عادل المعيزي - فتنةٌ آهلة

إلى العزيز Miled Faiza


خَلْفَ أعتَابِ الفراديسِ تَعَلَّمْتُ أغَانِيَّ
وَصَوْتِي غَمْغَمَتْ أَطْرافُهُ، مِنْ خَلَلِ الفِتْنَةِ
حَتَّى هَزَّنِي البَرقُ وفَتَّقتُ غُيُوبي:
إنْ تُحِبّيني قليلا، قلتُ
والضَّوءُ تَخَفَّى صُدفَةً
في عَتْمَةِ الديرِ المُحَاذِي للصَّوَاري
سَيَذُوبُ الليلُ في الفَجْرِ العَليلْ
ثمّ تأوي للكهوفِ البارِدَاتِ
حَشْرَجَاتُ العَصْرِ في لونٍ حَزينْ
ويُواري العُمْرُ ما كنتُ أواري
وَيَفِيضُ الوَجْدُ منْ نَهرٍ قَتيلْ
إنْ تُحِبِّينِي قليلاً قلتُ،
والماءُ حُبَابٌ
يَتَهَادَى مثل عزْفِ الناي
في سحر النواعيرِ
سأُصغي لِصَبِيٍّ نَائِمٍ في داخلي
أوقِدُ الدّمعَ الذي غَنّى لِعُزلاتي
وأُهدي للشُجَيْرَاتِ خَيَالاتِي
وأهديها رُفَاتِي
ويَحيدُ المَوْتُ عَن قَبري
وأهواكِ وأنْسَى...
أَنَّنِي كنتُ رَمَادًا لمْ تُحِبّيهِ
ويَقُولُ الوَقتُ للأعوَامِ ما كُنْتُ أُداري:
أنتِ نَيروزٌ لهذا القلبِ،
أنتِ النَّصْلُ في يَأسِي
كَأَنَّ الحبّ تَرتيلٌ وأَعْيَادٌ
كَأَنَّ الحُبَّ مَا ظَلَّ على السفحِ
إذا جَفَّتْ أَغَانينا
كَأَنَّ الحُبَّ دوما
دَفْقُ نَايَاتِ الغِيابْ
أنتِ مَنْ أَعْطَيْتِنِي بَرْقًا لأَنْسَاقَ
إلى نَهْرٍ من الأَضْوَاءِ
مَأخُوذًا
بِفِرْدَوْسٍ جَدِيدٍ نَابِتٍ في...
ثَغْرِكِ المُزْدَانِ بالخَمْرِ
وَمَأْخُوذًا كَثيرًا
بالْتِمَاعِ الخِصْرِ في هذا الظَّلاَمْ
أَنْتِ مَنْ أَطْلَقْتِ خَلفِي فِتْنَةَ الأَرْوَاحِ تَرنُو
لانْتِحَارِ العِطْرِ في جِيدٍ رُخَامْ
أنتِ مَنْ هَامَتْ بِها أندَلُسٌ
مَنْ خَجلَتْ مِنْ سِحْرِهَا بابلُ
مَنْ زُلزلت الأرضُ إذا غَنَّتْ
وَأنتِ
مَنْ تَهَادَى الليلُ مَفْتُونًا إذا نِمْتِ
وأنتِ
مَنْ تَدَاعَى الطُّورُ مَخْبُولاً إذا قُلتِ
وَأنتِ
مَنْ تُصَابُ الشمْسُ بالذُلِّ إذا جئتِ
وأنتِ
مَنْ تَنَزَّلتِ كَلامًا في كَلاَمي
وأنتِ...
مَنْ أَشَارَتْ: كُنْ!
فَكنتُ مِنْ حُطَامِي
وأنتِ...
كُلَّمَا غِبْتِ تَتَالَتْ خَلْفَ أَطْيَافِكِ روحي
وَتَدَاعَتْ مُعْجِزَاتِي
وَأَنْتِ...
فَرَّ مِنْ دَقَّاتِهِ قلبي وَفَرَّتْ كَلِمَاتي
وَأَنْتِ...
هامَ في عَلْيَائِهِ النّجْمُ
وكَانَ العِقْدَ إنْ أنتِ تَحَلَّيتِ
وأنتِ...
فَرَّ من أَمْواجِهِ البحْرُ
وكانَ الحِضْنَ إنْ أنتِ بَكَيتِ
وأنتِ...
غَادَرَتْ جسمي قُبُورٌ
وَتَهَاوَتْ إثْرَ خَطْوِي
نَغْمَةُ المَوتَى سَريعًا إنْ حَلَلْتِ
وأنتِ...
إنْ تُحِبِّينِي قليلا،
قلتُ مُنْسَابًا
وَغَلغَلتُ يدي في شَعْرِها الليليِّ
وتَذَوّقتُ رَحِيقَ الثَّغرِ،
فيما العَزْفُ ينثالُ
على نافذةٍ في الطابقِ العُلويّ
إنْ تُحِبّيني قليلا،
قلتُ مَخطُوفًا
بِمَرأَى النَّقشِ في أعمِدَةِ الديرِ
وفي سَقْف القِبابْ
وبمرأى البَحْرِ من خلف المصاريعِ
ومنْ خَلفِ أفانين الحِجَابْ
إنْ تُحِبّيني قليلا
قُلتُ مَسبُوهًا
بِكَشْفِ النورِ من خَلفِ التعاويذِ
سَنَهمي في الأقَاصي وَكَأنّ العُمْرَ
لاَ يَمضي على غيرِ هُدًى
نَنْثُرُ ما يُلقي لنا اللهُ من الوَحْيِ
على سحر البوادي
وبلادي...
سوفَ أهوَاها وإِنْ جُعتُ، بلادي
إنْ تُحِبّيني قليلاً فقليلاَ
سأعِدُّ الأرضَ دَفْقًا يَمخُرُ الصمتَ
وضوءً من عطور الآلهات
ويكونُ الموتُ عندي مستحيلاَ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى