مقتطف أحمد فؤاد الهادي - بين الأسلاك

التف وأقرانه حول مكونات حلمهم الذي طالما راودهم خلال العام الدراسي الذي انقضى آخر أيامه منذ أسبوع واحد، سعادة غامرة تكسو وجوههم وحماس ينعكس حتى على مناقشاتهم حول ما عساهم أن يتبعوه ليصنعوا طائرة ورقية كتلك التي يشاهدون الكثير منها بألوانها الزاهية المختلفة وهي تحوم في السماء فتشيع البهجة في قلوب الأطفال والكبار.

هو أكبرهم سنا وإدراكا، يبدأ في تجهيز الهيكل من البوص ... يساعدونه في إحكام تربيط الأجزاء بالدوبار، وها قد حضر أحدهم حاملا ورق السلوفان الملون لكساء الهيكل ... وآخرين انزويا بالقرب منهم يعدون ذيلا طويلا للطائرة من قصاصات الورق الملون يلصقونها على حبل طويل من الدوبار أيضا ... هو يجمع الأجزاء بنفسه بدقة وحرص زائدين ... ينادي صديقا له باع في ضبط ميزان الطائرة وتقدير طول الذيل ... يدس يده في لفافة معه ليستخرج كرة كبيرة من الدوبار.... يهلل الجميع ويندفعون بطول الشارع خلفه وهو يسحب الدوبارة جاريا ... ترتفع الطائرة وكأنها تحمل قلوبهم إلى سماء السعادة.. يهللون ويصفقون وطائرتهم تحلق وتتمايل وترتفع فوق رؤوسهم شيئا فشيئا ... إنها تحوم فوق أسلاك الكهرباء الممتدة بين أعمدة الإنارة ... يحاول أن يجذبها بعيدا عن الأسلاك ... يزداد الأمر تعقيدا ... يفقد السيطرة تماما ... الطائرة تترنح في الهواء بعشوائية ... يشتبك ذيلها بأسلاك الكهرباء فتنجذب بكاملها لتحتضنها وسط صرخات الصبيان ... لا سبيل لاستعادتها.

رغبة شديدة في البكاء تجتاح كيانه الغض ... يقاومها بأنين خافت .. يعلو الأنين وصار نحيبا مسموعا .. أشفق عليه الجالس إلى جواره .. نكزه برفق: "أصحى يا أستاذ .. وصلنا أسيوط"

في الصباح التالي، كان يراجع الأدوات والأجهزة في برج المراقبة بالمطار الجديد المزمع افتتاحه خلال أيام، سيتولى إرشاد جميع الطائرات السابحة في السماء في نطاق برج المراقبة الذي يديره، لن تغتال الأسلاك حلمه مرة أخرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى