عصري فياض - يا نابلس...

سيِّدة ٌ من ياسمين،جَديلتيّها المتوازيتين شلالٌ قادم من نهر "بردة "،يَصُبُ بيت العرين،...
سيِّدةٌ كتفيّها "عيبال " و"جرزيم"،تنقل عليها جَرَّةَ الدمع،لتسقى أطفالها المقهورين من المخفيَّة لرأس العيّْن...
طَوّقُ جيدها سبحة ٌ حَباتها،شُكَّتْ من قرنفلٍ،وشَقَائِقَ،وإكليل غارِ،عُمِّدت بتعاويذ شيّخٍ،جلس قبل الفجر،يناجي ربه في مسجد التميميّ،يُرَتِلُ آيات الصابرين...
هي نابلس،التي يَخْجَلُ منها التاريخ،منذ أن دفنها قيصر روما بالمَلْحْ،فما جَزِعَتْ،بل حوَّلَت صبَر المَلْحِ لذة ً للآكلين...هي نابلس التي ما أوجعها مِنَجانِيقَ عثمان،ولا سبيَّ بعضُ قِطافُهَا،فَنَقَلَتْ بعض صهيل صوتها إلى مرج بن عامر،لتبذر فيه ينابيع الشهامة من "بلد الشيخ" إلى "جنين".
هي نابلس،جبلُ النَّارِ التي على فُرْسَانُها جبالَ روما،وكانوا أولَّ من كَسَرَ شوكة الفاشيين في إيطاليا،وثأر لابن المُختار وحرائر ليبيا،وأقْنَعَ العالمَ أن الهزيمة ممكنة لعتاة النازّيين...
هي نابلس التي كانت عِقَالَ الثورة،وشريانُ مَدَدِها،غضبُ الحرِّ،ولعنة ٌ كَبَسَتْ رأس "بلفــور"،مرَّغتْ أنف البريطانيين...
هي نابلس،ومن ذا الذي لا يَعْرِفُهَا،يَجْهَلُ نَفْسَه...فهيَّ بيت الثورة،حُضْنُ بذرتها،ماءٌ غذى أغصانها،دمٌ روى ورّدها وأشواكها،لَحنٌ جميل ٌ في أوتارها،نسيمٌ عليلٌ يراقصُ أوراقها...
اليوم،كبروا صغارها،أصبحوا ثوار...لم يعودوا يطيقون الانتظار،لقد سئموا الكذبَ والجدلَ،وكل وعودِ السرابِ والاحتقارْ...في نوازعهم ميراث رفضٍ للذلْ...لقد مزقوا مفاهيم بُلِيَت،وحملوا السلاح،وقال فيهم النطق المباح،"لا عاشت الارواح إن لم تحيا تحت ظل الاسِنَّة والرِماح"...
لقد قالت نابلس اليوم كلمتها،مطرُ الدَّم هذا الذي هَطَلْ،وفاءٌ من أبنائها حتى يظلَّ حِمَاهَا،إمتداد ثورة يسكن أقواس بلدتها، ويُعطر سماها،رائحةُ مِسكٍ جُبِلَتْ من حناءٍ على يدها،وزغرودةُ فَخْرٍ لَعْلَعَتْ من فاها،رهام ُعشقٍ متجددٍ خفق في قلبها، وبان نورا في محياها...
يا نابلس،يا باقةً من عَشرةٍ،ومئاتٌ التفوا حوّلكِ،تدفقوا يحيون عرسك،يحرسون صهيلك،لا تستكثري سخاء مَهْرِكِ،فلوْ باع المئات أرواحهم من أجلك،وبذل الالف مُهَجَهُمْ صوناً لعِزْكِ،ما تَعبوا ولا مَلْواْ،ولا تراجعوا،حتى يَمْحُوا الدم النازف الحزن من عيّنِك...ويجدِّلُ طفلُ من ابناء الذين قضواْ ومضوا ظفيرةً من شعرك...

يا نابلس،يا أم الوطن،الوطن اليوم كلَّه يمسحُ دمعك،يواسي إنفطار قلبك،يجْثوا حباً واعتزازا على عتباتك،كل الوطن اليوم يجمع دمعة،يبسط كفّه... ويقول لك... لا تحزني...تصبّري... تجلّدي...إشمخي...ارفعي جبينك حتى يلاطم الغمام،فلن ينام حقٌ أنت صوته... ولن ينسى ثأرٌ أنت دفعه...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى