صبري الموجي* - د. كاميليا عبد الفتاح.. وغواية السيرة الذاتية!

ليس الكاتبُ نبيا معصوما، ينشرُ للعالمين ما يتلقاه عن الوحي، لكنه بشرٌ، يُخطئ ويُصيب، يُجامل أحيانا، ويراوغ كثيرا طمعا في مغنم، أو تقية من مغرم .. المهم أنه يُؤخذُ من قوله ويُرد، وهذا لاينتقص أبدا منه .

وشغفي بالكتابة عن مُعاصرين يعيشون بين ظهرانينا، أنساقُ فيه أحيانا لوازع الضمير، وهذا هو الأعمُّ الأغلب، أو لغواية مجاملة المكتوب عنه أو ذويه، طالما أن ما أذكره صدقٌ لا كذبَ فيه .

وتأتي كتابتي عن الناقدة الفذّة، والحكاءة المُبهرة، والأديبة الرصينة، والشاعرة المرهفة د. كاميليا عبد الفتاح، التي ينهمرُ نهرُ عطائها مُحمَّلا بالخصب المعرفي، والثراء الفكري، فيملأ شقوق العطش المعرفي لقرائها الكثيرين - وأنا منهم - ممن يتلقفون ما يجود به يراعُها الآتي في ثوب لغوي قشيب، يمتازُ بالبلاغة، ولا يطغي فيه الشكلُ علي المضمون، ويتآزر فيما تكتبه اللفظُ والمعني في بوتقة رائعة، تحمل نصا فريدا في غزارة معناه، مُعجِبا من حيث لفظه .. أقول تأتي كتابتي عنها من مُنطلق الضمير المهني وفقط !

ومعرفتي المُستجَدة بالرائعة د. كاميليا عبد الفتاح، تُثبت أن في الزوايا خبايا، وفي الناس بقايا، فرغم إقامتها بثغر مصر الباسم مدينة الإسكندرية، إلا أن مشاركاتها في المحافل الثقافية - وإن كان ذلك قليلا - لإيناسها الطاغي ببيتها، وإسهاماتها النقدية والفكرية، ودررَها المرصعة بيواقيت الألفاظ، وتيجان المعاني، التي تنشرها عبر حسابها الشخصي علي فيسبوك، أو من خلال كتبها المحكَمة، تُثبت أنك أمام كاتبة تملك أدواتها، وتُحكِم توظيفها، فتبهرك بسحر ما تكتب، وأنت تتفيأ ظلال حكاياتها المشوقة، والفرحة تملأ جوانحك؛ لقدرتها علي سرد واقع عاشته هي، وعايشه غيرُها، ولكنها ملكتْ ناصية التعبير، وأسلس لها البيانُ القياد، وحقا إن من البيان لسحرا .

في استسلامها لغواية الكتابة عن سيرتها الذاتية، تعيش وأنت تقرأ متعة حقيقية، تجعلك تحتشد لكل حرف، وتتفاعل مع كل كلمة، وتهز وجدانك صورُها البلاغية المتدفقة، فتلمس تشخيصا للجمادات، وتجسيدا لقيم ومعاني، تظهر كما لو كانت بشرا بلحمٍ ودم .

تتدلل عبارات د. كاميليا في تيه، وتميس في عُجب، ولها في ذلك كلّ الحق؛ لأنك محالٌ أن تشعر بالملل مهما طال ما تكتبه يدها، أو تصوغه قريحتُها، فتنشأ بينك وبين عباراتها حميميةٌ ودفء، يشعرانك بأن أسلوبها في المتناول، لكنه السهل الممتنع، فهيهات لك أن تأتي بحرف من مثله .

تستند د. كاميليا لخلفية ثقافية، ومعرفية، حصَّلتها خلال رحلة بحثها ودراستها، جاءت إلي جانب موهبتها الملحوظة والواضحة، التي جعلتها نجما محلقا في سماء الفكر .

تعرفتُ علي د. كاميليا خلال قيامي بعمل تحقيق ثقافي، صالتْ فيه وجالت، وقالت فأفصحت، وتكلمتْ فبينت، وتفادت الطول الممل، أو الإيجاز المُخل .

عبقرية د. كاميليا ليست في تفردها الأسلوبي واليياني، ولكن كذلك في التقاطها لصورها الفوتوغرافية أو الشخصية المُبهِرة المُفعَمة بالحيوية والنضارة - وهذا ليس غزلا - التي تثري التحقيق أو الحوار الصحفي الذي يجري معها .

د. كاميليا عبد الفتاح من مواليد الأقصر، وتقطن عروس البحر المتوسط الإسكندرية، حيث عادت إليها بعد رحلة طويلة بالجامعات السعودية، تركت خلالها بصمة واضحة، وأثرا يُدرَس فكرا وخلقا .

تعكف د. كاميليا في صومعتها، حيث الكتب والأبحاث الساعات الطوال؛ لتصوغ أدبا مُبهرا، ينبني علي حصيلة معرفية واسعة، جعلت من كُتبها أسفارا لابد أن تحويها مكتبةُ كلِّ مثقف مثل مقومات السرد في الشعر الحكائي، وغواية السيرة الذاتية، التي تزلزل كياني كلما قرأتُ جزءا منها .
----------------------------
بقلم: صبري الموجي *
*مدير تحرير الأهرام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى