كاظم حسن سعيد - البريكان: مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج6

..كنت ارى البريكان مهتما بالسيرك..يتابعه من الشاسة البيضاء..وقد خيم سرك في البصرة لمرة واحدة اواخر الستينيات او مقتبل السبعينيات من القرن الماضي..(السرك الذي سرق لصوص بعض جياده )في الحقبة التي كتبت فيها <جلسة الاشباح>..الزوجة تتناسى حيويتها وروح الطفلة فيها وتتمكن منها الرتابة ويتثلج الحماس.يقبض عليها الصمت ويتثلج فيها الحماس..يعتقلها الصمت وتشغلها الحياكة : عائلة ساكنة ..غادرها التجدد وتوقع المفاجئات.ان الببغاء في القصيدة ليست جسدا غريبا فيها فتلك ال <لماذا>هو الاستفسار الصارخ بفضاء الانجماد العائلي وجرس تنبيه (الببغاء في القصيدة بمثابة جرس م)..لكن الببغاء رغم جمالها وطرافتها وقوة سؤالها لا تحرك السكون في عائلة هبطت بالتدريج الى مناخ الرتابة الذي اصبح سمة الجو العائلي.عبثا حاول الزوج ان يكون لطيفا معها فلقد فات الاوان ...وعبثا حاولت ان تخفف من حزنه فلم تنجح ..أمرأته تقترح عليه ان يمضي الى الحفلة او المسرح او اليهم وهو لا يستجيب انه يجزع من السائرين في النوم ..الذين يصعب فهمهم الا بعد قراءة قصيدته <اسطورة السائر في نومه >.(يمر بالناس الكثيرين وبالاشجار فلا يرى شيئا, وقد يبتاع في الطريق جريدة يقرأ فيها اخر الاخبار.. وهو غريق بعد في سباته العميق .......)..اخيرا يختار الرجل المتعقل الذي حاول احداث التغيير في المزاج الاسري خاسرا, حاول ان يختار المغامرة وقرر المضي الى واقع مجهول لعل فيه الخلاص. ستتكرر في شعره لاحقا مثل هذه الخيارات (هناك حل .. ان نرمي بانفسنا الى المحيطات م) ... اغلب المزعجات يستطيع ان يغادرها الانسان الا المنزل ..فهو مأواه الابدي ومركز استقراره..فاذا عصفت به الهزات او الجليد فاين يمضي وكيف يستقر..كيف تتحول المرأة الى آلة او صنم ,كيف تغادر روح الاستقطاب وتتناسى سحر انوثتها ولماذا تحنط الجمال وتعصف بالرجل او تقتله روحا..كيف تغادر قوة العاطفة وفيها علة وجودها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
<قصة التمثال من اشور )
تحتل الذات رقعة واسعة في الشعر العربي وقد حاول بعض الشعراء القدامى ان يتجاوزوا الثيمات والقوالب الشائعة في قصائد اقرانهم, منهم من شخص ,, الكلام المكرور ,,او سخر من البكاء على رسم درس..اما المتنبي فقد اطلق صرخة احتجاج ضد المقدمات المتوارثة <اكل فصيح قال شعرا متيم >...الا اننا نصادف مثل قصيدة ابن خفاجة يصف جبلا :
((وأرعنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ * يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ. يَسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ * ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكب )) ..قصيدة يمكن ادراجها في مناخ الشعر المعاصر نسبيا وتعتبركشفا رائدا لو تامله الشعراء بعمق لقفز الشعر العربي واختصر مساحات زمنية مهدورة. سبقنا الاوربيون بالقصيدة الموضوعية واستطاع بعض شعراء الحداثة العرب واحدهم السياب ان يستفيد من ذلك الانجاز الا انه لم يستطع ان ينقي القصيدة من الذاتية حتى في اهم قصائده <انشودة المطر >الشاعر اللبناني ادونيس كان اكثر جرأة الا ان جنونه بالجهد الصياغي وتصاعد المنسوب في مجرى امتداد قصائده اضعف موضوعيته.
عدد من الشعراء بعد الرواد / حصرا الستينيون /تجرؤوا على تنحية الذات الا ان عددا منهم انجز قصائد كانت استنساخا محسنا لقصائد اوربية وغربية . من هنا ياتي الاهتمام بقصيدة البريكان (قصة التمثال من اشور) ..تصميم حجري الهم المنهكين القوة واليائسين الامل .المعبود الذي انقذ الارواح من الضياع ودفعهم لتطوير فن الرقص وهدر الاموال للهدايا واقتناء ارقى العطور[قد يسخر احدنا الان من اصنام الجاهلية الحجرية او المصنوعة من التمر ربما ندر من يحكّم في حجرها الكاذب فأسه القاسية (لا خير في رب بالت عليه الثعالب ).. اما الجمع فقد ترسخ فيهم التقديس وربما يسخر المقدسون من الساخرين من امثالهم او ينهمكون في قوة الاستغراب وان يكن المنطق متقنا والحجج دامغة.
قصة التمثال من اشور))))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<<ــ

( في غرفة الزجاج ْ
في متحفٍ
يقبع في مدينة ضائعة ْ
ترسب في بلاد ْ
مهجورة
في قارة واسعة ْ
هذا انا، مرتفع، أواجه العيون ْ
أشلّها
أنفض في نهاية السكون ْ
حوادث الدهر، ورعب المائة التاسعة.
معبود نينوي
سيدها
في لحظه غامضة ْ
برزت للوجود ْ
على صدى ازميل
في راحتي نحات
في قاعة الاحجار والسجيل ْ ...
قبائل الأموات ْ
تنحر لي ذبائح الرعبِ
وكم اصوات
تهتز بالكابوس في ذبذبة الترتيل ْ .
سميت الواناً من الأسماء ْ
بخرت بالعطور والأنداء
ختمت بالخواتم ْ
عيناي ماستان ْ
تخترقان الليل، من مناجم
لم يكتشف اسرارها انسان ْ
يعترف الزمن
بهذه الذاكرة ?
انا رأيت القمر الناعم
عند ابتداء الليل ْ
وضجة الزلزال قبل الساعة العاشرة
انا رأيت الخيل
تقتحم الخدور ْ
رأيتها ترتفع الرماحُ بالجماجم
رأيتها تختلج الرؤوس
بعد سقوط السيف ْ
رأيت كيف ترقص العروس
في زفة الموت ْ
وكيف تطفئ الشموس
زوبعة العواصم
يعترف الزمن
بهذه الذاكرة ?
تساقط القلاع والأسوار
والقحط والأمطار
والقمح والحديد
والبدء من جديد
وقوة السيف الذي يحدجه الرجال ْ
برهبة، في غمده الجلدي
يعترف الزمن
بذلك الواقع ( أو بذلك الخيال ) ?
الموعد السري
لموت اسطورة
وبدء مشروع من المحال ْ
أو بئة التاريخ
دورتها المجهولة التقويم ْ
اشعة الحرائق ْ
تلون الوجه والسماء والحدائق ْ
ارادة القوة
وشهوة التحطيم ْ .....
فقدت ماساتي
جردت من خواتمي ... جزت ذؤاباتي
دحرجت من قاعدتي
نقلت من مكانْ
إلى مكان ْ
حاورتني البوم والعقبانْ
تسلقت اضلاعي الصبيان
ُجّرب فأس ما
في جسدي يوماً
ربطت بالحبالْ
سحبت ممدوداً علي وجهي
وراء زوجين من البغال ْ
حرست سوراً مرة
ومرة آخرى
وضعت في مدخل قصر ما
قطرت في جيش من الجيوش
تركت في الصحراءْ
ممدداً، تغسلني الانواءْ
تجفف السموم ْ
أقصى حجيراتي
محدقاً تحديقة الابد ْ
محاجري البيضاء
مفتوحة لعالم النجوم ْ
ينحسر البحر ولا تبقى سوى الاصداف ْ
في باطن الارض ِ
تهب الريح بعد الريح ْ
تعيد توزيع الرمال الحمر
والغربان ْ
حطت هنا، واندمجت في دورة الأفق ْ
قوادم الصقور
رفت على العنق ْ
واحترقت على ذرى الكثبان ْ
عجائز الذئاب
توسدت جسمي
هاربة الي مكان ما
قوافل اللصوص
تفيأت جنبيَّ، حيث تترك الفصوصْ
أثارَها، وحيث تبني النملُ من ترابْ
مملكة التوازن الأعمى
في غرفة الزجاج ْ
منتصب، تحدق النساء ْ
في جسدي الخالي من التعقيد
( في وسط الحوض على التحديد )
يبتهج الاطفال
لان أذني سقطت، وحاجبي مكسور
لأن في صدري
دائرة خالية ( مفزعة في النور )
في غرفة الزجاج ْ
لا يصل الصوت ُ
ولا يُلمس سطح الموت ْ
يبدو رجال، ربما يواصلون الهمس ْ
عن ظفري الايسر ْ
في غرفة الزجاج ْ
لا تسقط الاصابع الرثة
لا تصل الشمس، ولكن يصل المجهر
في غرفة الزجاج ْ
وحيدة تنتصب الجثة .)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى