عزيز معيفي - العبور إلى عوالم اليوسفي القصصية

المرور إلى عوالم سي حاميد اليوسفي القصصية يقتضي مصاحبة ومصادقة شخوصه، لاستكناه رؤاها للحياة، ومن تم التعرف على ما يميز منجزه القصصي من عمق فلسفي وإبداعي.

اليوسفي بدأ مشواره القصصي بمذكرات عما عاشه وعايشه طيلة أزيد من نصف قرن، لكنه كتب ولم يتوقف على حد تعبير (فولكنر) الذي سئل مرة: متى أصبحت روائيا؟ فأجاب حين كتبت عن قريتي ولم أتوقف.

مخيلة اليوسفي واسعة إلى درجة أنه يغزل من فيضها خيطا رفيعا يرتق به ما تمزق من ثوب عالمنا المليء بالمتناقضات. وهو بذلك يمتح من رصيد السخرية - الذي راكمه عبر مراحل- ، وقوة عزيمته في مواجهة الزوابع التي مرت به، والتي واجهها بصبر وشموخ قل نظيرهما.

ولعله يحدو حدو القصاص التركي عزيز نيسين في جعل السخرية مبدأ أساسيا لمواجهة الظلم والفقر والضياع.

هكذا نصادف في عوالمه القصصية شخصيات مثل رحمة ويامنة وفاطنة وعدنان جعلت لها النمذجة الفنية وجودا أقوى وأرسخ من الوجود الفعلي الامبريقي.

شخصيات ذات نفس شعبي، تملك عبره القوة على اختراق مخيالنا، وغزو ما تيبّس فيه من ثوابت أيديولوجية.

وهنا نكتشف أسلوب اليوسفي ـ كما في نص الطعم ـ الذي يسائل البداهة، فالفقر يستوجب المكر في مواجهته، وكذلك ما ترسخه الدولة المتخلفة من علاقات مبنية على الرضوخ والاستسلام لقدر اجتماعي.

أكثر من ذلك نجد ما يفضح ويعري أفعالا ظاهرها خير وباطنها بهتان وكذب كما في نص الرقم 1212

توفق اليوسفي إلى حد بعيد من خلال مجموعته (وجوه) من اعتصار البعد الدرامي من موزاييك الحياة ، بحيث تتحول النصوص إلى (بوزل) ويكون عليك باستمرار أن تقوم بتفكيك صور الحياة لإعادة تركيبها في أفق ما تأمله وما تَملّه.

ولعلنا هنا نكتسب الكثير من التواضع ، لأن صور الحياة المقدمة لنا من صنع شخصيات شعبية تتحول ضآلتها الاجتماعية إلى ثقل فني وازن، وتكتسب قدرة كبيرة على الإقناع والتأثير في المخيال.

أجمل ما يميز هذه النصوص هو انفلاتها مما أسماه الناقد غالب هلسا ب(الروح الأسيرة) وتتمثل في انشداد الكتاب إلى نماذج جاهزة من الحياة الغربية مبنية فنيا على مفارقة لواقعنا الاجتماعي. اليوسفي عمل جاهدا على رسم شخصيات نابعة من تمثلاتنا لواقعنا الاجتماعي المغربي بما يحبل به من سمات سوسيولوجية.

ومن الجدير بالذكر أن هذا العمل نجح في مواجهة الازدواج في السلوك الذي تحبل به حياتنا المجتمعية. فالاختيارات التي تنهجها الشخصيات ترفع من قيمة المواجهة وليس الخضوع والخنوع.

المجموعة القصصية (وجوه) مغامرة لذيذة في اكتشاف الذات والآخر.



عزيز معيفي

مراكش 12 مارس 2023




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى