ياسر أنور - انحراف مناهج العلم الغربي

يبدو أن السنوات الأخيرة قد شهدت انحرافا للمسار العلمي الغربي عن منهجه و محدداته الجادة بحثا عن الحقيقة العلمية لذاتها ليصبح هدفه من البحث العلمي هو هدم الرواية الدينية من أساسها لتكون النتيجة النهائية هي نفي فكرة وجود الخالق . و أصبح التنافس بين العلماء الآن محصورا في كيفية وضع افتراضات و تصورات أيدلوجية يطلقون عليها كلمة (نظرية) لتبدو في سمت علمي ، و تحاول تقديم تفسير للكون والحياة بطريقة ذاتية و آلية دون الحاجة إلى قوة إلهية عليا . و ربما يصطدم القارئ ونحن ننقل هنا بعض الفقرات المتطرفة لأحد العلماء الكبار الذين تخلوا عن منهجهم العلمي بشكل يدعو للاستغراب لا لشيء إلا لتكريس الخصومة مع الخالق . يقول عالم البيولوجي في جامعة هارفارد ريتشارد ليونتن Richard Lewontin في إحدى مقالاته (العلمية) :
“We take the side of science in spite of the patent absurdity of some of its constructs, in spite of its failure to fulfill many of its extravagant promises of health and life, in spite of the tolerance of the scientific community for unsubstantiated just-so stories, because we have a prior commitment, a commitment to materialism.”
" نحن ننحاز إلى جانب العلم على الرغم من عبثية وسخافة براءة الاختراعات العلمية في بعض أبنيتها (العلمية) ، وعلى الرغم من فشلها في الوفاء بكثير من وعودها المبالغ فيها في تحقيق الصحة و الحياة ، وعلى الرغم من تسامح المجتمع العلمي مع قصصها العلمية (المفبركة) والتي لا أساس لها من الصحة ، لأننا لدينا التزام مسبق ..التزام بالمادية !"
و لم يكتف ليونتن بهذه الصراحة الوقحة التي تدين ذلك المجتمع العلمي و تصمه بالتطرف ، بل واصل عباراته العدائية ضد الدين قائلا :
“we are forced by our a priori adherence to material causes to create an apparatus of investigation and a set of concepts that produce material explanations, no matter how counter-intuitive, no matter how mystifying to the uninitiated. Moreover, that materialism is absolute, for we cannot allow a Divine Foot in the door.”
"نحن مضطرون بتمسكنا المسبق بالأسباب المادية لكي ننتج تفسيرات مادية مهما كانت ضد الفطرة ، ومهما كانت ملغزة ومحيرة لغير المدربين. بل و أكثر من ذلك فإن المادية أمر مطلق لأننا لن نسمح بأي قدم إلهية للدخول" .
إن هذه اللهجة المتشنجة التي يتكلم بها أحد الأكاديميين تسيء إلى العلم و المجتمع العلمي ، وتثير الشكوك حول كثير من النظريات العلمية التي تبدو متعارضة مع بدهيات الفطرة الإنسانية ( كنظرية التطور ) و بعض نظريات نشأة الكون التي تصر على إيجاد تفسير علمي للوجود من لا شيء (A Universe from nothing) بتعبير عالم الفيزياء الكونية الملحد لورانس كراوس . وربما لهذا السبب صدر أحد الكتب المهمة التي تنتقد هذه الطريقة الأيدلوجية و المتطرفة على أيدي علماء كان يفترض أن ينحازوا للعلم و الحقيقة العلمية . الكتاب بعنوان : العقل و الكون Mind and cosmos للفيلسوف الأمريكي توماس ناجل Thomas Nagel الذي يصف فيه الداروينين الجدد و فهمهم للطبيعة بأنه فهم مزيف، وهو اتهام خطير يجعلنا نتوقف عن قبول تلك النظريات الحالية التي يعبر عن احتقاره لها ، وأنها لم تنجح في تقديم تفسير علمي مقبول للحياة و الكون ، ويدعو إلى ثورة علمية جديدة . إن سيطرة كثير من الماركسيين و الماديين على المؤسسات العلمية الغربية في الوقت الحالي يثير كثيرا من الشكوك حول الجهات التي تدعمها و التي يجعلها تصر على نشر أوراق علمية بحثية تسير كلها في اتجاه واحد يعمل على نسف الرواية الدينية بشتى السبل حتى ولو كان من خلال مقالات و افتراضات غير علمية ، وهو أمر يؤدي إلى الهروب من الحقيقة العلمية و الوصول إلى طريق مسدود . فحين يهرب العلماء من إيجاد تفسير علمي لنشأة الحياة على الأرض بادعاء أنها (ربما) جاءت من العالم الخارجي دون أن يوضحوا أين هذا العالم الخارجي ؟ و متى بدأت الحياة فيه وبأي كيفية ؟ .. فإن هذا لا يعتبر منهجا علميا بل هو أيدلوجيا إلحادية واضحة ، لا تحل القضية العلمية بل تزيدها تعقيدا . ولهذا ينبغي أن تراجع المؤسسات العلمية الغربية مواقفها السلبية من الدين ، وأن تتخلص من إرثها التاريخي السلبي و صراعها المعروف مع الكهنوت لتبدأ صفحة جديدة مع الأديان بشكل عام بدلا من هذا التطرف المتشنج الذي لم يعد قاصرا على القضايا الدينية و السياسية بل امتد أيضا إلى القضايا العلمية التي ينبغي أن تكون محايدة و موضوعية.

ياسر أنور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى