كاظم حسن سعيد - البريكان : مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج7

ج7

المعتقدات يصعب تفسيرها ويصعب الاهتداء الى كيفية ترسخها حتى في العصور الحديثة,فالسلحفاة التي تظهر نادرا في بعض البلدان وتوضع في برميل ماء ويتباهى من يحصل على قطرات تشفي او تسكن قلق الروح.. عبادة النار ..تقديس البقرة .. جميع الشعوب تبتكر مقدساتها.اهو العجز من الفرار او الخشية من الموت او (وجدنا اباءنا هكذا يفعلون )..اذا كنا نلوم اهل نينوى على عبادة الاهها التمثال فعلينا ان نسفه الان هذا التقديس لتفاهات معاصرة ..رحلة التمثال صورة لمسارات الشعوب وتحولاتها: تقديس فاهمال فننسيان, عبث ونهب وفي الختام <غرفة الزجاج التي تحتويه واللواتي يحدقن في وسط حوضه .الا ان نظرته الابدية لم يتمكن منها الزمن .للسيف في التمثال صورتان:مرة يذل الرجال وهو ساكن في غمده الجلدي واخرى صورة الرعب وهو يهوي ويجهز ..قال الحجاج لوزيره يوما <تقدم>فاصفر وجه ذلك الوزيرفكرر الحجاج الطلب ..اجابه وزيره (مولاي :السيف في حجرك ولا ادري أتكريم ,او مشورة ام ذبح..).ستتحول السيوف الى المتاحف كاثار خالدة ,نحلل الكتابة عليها وجمالها وانواعها ومنشأها..تخيل رجلا زج في معركة قهرا فهوى من يده سيفه عثرة او رعبا واقترب منه سيف عدو فتاك تسبقه صرخة مدوية..تامل عيون ذلك الرجل الاعزل.. لحظات وتنساه الحياة تفتقده صغيرته فتعوي وتنتكس حليلته فتنوح ( ولولا كثرة الباكين حولي .. على اخوانهم لقتلت نفسي ) ..سيغادر اشياءه الجميلة فلا يعود لفراش دافيء ويقول <انتهت المعركة , وانتصر بقائي >.. يشمها بعدما يغادر صغار مولعين سيغادر الاحلام سيواجه مغامرة القبر(لا اريد ان اموت) .. يقول .. وربما تذكر صورة اقرب احبته وانتهى من سجل الحياة .تختلج الرؤوس .. لم استطع لن اتخيل قدرة الجواد المجرب .. المكر المفر .. حتى رايت استعراضات للجياد الاسبانية في الحلبات يا للرشاقة وقوة المران.معركة السيوف تعني وحوشية الانسان وتحجر العواطف وقانون الغابة انها الجماجم تهوي من الرؤوس وحمامات الدم , والصقور التي ستتغذى.. لذة النهب وطبول المنتصري وربما خلد من خسر لولا الخيانة او الثورة العجلى < من الابطال ويحك لا تراعي >... <برقت كبارق ثغرك المتبسم >..< فلم تستجدن الحسام اليمانيا >..<وما مات حتى مات مضرب سيفه .. من الطعن وانهلت عليه القنا السمر > .. من الصغر يتدرب الاطفال على المواجهة ولكن حملة اللواء ليس باقتنائهم افضل عدة حرب .. انهم يملكون غريزة العداء الاشد وحشية وكان للفارس الفاتك منزلة عليا وقد تسبقه هيبته < مالي بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ؟>..الشعر
ايحاء ولا يحتمل كل هذه التفاصيل حسبه يلمح ويوحي ..
[انا رايت الخيل تقتحم الخدور رايتها ترتفع الرماح بالجماجم رايتها تختلج الرؤوس< وقوة السيف الذي يحدجه الرجال برهبة في غمده الجلدي >
سيد اشور ومعبودها , من استقطب الخواتم والعطور ونحرت له ذبائح الرعب ودفع الاصوات لتهتز بالكابوس باثر من ذبذبة الترتيل , دعتهم قدسيته لان يسمونه باسماء متلونة الذي ابدعته ازاميل محترفة في قاعة السجيل والحجر . ماذا راى , وكم مرحلة في التعاقب الزمني مر بها .بدات القصيدة من غرفة الزجاج حيث كان التمثال مرتفعا يواجه الحدقات ويشلها وانتهت القصيدة في غرفة الزجاج فنتعرف على تفاصيل تضيء المقطع الاول الذي يحفه الغموض. القصيدة ليست حكاية , تمثالا او بحثا فنيا في حجر او برونزتجوهر .. انها تفاعل انساني وكشف انفعالي عن حضارة خلقتها ضرورة وعبقرتها وعملقتها , ثم بدات عواصف الزمن تنهار عليها..قاومت وتحصنت ورفضت الموت ثم وهنت وذلت وانهارت تاركة عناء الباحثين والمنقبين والمؤرخين يعيدون تشكيلها من شذرات وفتات ذرات اثرية<من اشور >صراع مر بين الحياة والموت .
[الغربان
حطت هنا واندمجت في دورة الافق
قوائم الصقور رفت على العنق
واحترقت على ذرى الكثبان........عجائز الذئاب توسدت جسمي هاربة الى مكان ما قوافل اللصوص تفيأت جنبي حيث تترك الفصوص اثارها وحيث تبني النمل من تراب مملكة التوازن الاعمى ]
سألت البريكان <كيف وردت مفردة النمل في هذا المقطع النابض بالدرامية قال : ((لا ادري..ربما دعتني المشاعر الحادة والصور الفاجعة والافاق الشاسعة التى وردت في المقطع الى تذكر الاشياء الصغيرة ..والافضل ان ننتظر حتى يتمكن علم النفسم من ان يضيء تلك النقاط الغامضة في هيجان الذاكرة وكيفية عملها لحظة الكتابة .
غربان , صقورذئاب , افق , كثبان.. هروب لأماكن مجهولة , افياء| لا بد ان هذه القصيدة لحظة كتابتها صاحبتها ذاكرة في غاية التحفز ومخيلة مكتنزة خلاقة .. لم يتحكم بها الشاعر ولم يعرف حدودها ولا يدري اين ستقود: (قصيدة فن التعذيب اتعبتني وما كنت راضيا عنها تماما لانها كانت شبه جاهزة في كياني وذاكرتي م) ما عداها فكل قصائده مغامرة غير خاضعة للتصميم والتحكم, برق يخطف فجأة ويضيء شواخص واسرارا مجهولة.
ان مقطع (الغربان حطت هنا واندمجت في دورة الافق) حتى جملة <مملكة التوازن الاعمى > تمثل مرحلة للتمثال لا ندري اين كان موقعه وفي اية حقبة .. حتما لقد فقد التقديس عند الناس بريقه وسحره لم يكن سيد نينوى في حصانة تقديسية وصار بلا حماية واصبح عرضة للصوص ومأوى للغربان ومستقرا للصقور..ان قواصد التمثال من رموزشؤم وافتراس وملوك الافق ولصوص تعتاش ساخرة من هدايا الظامئين الى الخلاص: من فصوصهم الثمينة.. تنتهي نهايات فاجعة او مجهولة .. لكن التمثا ل منتصب شاهدا اخرس ومرآة تخلد الاسرار التي لم يكتشفها احد,,انحطاط الانسان وغموض الطبيعة وقانون الغابة ,الاقدام الثكلى للذئاب وظهورها المهترئة وعالم النمل العميق,, مملكته الساحرة ,, سبب الوجود, المصائر ,, الدموية من اجل اللقمة ,او ثأرلذل طويل.. العبودية القاسية .. سخرية القدر.. التمثال رقيب صامت, حافظ الاسرار. الشاهد المتجمد الوحيد.
في المقطع الاخر يرثي التمثال ذاته.. يتكلم .. لم يسمح لاخر ان يقول عنه فيبدأ بنحيب مرير :(فقدت ماساتي) .. هنا يتحول الى مسخرة للصبيان هدفا للفؤوس على وجهه المقدس , يسحب بالحبال.. عاريا اعزل تحت تقلبات الانواء وتجفيف السموم.. وحده يحدق تحديقة ابدية ومحاجره البيضاء مشرعة لعالم النجوم ينتقل او ينقل بين اماكن عدة , حارسا لسور حصين ورمزا في مدخل قصر ما .. تنتهك ذوائبه ويدحرج من قاعدته ويجرد من خواتمه.. شأن الملوك والعواصم.. انها قوة القدر والعظمة التي تنتهي لسخرية وتفاهة ..في البصرة كنا شهودا على سحل نصب مهيب لوزير دفاع.. شخصيا رأيته ممدودا قرب مركز شرطة بعدها تم بيعه كمعدن لتجار الخردة ... وبعد عقود نسف صناع الموت مدنا اثرية وتحكمت ادوات الفناء بالثور المجنح في نينوى ..لا يمكن للادب والسينما ان يكونا منقذا ..الغابة تستعيد قوتها في صميم المدن كلما غفلت او وهنت جدرانها والمفاتيح.وحده الحجر يخلد...بحث ميتافيزيقي .. اسئلة فلسفية .
الحضارات والاشياء العظيمة زائلة (المجد المجد للصخر الذي ليس له معنى م)وينتهي التمثال جثة منتصبة في غرفة الزجاج, بعد مراحل رعب وسخرية وتقديس .البريكان اول شاعر نهج خلق الاساطير بدءا من (مدينة النحاس): (السياب عاد منبهرا من بريطانيا من الاساطير لم يكونوا قد نشطوا باللغة الانكليزية وكانت المنشورات مهتمة بالتراث..قلت له<انا كتبت الاساطير قبل ان اكتشف اساطيرهم >.في الستينيات نشطت حركة في الشعرتمركزت في استلهام رمز عربي بدءها قلة من الشعراء ثم اصبحت مشاعة (صقر قريش لادونيس .. )وتوسعت مع تصاعد الشعر القومي حصرا بعد نكسة حزيران 1967حتى انحدرت الى درجات من الهبوط الفني .وعادت تلك الحركة للتصاعد في سبعينيات القرن الماضي .بتاثير الشعر المترجم ونجاح ادونيس في قصيدته <صقر قريش>وانتبه الشعراء الى حقيقة ان الاوربيين يركزون على من يستلهم تراثه ..لا تستقطبهم بضاعتهم ان ردت اليهم ...

كاظم حسن سعيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى