداء كقابيل وهابيل ويوسف وإخوته والإخوة كرامازوف والإخوة الأعداء و ... .
هل اختلف الأمر بعد أوسلو ١٩٩٣ حين عاد بعض الفلسطينيين إلى غزة والقدس والضفة الغربية ؟ وهل اختلفوا على ميراث ما ؟ وهل كانت العلاقات بين الإخوة قبل أوسلو سمنا على عسل ؟ وحتى لو كانت كذلك حقا ، فلماذا لم يصورها الروائيون ؟
عندما توفي منيف البرغوثي كتب أخوه الشاعر مريد قصيدة رثاء فيه ، وعندما كتبت زوجة مريد رضوى عاشور روايتها " الطنطورية " ( ٢٠١٢ ) تناولت عائلة فلسطينية كانت العلاقة فيها بين الإخوة إيجابية ، وأغلب الظن أنها استلهمتها من شكل العلاقة بين منيف ومريد وأسرتهما . الإخوة متحابون متعاطفون متكاتفون والأخ الأكبر هو الأب الثاني ، ومرة كتبت تحت هذا العنوان متكئا على ما كتبه مريد ورضوى ( أنظر مقالي " أثر مريد البرغوثي في الآخرين ، موقع عرب ٤٨ ، فسحة ثقافية ١٧ / ٢ / ٢٠٢١ ) ، غير أن الأمر ليس كذلك في الروايتين الأخيرتين اللتين قرأتهما وفيما عشته وخبرته في بيئتي ؛ في مدينة نابلس ومخيم عسكر القديم وفي الريف الفلسطيني أيضا ، فالعلاقة بين قابيل وهابيل والعلاقة بين يوسف وإخوته ووغيرهم كانت لي بارزة ويكثر الحديث عنها أيضا ، ولقد عرفت إخوة أحبوا بعضهم ووقفوا معا في السراء والضراء ، وإخوة اقتتلوا فيما بينهم وقاطعوا بعضهم بعضا لدرجة أن قسما منهم لم يحضر أية مناسبة عائلية ، فرحا كانت أو ترحا .
هل كان للموضوع الوطني تأثيره ، سلبا أو إيجابا ، على العلاقة بين الإخوة في الحياة وبعد الممات ؟
أشير هنا إلى رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) ، فالأخ فيها يقتل أخاه العميل ، وهذا ما كتب عنه في ٥٠ القرن ٢٠ كنفاني في قصة " درب إلى خائن " ، وأشير إلى رواية عاطف أبو سيف " حياة معلّقة " ( ٢٠١٥ ) فالأخ يمجد أخاه الشهيد ويبرز له صورة إيجابية .
في رواية سعاد العامري " بدلة إنكليزية وبقرة يهودية " (٢٠٢٠) نقرأ عن عائلة فلسطينية من مدينة يافا لم تبد فيها العلاقة بين الأخوين إسماعيل وحبيب الأصغر منه سمنا على عسل ، إذ كان لكل واحد منهما عالمه الخاص ؛ الأول يعمل في البيارات ولا يعرف إلا بيته وصلاته وعمله ولا يتدخل في السياسة ، والثاني وهو الأصغر يجلس في المقاهي ويذهب إلى الكرخانات حيث اليهوديات وهو يحب الحياة . إنه أقرب إلى شخصية بوهيمية ، وغالبا ما يناقش في السياسة وحين تحتدم المعارك في محيط يافا في العام ١٩٤٨ يحمل السلاح ويقاتل دفاعا عن قضيته ووطنه ، وهذا ما لم يقدم عليه إسماعيل .
كان إسماعيل غالبا ما يخاطب ابنه صبحي حين يحاججه ويرفض أوامره بأنه مثل عمه هامل " الشرب والتدخين والشراميط والتهريب والمشاكل والطوش اللي ما بتخلص ، هاد غير البارودة اللي لقيوها الإنكليز تحت تخته " و " وكمان الصحبة وشغل الجلا جلا مع أصحابه اليهود والانكليز وكمان وكمان " .
وفي رواية فاروق وادي " سوداد : هاوية الغزالة " نقرأ عن ثلاثة إخوة يختلفون فيما بينهم سلوكا وتوجهات ونمط حياة ؛ يسافر اثنان منهما من رام الله إلى الكويت في ٦٠ القرن ٢٠ ، وهما علاء وياسين ، ليعملا هناك . ينصرف الأكبر علاء إلى العمل والزواج والإخلاص لزوجته ، ويميل ياسين إلى النساء فيقيم علاقات مع غير امرأة ويسلك طرقا ملتوية كادت تؤدي به إلى القتل ، ويختلف الأخوان معا بسبب المال ، ويختلف عنهما أخوهما الأصغر الذي يروي لنا جانبا عن العلاقات بينهم :
" إن ياسين اختار القطيعة مع أخويه ، معي ومع شقيقنا الأكبر علاء الذي انتقل مع عائلته للإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن اشترى محطة بنزين وسوبرماركت في " إلينوي " ... جاءت القطيعة مع الأخ الأكبر ، لأنه حمله مسؤولية ضياع الشقة العائدة إليه ، أما القطيعة معي ، فقد جاءت بعد ذلك ، وتحديدا بعد أن وقفت مبدئيا مع صاحب الحق وطالبت ياسبن بتعويض علاء عن خسارته ، وما عزز القطيعة أن الوالدين قد رحلا إلى الرفيق الأعلى ..." .
مرة سألني أحد طلابي ممن أنهوا الدكتوراه عن العلاقات بين الإخوة في الرواية الفلسطينية ، ولعل هذه المقالة تقارب الموضوع .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
( يمكن هنا أيضا الإشارة إلى روايات أخرى مثلا رواية حزامى حبايب " مخمل " ورواية محمود شقير " مديح لنساء العائلة " وروايات روائيين آخرين اهتموا بالجانب الاحتماعي مثل جميل السلحوت )
الاثنين إلى الجمعة
٧ و ١١ / ١١ / ٢٠٢٢



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى