فتحي مهذب - قاهر وحش الكورونا.

الشمس حدقة عملاقة مأهولة بطبقة من الضباب الكثيف.
إقترب موعد الدفن.
تقترب النهاية مثل فقمة من التابوت الذي ينتظر الهبوط إلى قاع الأبدية.
المقبرة هادئة مزدانة بآلاف شواهد القبور. بعض عصافير الدوري تمثل أوركسترا جنائزية ما فتئت تقرع الأجراس إحتفاء بالقادمين الجدد.
على غرة تناهى إلى سمعي صوت لا يشبه الأصوات التي عهدتها في دار الدنيا صوت يشبه جعجعة الطواحين.
- هل أنت فتحي ؟
- كلا أنا كنغر صغير فر من ذئاب السافانا ليلة أمس.
- لم تزل تمارس لعبة الشعر وأنت جثة متعفنة متعطنة معبأة برائحة خفافيش كورونا.
-أنت كذاب.
- أنت ديكتاتور فظ غليظ القلب اعتقلت جسدك الجميل ستين سنة أشبعته ركلا ودهسا مفرغا إياه من كل معنى ودلالة .
- أنظر إلي جيدا يا فتحي .
- حدق في تفاصيل وجهي المغضن وقروني المعقوفة وقبعتي الملونة التي تشبه قبعة البهلوان في السيرك.
- أنظر إلى جزمتي المصنوعة من عظام الأموات .
- حاولت النظر ولكن خانتني عيناي الكليلتان وارتد إلي البصر كما لو أنه في محاق تام.
لم تزل تتناهى إلى سمعي قعقعة آلة عملاقة لحفر القبور بينما سائقها من وراء النافذة الزجاجية يخاطب أحد مسؤولي دفن الموتى بفيروس كورونا.
- هل أعمق الحفرة أكثر؟
- نعم لتكن حفرة عميقة لهذه الجثة الملعونة. ليكن النسيان صديقه الأبدي. ليرقد هادئا في قاع هذه الهاوية.
تعالى أزيز آلة الحفر مرة ثانية.
في هذه الجنازة الخريفية الموحشة لم يحضر إلا بعض الأنفار ملثمين كما لو أنهم جاؤوا من أقصى المدينة لدفن جثة أحد الغرباء.
-قال أحدهم بنبرة قس :
أنا أعرف هذا الشخص جيدا.
إنه مجدف كافر منطيق لم تطأ قدماه القذرتان جامعا ولا كنيسة
ولم يلج نور الإيمان سويداء قلبه.
إنه رأس من رؤوس الكفر لعنة الله عليه إلى يوم يبعثون.
- فأجابه الثاني :
لا تكفر الناس يا هذا.
قد يبدو لك هكذا في الظاهر بينما هو في الحقيقة أشد وأعمق إيمانا منك ومن أضرابك.
تدخل أحد الحاضرين وأطفأ نار النزاع التي شبت سريعا بين الرجلين.
الموتى في حالة استنفار قصوى.
صديق كلاسيكي سيحل عليهم ضيفا هذا المساء يزين جبهته وباء كورونا بتاج من الديدان القرمة.
القبار اليوم في قمة لحظته الحداثية إنه لا يستعمل أدوات بدائية مثل الفأس والرفش بل يحفر الأرض بآلة ضخمة كما لو أنه ينقب وينقر عن بئر للبترول أو كنوز ذهبية لأحد ملوك الفراعنة.
بدأت أشعر بالغضب والملل.
كيف مرت حياتي بهذه السرعة المذهلة؟ وكيف إنتهت بهذا الشكل المجاني المقيت؟
فجأة أحسست بشيء معدني يمسك التابوت ويرفعه إلى أعلى
ثم يلقي به في أسفل السافلين.
دفعة واحدة كما لو أنه شيء مثير للتقزز لم يك بد من التخلص منه بهذه الطريقة الميكانيكية الفجة. أطلقت صرخة مدوية إهتزت لها قوائم زوجتي وارتعدت مفاصل نافذة حجرة النوم.
- ما بك عزيزيز؟
أنت بأمان لقد فر وحش كورونا من كوة الباب تاركا مخالبه مغروزة في ثيابك التي يكسوها العرق.
- أنت بخير وأمان.
أنت بطل أسطوري إستطاع إلحاق الهزيمة بهذا الشيطان المارد الذي فتك بآلاف الأرواح وروع ملايين الأناسي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى