علجية عيش - هذه قصّة المعلم الأثري "عين الفوّارة" بعاصمة الهضاب العليا في الجزائر

“بئر” داخل “معلم أثري” بسطيف مياهه شفاءٌ لكل الأمراض

( حمامات و مغارات تقود إلى منطقة جميلة على بعد 70 كلم تحت الأرض ما تزال مجهولة)

اشتهرت مدينة سطيف بحدائقها و عيونها الثلاثة عين الفوارة و عين دروج و عين سبيطار، و سال حولها الكثير من الحبر، تغنّى بها الشعراء و الفنانون، كل واحد منهم قال موّاله، فأصبحت هذه العيون من المعالم الأثرية التي تزخر بها مدينة سطيف، و لكل من هذه العيون قصة، خاصة بالنسبة لعين الفوارة التي يتوسط تمثالها ساحة الاستقلال بقلب مدينة سطيف، و التمثال المصنوع من الرخام و المرمر، جيء به سنة 1889 من متحف الفنون الجميلة بباريس إلى سطيف


هذا المعلم الأثري
أصبح قبلة للزوار من كل ولايات الوطن، و موقع جلب السياح من خارج الجزائر، ليس لالتقاط صورة فحسب، و إنما للتبرك به و الاستشفاء، و لطالما امتثل للشفاء العديد من الذين قصدوا هذه العين، و زالت علتهم، بسبب صفاء مائها و نقاوته و نوعيته، لدرجة أن عين الفوارة أصبحت مزارا للتبرك، بل أصبحت هذه العادة “سنة مؤكدة” عند بعض النساء اللاتي يجلبن معهن الفتيات من أجل علاجهن من السحر، و تحقيق أمنياتهن و الفوز بعريس، و رغم تعرض عين الفوارة إلى التفجير في عام 1997 بقنبلة تقليدية على يد الجماعات الإرهابية، غير أن الناس و من كل المناطق ما زالوا يعتقدون أن هذا التمثال و هو يعود لامرأة فرنسية تنتمي إلى الراهبات في يدها البركة، لكن الاستعمار تعمد بناء مجسما لها و هي عارية، من أجل استفزاز الجزائريين و تكسير عاداتهم و تقاليدهم، و قد عمدت السلطات المحلية بعد ترميم عين الفوارة إلى وضع كاميرات مراقبة من أجل حمايته.

لكن من أين يأتي الماء؟ فالجميع يجهل مصدره ، و لا يعرف من أين يأتي و لماذا لم تجف عين الفوارة و عين دروج ، السرّ وجدناه عند السيد شواش بخوش، إثر زيارتنا حديقة رفاوي ساعد بوسط مدينة سطيف، هي ليست حديقة فقط، بل تحوي معلما أثريا مهما جدا، وهي الحمامات الرومانية، اقتربنا من منزل السيد شواش المحاذي لهذا المعلم ، و ما إن طرقنا الباب حتى فتح لنا قلبه للحديث معنا، عمّي شواش هو رجل مُسِنٌّ عمره 82 سنة ، و رغم ضعف بصره و حالته الصحية المتدهورة، فهو ما يزال قائما على حراسة هذا المعلم الأثري ، و السهر على نظافته، يقول عمّي شواش أنه يقوم بهذا العمل منذ 60 سنة، و اكتشاف هذه الحمامات تعود إلى العهد الاستعماري، حيث كانت مغطاة بالخشب على شكل سقف، و لما انهارت الأخشاب ظهرت هذه الحمامات، التي تعود إلى العهد الروماني، الحمامات جاءت مربعة الشكل، لها مدخلان عن طريق سلالم، أرضيتها مبنية بالحجارة المربعة الكبيرة ، يتوسطها خزان ماء، و تحيط بها نافورات، و خزانات، و منابع مائية فوقها رأس حيوان منقوش، و في الوسط مدخل يشبه القوس، و غرفة مغلقة، بعد دخولنا إليها يوجد بها “بئر” كبيرة ، حسب المتحدث عمره 29 قرنا، و هو على عمق 25 مترا، ماؤه عذب ، و يعد من أفضل المياه المعدنية الموجودة في الجزائر صفاء و نقاوة.

كما يستعمل ماؤه لعلاج الأمراض، بعد القيام بتحليله باستعمال أدوية خاصة و كل ما يلزم لذلك، من أجل التأكد من صحة الماء و سلامته، و قد دعم بقنوات لجلب الماء و تزويد عين الفوارة، و عين دروج، و عين سبيطار بالماء الصافي، غير أن هذه القنوات بدأت تتآكل أصابها الصدأ بسبب قدمها، و هي تتطلب إعادة تجديدها، لقد تعددت الكتابات عن هذه المعالم، لدرجة أن كل من كتبوا عنها وقعوا في حبها، و الحقيقة هي ان عين الفوارة و عين دروج مكان ساحر، لا يستطيع الزائر مفارقتهما، و كلما شرب أحد من مائهما العذب إلا و ازداد عطشا ، فيعود إليها، ما يجهله سكان مدينة سطيف يقول عمي شواش أنه و حسب الروايات، توجد بهذه الحديقة مغارات تؤدي إلى مقر الولاية، و مغارات أخرى تؤدي إلى منطقة جميلة على بعد 70 كلم، و حول هذه المغارات يضيف عمي شواش أنه لا أحد من المسؤولين حاول التنقيب عنها و اكتشافها، من خلال تشكيل لجنة من الخبراء و المختصين، ليوضح أن ما يهم هو القنوات التي أكلها الصدأ و لم تخضع إلى التجديد إلى اليوم، جاء موقع هذه الحمامات في الركن الأعلى من الحديقة، و كانت في السنوات الماضية يدخلها الجمهور، لكن وقعت مشاكل أخلاقية، أين تم غلقها بقرار من السلطات المحلية، و لم يعد يسمح بدخولها، حسبما أكده لنا أحد أعوان أمن الحديقة، الذي منعنا في بداية الأمر دخول هذا المعلم ، إلا بعد ترخيص من المكلف بحراستها.

الغريب في الأمر أن كل من سألناهم من الذين كانوا متواجدين بحديقة رفاوي ساعد يجهلون تاريخ هذه الحمامات ، ما تأسّف له عمي شواش هو أن تحت هذه الحديقة آثارا تاريخية يجهلها الكثيرون، و هي تحتاج إلى مختصين في علم الآثار، للتنقيب عنها ، كما تأسف له أيضا هو أن شباب اليوم لا يعبأ بمثل هذه الأعمال و يرى أنها مضيعة للوقت، و قال لنا بالحرف الواحد أن هذا الجيل لا يحب العمل و يبحث عن الجاهز، عكْسُنا نحن، يضيف عمي شواش قائلا: ” أيام الاستعمار أي قبل الثورة كنا نتعرض إلى الجوع و العراء، و أجبرنا على أكل النخالة و الحشيش”، و لكننا كنا نقوم بكل الأعمال، لكن شباب اليوم يرفض القيام بمثل هذه الأعمال، إن هذه المعالم كما أكد السيد شواش بخوش يؤكد على ما تتوفر عليه مدينة سطيف من تراث ثقافي مادي يحتاج إلى يد فنية متخصصة، لتعيد له الاعتبار ، و يجعل من مدينة سطيف مدينة سياحية بامتياز.

روبورتاج علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى