خالد جهاد - فلسطين ومفردات المرحلة الحالية

لا شك أن الأحداث الحالية في فلسطين المحتلة بشكلٍ عام وفي مدينة القدس تحديداً خطيرة وتشهد تصعيداً غير مسبوق، خاصةً وأن الشعب الفلسطيني اعتاد محاولات النيل منه والإعتداء عليه في كل مناسباته الخاصة مثل شهر رمضان وأعياد الفصح المسيحي عدا عن الإستهداف المستمر له على مدار الساعة دون تمييز وهو ما يعيد إلى الأذهان ما قاله مجرم الحرب آرييل شارون (العربي الجيد هو العربي الميت) الذي يلخص سياسة هذا الكيان تجاه كل من يختلف عنه، وفي ظل تهديدات تلوح في الأفق بعدوان جديد على قطاع غزة المحاصر (وهو بكل تأكيد مالا نتمنى حدوثه) علينا مراجعة جميع الأحداث التي عايشناها ليس فقط في فلسطين بل في مختلف بلاد العالم التي يسعى الكيان الصهيوني إلى التمدد فيها واختراقها سواءاً كان ذلك في القارة الإفريقية أو مع بلاد تشكل قوةً صاعدة لا يمكن تجاهلها كالهند أو مع بلدان يخيل إلينا أنها فقيرة لكن قوتها تكمن في انتشار أبنائها حول العالم كالفلبين والتي يمتاز شعبها بالطيبة والمسالمة ولا تصله الصورة الحقيقية لما يحدث في فلسطين المحتلة..

ومن أهم ما تشمله هذه المراجعة هو طريقة تعاطينا في تغطية هذه الأحداث ونقلها على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي التي باتت تشكل منبراً بديلاً في كثير من الأحيان، وبما أن الكثيرين يقضون قسماً كبيراً من يومهم عليها ينبغي علينا أن نثقف أنفسنا جميعاً (وأنا أولكم) ونقارن بين تغطية الإعلام العبري والغربي لروايته والطريقة التي نقدمها في إيصال الصورة، فهم يقومون بإعداد وصياغة كل ما يقدمونه بحرص واحترافية رغم زيفه فيما نتعامل بطريقة عشوائية تغلب عليها العواطف أو الإنفعالات المؤقتة وأشدد على كلمتي (الإنفعالات) و (المؤقتة) التي لا تلبث أن تنطفأ بعد وقت قصير لتنشغل بشيءٍ آخر أياً كان..

فكثرة المنشورات بهذا الخصوص على سبيل المثال تضيع الفرصة في وصولها بوضوح لأكبر عدد ممكن من الناس لذا علينا في حال توفر المواد من صور وڤيديوهات بذل بعض المجهود في استعراضها والإختيار بينها وعرضها بإيجاز ضمن منشور مكثف لأن المتابع ملول بطبعه ولن يتابع عشرة منشورات عن نفس الحدث، كما يجب أن ننتبه لكل ما نكتبه كي لا يفاجأ الكثيرون بحظر صفحاتهم أو تعليق نشاطهم على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي (ليس حباً فيهم) ولكن لنضمن استمرارية وصول المعلومة من خلال صفحاتنا رغم محاولات عرقلتها بما أنها وسيلة ناجحة، ولأن شتم العدو لن يغير شيئاً على أرض الواقع والأولوية هي أن نوصل الصوت الفلسطيني المختنق، ولا داعي لأن نتحدث مجدداً عن طبيعة تغطية الإعلام الغربي للأحداث في نشراته وتقاريره المصورة التي تمتاز بالإيجاز والتكثيف والتدقيق في كل صورة وكلمة قبل بثها لضمان تأثيرها، عدا عن اختياره في هذا التوقيت لوجوه فلسطينية ذات طبيعة معينة في مختلف المجالات ليوحي بوجود مساحة لهم أيضاً في إعلامه في الوقت الذي يعرض فيه الأحداث من منظوره، وهو ما يحدث دوماً كما استضافت القناة الفرنسية الشهيرة (TF1) مؤخراً أحد مغني الراب الفلسطينيين الذي تحدث بشكل مختصر عن الأحداث الحالية في مدينة القدس المحتلة منذ بداية شهر رمضان تقريباً..

كما ينبغي علينا أن نبتعد عن لغة العواطف التي تغيب العقل والمنطق والتي تزخر بها الصفحات الفلسطينية وعدم خلط الأوراق ببعضها، إضافة إلى اختيار التوقيت في عرض المعلومات فالوقت الحالي لا يصلح على سبيل المثال لإعادة تداول صور أرشيفية يتم تكرارها على مدار العام فيما يوجد حدث فعلي نعيشه ويتوجب علينا ايصاله قدر استطاعة كل منا، كما أننا وبعد ٧٥ عاماً لا زلنا من خلال إعلامنا ومنابرنا وفنانينا نقدم القضية الفلسطينية بنفس الشكل والأسلوب شعراً ورسماً وكتابةً وغناءاً مع استخدام ذات الرموز والأيقونات التراثية التي نجلها ونقدرها ونحترمها ونتباهى بها ونحافظ عليها بكل قوتنا لكننا لا يمكننا أن نستمر على هذا المنوال وكأننا نخاطب أنفسنا على الدوام، لأن الفن والثقافة والإعلام لغة عالمية علينا أن نتجدد في تقديمها وإيصالها دون أن نفقد هويتنا ودون أن يمل المتابع غير الفلسطيني منها لكونها نمطية ومكررة ومحدودة ضمن منطقة الزي التراثي ومفردات النضال والأرض التي يجب أن لا تختفي وأن نحافظ عليها لكن مع تقديم وابتكار أفكار أخرى من المبدعين والمثقفين الفلسطينيين الذين نثق بإمكاناتهم والذين قدم بعضهم بالفعل تجارب ناجحة على أكثر من صعيد في التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والأفلام الوثائقية، ولأن فلسطين وطن زاخر بالثقافات والأفكار والموروثات يجب علينا أن نظهر هذا الجانب الذي لا يعرفه حتى إخوتنا وأشقائنا في بقية الدول العربية بدلاً من التركيز على رؤية واحدة باتت تراوح مكانها..

فلكل مرحلة مفرداتها وظروفها ومتغيراتها ولنتفائل برغم كل الأوضاع الصعبة التي يعيشها شعبنا ويعيشها أيضاً الكثير من الدول العربية وبلاد العالم، ولعل المظاهرات السلمية الداعمة التي خرجت في الأردن والمغرب والكويت وألمانيا وبريطانيا والتي سيتبعها بكل تأكيد مظاهرات أخرى تدل على أن هذه القضية الإنسانية العادلة متعددة الأبعاد لا تموت ولن تموت حتى تعود الأرض إلى أهلها..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى