نقوس المهدي - الشعارات والأشعار البذيئة، وسيكولوجية الشعوب

"رجعوا التلامذة
يا عم حمزة للجد تاني
يا مصر إنتي اللي باقية
و انتي
قطف الأماني
لا كورة نفعت
و لا أونطة
و لا المناقشة و جدل بيزنطة
و لا الصحافة و الصحفجية
شاغلين شبابنا
عن القضية"
أحمد فؤاد نجم

قل لي ماذا تحمل من شعارات أقول لك من انت..
تتميز الشعوب بنوعية وتعدد الشعارات التي تحملها لمواجهة سخرية الواقع.. وهي ردود فعل ضد الظلم والحيف، والقهر، وسوء ظروف العيش، وتردي الأوضاع، وتسلط الحاكم، وتدخل هذه الشعارات من باب علم نفس الجماهير، وتتحكم في تركيبة الشعوب، ومستوى ثقافتهم، ووضعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، إذ أن الشعوب المقهورة والمسحوقة تبتدع شعارات ذات معجم ناب، وحمولة عنيفة، تروم من خلالها الثأر لشرفها، ولواقعها، وكبريائها.. والتعويض عن كم ما تقاسيه من أوصاب، وخسارات، ميتهبمة بالقصيدة، واللوحة، والتمثيل، والنكتة والشعار، والمثل السائر، والأغنية.
فالضغط يولد الانفجار، ويواجه الواقع بعنف اشرس منه، أنه نوع من التنفيس عن ذات المقهور، والتعبير عن رفضه وغضبه، والإفصاح عن الرغبات المكبوتة.. واستنباط وسائل جديدة في الاحتجاج تتسم بالجرأة
وقد سجل التاريخ العديد من الأشعار البذيئة المصنفة في باب الهجاء والتشنيع زالتشهير للبحتري وابن اللرومي والمتنبي وغيرهم، والشعارات ذات الرسائل العنيفة، ومن بين هذه الشعارات قصيدة الزبوبية أو ملزومة الكافي، التي نظمها الشيخ عبدالرحمن الكافي، وقد كلفته حياته، إذ تم إعدامه سنة 1934 من طرف الاستعمار الفرنسي، ويصفها الباحث التونسي في علم الاجتماع عبدالواحد المكني، بانها أشهر قصيدة بذيئة في تاريخ تونس زمن الاستعمار الفرنسي :
الصبر لله والرجــــــوع لربّي
أمّا الدنيا وأهلهــــا في زبــي
ويكتب عبدالواحد المكني عنها
(هذه القصيدة تعرف ب”ملزومة الكافي” فهي من نظم الشاعر الشعبي التونسي عبد الرحمان الكافي المعروف بأشعاره الناقدة والساخرة والمتمردة في عشرينات القرن العشرين مما جلب له سخط المحافظين و سجون السلطات الاستعمارية مرارا.
اشتهرت هذه القصيدة ببذاءتها لا بحسن نظمها و بديع معانيها فقد “لزم فيها مؤلفها ما لا يلزم” من بذيء القول الناقم على الوضع و المتبرم من الاستعمار و أذنابه وقد ذاع صيت ”الملزومة” في حين ظل صاحبها منسيا مغمورا ولم يقع التعرض إلي مساره الشخصي كفاعل و مناضل ضد الاستعمار إلا – لماما – في بحوث بعض الأكاديميين الذين اهتموا بتاريخ النضال الشعبي التونسي ضد الاستعمار.)
فيما يقول الملا عبود الكرخي في قصيدته العامية مات اللمبجي .. عن الشعارات التي رددتها النساء بعد وفاة داوود اللمبجي المشرف على الانارة في حي المومسات ..
(مات اللمبجي داود وعلومه
كومو اليوم دنعزّي فطومه)
وقصيدة المجلس البلدي لبيرم التونسي، ومعارضتها من طرف شاعر الحمراء محمد ابن ابراهيم المراكشي بقصيدة المطعم البلدي في مدينة طنجة
إنها حالة من التحدي. ونوع من المضحكات المبكيات، وشر البلية ما يضحك
في فرنسا رفع العمال الفرنسيون شعارا غريبا على قرار ماكرون برفع سن التقاعد..
(ماكرون لا لأنك تنكح عجوزا، يجب أن تنكح الشيوخ)..
فيما رفعت تلميذات وطالبات المدارس والجامعات بالمغرب شعارا أكثر غرابة وعنفا يتسم بالقدح والبذاءة في وجه عزالدين العثماني رئيس الحكومة ردا على قرار الحكومة بالإبقاء على الساعة الإضافية بعد ساعات من الغائها، إرضاء لقوى خارجية، وهو قرار جائر ينتشل الفتية مبكرا من دفء أفرشتهم.
ابتدأت الاحتجاجات محتشمة بداية الأمر سرعان ما تحولت الى العنف والسب وهي طريقة متوحشة وغير حضارية تترجم مدى الجنوح الاخلاقي والتردي الذي وصلت إليه للمدرسة المغربية، يرددون فيها أمام قبة البرلمان المغربي او (مجلس الشعب) عند بعض الدول لإيصال صوتهم للحكومة ورئيسها،
(ويا يالعثماني الله ينعل طبون* مك
ما بغيتونا نقراو
مابغيتونا نوعاو
ويا العثماني الله يلعن طبون مك)
فما الذي دفع بالتلميذات الى رفع هذا الشعار المستفز، وبهذه الحدة من النقمة والدرجة من الغضب والاستياء؟
الشيء الذي حدا بالمخرج السينمائي المغربي نبيل لحلو للرد بمقال بعنوان (لا تسبوا الطبون.. المجد للطبون). جاء فيه:
[جميل جدا أن تخرجوا إلى الشوارع لتعبروا عن رفضكم لاستمرار التوقيت الصيفي عِوَض العودة إلى التوقيت التقليدي الذي تعودناه قرونا و قرونا حتى أتت العولمة لتقلب المعالم باسم الرأسمالية الطاغية. خروجكم إلى الشوارع مقبول وأرحب به شخصيا لأنه يدل على وعيكم بما ينتظره مستقبلكم، لكن السرور الذي أدخلتم إلى قلبي تحول إلى حزن عميق وخيبة كبيرة، وأنا أسمعكم تصيحون وتشتمون الطبون(....)
كلنا خرجنا من الطبون، ولذلك علينا أن نمجده ونقدسه. فهل سيقبل واحد من بينكم أيها التلاميذ أن يشتم طبون أمه التي حملته داخل بطنها مدة تسعة أشهر. وهل تقبلين أيتها التلميذة أن يشتم طبون أمك، أنت التي وهبك الله طبونا منه ستخرج ذريتك.]
هذه هي الشعارات في أسوأ حالاتها ترددها طالبات وتلميذات جامعات وثانويات مغرب الخبز الحافي، وقد بلغ بهن الغبن والتذمر والغضب مداه، فخرجن إلى الشارع يشتمن العثماني ويلعن طبون ام العثماني




* الطبون: الفرج باللهجة المغربية




1.jpg





>

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى