موسى مليح - أيقونة الموسيقى في "الكأس المكسورة"

وأنا أقلب صفحات المجموعة القصصية "الكأس المكسورة" لسي حاميد اليوسفي، انتابتني مجموعة من التساؤلات. صهرتها في: كيف أقرأ هذا الإنتاج الأدبي؟ وما السبيل لمطاردة المعنى داخل هذه النصوص؟

على وجه الغلاف، كعتبة للقراءة، رسمت بخط واضح عبارة "مجموعة قصصية" دفعتني هذه العلامة إلى استحضار ما تعلمناه من الدرس السيميائي، وخصوصاً السيميائيات السردية. علمتنا السيميائيات السردية أن كل قصة قصيرة تتكون من علامات تتوزع بين إشارات ورموز وأيقونات. وأن هذه العلامات تختلف من حيث قوتها الدلالية، وفاعليتها داخل نسق السرد، وحسب كريماس فإن العلامات تمنح الكلام صفته السردية.

بناء على تتبع هذه العلامات داخل المجموعة القصصية "الكأس المكسورة"، تبين أن علامات التسريد عند السي حاميد تقوم على مقولات بالغة العمومية، حولت بذلك القصة القصيرة لديه إلى وجه مفصل لمقولات مكثفة داخل نسق من العلاقات وظفت بشكل أمثل النموذج التكويني أو المربع السيميائي معيار تحقق الصفة السردية. وقد تجلى ذلك في الحضور القوي لكل العلاقات المانحة للسرد ديناميته/حركته. تتمثل تلك العلاقات في:

العلاقات الضدية: خلقت مجموعة من المفارقات داخل النصوص، وولدت للقارئ الدهشة والاستغراب وهي غاية مرجوة من كل كتابة أدبية.

العلاقات التناقضية: كانت عاملا في بناء مفهوم الصراع، الذي تحول في بعض المواقف لصراع درامي، وكانت غايته توجيه الحكاية إلى تعرية الواقع والتنديد بالمسؤولين عما آلت إليه الأوضاع.

العلاقات الاقتضائية: إن القوى الفاعلة في كل النصوص تنظمها علاقة الاقتضاء فالشخصيات اقتضت بطبيعة وضعها الطبقي، وحالتها النفسية توظيف لغة تناسبها.. لغة بلغت إلى حد اللغة السوقية حملت مجموعة من التداعيات المعبرة عن المعاناة من واقع مزر، وعن أحلام طوباوية كوسيلة لتصريف طاقة المكبوت ووسيلة لتكسر جدار الواقع المزري

إن توظيف سي حاميد اليوسفي المتميز لعلاقات التناقض والتضاد والاقتضاء جعلت القراء يجمعون على أن القصة القصيرة عند اليوسفي معادلة لسانية لغوية تتوكأ على واقعية حقيقية. إن هذه المعادلة مغنم لمن يطارد المعنى سيميائيا، وهي حجة دامغة للوقوف على الأيقونة كعلامة سيميائية، وكعلامة لسانية لها مرجع حقيقي في الواقع. إن الحضور المكثف للأيقونات في الحكي يمنح القصة والرَواية طابعهما الواقعي.

الأيقونات في "الكأس المكسورة" عديدة ومتنوعة. منها ما يرتبط بالمكان: ( مدينة مراكش/ الجديدة/ الحي الشتوي/ عرصة مولاي عبد السلام/ ساحة جامع الفناء المشهورة....)

وما هو شخصي (شخصيات يعرفها المراكشيون والمغاربة عاشت بيننا). غير أن أيقونة أغاني مشهورة، اجتاحت كل النصوص، وعملت على إغناء المعنى في كل قصة من المجموعة، فقمت بربط هذه الأيقونة اللسانية/ الخطية بمرجعها الخارجي فتولد عن ذلك هذا الشريط البصري الناظم للأغاني والأنغام التي وظفها اليوسفي توظيفا ذكيا ومعبرا. أكدت الأغنية كأيقونة الدور الذي منح لها، عندما تعجز العبارة عن التعبير عن حالة نفسية، أو وضعية اجتماعية، إن وظيفتها هي خلق امتلاء للدلالة، وبناء إيحاءات تحول القارئ من متلق سلبي محايد إلى مشارك إيجابي لدرجة بلوغ حد التماهي عند ترديد أغاني عبد الحليم حافظ أو نعيمة سميح أو مجموعة ناس الغيوان أو جيل جيلالة أو أحمد قعبور وفيروز ومارسيل خليفة أو سعيد المغربي أو العيطة الشعبية المغربية وأهازيج الأعراس والأمداح.

ملاحظات :

تم عرض شريط مدته خمسة عشر دقيقة تتضمن مجموعة من اللوحات كل لوحة تحمل عنوان قصة من المجموعة وشذرة مكثفة لغويا تعبر عن دلالة القصة والموسيقى/ا لأيقونة الموظفة

*موسيقى لوحات المقدمة الخاتمة وظفت فيهما أغنية أحمد قعبور (أناديكم) كان في المقدمة اللحن فقط وفي الخاتمة الكلمات: أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت أقدامكم وأقول أفديكم أنا ما هنت في وطني ولا حقرت أكتافي... على أن يردد الحضور/الجمهور الكلمات مع الشريط لينتهي العرض باحتفالية يشارك فيها الجميع.

الهامش:

*موسى مليح : كاتب مسرحي قاص رئيس المنتدى المغربي للحكامة الاجتماعية





Untitled.jpg


Untitled.jpg


Untitled.jpg






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى