نبيه سلامة - سبحانَ مَنْ جَمَعَ الجمالَ ونضده

سبحانَ مَنْ جَمَعَ الجمالَ ونضده
ورمى به عقداً بجيد محرده
بلدٌ يعيشُ معَ العصور ولمْ يزلْ
بينَ البلادِ الفاتناتِ زمرده
ما غيَّرتْ حقبُ الزمان رواءَهُ
بلْ زادهُ كرُّ السنين وجدده
تتنافسُ النسماتُ في تعطيرهِ
هذي مزنبقة وتلك مورده
والبدرُ في أجوائها كمتيَّمٍ
دنفٍ يحاذرُ أن يغادرَ مرصده
أبدا ً لياليها تشعشعُ بالضحى
والشعبُ يلهو والقلوب معبده
والنهرُ منطرحٌ على أقدامها
كالصبِّ ألقى للمليحةِ مقوده
فانسابَ في أعتابها مستعطفا ً
يروي جوانبها ويمنحُ مورده
فتهاوتِ الفتياتُ في أمواههِ
يُطفئنَ عاطفة الهوى المتوقده
ولكمْ جلسنا والكؤوسُ تشدُّنا
ملأى تراودنا بخمرٍ جيده
وشبابُها خيرُ الندامى معشرا ً
أدبٌ يفيضُ ورقة ٌ متجسده
ومتى دعوتهمُ ليوم كريهة ٍ
تلقاهمُ كقساورٍ في مأسده
ما بدَّلتْ فتنُ الصِّبا عزماتهمْ
فهمُ المرجى لليالي المربده
والفاتناتُ يَطفنَ في حلقاتنا
وحديثهنَّ صدى الطيورِ المنشده
يرشقننا باللحظِ وهو أسنّة
تعنو لوخزتها الحنا المتجمده
عجبي لمَنْ سَكبَ العيونَ وصاغَها
مابينَ هادئةٍ وبينَ معربده

يتزاحمُ السِّحرُ المبينُ بطرفها
فتخالُ هاروتاً يدغدغُ مروده
فسألتُ قلبي أنْ يغضَّ فما ارعوى
والطيرُ يغريها جمالُ المصيده
فوقفتُ في أسر الكواعب راضياً
وهفا الفؤادُ لمَنْ قسا واستعبده
واستأثرَ الحبُّ البريءُ بخاطري
فصفاتهنَّ على الكمال موطده
فكأنهنَّ جآذرٌ بكناسها
وقفَ العفافُ ببابهنَّ وأوصده
مَنْ لي بأرضٍ إنْ تلذ برحابها
تجدِ الأمانيَّ العذابَ مهدهده
قضَّيْتُ في أكنافها مرحَ الصِّبا
ولقيتُ أطيبَ مالقيتُ وأسعده
هاتيكَ أيامٌ أحنُّ لمثلها
وتظلّ ما طالَ الزمانُ مخلده
لو كانَ لي يومانِ أقضي واحداً
في حمصَ والثاني بكنفِ محرده .

نبيه سلامة سان باولو – البرازيل .


القصيدة من ديوانه أوتار القلوب
أعلى