عبدالرزاق دحنون - امرأة فدائية

جلس المأمون بن هارون الرشيد يوماً للمظالم، فكان آخر من تقدم إليه -وقد همَّ بالقيام- امرأة عليها هيئة السفر، ثيابها معفرة، رثة، وقفت بين يديه، وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين. نظر المأمون إلى نديمه وصاحب مجلسه يحيى بن أكثم، وقال لها يحيى: وعليك السلام يا أمة الله؛ تكلمي بحاجتك. قالت:

يا خيرَ مُنتصَفِ يُهدى لهُ الرشدُ و

يا إماماً به قد أشرقَ البلدُ

تشكو إليك عَميدَ القوم أرملة

عُدِي عليها فلم يترك لها سَبَدُ

وابتز مني ضياعي بعد مَنعتها ظُلماً

وغرق مني الأهلُ والولدُ


أطرق المأمون حيناً، ثمَّ رفع رأسه إليها وهو يقول:


في دون ما قلت زال الصبر والجلدُ

عني وأُقرِح مني القلبُ والكبدُ

هذا أذان صلاة العصر فانصرفي

وأحضري الخصم في اليوم الذي أعدُ

فالمجلس السبت إن يُقضى الجلوس لنا

ونُنصفك منه وإلا المجلس الأحدُ


فلما كان يوم الأحد جلس المأمون مجلسه، فكان أول ما قُدَّم إليه تلك المرأة. قالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام. ثمَّ قال: أين الخصم؟ قالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين، وأومأت إلى العباس ابنه، فقال: يا أحمد بن أبي خالد-وزير المأمون- خذ بيدي العباس فأجلسه معها مجلس الخصوم، فجعلت كلامها يعلو كلام العباس، فقال لها الوزير أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله إنك بين يدي أمير المؤمنين وإنك تكلمين الأمير فاخفضي من صوتك. قال المأمون: دعها يا أحمد فإن الحق أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها برد ضيعتها. وأمر حاجبه بالكتابة إلى عامله في ديارها أن يحسن معاملتها، وامر لها بنفقة من بيت مال المسلمين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى