عبداللطيف الهدار - التجربة الشعرية عند الشاعر عبد العزيز أمزيان: بين الآخر والشبيه: عبور التيه

متابعة: الكاتب عبد اللطيف الهدار


بالتزامن مع احتفال العالم باليوم العالمي للشعر، نظمت جمعية محترف التلقي المسرحي يوم السبت 18 مارس 2023 بدار الشباب المشور/ الدار البيضاء، لقاء ثقافيا حول التجربة الشعرية عند الشاعر عبد العزيز أمزيان، بمساهمة نقاد مشهود لهم بحسن الإنصات والإصغاء للمتون الأدبية، ومحاورتها.
اللقاء أداره باحترافية عالية الدكتور محمد فراح، وحضره جمهور من المثقفين والمبدعين والمهتمين، ومن أصدقاء الشاعر. وشهد ثلاث مداخلات نقدية تميزت بعمق القراءة ورصانة التحليل.
أولى المداخلات كانت للناقد والشاعر المصطفى فرحات، وجاءت تحت عنوان: «البعد الدلالي والجمالي في ديوان: شبيهي في التيه، للشاعر عبد العزيز أمزيان»، استهلها بعتبة قرائية على سبيل التقديم أشار فيها بالخصوص، وبشكل سريع، إلى عناوين خمس عشرة قصيدة من أصل خمس وعشرين ضمها الديوان، جاءت جميعها جملا إسمية مما يدل على انشغال الشاعر بالتفكير والتأمل باعتبار الجمل الاسمية تؤشر على «الهدوء والسكون»، عكس الجمل الفعلية التي تؤشر على «الفعل والحركة». ومن ثم ولج الناقد المصطفى فرحات إلى مقاربة التجربة الشعرية كما ارتسمت في الديوان موضوع الدرس عبر محورين أساسين هما: البعد الإنساني، والبعد الجمالي.
في المحور الأول، توقف الناقد بتحليل مستفيض، مدعم بشواهد نصية، عند انفتاح التجربة الشعرية في الديوان على (الآخر)، وهذا الآخر الذي يشكل بؤرة التجربة ومداراتها، والذي يتماهى معه الشاعر، هو كائن إنساني يسمو بما يحمل من خصال وقيم رفيعة «المحبة والصدق والوفاء والعدالة والإيثار…»، وقد سعى الناقد بتبصر حاد إلى استجلاء علاقة الشاعر بهذا الآخر انطلاقا من مؤشرات نصية بعضها جليّ وبعضها خفي.
ولأن المقام لا يسمح بالإحاطة بكل الأبعاد التي يحضر بها هذا الآخر في الديوان، فقد توقف الناقد عند أبرز صورها، حاصرا إياها في خمس، نشير إليها بسرعة:
ـ صورة الآخر الذي غيبه الموت وترك جرحا غائرا ونازفا في نفسية الشاعر. وهي تعكس عمق امتداد هذا الآخر في وجدان الشاعر وفكره.
ـ صورة «الشبيه» و»الصاحب»، الذي تتماهى معه ذات الشاعر في بعدها الإنساني العميق.
ـ صورة المخاطَب ذي الملامح المغيبة، هويته تتحدد في الخطاب الموجه إليه، وأحيانا يستحضره الشاعر للتعبير عن أناه المشروخة.
ـ صورة الآخر الذي تحاصره العزلة والإحباط والتعب، وتحضرعبر ضمير الجمع في قصيدة واحدة تحمل عنوان «زيف».
ـ صورة المتجاور لذات الشاعر، وتحضر عبر المراوحة بين ضمير المخاطب وضمير المتكلم (قصيدة: غيوم دمي)، وهي مراوحة تعكس الإيمان بالآخر وبالفعل الجماعي لتجاوز واقع صعب ومؤلم.
في المحور الثاني من مداخلته، عمل الناقد المصطفى فرحات على إبراز البعد الجمالي في الديوان، بتحليل الجانب الفني من خلال
الصورة الشعرية واللغة الشعرية التي تقوم بالأساس على الانزياح، وكذا حضورالرمز بكثافة في قصائد الديوان، وفي الأعم يستمده الشاعر من الطبيعة والوقائع والأشياء ثم الإيقاع الشعري الذي ينبعث من داخل النص أكثر مما ينبعث من خارجه .
المداخلة الثانية كانت للقاص والناقد مبارك حسني، وجاءت تحت عنوان: «صداقة الشعر وصدقه»، بدأها بالحديث عن علاقة الصداقة التي جمعته بالشاعر عبد العزيز أمزيان، والتي كان فعل الكتابة منشأها، ليعرج بعد ذلك على الحديث عن عبد العزيز أمزيان الإنسان، سليل مدينة القصر، «الريفي» الأصل، الذي يحفظ الود، لينتقل للحديث عن عبد العزيز أمزيان الشاعر، وعن دواوينه الثلاثة: «مواقد الروح» و»جمرات الريح» و»شبيهي في التيه»، منطلقا من سؤال مركزي: كيف نعرف ما يجعل الشاعر شاعرا ضمن أنداده من الشعراء؟ ولم يكن قصده من السؤال إجراء مفاضلة، وإنما القصد تلمس ما يميز تجربته الشعرية عبر القبض على النبرة والإيقاع والصورة الشعرية المسنودة، حسب الناقد، برؤية شخصية عمادها «النار والتيه»، وتجلياتها: الاشتعال والرغبة والضياع المبني على تعذر العثور على المرمى. بؤرة هذه التجليات كلمات ثلاث: الموقد والجمر والتيه، وهي كلمات يراها الناقد تلخص كونه الشعري وتحيل على انشطار الذات الشاعرة في مواجهة الوجود، مؤكدا على أن الشاعر، بعد الاقتران بالنار والمسك بالجمر المنتشر ينتهي إلى العثور على شبيهه، ليس في مستقر محدد زمانيا ومكانيا، بل في اللامحدود الذي يسميه: التيه. لينتهي الناقد إلى الإجابة عن السؤال الذي انطلق منه، جازما بأن مكانة الشاعر عبد العزيز أمزيان بين أنداده الشعراء تتأتى من صدق المشاعر انطلاقا من توصيفه لهذه المشاعر في قصائده.
المداخلة الأخيرة كانت للشاعر الناقد محمد عرش، عنونها بـ: «خروج من الطين إلى رحم الأبدية» تناولت بالتحليل الموضوعي والرصين ديوان «شبيهي في التيه»، متوقفا عند عنوانه جاعلا من قراءته مدخلا أساسيا لولوج المتن الشعري في الديوان. فالشبيه في العنوان هو ذاك المماثل للشاعر الذي يماثله في التيه، أي في «المفازة» حيث لا علامة يهتدى بها، وهو بمثابة «مرآة الحياة» التي ينظر فيها الشاعر.
ولأن العنوان هو في الأصل عنوان لقصيدة ضمها هذا المنجز الشعري، فقد ارتأى الناقد أن ينطلق من هذه القصيدة لمقاربة خصائص ومعالم التجربة الشعرية عند الشاعر عبد العزيز أمزيان. قصيدة تنبني على المزاوجة بين خطاب يوظف الفعل الماضي ويجترح عمق التيه ويعدد انعراجاته وتشابهاته، وخطاب يقوم على الفعل المضارع ويرتبط بـ «أنا» الشاعر.
وبعد تحليل موضوعي ورصين لمدخلات هذا «التيه» ومخرجاته، مدعوم بالشواهد ، طرح الناقد محمد عرش سؤالا جوهريا: كيف تشكل «شبيهي في التيه»؟ ولماذا؟ وللإجابة عن السؤال، التمس الناقد هذا التشكل في لغة القصيدة التي تحولت من لغة تقريرية إلى لغة إيحائية، تنتظم في «الصورة» بواسطة جمل تختلف قصرا وطولا تبعا للسياق، وتقوم على تخييل يبتعد عن الطلاسم والألغاز ويدنو من الإدراك والتأويل وفق تبئير يركز عليه الشاعر ليصبح «شبيهي في التيه» بمثابة حلم، تارة يأتي كابوسا يعكس انفعال الشاعر وتوتره، وتارة يكون لذيذا حين تنتقم القصيدة للشاعر، وتنتصرله.
ختام هذا اللقاء الرفيع، كان توزيع الشواهد التقديرية على المنظمين والمشاركين، وكلمة شكر وارفة الصدق، في حق الجهة المنظمة والجهة المستضيفة والمتدخلين والحضور، تفضل بها الشاعر المحتفى بتجربته الثرية عبد العزيز أمزيان، بعد أن تلقى هدية رمزية ثمينة هي عبارة عن لوحة تشيكلية تجريدية غزيرة الإيحاء ومتناغمة الألوان، أهداها له مبدعها الكاتب والفنان التشكيلي عبد الحميد الغرباوي، وقبل أن يلقي مختارات من شعره ويوقع إصداراته الشعرية.

متابعة: الكاتب عبد اللطيف الهدار
بتاريخ : 10/04/2023



==================
الورقة التي أعدها الصديق الإعلامي والشاعر عبد اللطيف الهدار، حول اللقاء الثقافي عن تجربتي الشعرية ، التي نظمته جمعية محترف التلقي المسرحي، بتنسيق مع دار الشباب المشو، بمشاركة الشاعر والناقد محمد عرش، الشاعر والباحث المصطفى فرحات ، القاص والناقد الصديق حسني امبارك، وتسيير محمد فراح، الورقة التي ستنشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي لعدد الغد 04/10/2023 الصفحة الثقافية .جزيل الشكر وعميم التقدير للإعلامية الأريبة والشاعرة المجدة حفيظة الفارسي على العناية والاهتمام، والشكر موصول للساهرين على الجريدة..






منصة.jpg


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى