د. زهور بن السيد - قراءة في قصيدة: "لحظة سوداء" للشاعر محمد الخضور

عندما أقرأ للشاعر محمد الخضور قصيدة جديدة أو أقوم بتحليلها، أستحضر تجربته الشعرية في كليتها وخصوصيتها، بحكم أنني تابعت هذه التجربة منذ أكثر من عشر سنوات، كما قدمت لمجموعته الشعرية الأولى "نقطة في فراغ"، الصادرة عن دار العنقاء للنشر والتوزيع سنة 2013م والتي تضم 44 قصيدة.
الإبداع الشعري عند محمد الخضور مميز وماتع، كانت الدهشة في أول لقاء لي بشعره بتحليل قصيدة: "حتى اللحظة الأخيرة"، وتستمر هذه الدهشة مع كل نص جديد، بما تنطوي عليه كتابته الشعرية من رؤيا شعرية عميقة وتمكن فني، قوامه لغة شعرية خاصة وتصوير مبتكر ورموز دالة وتوظيف لأساليب مختلفة.. وبما يطرقه من مواضيع مختلفة بأسلوب تأملي فلسفي في الحياة والموت والوجود والكثير من القضايا الذاتية والإنسانية والتاريخ والأشياء من حولنا...تجربة إبداعية تمتلك أفقا شعريا واسعا، يشكل مجالا خصبا لممارسة النقد الأدبي.
وقد توج مساره الإبداعي بديوانين شعريين:
- ديوان "نقطة في فراغ" قصائد نثر (2013م)
- وديوان: "في المشهد الذي لا تراه" قصائد نثر (2015م)،
- وعدد كبير من القصائد المنشورة على صفحته وعلى المواقع والمنتديات الأدبية..
يتضمن عنوان القصيدة "لحظة سوداء" إخبارا عن لحظة من الزمن نُعتت بأنها سوداء. كلمة "لحظة" هي مدة قصيرة من الزمن، برهة وهنيهة، "ووقت قصيرة بمقدار لحظ العين"، تحمل أيضا دلالة الحسم، وترتبط بوقوع حدث ما سواء كان منتظرا أم مفاجئا غير متوقع، وكلمة "سوداء"، هي صفة اللحظة، والسواد هنا غياب لألوان الحياة ورمز للحزن الشديد، والحدث المقترن باللحظة، هو حدث أقوى من أن يستوعبه العقل، هي لحظة فارقة تفصل بين زمنين، القبلي والبعدي. فما هو الحدث الذي غلف اللحظة وما بعدها بالسواد؟
تدور القصيدة حول ثنائية الغياب والحضور المغلف بالغياب، والتعبير عن حالة وجودية، مزج فيها الشاعر بين مصيره وموضوع القصيدة وهو رثاء شخص قريب متغلغل في النفس، والذي تحول إلى رثاء الذات.
يفتتح الشاعر محمد الخضور قصيدته بأسلوب الأمر "عودي" الذي خرج عن دلالته الحقيقية ليؤدي معنى الاستنجاد، ويختزل الكثير من الالتماس والإحساس العميق بالفقد والغياب. تكررت عبارة "عودي" في أربعة أسطر شعرية مجزئة القصيدة إلى أربعة مقاطع:
 المقطع الأول: إعلان الفقد/ الموت.
 المقطع الثاني: بُعْد وعتاب (وقفة تأملية في الحدث المفجع)
 المقطع الثالث: الموت البطيء للذات.
 المقطع الرابع: القصيدة والموت الموحد بين الذاتين، ذات الفقيدة وذات الشاعر/ موت تحت الأرض وموت فوق الأرض.
يطلب الشاعر بكل حرقة وإحساس عميق بالضياع والحزن العودة من مخاطبته: "عودي"، يعبر بذلك عن حاجته العميقة إلى وجودها، وعودتها من بُعْدِها، وهي يعرف أنها عودة مستحيلة، يقول:
عودي
لِنكملَ ما بدأْنا من حديثٍ
حول لـحظتنا التي سقطتْ
على الأَرضِ الـمَشاعِ
كـقطعةٍ زمنـيَّـةٍ
منسوبةٍ للمستحيلِ
لقيطةٍ متروكةٍ في برزخٍ
لم تكتمل الأشياء القوية التي بينهما، فالارتباط متين إلى درجة عدم استيعاب فراقها، وبالأحرى موتها، فاللحظة سقطت من الزمن وخرجت من سياقه، وأصبحت منسوبة للمستحيل، بل ركنت في برزخ، والبرزخ هو الحاجز والفاصل بين شيئين، أو كيانين، وهو مستقر الروح بعد الممات، فكلمة البرزخ إعلان للموت والغياب الأبدي الكبير، هو الموت الذي فرق بينهما في لحظة باغتت وخرجت من الزمن، فالموت توقف الزمن ونهايته، وتلك اللحظة هي التي وصفها الشاعر بالسوداء، لهول حدث الفقد والفراق الأبدي. فهذه اللحظة السوداء بمثابة البرزخ الذي فصل الزمن المتواصل (الحياة) إلى زمنين، زمن سابق وزمن لاحق فيه حزن كبير.
كما عبر الشاعر عن عبثية الزمن، فلم يكن يفصل بين لقائهما قبل الموت سوى القليل من الوقت (يومين)، كان اللقاء وشيكا، لكن لحظة الموت لم تمهلهما هذا القليل من الوقت ليتسنى لهما اللقاء أو الوداع أو الوصية. كان التوق كبيرا لعناقها والذوبان في حضنها، ليصبحا جسدين في جسد واحد، يصعب فصلهما، ارتباط وثيق فوق الوصف:
يومين كنا فيهما مُتباعديْن
كعاشقـيْـنِ يُـفَـتِّشانِ
عن الوداعِ
إِذا اللقاءُ تـجمَّدتْ فيه الوصيةُ
أَو عناقٍ
يدمجُ الوجعـيْـنِ في جسدٍ
يُـحَـيِّـرُ مشرطَ الـجَرَّاحِ
وبشكل درامي مفزع اختفيا فجأة، في لحظة كافرة بالزمن والحياة، (تتبرأ الأيام منها، لا تراها ساعة ـ لا تميزها عقارب)، لحظة خرجت عن سياق الزمن، فكان الموت لهما معا، موت حقيقي هو الذي اختطف مخاطبة الشاعر، وموته هو الذي بفقدها فقد طعم الحياة، يقول الشاعر:
لكـنَّـا اختفـيْـنا فجأَةً في لـحظةٍ
تَـتَـبَـرَّأُ الأَيامُ منها
لا تراها ساعةٌ فوق الـجدارِ
ولا تُـمَـيِّـزُها العقاربْ
عبر الشاعر عن رؤيا للموت، موت متحقق وحياة مغلفة بالموت، بما راكمت الذات فيها من معاناة وما تواجهه من حزن وأوجاع...فأعلن الصراع ضد الزمن في القصيدة، لكن هل هو مقاومة للموت أم استعداد وتصالح معها من أجل الخلاص؟
في المقطع الثاني يجدد الشاعر تمنيه والتماسه العميق بالعودة لمخاطبته "عودي"، ليتداركا ما ضاع منهما من قرب ولقاء وحديث في ظل البعد الذي كان بينهما في المكان والذي يعده بمثابة ضياع وتشرد، قبل أن يفرق بينهما الموت، ونبرة صوته تحمل إدانة للزمن الذي كان يسير بهما ببطء نحو النهاية:
عودي
لِنبحثَ في عروقِ شفاهِنا
عمَّا أَضعنا من دقائقَ أَو رحيقٍ
حين شَرَّدنا الـمكانُ
ولم نَـجدْ إِلا زمانًـا مُبعَـدًا
في الأَرضِ
يَـحمِلُنا ببطءٍ نـحو مُهلتِنا الأَخيرةِ
عاتب الشاعر نفسيهما عن غفلتهمتا عن حقيقة الزمن الدائم المسير نحو النهاية، والذي أثقل العمر ونخره بما ألحق به من أوجاع وأحزان ونائبات، يقول الشاعر:
كم نسينا صوتَنا في الريحِ مبحوحًا
فلمْ نسمعْ
هديرًا يـنخُرُ العمرَ الـمليءَ
بنائباتٍ موجعاتٍ كالـحريقْ
تركت مخاطبة الشاعر في نفسه فراغا مهولا لا يملأه أحد سواها، حاجته إلى وجودها عميقة، يناديها ويناجيها ويخاطبها بما يختلج النفس بعد فراقها من لوعة وأسى وحزن، ويبوح لها بآلامه وخوفه، ويصور لها لحظات انتظاره الحارق للقائها، والذي انتهى بصدمة ذهابها قبل تحقق اللقاء بقليل (يومان). ويلومها بحب كونها تركته ولم تأخذه معها في ذهابها وحدها عميقا في الأرض، يقول:
كم لـحظةٍ مرَّتْ بِسكِّينٍ
على عنقٍ تشقَّقَ
حين أَنتِ نَسيتِني
وذهبتِ وحدكِ في التراب عميقةً
وفي هذا المقطع الثاني تكشف صورة التشبيه عن هوية الفقيدة: (وذهبتِ وحدكِ في التراب عميقةً ــ كالـجذرِ ــ ينسى غُصنَهُ صيدًا ضعيفًا للخريفِ). شبه الشاعر ارتباطه بمخاطبته وافتراقهما بسبب الموت بالجذر والغصن، الجذر يبقى عميقا في الأرض، بينما الغصن يكون وحيدا فوق الأرض عرضة لمؤثرات الطبيعة، الخريف تحديدا. الغصن من صلب الجذر وكذلك الشاعر من صلب الفقيدة، فهي أمه، والخريف هنا رمز لخريف العمر، وتحيلنا الصورة الشعرية القائمة على التشبيه، إلى الضياع فالغصن متروك خارج الأرض لمؤثرات الخريف تعبث به وتنهي حياته، وكذلك الشاعر يعمق غياب أمه إحساسه بالضياع والوحدة.. وتأتي الصورة الموالية والقائمة كذلك على التشبيه، لتؤكد النهاية الحتمية (وكالصخور تلوذ بالصمت المخيف ـ إذا تركنا تحتها أعمارنا) إنه صمت القبور واللحود، إنه الخوف والفراق الأبدي.. يقول محمد الخضور:
كم لـحظةٍ مرَّتْ بِسكِّينٍ
على عنقٍ تشقَّقَ
حين أَنتِ نَسيتِني
وذهبتِ وحدكِ في التراب عميقةً
كالـجذرِ
ينسى غُصنَهُ
صيدًا ضعيفًا للخريفِ
وكالصخورِ تَـلوذُ بالصمتِ الـمخيفِ
إِذا تَركْنا تـحتَها أَعمارَنا
عند الفراقْ
في المقطع الثالث يجدد الشاعر نداءه وأمره وتمنيه لها بالعودة بدفقة شعورية أقوى وأكثر عمقا، ويناجيها بالخسارة الكبيرة التي تعرضا لها معا في الزمان والمكان، فكلاهما (الزمان والمكان) باع الآخر في دلالة على أنه فقد طعم الحياة بدونها، فرقهما الزمن ولم يكن للمكان فيه مستقر مرغوب فيه بدونها ولا للوقت قيمته في غيابها، فقد تعرضا للغدر من المكان والزمان، فلم يكونا يعلمان بأن الزمن يعد لهما هذه الفجيعة: الموت:
عودي
فقد باعَ الزمانُ مكانَـنا
باعَ الـمكانُ زمانَـنا
في لـحظةٍ هربتْ من التوقيتِ
كي تنأَى عن الصلبِ الـمريرِ
على جدارِ الغرفةِ البيضاء
فابْـتـهجتْ عقاربُ ساعةٍ
كانت تُـعِدُّ لـموتنا تَكَّاتِـها
يعبر الشاعر على أن الموت مصير مشترك بينه وبين أمه، فبموتها المحقق موته هو أيضا. إن درجة التماهي بين الذاتين (ذات الشاعر وذات أمه) قوية جدا، يوحدهما الحب والتفاهم والارتباط الشديد والموت كذلك، لذلك فهو لا يرى نفسه إلا ميتا بموتها كي يستريح.
وفي المقطع الرابع والأخير يدعو الشاعر أمه مجددا للعودة (عودي)، لكن هذه المرة بنبرة صوت عميق الحزن، منكسر ويائس، معلنا استسلامه لموتهما الغريب. فلم يتبقى لهما غاية في اللقاء الأخير سوى لكتابة قصيدة ببلاغة الموت الذي يوحدهما. ففي نهاية القصيدة يواجه نفسه بحقيقة الموت الذي فرق بينهما وجمع بينهما في الوقت نفسه، فرق بينهما لأنه أبعدها عنه في المكان، هي عميقا في الأرض ميتة، وهو فوق الأرض ميتا كذلك، فتوحدت الذاتان في ذات واحدة ومصير واحد، يقول:
عودي
لنكتبَ في الـحياةِ قصيدةً
ببلاغةِ الـموتِ الـمُوَحَّدِ بيننا
جسدانِ يندمـجانِ في موتٍ غريبٍ
واحدٌ تـحتَ الترابِ
وواحدٌ تـحتَ الغبارِ
عِـتـابُـنا سيكونُ في ذيلِ القصيدةِ
دمعةً مـخفيةً بين السطورِ
ونظرةً مكسورةً ستقولُ :
إِنَّـكِ في الترابِ قتيلةٌ
وتقولُ
إِنِّـي
في الـحياةِ
قتيلُ
وتتميز القصيدة ببناء فني مترابط، تؤثثه عناصر ومقومات إبداعية عديدة: اللغة الشعرية والتصوير والإيقاع والأساليب..
تعد الصور الشعرية قيمة جمالية في شعر محمد الخضور، تتميز باستثمار عناصر البلاغة العربية من تشبيه واستعارة ومجاز، وكذلك تستند لغته الشعرية إلى الانزياح والإيحاء والرموز.. الصور الشعرية مستمدة من فكر وخيال الشاعر إضافة إلى الطبيعة والكون والحياة، لتجسيد حالة المعاناة والحزن الشديد التي ألمت بالشاعر وأحالت أوقاته ما بعد اللحظة المعنية إلى سواد وحزن، والتي لا يمكن تبليغها بلغة عادية.
وعدد من الظواهر الأسلوبية، كالأسلوب الخبري الذي وظفه الشاعر للإخبار عن اللحظة السوداء وما ترتب عنها من وجع الفقد والضياع، والأسلوب الإنشائي، خاصة أسلوب الأمر ممثلا بعبارة: (عودي) التي تكررت في القصيدة أربع مرات، وقد خرج الأمر هنا عن معناه الحقيقي، ليؤدي دلالة رمزية لملء الفراغ المهول الذي تركه فقد الأم في نفسه.
كذلك ساعدت فاعلية الضمير في إنتاج الدلالة في القصيدة، لقد وظف الشاعر ضمائر متعددة (ضمير المفرد المتكلم، ضمير المتكلم الجمع/ المثنى ـ ضمير المخاطبة ـ ضمير الغائب).
بالنسبة لضمير المفرد المتكلم (كم لحظة مرت على عنقي.. انتظرتُك ـ نسيتني ـ إني..)، له طابع ذاتي، مرتبط بالأنا الشاعرة، ساهم في التعبير عن الذات. أما ضمير المخاطبة (عودي ـ أنت ـ نسيتني ـ ذهبتِ وحدكِ في التراب ـ إنكِ...)، فيحيل على مخاطبة الشاعر في القصيدة، وهي أمه الفقيدة. عادة يرتبط ضمير المخاطب بالمواجهة المباشرة بين المتكلم والمخاطب، لكنه في القصيدة ينازعه الغياب، فالمخاطبة غائبة غيابا أبديا، ومناداتها هي صوت الشاعر الداخلي الذي يرفض غيابها، فباعتماده ضمير المخاطبة بدل ضمير الغائبة، يؤكد حضورها في وجدانه وعقله وقلبه وفي كيانه كله. وهو بذلك لا يعترف بالزمن، يقتل اللحظة السوداء التي أخذتها جسديا منه، ولا يعترف بما اقترفه في حقهما من إبعاد.
ويحضر ضمير المتكلم (نحن) الدال على المثنى، وهو المهيمن في القصيدة: (بدأنا ـ لحظتنا ـ حكايتنا ـ كنا ـ متباعدين اختفينا ـ لنبحث ـ شفاهنا ـ أضعنا ـ لم نجد ـ يحملنا ـ مهلتنا ـ صوتنا ـ لم نسمع ـ زماننا ـ بيننا ـ متباعدين ـ جسدان ـ يندمجان...)، للتعبير عن دلالة المشاركة والاتصال بين الأنا الشاعرة والمخاطبة/ أمه في ارتباط متين وشديد، واشتراك في أشياء عديدة بينها في الحياة (الحديث ـ حكايتنا ـ كعاشقين ـ الوجع ـ الزمن ـ المكان ـ البعد...)، وفي المصير الحتمي أيضا (اختفينا فجأة ـ موتنا ـ ببلاغة الموت الموحد بيننا ـ جسدان يندمجان في موت غريب...)، لذلك يشعر بثقل الفقد ومرارته.
وأخيرا ضمير الغائب، سواء المفرد المؤنث (هي) الذي يحيلنا إلى اللحظة السوداء، أو الغائب المفرد المذكر (هو) والذي يحيلنا إلى الموت، واللحظة السوداء ارتبطت بالحدث المفجع وهو الموت.
إن تنويع الضمير في القصيدة ينسجم مع بنيتها الدلالية، فهذه الضمائر مجتمعة تساهم في تجسيد مأساة الشاعر وآلامه وأحزانه.
كثيرة هي المقومات الفنية في القصيدة، وقفت على بعضها للكشف عن أبعاد دلالية ينطوي عليها النص، وتظل القصيدة مفتوحة على قراءات متعددة.
أهنئ الشاعر محمد الخضور على تجربته الشعرية بأبعادها الدلالية الإنسانية العميقة وأبعادها الفنية والجمالية الماتعة.



===================

لـحظةٌ سوداء
محمد مثقال الخضور


عودي
لِنكملَ ما بدأْنا من حديثٍ
حول لـحظتنا التي سقطتْ
على الأَرضِ الـمَشاعِ
كـقطعةٍ زمنـيَّـةٍ
منسوبةٍ للمستحيلِ
لقيطةٍ
متروكةٍ في برزخٍ
ما بين يومينِ استقالا من حكايتنا
يومين ، كنا فيهما مُتباعديْن
كعاشقـيْـنِ يُـفَـتِّشانِ
عن الوداعِ
إذا اللقاءُ تجمَّدت فيه الوصية
أَو عناقٍ
يدمجُ الوجعـيْـنِ في جسدٍ
يُـحَـيِّـرُ مشرطَ الـجَرَّاحِ
لكـنَّـا اختفـيْـنا فجأَةً في لـحظةٍ
تَـتَـبَـرَّأُ الأَيامُ منها
لا تراها ساعةٌ فوق الـجدارِ
ولا تُـمَـيِّـزُها العقاربْ
عودي
لِنبحثَ في عروقِ شفاهِنا
عمَّا أَضعنا من دقائقَ أَو رحيقٍ
حين شَرَّدنا الـمكانُ
ولم نَـجدْ إِلا زمانًـا مُبعَـدًا في الأَرضِ
يـحملنا ببطءٍ نـحو مُهلتِنا الأَخيرةِ
كم نسينا صوتنا في الريح مبحوحًا
فلمْ نسمعْ
هديراً يـنخُرُ العمرَ المليءَ
بنائباتٍ موجعاتٍ كالحريقْ
كم لـحظةٍ مرَّتْ بِسكِّينٍٍ
على عنقٍ تشققَ
حين أَنتِ نَسيْـتِني
وذهبتِ وحدكِ في التراب عميقةً
كالـجذرِ
ينسى غُصنَهُ صيدًا ضعيفًا للخريفِ
وكالصخورِ
تَـلوذُ بالصمتِ الـمخيفِ
إِذا تَركْنا تـحتها أَعمارنا
عند الفراق
عودي
فقد باعَ الزمانُ مكانَـنا
باعَ الـمكانُ زمانَـنا
للَّـحظةِ الــ هربتْ من التوقيتِ
كي تنأَى عن الصلبِ الـمريرِ
على جدارِ الغرفةِ البيضاء
فابْـتـهجتْ عقاربُ ساعةٍ
كانت تُـعِدُّ لـموتنا تَكَّاتِـها
عودي
لنكتبَ في الـحياةِ قصيدةً
ببلاغةِ الـموتِ الـمُوَحَّدِ بيننا
جسدانِ يندمـجانِ في موتٍ غريبٍ
واحدٌ تـحتَ الترابِ
وواحدٌ تـحتَ الغبارِ
عِـتـابُـنا سيكونُ في ذيلِ القصيدةِ
دمعةً مـخفيةً بين السطورِ
ونظرةً مكسورةً ستقول :
إِنَّـكِ في الترابِ قتيلةٌ
وتقول
إِنِّـي
في الـحياةِ
قتيلُ


ا= = = = = = = = = = = =
محمد مثقال الخضور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى