أ. د. عادل الأسطة - محمود شقير.. ملف - تابع (11......19)

11- محمود شقير في يوميات الحزن والسياسة

"مرايا الغياب: يوميات الحزن والسياسة" (2007) آخر إصدارات الكاتب القاص محمود شقير الذي أصدر من قبل ستة وعشرين كتابا، ما بين مجموعة قصصية وقصص للأطفال وروايات للفتيان ومسرحيات ورحلات. ويختلف هذا الكتاب في أنه استحضار لعلاقات مؤلفه لشخصيات عرفها: لأخته أمينة التي توفيت في سن مبكرة، ولسليمان النجاب القائد في الحزب الشيوعي الفلسطيني، ولبشير البرغوثي أمين عام الحزب لفترة طويلة، ولمؤنس الرزاز الأديب الأردني عضو حزب البعث العربي لفترة.

وهذا الكتاب، إلى جانب كتابين آخرين هما: "ظل آخر للمدينة" (1998) و"مدن فاتنة وهواء طائش" (2005)، يصلحون لأن يدرسوا على أنها كتب سيرة ذاتية للكاتب، وسيرة للأماكن التي عاش فيها في الفترة التي أقام فيها في المكان/ الأماكن، ذلك أن الكاتب يكتب عن تجربته في المكان وما ألم بالأخير حين كان يقيم فيه.

"مرايا الغياب: يوميات الحزن والسياسة" يصلح أيضا لأن يكون، في جانب منه، سيرة للحزب الشيوعي الذي انتمى إليه شقير، وما زال يكن له الاحترام والتقدير، بخاصة أن شقير يأتي في الكتاب، كما لاحظنا، على اثنين من أبرز رموز الحزب، ويبين صلته بهما، هو الذي انتمى مبكرا إلى الحزب، وظل، لمدة أربعين عاما ويزيد، على صلة به، وما زال.

وشقير الذي يبرز صورة إيجابية للحزب ورموزه، يقوم أحيانا بمراجعة لبعض المواقف التي كان يعتقد، في زمن مضى، أنها على قدر كبير من الصواب، ليكتشف أنها ليست كذلك. كان شقير ورفاقه، وهم داخل الحزب، لا يبصرون ما كان يراه في بعض من كانوا خارج الأحزاب الشيوعية، هؤلاء الذين كانوا ينقدون الأحزاب الشيوعية التي تدور في فلك موسكو ولا تحيد عن خط حزبها. وسيقارن شقير بين الأحزاب الشيوعية في أوروبا وبين حزبه، ليكتشف، الآن، زمن الكتابة، انها كانت أكثر صوابا مما كانت عليه الأحزاب في العالم العربي، ممن لم يقو أعضاؤها على نقد سياسة موسكو والحزب الحاكم فيها، وما يتصف به من بيروقراطية.

طبعا سيبرز شقير صورة إيجابية لسليمان النجاب ولبشير البرغوثي، وسيأتي على أهم ما امتازت به شخصية كل واحد منهما، وسيكتب عما عرفه، عن قرب، ولفترة طويلة، عن سليمان وبشير.

وسيكون هذا الكتاب مهما لمن يدرس شقير كاتبا وسياسيا. ففيه يأتي الكاتب على فترات انقطاعه عن الكتابة لانشغاله بالسياسة. ولطالما توقف شقير عن كتابة القصة القصيرة، لفترة طويلة من الوقت، لانشغاله بالنشاط السياسي (ص164 على سبيل المثال)، وكنت أنا، وأنا أدرس القصة القصيرة في الضفة والقطاع ما بين 67 و1981، أتيت على هذا الجانب، فلم ينتج شقير ما بين 67 و1975 سوى قصص قصيرة قليلة جدا، لأنه بعد الهزيمة، هزيمة حزيران، توقف عن كتابة القصة لانشغاله بمقاومة الاحتلال.

في "مرايا الغياب" نحن أمام أديب يكتب، لا أمام سياسي يكتب. من هنا نجد المؤلف يلتفت إلى الكتابة من حيث هي نص أدبي. ثمة اهتمام باللغة وآخر بالشكل، فليس هم شقير إيصال المعلومة وحسب، إنه معني بإيصالها بأسلوب أدبي أيضا.

وسنجد أنفسنا، ونحن نقرأ الكتاب، أمام زمنين: الزمن المسترجع- أي زمن حدوث الأحداث، والزمن الكتابي- أي ما كان عليه شقير من آراء وأفكار وتصورات وهو يكتب. وأحيانا يكون الزمنان بعيدين، كما في الفصل الأول، حين كتب عن أخته أمينة وعلاقته بها، وأحيانا يكونان متقاربين، كما كتب عن علاقته ببشير في الطليعة. ماتت أخته أمينة قبل حرب حزيران، اما سليمان وبشير ومؤنس الرزاز فقد ماتوا في بدايات الألفية الثالثة تقريبا، وظل على صلة بهم. كان محمود، حين ماتت أخته، في شبابه، وحين كتب عنها غدا في الستين من العمر، وما بين الزمنين ألمت به تطورات كثيرة، ومر بتجارب كثيرة، ومن هنا نجده يعيد النظر فيما اتخذه من مواقف، ولو كان على ما غدا عليه، ولو امتد العمر بأخته أكثر لفعل وفعل وفعل. أمنيات محمود شقير هذه مردها إلى وعيه الفكري والسياسي وتجاربه المتنوعة.

وفي كثير من صفحات "مرايا الغياب" نجد أنفسنا أمام كاتب إنسان. صحيح أن شقير إنسان سياسي، وكان للسياسة حضور كبير في حياته، إلا أنه في نظرته لكثير من الأمور كان ينطلق من منطلقات إنسانية، وفي مواطن عديدة أشار إلى أن رؤيته كانت على قدر كبير من الرومانسية، وهذا ما لم يكن مثلا عليه السياسيون المحترفون، ممن يكونون أدباء، إذ كانوا سياسيين في تعاملهم مع كثير من القضايا، يغلبون مصلحة الحزب على غيرها. طبعا هذا لا يعني إنهم، بخاصة الذين كتب عنهم، كانوا مجردين من المشاعر الإنسانية، فلقد كانوا يضحكون ويمزحون ويسخرون ويحزنون أيضا.

وربما يبدو "مرايا الغياب"، في جانب منه، مهما لمعرفة النصوص الأدبية التي قرأها شقير، وتأثر بها، شخصا وكاتبا. وسيذكر أسماء كتاب وروايات، بخاصة من الأدب السوفيتي، تركت أثرها فيه وفي كتاباته، واتخذ مواقف في حياته وهو يستحضرها. إن الصورة التي شكلها لـ(لينين) كانت مستمدة في جانب منها من الأدب الروسي، وإن صورة الحزبي وكيف ينبغي أن يتصرف كانت مستمدة من روايات قرأها، مثل رواية "الأم" لـ(مكسيم جوركي)، وحين كان يرى صورة مغايرة في الواقع كان يفاجأ، لأن ما قرأه غير ما يراه.

وسيلحظ القارئ أن شقير، في فترة متأخرة، وتحديدا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، أخذ يعيد النظر في موقفه من الآداب التي كان معجبا بها، إذ لم تعد ترضي تطلعاته الجديدة، وقد أتى شقير على هذا في مقالات عديدة كتبها، وفي مقابلات عديدة أجريت معه، فلم يعد فهمه للواقعية الاشتراكية كما كان في بدايات حياته. كان فهمه فهما ساذجا مسطحا، كما يقول.

وسيتذكر قارئ "مرايا الغياب" وهو يقرأ ما كتبه الكاتب عن سليمان النجاب نماذج أدبية قيلت في الشخص نفسه، ترسم له صورة مشابهة أحيانا. سيتذكر المرء قصيدة محمود درويش في سليمان النجاب، قصيدته التي نشرها في ديوانه "لا تعتذر عما فعلت" (2003). كان سليمان ذواقة للأدب والشعر، يبدي رأيه فيما يكتبه الكتاب، وينقل رأيه إليهم.

وحين يكتب شقير عن أديب غاب، مثل مؤنس الرزاز، يكتب عن علاقته به، ولا يكتفي بذلك. إنه يكتب رأيه الذي شكله من قراءته الأولى، ورأيه الذي شكله من قراءته الثانية التي أنجزها بعد موت مؤنس. وسيربط شقير الذي عرف مؤنسا عن قرب، سيربط بين صاحب الروايات وأبطالها. كأنما كان مؤنس يعبر، على لسان بعض شخصيات رواياته، عما يعتمل في ذهنه هو. وسيبدو شقير هنا ناقدا أدبيا لروايات الرزاز (ص162). بل إننا نلحظ ما هو أبعد من ذلك، إذ سيأتي شقير على رأي مؤنس في قصص شقير، وسيفيد منه، وسيبدي لنا رأيه في بعض قصصه التي كتبها وهو واقع تحت تأثير أيديولوجيا الحزب، ولن تعود تلك القصص تعجبه. إن "مرايا الغياب" لا يكتب عن الغياب فقط، إنه يكتب عن شقير، وهكذا سيفيد منه دارس أدب شقير دراسة كبيرة أيضا، فهو في جانب منه سيرة أدبية للكاتب.

***

12- محمود شقير وقصة "صورة شاكيرا"

"صورة شاكيرا" عنوان إحدى المجموعات القصصية للقاص محمود شقير، وقد صدرت في العام (2003). ومنذ بداية القرن الجديد، القرن الحادي والعشرين، أصدر شقير أربع مجموعات قصصية هي على التوالي "مرور خاطف" (2002) و"صورة شاكيرا" (2003) و"ابنة خالتي كوندوليزا" (2004) و"احتمالات طفيفة" (2006).

وتتقارب "مرور خاطف" من "طقوس للمرأة الشقية" (1986) و"صمت النوافذ" (1991) من نواح عديدة أبرزها أنها قصص قصيرة جدا، وأنها قصص يغلب عليها طابع مشترك من السرد، هو السارد كلي المعرفة الذي يقص ويقص، ولا يترك المجال لشخوصه لأن يعبروا عن أنفسهم، فهو الذي يتكلم عنهم، كأنه خبير بكل خفاياهم، وكأنه أب متسلط أو معلم كلاسيكي متسلط أيضا يتكلم ولا يترك غيره يتكلم، ويعرف كأنما غيره لا يعرف، بل إنه يعرف عن الشخوص أكثر مما يعرفون عن ذواتهم، لسان حاله لسان حال المعلم يقول لتلميذه: أنا أعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك. ويقر شقير نفسه بهذا حين يكتب عن تجربته وقصصه التي أنجزها بعد هذه المجموعات الثلاثة. (الكرمل، ربيع 2005، عدد 83).
أما "صورة شاكيرا" و"ابنة خالتي كوندوليزا" فتتَقاربان من "خبز الآخرين" (1975) و"الولد الفلسطيني" (1977) من نواح وتختلفان من نواح أخرى. تتقاربان من حيث العودة إلى الكتابة عن البيئة التي نشأ فيها القاص، وهي مدينة القدس وقراها المحيطة، ومن حيث كسر هيمنة السارد كلي المعرفة الوحيد في القصة، إذ هنا يترك شقير لشخوصه أن يعبروا عن أنفسهم، وأحيانا بلغتهم لا بلغته هو، وهنا نلحظ اختلافا آخر عن مجموعات "طقوس" و"صمت" و"مرور"، وتطابقا مع "خبز" و"الولد"، فلم يعد هناك مستوى لغوي واحد يسيطر على القصة وعلى المجموعة كلها، هو العربية الفصيحة المكثفة، بل يبرز مستويان: الفصيحة التي هي لغة السارد، والعامية التي هي لغة الشخصيات. وقد أقر شقير أيضا بهذا. (الكرمل، ربيع 2005، ع83).

وتختلف مجموعتا "صورة" و"ابنة خالتي" عن مجموعات شقير السابقة كلها في جانب جديد برز فيهما، لم يبرز من قبل في كتاباته، وهو جانب السخرية والتهكم، إذ لأول مرة نقرأ له قصصا على قدر كبير من هذا، قصصا يضعها المرء إلى جانب قصص كتابنا الساخرين وأبرزهم إميل حبيبي ومحمد علي طه في بعض مجموعاته وكتاباته. ويعترف شقير أيضا في المقابلة نفسها بهذا.

ثمة جانب آخر أيضا يميز قصص هاتين المجموعتين عن بقية قصص شقير، وهو أنهما تضمان، إلى جانب الشخصيات المنتزعة من البيئة المحلية، شخصيات عالمية معروفة، سياسية ورياضية وفنية، مثل (شاكيرا) و(كوندوليزا) و(رونالدو). والقصد من وراء ذلك كما يقول الكاتب:
"أن ظاهرة شاكيرا، ورونالدو، ومايكل جاكسون، ورامبو وآخرين على شاكلتهم، تشير إلى إعلام العولمة الذي يصنع النجم الفرد، ويعلي من شأنه، ويجعله مثلا يتعلق به الجمهور حد العبادة، والوله المنفلت من كل حساب للمشاعر، وذلك على حساب قضايا أخرى حساسة تحتاج إلى العقلانية والنظر العميق الجاد" (الكرمل، 2005، ع83، ص202).

وهنا، ربما، يختلف شقير عن غيره من كتاب قصتنا القصيرة، فإذا كان هؤلاء استحضروا شخصيات تاريخية مثل النابغة الذبياني والزير سالم والهلالي وعروة بن الورد والمتنبي وأبي حيان التوحيدي وطرفة بن العبد، وهو ما نلاحظه في قصص أكرم هنيه وقصصي وقصص رياض بيدس، فإن شقير لم يفعل هذا- أي لم يستحضر شخصيات من الماضي ليكتب عنها- وإنما جعل قصصه تضم شخصيات عالمية معاصرة معروفة. وربما أكون فعلت ذلك، وإن على استحياء، في نصي "خربشات ضمير المخاطب" (1997)، وتحديدا في المقطع الأخير منه "هو وزوجته وعلامة الاستفهام" حيث استحضرت (كلينتون) و(ناتنياهو).

أصل الفكرة:

يذهب شقير إلى أن فكرة قصصه الجديدة تعود إلى العام 1982، وتحديدا في حينه حيث كانت مدينة بيروت تحاصر من الإسرائيليين، وتدك برا وبحرا وجوا، وتدمر، فيما كان أكثر المواطنين العرب، في العالم العربي، يتابعون مباريات كأس العالم، ويتظاهرون ضد حكم لم يكن منصفا، فيما لم تتظاهر إلا قلة قليلة لما يجري في بيروت. لقد رأى في الأمر مفارقة تدعو إلى التأمل، وتبعث الحزن، وتثير السخرية، فقرر أن يكتب قصصا تقوم على عنصر المفارقة:

"آنذاك، خطر ببالي أن أكتب قصصا قصيرة، تنبني على المفارقة الصارخة التي أنتجتها الوقائع: فثمة حصار، ودم، ودمار من جهة، وركض حر في الملاعب، وجماهير هائجة مشدودة إلى الكرة من جهة أخرى". (الكرمل، 2005، ع83، ص199).

ومرت الأيام، ولم يكتب، حتى التمعت الفكرة في ذهنه من جديد، في بدايات 2002 تقريبا:

"ذات ليلة، قبل سنتين، التمعت في ذهني شخصية شاب يريد أن يعبر عن ذاته ولو من خلال الوهم، بعيدا عن سطوة الجماعة وهيمنتها على حريته الشخصية، ورأيته يختار لوهمه شخصية رونالدو، لاعب كرة القدم البرازيلي الشهير، الذي راح يحجز له المقعد الأمامي في سيارة الأجرة التي يقودها على اعتبار أن رونالدو قادم لا محالة إلى الحي الذي يقيم فيه!" (الكرمل، 2005، ع83، ص199)
وهكذا أخذ شقير يكتب قصصا يختلط فيها الواقعي بالخيالي، والطريف أن (رونالدو) زار، بعد كتابة القصة، فلسطين، وما كان خيالا غدا واقعا، واحتفل به أهل فلسطين.

شقير وكسر النمط:

يختار شقير لمقالته التي نشرها في الكرمل (2005) "(ع83) عنوانا هو "الكتابة حين تكسر النمط"، وكان قد أورد أكثر ما قاله فيها في مقابلة أجراها معه معن سمارة، ونشرت في جريدة "الأيام" (رام الله) بتاريخ 8/6/2004. ويفصح شقير في المقابلة وفي المقالة عن مشروعه القصصي، ويسلمنا مفاتيحه كاملة لقراءة قصصه، وهكذا يصلح لأن يدرس ضمن مقولات نقدية يعتبرها البعض قديمة، هي مقولات قصد المؤلف، أو المعنى في بطن الكاتب. وربما تساءل المرء، بعد قراءة المقالة والمقابلة: هل من ضرورة للكتابة عن قصص شقير؟ ومن المؤكد أنه- أي القارئ- لن يتساءل إن كان ثمة ضرورة لقراءتها، فالكاتب يكتب إنه يكتبها لتحقيق متعة القراءة- أي علينا أن نقرأها لنستمتع. ولم يعد قصد شقير، من وراء كتابة قصصه الجديدة، مثل قصده من وراء كتابة قصصه القديمة. كان يكتب قصصه القديمة التي تحفل بالشعارات والأيديولوجيا للتوعية والتحريض والتغيير، وقد تخلى عن هذا، إلى حد كبير، في قصصه الجديدة التي إن برز فيها جانب سياسي، وهذا يبرز، فإنما يكون للفت الانتباه، لأنه لو أراد أن يعلن موقفا سياسيا لأعلنه في مقال، لا في قصة، وفي الأخيرة يريد أن يحقق متعة القراءة. هكذا أخذ يكتب قصصه الأخيرة، لإبراز المفارقة في حياتنا، ولتحقيق متعة القراءة، وليكسر نمط الكتابة:

"لم أعد معنيا بتكريس القصة القصيرة لأداء مهمة سياسية مباشرة، استجابة لذلك الفهم السطحي لوظيفة الأدب، باعتباره عنصرا فاعلا في المعركة، ولم أعد معنيا بسرد معضلات الواقع المباشرة التي يمكن أن ينهض بها تقرير صحافي، أو جولة لكاميرا التلفزيون.

أصبحت أكثر اهتماما برصد الأثر الداخلي الذي تتركه مشكلات الواقع على النفس البشرية، دون أن أحرم القارئ من إشارات غير ثقيلة وغير مملة لبعض جوانب هذه المشكلات، وفي الوقت نفسه تحقيق قدر عال من متعة القراءة التي يوفرها عنصر السخرية". (الكرمل، 2005، ع83، ص202).

لا يختلف محمود شقير هنا كثيراً عن محمود درويش. إن ما ألم بالأخير من تغيرات في الشعر وفهمه وموقفه منه، يتطابق معه تغير فهم شقير لوظيفة الكتابة. لكأن الأخير في باب القصة القصيرة مواز لدرويش في باب الشعر. وكنت قد التفت إلى درويش في غير دراسة ومقالة وكتاب (أرض القصيدة: جدارية محمود درويش وصلتها بأشعاره، 2001) و"الشاعر، من خلال شعره، منظرا" للشعر، الأسوار، عكا، 2003، عدد 25).

شقير والسخرية:

لجأ كتاب فلسطينيون إلى السخرية في بعض ما كتبوا وتجاوزها بعضهم إلى التهكم، وكما ذكرت يعتبر إميل حبيبي أبرز هؤلاء في الأدب النثري. وكان طوقان، في الشعر، أول أديب فلسطيني يلجأ إلى أسلوب السخرية، وقد تبع خطاه فيما بعد محمود درويش في بعض قصائده، بخاصة خطب الدكتاتور الموزونة التي لم يجمعها في كتاب، ومريد البرغوثي الذي أنجز قصائد تقوم على المفارقة، وقبل هذين معين بسيسو، في بعض قصائده، وبعض مسرحياته.

ويواصل محمود شقير هنا ما بدأه إميل حبيبي وتوفيق زياد في مجموعته "حال الدنيا"، وقد بدا فيها التهكم أوضح ما يكون. يلجأ إلى السخرية من الآخر والسخرية من الذات، ويقول عن سبب لجوئه إلى هذا ما كان قاله إميل حبيبي من قبل.
لقد توقف فاروق واي أمام جانب السخرية في أعمال إميل حبيبي الأولى، وذلك في كتابه "ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية" (1981) واقتبس من إميل المقولة التالية حول دلالة السخرية في أدبه:

"كان لي هدف معين وهو فضح سخف الاضطهاد القومي في إسرائيل، وأن أكشف عن ضعف الظالمين، وأن أقول للمظلومين إنكم أقوى منهم لو تعلمون، وكان علي في نفس الوقت أن أوجه انتقادات إلى مجتمعي المظلوم وأن أكشف عن نقاط ضعفه" (وادي، ص137 وما بعدها).
هل يختلف تفسير شقير للجوئه إلى السخرية عما قاله إميل. لنقرأ: "إن النزعة التهكمية الساخرة التي تظهر في قصصي هي نتاج الواقع المر الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال، وهي أسلوب في الكتابة التي تتعالى على جراح الواقع، ليس لجهة الهروب من مواجهته، وإنما لجهة تركيز الانتباه على ما يشتمل عليه هذا الواقع من انحراف عن أبسط معايير حقوق الإنسان والكرامة البشرية، ولتحقيق هذا التركيز، لا بد من وضع الآخر- الجلاد- تحت مجهر الفن وفضحه، ولتبيان خطر تصرفاته، وللسخرية منه في الوقت نفسه، والاستهانة به وبكل إجراءاته القمعية" (الكرمل، 2005، ع83، ص202).

وأيضا:

"وفي ذلك تعزيز للروح المعنوية للناس الذين يتصدون للاحتلال. ويستلزم هذا الأمر، كما أعتقد، ليس السخرية من الآخر والتهوين من شأنه وحسب، بل السخرية من الذات كذلك، السخرية من نواقص الذات وأخطائها، وذلك لجهة التخلص من هذه النواقص والأخطاء، ولخلق حالة جديدة وروح معنوية تمكننا من الصمود فوق أرضنا" (السابق).

القدس مكانا للقصص:

كانت القدس حاضرة حضورا لافتا في "خبز الآخرين" وبدا المكان، منذ أبعد شقير، لا يحضر في قصص المنفى حضورا لافتا. بدا المكان محددا وغير محدد: عمان، براغ، المقهى،.... الخ. ولم يكن هم الكاتب أن يكتب عن المكان ويبرز ما فيه من صراع وتناقضات. وسيعود شقير في "صورة شاكيرا" و"ابنة خالتي كوندوليزا" ليكتب عن القدس، وكان أنجز كتابه "ظل آخر للمدينة" عن القدس والتغيرات التي طرأت عليها في أثناء عشرين سنة من غيابه عنها. (1975- 1993).

تنطلق قصصه من القدس وتعود إليها، وهو لا يحاول التوثيق، يعنيه أن ينزل القدس من عليائها باعتبارها مثالا مجردا يتغنى به الفلسطينيون والعرب والمسلمون والمسيحيون، وباعتبارها أرض المحبة والسلام والتسامح والوئام، ومدينة التعددية والتاريخ العريق. إن ما يعنيه أن يكتب عنها باعتبارها مدينة واقعية، قد تغدو، مما تتعرض له من عملية تهويد منطقية، بعد سنوات قليلة، مدينة أخرى غير المدينة التي في الأذهان.
صورة شاكيرا نموذجا:

لو أخذنا قصة "صورة شاكيرا" من مجموعة "صورة شاكيرا" نموذجا للاحظنا فيها كل ما أوردناه سابقا: عدم سيطرة السارد كلي المعرفة، واللجوء إلى السخرية والتهكم، واستحضار شخصيات عالمية (شاكيرا) لتكون جنباً إلى جنب مع الشخصيات المحلية (طلحة شكيرات) و(روني)....الخ، وبروز القدس مكانا في القصة، واستخدام مفردات عامية، عربية وعبرية أيضا.

دال العنوان:

التفت دارسو قصص شقير، وهم يحللون نماذج منها، إلى دال العنوان ومكوناته، وقد فعلت هذا شخصيا وأنا أدرس قصة "أهل البلد" من "خبز الآخرين"، تماما كما التفت هؤلاء التفاتا كبيرا، في السنوات العشر الأخيرة، إلى العنوان ودلالاته في القصائد والقصص والروايات. ويبدو أن هذا لفت أنظار القاص إلى هذا الدال ومن هنا نجده في مقالته يتوقف أمامه ويبدي رأيه فيه، يكتب شقير عن عودته إلى القدس والحصار الذي يعيشه فيها، وعدم خروجه منه إلا عبر قراءة الكتب أو متابعة ما يعرض على الانترنت من مواد ثقافية مختلفة أو مشاهدة التلفاز وهكذا يجتمع ما هو محلي مع ما هو عالمي. وهذا بدوره يبرز في قصصه وعناوينها:

"من هنا يصبح مفهوما لماذا اخترت عناوين لقصصي، تحمل أسماء الشخصيات الشهيرة في ميادين الغناء وكرة القدم والسياسة وغيرها، وحينما أطلقت على مجموعتي ما قبل الأخيرة "صورة شاكيرا" فقد رأيت في هذا العنوان اشتباكا من نوع ما، مع ما تطرحه العولمة الأمريكية من إشارات لثقافة استهلاكية مسطحة تتخذ من بعض رموز الغناء والرقص والتمثيل والرياضة والإعلام وبرامج التسلية والترفيه، وسيلة لصرف أجيال الشباب عن الاهتمام بالمشكلات الحقيقية لهؤلاء الشباب أنفسهم، وللوطن، والناس، وإحاطتهم، من ثم، بأجواء زائفة مصطنعة، تفقر وعيهم، وتسلبهم القدرة على رفض الواقع السائد والتمرد على قوانينه الجائرة. (الكرمل، 2005، ص201).

وشاكيرا في قصة "صورة شاكيرا" تغدو هي المدخل كل مشكلة طلحة شكيرات ووالده مع الجندي الإسرائيلي (روني). يربط هذا بين اسم (شاكيرا) واسم (شكيرات)، ما يجعله يسأل على صلة القرابة بينهما، ويؤكد طلحة عليها، ويعد (روني) بإحضار أشرطة أغاني (شاكيرا) إليه، علّ الجندي الإسرائيلي يساعده ، ويخلصه من ساعات الانتظار الطويلة أمام مبنى الداخلية.

ويعلق طلحة صورة (شاكيرا) في بيته، ويعترض والده على ذلك، فالصورة عارية، ولا يجوز للأسرة المحافظة أن تعلقها في الصالون، بل وفي البيت. ولكن الأب يغض الطرف عن تعليقها في غرفة طلحة، طالما تحقق له مصالحه، بل ونجده- أي- الأب يقر بقرابة (شاكيرا) له، طالما أن (روني) معجب بها، وأنه، بناء على ذلك، سيسهل له المعاملات.

و(شاكيرا) ليس لها في القصة صوت. هي صورة، وهذه الصورة تجد احتراما لها واعتبارا من طلحة. إنها تبدو معبودته. ولأن (شاكيرا) كانت ذات تأثير على الجندي، ولأنها يمكن أن تسهل لطلحة ووالده معاملاتهما، فقد احتفظ طلحة بصورتها.

مكان القصة:

تجري القصة في مدينة القدس، وتصور معاناة مواطني المدينة العرب فيها، وهي بذلك تنضاف إلى قصص أخرى اتخذت من المدينة مكانا لها، أبرزها قصص "مقهى الباشورة" لخليل السواحري، وقصة "أبو جابر الخليلي" من مجموعة "البهلول" لتوفيق فياض، وقصص أكرم هنيه "عندما أضيء ليل القدس" و"صلاة في المرحلة السادسة" و"بعد الحصار.. قبل الشمس بقليل".

وما يجب أن يُقال هو أن هذه القصة لا تركز على المكان، بل تأتي على ما يعانيه مواطنوه ليس إلا، فهي لا تصف الشوارع أو أماكن دور العبادة، ولا تأتي على التغيرات المعمارية التي تطاله. ولعل شقير يلتفت في قصص لاحقة إلى هذا، بخاصة أنه، الآن، معني بهذا الجانب. وإن كان أتى عليه في كتاب غير قصصي هو "ظل آخر للمدينة".

الفلسطيني في القصة:

يأتي شقير، أيضا في مقالته في الكرمل، على طريقة إبرازه للفلسطيني في قصصه، فيكتب:
"وفي هذا الصدد أشير إلى أنني أحاول الذهاب إلى كتابة حديثة، تلقي الضوء على مناطق جديدة في التجربة الفلسطينية المعاصرة، وعلى الحياة اليومية بكل ما فيها من سيء وحسن، كتابة تنأى عن البلاغة الزائدة، وعن إثارة عواطف الشفقة والرثاء واستمطار شآبيب الرحمة على الفلسطينيين،... كتابة تعبر بصدق عن جوهر الواقع الفلسطيني، وتكشف دون تردد عيوبنا، باعتبارنا بشرا لا ملائكة. إن الإشفاق على الفلسطيني بحجة أنه منشغل بمقاومة المحتلين، وبذلك لا تجوز تعريته، ولا كشف نواقصه، إنما يسهم في تزييف صورة الفلسطيني، وفي تحويله إلى سوبر ستار أو مثال محنط بلا روح". (الكرمل، 2005، ص203).

وطلحة شكيرات في القصة فلسطيني يحاور (روني) ويهديه أشرطة، ويحب (شاكيرا) ويعلق صورها على جدران منزله. إنه مشغول بها أكثر من انشغاله بمقاومة الاحتلال. ومثله والده الذي يبدو رجلا نفعيا، فهو لا يحب أن تكون شاكيرا من العائلة لعريها، ولكنه يغض النظر عن بعض سلوكاتها، مما يتحدث عنه الناس، إذا كان في قرابتها ما يقدم له خدمات. لنقرأ الفقرات التالية من القصة، كما يرويها السارد، وهو ابن عم طلحة:
"لابن عمي علاقات كثيرة من هذا الطراز، وهو مقتنع بأنها ستعود عليه ذات يوم بالنفع العميم. مثلا، حينما راج الخبر حول علاقة الحب التي تربط شاكيرا بابن رئيس الأرجنتين، لم يعلق هذا الخبر بذهني سوى لحظة واحدة. أما ابن عمي فقد راح يوظفه في شبكة استعداداته للمستقبل" (ص53).
وعن عمه:-أي عم الراوي:

"اعتاد عمي الكبير أن يتفشخر أمام الناس، فيقول على نحو مثير للفضول: سأذهب إلى إسبانيا إلى زيارة ابنتنا!"
وكان هذا العم، حين يصغي إلى أقوال تشكك في سلوك شاكيرا، كان يشتمها:

"حينما يخلو عمي الكبير إلى نفسه، يميل إلى تصديق كلام أهل الحي: لولا أنهم شاهدوها ترقص عارية لما تحدثوا عن ذلك. كان يفاتح ابنه بهواجسه هذه، وفي بعض الأحيان كان يشتم شاكيرا بألفاظ نابية...." (ص51، ص52).
هذا الموقف المتناقض يبعث، لا شك، على السخرية التي هي لبنة أساسية من لبنات قصص "صورة شاكيرا" أكثرها. وأقول أكثرها، لأن بعض قصص المجموعة أنجز قبل العام 2002، وينتمي إلى قصص "مرور خاطف" ومرحلتها، لا إلى المرحلة الجديدة وقد أقر شقير بهذا.
اليهودي في القصة:

تأتي القصة على ما يقوم به المحتل من ممارسات قاهرة نحو الموطنين العرب، ممارسات فيها ضرب من الإذلال والسادية، حيث يعاني مواطنو القدس في حياتهم، وهم يلجأون إلى المؤسسات الإسرائيلية الرسمية لاستصدار تصاريح أو جوازات سفر. روني هنا لا نعرف عنه الكثير، لا نعرف عن طفولته وأسرته ونشأته. إنه جندي يحرس مؤسسة إسرائيلية ويكون تعامله مع العرب عابرا. قد يحادثهم أحيانا، وقد يهملهم أحياناً كثيرة، متلذذا بعذاباتهم. وهذه الصورة لمثل هذا الجندي تكثر في قصص كتاب الضفة والقطاع، ممن لم يروا اليهود إلا على الحواجز أو في المطارات. وعموما فإن محمود الشقير الكاتب الذي كان شيوعيا لم يبرز في قصصه صورا متنوعة متعددة لليهودي، علما بأنه عرف يهودا يساريين. لقد كتب عن (شلومو) في "صمت النوافذ"، يوم كان شقير، يقيم في المنفى، وأبرز له صورة اليهودي الجندي المرتبط بأمه القاسي مع المواطنين العرب.
الرواي الثاني داخل القصة:

هذا أسلوب جديد لم يكن شقير يلجأ إليه من قبل. وقد قال عنه في المقابلة التي أجراها معه معن سمارة:
"لعله أن يشير إلى الرغبة في إنهاء، هيمنة الراوي كلي المعرفة الذي عودنا على احتكاره للسرد وللحقائق التي يفصح عنها للمتلقي. الراوي الآخر الذي يحقق تدخله في النص من خلال الأقواس، يدحض آراء الراوي الرئيس حيناً، ويقوم بالإفصاح عن معلومات وحقائق لا يعرفها الراوي الرئيس حيناً آخر. إن في ذلك تأكيدا على تعددية المواقف التي يحتملها النص، وعلى أن للحقيقة أوجها مختلفة، وفي ذلك تنبيه للمتلقي بألا يأخذ كل شيء على اعتبار أنه حقيقة مسلم بها...." (الأيام، 8/6/2004).

وقد برز هذا في قصة "صورة شاكيرا" في غير موضع. بعضها يعزز ما يذهب إليه القاص، وبعضها لا يقدم ولا يؤخر، فلو حذفه لما تأثرت القصة في شيء، من ذلك مثلا ما ورد في السطر الأخير من ص53، وهو:

"سيروي له، إن سمح وقته، وقت (روني) نوادر كثيرة...".
وأما الراوي الثاني الذي يبدو له أهمية وقيمة، فيبرز في المثال التالي:

"مرة عمل عمي الكبير في التجارة. كان يذهب إلى إحدى القرى في موسم الزيت، يشتري خمسين تنكة من زيت الزيتون، يدخلها إلى مخزن أعدّه خصيصا لهذا الغرض ثم يخرجها منه لكي يبيعها وقد أصبح عددها مائة تنكة، (كانت لعمي طريقة بارعة في الغش) كان يدهن رقبته بزيت الزيتون خفية، متوقعا أن يستحلفه الناس إن كان الزيت الذي يبيعه لهم زيتا أصليا، يتظاهر عمي الكبير بأنه يحلف وهو يقول: على رقبتي زيت زيتون أصلي! فيصدقون". (ص54).

وقد يقول قائل أيضا إن ما بين قوسين- أي ما ورد على لسان الراوي الثاني من وجهة نظر شقير، لم يقدم ولم يؤخر، لأن القارئ بنفسه يدرك أن الخمسين تنكة، حين غدت مائة، إنما غدت بفضل الغش، إلا إذا كان القارئ غبيا جدا، وبالتالي يمكن حذف العبارة دون أن تتأثر القصة، هذا عدا أن الصوت هنا ليس صوت راو ثان./ إنه صوت الراوي نفسه.

طبعا يقر شقير، في المقابلة نفسها، أن هذا الأسلوب في السرد ليس من ابتكاره هو، فقد سبقه قصاصون عرب إليه.

كلمة أخيرة:

كما ذكرت يقول لنا شقير في المقابلة التي أجراها معه معن سمارة، وفي المقالة التي نشرها في الكرمل، يقول لنا كل شيء عن قصصه الجديدة:
"صورة شاكيرا" و"ابنة خالتي كوندوليزا". وربما نختلف معه بعض الشيء، ولكن ما من شك في أن هذه القصص هي أجمل ما كتبه شقير، وهي بذلك تحقق للقارئ متعة كبيرة لا أظن أن قصصه السابقة واللاحقة "احتمالات طفيفة" قد حققتها بالمقدار نفسه.

***

13- محمود شقير في احتمالات طفيفة: الكتابة كتابة على الكتابة

" احتمالات طفيفة " هي آخر إصدارات القاص محمود شقير (2006)، فقد صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ( بيروت وعمان )، ولم يحدد الكاتب على صفحة الغلاف جنس هذا العمل الأدبي، ولكنه – هو أو الناشر – في الصفحات الداخلية أشار إلى أنها قصص عربية قصيرة، وأن محمود شقير مؤلف من فلسطين.

حسب معيار اللغة إذن فالقصص عربية، ومؤلفها فلسطيني، غير أن أحداثها تجري في أمكنة ثلاث هي الأندلس وبراغ والقدس، وبالتالي فإنها حسب معيار المكان قصص عرب زاروا الأندلس، وبراغ ويقيمون في القدس. ولا أعرف إن كان الكاتب زار الأندلس، غير أني أعرف أنه أقام في براغ فترة، وولد في القدس وعاش فيها وأبعد عنها ثم عاد إليها في العام 1993 وما زال مقيماً فيها.

ومحمود شقير بدأ يكتب القصة القصيرة التي يعالج فيها الموضوعات الاجتماعية منذ بداية الستينيات، وهو ما يلحظه المرء في " خبز الآخرين "(1975)، وإثر الاحتلال الإسرائيلي لبقية فلسطين، في حزيران 1967، غدا يكتب القصص التي يعالج فيها الموضوع الوطني " الولد الفلسطيني "(1977)، ولما أبعد عالج موضوعات شتى: المنفى، والمرأة، والهم الوطني في فلسطين: تشتت الأسرة والانتفاضة، وعلاقة الذات بالآخر، والآخر ... الخ، وهو ما بدا في طقوس للمرأة الشقية "(1986) و " صمت النوافذ "(1991) و " مرور خاطف "(2002)، واختلفت طريقته في الكتابة بعد ذلك ليكتب قصصاً يخلط فيها بين المحلي والعالمي، وكما غدا المرء، من خلال الفضائيات، يشاهد، في اللحظة نفسها، كل ما يجري على سطح هذه الكرة، حيث غدونا أسرة واحدة، نحن ورونالدو وكوندليزا رايس، أسرة تعيش في مكان واحد، وقد تتآلف وقد تتنافر، وجدناه في قصته يكتب عن هذا، لتجمع القصة الواحدة بين مشاهد كرة القدم ورونالدو؛ البعيد عنا القريب منا.

ولعل هذه القصص أثر من أثار العولمة " صورة شاكيرا "(2003) و " ابنة خالتي كوندوليزا "(2004) فقد عاد شقير ليكتب القصة القصيرة، مبتعداً عن كتابة القصة القصيرة جداً التي غلبت على كتاباته منذ " طقوس للمرأة الشقية "، وربما منذ " الولد الفلسطيني "، ولكنه لم يكتب بأسلوب القصة التي بدت في " خبز الآخرين " وإن لامس في قصصه الجديدة الواقع كما لامسه في القصص الأولى. الملامسة هنا للواقع عبر عنها بأسلوب يختلف كلياً عن ذلك الذي برز في قصص البدايات. وإذا كانت السخرية والفكاهة لم تجد لها طريقاً في قصصه الأولى، فإنها في " صورة شاكيرا " و " ابنة خالتي كوندوليزا " حاضرة حضوراً بارزاً. ولا أدري كيف غابت الدعابة عن معظم نتاج شقير، وكيف غابت عن معظم نتاجنا الأدبي إلا أقله ممثلاً في كتابات إميل حبيبي، في المتشائل تحديداً، وفي كتابات توفيق زياد، بخاصة في مجموعته القصصية " حال الدنيا "(1974). إنها – أي كتابات شقير، ومن قبل كتابات حبيبي وزياد، كتابات تعبر حقيقة عن الشخصية الفلسطينية، في بعض قرانا وفي بعض مدننا، الشخصية التي تميل إلى الدعابة والمزاح والسخرية بشكل عام. وربما يعود السبب في ذلك الابتعاد، إلى أن كثيرين من كتابنا شغلهم الهم السياسي، وغدوا جادين ما أنساهم أن الإنسان لا ينفق وقته كله في السياسة. هل ابتعد كتابنا عن أبناء شعبنا ممن لا ينشغلون بالسياسة، وابتعدوا بالتالي عن روحهم المرحة التي تميل إلى الدعابة والمزاح والسخرية، وبالتالي لم يعبروا عنها. ربما يحتاج الأمر إلى مساءلة وتفكير أيضاً!

في " احتمالات طفيفة " يعود شقير ليكتب القصص القصيرة جداً، فثمة قصص تقترب حجماً من قصص " طقوس للمرأة الشقية "، وثمة قصص قليلة تقارب قصص " مرور خاطف ". هذا من حيث الحجم، ولكن ماذا عن الشخصيات واللغة. وكما ذكرت وأنا أكتب من قبل، وأنا أكتب عن شقير وقصتنا القصيرة الفلسطينية، كما ذكرت عن خصائص القصة القصيرة جداً، فإن قصص شقير، إلا أقلها، تخلو من ذكر أسماء الشخصيات، وتبدو ذات مستوى لغوي واحد هو الفصيحة، ويكاد الحوار يكون مصوغاً بلغة الكاتب. الحوار في هذه القصص قائم، لأنّ القصة تقوم على العلاقة بين طرفين: الرجل والمرأة. وهذه نقطة اختلاف عن قصص " طقوس للمرأة الشقية " و " مرور خاطف " وغيرها من القصص القصيرة جداً التي كتبها الكاتب. ففي هذه الأخيرة كان هناك سارد كلي المعرفة يسرد عن شخوصه الذين لم نكن نصغي إليهم. هناك، في " احتمالات طفيفة " الأمر مختلف كلياً. هنا القصص كلها، تقريباً، تقوم على الحوار. السارد هنا له حضور. إنه شخصية مشاركة، بل ومحورية في القصة، والشخصية الثانية في الغالب هي المرأة التي تسافر معه إلى الأندلس، أو التي تعمل في الفندق في براغ، أو أخواته في مدينة القدس.

على أن ما أورده الكاتب من أن " احتمالات طفيفة " هي قصص قصيرة قابل للمناقشة، وقابل للمساءلة. وربما تذكر المرء هنا ما كتبه النقاد عن " سداسية الأيام الستة "(1967) لإميل حبيبي، فقد رأى فيها قسم منهم قصصاً قصيرة، ودرسوها على هذا الأساس، ورأى قسم آخر أنها عمل روائي، ودرسوها وهم يدرسون الرواية العربية والفلسطينية. قصص " احتمالات طفيفة " تبدو ظاهرياً منفصلة عن بعضها البعض، فلكل قصة عنوان، ويمكن أن تقرأ وحدها، ولكنها قصص يترابط قسم منها مع بعضه البعض. والروابط كثيرة: المكان في الاحتمال الأول، والمكان في الاحتمال الثاني، والمكان في الاحتمال الثالث. وتبدو بعض الشخصيات حاضرة في غير قصة في كل احتمال. لنأخذ الاحتمال الأول مثالاً، فالقصص الأربعة الأولى: في الطائرة، وقماش، وصباح، وسوسن، تبدو مترابطة، بغير رابط. ثمة ما يجمع بينهما، ولكن الأمر يكاد يختلف في القصتين اللاحقتين: على غير ميعاد ورسالة. وحين يواصل المرء القراءة فسيجد أن ثمة قصصاً أخرى لاحقة لها صلة بالقصص الأربعة الأولى، وقد يجد أيضاً قصصاً أخرى تكاد لا تمت لها بصلة. ويمكن قول الشيء نفسه عن الاحتمالين الثاني والثالث. ولعل البحث عن الاتصال والانفصال، عن الترابط والاختلاف، يحتاج إلى دراسة منفصلة، ليس بين قصص الاحتمال الواحد، بل بين قصص المجموعة كلها، فثمة قصص في الاحتمال الثاني أو الثالث، قد تقرأ مع قصص الاحتمال الأول، ويمكن قول الشيء نفسه عن القصص المبعثرة التي أدرجها الكاتب تحت عنوان " أوراق مبعثرة " وألحقها بالاحتمالين الأول والثاني. مثلاً يستطيع المرء، وهو يقرأ القصص المبعثرة التي أدرجها الكاتب بعد الاحتمال الثاني، أن يربط بينها وبين بعض قصص الاحتمال الثاني، لأن هناك رابطاً واضحاً. قصة " شرفات " (ص96) على سبيل المثال، لها صلة بقصة ستانيا الواردة في ص67. ويبقى ما يربط بين أكثر قصص كل احتمال المكان: المدينة أو الفندق في المدينة. [ في الاحتمال الثاني ].

قصص محمود شقير هذه التي كتبها عن مدن عاش فيها، وربما عن تجارب مر بها، تقوم في بنائها على نصوص أخرى قرأها الكاتب، ويبدو أنه أعجب بها، ما يعني أن كتابته هذه هي، في الوقت نفسه، كتابة على الكتابة. وهذا يعني أن على قارئ المجموعة أن يقرأ النصوص التي قرأها شقير، ويربط بين نصوصه وبينها.

يصدر الكاتب الاحتمال الأول بالمقطع التالي من كتاب ( دون كيخوته ) لـ ( ثيرباتيس ) [ دون كيشوت لـ ( سرفانتيس ] " ليتني أموت أذا لم تكن لسيدنا دون كيخوته يد في ذلك " و " بالأمس كنت ملكاًعلى إسبانيا واليوم لا أملك برجا " يمكنني القول إنه لي ".

وربما لا يفهم قارئ المقطع الأول ما يعنيه إذا لم يكن مطلعاً إطلاعاً جيداً على رواية ( ثربانتس ). من هو المتكلم في المقطع الأول؟ أو من هم، فالضمير ( نا ) في سيدنا قد يعني شخصاً وقد يعني مجموعة ولعل المتكلم هو ( سانشو بانزا ) مرافق ( دون كيخوت ). ولعله آخرون. إن تحديد جهة المتكلم تتطلب أن يعاد إلى النص الأصلي، ومعرفة الجهة التي نطقت بالعبارة. أما العبارة الثانية فهي واضحة الدلالة. الناطق بها ( دون كيخوت ) نفسه، هذا الذي كان ملكاً على إسبانيا، ثُمَّ انقلبت أحواله، فما عاد يملك شيئاً. والذين قرأوا مراجعات لكتاب ( دون كيخوت ) يعرفون أنه – أي ( دون كيخوته ) يمثل الطبقة التي انقلبت أحوالها، الطبقة التي كانت حاكمة، وما عادت كذلك، طبقة الفرسان والنبلاء في العصور الوسطى التي حلّت محلها طبقة أخرى.

هل حال شخصيات قصص محمود شقير، وهي قليلة، تشبه حال ( دون كيخوته ) و ( سانشو بانزا )؟ ثمة شخصان يتحاوران هما ( دون كيخوته ) نفسه وتابعه؟ وفي قصص شقير " احتمال أول " شخصان يتحاوران هما الرجل والمرأة، وهذان يزوران الأندلس ويتجولان فيها، كما كان ( دون كيخوته ) وتابعه يتجولان؟ فهل لسان حالهما، وقد زارا الأندلس التي حكمها العرب قروناً وفقدوها، حال ( دون كيخوته ) وتابعه:بالأمس كنا نحكم إسبانيا، واليوم لا نملك برجاً يمكننا القول إنه لنا؟ ومن الذي له يد في ذلك: أبو عبد الله الصغير الذي ضيع ما لم يَصُنْهُ، فكان له يد في ذلك.

ربما يبحث المرء عن الموازاة بين بطلي القصص و ( دون كيخوته ) وتابعه! وربما يضطر المرء لأن يقرأ فصولاً من ( دون كيخوته ) حتى يفهم ما يرمي إليه محمود شقير، وهكذا يغدو نص شقير غير مكتمل بذاته، لأنه يستحضر نصوصاً أخرى تجدر قراءاتها. لماذا؟ لأن كتابته، في جانب منها، كتابة على الكتابة. وأنا أقرأ عن (دولثينا ) غاب عن ذهني قصتها، ما دفعني لأن أعود إلى الكتاب الأصلي – أي ( دون كيخوته ) نفسه، لأقرأ الفصول الثامن والتاسع والعاشر من، ولأسترجع قصة ( دون كيخوته ) و (دلثينا ). في الجزء الثاني من ( دون كيخوته ) ( دار المدى، 1998 – ص222 – ص240 ) حديث عن بحث ( دون كيخوته ) وتابعه ( سانشو بانزا ) عن دولثينا. حديث جميل وممتع وساخر أيضاً، و ( دون كيخوته ) يدعي ويكذب، ويحار به تابعه الذي يسخر منه. وحين يرسله ( دون كيخوته ) إلى المدينة ليبحث عن ( دلثينا )، لا يصل ( سانشو بانزا ) إليها، فيجلس في مكان قريب، وحين يرى ثلاث فلاحات يزعم أن واحدة منهن هي ( دلثينا )، ويصدقه ( دون كيخوته ). ولكن ( دلثينا ) التي يبحث عنها، تفر منه، فيلعن حظه العاثر:
" ولدت لأكون قدوة للبائسين، وهدفاً يرمي بسهام النحس. فهؤلاء السحرة الخونة لم يكتفوا بتحويل دلثينا، بل غيروها إلى شكل دميم ممسوخ دنيء مثل شكل تلك الفلاحة ".

وفي نهاية المقطع يسخر ( سانشو ) من ( دون كيخوته )، " ويجد مشقة في ضبط نفسه من الضحك، وهو يسمع بلاهات مولاه الذي غرر به تغريراً بارعاً .... ".

( دون كيخوته ) يدعي ويزعم ويعيش في الأوهام، فهل حين نبحث في قصص شقير نجد شخوصاً يعيشون على الأوهام. ربما. في قصة عنوانها سعيد يتظاهر سعيد بأنه إنسان مختلف عن الآخرين، وهو الذي يعمل وكيلاً لإحدى الشركات، يرهق نفسه في الكتابة على أمل أن يصبح كاتباً، غير أنه لم يتوصل إلى شيء متميز في هذا الميدان. وهي حائزة تجاهه الآن. لا يصل ( دون كيخوته ) إلى ( دلثينا )، ويحار ( سانشو بانزا ) في أمره.

وفي قصة " رمح " يحمل الشـخص رمحاً، ويحار لأنه لا يمكن إدخاله في المصعد. [ رمح ومصعد: القرون الماضية والقرن العشرون ]، ويتركه في الفندق، لكن إحدى العاملات تلحق به وتعطيه رمحه، فيحمله ويمضي إلى جانب زوجته "والناس من حولهما يخلعون قبعاتهم احتراماً لهما، ربما لاعتقادهم أنهما قادمان للتو، من القرن الخامس عشر". (ص31) ".

ويمكن أن يؤول المرء هذا ويفسره، وقد يتوصل إلى مقصد الكاتب وغايته، وقد لا يتوصل إلى ذلك. ولكنه يمكن أن يوازي بين سلوك ( دون كيخوته ) وسلوك من يحملون، منا، في عصرنا، الرماح لاستعادة ماض ما. بعضنا ما زال يحلم باستعادة الأندلس التي كنا أسياداً وملوكاً فيها، وما عاد لنا اليوم بيت فيها. حالنا حال ( دون كيخوته ). هل يمكن قراءة قصص الاحتمال الأول، بمعزل عن التصدير؟ لا أظن ذلك، ويمكن قول الشيء نفسه عن تصدير الاحتمال الثاني، وتصدير الاحتمال الثالث. ما يعني أن قارئ قصص " احتمالات طفيفة " مضطر لأن يقرأ ثلاث روايات هي: ( دون كيخوته ) لـ ( ثربانتس )، و ( الجندي الطيب تشفايك ) لـ ( ياروسلاف هاتشيك )، و " الواقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " لإميل حبيبي. وهي روايات فيها من التشابه، من حيث البناء، ما فيها. وربما قاده ذلك إلى إجراء مقارنات موسعة بينها على غير صعيد: السخرية والتظاهر واللغة. روايات فيها قدر من المفارقة بين الواقع وتصرف الشخصيات أفاد منها محمود شقير ولا شك، ولكن يبقى ثمة فارق بين تلك الروايات وقصص شقير فيما أرى، وهذا مجرد اجتهاد.

في الوقت الذي تقول فيه الروايات ما تقوله ولا يستعصي هذا كثيراً على القارئ، نجد أن قصص شقير على العكس من ذلك. يقتصد شقير في الأحداث، ويبتعد عن المباشرة، ويقول ما يقول بقدر كبير من الاقتصاد والاقتضاب، ما يجعل من فهم المقصود أمراً عسيراً. وكنت وددت لو أنه أفاض في التفاصيل أكثر. تبدو قصصه القصيرة، المترابطة فيما بينها، القائمة في بنائها على النصوص الثلاثة المذكورة، تبدو أحياناً عصية على الفهم، وتحتاج إلى كد ذهن ومساءلة واستذكار ما سبقها، وربما ما سيلحقها من قصص. وأظن أن السبب في ذلك يعود إلى تغير فهم القاص للأدب ولفن القصة القصيرة، فهو الذي بدأ يكتب القصة القصيرة الواقعية التي فيها قدر من المباشرة، ما عاد يعجب بهذا الأسلوب في الكتابة، وقد صرّح لي بذلك، وقام، وحين أصدر مجموعاته الثلاثة " طقوس للمرأة الشقية " و " صمت النوافذ " و " مرور خاطف " معاً في كتاب واحد عنوانه " ساحة صغيرة لأحزان المساء "(2005)، قام في بحذف بعض القصص التي تتسم بالمباشرة. وربما تكون هناك عودة للكتابة في هذا الموضوع. وهو أيضاً – أي شقير – الذي كان يفهم أدب المقاومة فهماً معيناً انعكس في كتابته مجموعة " الولد الفلسطيني "، وفي كتابته بعض قصص " صمت النوافذ "، غير من فهمه لأدب المقاومة، ورأى في قصة ( فيركور ) " صمت البحر " نموذجاً لأدب المقاومة الذي لا يحفل بالقتل والرصاص ومفردات السلاح الآخرى. وقد يكون هذا كله انعكس على " احتمالات طفيفة ".

وربما احتاج المرء إلى قراءات أخرى لأدب شقير كله، في ضوء التغييرات التي يلحظها المرء في مجموعاته، وفي ضوء تغير مفهومه للأدب، وفي ضوء ما شهدته وما تشهده الساحة الفلسطينية، والساحة الأدبية في العالم العربي.

***

14- محمود شقير والقصة القصيرة الفلسطينية

يعتبر محمود شقير واحدا من أبرز كتاب قصتنا القصيرة الذين اخلصوا لهذا الفن وكادوا يقصرون جل جهدهم للكتابة فيه وتطويره وابرازه ليحتل مكانة يلتفت اليها، كما كان يلتفت الى الشعر واصبح يلتفت الى الرواية. وشقير، في حدود ما أعرف ، لم يكتب في غير هذا الجنس الا نادرا، وأقصد بذلك أنه لم يلتفت الى الرواية ضاربا عرض الحائط بالقصة القصيرة، كما فعل بعض أفراد جيله مثل يحيى يخلف ورشاد ابو شاور، ولم يلتفت الى السياسة التفاتا يقصي الاديب فيه كما فعل ماجد ابو شرار وحكم بلعاوي، ولم يصبح ناقدا اكثر منه قاصا كما اصبح صبحي شحروري. وما كتبه شقير من قصص قصيرة للاطفال ، ومن مقالات سياسية واجتماعية وفكرية لم تجعل منه كاتبا سياسيا بالدرحة الاولى، أو مصلحا اجتماعيا، كما أن النصوص المسرحية والتمثيلية التي انجزها لم تجعل منه كاتبا مسرحيا متميزا. وعليه فقد ظل شقير قاصا بالدرجة الاولى، قاصا التفت الى هذا الفن، واخذ يكتب فيه ويطور رؤيته اليه، وهذا ما يتضح من خلال مجموعاته التي اصدرها، وهذا ما سأوضحه في سياق هذه المقالة.
بدأ محمود يكتب القصة القصيرة في الستينيات، وعليه فانه يمكن ان يصنف- بناء على قراءتنا لخريطة القصة القصيرة الفلسطينية- مع الجيل الثاني، الجيل الذي تلا جيل خليل بيدس والايراني ونجاتي صدقي وعبد الحميد ياسين وعارف العزوني؛ هؤلاء الذين أسسوا لهذا الفن من خلال الترجمة اولا، والتأليف ثانيا، وكانوا، يوم بدأ شقير الكتابة، قد أعطوا كل ما عندهم تقريبا. ولم يتزامن معهم كتابة الا قليلا، فمنهم من كان انتقل الى رحمة الله، ومنهم من توقف عن الكتابة او كاد.
ويتمثل الجيل الثاني من كتاب القصة القصيرة في سميرة عزام ونجوى قعوار فرح وغسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا، على قلة ما كتبه الاخير في هذا الجنس الادبي. وقد بدأ هؤلاء الكتابة في اوائل الخمسينيات او قبل ذلك بقليل- أي بعد مرور ربع قرن على اصدار أول مجموعة قصصية في الادب الفلسطيني، وهي مجموعة خليل بيدس "مسارح الاذهان" (1924). وقد أصدر هؤلاء الكتاب، في نهاية الخمسينيات، أولى مجموعاتهم التي توالى صدورها في الستينيات، الفترة التي بدأ شقير ينشر فيها قصصه، وقد نشر جزءا منها، فيما بعد، في مجموعة "خبز الاخرين" التي صدرت عن منشورات صلاح الدين في القدس عام 1975.
ولقد نهج القاص، كما نلحظ في مجموعته الاولى، نهجا واقعيا، وكتب القصة الواقعية- اذا جاز لي استخدام هذا المصطلح الفضفاض- تقليدية الشكل، القصة التي لم تتجاوز من حيث شكلها الفني القصص المنجزة من نجاتي صدقي والايراني. ويعتبر هذا امرا طبيعيا فلم يكن عود الكاتب قد اشتد بعد، ولم تكن اسئلة مثل البحث عن شكل جديد وتطوير ما يكتب اسئلة تشغل باله، وهي اسئلة اخذت فيما بعد تحتل حيزا من تفكيره. لقد كان القاص في بداياته، - وهو الذي بدأ حياته الفكرية قريبا من اليسار، - مشغولا بهموم اخرى غير الهم الشكلي، وتحديدا بهموم الطبقات الفقيرة المستغلة البائسة. وقد رأى عالم الفلسطيني - وهو ابن الريف الذي لم يتعرف الى حياة اللاجئين عن قرب، خلافا لماجد ابو شرار وغسان كنفاني- ينقسم الى قسمين : عالم المدينة وعالم القرية. وفي المدينة يعيش الاغنياء الذين يتنعمون بالمال، خلافا لمعظم سكان القرية الذين يعانون الفقر ويكابدونه .
وتعتبر قصة "بقرة اليتامى" واحدة من قصص تلك المرحلة، وهي توضح لنا رؤية القاص ومنظوره. ثمة اغنياء يمتكلون البيوت الجميلة ذات الحدائق، وثمة ريفيون فقراء يعملون في حدائق الاغنياء ، ريفيون سرعان ما يتخلى عنهم اذا ما ضعفت قواهم ووهنت. ويوظف القاص في قصته الحكاية الشعبية التي حمل اسمها عنوان القصة. يروي ابو اسماعيل الفلاح الريفي الحكاية، رواية تعبر عما حدث معه، وكان قد طرد من عمله لأنه اصبح ضعيفا، يرويها على النحو التالي :
"كانت لليتامى بقرة.. أمسكها الاغنياء وذبحوها وسلخوها.. و.. وقاطعه احد اطفاله بحماس:
لا يا أبي حاولوا ان يمسكوها.. وتمنى اليتامى:
يا رب لا تجعلهم يمسكونها.
وانتفض الاب :
- لا ..أمسكوها وذبحوها وسلخوها وأكلوها وناموا مبسوطين.
وامتعض الاطفال ..وناموا يحلمون ببقرة ذات قرون صلبة. كالرماح .. تعدو في جموح ثائر عبر الحقول .. بينما تندحر بعيدا من حولها الذئاب".
وكأن شقيرا كان يعبر في قصته تلك عن امتعاضه من بؤس الواقع ايضا، ولهذا انضم الى اليساريين، وأخذ يعمل من خلال تنظيماتهم علّ البقرة تعدو في جموح ثائر عبر الحقول لتدحر الذئاب.
وما كاد القاص يمتلك أدواته الفنية ليعبّر عن هذا الامتعاض تعبيرا أكثر نضجا حتى اندحر الاغنياء والفقراء معا أمام الاحتلال، وأصبح شقير يعبر عن هموم أخرى شغلت الحيز الأكبر من تفكيره واهتماماته، هموم كادت تبعده عن فنه الذي احبه - أي فن القصة القصيرة - وأعني بتلك الهموم الهم السياسي. وقد كان إبعاده سببا من أسباب عدم عزوفه عن كتابة القصة القصيرة نهائيا، اذ وجد في المنفى فسحة من وقت ليعاود الكتابة الادبية.
في المنفى بدأ القاص يستلهم تجربة الاحتلال ويعبر عنها، وقد عبر ايضا عن تجربة النفي، وأفاد في اثناء ذلك من التطورات التي ألمت بفن القصة القصيرة منذ نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات، وهو ما لم يستطعه في أثناء إقامته في القدس بسبب الحصار الثقافي الذي عانى منه سكان المناطق المحتلة. ولقد اختلفت مجموعة "الولد الفلسطيني" (1977) اختلافا بيّنا عن "خبز الاخرين". أصبح المحتلون، لا البرجوازية الفلسطينية، من يضطهد الفقراء ويقمعهم، ورأى القاص في الاحتلال، لا في الأغنياء، الذئاب التي ينبغي ان تندحر. حلم شقير، في هذه الفترة، بوطن لا يحتله الاعداء، وطن يعود اليه بعد ان أبعد عنه، وكتب عن مقاتلي الحرية، كتب هذا بأسلوب اختلف، الى حد كبير، عن الاسلوب الذي بدا في المجموعة الاولى. ثمة تقنيات جديدة تمثلت في الرمز الشفاف وتقطيع القصة الى مقاطع والابتعاد عن لغة السرد الواقعية لدرجة الملل، لغة استبدلها بأخرى تقترب من لغة الشعر التي عبرت عن مشاعر الكاتب ووجدانه. وعلى الرغم من ذلك فقد ظل القاص، حتى تلك الفترة، يصور شخصيات واقعية، وهذا ما بدا في قصة "الخروج" وقصة "القرار".
وهنا يمكن أن نقف أمام مجموعتيه "طقوس للمرأة الشقية" (1986) و "ورد لدماء الانبياء " (1990)، وقد أصدر الاخيرة تحت عنوان آخر هو "صمت النوافد " (القدس، 1995).
وكان ينبغي ان تثير هاتان المجموعتان العديد من الاسئلة، فيما يمس فن القصة القصيرة الفلسطينية، وبخاصة من نقاد الداخل الذين لاحظوا بدايات لهذا الشكل القصصي منذ عام 1977، بدايات لم تتواصل ليصدر الكتاب مجموعة قصصية متكاملة تحتوي على قصص تقترب شكلا من قصص "طقوس للمرأة الشقية"، وأذكر انني كتبت بتاريخ 12/11/1977 مقالا نشرته في جريدة الفجر اتساءل فيه عن هذا اللون من الكتابة واحدد موقفا منه. ولسوف أغض النظر عن ذلك المقال الذي كتبته يوم كنت كاتبا مبتدئا، فزمن القاريء ، كما يقول النقاد، زمن متغير متحرك، وقراءة النص في فترتين مختلفتين قد ينجم عنها رأيان مختلفان فيه. ولكني أثير التساؤل التالي : أين يدرج الناقد الادبي قصص مجموعتي شقير الاخيرتين؟
يبرم محمود شقير، حين يكتب على غلاف مجموعتيه "قصص قصيرة جدا"، عقدا مع قرائهما انه يقرأ قصصا قصيرة جدا لا غير. واذا ما عاد المرء الى بعض الدراسات النقدية الخاصة بالاجناس الادبية فسيجد ان النقاد قد اشاروا فيما كتبوا نظريا الى فن القصة القصيرة جدا. ففي دراسة (Hagen Meyerhoff) "القصة القصيرة" المدرجة في كتاب "أشكال الادب" الصادر في شتوتجارت (ألمانية) (1981) - وهو كتاب اعده (Otto Knorich) نجد (مايرهوف) يذهب الى ان هناك سبعة اسماء تدرج تحت باب القصة القصيرة هي :
(Novel, novelette, tale, story, short novel, moderen short story, short short story)
ويبقى حجم الكلمات آلة التمييز الفعالة لمثل هذه التسميات. وان كان هناك من يميز بينها بناء على عدد الشخصيات واتضاحها وعدمه، واسلوب القاص، ولجوء القاص الى الوصف او عدم اللجوء اليه، وتكثيف اللغة او الاسترسال فيها.
وليس هناك من شك في أن محمود شقير كان واعيا لهذا، حين كتب على الغلاف ما كتبه. وسيلحظ المرء ان شخصيات قصصه في مجموعتيه تكاد تصبح دون ملامح فردية - وإن كان احيانا يمنحها اسماء خاصة دالة مثل قصة شلومو التي يوحي اسمها بقومية بطلها - ، وتبدو الشخصيات دون ملامح فردية في كثير من قصص المجموعتين، ومنها قصة "مقاومة" (ص 16)، وقصة "غزو" (ص21) ، وقد وردت كلتا القصتين في "صمت النوافذ".
وسيلحظ المرء ان لغة القاص تكاد تقترب، من حيث كثافتها ، من لغة الشعر الغنائي. ثمة لغة مكثقة الى ابعد الحدود، لغة صوت واحد هو صوت القاص، فنحن في هاتين
المجموعتين لا نصغي ، خلافا لما كان الأمر عليه في "خبز الاخرين" و "الولد الفلسطيني"، لأصوات الشخوص. ولو قارنا بين قصتي "بقرة اليتامى" و "الخروج" وبين قصتي "مقاومة" و "غزو" للاحظنا ذلك واضحا. تتعدد في قصة "الخروج الاصوات، وتتنوع اللغة وتختلف. ثمة لغة للراوي واخرى للشخصية، وهذا ما نفتقده في اكثر قصص مجموعتيه الاخيرتين، ويمكن ايراد القصة التالية من مجموعة "طقوس للمرأة الشقية" لتبيان ذلك :
"خيبة
المرأة العانس لم تكن قد اخذت زينتها بعد، حينما اقتحم عليها الباب موظف الفندق ليخبرها ان الجهة المضيفة قد توقفت عن تسديد الفواتير.
المرأة العانس بكت، لأن موظف الفندق شاهد بأم عينيه طاقم اسنانها منقوعا في كأس ماء قرب سريرها الميت، وهي لم تأخذ زيننتها بعد"
ونحن حين نقرأ هذه القصة انما نصغي الى صوت القاص يقص عن امرأة لا اسم لها، ولا ملامح فردية لها ايضا تميزها عن غيرها من كثير من النساء. انها امرأة اقرب الى النمط منها الى النموذج، ونحن فوق هذا كله لا نصغي الى صوتها اطلاقا، فثمة من يقص عنها حكايتها .
وكتابة محمود شقير القصة القصيرة جدا تعود اليه، ولا يستطيع الناقد أن يحول بينه وبين كتابتها ما دامت جنسا ادبيا مقرا به ومعترفا به ايضا، ما دامت جنسا ادبيا وجد من النقاد من يلتفت اليه ويدرسه. ومن الطبيعي ان نجد نقادا اخرين يقللون من شأن هذا اللون من الكتابة ولا يعتبرونه قصة ذات مغزى.
ولكن المرء، وهو يتابع مسيرة محمود شقير القصصية، يثير العديد من الاسئلة ، منها ما يتعلق بالسبب الذي جعل محمود يلتفت الى القصة القصيرة جدا ويعزف عن كتابة القصة القصيرة؟ فهل يكمن سبب ذلك في كتابته هذه القصص يوم كان ينشر زاوية اسبوعية في جريدة الاخبار الاردنية، الزاوية التي كانت ، الى حد ما، محدودة الحجم ؟ أم يكمن السبب في ان القاص، بعد ابعاده، اصبح يعيش في بيئة محدودة، بيئة لا يعرف بشرها معرفة جيدة، كما كان الوضع عليه يوم كان يقيم في القدس، ومن هنا فقد اخذ يكتب عن شخوص يلتقي بهم التقاء عابرا، أو اخذ يكتب قصص افكار، أو قصصا يستوحي احداثها او فكرتها من خلال قراءاته للصحف ومتابعته للاخبار. واستطيع ان اوضح هذا اكثر: يلحظ القاريء لقصص شقير في مجموعتيه الاخيرتين انه كان احيانا يكتب عن تجارب لم يكن شاهدا عليها، ولم يعرف شخوصها، وأدلل على ذلك بقصتي "شلومو" و "غزو"، ويلحظ القاريء ايضا انه كان احيانا يعبر عن تجربة النفي وحياته في الغربة والمنفى، وكان قد كتب عن هذا في مجموعة "الولد الفلسطيني"، وأستطيع ان ادلل على هذا من خلال الاشارة الى قصة "لقاء" من مجموعة "صمت النوافد" (ص 74)، وقصة "عهد" من مجموعة "طقوس للمرأة الشقية" (ص 31)، وهما قصتان تقتربان من قصة "ثلاث قصص قصيرة" التي وردت في مجموعة "خبز الاخرين وقصص اخرى" (85)، والاخيرة تضم قصصا من مجموعة "الولد الفلسطيني".
وتبقى نقطة اخيرة يجدر ان يشار اليها في اثناء الكتابة تحت العنوان المختار الذي فرض علي توظيف غير منهج نقدي مثل المنهج التاريخي والمنهج الايديولوجي والمنهج الجمالي، وهي : ما الأثر الذي تركه محمود شقير على قصتنا وقصاصينا ؟
كان شقير من اوائل قصاصينا الذين لجأوا الى التجريب، ولقد صدرت مجموعة "الولد الفلسطيني" عام 1977 في القدس، ولم يكن القصاصون ، من قصاصي الضفة والقطاع، الذين كتبوا القصة يوظفون مثلا اسلوب تقطيع القصة الى مقاطعكما لم يكونوا، وبخاصة قصاصو الداخل وعلى رأسهم اميل حبيبي ومحمد علي طه وحنا إبراهيم ومحمد نفاع وسلمان ناطور، يكتبون بلغة شفافة فيها قدر عال من التكثيف، لغة تقترب احيانا من لغة الشعر. وكانت اول مجموعة تصدر في الداخل يظهر فيها النهج الذي نهجه شقير هي مجموعة محمد علي طه "عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر" (1978)، وكان نشر قصصها على صفحات جريدة "الاتحاد" ومجلة "الجديد" اللتين لم تكونا تصلان الى المناطق المحتلة عام 1967، ولكن تأثر ادباء الضفة وقطاع غزة بمجموعة شقير المذكورة - أي الولد الفلسطيني- بدا واضحا وضوحا بارزا في قصص زكي العيلة "العطش" (1978) وغريب عسقلاني ومحمد كمال جبر، ومن بعد اكرم هنية هذا الذي عاش في العالم العربي ودرس في القاهرة الادب الانجليزي، وبالتالي فانه مثل شقير أفاد من تطورات القصة القصيرة في الادبين العالمي والعربي، وهو ما بدا في مجموعته القصصية الاولى "السفينة الاخيرة .. الميناء الاخير" (1979) وفي مجموعاته القصصية اللاحقة .
ولقد اصبح شكل القصة القصيرة جدا شكلا ادبيا له في ادبنا حضوره البارز ،
وهو ما يلحظه المرء في كتابات زياد خداش "موعد بذيء، مع العاصفة" (1996) وكتابات ايمان بصير" جسد من بخور" (1997) وكتابات غيرهما ايضا. ويستطيع المرء مثلا ان يقرأ قصة "أمومة" لايمان بصير، أو قصة من قصص خداش التي ادرجها تحت عنوان "معزوفات قصصية قصيرة على قيثارة القهر" ليلحظ انها لا تختلف عن قصة "خيبة" لشقير، وهي القصة التي اوردتها في هذه المقالة، ويمكن ان اورد احدى معزوفات خداش ليقارن القاريء الذي تنقصه المجموعة هذه الاقصوصة باقصوصة شقير :
"بؤس
الفتاة الشرقية الناعمة التي تزوجت هذا اليوم وتنتظر الان زوجها على فراش وثير فكرت مليا في نصائح صديقة قديمة لا تذكر اسمها الان : كوني عاقلة في الفراش وردي على القبلة المحمومة بلثمة خفيفة".
وهي اقصوصة مكثفة جدا لا نلحظ فيها ملامح فردية للشخصيتين ، فلا اسم لهما، ولا زمان محدد تجري فيه الاحداث ، ولا مكان ولا وصف ولا حوار ولا استطراد، وهذا عموما ما يلحظه المرء في كثير من القصص القصيرة جدا، ويبقى للكتاب اجتهادهم !!
* * *
ملاحظة :
بعد نشر هذه الدراسة في مجلة "دفاتر ثقافية" قرأت تعقيبا عليها من القاص محمد علي طه تحت عنوان "عدالة الدكتور عادل" نشر في العدد الحادي عشر من "دفاتر ثقافية" - تموز 1997. وقد أفدت من بعض ملاحظاته وأغفلت أكثرها، ولعل القاص يجد لي بعض العذر، فلم تكن "الاتحاد" و "الجديد" في السبعينيات تصل الينا. وما أستغربه أنه لم يكن اطلع على مجموعة شقير "الولد الفلسطيني" (1977)، وعرفت من القاص، قبل عامين، ايضا انه لم يقرأ كتابتي عن مجموعته، وقد نشرتها عام 1981 في جريدة "الشعب" تحت عنوان "نزعة التجريب في مجموعة محمد علي طه عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر". وأرى ان لغة شقير في مجموعته تختلف اختلافا كليا عن لغة قصاصي الداخل في حينه.


***

15- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين": الحزبي حين يعود إلى طبيعته

قرأت النافذة الأولى من مجموعة محمود شقير القصصية الأخيرة " نوافذ للبوح والحنين " التي صدرها القاص بسطر ل ( دوستوفسكي ) هو " القيام بخطوة جديدة هو أكثر ما يخشاه الناس " والسطر دال بما فيه الكفاية ، وهو في صلب مقولات نظرية التلقي الألمانية التي يعد ( هانز روبرت ياوس ) من أبرز أعلامها .
يتوقف ( ياوس ) أمام تعاطي القراء مع الأعمال الأدبية الجديدة التي يخالف جنسها وأسلوبها ما اعتادوا عليه من أجناس وأساليب ، إذ تتشكل لديهم ردود أفعال مختلفة أبرزها وأكثرها هو رفضها ؛ لأنها خالفت أفق توقعهم إلا من كان ذا عقل مرن منهم ، فقد يتعامل معها وينظر فيها وقد يستسيغها وقد لا يستسيغها . إن استساغها فقد يرى فيها جنسا وأسلوبا جديدين يضيفان إلى معارفه معرفة جديدة .
ومنذ مجموعاته اللاحقة لمجموعته الأولى " خبز الآخرين " وهو يحاول أن يخطو خطوات جديدة ، فيجرب ويكتب القصة القصيرة جدا وقد يلجأ إلى الفكاهة والدعابة و ... .
وعلى الرغم من تجديده ، منذ فترة مبكرة ، في الشكل ، إلا أن شخصية الحزبي الملتزم الجاد الصارم ظلت تطغى على كثير من أعماله ، فلم يكتب من أجل إمتاع القاريء إلا في بداية العقد الأول من القرن الحالي ٢١ ، وهو ما بدا في " ابنة خالتي كوندليزا " و " صورة شاكيرا " .
في " نوافذ للبوح والحنين " ينفلت القاص من إسار شخصية الحزبي الجاد الصارم انفلاتا تاما ليعود إلى ما تمتاز به الشخصيات الفولكلورية التي تتمتع بخيال واسع وبروح فكاهية مرحة ، فتخلط الجد بالهزل والسياسي بالأسري والمحلي بالعالمي ، وتنقد وتلسع وتغمز وتلمز وتلمح و ... وكان إميل حبيبي في " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " ( ١٩٧٤ ) و " لكع بن لكع ( ١٩٧٩ / ١٩٨٠ ) وتوفيق زياد في " حال الدنيا " ( ١٩٧٥ ) انفلتا من شخصية الحزبي الجاد الصارم وكتبا بأسلوب ساخر يبعث على الضحك .
ينتقد محمود شقير العلاقات الأسرية التي يتسلط فيها أخ على آخر ، ويتوقف أمام شتائم الرؤساء للدول ، ويشير إلى خوف الأفراد من أنظمة الحكم القمعية ، ويعبر عن أمنيات الفلسطيني بزوال الاحتلال وبالعيش في أرضه بلا خوف ومستوطنات ، ويكتب عن أوهام قسم منا حين يعبرون عن إعجابهم بجميلات أوروبيات يتمنون لو كانت الواحدة منهن زوجة له و ... .
من أراد أن يقرأ ويستمتع ويضحك في زمن عز فيه الضحك ، فإن " نوافذ للبوح والحنين " تحقق له هذا ، ولعل من قرأ أعمال شقير السابقة يستمتع أكثر ، فالقصص فيها قدر من الحنين إليها - أي أعماله السابقة .
مبارك هذا الإصدار للقاص محمود شقير . هل كان الانتماء الحزبي هو سبب جدية كتاباته الأولى ؟ هل تأثر بصرامة الحزب وسطوته وضرورة أن يكون المرء جادا ، حتى يعطي مصداقية لما هو فيه ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٧ / ٢٠٢٣ .

***

16- محمود شقير في " نوافذ للبوح والحنين " : خلط الجد بالهزل ( ٢ )

يصدر محمود شقير النافذة الثانية من مجموعته القصصية " نوافذ للبوح والحنين " بمقولة للكاتب الكولومبي ( غابرييل جارسيا ماركيز ) هي :
" الحياة (...) لا تكمن عظمتها إلا في أدبية ما نكتبه عنها "
ويمكن أن تؤول العبارة تأويلات عديدة ، ويمكن الانتباه إلى " عظمة الحياة " و " أدبية ما نكتبه عنها " .
مقابل العظمة هناك الضعة ، والعظمة تتحقق في أدبية الكتابة ، وما لم تكتب الحياة كتابة أدبية فلن تتحقق لها العظمة ، ولا أعرف ما هو السياق الذي قال فيه ( ماركيز ) ما قال، عدا أن إنجاز الأدبية والإقرار به قد يختلف من ناقد إلى آخر ومن عصر إلى عصر مختلف وربما من شعب إلى شعب آخر .
هل قصد محمود شقير أن الحياة إن لم تكتب كتابة أدبية لا تتحقق لها العظمة؟
ويبقى سؤال الأدبية موضوع نقاش .
ثمة عبارتان استوقفتاني في النافذة الثانية ؛ الأولى هي ما قاله محمد عن رهوان " بدا عليه أنه نسي الأمر تماما ، أو أنه تقصد أن يتخوت علي " والثانية " تأملت وجهه مليا ، ولم أعرف فيما إذا كان جادا أم هازلا في دعواه ".
إن الفعل " يتخوت " والمقولة " إذا كان جادا أم هازلا" هما ما يرسخان في الذهن بعد قراءة النافذة الثانية . إنهما مفتاح شخصية رهوان . هل كان في طلباته من محمد يتخوت عليه وهل كان حقا جادا أم هازلا؟
كان الجاحظ من الأدباء الذين يخلطون الجد بالهزل ، وفي الأدب العالمي الكلاسيكي قمم أدبية تركت لنا شخصيات خالدة صارت شخصيات أدبية بامتياز . " دون كيشوت " للإسباني ( سرفانتيس ) و " الجندي الطيب شفيك " للتشيكي (ياروسلاف هاتشيك)، ورهوان ليس بعيدا عنهما ، وقد تناص محمود شقير مع هذين العملين في مجموعته " احتمالات طفيفة " . إن رهوان خارج من رحمهما ، فهو يشبه الأول في أوهامه ، وهو يشبه الثاني في سرعة استجابته وتنفيذه دون اعتراض لما يطلبه منه محمد .
يريد أن يكون مرافقا لماريا زخاروفا ويطمح أن يكون مرافقا لرجب طيب أردوغان و .. و .. وحين يحتار محمد في أمره يقول له بهدوء وثبات :
- يا رهوان . اشرب قهوتك ولا تدعني أراك .
ويشرب رهوان قهوته باستعجال وينهض ويستدير و " مضى خارجا من دون كلام " .
هل تحققت أدبية الأدب بأن جعل القاص من شخصيات الواقع شخصيات أدبية ، فصار رهوان صنو دون كيشوت والجندي شفيك ؟
إن خلدت شخصية رهوان في الاذهان وصارت شخصية أدبية مثل الشخصيتين المذكورتين فإن محمود شقير يكون جسد مقولة ( ماركيز ) .
ليس تصدير النافذة بعبارات مقتبسة لأدباء عالميين أو لمفكرين أو سياسيين أو صوفيين أو حتى من كتابات الكاتب نفسه عبثا . من المؤكد أنه ليس اقتباسا تزيينيا أو إظهارا لقدرات أو مفاخرة . ثمة صلة بين التصدير وما يليه وعلينا أن نبحث عنها . هل ستلفت شخصية رهوان انتباهنا إلى مثيلاتها في حياتنا ؟
لم يبق شخص احتككت به في الثلاثين سنة الأخيرة إلا حاول أن يتخوت علي أو أن يمثل دورا ، فكان ينطق ، واحتار أنا في كلامه : أجاد هو ام هازل ؟! وقد دفعني هذا إلى كتابة سلسلة خربشات جمعتها معا عنوانها " خفة الكائنات غير المحتملة "

عادل الاسطة
٣٠ / ٧ / ٢٠٢٣

****

17- محمود شقير في " نوافذ للبوح والحنين " يكتب عن محمود شقير : ( ٣ )

بعد قراءات عديدة لرواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل "( ١٩٧٤ ) لاحظت أن الرسائل التي وصلت إلى الكاتب مدموغة بختم البريد هي رسائل كتبها هو نفسه . كأنما كان يكتب لنفسه ، وبعد عمر طويل يقر الكاتب أنه حين كتب الرواية كتب عن نفسه ، فهو وشخصيته سعيد صنوان ، ولكن علينا ألا ننسى أنه أيضا خلط الجد بالهزل ولجأ إلى السخرية وانتقاد الذات أيضا .
ربما يتساءل المرء وهو يقرأ مجموعة محمود شقير " نوافذ للبوح والحنين " عن الشخصيات من تكون ، بخاصة حين يكتب عن الأخوين محمد و ( ع ) في صراعهما على النصوص المكتوبة ونسبتها إلى كاتبها ، فالأخ يسطو على جهد أخيه وثمرات إبداعه . من هو فيهما كاتبها ؟
يرد محمد على زوجته سناء بهدوء :
" - اسمه الحقيقي محمود بن منان محمد العبد اللات ، وفي بعض الأحيان يميل مع الريح حيث تميل فيختار لنفسه أسماء مستعارة مستفيدا من تجربة الشاعر البرتغالي ( فرناندو بيسوا ) ، فهو حينا ربحي حافظ أو فارس أبو بكر ، وهو حينا آخر حليم فرحات أو محمود شاكيرات " ( ٢١٦ / ٢١٧ ) والأسماء المستعارة هذه كتب تحتها محمود شقير حتى قبل أن يسمع باسم الشاعر البرتغالي الذي عرفنا به المرحوم الروائي فاروق وادي في روايته الأخيرة " سوداد ، هاوية الغزالة " ( ٢٠٢٢ ) .
هل تأثر محمود شقير في قصصه هذه باميل حبيبي ؟
أمس كتبت إنه تأثر بسرفانتيس وياروسلاف هاتشيك ، وكان إميل تأثر أيضا في " المتشائل " بهذين الكاتبين . إنها لعبة روائية لجأ إليها عموما كتاب كثر .
عندما كان محمود شقير يقيم تحت الاحتلال الإسرائيلي ، قبل إبعاده في ١٩٧٥ ، كتب تحت الاسم المستعار ربحي حافظ ، وربما كتب بالأسماء المستعارة الأخرى يوم كان يقيم في هذا البلد أو ذاك من البلدان التي تقيد العمل السياسي على أحزاب معارضة أو ... .
السؤال الذي أتمنى أن يجيب الكاتب عنه هو :
- هل كان في شبابه قبل اهتمامه بالسياسة والعمل السياسي ميالا إلى الفكاهة والدعابة وكان " يتخوت " على أصدقائه ومعارفه ؟
في شبابنا كان قسم منا يتخوت وقد " يستلطخ " من يراه ضعيفا مهزوزا ، وأنا الآن لست ضعيفا أو مهزوزا ولكن الكل يتذاكى علي ، وقد كتبت عن التذاكي كثيرا ، ولطالما رددت قول المتنبي :
" وقد يتزيا بالهوى غير أهله
وقد يستصحب الإنسان من لا يلائمه "
وقول المعري :
" ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى قيل إني جاهل
فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص
وواعجبا كم يدعي النقص فاضل "

٣١ / ٧ / ٢٠٢٣

***

18- حياتنا الحزينة : محمود شقير في " نوافذ للبوح والحنين " ( ٤ )

يصدر محمود شقير النافذة الثالثة من "نوافذ للبوح والحنين " بالاقتباس الآتي من القاص الروسي ( أنطون تشيخوف)
" حياتي حزينة في يومياتي ، لكنني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة ، منها الكتابة " ، ولا أظن أن الكاتب الذي اعتنق الفكر الحزبي الماركسي وانضوى تحت راية الحزب - وهو هنا محمود شقير لا أنطون تشيخوف - ينظر إلى الكتابة على أنها محايدة ، وربما كان هناك تشابه وتقاطع بين الاثنين وهو الحياة الحزينة في اليوميات ومحاولة البحث عن السعادة في الكتابة إلا أنني أشك في أن شقير ينظر إلى الكتابة على أنها مكان محايد .
كل شيء في حياة الفلسطينيين يبعث على الحزن ويولد الأسى ، من الخلافات العشائرية والعائلية إلى الاحتلال ، وهذا ما تحفل به القصص .
الغيبة والنميمة والغيرة والحسد والسلبطة والتذاكي وإيثار الذات على الآخرين وسرقة جهودهم والقتل اليومي والحواجز و ... و ... وأشياء كثيرة .
يختطف فليحان خطيبة سرحان ويتزوجها وتتعقد الأمور إلى " أن جاءت المقاومة وزودت سرحان بالسلاح ؛ السلاح الذي استغله ليصفي حساباته " الشخصية .
هل تبعث زيارة حيفا التي خسرناها في ١٩٤٨ الفرح في النفس أم تولد حسرة ؟
حيفا مدينة جميلة ساحرة يستمتع المرء حين يزورها ويأكل في مطاعمها ويتفسح على شاطيء البحر ولكن " برغم كل شيء ممتع وقع لنا في يومنا الطويل منذ الصباح ، كنا نشعر بانزعاج ما وبعدم ارتياح "
والقدس تعيش وضعا غير سوي ، ونحن " نحزن حينا ونفرح حينا آخر ، لأنه لا يصح أن نظل أسرى الأحزان ، ولأن صراعنا مع الأعداء أطول من المعتاد ، ونحن معهم في امتحان " .
وحين يستيقظ محمد مبكرا ويتجه إلى الشرفة تتحدث محطات التلفزة عن ثلاثة شهداء في جنين ، فيشعر محمد بكدر لم يكن في البال " أو هو كان في البال لكننا نحن الفلسطينيين نتحايل على الزمن لكي نواصل الحياة ، فنجعل للحزن وقتا ونجعل للفرح وقتا آخر ، ولا نخل بالمعادلة ، كي تستقيم الحياة "
نحتمل ونواصل الحياة ، نواصل الحياة .
حياتنا حزينة حقا ومرة كتب محمود درويش :
- من أي عام جاء هذا الحزن ؟
- من سنة فلسطينية لا تنتهي
وتشابهت كل الشهور
تشابه الموتى
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١ / ٨ / ٢٠٢٣

****

19- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين": الضحك لمجرد رؤية الآخرين يضحكون (٥)

عندنا مثل يقول " الموت مع الجماعة رحمة " ومثل ثان يقول " حط رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس " وأحيانا نردد : إن كنت في روما فعش حياة أهل روما ، وإن سافرت إلى الصومال فتصرف تصرف الصوماليين .
ما سبق يعني أن تتعاطف مع الآخرين وأن تحيا كما يحيون . ربما هذا شكل من أشكال حياة القطيع وامحاء الخصوصية ، بل وحياة العبيد الذين يتصرفون كما يحب أسيادهم .
في " نوافذ للبوح والحنين " نقرأ في النافذة السادسة عن أب درزي أصيب ابنه الجندي ، فأصبح مقعدا ولم تشفع له خدمته في الجيش الإسرائيلي ، إذ أصر الجندي الإسرائيلي على تفتيشهما ، وهكذا غدا كما يقول مثلنا الشعبي : " مثل الذي يشخ في الرجم " والرجم كومة حجارة بينها فراغات .
الذين أصغوا إلى حكاية الزميل " ع " طربوا للمثل و
" أطلقنا قهقهة صاخبة من جراء المثل الذي اهتدى إليه زميلنا "ع " وجعله خاتمة موفقة لحكايته ، وقهقهت معنا النادلات من دون أن يعرفن سببا لهذه القهقهات .
الضحك لسبب معروف وضحك من كان حاضرا دون أن يعرف سبب الضحك ؛ الضحك لمجرد أن الآخرين يضحكون - أي تعاطفا معهم ومشاركة لهم في فرحهم - ورد في رواية إميل حبيبي " المتشائل " .
يختلف آباء زخرون يعقوب يوما :
هل من الحق ، شرعا ، أن يعاشر الرجل زوجه في السبت ، أم أن الأمر عمل ، مثله مثل بقية الأعمال التي لا تجوز في السبت ، شرعا ؟
فذهبوا إلى الحاخام ليقضي بينهم : هل الأمر عمل أم لذة ؟ ففكر الحكم طويلا ، ثم حكم أنه لذة ، فهات برهانك ؟
قال : لو حكمت بأنه عمل لأعطيتموه العرب - الفرادسة !
فضحكنا ؛ يعقوب لأنه يكره الاشكناز ، وأنا لأنه ضحك .
في أحد كتب ( امبرتو ايكو ) صاحب رواية " اسم الوردة " ذكر أنه حاضر في جامعة ما عن تجربته ، فسأله طالب إن كان قرأ رواية تعود إلى فترة زمنية سابقة وتأثر بها ، إذ هناك تشابه بين الروايتين ، فرد ( ايكو ) :
قد أكون قرأتها وتأثرت بها ، ولكنه تأثر غير واع .
أعتقد أن على دارسي مجموعة محمود شقير هذه أن يوازنوا بينها وبين المتشائل . أحيانا يبدو رهوان في علاقته بمحمد تابعا ، والتابع موحود في دون كيشوت / سانشو بانزا ، وفي " الجندي الطيب شفيك " فالجندي يكون أحيانا تابعا للضابط ، وفي المتشائل فسعيد تابع ليعقوب ، وفي القصص في العصر الجاهلي كان شيبوب تابعا لعنترة بن شداد .
أهي خربشات !!
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٣ / ٨ / ٢٠٢٣


==================================
1- محمود شقير في عامه الثمانين: الوطن والمدن وترييفها
2- لأجلك يا قدس : محمود شقير و"حليب الضحى"
3- محمود شقير في "حليب الضحى" ٢
4- محمود شقير والقصة القصيرة الفلسطينية
5- مقعد رونالدو
6- قالت لنا القدس
7- أدب العائدين: محمود شقير "مديح لنساء العائلة"
8- محمود شقير: "مديح لنساء العائلة" شقير وكنفاني
9- محمود شقير:"مديح لنساء العائلة":قراءة تطبيقية 4
10- مرايا الغياب لـ محمود شقير

+

11- محمود شقير في يوميات الحزن والسياسة
12-محمود شقير وقصة "صورة شاكيرا"
13- محمود شقير في احتمالات طفيفة: الكتابة كتابة على الكتابة
14- محمود شقير والقصة القصيرة الفلسطينية
15- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين": الحزبي حين يعود إلى طبيعته
16- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين": خلط الجد بالهزل ( ٢)
17- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين "يكتب عن محمود شقير ( ٣)
18- حياتنا الحزينة: محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين" ( ٤)
19- محمود شقير في "نوافذ للبوح والحنين" : الضحك لمجرد رؤية الآخرين يضحكون (٥)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى