أ. د. عادل الأسطة - فدوى طوقان وسحر خليفة: " التحرر الاجتماعي مدخلا للتحرر الوطني" (4)

( الحلقة الرابعة اﻷخيرة من الجزء الثاني من الدراسة ، وأما الجزء اﻷول فكان خاصا بفدوى طوقان وحدها ولم ينشر )


في مقدمتها لموسوعة اﻷدب الفلسطيني أتت د. سلمى الخضراء الجيوسي على تجربة الشاعر توفيق صايغ واختلافها عن تجارب بقية شعراء عصره،فصايغ كتب قصيدة النثر التي لم تكن مألوفة أو مستساغة ،ولم تتقبل في حينه ، وهو خالف شعراء عصره أيضا في أنه لم يكتب في الموضوع الوطني ،وأنه رأى نفسه ضحية عصره لا بطله ، وابتعد عن النزعة الخطابية أيضا. ولم تلتفت د.سلمى إلى تجربة فدوى طوقان بالقدر نفسه ، لترى أيضا فيها تميزا واختلافا عن شعراء تلك الحقبة :أبو سلمي و خليل زقطان وهارون هاشم رشيد والعدناني والعبوشي وعبد الرحيم عمر أيضا.
لقد أصدرت فدوى أربع مجموعات شعرية تمحورت حول ذاتها ووحدتها وغربتها وحبها و رثاء أقاربها،وبالكاد لامست الموضوع الوطني .و غالبا ما أقرن اسم فدوى باسم توفيق صايغ حين أدرس شعر النكبة.
كانت تجربة فدوى قاسية جدا،ما ترك أثرا على موضوعات شعرها و أسلوبها في الكتابة، حتى إن قول (بوفون) : "اﻷسلوب هو الرجل نفسه " ينطبق عليها ،ولي أن أحور : "اﻷسلوب هو الكاتب /ة نفسه /ا "،ففدوى في سيرتها "رحلة صعبة ....رحلة جبلية " تأتي على خجلها وهدوئها وانسحابها و عدم عدوانيتها ، ومسالمتها ، وإنها تكره الضجيج وتحب الهدوء والموسيقى : "السطح يثرثر ، والعمق هاديء " .وحين كتبت عبرت عما تعيش وتشاهد ، وعلمتها تجربتها أشياء كثيرة ،و ﻷنها قمعت و حشرت في الحرم /الحريم ، فإنها أخذت تنشد الحرية ،و لطالما تغنت بتحرر المرأة ونزعها الحجاب.(ظلت فدوى في لباسها عصرية ومودرن بكل ما تحمله الكلمة من معنى :أزياء أوروبية ولا حجاب )
ومع أنها تأتي في سيرتها على ملاحطات معارفها وأصدقائها لها بضرورة التخلص من كتابة الشعر الذاتي ،وكتابة الشعر الذي يعبر عن تجربة جماعية ،وأن تكتب قصائد تقوم على التواصل بينها وبين الجمهور ،إلا أنها لم تتمكن من هذا حتى حزيران 1967.
ما أنجزته فدوى ما بين 1948 و1967 لم يحارب إلا من نقاد ماركسيين حيث رأوا أن الشاعرة منكفئة على ذاتها.والطريف أنه في الفترة نفسها ،في فلسطين 1948، تحت الحكم الإسرائيلي ، صدرت رواية "المشوهون "للكاتب توفيق فياض ،وهي رواية تعالج جانبا اجتماعيا ، وتجري أحداثها في مدينة الناصرة ، وقد شن على الرواية هجوم عنيف ، ولم يرحب بها كثيرا ، بسبب موضوعها الذي بدا مغايرا للنغمة التي سادت في اﻷدب الفلسطيني المقاوم في فلسطين ، خيث كان أكثره موجها لمقاومة المحتل الإسرائيلي وسياسة دولته ، .وقصائد الحب والغزل ،والقصائد التي عالجت م
وضوعات اجتماعية كانت في أدبيات تلك الفترة قليلة.وربما لا يذكر أحد ،الآن ، رواية عطاالله منصور "وبقيت سميرة " (1963) وفيها يأتي على مشاكل المجتمع العربي وهمومه ،ويقارن ما بينها وبين المجتمع الإسرائيلي ، حيث يجري حوار بين هداسا اليهودية وسميرة الفلسطينية ، تقر فيه اﻷخيرة ، بسبب تجربتها مع رياض ، بتخلف المجتمع العربي ،وتنشد التحرر الاجتماعي لتحيا كما تحيا هداسا.
ما عالجه عطا الله منصور في روايته كان مرحبا به من بعض المثقفين الصهيونيين ومن بعض الجهات الحاكمة ، فهذه حثت الكتاب واﻷدباء العرب على الخوض في موضوعات المجتمع العربي وما يعانيه من مشاكل اجتماعية وتخلف اجتماعي.ولم يرحب اﻷدباء العرب بهذا الاقتراح /الطلب ،ورأوا أن مشاكل الفلسطينيين الحقيقية ناجمة عن تشريد الشعب الفلسطيني ،وتحول ما بقي منه من سكان إلى أقلية فرض عليها الحكم العسكري ،ومن قيام الدولة العبرية ،وظل أكثر أكثر اﻷدب المكتوب في فلسطين ،سواء في القصة القصيرة أو الشعر أو الرواية ،منصبا على الموضوع الوطني.وقد عالج غسان كنفاني في كتابه "اﻷدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968 "هذه القضية ، وتوقف أمام ما طرحته مجلة "هذا الهالم " في إحدى ندواتها عن "تأخر المجتمع العربي في إسرائيل " (اﻷعمال الكاملة .ص 238 وما بعدها ).
ليس غريبا أن تقرأ لمحمود درويش في ديوانه "حالة حصار "2002 اﻷسطر التالية:
كتبت عن الحب عشرين سطرا
فخيل لي
أن هذا الحصار
تراجع عشرين مترا
إنها أسطر معبرة لطالما توقفت أمامها شخصيا وأنا أعالج موضوعات الشعر الفلسطيني أو أثر الانتفاضة على الحركة اﻷدبية.
ما بين 1994-2000 خرجت دواوين محمود درويش الصادرة ، وتحديدا "سرير الغريبة " 1999 و "جدارية "2000 ،خرجت عن الموضوع الوطني الذي غلب على أشعار الشاعر منذ 1964 -أي منذ ديوانه الثاني "أوراق الزيتون " .ولقد ظل الشاعر ، ومثله القاسم وزياد و جبران ، وحبيبي في النثر ،ظلوا منشغلين بالهم الوطني ،ولم يلتفتوا إلى الجانب الاجتماعي كثيرا ، وربما يعود السبب إلى أنهم كانوا ذكورا في مجتمع ذكوري ، وإلى أنهم لم يعانوا اجتماعيا كما عانوا وطنيا.
تختلف فدوى طوقان وسحر خليفة عن هؤلاء اﻷدباء في أنهما قمعتا اجتماعيا.منعت فدوى من الذهاب إلى المدرسة وهي في الحادية عشرة من عمرها،ولم توفق سحر خليفة في زواجها في مجتمع ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة سلبية.ويبدو أن هذا القمع الاجتماعي جعلهما تسيران في مسار مختلف نوعا ما.لم تغد فدوى شاعرة وطنية إلا بعد هزيمة 1967 ،ونشرت سحر نصوصها بعد العام 1974 ،حين كانت تعاني من المجتمع ومن الاحتلال أيضا.وﻷنهما عانتا من المجتمع النابلسي الكثير الكثير ، فقد وجدتا في الشعر والرواية والسيرة متنفسا لهما في التعبير عن معاناتهما ومعاناة المرأة .وهذا ما عبرت عنه الست زكية في "باب الساحة " : "صارت ترشق الحجارة وتخلص الولاد وتخبيء الشباب وتتظاهر ؟ مفهوم ، بس همها زاد كثير. همومها القديمة بقيت على حالها وهمومها الجديدة ما بتنعد " (ص20).
وعموما فإن نصوص فدوى وسحر نصوص تدعو إلى التحرر الاجتماعي ،فلا يوجد تحرر وطني إذا لم يتحرر نصف المجتمع.ماتت فدوى في نابلس ، ورحلت سحر إلى عمان ،وما زال الوطن محتلا ولم تنجز سحر أي تحرر.هل يئست ؟
تقرؤون بقية المقال في اﻷيام الفلسطينية /اﻷحد 22/11/2015.
وهو قفلة الكتابة عن الموضوع(التحرر الاجتماعي مدخلا للتحرر الوطني-فدوى طوقان وسحر خليفة مثالا)وقد كتبت الدراسة لإلقاء محاضرة في جامعة ليل بفرنسا ،وكان يجب أن أسافر ﻷلقيها،ولكن مواعيد السفر والطائرات والمدة الزمنية ،كل هذه جعلتني ألغي السفر.

15/11/2015

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى