نصيف الناصري - قصيدة حُبّ مُهْداة الى آَنَّا الشفيعة.

"1".
لِعَدَم تَمكّني مِن تَسْميَة مَرض مَوتها، شَكَلَت لي الرَغْبَة
في الرَحيل قَبْلها كارثة لا تُحْتَمل.
ذَهَبَت الى الحَديقَة دافئة وغَير
مُبالية بي، وَبَقيْتُ بَعدها أعاني وَحْشة
الغياب في صَقيع الحَياة
المُتَرَبّصة بي والمضاءة بشعَل جروحي.
الحُبّ جَريمَة والانْهيار في آباره، يَشْترك
فيه كُلّ الذين يَلْبَسون الأكْفان.
اسْتدْراكاً لِما فاتَني، أَقولُ أَنَّ الوصال لا يُهدِّىء
العاشق مِن أَلَمه وانْتظام أَوْقات عَذابه.
تَصْنيف الوَلَه بالمَحْبوب على انَّهُ عَمَلية
جراحية لاسْتئْصال الزَمَن، يفْقدهُ واجب
القَلق الذي يؤدَّي الى إعْطاء الرَحْمة لكلِّ
العُشَّاق.
"2".
حَكَت لي وَهْيَ تَنْزَعُ ثيابها بغُرْفَة النَوم عَن،
الغلال المَبْذولَة بوفْرة في أَرض الحُبِّ.
الامْكانيات كَبيرة وأَن يكون المرء ثَملاً وَغير
مَعني بِما سيرثه، فسيكون تألّقه وهو لا يعاني
مسألة الرَدم، أَكْثَر مِن ولَع بِما لا يذْعن للمَوت.
ناوَلْتها كأس الفودكا وَذَهَبت تَسْتَريح تَحْت الشمْعة
الساهرة للرَغْبة المتماثلة. أَظنُّ أَن الأنْهار التي
عَبَرتْها مَعها، كانت مَليئة بدفء الأمومة. اكَتَمَلَت
الآن كُلّ الشروط ولا يُمْكننا الافْتراق عَن بَعْضنا
البَعْض. يَتَعرَّضُ المُحبّ لضَرْبَة الصاعقة إِذا لَم
يَتَعاقب عَليْه زَمَن الاستجابة لاحْصاء الأَيَّام في
رَسائل الحُبّ. بَعْض الأشْخاص الذين تَوافَرت لَهُم
الشروط، بَحَثوا عَن شَيء يَسْتوْجب رَغْبتهم في
عناق المَحْبوب. لَم يَحْصل أَيّ مِنْهم على ضَمان.
تَغطَّوا ببطَّانيات أَحْزانهم المَطْوية وَفاتهم السَهر
مَعَ المُضَحَّين برأس مالهم مِن أَجل امْتلاك زمردة
جَمال المَحْبوب.
"3".
بَعْد الجنس تَشْعر مثْلي بتَفاهة ما قمْنا به وَتَعْتبره نتاج حمق.
لتَسْليتها وَهْيَ تَطْوي فخْذَيْها، أَخْبَرْتها انَّني أُخطِّطُ مُنْذ زَمَن
لرحْلة مَعها الى القاهرة. أَهل مِصْر يَمْنَحون المَرضى الغُرباء
الدَواء بالمجَّان، وَيوجِّهون الدعوة اليهم للغَداء تَحْت أَضْواء
الحقول. على طَريْقَتها التي أَعْرفها، أَحْضَرت شِباك الصيد
وَلَوَت عنْقها وقالَت:"لا تَضْجَر مِن عَدَم اكْتراثي بكلِّ شَيء،
لكنَّني أحبّك وقَرَفْتُ مِن التَعرِّق الدائم مَعك". تَباوَسْنا وَراحَت
تُنضِّدُ فراش السَرير وبَعْد التَعرَّي، غَرقْتُ في بُحيْرَة الشقاء
وأَنا أَسْتَردُّ عافيَتي وأَتَلقَّى هبوب النَسيم الإلهي مِن ضوء ثدييها.
"4".
بَعْدَ عَوْدَتنا الى البَيت أكْمَلْنا الشَراب بنفس الاسلوب الذي اخْتَلَفْنا
عَلَيْه في البار. لَم نَتَحَدَّث عَن المَنْهَج الاقتصادي لأنَّنا بصراحة لا
نَمْتَلك خزانة، والثَرْوَة يُمْكن تَبادلها مَع الآخرين. حَياتنا اعْتيادية
وَلَم نَرْتَكب الأفْعال الشائنة. يَقولُ الطَبيب انَّهُ سَيَسْمَح لَنا بالعَوْدة
الى الريف، واشْتَرَط عَلَيْنا أن لا نمارس الجنس وأن َنَتحاشى لَدْغَة
الأفْعى. الجنس نَهاية متعادلة للعب مَع الطَبيعَة. لَو كُنَّا اسْتَجَبْنا
لنَصيْحَة هذا الأْحْمق السمين،
لَبَدَت لَنا حَقيْقَة المَرض صَعْبة الفهم.
قالَت لي بَعْد أن رَأت خراف الهلال
تَثْغو في أصص الزهور الموضوعة
على النافذة، أنَّ أُمّها احْتَفَلَت بأوَّل "ظهور
للطَمث" عنْدها. "كان عُمْري 14 أو 15 سَنة
وَكُنْتُ أدْهَنُ أخْشاب تابوت أبي" قالت لي.
اسْتَرخى كُلّ مِنّا وَلَم نُحاول الاتصال بمدراء
المَصارف. بالنسْبَة لي فأنا أضْجرُ مِن طريقتهم
في اثارة الفتْنَة بَيْني وَبَيْن الذين يُشدِّدون على
تَجنّب العَيْش في اللاوعي.
"5".
اعْتدْنا الذهاب الى الحَقْل في نَهاية كلّ اسبوع،
هي تَنْزع الخَلاخيل، وأنا أحْرث الأرض بحَماسة
مِن فَقَد مفْتاح تابوته. لَم نبالِ حين حَلَّقَت فَوقنا طائرة
الله المَرْوَحيّة، طَرَّزْنا لَهب النار وَوَضعْنا فَوقه الشواء.
بَعْض البَلْدات يَكون فيها السكون أشبه بمصدَّات وَيَحول
دون لقاء الذين تَعتَقد عَشائرهم انَّهم يَعْلَمون الغَيْب.
عَملها بمهْنَة التَمْريض يفْرض عَليْها أن تَهب حَصاد
الحَقل الى المرْضى، وأنا لا أرْغَبُ ببشائر الثمار.
تَعَوَّدْتُ أن أشْتَري الفواكه والخضر والحبوب مِن دكان
البَقَّال، وَمَعَ انَّها تُعلِّلُ انْفاقي النقود في تَسوِّق أشْياء غَير
ضَرورية على انَّه سوء تَدْبير. دَعَوْتها الى رِحْلة خارج
المَدينة. عَجَزَت عَن تَلْبية الدَعْوة واعْتَزَلَتْني تَحْمي فَضاء
الحَقْل مِن الطيور.
"6".
أسْمَعها تَتَحدَّثُ مَعَ أُمّها بالغرْفَة عبر الهاتف،
وَيُحيِّرني اعْتقادها بالآلهة. لَو تُقدِّم لي الدَليل
على صحّة اثْبات الوعود التي تَلَقَّتها، لكُنْتُ
مثْلها أنْفقُ بَعْض القروش على تَقْديم القَرابين
مِن أجل اللحظة العاطفية لانتقالي الى الجَنَّة.
باطن الأرض مثل ظاهرها ولا ميزة للانْسان
على الحيوان، والملوك ماتوا يَتَأفَّفون مِن ذرق
الذباب الذي تَلَطَّخَت به وجوههم وتيْجانهم.


نصيف الناصري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى