نقوس المهدي - أبو العبـر الهاشمي.. اول السورياليين

ويـأمـر بـي المـلك = فيطرحني في البرك
ويـصـطادني بالشبك = كــأنـي مـن السـمـك
ويــضــحـك كـك كـكـك = كـــكـــك كــك كــكــك
أبو العب

***


يعج الادب العربي بالعديد من الظرفاء والمتفكهين والمتحامقين والماجنين، وبادب الهزل والفكاهة والضحك والمجون والخلاعة والعبث، وهو جانب من الاداب تناوله القدماء وابدعوا فيه مثل النيسابوري في "عقلاء المجانين"، وابن الجوزي في "أخبار الحمقى والمغفلين"، وابن المعتز في "تراجم الموسوسين"، وأبي العنبس الصيمري الذي ألف نيفا وثلاثين كتابا، وأبي المطهر الأزدي في كتابه "حكاية أبي القاسم"، والأصفهاني في الأغاني، وابن النديم في كتابه (الفهرست) واسمه "النديم"، وعبدالعزيز البشري، وأفاض فيه ابوعمر الجاحظ.. فيما اغفله الباحثون والدارسون المحدثون، وذلك لاعتقادهم بأن دراسة هذا الأدب ستلقي الضوء على أدب الجد، فتغيّر نظرتنا للأدب الكلاسيكي بحسب قول د. عبد الفتاح كيليطو في كتابه "الحكاية والتاويل"، وربما لظن منهم بانها ستقلل من هيبتهم ووقارهم
اما ابو العبر حديث موضوعنا فهو: أبو العباس محمد بن أحمد ويلقب حمدونا الحامض بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. نادم الخليفة المتوكل في القرن الثالث، قال عنه ابن النديم: وله من الكتب (كتاب الرسائل) وكتاب سماه (جامع الحماقات وحاوي الرقاعات) وكتاب (المنادمة واختلاف الخلفاء والأمراء) وكتاب (نوادره وأماليه) وكتاب (أخباره وأشعاره) وأورد له قطعة من عينيته التي أولها:
زائر نم عليه حسنه = كيف يخفي الليل بدرا طلعا

ونقل عن جحظة قوله: (لم أر أحفظ منه لكل عين، ولا أجود شعرا، ولم يكن في الدنيا صناعة إلا وهو يعملها بيده، حتى لقد رأيته يعجن ويخبز)
ونقل أبو الفرج عن مدرك صاحب المزدوجة أنه قال: حدثني أبو العنبس الصيمري قال: " قلت لأبي العبر ونحن في دار المتوكل:
- ويحك إيش يحملك على هذا السخف الذي قد ملأت به الأرض خطباً وشعراً وأنت أديب ظريف مليح الشعر?
فقال لي:
- يا كشخان، أتريد أن أكسد أنا وتنفق أنت?
- أنت أيضاً شاعر فَهِم متكلم، فلم تركت العلم، وصنعت في الرقاعة نيفاً وثلاثين كتاباً?
- حب أن تخبرني لو نفق العقل أكنت تقدم علي البحتري، وقد قال في الخليفة بالأمس:

(عن أي ثغر تبتسم = وبأي طرف تحتكم)
فلما خرجت أنت عليه وقلت:
(في أي سلح ترتطم = وبأي كف تلتطم)

فأعطيت الجائزة وحرم، وقربت وأبعد، في حر أمك وحر أم كل عاقل معك! فتركته وانصرفت. قال مدرك: ثم قال لي أبو العنبس: قد بلغني أنك تقول الشعر، فإن قدرت أن تقوله جيداً، جيداً? وإلا فليكن بارداً، بارداً، مثل شعر أبي العبر وإياك والفاتر فإنه صفع كله).
ومن اخبار ابي العبر التي حكاها أبو الفرج في (الأغاني ). قال ابن المعتز: (كان أبو العبر يزيد في كنيته كل سنة حرفا، فما زال يزيد حتى صار (أبو العبر طرذرز لو حمق مق)
وكان من آدب الناس، إلا أنه لما نظر إلى الحماقة والهزل أنفقَ على أهل عصره أخذ منها وترك العقل فصار في الرقاعة رأسا ... وكان يمدح الخلفاء ويهجو الملوك بمثل هذه الركاكة، يؤمر على الحمقى فيشاورونه في أمورهم، كأبي السواق وأبي الغول وأبي الصبارة وطبقتهم من أهل الرقاعة..

ومن شعره قوله
أنا أنا أنتَ أنا = أنا أبو العَبْرَنَّهْ
أنا الغنيّ الحمْقوقو = أنا أخو المجَنَّهْ
أنا أحرّر شعري = وقد يجيء بَرْدَنَّهْ.

ولعل احسن من كتب عنه هو د. عبد الفتاح كيليطو في كتاب " الحكاية والتاويل " حيث خصه بدراسة وافية بعنوان " ابو العبر والسمكة " يقول في احدى فقراتها :
".. كان أبو العبر يجلس بسر من رأى في مجلس يجتمع عليه فيه المجان يكتبون عنه فكان يجلس على سلم وبين يديه بلاعة فيها ماء وحمأة وقد سد مجراها وبين يديه قصبة طويلة وعلى رأسه خف وفي رجليه قلنسيتان ومستمليه في جوف بئر وحوله ثلاثة نفر يدقون بالهواوين حتى تكثر الجلبة ويقل السماع ويصيح مستمليه من جوف البئر من يكتب عذبك الله ثم يملي عليهم فإن ضحك أحد ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من ماء البلاعة إن كان وضيعا وإن كان ذا مروءة رشش عليه بالقصبة من مائها ثم يحبس في الكنيف إلى أن ينفض المجلس ولا يخرج منه حتى يغرم درهمين قال وكانت كنيته أبا العباس فصيرها أبا العبر ثم كان يزيد فيها في كل سنة حرفا حتى مات وهي أبو العبر طرد طيل طليري بك بك بك

وجاء في مقالة لأحمد أمين بعنوان أبو العبر ضمن كتابه فيض الخاطر، ج٢ قوله: (لقد نيَّفتُ على الخمسين وأنا أجرب العقل فلم ينجح. أفلا يكون من الصواب أن أجرب الجنون مرة لعله ينجح؟

إن أردتَ السعادة فعليك بأحد أمرين: إما أن تعيش عاقلًا وسط العقلاء، أو مجنونًا بين مجانين. أما أن تعيش عاقلًا وسط مجانين، أو مجنونًا بين عقلاء. فذلك العذاب. وقد عشت طويلًا عاقلًا بين مجانين فشقيت؛ فخير أن أجن وأعيش عيشتهم وأضحكهم وأضحك منهم.

فكَّر «أبو العبر» في ذلك طويلًا، ثم خرج من تفكيره إلى أن يكون أضحوكة الناس. إن لقبي أبو العباس، وهو لقب جِد، فلأطرحه ولأطأه بقدمي إعلانًا بإخفاق الجد في هذا العالم. وهو أيضًا لقب يرمز به إلى بيت العباس، وماذا جنيت منه إلا الفقر والبؤس وسوء الحال وخيبة المصير؟ خير لك أن تتلقب لقبًا يكون عبرة للناس وعنوانًا على أن الجد لم ينجح، وقد ينجح الهزل. فلتتوكل على الله، ولتكن كنيتك من الآن أبا العِبَر.)
وشوهد أبو العبر واقفا على بعض آجام سر من رأى وبيده اليسرى قوس وعلى يده اليمنى باشق وعلى رأسه قطعة رثة في حبل مشدود بأنشوطة وهو عريان.. وعلى شفته دوشاب ملطخ فقلت له خرب بيتك أيشُ هذا العمل؟ فقال أصطاد ياكشخان يا أحمق بجميع جوارحي إذا مر بي طائر رميته عن القوس وإن سقط قريبا مني أرسلت إليه الباشق والرئة التي على رأسي يجيء الحدأ ليأخذها فيقع في الوهق والدوشاب أصطاد به الذباب وأجعله في الشص فيطلبه السمك ويقع فيه...


ومما يحكى عن عبثية ابي العبر

وحدثني جعفر بن قدامة قال قدم أبو العبر بغداد في أيام المستعين وجلس للناس فبعث إسحاق بن إبراهيم فأخذه وحبسه فصاح في الحبس لي نصيحة فأخرج ودعا به إسحاق فقال هات نصيحتك قال على أن تؤمنني قال نعم قال الكشكية أصلحك الله لا تطيب إلا بالكشك فضحك إسحاق وقال هو فيما أرى مجنون فقال لا هو امتخط حوت قال أيش هو امتخط حوت ففهم ما قاله وتبسم ثم قال أظن أني فيك مأثوم قال لا ولكنك فيّ مأبصل فقال أخرجوه عني إلى لعنة الله ولا يقيم ببغداد فأرده إلى الحبس فعاد إلى سر من رأى, وكان أبو العبر شديد البغض لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وله في العلويين هجاء قبيح وكان سبب ميتته أنه خرج إلى الكوفة ليرمي بالبندق مع الرماة من أهلها في آجامهم فسمعه بعض الكوفيين يقول في علي صلوات الله عليه قولا قبيحا استحل به دمه فقتله ."

" وكان المتوكل يرمي به في المنجنيق إلى الماء وعليه قميص حرير فإذا علا في الهواء صاح الطريق الطريق ثم يقع في الماء فتخرجه السباحة قال وكان المتوكل يجلسه على الزلاقة فينحدر فيها حتى يقع في البركة ثم يطرح الشبكة فيخرجه كما يخرج السمك ففي ذلك يقول في بعض حماقاته

ويأمر بي الملك = فيطرحني في البرك
ويصطادني بالشبك = كأني من السمك
ويضحك كك ككك = ككك ك ك كك ك كك "

" حدث عم عبد العزيز بن أحمد قال: سمعت رجلاً سأل أبا العبر عن هذه المحالات (أي السخافات) التي يتكلم بها، أي شيء أصلها؟ فقال أبو العبر: ابكر فاجلس على الجسر، ومعي دواة ودرج (أي ما يكتب فيه)، فاكتب كل شيء أسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين والمكارين، حتى املأ الدرج من الوجهين، ثم اقطعه عرضًا، وألصقه مخالفًا فيجيء منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه!"

سوف نورد في هذا المتصفح موادا عن هذا الشعر الذي يصفه البعض بالسوريالي الاول و الدادائي الاول، الى غير ذلك من الالقاب الاسقاطية التي يتنافس اكثر من ناقد عربي على الصاقها بابي العبر

ونذكر من هؤلاء الظرفاء


- الشيخ ركن الدين الوهراني:

أديب مغربي مجهول، واحد رجالات الادب المنسيين.. عاش متنقلا مرتحلا بين الامصار، محبطا من عصره ساخرا من ناسه وعكس كل ذلك في أدبه الموغل في اللامعقول.. وقد توفي في عام 1575ميلادي..
كتب بعض المدابير إلى أمه :

" مني إلى أمي
أما بعد
فإني ما أفلحت عندك ولا ها هنا، دخلت القيروان بكرة، واشتهيت أخذ الولاية ضحوة، وأتزوج بنت السلطان عشية، فلم تساعدني المقادير، فرجعت إلى سوق البز أبيع وأشتري، أبيع ثيابي وأشتري الخبز إلى أن نفدت البضاعة، فلزمت المساجد في أوقات الصلوات أسرق أحذية المصلين، وأرهنها عند اليهود الخمارين، على النبيذ في المواخير، طيبي قلبك من جهتي، وإن قيل لك عني إني مدبر فلا تصدقي، والسلام . "


- ابن سودون:

عاش في القرن التاسع الهجري بمصر المملوكية واسمه الكامل أبو الحسن علي نور الدين بن سودون اليشبغاوي القاهري ثم الدمشقي. ولد وتعلم بالقاهرة وكان إماماً بأحد المساجد، وحج مرارا، وسافر في بعض الغزوات وأم ببعض المساجد، ولكنه سلك في أكثر شعره طريقة غاية في المجون والهزل والخلاعة واشتهر بهذا الامر
رحل الى دمشق ومات بها له بعض المؤلفات. لكنه مال إلى الهزل والتحامق.. وألف كتاباً بعنوان " نزهة النفوس ومضحك العبوس " بالعامية المصرية الدارجة..

ولابن سودون أسلوب خاص فى الفكاهة فهو يبدأ بدايات فى غاية الجدية لشد الانتباه ثم تجد نفسك فى غمار حكاية مضحكة أو نكتة أو يحكى لك أشياء عادية وهو يوهمك أنه يتحدث عن غرائب الدنيا فتنفجر ضاحكاً..!!
واسلوبه في الدعابة شبيه بالشيخ ركن الدين الوهراني في مقاماته الهزلية وسخريته من ناس عصره

وقد أفرد له د. شوقي ضيف فصلا كاملا في كتابه (الفكاهة في مصر) ، وكذلك فعل الراحل الأستاذ عبد الغني العطري في كتابه (دفاع عن الضحك) وهو يرى أنه من رجال الفكر الذين كان لهم الباع الطويل في الأدب الضاحك, ويذكر أنه ولد في القاهرة سنة 810 للهجرة وعمل إماماً في بعض مساجدها, وانتقل من ثم إلى دمشق وعمل فيها صاحب خيال الظل (كركوز وعيوظ) ومات فيها, وقد انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وكتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به, وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه.‏
وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة وسماه (نزهة النفوس ومضحك العبوس).‏
ويقول الأستاذ العطري: فإن شعر ابن سودون طريف في بابه يدفعك إلى الابتسام حينا والاغراق في الضحك حينا آخر, وهو يسلك فيه طريق المفارقة إذ يبدأ شعره بالجد ثم لا يلبث أن ينتقل إلى أقصى الفكاهة والسخرية, وهو يلتزم تقرير أمر واقع- يدخل في مجال البديهيات مثل قوله:‏

كأننا والماء من حولنا = قوم جلوس حولهم ماء.‏

أو كقوله:‏

البحر بحر والنخيل نخيل = والفيل فيل والزراف طويل‏
والأرض أرض والسماء خلافها = والطير في ما بينهن يجول‏
وإذا تعاصفت الرياح بروضه = فالأرض تثبت والغصون تميل‏
والماء يمشي فوق رمل قاعه = ويرى لها مهما مشى سيلول‏

ويحفل ديوان ابن سودون بشعر من هذا القبيل:‏

عجب عجب عجب عجب = بقر تمشي ولها ذنــــــــب‏
ولها في بزبزها لبــــــــــن = يبدو للناس إذا حلبـــــــــوا‏
من اعجب مافي مصر يرى = الكرم يرى فيه العنب
والنخل يرى فيه بلح = وايضا يرى فيه رطب
والمركب مع ما قد وسعت = في البحر بحبل تنسحب
والناقة لامنقار لها = والوزة ليس لها قنب
والخيمة قال النــــــــاس إذا = نصبت فالحبل لها طنـــــــب‏
لابد لهذا من سبب = حزر فزر ماذا السبب
لا تغضب يوما إن شتمـــت = والناس إذا شتموا غضبوا‏
زهر الكتان مع البيلســـــان = هما لونان ولا كـــــــــــــذب‏
البيض إذا جاعوا أكلــــــــــوا = والسمر إذا عطشوا شربــــوا‏

وهذا خطاب كتبه على لسان أحد أبناء الصعيد إلى أبويه فى القاهرة

أرسل فنين بن أبى المدارس إلى أهله كتابا من الصعيد يقول فى عنوانه : " يصل إن شاء الله إلى دربنا المحروس. ويُسلم ليد البيت، مطالعة الوالد ".

( السلام عليكم عدد ما فى النخيل من أوراق، وعدد أمواج البحر إن تكدر أو راق، سلام لا يسعه طبق ولا طبقان ولا أطباق .
أرسلتم تطلبوا حبلا لتنشروا عليه الغسيل، وقلتم على طوله ولم تقولوا على عرضه !
بلغنى أن إمرأتى حبلى، فلا تخلوها تولد حتى أجى، وإن ولدت لا يكون إلا ذكر .
وجرت لى حكاية، هى أنى غسلت قميصى ونشرته فوق السطوح، فقام بالأمر المقدور، ضربه الهوا فوقع من فوق لتحت. وارتجفت بسلامتى رجفة، وعرفت أنها مش بشارة خير، وأنها تدل على موت أمى وأبويه، والحمد لله كانوا فدايا. وصليت وصمت لأنى ما كنت فى قميصى. ولو كنت فيه كنت انكسرت .
والذى أعرفكم به أنى لما طلعت البلد ولقيت الصابون غالى، بعت فرسى البيضة واشتريت حمارة سودا حتى لا تتوسخ .
وبعد السلام على أهل الحارة كتير كتير.

بتاريخ صبيحة يوم الجمعة الحرام بعد صلاة التراويح من يوم عاشوراء السابع والثلاثين من جمادى الأوسط سنة تاريخه ) .


- جعيفران الموسوس:

كان خبيث اللسان هجاء وهو القائل:
(لو نازع الله خلقٌ في بريته = نازعت ربي في الخلق الذين أرى)
انظر النجار (4/ 355)


- ماني الموسوس:

جاء ذكره في كتاب الاغاني واورده ابن المعتز في " تراجم الموسوسين " الى جانب جعيفران وأبو حيان ومصعب الموسوس،


- أحمد بن عبد السلام:

ترجم له ابن المعتز في طبقاته ونقل عن محمد بن عبد الله الطرسوسي قوله: (رأيت أحمد بن عبد السلام وما له ثان بمدينة السلام في قول الشعر، ولم يكن له فيه أمل، ومازال فقيرا إلى أن مات، ووسوس في آخر عمره، فرأيته والصبيان يصيحون به: " يا كاتب الشريطي، فيخرق ثيابه ويحلف ألا يخرج من داره ".


- ابو العجل الماجن:

كان صديقا لأبي العبر الهاشمي العباسي، اورده ابن المعتز في طبقاته والمرزباني في معجم الشعراء
(كان أبو العجل ينحو نحو أبي العبر، ويتحامق كثيرا في شعره، وأورد أربع قطع له، منها لامية على غرار: صوت صفير البلبل) وحكى ابن المعتز قصتها فقال: وكان أبو العجل من آدب الناس وأحكمهم وأكملهم عقلا وأشعرهم وأظرفهم، عالماً بالنحو والغريب، عارفاً بأيام الناس وأخباره، قد نظر في شيء من الفلسفة، وكان مع هذا مقتراً عليه، فما رأى ذلك استعمل الغفلة والرطازة فلم يحل عليه الحول حتى اكتسب بذلك مالاً كثيراً. ولما صار المتوكل إلى دمشق تلقاه أبو العجل راكباً على قصبة، وفي إحدى رجليه خف وفي الأخرى نعل، وبين يديه غلام بيده غاشية، وعليه دراعة، وعلى رأسه قلنسوة من الطواميز، فنظر إليه المتوكل فتبسم وقال: ويحك جننت بعدنا، فأنشأ يقول
(شه شه على العقلل = ماهو من شكللي) ..إلخ.


- ابن الجصاص

كانت له حظوة عند الخلفاء .. وقد اثت جهاز قطر الندى ، (أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون) الى الخليفة العباسي المعتضد بالله. وكان يتصف بالبله والحمق لينجو من الضرائب ..

ورد في سير أعلام النبلاء لمؤلفه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي

الصدر الرئيس ، ذو الأموال ، أبو عبد الله ، الحسين بن عبد الله بن الجصاص ، البغدادي الجوهري التاجر الصفار .
قال ابن طولون : لا يباع لنا شيء إلا على يد ابن الجصاص .

ومن نوادره الطريفة

أنه دخل يوما على ابن الفرات الوزير ،فقال : يا سيدي، عندنا في الحويرة كلاب لا يتركوننا ننام من الصياح و القتال ، فقال الوزير : احسبهم جراء . فقال : لا تظن أيها الوزير ، لا تظن ذلك كل كلب مثلي و مثلك !!

و تردد إلى أحد النحويين في اللغة لإصلاح لسانه ، وبعد مدة سأله : الفرس بالسين أو بالصين !

وأنه قال يوما : اللهم امسخني جارية و زوجني بعمر بن الخطاب. فقالت له زوجته :سل الله أمن يزوجك من النبي (ص) إن كان لابد لك من أن تبقى جارية . فقال : ما أحب أن أصير ضرة لعائشة -رضي الله عنها- .

وأتاه يوما غلامه بفرخ فقال :انظر هذا الفرخ ، ما أشبهه بأمه ، فقال ابن الجصاص: أمه ذكر أو أنثى!

و كان يكسر يومًا لوزاً ، فطفرت لوزة و أبعدت ، فقال : لا إله إلا الله ،كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللوز !!

و نظر يوما في المرآة، فقال لرجل آخر : أنظر ذقني هل كبرت أم صغرت ، فقال الرجل : إن المرآة بيدك فقال صدقت و لكن الحاضر يرى مالا يرى الغائب.

وماتت أم ابي إسحاق الزَّجاج ،فاجتمع الناس عنده للعزاء ، فأقبل ابن الجصاص يضحك و هو يقول : يا أبا إسحاق و الله سرني هذا ، فدهش الزجاج و الناس.
فقال أحدهم : يا هذا كيف سرك ما غمَّنا و غمَّنا له ؟
فقال ابن الجصاص: ويحك ، قد بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها أمه ،سرني ذلك .فضحك الناس.

ورؤي و هو يبكي و ينتحب ، فقيل له : مالك ؟ فقال : أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني : فلما قرأت في المصحف : "ويسألونك عن المخيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المخيض". فقلت : ما أعظم قدرة الله ، قد بين الله كل شيء حتى أكل اللبن مع الجواري.


* نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى