العيباري عبد المجيد - تعارض الأراء لدى فحول الشعراء

تطرق شاعر الملحون لكل ما اتسع له الأفق الشعري الذي يوشك أن تتلاشى حدوده.
لذا ليس من السهل تقسيمه الى أبواب شاملة تستوعب جميع ما جادت به قرائح الشعراء، علما أنه في مراحل ما، كانت هناك مواضيع وأغراض بعينها تطغى على ما سواها، كغلبة مدح الرسول (ص). هذا، بالإضافة لاختلاف شخصية وطباع الشعراء ـ كأن يكون الشاعر أميرا، أو فقيها، أو متصوفا، أو رجل "حلقة" يتكسب بشعره، أو تجده متعصبا لحزب أو مذهب..
وقد إتسع أفق بعض الشعراء لتناول مواضيع علمية وفقهية،قدموها في قالب شعري. ولو انه ليس من اليسير التعاطي مع المواضيع العلمية بواسطة القريض، سيما إذا كان الأمر يتطلب صب المعاني في قالب موسيقي له وزنه الخاص، لتنسجم الكلمة والعزف معا.
ولتحقيق ذلك، ينبغي للشاعر أن يكون مطلعا على علوم عصره، حاذقا في إقتفاء المعاني وانتقاء الألفاظ التي تمكنه من كتابة شعر مؤثر، كما فعل "أبو فارس عبد العزيزالمغراوي" في قصيدة "الخلوق" في ولادة الرسول (ص)، وقصيدة "الإسراء والمعراج". كما نجده ينظم في علم الفلك، وله في ذلك قصيدة عجيبة تحت عنوان "ترحيل الشمس "، وقد سارعلى هذا المنوال سيدي سعيد المنداسي في عدة قصائد منها تلك الشهيرة ب"العقيقية".
ومن الطبيعي ان تختلف الأراء في بعض المواضيع، باختلاف المذاهب والأفكار. وهذا ما يسمى عند رواد الملحون ب"العراض"، كما حدث بين شاعري الملحون المدني التركماني المراكشي، وأحمد الغرابلي الفاسي، وهو خلاف فقهي، حول موضوع كفاية الشهادة في الإسلام، وأنه من نطق بها وجبت له بها الجنة. إذ نجد الأول يقول بكفايتها كما في قصيدته "الـلآيم"وهي من خمس وستين بيت.يقول في لازماتها ـ
يَا اللاّيَـمْ خـَليِّ العْـبَـاد كـُلْ واحَدْ فْي حَـالو
.. . .. الشْهـَادَة بَالله اوْبـَالرْسُولْ تـَكـْـفِي مـُولآهـَا
فعقب الثاني بقصيدته "الداعي"، حيث يحتج بأن الشهادة لوحدها لا تكفي للدخول في الإسلام، فيقول في لازماتها ـ
يَا الدَاعي بَالعَـرْفْ اصْغىَ الهَـلْ العلم افـْمَا قـَالو
. . . . . . .الشْـهادَة مَنْ دُونْ اعْمالْ ليسْتْ تـَكـْفي مُولآها.
وكان هذا الخلاف بينهما هو شرارة "حرب" استمرت زهاء عشرين عاما، ليمتد هذ الخلاف إلى موريديهم ومحبيهم الذين كانوا ينافحون عن شاعرهم المفضل ويقيمون له الإسناد من الكتاب والسنة. بل نجد حتى بعض الفقهاء يصدرون فتاوي ترجح قول هذا أو ذاك .
دعنا نستمع معا لقصيدة "الـلآيم" بصوت المرحوم أحمد أمنزو المراكشي حيث يقول "المداني التركماني" بكفاية الشهادة في الإسلام محتجا بحديث رسول الله (ص) لأبي ذر بأن يخرج مؤذنا في الناس أنه من قال "لا إلاه إلى الله محمد رسول الله "دخل الجنة، وقصيدة "الداعي" بصوت الحاج أحمد مقدام الفاسي ، حيث يقول الغرابلي بعدم كفاتيها دون عمل محتج بالعديد من الأيات والأحاديث :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى