أ. د. عادل الأسطة - يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الأول (1....30)

1- الفلسطينيون وروح الدعابة والسخرية والحرب :

لعل ما يستحق أن يجمعه متابع الآن هو روح الدعابة والنكتة والسخرية والاستهزاء ، من قسم من فرسان الفيسبوك .
ندى العمر تتمنى لو كان عندها أسيرة حتى تساعدها في شغل البيت ، وأنا عقبت على تساؤلها :
- بشرط تكون ضرة .
وأما أم أسيل عاصلة فقد سألت نفسها حتى يظلوا صامدين : شو بدهم يأكلون " بدها ترويقة . ولم تتعب نفسها كثيرا :" بدبروا حالهم ، فالأكل كله كشير ، وكتبتها بالعبرية .
وثمة أمهات يعايرن أبناءهم الكسالى بما فعله إخوتهم أو أبناء عمهم ممن عادوا بأسير : إن كنت زلمة جيب اثنين .
وأرسل لي صديق ما روي عن شيخ لا يصدق أن الفلسطينيين قد يدخلون إلى فلسطين ويجتازون السياج وتحداهم إن نجحوا في ذلك قائلا :
- إن فعلوا ذلك فتعالوا انكحوني !
وهناك من يبحث عن الشيخ لينفذ معه وعده .
وثمة صورة لشاب غزاوي عاد من إحدى المستوطنات على دراجة ومعه خروف ، فعقب أحد ممعني النظر في الصورة :
- ياللا ولا بلاش . أحسن ما يرجع فاضي .
وأحد المتابعين سأل عن رقم جوال الشيخ بسام جرار ، فزوال الدولة العبرية قاب قوسين وأدنى - إن شاء الله !
وهناك من طلب أمس من زوجته ألا تطبخ ؛ لأنه سيتعشى في يافا ، بل وهناك من سأل في يافا عن شقة للإيجار .
أما عبارة الرئيس أبو مازن " احمونا " فقد تكررت الكتابة عنها وعقب بعض القراء :
- لقد لبى شباب غزة النداء وقالوا : سمعا وطاعه وجاءوا ليحموا .
وعلق محبو الرياضة :
- ريمونتادا فلسطينية ،
مدرجين مقاطع ريلز Malak Zaki Osta
وأما رامي صباح فكتب :
- يا الله انبسطوا هي صار عندهم وزارة أسرى .
وهناك من تساءل إن كانت وكالة غوث اللاجئين ستمنح الأسرى اليهود " كارت مؤن " .
أرجو ممن يقرأ نكتة أو عبارة ساخرة أن يكتبها في التعليقات .
مساء الخير
خربشات عادل الأسطة
٨ / ١٠ / ٢٠٢٣

***

2- وسائل التواصل الاجتماعي اليوم والحرب في الجنوب الفلسطيني :

اختفت اليوم من وسائل التواصل الاجتماعي روح الدعابة والنكتة والسخرية التي ظهرت أمس وأول أمس ، وحلت محلها روح المؤمن الورع التقي الذي يلجأ إلى الله فيطلب منه الرحمة والمساعدة والوقوف إلى جانب أهل غزة ، وواصل كثيرون تساؤلاتهم عما يمكن أن يقدم عليه الحكام العرب . ثمة سخرية لافتة من الدول المطبعة مع دولة إسرائيل ، وثمة يأس كبير من الدول الأخرى يقابله إشادة ببطولات المقاومين .
في ساعات المساء ، وفيها أمطرت السماء ، أمطر الإسرائيليون أرض غزة بأطنان من المواد المتفجرة وبالفوسفور الأبيض .
بعض أبطال الفيس بوك تساءلوا عن أبطال ما قبل الحرب : أين اختفت أصواتهم .!
كأن الكتابة في أثناء الحرب ستتصدى للطائرات المغيرة !
جن جنون الإسرائيليين ، وليس هذا غريبا ، فما أنجزه المقاومون فاق الخيال ، وهذا ما رآه كثيرون . أنا شخصيا ما زلت أكرر بيت الشعر :
أترى مناما ما بعيني أبصر ؟
السور يهدم والضابط يؤسر !
مع الاعتذار للشاعر الأيوبي الذي قال " القدس تفتح والفرنجة تكسر " . إن انكسرت إسرائيل - إن شاء الله - فسيصبح عجز البيت :
" الأرض ترجع وإسرائيل تكسر " .
مثل طائر الفينيق تبعث غزة والمقاومة كلما احترقا . مثل العنقاء . مثل تموز .
وأنا أشاهد الأبنية في غزة تسوى بالأرض تذكرت مدنا ألمانية سويت في الحرب العالمية الثانية بالأرض ثم بنيت من جديد .
أما الإسرائيليون الذين جاؤوا إلى أرض الميعاد لتكون أرض السمن والعسل وليعيشوا بأمن واطمئنان بعد طرد سكانها الفلسطينيين ، فمنذ ٧٥ عاما وهم يخوضون حروبا لم تؤمن لهم ما أرادوا ، وكلما انتهت حرب كرر الجنود الإسرائيليون :
" أنا وأنت والحرب القادمة " ، وسينفقون العمر في دبابة .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة

اليوم الثالث للحرب
٩ / ١٠ / ٢٠٢٣ .

***

3- العدوان السداسي ، لا الثلاثي ، على غزة .

في العام ١٩٥٦ احتلت غزة وكان العدوان على مصر ثلاثيا .
اليوم صار العدوان سداسيا ، فقد أعلن خمسة رؤساء دول غربية وقوفهم إلى جانب إسرائيل :
أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا .
ربما هذه المرة لتكتمل أضلاع نجمة داوود . وعلى رأي مظفر النواب :
" بالصدفة والله بمحض الصدفة كان سداسيا
أركان النجمة ست بالكامل
يا نجمة داوود ابتهلي يا محفل ماسون ترنم طربا
يا اصبع كيسنجر ( بايدن )
إن الاست الملكي سداسي " .
إنه الغرب الاستعماري !!
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة

١٠ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الرابع للحرب .

***

4- دريسدن - غزة

وأنا أشاهد آثار الغارات الإسرائيلية على غزة أتذكر مدينة ( دريسدن ) في نهاية الحرب العالمية الثانية .
أراد الحلفاء وضع حد لنهاية الحرب وهزيمة ( ادولف هتلر ) فاختاروا مدينتين ألمانيتين كانتا تصنعان السلاح ؛ درسدن و ( اوغسبرغ ) وزرت الأخيرة التي كانت تصنع الطائرات ، لا لأنها صنعت الطائرات وأمدت الآلة العسكرية النازية بما يطيل أمد الحرب ويشعل فتيلها ، وإنما لأنني سمعت أنها مدينة الكاتب المسرحي ( برتولد بريخت ) الذي ترك بلاده إبان صعود النازية ، وفضل الإقامة في المنفى كونه كان شيوعيا ، وعندما انتهت الحرب استقر في ألمانية الشرقية وعاصمتها برلين الشرقية.
لم أزر دريسدن ، ولكني منذ سنوات شاهدت فيلما عن تدميرها وتسوية مبانيها بالأرض . في الفيلم تمنى كبار السن ممن أقاموا في الملاجيء الموت ، وبلغ الأمر بإحدى العواجيز أن طلبت من جندي يملك مسدسا أن يريحها بإطلاق النار عليها ، فلم تعد تحتمل .
وأنا أتابع أخبار غزة وتدمير أبراجها وبيوتها ، وليس في غزة ملاجيء ، تذكرت دريسدن ، فثمة مبان سويت بالأرض ، وثمة أطفال وكبار في السن قضوا .
هل خطرت ببالي مدينتي ( هيروشيما ) و ( ناعازاكي ) ؟
قبل أيام قليلة سقطت بعض الصواريخ بالقرب من مفاعل ( ديمونة ) ، فراودني السؤال :
- ماذا لو تمكن منه صاروخ ؟
من المؤكد أننا ساعتها لا نملك الوقت لنشاهد ما يجري ، لأننا سنكون كما صار إليه سكان المدينتين .
كم مرة دمرت غزة ؟
منذ استقلت شهدت أربع حروب ؛ ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ و ٢٠١٢ و ٢٠١٤ و ٢٠٢١ و ... .
كلما وقعت الحرب على غزة عدنا إلى النصوص نفسها وإلى الأفلام نفسها :
- أنا وأنت والحرب القادمة
- صمت من أجل غزة
- يوميات غزة
- دفاتر فلسطينية
والحكاية تتكرر . ثمة حالة سيزيفية عبثية وثمة طائر عنقاء فلسطيني . تموز فلسطيني ، وثمة خلدون فلسطيني ينجو ويستشهد أهله ليربيه الآخرون ، فماذا سيفعل هذا الطفل الناجي في قادم الأيام؟
لا أحد يتعلم!!

***

5: أ- الحرب : إنه الجنون!!

الصور والفيديوهات التي تري ما يحدث في جنوب فلسطين لا تترك مجالا للمرء بأن يتردد في القول : إنه الجنون !!
هل يكفي تكرار بيت الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى :
" وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم "
أو قول أمل دنقل الذي كتبه مدونون عديدون :
" إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب !"
أحياء كاملة مسحت في اليوم الرابع وعائلات بأكملها أبيدت . جن جنون الإسرائيليين وانفلت الوحش من عقاله . الخراب في كل مكان ، و ١٧٥ ألفا من أهل غزة يهيمون على وجوههم بلا مأوى . " هي هجرة أخرى " كما كتب محمود درويش بعد حرب بيروت ١٩٨٢ ، ولا ماء في غزة ولا كهرباء وما زال قسم منا يتساءل :
- أين العرب ؟ أين الجيوش العربية ؟
والجنون هو الجنون هو الجنون ، وفي القدس يلعب شابان بالألعاب النارية فيرديهما جنود الاحتلال قتيلين . صار صوت المفرقعات النارية يرعب الإسرائيليين ، فماذا يقول أهل غزة ؟
في الفجر تأتي رسالة من مواطنة مقدسية مصابة بالهلع تعبر فيها عن خوفها ، فالشهيدان في مدينتها صاروا ثلاثة ، والكل خائف والجرافات في بعض مناطق الضفة الغربية تجرف أشجار الزيتون في موسم قطافه والشجر هذا العام قليل ثمره بسبب شح أمطار كانون الأول والثاني الماضيين .
والأخبار . لا مشاهدة أو إصغاء إلا للأخبار وليس سوى الترحم على الشهداء ونشدان كثيرين المساعدة وتوجههم إلى الله بأن يساعدهم في الكرب الذي هم فيه ، وأمريكا ترسل حاملات الطائرات التي كلف بناء إحداها ١٣ مليار دولار . ألهذا أدرج قسم من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي شريط أغنية الشيخ أمام عن رأس الحية أمريكا وشريعة هولاكو ؟
الآن في الثالثة فجرا يسمع في سماء نابلس حيث أقيم صوت الطائرات الإسرائيلية ، فهل اندلعت الحرب في الشمال الفلسطيني / الجنوب اللبناني ؟
في الحرب لا ضرورة للاجتهاد والتنظير والتحليل والظهور بمظهر الفصيح الواعي سياسيا المحلل العميق ، علما بأن أكثرنا صار منظرا ومحللا سياسيا يقترح ويقدم نصائحه و ... و ... وأما أكثر ما يثير السخرية في وقت يشتد فيه الحزن وخوف قسم من الناس مما يمكن أن يحدث فهو تساؤل الناس :
- أين الجيوش العربية ؟ وماذا ينتظر الحكام العرب الذين صارت مطارات بلاد قسم منهم محطا للطائرات الأمريكية التي نسمع باسمها لأول مرة .
كأن من يتساءل لا يعرف الماضي أو لم يكن شاهدا عليه !!
إنها فلسطين . أم البدايات وأم النهايات ، ولا نعرف إلى أين نحن ذاهبون وما الذي ستسفر عنه هذه الحرب ، وببلاهة أكرر :
- اللي بنزل من السماء بتتلقاه الأرض .
وكأني في الثالثة فجرا أسمع صوت انفجارات في جنوب نابلس .
إنه الجنوب !!
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة

١١ / ١٠ / ٢٠٢٣
فجر اليوم الخامس للحرب .

***

5: ب- الشخصية اليهودية في الأدب :

انشغل نقاد الأدب العربي عقودا بدراسة الشخصية اليهودية في الأدب العربي وبمتابعة ظهورها وملاحظة إن كان الكتاب ميزوا بين :
- يهودي شرير ويهودي طيب
- يهودي وإسرائيلي
- يهودي غربي ويهودي شرقي ( اشكنازي وسفاردي )
- يهودي غني ويهودي فقير
- يهودي يساري وبهودي يميني
- بهودي علماني ويهودي متدين
- يهودي حاقد ويهودي متسامح
- يهودي عسكري ويهودي مدني
- يهودي في مناطق ١٩٤٨ ويهودي مستوطن في ١٩٦٧
- يهودي غربي وبهودي عربي
- يهودي يكره العربي ويهودي لا يكرههم
- يهودي ذكر ويهودية أنثى .
وكل ما سبق لم يجد نفعا ، فالطيارون الإسرائيليون كلهم لم يميزوا وهم يقصفون غزة بين :
- فلسطيني مقاوم وفلسطيني مسالم
- فلسطيني شاب وفلسطيني عجوز
- فلسطيني قادر على حمل السلاح وفلسطيني طفل
- فلسطيني وفلسطينية .
ببساطة لقد أبادوا بقصفهم جميع من كان في المناطق التي يقصفونها بمن فيهم الأسرى اليهود .
كل كتاباتنا ذهبت " فشنك " .
في الحرب نجلس في بيوتنا ونتابع الأخبار ونفكر في موضوعات لا تسمن ولا تغني من جوع ونغدو محللين سياسيين نجترح الأفكار ، وبعد اجتياح مقاتلي غزة الجدار اكتشفنا أن كل ما قلناه بحق حماس من أنهم صاروا سلطة تعبد الكراسي وتنتظر شنطة قطر لا يختلف عن كتاباتنا عن صورة اليهود ؛ كله " فشنك " و " ضراط على بلاط " .
سلام الله على غزة . سامحونا.
خربشات عادل الاسطة

١١ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الخامس للحرب

***

5: ج- لفهم ما يجري في غزة من محو للفلسطينيين :

المحو ظهر في الرواية الصهيونية منذ وقت مبكر .
الكتابة هنا في الفقرة المقتبسة هي عن قطاع غزة . إن المحو يكمن في صميم الفكر الصهيوني .
هل هي حرب القيامة التي يبشر بها المحافظون الجدد في أمريكا ؟
" جرائم العصابات ( يقصد تسلل الفلسطينيين إلى قراهم ( ع . أ) ) أوصلت في النهاية إلى المعيار الآتي وهو أنه لم يبق أمام إسرائيل إلا اللجوء إلى وسائل الإبادة . الجيش الإسرائيلي أوضح أنه يجب قتل عشرة عرب مقابل كل يهودي يقتل . الإبادة بدت هي اللغة الوحيدة التي فهمها العرب . " .
" Die Untaten der Banden
erreichten schliesslich ein solches Ausmass, dass Israel nichts anderes uebrigblieb , als Vergeltungsmassnahmen zu ergreifen. Die israelische Armee erklarte, dass fuer jeden ermordeten Juden zehn Araber getoetet werden wurden. Vergeltung schien leider die einzige Sprache zu sein, die die Araber verstanden."
رواية ( ليون أوريس ) " اكسودس / الخروج " الطبعة الألمانية ١٩٩٠ .
الروايات الأكثر مبيعا .
الرواية التي باعت أكثر من حمسين مليون نسخة .
ظهرت الطبعة الأولى في ١٩٥٣ تقريبا.
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الخامس للحرب .

***

5: د- الخويف يخاف من خياله

عندنا مثل يقول " الجبان بخاف من خياله " ، وغالبا ما وصف اليهود في الأدبيات العربية بالجبن ، وهنا يمكن أن أذكر مجموعة خليل السواحري " مقهى الباشورة " وشخصية المعلم أبو بلطة الذي ذلته هزيمة ١٩٦٧ ، علما بأنه ، كما قال لنا ، كان قبل ١٩٤٨ يغلق شارعا فيه اليهود بعصاه .
هل اليهود جبناء ؟
لا تجربة لي معهم لأعرف ، وظني أن الجبن والشجاعة ، الصفتان اللتان أكثر المتنبي من الحديث في شعره عنهما ، لا يمكن نعت شعب بأكمله بإحداها .
منذ ساعتين أتابع الأخبار على الجبهة الشمالية / جنوب لبنان .
الإعلام الإسرائيلي تحدث عن طائرات مسيرة وطائرات شراعية ، وعنه نقلت قناة الميادين ووسائل التواصل الاجتماعي ، وكتب نشيطون " ولعت " و " الهوى شمالي " و " تحققت وحدة الساحات " و " اشتباكات في المطلة " و .. و .. و ..
ثم تبين أن لا طائرات مسيرة ولا طائرات شراعية ولا مقاتلون تسللوا . الاشتباكات التي جرت في المطلة اشتباكات صديقة بين الإسرائيليين أنفسهم ، والمرعوب / الخائف يحسب صوت الريح نار عدو . وما اعتقد انه طائرات لم يكن سوى طيور تتكاثر في هذا الموسم قرب بحيرة طبرية ، وأمس خاف الجنود الإسرائيليون في القدس من صوت المفرقعات فأطلقوا النار على شابين وقتلوهما .
لا حول ولا قوة الا بالله . لطالما كتبنا أن السلام كان يمكن أن يتحقق لو أقيمت الدولة الفلسطينية في العام ١٩٩٨ ولو أعيد اللاجئون إلى ديارهم ، ولكن هات حلها مع أبو يائير وجماعته !!
رحم الله الشاعر الفلسطيني علي فودة الذي كتب :
" بقلبي اريحا
وكنا نحن ، ولو مرة ،
لانتصار " .
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١٠ / ٢٠٢٣

الحرب في يومها الخامس

***

6- لعمرك هذي حياة تسر الصديق : ( عن الحرب في غزة )

في الصباح تذكرت بيت شعر الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود :
" فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى "
وتناص الشاعر مريد البرغوثي معه :
" لعمرك هذي حياة تغيظ الصديق
وهذا ممات يسر العدى "
وتساءلت بيت أي من الشاعرين أكرر ؟
في السابع من هذا الشهر شكر فلسطينيون كثر الله أنه جعلهم يشهدون هذا اليوم ، ومنذ التاسع من الشهر نفسه بدأت مشاعر الحسرة ، لما يشاهدونه من آثار القصف الصه@وني الهمجي ، تلم بهم .
صار منظر البيوت والأحياء المدمرة في غزة يتسيد نشرات الأخبار ، تتخلله مشاهد إطلاق الصواريخ على المغتصبات الصه@يونية ، وفي ساعة نتابع أخبار الذين ارتقوا والذين سقطوا والذين جرحوا ويسجل قسم من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي أعدادهم متسائلين :
- متى يبلغ العدد كذا وكذا ؟
وغالبا ما أنظر في صفحات أبناء غزة لأعرف منهم ما يجري هناك وما هي أحوالهم في ظل هذا الوضع المأساوي .
في نشرات الأخبار أسمع أن ألمانيا تقف إلى جانب إسرائيل وتزودها بطائرات مسيرة لتقصف شعبنا وأقرأ عن معلم ألماني في برلين صفع تلميذا فلسطينيا لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره لأنه رفع العلم الفلسطيني متضامنا مع شعبه ، ومن صفحة السيدة Refqa Shaqoor أعرف أن بلجيكا منعت ارتداء الحطة الفلسطينية .
الألمان الرسميون ينافقون الدولة العبرية . أترحم على الكاتب الشجاع الروائي ( غونتر غراس ) وأتذكر قصيدته " ما يجب أن يقال " التي انتقد فيها الازدواجية الأخلاقية للغرب ومنه بلده ألمانيا التي ما زالت محكومة بماضيها النازي ولا تجرؤ أن تعلن أنها ليست مسؤولة عن جرائم ( أدولف هتلر).
في الواحدة ظهرا أقف مع الواقفين أمام البنك العربي وسط نابلس يتعاطفون مع أهل غزة وينعون شهداء أمس واليوم في بلدة قصرى جنوب نابلس . لقد انفلت الوحش الاستيطاني مدعوما بالجيش الإسرائيلي . يواصل المستوطنون عربدتهم . كأنما أيضا يريدون أن يثأروا لما جرى في غلاف غزة .
ثمة إبادة واضحة تجري في غزة . ثمة وحش نازي جديد هنا هذه المرة يقف العالم الغربي كله إلى جانبه : أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا و .. و .. .
هل أقول إن الحرب لن تنتهي إلا إذا ألم بتل أبيب ما ألم بغزة ؟ أم أكرر مع أمل دنقل :
- أكل الرؤوس سواء ؟
هل تتساوى مدينة كانت لك بمدينة أثكلتك ؟
لا حياد في هذه الأيام . يجب قول الحقيقة ويجب العودة إلى ما كان قبل ١٨٨٢ وما ألم بنا بعده . جاؤوا هاربين من ( البوغروم ) فاستقبلهم أهلنا في نهايات القرن التاسع عشر في بيوتهم وهربوا من ألمانيا النازية في القرن العشرين ثم .. ثم .. رمونا في الصحراء .
مساء الخير يا أهل غزة !!
خربشات عادل الاسطة
Adel Osta
١٢ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم السادس للحرب

***

7- رحم الله الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور :

" ما الذي كان أبي يخشاه حتى ارتكبت أخطاؤه فعل السنونو ؟
ليته قال : اذبحوا طفلي ،
ولم يرحل " .
في لقاء أمس على فضائية الجزيرة شجع المؤرخ الاسرائيلي ( مردخاي أفيدار ) ، المدرس في جامعة بار إيلان ، أهل غزة إلى الرحيل إلى سيناء حتى يتجنبوا قصف الطائرات الإسرائيلية لهم وقتلهم .
المذيع الذي استضافه وسأله عما يجري هو محمد كريشان ورد عليه الناشط مصطفى البرغوثي .
وقبل أن أصغي إلى اللقاء قرأت في وسائل التواصل الاجتماعي أن الطائرات الإسرائيلية ألقت على سكان بعض المناطق في غزة منشورات تحثهم فيها على مغادرة منازلهم والتوجه إلى الجنوب - أي مصر .
وجهة نظر المؤرخ أفيدار أن الهجرة مؤقتة حتى تجتث إسرائيل حركة حماس التي نعتها بداعش .
في العام ١٩٤٨ طلب من أهلنا أن يتركوا بيوتهم لمدة أسبوع ، حتى تخوض الجيوش العربية حرب التحرير ، وبعده - أي الأسبوع - يعودون ، وطال الأسبوع ولم ينته .
لعل ما يستحق الكتابة عنه الآن هو ندم الفلسطينيين اللاجئين بالهجرة واللجوء في العام ١٩٤٨ .
هل ما ألم باللاجئين في المنافي كان أكثر أمنا ؟ صحيح أن ما يجري في غزة الآن هو الجنون بعينه ، ولكن الموت أفضل ألف مرة من تكرار اللجوء .
لعل ما يستحق أن يتذكر في هذه الأيام الصعبة هو كتابات الأدباء الفلسطينيين عن قسوة المنفى وشهادات اللاجئين عما ألم بهم في المنافي .
لعل رب اليهود يستريح في اليوم السابع فيخف القصف قليلا ، ولعل شهادات المرأة اليهودية التي أطلق سراحها مع طفليها ، وتلك التي دخل المقاومون الفلسطينيون إلى بيتها في المستوطنة فلم يقتلوها وغادروا بيتها دون أن يلحقوا بها أذى ، لعل شهادتيهما تتركان أثرا في قلوب الطيارين الإسرائيليين فلا يقصفون الأحياء السكنية ولكن ..
عبثا تطلب الرحمة ممن قلوبهم أقسى من الحجارة ، إن كان لهم قلوب ، لأنه لو كان لهم لما حدث ما حدث في العام ١٩٤٨ .
في كتابه " الفلسطينيون المنسيون : تاريخ فلسطينيي ١٩٤٨ " يكتب المؤرخ الإسرائيلي ( إيلان بابيه ) عن المستوطنين الأوائل :
" وفي معظم الحالات وفر السكان الفلسطينيون لأولئك القادمين الجدد بعض وسائل الراحة من مبيت وطعام ، ولم يكتفوا بذلك بل قدموا لهم أيضا النصائح في مسائل الزراعة والحراثة .... لم يقابل المستوطنون تلك المعاملة الكريمة بالمثل ، ففي المساء ، أي وقت انصرافهم إلى لكتابة مدوناتهم الأولى في دفاتر يومياتهم على ضوء الشموع ، أشاروا إلى المواطنين الفلسطينيين كغرباء يجولون في الأرض التي هي ملك للشعب اليهودي ... " ( صفحة ١١ و ١٢ )
الحرب في اليوم السابع
١٣ / ١٠ / ٢٠٢٣
خربشات عادل الاسطة

***

8- حرب الطائرات والصواريخ .. وحرب الصور أيضا :

دمرت الطائرات الإسرائيلية أحياء عديدة من غزة وما زالت تواصل التدمير وأطلق المقاومون الفلسطينيون الصواريخ ، وكلا الطرفين يحصي أعداد الموتى والجرحى . إنها الحرب التي لا تنتهي . تهدأ قليلا ثم تشتعل ، فيما يعيش المواطنون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية الاشتباك اليومي مع القوات الإسرائيلية والمستوطنين . زمن الحرب والحصار في غزة وزمن الاشتباك في الضفة والقدس منذ ١٩٨٧ وما قبل .
في الحرب ينتابنا القلق وتنقلب حياتنا رأسا على قدم ونغدو كائنات بشرية سياسية بامتياز نتابع ما يجري ونجلس ساعات أمام شاشات الفضائيات نقلبها وننظر في الهواتف الذكية نبحث عن آخر المستجدات .
في وسائل التواصل الاجتماعي يصبح كثيرون محللين يبدون آراءهم ويثيرون أسئلتهم وقد نتورط معهم فنرد على تساؤلاتهم . أمس تساءل الشاب Maarouf Chalabi إن كان بعض الفلسطينيين ، ممن يطالبون حزب الله بدخول الحرب ، شاركوا في مدنهم في مظاهرات أو اشتبكوا مع الإسرائيليين . كل ما فعلته أنني أشرت إلى اسمه تحت صور المظاهرات في مدن الضفة الغربية والقدس وكتبت سطرين عما قدمه أهلهما من شهداء خلال هذا العام ، وسرعان ما اقتنع .
عندما ردد الرئيس الأمريكي الصهيوني ما قاله له رئيس الوزراء الإسرائيلي عاد مكتبه وتراجع عن تصريحاته . كانت صور المرأة اليهودية التي أعادها المقاومون مع طفليها ، وما قالته المرأة اليهودية المستوطنة التي دخل المقاومون الفلسطينيون إلى بيتها ومكثوا فيه ساعتين ولم يؤذوها ، كانت صورهما هي الرد على الكذب الصهيوني .
وأنت تنظر في صور مدارس وكالة غوث اللاجئين التي لجأ إليها أصحاب البيوت والأحياء المدمرة تبحث عن معارف تتأمل فيما هم عليه ، وتتذكر ما قصه أهلك عليك عن اللجوء الأول في العام ١٩٤٨ . هكذا عاش أهلنا ممن نزحوا من حيفا ويافا والجليل والجنوب . لقد أقاموا أيضا في المدارس وقسم منا ولد فيها وفي الجوامع والخيام أيضا . والفارق بين ما كنا عليه في العام ١٩٤٨ وما أهل غزة والضفة الغربية عليه الآن هو توثيق ما يجري بالصور ومقاطع الفيديو .
في الحرب لا أحد يقرأ كتابا أو مقالا طويلا . في الحرب يتابعون الخبر القصير ويشاهدون الصور . إنه زمن الصورة تقول ما يجري .
كان الله في عون أهل غزة وفي عون أهل القرى الفلسطينية في الضفة الغربية أيضا ، فالمسعورون المستوطنون جعل منهم السلاح والجيش الإسرائيلي شجعانا !!
صباح الخير يا أهل غزة !!
لعل الله يجد لكم ولنا مخرجا !!
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الثامن للحرب

***

9- أمنيات حفار القبور :

في الحروب على غزة ، وما أكثرها منذ العام ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ ! ، غالبا ما أتذكر قصيدة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب " حفار القبور " وهي إحدى مطولاته .
تأتي القصيدة على حفار قبور يعيش من وراء مهنته . إن مات الناس عاش وإن قل الموت جاع ، وذات يوم انتظر طويلا عسى يفرجها الله ، فتأتي جنازة ، حتى يعود إلى زوجته فيتعشيا معا ، وأخيرا يأتي الفرج ، ولكن المفاجأة تكون أن الميت هو زوجته .
" سأموت من ظمأ وجوع
إن لم يمت - هذا المساء إلى غد - بعض الأنام ؛
فابعث به قبل الظلام "
ويتمنى لو كان في بلد تدور فيه حرب ليهنأ بالطعام :
" أواه لو أني هناك أسد ، باللحم النثير ،
جوع القبور وجوع نفسي "
ويعبر عن خيبته من مهنته :
" ألن أعيش بغير موت الآخرين ؟ "
وفي غزة في الحرب الدائرة حاليا هناك عشرات القتلى الذين يجد أهلهم صعوبة في دفنهم ، وكلنا شاهد شريط فيديو لشاب يحمل في سيارته جثة أبيه ويذهب ليدفنه وحيدا .
غير أن ما لفت النظر أكثر هو ما قيل عن نقص في الأكفان - القماش / الشاش الأبيض الذي يلف به جثمان الميت ، وذلك لكثرة الموتى ، وأكثر من ذلك النقص في المعدات والأجهزة الطبية وأسرة غرف العناية المكثفة .
وما لفت النظر أكثر وأكثر هو منظر صفوف المرتقين / الموتى إلى جانب بعضهم بعضا . عشرات المدنيين القتلى ؛ أطفالا وشيوخا ونساء . عائلات بأكملها أبيدت في تدمير بيوتها على رؤوسها .
عندما زرت معسكر إبادة اليهود في ( داخاو ) قرب ( ميونيخ ) شاهدت أسرة اليهود الخشبية جنبا إلى جنب ١٦ عشر سريرا إلى جانب ١٦ أخرى ، فوقها العدد نفسه ، وآمل ألا أكون أخطأت في العد . شاهدت غرفة الغاز ، ولم تكن واسعة كثيرا عموما .
هل حدث أن دمر ( أدولف هتلر ) بالطائرات حيا يهوديا بأكمله على رؤوس ساكنيه اليهود ؟ أفيدوني أفادكم الله؟!!
أكثر ألناس في غزة يعيشون بحسرتهم ويموتون بحسرتهم ، بخاصة حين يموت الأبناء أمام أعين آبائهم ، أو حين يرى الرجل بيته الذي أنفق في بنائه أربعين عاما مدمرا وكومة من حجارة ويجد نفسه في العراء ينتظر الغارة القادمة .
أمس في نيويورك تظاهر بعض اليهود ضد الحرب قائلين :
ليس باسمنا !!
٢ ، ٢ مليون مواطن غزي بلا ماء ولا طعام ولا كهرباء ٢٥ بالمائة منهم حتى اللحظة يهيمون على وجوههم .
أمس كتبت بيتين من قصيدة مريد البرغوثي " طال الشتات " هما :
ولو حكى الموت بالفصحى لصاح بنا :
كفى ازدحاما على كفي" واتزنوا
يهوي الشهيد وفي عينيه حيرتنا
هل مات بالنار أم أودى به الشجن ؟" .
ونحن ، وأكثر أهل غزة ، نموت من الحسرة !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١٠ / ٢٠٢٣

صباح اليوم التاسع للحرب

***

10- الفلسطيني : " منتصب القامة أمشي "

تستحضر الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية في وسائل التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من المقولات والأمثلة الشعبية التي يرددها الفلسطينيون وغير الفلسطينيين ، وتستحضر أيضا عددا كبيرا من الآيات القرآنية وبعض الأساطير والمعتقدات الفولكلورية ، هذا عدا عن أشرطة لقصائد شعرية بصوت أمل دنقل ومحمود درويش ومظفر النواب وبعض الأغاني الشهيرة ، ولو انتبهت إلى هذا منذ اليوم الأول لأرشفتها .
" لا تمت قبل أن تكون ندا "
" لا يفل الحديد إلا الحديد " وقد حورت لتصبح " لا يفل اليمين إلا اليمين "
( إن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون )
" ما النصر إلا صبر ساعة "
" لا تصالح "
" يا أيها المارون بين الكلمات العابرة "
" سجل أنا عربي "
" هل عرب أنتم ؟ "
" فالضرطات لها رتب "
" وين الملايين " .
ومع أن هذه الأمثال والأغاني والقصائد والمقولات لا يسمعها المقاومون أو أهل غزة الصامدون ، ومع أنها في ظل الصمت العربي الرسمي المطبق وفي ظل مظاهرات لا تقدم لأهل غزة مأوى أو شربة ماء أو طعاما أو ملابس أو حتى أكفانا ، إلا أن قسما منها يعبر عن انتصار وخطوة متقدمة في الصراع وهزيمة لإسرائيل وأدبياتها .
كم تعامل الإسرائيليون مع الفلسطينيين باستعلاء وباحتقار وكم كتبوا هذا في سردياتهم ؛ في أدبهم ووسائل إعلامهم وأحاديثهم !! كم أرونا الذل على الحواجز وفي أثناء استدعاء أجهزتهم للفلسطينيين!!
الآن يمكن القول إن الفلسطينيين لم يموتوا إلا وهم أنداد ، ويمكن القول إنه مهما أسفرت الحرب عن نتائج فإنها جعلت الفلسطيني ندا .
ها هم أحفادك يا غسان كنفاني أنداد ليس لدولة إسرائيل ، بل ولست دول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وها هم أحفادك يا معين بسيسو لم يخضعهم حليب الأمم المتحدة المغشوش ولم يجعل منه شبابا رخوين . وها هو شمشون المعاصر لشعوره بالذل والإهانة يدمر المعبد الغزي .
صباح الخير يا غزة
صباح الخير يا أهل غزة !!
خربشات عادل الاسطة

١٧ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم العاشر للحرب .

***

11- استشهاد صديق :

انتبهت أمس إلى محل أحد أصدقاء المدرسة ، وهو سمير صبرة الذي هجر أهله من اللد في العام ١٩٤٨ ، ولاحظته مغلقا ، فسألت جاره عن السبب .
عرفت أن سمير أصيب فجر الجمعة برصاص قناص إسرائيلي في أثناء اقتحام حي المساكن الشعبية الشرقية في نابلس .
سمير في السبعين من عمره . استبد به الفضول فنظر من نافذة في منزله ليرى إن كان جنود الجيش الإسرائيلي انسحبوا ، فكانت رصاصة القناص أسرع من نظرته . اخترقت الرصاصة بطنه ونقله أهله إلى المشفى لتجرى له عمليتان جراحيتان فارق إثرهما الحياة .
في انتفاضة الأقصى ارتقى جار لنا أيضا بالطريقة نفسها ، وفي الانتفاضة نفسها ارتقى أخو سمير أبو محمود أيضا برصاصة جندي إسرائيلي .
الرواية الآن لا تنقل خبر ارتقاء سمير وحسب . إنها تقرنها بما ألم بأخيه قبل ٢٠ عاما .
الفلسطينيون صدق فيهم قول شاعرهم القومي محمود درويش :
" الشهيدة بنت الشهيدة بنت الشهيد وأخت الشهيد كنة أم الشهيد حفيدة جد شهيد وجارة عم الشهيد [ إلخ.. إلخ .. ]
ولا شيء يحدث في العالم المتمدن ،
فالزمن البربري انتهى ،
والضحية مجهولة الاسم ، عادية
والضحية .. مثل الحقيقة .. نسبية
[ إلخ .. إلخ.. ] .
هل انتهى الزمن البربري ؟
لو عاش محمود درويش الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية هذه ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ لربما قال :
الزمن البربري لما ينته
وأما الضحايا في غزة فأكثرهم معروفو الأسامي إلا أقلهم .
الآن صار قسم من أهل غزة يحفر اسمه على جلده وليس على جذع زيتونة ، فلم يبق القصف مباني ولم يبق أشجار زيتون أيضا .
رحم الله الصديق سمير صبرة وشهداء غزة
صباح الخير يا غزة

١٧ / ١٠ / ٢٠٢٣
خربشات عادل الاسطة

اليوم الحادي عشر للحرب

***

12- حيوانات بشرية :

ما فعله الإسرائيليون بمشفى المعمداني أمس ١٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ يؤكد أنهم بالفعل يقصدون ما يقولونه عنا من أننا " حيوانات بشرية " و " حشرات وصراصير " يجب أن تباد . وما قالوه في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ليس عموما بجديد ، فقد قاله قسم من يمينهم المتطرف من قبل ، بل وتصرفوا بناء عليه في العام ١٩٤٨ ، فارتكبوا سلسلة مجازر لتسفر عن ترحيل أهلنا ؛ في دير ياسين وقبية والطنطورة وغيرها ، وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي أشرطة عديدة لمرتكبي تلك المجازر يقصون عنها باستهتار بالبشر ويضحكون كما لو أنهم قتلوا حشرات وصراصير وكلابا ضالة ، وارتكبوا لاحقا مجازر لاحقة في الهجوم على غزة بعد ١٩٤٨ وفي كفر قاسم في ١٩٥٦ وفي السموع في ١٩٦٦ ، وفي حرب حزيران ١٩٦٧ قتلوا الجنود المصريين في سيناء ودفنوا جنودا أردنيين في القدس أحياء ، وفي أيلول ١٩٨٢ ارتكبوا مجزرة شاتيلا وصبرا مع قوات الكتائب ، وها هم يبيدون غزة حيا حيا .
قبل العام ١٩٤٨ ، بل قبل العام ١٩٤١ كتب شاعر فلسطين إبراهيم طوقان مدركا أن المشروع الصهيوني يرمي إلى تهجيرنا أو إبادتنا قائلا :
" أجلاء عن البلاد تريدون فنجلو أم محونا والإزالة ؟ "
وعن السياسة التي اتبعتها بريطانيا في انتدابها وعى أن سياستها تهدف إلى إبادتنا بوسيلتين ؛ الحسنى والرصاص:
" مناهج للإبادة واضحات وبالحسنى تنفذ والرصاص " .
حلت أمريكا في رعاية المشروع الصهيوني محل بريطانيا دون أن تتخلى الأخيرة عن مساهمتها ، ووقفت فرنسا إلى جانبهما ، واليوم اكتملت أركان النجمة السداسية بالكامل : ألمانيا وإيطاليا واليابان .
لقد قالها ( ليبرمان ) :
" إما أن نبيدهم أو يبيدوننا " .
هذا ما يحدث الآن من طرفهم !؟
هل غزة بخير ؟
صباح الخير يا غزة
صباح ١٨ / ١٠ / ٢٠٢٣

اليوم الثاني عشر لحرب الإبادة .

***

13- الحرب والحكام العرب

منذ بداية الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية يخاطب قسم من أصدقائي الافتراضيين الحكام العرب طالبين منهم أن يحركوا جيوشهم لنجدة أهل غزة ، والحكام العرب لا يحركون ساكنا .
غالبا ما نكون ، حين نناشد الحكام العرب مثل من يصرخ في واد ، أو مثل من ينفخ في قربة مخزوقة ، أو مثل من يدق الماء في الهاون .
قبل ألف عام قال أبو العلاء المعري :
" لقد أعييت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي " ،
وفي ثورة العام ١٩٣٦ قال شاعرنا الوطني عبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) قصيدته الشهيرة " لهب القصيد " التي تنتهي بالبيتين الآتيين :
" يا من يعزون الحمى
ثوروا على الظلم المبيد
بل حرروه من الملوك
وحرروه من العبيد " .
وأمس سخر إسرائيلي من مظاهرات الجماهير العربية التي تناشد الحكام وتطالب بفتح الحدود قائلا:
" بدكم تحرروا فلسطين . إذا سفير إسرائيل في بلدكم مش قادرين تطردوه".
أما أنا فمنذ العام ١٩٧٠ قد غسلت يدي ، بخصوص قيام الحكام العرب وتحريرهم فلسطين ، منهم قاطبة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١٠ / ٢٠٢٣

اليوم الثالث عشر للحرب ومسح غزة عن الخارطة

***

14- حتى الكنيسة لم تسلم

أمس هدمت الطائرات الإسرائيلية ثالث أقدم كنيسة في العالم ؛ كنيسة الروم الارثوذكس / كنيسة القديس بيرفيربوس ، الكنيسة التي أريد من وراء إقامتها أن تشفع لأهل غزة .
لم تحم الكنيسة من لجأ إليها من معتنقي الديانة المسيحية من أبناء غزة ، ويبدو أن القيادة الإسرائيلية تعتقد أن كل من يقطن غزة هم من كتائب القسام وسرايا القدس ، وليست معاملة الأملاك المسيحية في فلسطين بمختلفة عن معاملة الوقف الإسلامي . كلها تخص القلسطينيين ولذا كلها يجب أن تصادر أو أن تهدم ، وليس هذا بجديد .
بعد تهجير الفلسطينيين في العام ١٩٤٨ وضعت الدولة العبرية يدها على دور العبادة الإسلامية والمسيحية باعتبارها " أملاك غائب " ، وكانت سنت قانونا خاصا بأملاك أهل فلسطين الذين غادروا مدنهم وقراهم سمته " قانون أملاك الغائبين " .
سخر الشاعر راشد حسين من القانون فكتب قصيدة عنوانها " الله لاجيء " ومنها :
" الله أصبح لاجئا يا سيدي
صادر إذن حتى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبع المؤذن في المزاد الأسود
واطفيء ذبالات النجوم فإنها
ستضيء درب التائه المتشرد
حتى يتامانا أبوهم " غائب "
صادر يتامانا إذن يا سيدي !
لا تعتذر ! من قال إنك ظالم ؟!
لا تنفعل من قال إنك معتدي ؟! " .
أمس أعلن حمزة يوسف رئيس وزراء اسكوتلندا أن بلاده مستعدة لإسكان أهل غزة فيها .
أليس الأجدر بالذهاب إلى أوروبا من جاء إلى فلسطين منها ؟
ما زالت المحرقة مستمرة !
صباح الخير يا غزة !
صباح السلامة ، إن بقي هناك خير وظلت هناك إمكانية لسلامة !
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١٠ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الرابع عشر للحرب

***
·
15- خيام اللاجئين : ١٩٤٨

هل سنعود إلى العام ١٩٤٨ لنبدأ من جديد ؟
أمس وأول أمس نشر بعض الفيسبوكيين عبارة تقول :
" في ليلة من العام ٢٠٢٣ ذهبنا للنوم واستيقظنا في العام ١٩٤٨ "
ويبدو أنهم استوحوها من صور وأشرطة فيديو لما حدث في شمال غزة .
كان منظر الخيام التي أقيمت في جنوب القطاع أمس المنظر الجديد المضاف إلى مناظر الموتى والجرحى والمشافي والدمار واللجوء إلى المدارس .
لن ألطم عموما وما زلت كنديديا ، ولعلني إن لم أراهن على صمود المقاومة أراهن على تفكك الدولة العبرية بعد الحرب .
أتمنى أن لا تكون أضغاث أحلام .
الخيام ذكرتني بقصيدة راشد حسين " الخيمة الصفراء " التي منها :
" والخيمة العجفاء في طرف الطريق نصبتها
مسلولة صفراء من خيش الحبوب صنعتها
ومخالب الريح الرهيبة والخنافس والظلام
تعدو على الأطفال ساخرة وتفترس الخيام
وتنام أصوات البنادق والنجوم ، ولا أنام
...
...
وهناك حول الخيمة الصفراء ديدان حقيرة
كانت تراقبني بلا صوت كأيوب صبورة
حتى ترى أي القبور سيحتوي أختي الصغيرة "
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الخامس عشر للحرب .

***

16- "نلقاكم في كشوف القتلى على قناة السويس " / على جبهة غزة ولبنان

إبان حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ، بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، كتب بعض طلاب الجامعة العبرية الإسرائيلية ، على شهادات تخرجهم ، لبعضهم البعض : نلقاكم على جبهة السويس .
كانت هذه حافزا لأن يكتب الشاعر معين بسيسو قصيدة عنوانها " نلقاكم في كشوف القتلى على جبهة السويس " ومنها :
" أنا لا أعرف حرفا في اللغة العبرية ....
كي تقرأ ما أكتب عنك ..
لو قدر لك ..
أن تحيا بضع ثوان أو بضع دقائق أخرى
لكن الجنرال سيقرأ في الحمام
وهو يدندن في - البانيو - تحت الماء
اسمك في كشف القتلى في سيناء ...
أو في المرتفعات السورية
أو في أحد شوارع غزة ..
وسيغتسل الجنرال ..
وسيسقط اسمك يا دانيال
في البانيو رغوة صابون " .
رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه زارا جبهة غزة وعادا إلى بيتهما ومنذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ وهما يقرأان أسماء الجنود والضباط القتلى يوميا .
من الذي باع الوطن ؟ من الذي دفع الثمن ؟
إنها الحرب !!
ستنتهي الحرب يوما ما . ستنتهي وأغلب الظن أن نتنياهو وغالانت سيدفعان أيضا الثمن .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
Adel Osta
٢٢ / ١٠ / ٢٠٢٣

اليوم السادس عشر للحرب

***

17- صمت من أجل غزة :

لا جديد في نهاية اليوم السادس عشر للحرب . الطيران الإسرائيلي يواصل إبادته للبشر والشجر والحجر ، والأخبار تذكر أعداد الشهداء والجرحى وأسماء العمارات والمشافي التي قصفت والتي ستقصف ، والمحللون يتحدثون عن الهجوم البري ويحللون ويجتهدون ويضعون الخطط ويرجحون الاحتمالات ، وفضائيات العدو تشير إلى تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي نعته بعض الضباط بالجبن ، لأنه كلما قدمت له خطة رفضها ، ويبدو أنه ما زال يأخذ بنصيحة الرئيس الأمريكي ، أو أنه يأتمر بأوامره .
دخلت المساعدات أم لم تدخل ؟ والمساعدات أكفان رجالية ونسائية وبأحجام مختلفة أيضا .
أمس أعدت نشر صورة عممتها وسائل التواصل الاجتماعي لخيام إسرائيلية في إيلات من أجل لاجئي المستوطنات ثم أزلتها بناء على نصيحة صديق ، فقد تكون مفبركة لتعمم على وسائل الإعلام العالمي من أجل كسب ود العالم للتعاطف مع ضحايا الهولوكست الفلسطيني بحق اليهود ( ؟ ) .
في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن ٢٠ كانت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين توزع علينا ، نحن الفلسطينيين في المخيمات ، مساعدات عرفناها باسم " البقج " فيها ملابس قديمة بالية عجيبة غريبة . هل تتكرر الحكاية ؟
الشاعر وليد الهليس Wallid Hallis كتب عن المصحات النفسية التي تقام لمعالجة الأفراد المرضى نفسيا وتساءل : هل هناك مصحات نفسية لدولة مريضة ؟
ما يجري في غزة يقول إن الدولة العبرية دولة مريضة يقودها مرضى نفسانيون يعيشون بعقلية الماضي ؛ عقلية الدم اليهودي . عقلية ثلاثة آلاف سنة خلت .
إسرائيل تعلق اللحم الفلسطيني على مطالع العهد القديم . وفي حرب ١٩٨٢ كتب محمود درويش قصيدته " مديح الظل العالي " ومنها :
" لا ظلام أشد من هذا الظلام
يضيئني قتلي ،
أمن حجر يقدون النعاس ؟
أمن مزامير يصكون السلاح ؟
ضحية
قتلت
ضحيتها
وكانت لي هويتها
أنادي إشعيا : أخرج من الكتب القديمة مثلما خرجوا ، أزقة
أورشليم تعلق اللحم الفلسطيني فوق مطالع العهد القديم ،
وتدعي أن الضحية لم تغير جلدها .. "
لم يقدر اليهود على روسيا القيصرية ولا على ألمانيا النازية فجاؤوا إلينا لينتقموا منهم فينا .
عندنا مثل شعبي يقول " اللي ما بقدر عالحمار بنط عالبردعة " ولكن المقاومة الفلسطينية في غزة كان لها في المثل رأي آخر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٣

فجر اليوم السابع عشر للحرب .

***

18- إنها الحرب :

لا شيء سوى مناظر الدمار والغبار الرمادي الأسود والقتلى والجرحى ؛ أطفالا وشيوخا ونساء ، ولا شيء سوى منظر المشافي تعج بالجثث والجرحى والأطباء والممرضين والنازحين إليها طلبا لمكان آمن .
وفي وسائل التواصل الاجتماعي لا شيء سوى رصد آخر أخبار الجبهة في غزة والموتى في الضفة الغربية وأرقام الصرعى والجرحى ونسبهم ؛ نسبة الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ، وسوى صورة يوسف وشعره الكيرلي الأصفر ووجهه الأبيض وبكاء أهله ، وسوى الموتى بالأكفان يصفون صفا صفا ويدفنون في قبر واحد ،
ومن صور لغزة وخان يونس يلتقطها الصحفيون تبدو المدينة ركاما فوق ركام إلى جانب ركام . إنه الموت الجماعي
خمسة آلاف شهيد وأكثر و ١٣ ألف جريح وأكثر ولم يرتو دراكولا الإسرائيلي الذي يبدو مثل سمك القرش كلما شم رائحة الدم بحث عن فرائس أخرى .
صباح أمس تذكرت مقطعا من قصيدة محمود درويش " مديح الظل العالي " ترد فيه مفردة ( هيروشيما ) فاقتبسته لخربشتي ، ومساء أمس قرأت عن تهديد وزير الحرب الإسرائيلي لحزب الله بأنه إن تمادى فإنه سيدفع ثمنا باهظا إذا ما قورن بحرب ٢٠٠٦ ، حيث سويت الضاحية الجنوبية لبيروت بالأرض ، بدت حرب ٢٠٠٦ نزهة .
- هل سيجن قادة الكيان ويستخدمون السلاح الذري في حربهم ؟
لم تخل بعض كتابات نشطاء الفيس بوك من تلميحات وإشارات ، وربما لم يغب عن ذاكرة الكبار منهم أن بعض قادة الدولة العبرية في حرب أكتوبر ١٩٧٣ فكروا في هذا الخيار . صدمتهم يومها مفاجأة ٦ تشرين الأول فارتبكوا .
مرة قرأت أن رئيس وزراء إسرائيلي قال إنه لو كان في الحرب العالمية الثانية يملك سلاحا ذريا لما تردد في استخدامه لإنقاذ اليهود من المحرقة ، ولهزيمة الوحش النازي .
الطريف أنني أمس عصرا قرأت رأيا ، لإسرائيلية في مجلس الوزراء ، هي السيدة شيري فاين غروسمان ، تعلن فيه أنها كانت ستدعم هذا التوجه لو اقترح في مجلس الوزراء !!
إنها الحرب ، وفي أثنائها قد يفقد الخاسر عقله ورشده وقد يقول كلاما كثيرا .
إسرائيل في هذه الحرب تثرثر وحماس تصمت ونادرا ما تحكي وتعلن . الحال في حرب حزيران ١٩٦٧ كان معكوسا : الإعلام العربي يثرثر ودار الإذاعة الإسرائيلية تبث الموسيقى .
في الحرب نفقد عقلنا ونتوتر وقد .. قد .. .
" على الحائط كتابة بالطباشير :
هم يريدون الحرب
والذي كتبها خر صريعا "( برتولد بربخت )
ونحن ؟
نحن كما قال الشاعر ابن الرومي في القرن الثالث الهجري في خراب البصرة على يد الزنج :
" ذاد عن مقلتي لذيذ المنام
شغلها عنه بالدموع السجام " .
نحن نحزن ونكتب ولا ننام . نتابع أخبار الجبهتين وما يجري في العواصم ، وهناك من يرفع شعار : " أوقفوا الحرب !" .
و .. و ..
وصباح الخير يا غزة !!
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١٠ / ٢٠٢٣

اليوم الثامن عشر للحرب .

***

19- يكتبون أسماءهم على أجسادهم :

ماذا تجدي الكلمات في زمن الصور ؟
في غزة لا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا .. ولا .. ولا شيء سوى القتل والدمار والموت .
تقرأ ما يكتبه المقيمون فيها ممن بقوا أحياء لتعرف كيف يعيشون ومن هم شهداء اليوم الجدد ؟؟!! .
إنها مقتلة حقيقية تستحضر في الذهن نيرون وهولاكو ودراكولا وأدولف هتلر ، وسيضاف إليهم في كتب التاريخ جو باي دن وبن . يام . ين . نتن . ياهو .
في الحرب تنشط العدادات تحصي . أرقام . أرقام . تحصي أعداد الشهداء والقتلى والجرحى والمفقودين والأطفال الناجين بلا أهل وسنعرفهم فقط لأنهم كتبوا أسماءهم على أجسادهم .
ما جدوى الكتابة والصورة تقول أكثر من الحروف والكلمات والعبارات . ثمة وحش لم يرتو من دم الفلسطيني . دراكولا معاصر ينتمي لشعب الله المختار .
هل هم الأسوأ في التاريخ ؟
تتذكر ما كتبه إميل حبيبي عما جرى في ١٩٤٨ : " إنهم ليسوا الأسوأ في التاريخ " و " إن في قلوبهم لرحمة " . ماذا لو بعث إميل الآن من قبره حيا ليشاهد ما يلم بغزة ؟
لن يرى شواهد القبور تتحرك وحسب ، وإنما سيشعر أن الأرض تهتز .
أمس قيل إن مجموع ما أسقطته الطائرات الإسرائيلية على غزة يعادل في تأثيره القنبلة الذرية التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية على هيروشيما .
" القوي عايب " . هذا ما يقوله مثلنا الشعبي ، ولا أعتقد أن مفردة " عايب " تكفي لينعت بها رسل الحضارة القادمون من الغرب . نعم لا تكفي !!
هل أقول : صباح الخير يا غزة ؟
" صمت من أجل غزة " . ليس أكثر ، فلا الكلمات ، ولا أي شيء ، يوقف المقتلة ويعيد القتيل إلى ابنته الناظرة أو الطفل إلى أهله أو يوسف ذا الشعر الكيرلي الحلو الأبيض إلى أمه المفجوعة .
هل " أهنيء الجلاد منتصرا " على المدنيين ؟ وهل بقي أطفال ليجعل القاتل منهم أنبياء ؟
" أهنيء الجلاد منتصرا على عين كحيلة " " نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبيا " !!
لقد جعلوا من أطفال غزة نسيا منسيا .
" صمت من أجل غزة " .
خربشات عادل الاسطة
فجر ٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٣

اليوم التاسع عشر للحرب .

>>>>

20- "معلش". إنها معركة القيامة .

انتهى اليوم التاسع عشر للحرب التي لا تنتهي بكتابة كثيرين من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ما تفوه به مراسل فضائية الجزيرة القطرية وائل الدحدوح عندما رأى أفرادا من أهله ، ومنهم زوجته وابنه وابنته ، مرتقين " معلش ششش " و " إنهم ينتقمون منا بقتل أولادنا " ، ويقصد ب " منا " من الصحفيين الذين ينقلون ما يتركه الطيران الحربي الإسرائيلي في غزة من خراب .
كنت كلما شاهدت قناة الجزيرة يبث منها وائل أخشى أن يلقى ما لقيه مراسل الجزيرة في بغداد في العام ٢٠٠٣ الأردني طارق أيوب الذي ارتقى على الهواء مباشرة وهو يغطي احتلال بغداد .
هل كان وائل الدحدوح يتوقع غير ما حدث ، وهو الذي يشاهد الدمار والإبادة والتهجير منذ تسعة عشر يوما ، وهو الذي غطى حروب غزة السابقة منذ ٢٠٠٨ ؟
وائل الدحدوح مثل صحفيين كثر يتوقعون أن يكونوا هم أيضا شهداء ، ولم يختلف مصير هؤلاء عن مصير كل من يقيم في غزة في هذه المقتلة وتحويل غزة إلى أرض خراب . لقد بلغ عدد الصحفيين الذين قضوا في هذه الحرب حتى الآن ( ٢٢ ) ولما تنته الحرب .
وائل الدحدوح والصحفيون في الحرب شجعان شجاعة كبيرة ؛ شجاعة الطبيب أبو ستة الذي التحق في اليوم الثالث للحرب ، قادما من بريطانيا ، بمشافي غزة ليقوم بواجبه الإنساني في خدمة الجرحى ، فكان بسلوكه هذا مثل اليابانية التي كتب عنها الشاعر المصري حافظ إبراهيم :
" هكذا الميكادو قد علمنا أن نرى الأوطان أما وأبا "
وكانت هذه اليابانية في الحرب العالمية الأولى غادرت مصر لتخدم وطنها في أثناء الحرب .
في الأدبيات الصهيونية التي تأتي على القضية الفلسطينية غالبا ما ينعت الفلسطيني بأنه لا يحب أرضه ، ولذلك لم يدافع عنها ، وأنه ما إن يشعر بالخطر حتى يولي الأدبار ، ولذا فهو لا يستحقها وليس جديرا بها .
- ماذا أبقت حرب ٢٠٢٣ من هذا الأدب وتصوراته ؟
- لا شيء لا شيء ، فأهل غزة يرفضون التهجير وهم يمتلكون الإرادة والشجاعة .
ولعل ما لفت الأنظار أيضا فيما نشر أمس في وسائل التواصل الاجتماعي هو رغبة بعض المتابعين بالموت حتى لا يفجعوا أكثر بفقدان الأطفال أهلهم أو فقدان الأهل أطفالهم . كم من واحد تمنى لو تقوم القيامة ؟
كنت أود أن أكتب في هذا الفجر عن معركة ( هار مجدو ) والأدب القيامي والمسيحيين الصهاينة الجدد ولكن ... .
هل هذه المقتلة هي مقتلة هار مجدو التي يبلغ فيها الدم أعناق الخيل ؟
في قصيدته " مديح الظل العالي " كتب محمود درويش :
" يا فجر بيروت الطويلا ! عجل قليلا
لأعرف إن كنت حيا أو قتيلا "
وكم من مقيم في غزة من النشطاء صار يكره الليل ويتمنى مجيء النهار ؟!
وكان الشاعر نفسه قال :
" لولا هذه المدن اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى "
وسمحت لنفسي باستبدال بيروت بغزة :
" لولا هذه المدن اللقيطة لم تكن غزة ثكلى " .
صباح المجد يا غزة ولعل الله يحدث بعد ما جرى أمرا !!
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٣

فجر اليوم العشرين للحرب

***

21: أ- مدينة الزهراء في غزة مدينة الخراب :

عندما زرت غزة قبل العام ١٩٨٧ لم أزر مدينة الزهراء ولم أسمع بها ، فهي لم تكن قائمة أصلا . لقد أقيمت بعد مجيء السلطة الفلسطينية في العام ١٩٩٤ ، ويبدو أنها كانت مدينة نموذجية .
صباح أمس ٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٣ شاهدت شريط فيديو لأحد أبنائها يتجول فيها في الأيام الأخيرة ، بعد أن سواها الطيران الإسرائيلي بالأرض .
كان صاحب الفيديو يعرف مدينته حيا حيا وبناية بناية ومتجرا متجرا ، وفردا فردا من سكان البنايات وأصحاب المتاجر ، ولذلك كان يسمي البنايات بأسماء سكانها والمتاجر بأسماء أصحابها ويردد عبارة واحدة تخرج من فمه بنغمة حزينة :
" بعوضك الله يا فلان " .
في العام ١٩٦٧ سوت القوات الإسرائيلية المحتلة ثلاث قرى عربية بالأرض هي يالو وعمواس وبيت نوبا ، وبعد حرب ١٩٤٨ مسحت قرى كثيرة وأقامت على أنقاضها كيبوتسات وقرى تعاونية ومواقف سيارات ومتنزهات .
لماذا فعلت إسرائيل ما فعلت ؟
شر البلية ما يضحك ، وكان إميل حبيبي يريد إغراقنا ، نحن الضعفاء ، بالضحك لمواجهة المحتل به ، ولذلك سأل بطل روايته سعيد ضابط المخابرات الذي اقتاده إلى السجن عن سبب هدم بيوت المقاومين فرد عليه الضابط :
- لنقطع دابر الجرذان التي عششت فيها فننقذهم من الطاعون .
هل ترمي هذه الحرب الوحشية على غزة إلى القضاء على حماس واجتثاثها وحسب ؟ وهل يتم هدم البنايات ليقطع دابر الجرذان ؟
أمس نشر في وسائل التواصل الاجتماعي المنشور الآتي ، وزعه المستوطنون ، موجها إلى أهالي قرية دير استيا قرب نابلس ، فقد ألصق على سياراتهم :
" أردتم الحرب فانتظروا النكبة الكبرى :
إلى أهالي العدو في الضفة اليهودية
إن منظمة السفاحين حماس الداعشية الابليسية الساعين في الأرض فسادا قد ارتكبت أكبر خطأ تاريخي معلنة الحرب علينا وهي تذبح أطفالا وشيوخا وتسبي العجائز والرضع وتبقر بطون الحوامل وتغتصب النساء .
أردتم نكبة مثيلة ب ١٩٤٨ فوالله ستنزل على رؤوسكم الطامة الكبرى قريبا
لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردن بشكل منظم فبعدها سنجهز على كل عدو وسنطردكم بقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا والذي أمرنا بعدم الارتداد عنها مهما صار لتتم علينا كلمة ربنا الحسنى بما صبرنا معكم .
احملوا حمالتكم فورا وارحلوا من حيث ما أتيتم . إننا لآتون . "
وكما هو واضح فإن الهدف ليس القضاء على قوة حماس ، بل تفريغ فلسطين التاريخية من سكانها الفلسطينيين العرب . إنه المخطط الصهيوني منذ بداياته قبل تأسيس دولة إسرائيل .
على صفحة أحد الأصدقاء قرأت أمس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر تسليح المستوطنين كافة ، وأن وزير الحرب الإسرائيلي أعلن أن حرب الاستقلال الثانية قد بدأت . هل أخطأ الشاعر إبراهيم طوقان قبل ١٩٤١ حين كتب :
يا قوم ليس عدوكم ممن يلين ويرحم
يا قوم ليس أمامكم
الا الجلاء فحزموا
وحين كتب :
أمامك أيها العربي يوم تشيب لهوله سود النواصي
مناهج للإبادة واضحات وبالحسنى تنفذ والرصاص ؟
الطريف هو أن المنشور يستعير قاموسنا اللغوي منذ ١٩٤٨ في الكتابة عن الصهيونية والدولة الإسرائيلية وينعتنا بما كنا ننعتهم به . ما من كلمة من كلمات المنشور إلا حفلت بها أدبياتنا السابقة . لقد سرقوا منا كل شيء : الأرض والفولكلور والطعام والشتائم والآن الخطاب الأدبي والسياسي ، وسرقوا منا أيضا ما فعلوه بنا ومصيرنا الذي آلنا إليه .
في القرن الثالث الهجري اجتاح الزنج مدينة البصرة واحرقوا بيوتها وهدموا مساجدها وخربوا ميناءها وقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها فرثاها ابن الرومي بقصيدته التي مطلعها :
ذاد عن مقلتي لذيذ المنام
شغلها عنه بالدموع السجام .
صباح الخير يا غزة ! إن ضعت ضعنا وإن انتصرت انتصرنا !!
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١٠ / ٢٠٢٣
فجر اليوم الحادي والعشرين للحرب .

***

21: ب- الكتابة من هناك من بيت النار :

يبدو أن سؤال الكتابة من قلب الحدث ترف زائد يبعث على السخرية .
شخصيا لا أسأل كتاب غزة عما يكتبون الآن ، علما بأنني أنظر في صفحاتهم ، لا لأمعن النظر فيما يكتبون وملاحظة اختلافه عما يدونه من هم خارج غزة ، وإنما لكي أتأكد إن كانوا ما زالوا أحياء يرزقون ، فأطمئن أنهم بخير ، ثم من له في هذه الأيام شهية لقراءة كتاب من ألفه إلى يائه بتركيز ؟!
عندما تشتعل الجبهة يصبح المرء مثل مريض ، والمريض تضطرب نفسيته ويختل تركيزه ، وليس عبثا أن قالوا : العقل السليم في الجسم السليم . نحن الآن مرضى . مرضى نفسانيون حقا ومرضى بغزة التي ما إن نشفى من ويلات حربها الأخيرة حتى تندلع حرب جديدة نكابد فيها من الأوجاع والقلق والتوتر و ... ما نكابد .
في حرب بيروت ١٩٨٢ رفع بعض الكتاب الفلسطينيين والعرب هناك شعار الكتابة بالدم وبالدم نكتب فلسطين ، وهو شعار رفعوه من قبل أيضا ، وأضافوا إليه بأن المعركة هي الآن معركة الكتاب أيضا وأن الوقت وقت الفرز ، وحين سئل محمود درويش :
- ماذا تكتب ؟
أجاب :
- أكتب صمتي .
غير أن الوضع في غزة غيره في بيروت ، فالحرب الآن حرب إبادة بالضبط ، وأكثر الكتاب تركوا بيوتهم ويقيمون في مراكز إيواء تفتقد أدنى شرط من شروط الكتابة .
ومع أنني لا أعرف أكثر كتاب غزة الحاليين معرفة مباشرة ، فنادرا ما التقيت بهم ، إلا أنني أنظر في صفحات قسم منهم وأقرأ فقرات قصيرة جدا يبثون فيها أحزانهم ويعبرون عن غضبهم من هذا العالم القذر ومن إخوتهم العرب الذين خذلوهم وما زالوا !!
بعض الكتاب هناك توقف عن كتابة أي فقرة بعد أربعة أيام من الاجتياح الفلسطيني لأراض فلسطينية احتلت في العام ١٩٤٨ ، وبعضهم الآخر لم أقرأ له شيئا ، وقسم من الكتاب ارتقى حين لم يجد الأوكسجين الذي جعله عنوانا لرواية له .
هل هي أيضا مجزرة بحق الكتاب كما هي بحق الصحفيين ؟
من من كتاب غزة سينجو ليكتب لنا عن لحظات الرعب التي عاشها ، فالكاميرا مهما كانت دقيقة في نقل الصورة إلا أنها تعجز عن تصوير الحالة النفسية التي تعتمل في داخل من هدم بيته على رأسه ، أو في داخل من يقيم مع آلاف في مركز إيواء ، فلا يجد الطعام ولا الماء ولا يقوى على الاستحمام أو الذهاب إلى المرحاض ، ولا يجد أطفاله بالقرب منه لأنه فقدهم تحت الأنقاض .
إن انتهت الحرب القذرة هذه فأتمنى أن يزور غزة كتاب فلسطينيون وعرب وعالميون ليكتبوا لنا نصا مثل نص ( جان جينيه ) " أربع ساعات في شاتيلا " ، ولا أظن أن نصا يكفي للكتابة عن هذه المقتلة .
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ما زالت الكتابة عن الهولوكست تتناسل ، ويحصد قسم من كتابها جائزة نوبل . الآن نحتاج إلى ثمانين عاما متواصلة لنكتب عما فعله ( نيرون ) المعاصر والمغول الجدد ونازي القرن الحادي والعشرين بمواطني غزة !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١٠ / ٢٠٢٣
اليوم الحادي والعشرين للحرب .

***

22- ومن كتبت عليه خطى مشاها :

عاد الشاعر وليد الهليس من مكان لجوئه في إحدى الدول الاسكندنافية إلى مدينته غزة ، قبل بدء عملية طوفان الأقصى ، زائرا .
عندما سمح لحاملي الجنسيات الأجنبية مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح توجه وليد إلى هناك على أمل العودة إلى مكان الإقامة .
أمس مساء عرفت من منشور الدكتور عادل سمارة أن وليد أصيب مع بعض أقاربه في إحدى غارات الطائرات الإسرائيلية التي استهدفت منزل عائلته .
كان ااشاعر بدأ ينشر قصائده في نهاية سبعينيات القرن ٢٠ على صفحات مجلة " الببادر " :
" على أمل العيش ألقى أبي بذرة في مكامن أمي
وقال أخلف ذكرا
سوف أخلف ذكرا .. " .
والديوان الأخير الذي أصدره عنوانه " كل ما في الأمر " وهو قصائد قصيرة هادئة .
في حرب ١٩٨٢ أشيع أن محمود درويش استشهد ، ثم تبين أن الشهيد هو قريبه سمير درويش الذي ذكره محمود في قصيدة " مديح الظل العالي " :
" أتعرف من أنا حتى تموت نيابة عني ؟"
وكتب عنه أكثر في كتابه " ذاكرة للنسيان " .
وفي حرب ١٩٨٢ استشهد الشاعر علي فودة صاحب " يا وطني الرائع " واستشهد الشاعر زياد الخليل الذي عرفت عنه من رواية أحلام مستغانمي الثلاثية " ذاكرة الجسد " ، وكنت أظن أن اسمه اسم روائي وأنه شخصية متخيلة حتى أخبرني الشاعر أحمد دحبور أنه اسم حقيقي وأنه يعرفه .
آمل أن يكون وليد الهليس بحالة صحية جيدة وأتمنى له الشفاء العاجل ، وفي حالة مثل حالته يكرر المرء :
" مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها "
غزة الليلة تحترق وقد تحترق لتحيا وليس أمام أهلها إلا أن يكرروا :
صامدون هنا
صامدون هنا
قرب هذا الجدار الأخير
و
لن نترك الخندق حتى يمر الليل أو نهلك
و
غزة خيمتنا الأخيرة
غزة نجمتنا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١٠ / ٢٠٢٣
فجر اليوم الثاني والعشرين للحرب .

***

23- "قدرك أن تكسر أو تنكسر": سر ما يفعله الطيران الإسرائيلي في إبادة غزة

نمنا أول أمس الجمعة ٢٧ / ١٠ على أخبار من غزة غير سارة وصحونا لنعرف عن مجازر في مخيم الشاطيء . غرقت غزة في الظلمة وقطع العدو الإسرائيلي عنها الكهرباء ووسائل الاتصال لدرجة أن كتب ناشط بأنها صارت خارج المجرة ، وأمسينا مساء أمس السبت ٢٨ / ١٠ على ما قاله المقنع أبو عبيييدة . تبدلت المشاعر وانقلبت من الخوف إلى بعض الفرح ، ولأول مرة منذ اليوم الثالث للمقتلة عاد أسلوب السخرية يظهر في كتابات بعض المدونين . صفقة تبادل الأسرى يمكن أن تتم بالجملة وبالمفرق وبالدفع كاش أو بالتقسيط ويمكن أن يتم "الدلفري " / التسليم مجانا وحتى معبر رفح ، وجدد كثيرون ثقتهم بالناطق باسم كتائب عز الدين القسام واعتبروه ممثلهم الوحيد . ولا يخفى أن الكتابة عن الحرب البرية شغلت أيضا حيزا وكتابة لا تخلو من سخرية ، فالعدو الذي تحدث عن الحملة تراجع عن الوصف : من حرب واسعة واقتحام إلى مناوشات وتوغل على الأطراف ، وصاحب هذا تلاعب في عبارة الجيش الذي لا يقهر ، إذ أسقطت لا وصار الجيش الجيش الذي يقهر .
هل رأى الفلسطينيون في خطاب أبي عبيييدة بعض عزاء لما ألم بمخيم الشاطيء ؟
كل يوم يفاجيء بحدث يتسيد ويطغى ، فبعد ارتقاء عائلة مراسل الجزيرة وائل الدحدوح وتسيد كلمته " معليششش " وعبارته " بنتقموا منا بأولادنا " تسيد دال الملثم الذي صار المتابعون ينتظرون كلمته القصيرة بصبر فارغ .
وماذا عن تساؤل الناس عن سر هذا التدمير الوحشي البربري ؟
شخصيا تذكرت مسرحية معين بسيسو " شمشون ودليلة " التي اتكأ في كتابتها على الرواية الإسرائيلية ليدحضها ، وكنت كتبت عن هذا في رسالة الدكتوراه ١٩٩١ ، وفي كتابي " الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني " ١٩٩٣ .
كان معين قرأ العهد القديم وقرأ أيضا الأدب الإسرائيلي المعاصر ومنه كتاب ( ياعيل دايان ) " مذكراتي الحربية " عن حرب حزيران ١٩٦٧ .
في كتاب ياعيل ترد العبارة :
" ما يعني لبلد الهزيمة ، يعني لنا الفناء . نحن لا نستطيع أن نخسر الحرب ونبقى في الوقت نفسه على قيد الحياة "
وهو ما صاغه معين على لسان راحيل تخاطب شمشون :
" قدرك أن تكسر
أو تنكسر
إن لنا قدرا يا شمشون
غير جميع الناس
...
...
قاتلنا الجرح الأول
وعلينا ألا نجرح أبدا " .
هل عرفتم ماذا يعني انتصار ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ للإسرائيليين ولماذا هذا الجنون في تدمير غزة على رؤوس من فيها ومنع الماء والكهرباء والغذاء عنها ؟
المجد لغزة
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٣
صباح اليوم الثالث والعشرين للحرب .

***

24- فلسطينيو غزة والهنود الحمر :

هل تنظر الولايات المتحدة الأمريكية ودولة إسرائيل إلى فلسطينيي غزة نظرة الرجل الأبيض إلى الهندي الأحمر في أمريكا ، وبالتالي تقدمان على إبادتهم كما أباد الرجل الأبيض الهندي الأحمر ؟
كل يوم يمر يقدم الطيران الإسرائيلي على تدمير بنايات جديدة على رؤوس ساكنيها وتسويتها بالأرض ، غير مكترث لعدد القتلى والجرحى وعذابات المرضى . كأنما تتلذذ القيادات الإسرائيلية بما تشاهد تلذذ مريض نفسي . أمس وأول أمس سجلت عائلات كاملة في عداد الضحايا . بقي أن ترفع القيادة الإسرائيلية شعار :
" اقتل فلسطينيا واحصل على مكافأة نقدية فورية " .
في الحرب الدائرة على غزة غالبا ما استحضرت مقاطع شعرية معروفة لشعراء فلسطينيين ؛ لدرويش والقاسم ومعين بسيسو ، ولشعراء عرب أيضا .
وبما أن الحرب الدائرة على غزة تبدو حرب إبادة فإن القصيدة التي لم تستحضر من قصائد محمود درويش ، وهي الملائمة للتعبير الرمزي عما يجري ، هي قصيدة " خطبة الهندي الأحمر ، ما قبل الأخيرة ، أمام الرجل الأبيض " التي يمكن التلاعب بعنوانها ليصبح " خطبة الفلسطيني ، ما قبل الأخيرة ، أمام الصهيوني العالمي " .
هل كان الشاعر وهو يكتب قصيدته يستعير حكاية الرجل الأبيض والهندي الأحمر ليكتب حكاية شعبه الفلسطيني ؟
لنقرأ المقطع الآتي :
" لن يفهم السيد الأبيض الكلمات العتيقة
...
...
...
إذا
لماذا يواصل حرب الإبادة من قبره للنهاية ؟
ولم يبق منا سوى زينة للخراب ، وريش خفيف على
ثياب البحيرات . سبعون مليون قلب فقأت .. سيكفي
ويكفي لترجع من موتنا ملكا فوق عرش الزمان الجديد ..
أما آن أن نلتقي يا غريب غريبين في زمن واحد ؟
وفي بلد واحد مثلما يلتقي الغرباء على هاوية ؟
لنا ما لنا .. ولنا ما لكم من سماء
لكم ما لكم .. ولكم ما لنا من هواء وماء
لنا ما لنا من عصي .. ولكم ما لكم من حديد
تعال لنقتسم الضوء في قوة الظل ، خذ ما تريد
من الليل ، واترك لنا نجمتين لندفن أمواتنا في الفلك
وخذ ما تريد من البحر واترك لنا موجتين لصيد السمك
وخذ ذهب الأرض والشمس ، وأترك لنا أرض أسمائنا
وعد يا غريب إلى الأهل .. وابحث عن الهند " .
أمس فجرا واصل الجيش الإسرائيلي اقتحام مدن الضفة الغربية وهدم بيوت المقاومين وقتل من تمكن منهم . وبلغت المقتلة في غزة ذروتها ؟ وماذا بعد ؟!!
هل أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام سيتلو خطبة المقاومين الأخيرة أم انه سيتلو نعي الدولة العبرية ؟!!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١٠ / ٢٠٢٣
صباح اليوم الرابع والعشرين للحرب ، وما زالت المقاومة تقاوم !!

***

25: أ- الحرب البرية:
وما زال المدنيون يدفعون الثمن!

أمس ٣٠ / ١٠ في اليوم الرابع والعشرين للحرب اتجهت الأنظار نحو الحرب البرية ، دون أن تنسى آثارها على المدنيين واستمرار القصف الجوي للبنايات السكنية وتهديد المشافي بتسويتها بالأرض ، ولكن أكثر ما لفت المتابعين هو الشريط الذي تحدثت فيه الأسيرة الإسرائيلية التي ظهرت مع أسيرتين أخريين .
خاطبت الأسيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي تطلب منه أن يخرجها من الأسر فورا ( أخشاف ) ، هي والأسرى كلهم وحملته مسؤولية ما جرى .
الكلمة العبرية ( أخشاف ) تسيدت الكتابة إلى جانب كلمة وائل الدحدوح ( معليش ) وأوردها كثيرون بطريقة تهكمية .
تحصي الأسيرة أيام الأسر وتتلعثم فتطلب التأكيد من صديقتها وتصرخ في النهاية أخشاف أخشاف أخشاف . تصرخ بجنون ، فتتساءل أنت كيف لو أنها أنفقت في الأسر بضع سنين ، وتتذكر الآلاف من أسرانا الذين أنفقوا عقودا من عمرهم في الزنازين وغرف السجن ؟!
أمس ارتقى أيضا عشرات الفلسطينيين الأبرياء . هدمت منازلهم فوق رؤوسهم وصار الأحياء منهم بلا مأوى والجرحى بلا علاج حقيقي ، فالمشافي في حالة يرثى لها ، وما لفت الأنظار أمس أكثر من غيره منظران ؛ الأول هو السيارة البيضاء التي كانت تسير في شارع صلاح الدين الذي ربضت فيه دبابة إسرائيلية محتلة ، والثاني هو الطفلة التي تقارب العاشرة من العمر . حاول سائق السيارة السلامة بالعودة من حيث أتى فعاجلته الدبابة بقذيفة أودت بحياته ومن معه . كان المنظر يصور في لحظة جريانه . وكانت الطفلة الناجية تتحدث بتعثر نرى وجهها وكله كدمات ولم تكن تعرف أنها فقدت بصرها .
إنها ويلات الحرب التي صار المواطنون الغزيون يبحثون فيها ، بسبب الحصار ، عن كيس طحين ولتر بنزين بأي ثمن . هكذا قرأنا في وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات " مطلوب كيس طحين " و " مطلوب لتري بنزين " مهما كان الثمن وبأي سعر .
هل ستنتهي الحرب ؟
وهل سنستمع إلى أغنية مارسيل خليفة " أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهدا " ؟ وهل بقيت الأمهات على قيد الحياة ليبكين دمعتين ووردا ولا ينزوين في ثياب الحداد ؟ هل بقي للحداد ملابس يرتدينها أصلا ؟
دمر الإسرائيليون غزة . إنها ليست حربا . إنها محرقة إبادة وفيها تذكر سطر محمود درويش :
" يولد الجلاد من رحم الضحية " .
والجلاد الضحية يجلد الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية أيضا ، فأمس واصل اقتحامه لمخيم جنين ومدينة نابلس وقتل من قتل وأصاب من أصاب .
صباح الصمود يا غزة
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة

فجر اليوم الخامس ةالعشرين للمحرقة .

***

26- أتحدى أن يرفع منكم أحد عينيه أمام حذاء غزاوي يا قردة؟!!
مع الاعتذار لمظفر النواب

أمس ٣١ / ١٠ / ٢٠٢٣ ارتكب الطيران الإسرائيييلي مجزرة في مخيم جباليا نجم عنها دمار هائل في عدة مبان سكنية أسفر عن ارتقاء ما لا يقل عن ٤٠٠ لاجيء فلسطيني .
أثار الحدث مشاعر الكثيرين الذين تفاوتت ردود أفعالهم ، فمن مبادرة فعلية قامت بها اليمن بإطلاق صواريخ ، إلى الاكتفاء بالدعاء إلى الله والطلب منه أن يرسل ملائكته ليحاربوا مع المقاومة ، إلى استمرار سيمفونية شتم الأنظمة العربية واتهامها بالخيانة ، إلى التساؤل عن موعد كلمة زعيم حزب الله الشيخ حسن نصرالله ، إلى التبرؤ من العرب واتهام الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية بالمشاركة في الحرب إلى جانب إسرائيل ، إلى تمني بعض الفلسطينيين أن يعجل الله في يوم القيامة فقد يرتاحون من هذا العذاب ، إلى تمجيد بوليفيا التي اتخذت قرارا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل ومعايرة الأنظمة العربية بهذا ؛ الأنظمة التي لم تقف إلى جانب أهل غزة حتى بطرد السفير الإسرائيلي .
كانت أمس الصور في مخيم جباليا أبلغ من الكلمات ، فالكلمات تعجز عن وصف آثار ما حدث ، وحتى وصف الشاعر مظفر النواب لما جرى في مخيم تل الزعتر في العام ١٩٧٦ لا يكفي .
وعلى الرغم من مشاهد القتل والدمار فإن قليلين سخروا من خبر يحكي أن الزعماء العرب سيعقدون مؤتمر قمة في ١١ / ١١ .
لماذا غابت قصيدة مظفر أمس عن أذهان نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ، فلم يضمنوا منشوراتهم مقاطع منها ؟
كأنما قال مظفر قصيدته في مقتلة غزة تماما :
" أسمعتم عرب اللعنة ؟
لقد وصل الحقد إلى الأرحام .
أسمعتم عرب اللعنة ؟
إن فلسطين تزال من الرحم "
" ماذا ثمن الطفل الواحد ؟
ماذا ثمن الغمازة ؟
ماذا ثمن العينين الضاحكتين صباحا ؟
ماذا ثمن الحمل الطيب في زاوية الخيمة ؟
والردات على الأبواب
ماذا ثمن الشفتين مناغاة وحليبا ؟ "
" أتحدى أن يرفع منكم أحد عينيه
أمام حذاء فدائي ( غزاوي ) يا قردة " .
أمام الصور والفيديوهات التي تدوولت أمس تساءلت أنا أيضا عن جدوى الكتابة ، وفكرت أن أتوقف عنها لولا خبر عن حدث عظيم قيل إن إسرائيييل ستعلن عنه .
في العاشرة ليلا تناقلت بعض الصفحات ما ألمح إليه وزير الدفاع الإسرائيلي بأن خسائر الجيش كانت اليوم / أمس جسيمة وتناقلت أيضا خبرا عن أسر ٤٣ جنديا إسرائيليا وأميركيا وقتل ٦٧ من جيش الدولتين . هل تأكد الخبر ؟ وهل كان ما جرى في جباليا رد فعل للخسائر الفادحة في القوات الإسرائيلية ؟
" هذي الأرض تسمى بنت الصبح
نساها العرب الرحل عند المتوسط
تجمع أزهار الرمان
وساروا باديتين ، ولما انتبهوا
وجدوا كل سقوط العالم فيها
قالوا مرثية ... "
إن انتصرت غزة فستكثر قصائد التمجيد / المديح ، وإن لم تنتصر - لا سمح الله - فسوف تكثر المراثي وسيعقد مؤتمر قمة عربي لتدارس الأوضاع .
أمس عادت لدى بعض المتابعين روح السخرية ، عادت على الرغم من فظاعة المشاهد وعلى الرغم من ارتفاع نغمة الشتائم وتبرؤ بعض الشامتين من العرب الصامتين - باستثناء اليمن التي خرجت عن الصمت ، كأنما مستجيبة لشاعرها المرحوم عبد العزيز المقالح . هل تذكرون قصيدته التي منها " الصمت عار " ؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١ / ١١ / ٢٠٢٣
صباح اليوم السادس والعشرين للمذبحة .

***

27: أ- إنهم يألمون أيضا : القتلى بالعشرات

انتهى اليوم السادس والعشرون للحرب ولم تنته الحرب . ومثل الأيام السابقة استمرت الطائرات تغير وتدمر المباني على رؤوس سكانها المدنيين ، ويبدو أن الإسرائيليين يأخذون بالمثل الشعبي حقا . " اللي ما بقدر عالحمار بنط عالبردعة " وحاشا أن يكون المقاومون الفلسطينيون والشعب الفلسطيني كذلك . يخسرون من المقاومين فينتقمون من المدنيين وينظر رجال الدين اليهودي لذلك ، فيقرأون من كتبهم وأسفارهم ويعيدون عقارب الساعة إلى ثلاثة آلاف عام ولهذا يحللون قتل النساء والأطفال والرجال ، فالنساء تلد والأطفال قتلتهم في المستقبل . يرتعبون منهم . هل أقول شكرا للحرب لأنها أطلعتني على بعض كتب العهد القديم التي لم أكن قرأتها ؟
إحدى المستوطنات في الضفة الغربية تودع ابنها الذاهب إلى الحرب آملة أن يحرر الأسرى ليتمكن الإسرائيليون بعد ذلك من إبادة الفلسطينيين كلهم ولتصبح فلسطين كلها من النهر إلى البحر دولتهم . إنها أرضهم التي أعطاها الله لهم ، ومن قمة هذا المشهد السريالي تتفجر السخرية :
- شو هالرب يهوى الذي يوزع الأراضي على البشر ؟ هل هناك أغنية عنوانها " أقبح الأمهات "؟
أمس كرر الطيران الإسرائيلي هدم مبان في مخيم جباليا ليرتفع عدد الضحايا المدنيين ، ولم أكن أعرف أن مخيم جباليا هو مخيم الثورة إلا من خلال رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) التي يأتي فيها على طفولة أبناء المخيمات في قطاع غزة وألعابهم ومنها لعبة ( عرب ويهود ) التي لعبها في طفولته .
من مخيم جباليا انطلقت المقاومة بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، فهل تثأر منه الدولة العبرية لهذا ؟
كنت اقتبست مقطعا من قصيدة آمل دنقل " لا تصالح " :
" وغدا سوف يولد من يلبس الدرع كاملة يوقد النار شاملة يستولد الحق من أضلع المستحيل "
كان يحيى السنوار في ١٩٦٧ في الخامسة من عمره وامتلأت ذاكرته بمناظر القتل والدمار وقصص فقدان الآباء أو اعتقالهم أو قتلهم وعاش شخوص روايته أيتاما فقراء مشردين وها هو يوقد الحرب شاملة . وماذا - لا سمح الله - لو انتهت الحرب ولم تتحقق أهدافها برفع الحصار عن غزة ؟
في أحد أشرطة الفيديو التي تبث مشاهد القتل والدمار في غزة يبكي الفتى اليافع أخاه بحرقة ويقسم أنه سينضم إلى كتائب الجهاد - سرايا القدس - ليثأر لأخيه . هل سيحقق هذا الطفل ما ورد في قصيدة دنقل ؟
" إنه ليس ثأرك وحدك ،
لكنه ثأر جيل فجيل " .
أوجع المقاومون أمس وأول أمس جيش الغزو واعترف رئيس وزرائهم ووزير حربهم بهذا ، فهدمت الطائرات الإسرائيلية البنايات على رؤوس المدنيين وسويت كما أول أمس مبان أخرى بالأرض ، وتلك قسمة ضيزى وحرب غير متكافئة !!
وأمس أضربت مدن الضفة الغربية والقدس تضامنا مع أهل غزة ، وأمس أيضا ارتقى مواطنون من هذه المدن ، وأمس أمطرت السماء وهطل المطر غزيرا . أهي بشرى ؟ وأمس أيضا حولت إلي إحدى معارفي شريطا بصوت داعية يطلب فيه أن أعيد إرسال الشريط إلى خمس وعشرين شخصا من معارفي حتى لا يلحق بي أذى وحتى استمع إلى خبر سار أنتظره .
المجد لغزة والزوال للمحتلين واللعنة على اللورد بلفور صاحب الوعد المشؤوم ٢ / ١١ / ١٩١٧
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم السابع والعشرين للحرب المقتلة

***

27: ب- العنقاء الفلسطينية في غزة :

كلنا ننتظر الغد . كلنا ننتظر الفعل من حزب الله عل إبادة غزة تتوقف ويفهم الإسرائيلي شريعة أجداده " العين بالعين والسن بالسن " .
هل ستبدأ معركة الجنوب الليلة فيحقق السيد حسن نصرالله ما قاله المتنبي في سيف الدولة قبل ألف عام :
" إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا
مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم " ؟!
ويكون قراره قرار الفدائي الذي كتب عنه إبراهيم طوقان قبل ٩٠ عاما :
" وأخو الحزم لم تزل يده تسبق الفما " ؟!
في اليوم السابع والعشرين خرجت المظاهرة الأولى من مخيم الشاطيء تهتف :
" من الشاطيء طلع القرار
مش حنطلع من الدار
و
يا سارة بلغي جوزك
غزة هي المغارة / المقبرة
و
حط السيف قبال السيف
إحنا رجال محمد ضيف "
كأنني كنت أشاهد معين بسيسو في بداية خمسينيات القرن العشرين يردد :
" لا توطين ولا إسكان
يا عملاء الأمريكان
و
قد أقبلوا فلا مساومة
المجد للمقاومة " .
والحكاية تتكرر ويتكرر الحديث عن التوطين والتهجير ويتكرر الرفض وتتكرر المظاهرات وتتواصل المقاومة والتضحيات ولا كلل وملل ويصح قول الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الذي ارتقى في معركة الشجرة في العام ١٩٤٨ هو الذي حمل روحه على راحته وألقى بها في مهاوي من أجل حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدى ، يصح قوله واصفا شعبه :
" شعب تمرس بالصعاب
فلم تنل منه الصعاب "
وعلى الرغم من شدة القصف وكثرة الشهداء كان هناك ما يبعث على السخرية : اقتراحات بإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار إذا ما وافقت قيادة حماس على الإفراج عن أسرى العدو وخروجه والمقاومين خارج قطاع غزة ، على غرار ما حدث في بيروت في العام ١٩٨٢ .
هل هي نكتة أم حزورة ؟ وهذا تساؤل كتبته عندما قرأت على صفحة احمد عبابنه و Mohammad Shami خبرا عن إسقاط القواعد الأميركية طائرة مسيرة سورية في الأجواء الأردنية ، فالصديق وقت الضيق والحدود الأردنية خط أحمر .
إن غدا لناظره قريب ويخيل إلي أن الدبابات الإسرائيلية ستغوص في رمال غزة التي ستطعمها الفلفل الأحمر الحار والدقة الغزاوية .
الضفة بدأت تشتعل !!
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١١ / ٢٠٢٣
اليوم السابع والعشرون للحرب .


***

28- صمت الكتاب :

هل أغنت الصورة في الحرب هذه عن الكتابة ؟
وهل العصر هو عصر الصورة ؟
بالكاد يبلغ الآن عدد قراء أكثر منشور رواجا المائة ، ولكن الصورة قد تحقق انتشارا واسعا يبلغ أربعة أضعاف المنشور كتابة .
على الرغم مما سبق فإنك إن نظرت في بعض صفحات كتابنا ، لتقرأ ما كتبوه عن الحرب هذه ، فستصاب بالدهشة لأسباب :
- قصر النص
- قلة الكتابة
- صمت بعض الكتاب .
ما التفت أنا إليه التفت إليه أيضا الشاعر سميح محسن .
الكتاب المقيمون في غزة غير ملومين وكان الله في عونهم ، عدا أن عددا منهم كان قبل الحرب سافر إلى مصر أو إلى الشام . عموما فإن ما يكتبه الباقون لا يتعدى فقرات قصيرة جدا أشبه ببرقيات .
كتاب غزة المقيمون منذ سنوات بعيدين عنها يكتب قسم منهم يوميا أكثر من فقرة أو مادة ويغلب أيضا عليها القصر .
هناك أدباء فلسطينيون في داخل الأرض المحتلة يبدون صامتين تماما ، ومثلهم بعض كتاب مناطق الضفة الغربية ممن ينتمون إلى فصائل لا تشارك في المعارك . هل يرى هؤلاء الكتاب أن المعركة ليست معركتهم ؟ هل يحسبون حسابا للسلطة وموقفها من الحرب ؟ هل ما زالوا متأثرين بما حدث في حزيران ٢٠٠٧ ؟ هل نجح ( دايتون ) فيما رمى إليه أم أن الكتابة تأتي لاحقا وأنهم الآن مثل محمود درويش في حرب بيروت ١٩٨٢ يكتبون صمتهم ؟ هل سنقرأ لاحقا لهم مطولات على غرار " مديح الظل العالي "؟ ومن سيخاطبون ؟ يحيى السنوار أم محمد ضيف ؟
زياد عبد الفتاح يكتب تحت عنوان واحد يوميات يغلب عليها التحليل السياسي " أهل فلسطين ليسوا فرارا!".
يبدو أن علينا الانتظار ، فالعيون كلها الآن تنظر إلى رمال غزة وشوارعها وبناياتها المدمرة ومشافيها ونقص الوقود والغذاء والماء فيها !
أكثر النصوص الشعرية الرائجة الآن هي قصائد محمود درويش ، كأنه كتبها لبيروت ١٩٨٢ ولغزة ٢٠٢٣ أيضا .
تصبحون على وطن من سحاب ومن شجر
و
عندما يذهب الشهداء إلى النوم يحرسهم محمود درويش من هواة الرثاء .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١١ / ٢٠٢٣
صباح اليوم الثامن والعشرين للحرب .

***

29- دم طازج ... الدم في كل مكان :

كلما شاهدت ، أمس الجمعة ٣ / ١١ / ٢٠٢٣ ، نشرات الأخبار رددت قول إبراهيم طوقان قبل العام ١٩٤١ :
" يا قوم ليس عدوكم ممن يلين ويرحم
يا قوم ليس أمامكم إلا الجلاء فحزموا "
والمفارقة كانت أن الذين حزموا ليرحلوا لم ينجوا ، فقد لاحقت الطائرات الإسرائيلية، في شارع الرشيد في غزة ، المتجهين جنوبا ، مطيعين الأمر العسكري الإسرائيلي لهم بمغادرة الشمال بحثا عن مكان آمن ، وقتلتهم . الجثث ملقاة في الشارع والشاب الذي نجا وأخذ يصور يطلب من صديقه بصوت حزين أن يرفع المصحف عل الله ينجيهما .
كان نشيطو وسائل التواصل الاجتماعي ينتظرون بصبر فارغ خطاب سماحة الشيخ حسن نصرالله ليستمعوا إليه يعلن مشاركته الفعلية في الحرب ، على غرار ما فعله مرة ، ويقول لهم وهو يخطب إن صواريخه الآن تدك حيفا وما بعد بعد حيفا ، وكان مذيعو الفضائيات يذكرون بموعد الخطاب حتى يقطعوا البث مع المراسلين ليبثوا الخطاب .
لم يكمل الشيخ نصرالله خطابه حتى بدأ الساخرون يعلقون ، لا تعليقات محلل سياسي - لا سمح الله - ، وإنما تعليقات من لا صلة له بالسياسة ولكنه يتظاهر بأنه وحيد زمانه في الفهم ؛ العارف ببواطن الأمور العالم الفذ العبقري ، وهكذا قرأ المرء سيلا من عبارات الهجاء والسخرية والغمز واللمز والتهكم ممن يجلسون في بيوتهم يشربون القهوة ويتناولون الحلوى بعد غداء دسم : حسن زميرة ، حسن نص ليرة ، لو ظل صامتا لظل بهيبته ، صمنا صمنا وأفطرنا على بصلة ، المئاومة / المقاومة . بل ذهب قسم من المعلقين السياسيين إلى اللعب على الطائفية ناسين أن الحوثيين الذين هللوا أمس لهم ولصواريخهم ، وأن اليمن من اليمن ، وأن الرسول مدحهم فرفعهم ، انهم شيعة .
اختلطت المأساة أمس بالملهاة ، والتنظير للحرب في الميدان بالدم الزكي في الهيجاء ، والخطاب بالهجوم ، فما إن أنهى السيد خطابه حتى ردت عليه إسرائيل بقصف عدة مشاف في غزة وقصف مدرسة أوى إليها النازحون من المدنيين العزل .
يقتلنا الإسرائيليون كما لو أننا حشرات وصراصير وكلاب ضالة . ألسنا في نظرهم حيوانات بشرية ؟ ألسنا أغيارا ؟ ألسنا غوييم ؟
منذ بدايات المشروع الصهيوني وضعت الحركة الصهيونية نصب عينيها هدف ترحيل الفلسطينيين أو قتلهم بالحديد والنار ، وكل من يرى غير ذلك واهم ، وليس أمامنا إلا الموت بنذالة أو الاستبسال والموت بشرف ، ولو كانت الحياة تبقى لحي ، كما يقول المتنبي ، لعددنا أضلنا الشجعانا .
في قمة المأساة تدخل الملهاة ، فأتذكر - وأنا أشاهد عبد الرحمن رأفت بطاح / عبود ابن السابعة عشرة من عمره ، وهو فتى غزي كوميدي - أتذكر قول محمود درويش في قصيدته " ملهاة الفضة .. مأساة النرجس " :
" كانوا يعيدون الحكاية من نهايتها إلى زمن الفكاهة
قد تدخل المأساة في الملهاة يوما
قد تدخل الملهاة في المأساة يوما
في نرجس المأساة كانوا يسخرون
من فضة الملهاة كانوا يسألون ويسالون
ماذا سنحلم حين نعلم أن مريم امرأة " . ( عبود صحفي الحرب الكوميدي )
كان الإسرائيليون من قبل يقتلوننا ، ثم يبكون لقتلنا ، قائلين :
- رجاء لا تجعلونا نقتلكم !
والآن يقتلوننا ولا يذرفون أية دمعة علينا ، فلقد كثرت أعداد قتلاهم وصاروا يبكونهم وليس ثمة دمع إضافي يذرف على قتلانا ، فما لديهم لنا ، بكثرة ، هو الطائرات والقذائف والقنابل الفوسفورية وهذه هي دموعهم علينا .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
صباح ٤ / ١١ / ٢٠٢٣
اليوم التاسع والعشرون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

30- لا أكفان للموتى ولا فسحة للكتابة :

لا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا خبز أيضا
انتهى اليوم التاسع والعشرون للمقتلة وحرب الإبادة في غزة بارتقاء مزيد من المدنيين . يوجع المقاومون الجيش الإسرائيلي في البر فيزداد قصف الطائرات الإسرائيلية للمشافي والمدارس ، وبما أن الشيء بالشيء يذكر ، فإن قصف مدرسة في مخيم من مخيمات غزة يستحضر في الأذهان قصف مدرسة بحر البقر في مصر في أيام حرب الاستنزاف .
لا أمن ولا أمان والنسوة اللاتي عجن القمح وخبزن الخبز بوسائل بدائية لم يطعمن المنتظرين والمنتظرات الجوعى . لقد قصفتهن الطائرات فتطايرت الأرغفة وتطاير اللحم البشري الفلسطيني في الهواء والتصق بالجدران وظل من نجا من الأطفال جوعى يغني أغاني الثورة على صوت أغنية مسجلة بفرح:
" عهد الله ما نرحل
نجوع نموت ولا نرحل
عهد الثورة والثوار والجماهير
ما نرحل
نجوع نموت ولا نرحل "
وعلى الرغم من المآسي إلا أن الفرح الطفولي والانسجام بالأغنية وإيقاعها بدا لافتا على وجوه الأطفال.
هذا القدر من الفرح على وجوه الأطفال وازاه فرح كثيرين من نشيطي وسائل التواصل الاجتماعي ، وهم يستمعون إلى خطاب الملثم أبو عبيدة وينظرون إلى الصور التي بثتها فضائية الجزيرة من أرض المعركة تظهر شجاعة الفدائيين يقنصون مدرعة النمر والمركباه والجرافات ، يعلون الأخيرة بعد تدميرها ويزرعون عليها علم حماس .
ولأول مرة منذ بداية الحرب أقرأ نثرا طويلا عنها من داخل غزة ، فقد نشر الروائي عاطف ابوسيف الموجود في غزة ، لحسن حظه أو لسوئه - أي حظه ، نشر أولى يومياته في جريدة العربي . وعاطف لمن لا يعرف هو وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية .
يوميات عاطف هي يوميات من قلب الحدث وليست من خارجه .
قبل أيام قليلة نشرت تحت عنوان " صمت الكتاب " وأتيت على كتاب غزة .
أكثر الكتاب الغزيين الذين كانت لي بهم صلة قديمة رحلوا عن عالمنا ، وقسم منهم رحل مبكرا . زكي العيلة ومحمد أيوب ، وقبل عام ونيف غريب عسقلاني .
في هذه الحرب رحل صحفيون وفنانون وكتاب . ورحلت الروائية هبة أبو الندى صاحبة رواية " لا أكسجين للموتى " ، وأصيب وليد الهليس ، وانقطعت أخبار خضر محجز بعد اليوم الرابع تقريبا وأخبار عبدالله تايه Abdallah Tayeh الذي تواصلت معه أمس وأخبار عاطف أبو سيف الذي صرت أشاهد صوره مؤخرا يتفقد الأحياء السكنية المدمرة في مخيم جباليا وأمس قرأت له نصه الأول من يومياته .
لا أكفان للموتى ولا خبز للجوعى ولا علاج للجرحى ولا مأوى لكثيرين ولا فسحة أيضا للكتابة .
أتأمل ما يكتبه من بقي في غزة مثل الشاعر عثمان حسين والشاعر وليد الهليس والكاتب عبدالله تايه والكاتب عمر حمش ، فيزداد يقيني أن لا فسحة حقا لهم للكتابة ، وكما ذكرت فإنها تبدو ، في ظل هذا الدمار الكبير ، ترفا ، وليس بينهم من كتب يوميات الحرب بانتظام . أسئلة الحياة والموت تثار فيما يكتبون ، وفيما يكتبون يأتون على ما بقي لهم من وقت على هذه الأرض . مقطوعات قصيرة لا تخلو من تأمل وإثارة أسئلة حول الوجود وحول قسوة العدو وانتصاره الوهمي على المدنيين ، وقد لا يسعفهم في الكتابة ، عدا تواصل القصف الجوي ، انقطاع الكهرباء وانقطاع النت أيضا .
أما الكتاب الذين وجدوا أنفسهم في خارج قطاع غزة مثل Nasser Atallah و Shafiq Taluli و Riyad Awad فإنهم في حيرة من أمرهم يعانون من قلق على عائلتهم التي تركوها في الوطن ، وإن كان الأخير يدون يومياته ويركز على مآسي الحرب ويدعو إلى إيقافها ويتحسر على ما آل إليه قطاع غزة وأهله .
هل غطست الدبابات الإسرائيلية في رمل غزة ؟
لو بعث الكاتب الإسرائيلي الساخر ( حانوخ ليفين ) الذي كتب بعد حرب حزيران ١٩٦٧ عن الحرب نصوصا مسرحية ساخرة ، لتيقن من صدق ما كتبه " أنا وأنت والحرب القادمة " . منذ خمسة وسبعين عاما وهناك دائما حرب قادمة .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
Adel Osta
٥ / ١١ / ٢٠٢٣
فجر اليوم الثلاثون للحرب .

***

>>>>>>>>>>>>>>
1- الفلسطينيون وروح الدعابة والسخرية والحرب
2- وسائل التواصل الاجتماعي اليوم والحرب في الجنوب الفلسطيني
3- العدوان السداسي ، لا الثلاثي ، على غزة
4- دريسدن - غزة
5: أ- الحرب : إنه الجنون!!
5: ب - الشخصية اليهودية في الأدب
5: ج- لفهم ما يجري في غزة من محو للفلسطينيين :
5: د - الخويف يخاف من خياله
6- لعمرك هذي حياة تسر الصديق
7- رحم الله الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور
8- حرب الطائرات والصواريخ .. وحرب الصور أيضا
9- أمنيات حفار القبور
10- الفلسطيني : " منتصب القامة أمشي"
11- استشهاد صديق
12- حيوانات بشرية
13- الحرب والحكام العرب
14- حتى الكنيسة لم تسلم
15- خيام اللاجئين: ١٩٤٨
16- "نلقاكم في كشوف القتلى على قناة السويس" / على جبهة غزة ولبنان
17- صمت من أجل غزة
18- إنها الحرب
19- يكتبون أسماءهم على أجسادهم
20-"معلش " . إنها معركة القيامة
21: أ- مدينة الزهراء في غزة مدينة الخراب
21: ب- الكتابة من هناك من بيت النار
22- ومن كتبت عليه خطى مشاها
23 - "قدرك أن تكسر أو تنكسر": سر ما يفعله الطيران الإسرائيلي في إبادة غزة
24- فلسطينيو غزة والهنود الحمر
25- الحرب البرية: وما زال المدنيون يدفعون الثمن!
26- أتحدى أن يرفع منكم أحد عينيه أمام حذاء غزاوي يا قردة؟!! مع الاعتذار لمظفر النواب
27: أ - إنهم يألمون أيضا : القتلى بالعشرات
27: ب- العنقاء الفلسطينية في غزة
28- صمت الكتاب
29- دم طازج ... الدم في كل مكان
30- لا أكفان للموتى ولا فسحة للكتابة :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى