د. فارس الحسيني - الحُريَّة!!

كانَ بُلبُلٌ في قَفَصٍ مُعلَّقٍ في مَدخَلِ أحدِ القُصُور ، جاءَهُ بُلبلٌ آخَرُ ، وسَلَّمَ عليهِ ، فَسألَهُ البُلبلُ الأوَّلُ الَّذي في القَفص :

_ كيفَ حالُك ؟!

فقالَ البُلبُل الثَّاني :

_ نَحيلٌ ، كَما تَراني ؛ نِصفُ جائِعٍ ، وربْعُ عطشانَ ، لكنَّني كامِلُ الحُريَّة ، والحمدُ لله !

فقالَ البلبل الأوَّل _ بِحسرةٍ _ :

_ وأنا سَمِينٌ ، كما تَراني ؛ كامِلُ الشِّبع ، تامُّ الارتواء ، لكنَّني ناقِصُ الحُريَّة !

سَكَتَ البُلبُل الأَوَّلُ قليلًا ، مُتأمِّلًا ، ثُمَّ استأنَفَ _ بِنبرةِ عَرضٍ حَذِرةٍ _ :

_ هل تُبادُلَني فَضاءَكَ الرَّحْبَ ذاكَ بِهذا القَفص المُزوَّدِ بِكُلِّ أسباب السُّمنة ؟!

فَرفرفَ البُلبلُ الثَّاني بِجَناحيهِ ، وطارَ عالِيًا ، وهو يُنشِدُ :

أَرَى حُريَّتي أَولى بِحُبِّي !
وَأقرَبَ ما تَكُونُ هَوًى لِقلبي !

أرى حُريَّتي ، في كُلِّ وَقتٍ ،
أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ( ماءٍ ) و( حَبِّ ) !

وَمَنْ ذا يَشتَري حَبْسًا بِأَكْلٍ ؟!
وَمَنْ ذَا يَشتَري سِجْنًا بِشُرْبِ ؟!

وَلا أَشدُو مَعَ الأَقفاصِ ، لكِنْ
أُقَضِّي العَيشَ في نَوْحٍ وَنَدْبِ !

فَلِيْ جُنحانِ قَد رَفَّا بِشَوْقٍ
إِلى الآفاقِ ، مِنْ صَوْبٍ لِصَوْبِ !

أَنا بِهِما أَطُوفُ بِكُلِّ أُفْقٍ
أَلفُّ الأَرضَ مِنْ شَرقٍ لِغَرْبِ !

أَطيرُ ، أَطيرُ ، مُنفَرِدًا ، وحِينًا
أَطيرُ ، أَطيرُ ، مَصحُوبًا بِسِرْبِ !

أَطِيرُ ، مُغَرِّدًا جَذِلًا ، ولَحْني
يَجوبُ الكونَ مِنْ قُطبٍ لِقُطبِ !

وَلَستُ أموتُ ، مِن عَطَشِ وَجُوعٍ ،
فَرزِقي _ مِثلُ نَفسي _ عِندَ رَبِّي !!



358239118_1720944818340138_2882050610666453869_n.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى