أ. د. عادل الأسطة - زكريا محمد... (1........20)

1- زكريا محمد : عصا الراعي.. هل هي سيرة روائية؟

يقر زكريا محمد بأنه اعتمد في كتابة " عصا الراعي " على سيرته الذاتية ، ولكنه لم يرد لها أن تكون سيرة ذاتية . لقد اتكأ في كتابتها على أسطورة ( جيلجامس ) وعلى حكايات شعبية وتاريخية أيضا ولعب عليها . إن اللعب كان حاضرا حضورا لافتا في الرواية . إنه لعب على الأسطورة والحكايات الشعبية ، ولذا رأى في بحثه عن أخيه هامشا على متن ، والرجل الفضولي الذي التقى به في المقهى واستدرجه إلى بيته لعب على السارد / زكريا وجرحه في فقدان أخيه .
إذا ذهبنا مع زكريا بأنه أفاد من سيرته في بناء روايته ، فإنه يركز على سنوات منها هي سنوات ما بعد أوسلو إلى ما قبل انتفاضة الأقصى ، ولن نعرف شيئا عن حياته بعد العام ٢٠٠٠ ، وما نعرفه عما قبل ١٩٩٤ قليل . نعرف مثلا عن القرية والمدرسة التي تعلم فيها وبعض أساتذتها وعن جدته وأبيه وأخيه الأكبر الغائب والوظيفة التي حصل عليها اخوه بالواسطة والرشوة ، ولكن هذا غيض من فيض وجل صفحات الرواية ال ١٢٨ تعلمنا عن حياته في رام الله وتردده على القرية وأحوال أبيه الذي خطف الطائر في أيامه الأخيرة عقله وأجواء المنزل ، وتعلمنا أيضا عن الاستيطان في الضفة ومعاناة المواطنين من المستوطنين .
إن كان هناك كاتب فلسطيني عرف الأرض وكتب عنها في قصصه كتابة العارف فهو ولا شك القاص محمد نفاع ابن قرية بيت جن ، وباطمئنان يمكن القول إن زكريا محمد هو الكاتب الثاني الذي وصف عالم القرية وصف عالم خبير . هل هناك أسماء أخرى فاتني ذكرها أو لم أطلع على نتاجها ؟
عندما قرأت ما دونته على صفحات الرواية في القراءة الأولى قرأت الملاحظة الآتية : " كتابة دفتر من دفاتر الأيام عن الأرض وعلاقة الفلسطيني بها ؛ السابق والحالي " . هل كتبت الدفتر ؟
وسيقرا المرء وهو ينظر في مدلول العنوان أن عصا الراعي تعني زهرة عصا الراعي أو " سيكلامين " التي تتدرج في ألوانها من الأبيض حتى الزهري العميق ، بل حتى الأحمر أحيانا . أسماؤها كثيرة ، عصا الراعي ، زعمطوط ، قرن الغزال ، بخور مريم ، غليون سيدي " فهي تتكشف لكل منطقة باسم مختلف ، حاملة في كل اسم بقايا أسطورة ما ، لكني أحب اسمها الغريب :" زعمطوط " المليء بالحنان والفظاظة معا .
يقول الابن إن الراعي أضاع عصاه في التلال فيرد الأب : بل أضاع قطيعه ، والزعمطوط هو قطيعه المفقود .
هل في رواياتنا وقصصنا وصف للطبيعة واحتفال بها كالذي نقرؤه في قصص محمد نفاع ورواية زكريا محمد ؟
أتمنى أن يجيبني العارفون فأتعلم !!
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

2- زكريا محمد و " الخربشات "

في العام ١٩٩٧ زرت جريدة الأيام الفلسطينية في رام الله ، وهناك رأيت محمود درويش يشرف على تصحيح مجلة " الكرمل " التي عادت للصدور من رام الله . عرضت عليه أن ينشر لي فيها نص " ليل الضفة الطويل " فأجابني :
- هل تريد أن تغلق المجلة ؟ انتظر حتى يصدر منها عددان أو ثلاثة .
ولم أكرر الطلب . عندما أرسل إلي مركز السكاكيني في العام ٢٠٠٢ تقريبا أن انضم إليه تشجعت وأرسلت مع طلابي نسخة من نص " خربشات ضمير المخاطب "( ١٩٩٧ ) آملا أن ينشر في " الكرمل " ولكنه لم ينشر . هل وقع النص ، في حينه ، بين يدي زكريا محمد ؟
لا أزعم أنني أول من استخدم دال " خربشات " أو الفعل " خربش " فقد قرأتها في كتاب محمود درويش " يوميات الحزن العادي " ( ١٩٧٣ ) وفي مقالات آخرين أو في مقابلات معهم ، ولكني أزعم أنني أعطيتها صبغة ما حتى صارت تلتصق باسمي .
في " عصا الراعي " يكتب زكريا محمد عن رجل فضولي يتعرف إلى السارد الذي يكتب في الصحيفة ، ويدعو الفضولي السارد إلى غرفته ليريه مكتبته وبعض ما يكتب .
هل تورط السارد ؟ وهل كان الرجل الفضولي من أولئك الناس الذين حين لا يجدون أحدا يهتم بما يفعلونه أو يقدرونهم ؟ هؤلاء الناس الذين يبحثون عن فرائس لهم ويقودونها إلى أوكارهم ، وهناك يخرجون دفاترهم وأوراقهم ويستقطرون المديح والاهتمام من فم الفريسة لما يكتبون " أناس من هذا النوع قد يصرفون آخر قرش في جيوبهم من أجل هذه اللحظات ؟" .
عندما يسأل السارد الرجل الفضولي عما يكتب يجيب :
- يعني ، نخربش أحيانا .
يعقب السارد بالآتي :
" أعرف هذه الكلمة " نخربش " . إنها كلمة المحترفين أمام المحترفين الآخرين ، أو أمام من لا علاقة لهم بالكتابة ، وهو هنا يقولها لمحترف مثله .
قلت : أرني شيئا من خربشاتك
قال : المرة القادمة . خلنا نتحدث الآن . " .
المفردة تقود إلى الفردة والقصة تذكر بالشبيه وهذا يحتاج إلى كتابة .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

3- زكريا محمد الابن البار الرؤوف :

في الكتابة عن الأب في الأدب الفلسطيني نصوص عديدة ، تارة بدا الأب ضرورة وغيابه مشكلة ، وطورا صور عبئا بخاصة في حالات مرضه . بدا هذا في الشعر والنثر ، ولا أعرف إن كان هناك من تتبع صورة الأب في نماذج أدبية فلسطينية . كتبت فدوى طوقان في سيرتها عن أبيها القاسي وسحر خليفة في روايتها " الصبار " وفي سيرتها " روايتي لروايتي " ورثى محمود درويش أباه " رب الأيائل ، ربها يا أبي " وقسا أحمد دحبور في قصائده على أبيه والقائمة تطول .
لا أعرف الكثير عن زكريا محمد ( داوود عيد ) وأسرته ؛ أبيه وأمه وأشقائه وشقيقاته ، ولا أعرف عن العلاقة التي سادت بينهم ، وللأسف فإن لقاءاتي بزكريا ، وقد شابها الود والاحترام ، كانت قليلة عابرة لم تتجاوز حديثا سريعا .
وأنا أعيد قراءة " عصا الراعي " التفت إلى العلاقات الأسرية فيها .تكاد تغيب الأم ، فلا يكون لها حضور لافت إلا من خلال تشبثها بحقها " أريد تينة أبي " " أريد شجرة أبي " ، والحضور الأكثر هو للأب القروي المزارع الذي امتد به العمر حتى بدأ ينسى ويخرج من البيت فيتخاصم مع هذا أو ذاك . لقد هدته الحياة وأضعفه غياب الابن الأكبر - هذا إن قرأنا الرواية على أنها رواية سيرية .
السارد الذي يقيم في رام الله ويزور قريته باستمرار ويعود أباه ويلتقي بأخيه وأخته يوصيهما خيرا بأبيه ويتعامل هو معه بحب وحنان ورأفة وبالحسنى ولا يقول له " أف " . غالبا ما يلبي لأبيه طلباته ويسايره ويعطف عليه ولا ينتقص منه أبدا ، وعندما انتهيت من القراءة ظلت الكلمة التي خاطب الابن فيها أباه عالقة بذهني ، لا بلفظها ، وإنما أكثر بما تحتويه من حنان يكنه الابن للأب :
" - يا به " .
وأنا أقرأ " يا به " تذكرت لقاءاتي بزكريا محمد . لم يكن فجا ولم يكن غليظا . كان ودودا هادئا يبدو وديعا جدا . وربما قليلة جدا هي المرات التي كان ينرفز فيها حين نتواصل فيسبوكيا وتختلف آراؤنا .
ليست " عصا الراعي " رواية أجيال ، ولا هي كتبت لتكون رواية عائلية أساسا وإن حضرت العائلة فيها ، ومع ذلك يستطيع الباحث عن لازمة / فكرة الأخ في الأدب الفلسطيني أن يتوقف أمامها مطولا إذ تشغل هذه العلاقة بال السارد لا في لحظتها الراهنة وحسب ، وإنما في الأساطير والديانات ولدى الشعوب ، وهذا وحده يتطلب كتابة خاصة ، وما يتطلب كتابة خاصة أيضا مقارنة ما يطرحه زكريا محمد حول الأخ الأكبر والأخ الثاني بما كتب عنه مريد البرغوثي في " رأيت رام الله " وما كتبت عنه رضوى عاشور في " الطنطورية " وقد كنت كتبت عن الأخيرين في جريدة الأيام الفلسطينية .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٨ / ٢٠٢٣

في ١٤ / ٨ / ١٩٨٢ ناقشت رسالة الماجستير في الجامعة الأردنية في قاعة مجمع اللغة العربية الأردني وكان دكتور محمود السمرة رئيسا والدكتوران عبد الكريم خليفة ونصرت عبد الرحمن مناقشين .
( من محاضرتي عن زكريا محمد في يوم الاثنين المقبل في ٢١ / ٨ / ٢٠٢٣ )


***

4- يا محمد وغسان كنفاني : ما هو الوطن ؟ خيبة العائد .

هل تأثر زكريا محمد في " عصا الراعي " وبعض مقالاته بغسان كنفاني وروايته " عائد إلى حيفا " ؟
مرة تساءلت : هل تأثر كنفاني في أثناء تعريفه الوطن باميل حبيبي ؟
كان سبب سؤالي هو إعادة قراءة قصة قصيرة كتبها إميل حبيبي في خمسينيات القرن ٢٠ وأظنها بوابة مندلباوم ، إذ تساءل ساردها عن مفهوم الوطن ويمكن العودة إلى مقالي .
لم يشع تعريف حبيبي للوطن وظل طي النسيان ، وفي المقابل أورد سؤال كنفاني وتعريفه عشرات الدارسين ، وحين كتبت عن الوطن في شعر إبراهيم طوقان كنت واحدا ممن اقتبسوا سؤال كنفاني وتعريفه . صار سؤاله يقتبس بكثرة ويمكن أن يتأكد المرء من هذا إن بحث عنه في غوغل أو في الفيس بوك .
في " عصا الراعي " يقترح عادل على السارد أن يبحثا عن الذهب ، فالمشكلة عامة والخلاص فردي ، ويسحق السارد فيعيد تعريف ذاته ويتساءل : ما هو الوطن ؟ أهو روح الإنسان تتركز في كلمة واحدة ، أم هو كذبة لإرسال الناس إلى الموت ؟ أم لعله وهم عليك أن تعبره حتى تكتمل أنت ؟
والسارد لا شك أنه زكريا نفسه ، فقد كتب مقالا مطولا تحت عنوان " أهذا هو الوطن ؟" وأعاد نشره في كتابه " الراهب الكوري : سفر وأشياء أخرى " ( ٢٠٠٥ ) يأتي فيه على عودته ، بعد اتفاق أوسلو ، إلى الضفة الغربية ، وفي الوطن يلح عليه المنفى بحيث يرغم الذاكرة على تحويل المنفى إلى موضوع لها ، بدل أن يكون الوطن هو الموضوع . أهذا هو الوطن في الحقيقة ؟ أهذه هي العودة في العمق ؟ .
عندما يزور زكريا قريته يراها في النهار شبه خاوية . لقد تركها قبل سفره وأهلها فلاحون " وها أنا أعود إليها وأهلها عمال . كانوا يمضون في الصباح إلى تلال الزيتون ، أما الآن فيمضون إلى المزارع والمصانع الإسرائيلية . لقد انقلب كل شيء بسرعة خارقة ، لكنه انقلاب غريب ومدمر . ... " .
يحزن زكريا لما آلت إليه القرية " عادات استهلاكية غريبة ومخيفة " . تماما كما صار خلدون في رواية كنفاني دوف .
حين يسير زكريا في القرية مع أحد أبنائها الشباب الذين لم يغادروا القرية يرى الفيجن فيعرفه " أما زميلي الذي لم يغادر القرية فلا يعرف الفيجن أصلا " .
" وقلت في نفسي : أهذا هو الوطن ؟ أن يتعرف أنفك على نبتة الفيجن في الجبال في الوقت الذي لا يدري من هو أصغر منك ، ومن لم يغادر ما هو الفيجن ؟ أهذه هي العودة ؟ " .
كأننا نقرأ في رواية كنفاني " عائد إلى حيفا "! أهو تشابه التجربة أم أن الكتابة كتابة على الكتابة وما أرانا نقول إلا معادا مكرورا ، وزكريا كما كتبت تحت عنوان " زكريا محمد ومحمود درويش " يقول إنه هامش على متن !!
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٨ / ٢٠٢٣

***

5- زكريا محمد ومحمود درويش :

لا يخفى على قراء المرحوم زكريا محمد موقفه من شعر محمود درويش وعمله معه في مجلة الكرمل . لقد أفصح زكريا عن رأيه كتابة ، وتناقل محبوه ما كتب ؛ اقتبسوه أو أعادوا إدراجه .
لن أكتب قصيدة خارجة من رحم القصيدة الدرويشية . لن استخدم مفرداته ومجازاته وصوره ، على الرغم من أنني قاريء لشعره .
وحين عمل زكريا في الكرمل مع محمود عبر عن وجهة نظره لدرويش علنا .
ما سبق صار معروفا مألوفا ، ولكن ألم يتحاورا معا وهما في مركز خليل السكاكيني في قضايا أدبية تسللت إلى نصوصهما ، ما أدى إلى تشابه في بعض الآراء والأفكار والرؤى الأدبية ؟
لا بد من أن يفحص المرء نتاج الشاعرين ؛ الشعري والنثري ، للوصول إلى نتيجة ما قد تؤكد التأثر أو تنفيه ، أو على الأصح التقاطع في النصوص .
في العام ٢٠٠٣ نشر محمود درويش ديوانه " لا تعتذر عما فعلت " ونشر فيه قصيدته " تنسى كأنك لم تكن " وفيها يرد :
" أنا للطريق ... هناك من سبقت خطاه خطاي
من أملى رؤاه على رؤاي ، هناك من
نثر الكلام على سجيته ليدخل في الحكاية
أو يضيء لمن سيأتي بعده
أثرا غنائيا .. وحدسا
....
....
لكن قيل ما سأقول
يسبقني غد ماض . أنا ملك الصدى .
لا عرش لي إلا الهوامش . والطريق
هو الطريقة . ربما نسي الأوائل وصف
شيء ما ، أحرك فيه ذاكرة وحسا "
وفي العام ٢٠٠٣ نشر زكريا روايته " عصا الراعي " وفيها نقرأ كلاما شبيها حد التطابق .
ولأن العملين صدرا في العام نفسه فلا يقين أو دليل على أن أحدهما قرأ الثاني وتأثر به . ربما تناقشا في الفكرة وصاغها كل منهما ؛ درويش شعرا وزكريا نثرا .
اقرأوا المقطع ٢٨ من رواية زكريا :
" العالم نص واحد
الحياة نص واحد
الإنسان نص واحد .
أنا هامش على متن قديم . هامش على متن معروف . هامش على هامش على هامش . لا أحد ينشيء متنا جديدا . الحياة لا تملك أن تنشيء متونا . المتون كلها وضعت من قبل . لا شيء سوى التعليقات والحواشي . من له أهمية ما ينشيء هامشا . حياتي أنا هامش على متن من سطرين "
( من محاضرتي التي سألقيها في نابلس في ٢١ / ٨ / ٢٠٢٣ ، بمناسبة رحيل الشاعر في ٢ / ٨ / ٢٠٢٣ )
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

6- زكريا محمد والنقاد : لماذا نكتب عن شعر شاعر ليس بحاجة إلى نقاد ؟

كان الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي كثير الهجوم على النقاد ، وأذكر أنني قرأت له في مجلة " المعرفة " السورية ، في اواسط ٧٠ القرن ٢٠ سطرا يقول :
" وزنتك يا وزان الشعر ، فكنت خفيفا في الميزان " .
ومع أن محمود درويش طالب النقاد أن يرحموه من حبهم القاسي ، إلا أنه كان أحيانا يضيق ذرعا بهم ، فخاطبهم ألا يفسروا كلامه " بملعقة الشاي " وذهب إلى أنهم يؤولون كلامه تأويلا لم يخطر على باله يحول بينه وبين النوم ، ثم عاد بعد سنوات قليلة ورأى أن تأويلاتهم هي سوء تفاهم فشكرهم ليمضي إلى قصيدته الجديدة .
زكريا محمد يعلنها علنا " فأنا لا أستطيع الركون إلى رأي النقد في نصي ، فليس من مبرر كاف كي أقبل هذا الرأي ، كما أنه ليس هناك من سلطة تلزمني بقبوله ، فأنا الوحيد الذي أملك أن أحكم على نصي - أي أن الشاعر مثل اله العهد القديم الذي نظر إلى صنع يديه فرآه حسنا " .
وجهة نظر زكريا هذه تحيلنا إلى مقولة " موت الناقد / موت النقد " .
يحدد زكريا وظيفة الناقد بالآتي : وضع نص في سياقه . فك رسائله الاجتماعية . فك بنيانه . لكنه لا يستطيع أن يصدر حكم قيمة ، كأن يقول هذا نص جيد أو هذا نص سيء .
بناء على ما سبق قررت شخصيا أن آخذ باقتراحه وألا أقيم شعره . على فكرة فإن النقد البنيوي لا يصدر حكم قيمة وتتساوى النصوص لديه ؛ جيدها ورديئها ، نصوص الشعراء الكبار ونصوص الشعراء المبتدئين . الكتابة نشاط لغوي ليس أكثر ، وهذا يختلف عن النقد الماركسي الأيديولوجي .
ومع عدم احتفال زكريا بالنقاد وآرائهم إلا أنني سأشارك في ندوة يوم الاثنين في حديقة مكتبة بلدية نابلس / المنشية .
الدعوة عامة
الاثنين ٢١ / ٨ / ٢٠٢٣ الساعة الخامسة والنصف .
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٨ / ٢٠٢٣

***

7- زكريا محمد واللعب :

لعل ما يستحق أن يلتفت إليه في أثناء الكتابة عن زكريا محمد هو تكراره دال اللعب .
قرأت له في الآونة الأخيرة ، عدا رواية " عصا الراعي " ، بعض مقالاته من كتاب " الراهب الكوري " وبعض المقالات التي نشرت في المجلات وفي الصحف ولاحظت أنه يكثر من استخدام هذا الدال ، وقد صرت أفكر في كتابة مقال لدفاتر الأيام الفلسطينية حول الموضوع .
يجب العودة إلى كتاب " دليل الناقد الأدبي " لسعد البازعي وميجان الرويلي ، وأظن أنهما كتبا تحت مفردة " اللعب " شيئا .
هل كتب محمود درويش " لاعب النرد " من فراغ ؟
القصيدة رمية نرد .
المقاطعة تلعب أيضا وصرت أفكر أن ألاعب الآخرين يوميا لمدة سبع دقائق فقط ، ولكني أخشى على أخلاق شعبنا من الانحدار أكثر وأكثر ومن السقوط في الرذيلة ، فأكون مثل ذلك الشرير في رواية الألماني ( باتريك سوسكيند ) " العطر " .
خمس دقائق لعب يوميا قد ترقص المدينة ومخيماتها وقراها وقد تصل إلى مقاطعة رام الله أيضا .
مرة كتبت تحت عنوان " لاعبوه سيميائيا " .
هل الحياة لعب في لعب ؟ هل ورد هذا في القرآن الكريم ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

8- زكريا محمد و "عصا الراعي": القضيـة عامـة والحـل فـردي

في العام ٢٠٠٣ أصدر زكريا محمد (داوود عيد) روايته الثانية «عصا الراعي» التي لم تحظَ بتلقٍ نقدي حظيت به روايته «العين المعتمة» (١٩٩٦)، وقد يعود السبب إلى تاريخ صدورها، حيث كانت انتفاضة الأقصى في ذروتها ولم تقاربها الرواية التي ركزت صفحاتها الأولى على عبارة «القضية عامة والحل فردي»، وهذا ما كان يغاير السائد في زمن النشر، فمن سيواصل قراءة رواية تكرر شخصياتها هذه العبارة في لحظة كانت التضحية بالذات عنوانها وكانت الضفة الغربية وقطاع غزة يشهدان مقاومة عنيفة أسفرت عن اجتياح المدن ومحاصرتها وتقطيع أوصالها؟
يعود الزمن الروائي إلى ما بعد أوسلو ١٩٩٤ وقبل انتفاضة الأقصى في آخر أيلول ٢٠٠٠.
في هذه الفترة شهدت الضفة هدوءا واستقراراً باركه أكثر العائدين وحذر منه أقلهم ممن لم يستسيغوا بعض العبارات التي صار يرددها قسم من الفدائيين القدامى الذين سألوا عن امتيازات شخصية وخلاص فردي.
في المقهى يجري النقاش بين بعض رواده من المهتمين بالشأن العام «الفوضى، انعدام المقياس، غياب القانون، انهيار القيم»، ويقترح عادل على أنا السارد، وهو زكريا، أن يشارك معهم في البحث عن الذهب.
يكون النقاش عادياً لكنه ينتهي بجملة مرعبة تهز السارد من الأعماق «المشكلة عامة والحل فردي» فيغضب ويتألم في اللحظة التي يكون فيها عادل متفائلاً:
«يا زلمة.. ما تكبر الأمور. المشكلة عامة والحل فردي».
تتكرر الجملة في الصفحات الأولى غير مرة «القضية عامة والخلاص فردي» و «القضية عامة والحل فردي» وتدفع السارد إلى إعادة تعريف ذاته من جديد:
«من أنا؟ وماذا كانت حياتي؟ وإلى أين أسير؟ ثم: ما هو الوطن؟ أهو روح الإنسان تتركز في كلمة واحدة، أم هو كلمة لإرسال الناس إلى الموت؟ أم لعله وهم عليك أن تعبره حتى تكتمل؟ ثم: أكنت أجري، في الحقيقة، وراء وطن أم كنت أقاد إلى منجم أعمل فيه بالسخرة؟».
يقنع عادل السارد بالبحث عن الذهب مع شخص ثالث «وهكذا من أبو رامي التخطيط، ومن عادل آلة الكشف عن الذهب، ومني بعض المعرفة التاريخية عن خط انسحاب الجيش العثماني من فلسطين. رحنا نبحث عن الذهب، نبحث بنهم.
أليس الخلاص فردياً؟
أليس على كل واحد أن يبحث عن ذهبه؟».
هذه الافتتاحية تذكر برواية كنفاني «رجال في الشمس» (١٩٦٣) التي انتهت بموت الفلسطينيين الثلاثة في الخزان الذاهبين إلى الكويت بحثاً عن خلاص فردي.
بعد أربعين عاماً من نضال الفلسطينيين وبحثهم عن حل جمعي لقضيتهم يعود قسم منهم لينشد حلاً فردياً: الذهب والمال، فالمشكلة عامة. ويكاد السارد يجن لهذا، ولكنه هو الذي فضل العزلة، بعد أن امتلكه اليأس مما آلت إليه الأوضاع، يوافق على اقتراح عادل إلا أن الأمور تسير باتجاه مختلف.
السارد هو الابن الثاني لأسرة ريفية من قرية اللبن الغربي فقدت ابنها الأكبر ولم تفقد الأمل في العثور عليه، وتعقد أملها على الابن الثاني لينجز مهمة العثور على أخيه، فيبدأ البحث، علما أنه توصل إلى أن المسؤولين «لا يهتمون بالمفقودين ولا بذويهم» وأن عليه أن يفعل ما فعلته أم علي التي ظلت تبحث عن أخيها المفقود إلى أن استرجعت جثته من مقابر الأرقام - إن كانت الجثة جثته. عندما يسألها السارد إن كانت الجثة لأخيها تصمت طويلاً ثم ترد:
- ما زلت أشعر أن أخي حي، لكنني أذهب وأزور قبره يومياً.
- ولو جاء أحد وقال لك إن أخاك حي؟
- ألف الدنيا كلها من جديد.
وتبكي وتتركه فيخجل من قوتها ومن إرادتها ومن وفائها ويخجل من يأسه وتعبه، وينسى البحث عن الذهب ليواصل البحث عن أخيه، بخاصة بعد أن أعلمته أخته أن امرأة من قرية ثانية رأت أخاه في لبنان فحملها رسالة لأهله تأخرت عشر سنوات في إيصالها، وبعد أن أخذ الرجل الفضولي الذي التقى به في المقهى وهرب منه يرسل له رسائل يكتب فيها:
«يا للعيب، تبحث عن الذهب وتنسى أخاك» و «أخوك تحت نظرك، وأنت لا تراه!» و»أيها الأعمى ألا ترى/ أخوك».
البحث عن الأخ يدفعه إلى البحث عن المرأة التي أتت بالخبر وعن الرجل الفضولي الذي يرسل له الرسائل فيعتقد لوهلة أنه قد يكون أخاه.
في هذه الأثناء يبحث أيضاً في الأسطورة والتاريخ عن قصص مشابهة أو متناقضة لقصته وقصة أخيه؛ قابيل وهابيل، جلجامش وأنكيدو، عيسو ويعقوب، الزير سالم وكليب، ويصغي أيضاً إلى قصص واقعية مثل القصة التي أخبره بها صديقه خالد عن صديقه إياد وأخيه الأصغر أيمن؛ تارة تتشابه بعض القصص مع قصته وطوراً تتناقض أو تكون معكوسة. تتشابه قصته وقصة الزير، فالأخ الصغير يبحث عن الكبير، وتتناقض مع قصة جلجامش وقصة إياد، فالأخ الكبير فيهما هو من يفقد الأخ الصغير.
يموت الأب ويقتل المستوطنون الرجل الفضولي ولا يعثر السارد على أخيه وينسى البحث عن الذهب ويستمر الاستيطان وتبقى المشكلة العامة ولا خلاص فردياً وتنتهي الرواية بالسطرين:
«كنت أرغب في الموت
أرغب فيه حتى النهاية».
عادل الأسطة
2023-08-20

***

9- بكاء الفلسطيني :

أعيد قراءة رواية زكريا محمد " عصا الراعي " ( ٢٠٠٣ ) لأتحدث عنه روائيا وأكتب دفترا لدفاتر " الأيام " الفلسطينية ، وأظن أنني أتيت باختصار على ذكر الرواية من قبل ، ويخيل إلي أن الرواية لم تنل حقها من الكتابة ؛ لأنها صدرت في أوج انتفاضة الأقصى التي اندلعت في ٢٨ / ٩ / ٢٠٠٠ . وفي فترة احتلال بغداد ( ٢٠٠٣ ) .
رحلة البحث عن الأخ الأكبر محور أساس من محاور الرواية التي تقودنا إلى علاقة الأخ الثاني بأخيه وأسرته ، بل ومكانة الأخ الأكبر في العائلة . كيف أفلتت هذه الرواية مني وأنا أكتب عن الابن الأكبر في العائلة الفلسطينية ؟
يلتقي السارد ، وهو قناع زكريا محمد نفسه ، ب " أم علي " التي كانت تبحث عن أخيها ولم تيأس ، ولاحقت الإسرائيليين حتى ملوا ، فسلموها جثة من جثث مقابر الأرقام ، ولم تتأكد من أن الجثة جثة أخيها ، وحين يسألها السارد / زكريا :
- هل أنت مقتنعة أن الجثة لأخيك ؟
تصمت طويلا ثم ترد :
- ما زلت أشعر أن أخي حي ، لكنني أذهب وأزور قبره يوميا
- ولو جاء أحد وقال لك إن أخاك حي ؟
- ألف الدنيا كلها من جديد .
وبكت ثم تركتني .
ويعقب السارد :
خجلت من قوتها ، من إرادتها ، من وفائها.
خجلت من يأسي وتعبي .
عندما تذهب أم علي مع السارد إلى مقبرة الأرقام رغم أنها منطقة عسكرية ممنوعة تصر على الدخول ويدخل السارد وراءها خائفا
" طوفنا على كل القبور . لمست كل قبر وبكت عليه . بكت بحرارة . بكت على أخيها . بكت على القتلى ، بكت على نفسها . بكت علي ، بكت على أخي ، بكت على البلد كلها " .
صارت حياتنا ملطمة ، على الرغم من أن سطر محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " يجري على لساننا غالبا .
في الصباح أدرجت قصيدة سميح القاسم " شهداء الحب " التي بتذكر فيها العراق وما كان يلم به فتساءل :
"
ويوم يزحم وجه الموت ذاكرتي
أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني " .
لمن يريد الاستماع إلى القصيدة بصوت كاتبها فهي مدرجة على صفحتي .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٨ / ٢٠٢٣

***

10- في وداع زكريا محمد :

تتطلب الكتابة عن زكريا محمد مراجعة أرشيف المراسلات بيننا ، وأظن أنه ضاع مع إغلاق صفحته القديمة وإنشائه صفحته الجديدة التي لم نتصادق فيها .
قبل عامين ثلاثة لم ينشر فقرة إلا قرأتها . تجادلنا أنا وهو وفادي عودة يوم كتب عن دال " البصل في قصيدة محمود درويش " أحمد الزعتر " :
" يا امرأتي الجميلة !
تقطعين القلب والبصل الطري و ... "
وطال الجدل .
لا ينسى متابع زكريا محمد ما كتبه عن علاقته بمحمود درويش وعمله معه في مجلة " الكرمل " إذ كان صريحا معه في أن ما يكتبه يختلف كليا عما يكتبه درويش :
" لا تفرض ذائقتك الشعرية على ذائقتي "
وكان سبب اختيار درويش له لهذا .
عبر زكريا عن موقفه من شعراء المقاومة في مقال له نشره في مجلة الهلال المصرية وافصح عن إعجابه ببدايات أحمد دحبور الشعرية التي رأى فيها ما تجعله ندا لدرويش .
كان زكريا يقترح ذائقة جديدة للشعر رأى فيها بعض النقاد شعرا مختلفا متميزا ، ومنهم موسى خوري Mousa Khoury أستاذ الأدب العربي في جامعة بير زيت .
مع أن زكريا محمد عاد إلى رام الله مع العائدين إثر اتفاق أوسلو ، إلا أن النتائج الكارثية التي قاد هذا الاتفاق الفلسطينيين إليها جعلته واحدا من المثقفين البارزين الذين انتقدوا الاتفاق والسائرين في ركبه ، ما أدى إلى اعتقاله ، علما بأنه كان يرى أن السلطة الفلسطينية تمنح المثقفين هامشا من الحريات لا توفره الأنظمة العربية لمثقفيها .
مع أن زكريا أبدى رأيا جريئا في الشعر والشعراء المكثرين هذا نصه :
" يمكن اختصار الشاعر بخمس قصائد . الشاعر الأعظم يمكن اختصاره بعشر على أبعد تقدير ." ( ٨ / ٧ / ٢٠١٥ )
إلا أنه كتب عشرات ، إن لم يكن مئات ، القصائد .
يتابع زكريا رأيه موضحا :
" يحتاج الشاعر إلى سنوات كي يأتي بقصيدة جديدة . سبع سنوات قد تكفي لذلك ، وحين يحصل على واحدة فهو يقضي سنوات يلعب بها أو يلعب عليها . إنه مثل أن تحفر بئرا ثم تنضح من مائها إلى أن تجف ، فتضطر إلى حفر بئر غيرها .
لدى الشاعر خمس قصائد أو عشر قصائد على أبعد تقدير . ما تبقى إنما هو تكرار ما لهذه القصائد .
وأظن أن " المختارات " محاولة للعثور على هذه القصائد . المختارات بحث عن القصائد الخمس أو العشر . لذا كلما قصرت المختارات كانت أكثر صدقا . وكلما طالت فقدت معناها .
الشعر الجاهلي اختصر بعشر قصائد ( المعلقات ) ، ولكل شاعر مثل هذا العدد أو أقل هي نتاجه الفعلي . هي ثمرته " .
ولمن يريد أن يقرأ رأيه في شعر المقاومة الفلسطينية فليعد إلى مجلة الهلال التي نشرنا فيها معا ، فقد اقترح زكريا اسمي على الكاتب المصري سعد القرش يوم كان رئيس تحرير المجلة .
الرحمة والمغفرة للشاعر زكريا محمد .
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٨ / ٢٠٢٣

وفي ٢ / ٨ / ١٩٧٣ توفي أخي درويش بحادث سير ، وهو أيضا من مواليد العام ١٩٥٠ الذي ولد فيه زكريا

***

11- زكريا محمد ومحمد الريشة :

أمس في نابلس التقيت في الحادية عشرة صباحا بالشاعر محمد الريشة ، فحمدت الله أنه بصحة جيدة وأنه ما زال حيا يرزق .
قلت له :غالبا ما يسألني معارفك عنك ، وهم يسألونني إن كنت ما زلت في نابلس و :
- هل تعرف شاعرا في نابلس اسمه محمد الريشة ؟ ما هي أخباره ؟
وتذكرنا معا " إيقاعنا الماضي " و " سوء الأصدقاء " ، وتعبير " إيقاعنا الماضي " لمحمود درويش في رثاء راشد حسين " كان ما سوف يكون " ، ثم آتينا على رحيل الشاعر زكريا محمد وما كتبه عنه الشاعر فراس عمر حج محمد (فراس حاج محمد ) منذ رحيله وقبله .
سألت محمدا إن كان كتب شيئا عن زكريا في حياته ، فذكرني بكتابه / سيرته " بيت العقرب " وما كتبه فيها تحت عنوان " كتاب في جريمة " ، محورا العنوان اللافت " كتاب في جريدة : الشعر الفلسطيني " عن مختارات أنجزها زكريا لتصدر في الكتاب .
كما ورد فيما كتبه محمد فإن زكريا الذي ورد اسمه مرة زكريا ومرتين ذكريا ، ولعله خطأ في الطباعة ، اختار قصائد للشعراء العائدين أكثر ، ما آثار الشعراء المقيمين فكتبوا ينتقدون المختارات ، وأثارت كتابتهم وردود الكتاب العائدين حسن البطل فكتب مقالا تحت عنوان " حرب الشعراء الأهلية " .
أخبرت محمدا بأن هناك غدا - أي اليوم - أمسية عن زكريا محمد ودعوته إلى حضورها . هل سيحضر ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٨ / ٢٠٢٣

المحاضرة ستقام اليوم في حديقة المنشية في مكتبة بلدية نابلس في الساعة الخامسة والنصف .
أهلا وسهلا

***

12- زكريا محمد والتنقل بين الفصائل :

في أمسية الليلة عن الكاتب الراحل زكريا محمد ( داوود عيد ) تحدثنا ثلاثة ؛ أنا وعمر عساف وسعد عبد الهادي ، وأتمنى أن ينشر كل من المتحدثين كلمته ، أما أنا فقلت ما كنت أخربشه في هذه الصفحة .
ما فهمته من حديث الزميلين اللذين تتبعا حياته السياسية أنه لم يثبت في تنظيم ؛ من حزب العمال إلى الجبهة الشعبية فالجبهة الديموقراطية ففدا فترك التنظيمات كلها .
سارد رواية " عصا الراعي " / زكريا ، يعزز صفة التنقل وعدم الثبات في مكان ما ، فكر ما .
لنقرأ الفقرة الآتية :
" وأنا لست غرا . فقد اعتدت الزلازل والهزات . ففي كل ست أو سبع سنين كانت تأتيني لحظة أحس فيها أن الأرض تميد تحتي ، أن أفكاري التي اهتدي إليها تتفكك ، أن نظام قيمي مثل قميص بال . يبدأ الأمر أولا بفقدان حماس ، ثم يصير مثل ألم أضراس قوي ."
و
" هكذا كانت الأمور تسير معي ، وتتكرر القصة كل ست أو سبع سنين . كأن أية أفكار ، أية منظومة لا تصمد للزمن اكثر من ذلك . كأنه يحكم بأنها شاخت ، ويرمي بها إلى الزبالة ."
و
" كنت قادرا على سلخ المراحل واحدة بعد واحدة ورمبها كما ترمي حية جلدها القديم ... ومثل الحيات كنت أتعذب للحظات ، لأيام ، لشهور ، ثم أقذف بالماضي ورائي ... أمزق الصفحة القديمة وأرميها .... "
يبرر زكريا محمد تنقله بالآتي :
" الموت هو أن تسكن في مرحلة واحدة وتكن . الموت هو أن لا تعيد النظر في أفكارك . هو أن لا تعيد تعريف ذاتك .
وكنت أعيد تعريف ذاتي عند كل أزمة " .
هل يبرر زكريا لنفسه ولياسر عبد ربه ولمن كانوا وتحولوا تحولاتهم من حركة قوميين عرب إلى جبهة شعبية فجبهة ديموقراطية ففدا فممجدين لياسر عرفات ف ... ؟
أحيانا يقولون " الفن يفضح صاحبه " ولا أعرف إن كان زكريا كتب مقالة أتى فيها على تنقله من فصيل إلى ثان .
المهم هو أن الأمسية كانت ناجحة والحضور كثيرا .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٨ / ٢٠٢٣

***

13- ما أوسع الفكرة ... ما أصغر الدولة !! " فليطلق سراح الشاعر زكريا محمد "

الخبر اللافت الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أمس هو خبر اعتقال الشاعر زكريا محمد .
لم أتفاجأ شخصيا بما حدث ، فقبل أسابيع كتب عريب رنتاوي مقالا أتى فيه على كتابات زكريا وخشي عليه من الاعتقال ، وأعاد زكريا إدراج المقال على صفحته ، وعقبت شخصيا عليه وعبرت أيضا عن مخاوفي من التعرض له بسوء .
كان زكريا واحدا من كتابنا الذين وازنوا بين السلطة الفلسطينية والحريات التي تمنحها لشعبها وبين أنظمة الحكم العربية وانحاز للسلطة ، ذاهبا إلى أنها أفضل حالا ، فمساحة حرية الرأي لديها أوسع وأرحب ، وكان الشاعر محمود درويش كتب في " حالة حصار " الشيء نفسه :
لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون ، يحبوننا ، ينظرون إلينا
ويبكون ، ثم يقولون في سرهم :
" ليت هذا الحصار هنا علني ... "
ولا يكملون العبارة : " لا تتركونا
وحيدين .. لا تتركونا " .
ومنذ مقتل الناشط الاجتماعي نزار بنات نذر زكريا نفسه للكتابة ضد التسلط ومحاصرة النشيطين ، مطالبا السلطة الفلسطينية أن تتخذ موقفا ضد التغول الاستيطاني وضد الممارسات الإسرائيلية المتمثلة باقتحام مراكز الشرطة الفلسطينية وقتل الفلسطينيين فيها بدم بارد .
لم يصمت زكريا ولم يهادن هو الذي نشأ مع المقاومة الفلسطينية ونذر حياته لأجلها ولأجل تحرير بلاده . لقد ظل يدافع عما نشأ عليه وتربى في ظلاله وقد رأى ما رأى وما آلت إليه اتفاقات أوسلو بعد ٢٨ عاما من توقيعها .
- لم تقم الدولة
- لم يتوقف الاستيطان
- صارت السلطة الفلسطينية سلطتين
- لم يتحرر الأسرى .
وتأكد من أننا لسنا استثناء ، وأننا كذبنا على أنفسنا حين قلنا ذلك ، والعبارة لشاعرنا الوطني محمود درويش .
أمام اعتقال الشاعر لا بد من إعلان رأي ، تماما كما كان لا بد من إعلان رأي يوم تعرض وزير الثقافة الحالي ، وهو في غزة ، إلى الضرب على أيدي أفراد حركة حماس بسبب آرائه ، وكما كان لا بد من إعلان رأي يوم قتل نزار بنات .
غالبا ما أكرر إن الرئيس الفلسطيني أبو مازن رجل مثقف وعاقل ولا يمكن أن يسمح باعتقالات على حرية الرأي مهما كتب الكتاب ، ما لم يدعوا إلى القتل .
منذ ١٩٩٣ وأنا أخاف من أن نصل إلى ما وصلنا إليه ، ولقد كتبت هذا في نصي " ليل الضفة الطويل " :
" وكنت أتخيل كيف سيكون الأمر لو فصلوني من عملي . كنت أقول همسا :
" أما أنا فلا فاطمة عندي ولا محمد "
وأتابع :
" وعلى الكاتب أن يعيش جوالا "
وأواصل :
" وما دام السلام سيحل فيمكن للمرء أن يهاجر ، ولن أكون في مثل هذه الحالة مثل عبد اللطيف عقل المرحوم الذي قال :
" أنا نبض التراب دمي
فكيف أخون نبض دمي وأرتحل "
لقد ارتحل والاحتلال ما زال جاثما ودون أن يفصل من عمله ، أما أنا فسأرحل بعد أن أفصل وبعد اقتراب زوال الاحتلال وقيام الدولة العتيدة .
وكنت أهمس :
" شعب لا يحتمل وجود نص أدبي فكيف سيتقبل المعارضة ؟" .
إنني آمل أن يتم إطلاق سجناء حرية الرأي فورا و :
- لا لاعتقال زكريا محمد
- لا للاعتقال السياسي
- لا للاعتقال على حرية الرأي .
مرة كتب الشاعر مظفر النواب :
" خجلت أقول له :
- قاومت الاستعمار ، فشردني وطني " .
و
" ما أوسع الفكرة .. ما أصغر الدولة !! "
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٨ / ٢٠٢١

***

14- زكريا محمد " إنما نقول معادا مكرورا "

وأنا أكتب مقال الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية عن بذرة رواية زكريا " عصا الراعي " في شعره تذكرت مقولة شاعر عربي قديم " ما أرانا نقول إلا رجيعا ومعادا من قولنا مكرورا " ومقولة ( غوتة ) التي أكررها باستمرار " ليس الشعراء العظام شعراء كبارا لأنهم أتوا بأشياء جديدة ، وإنما هم كذلك لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تظهر لأول مرة " .
يبدو أن المقولتين تحفران عميقا في لاوعي زكريا .
" لدى الشاعر خمس قصائد أو عشر قصائد على أبعد تقدير . ما تبقى إنما هو تكرار ما لهذه القصائد".
أمس قرأت ما كتبه الكاتب المصري سعد القرش عن رحيل زكريا ونشره في موقع رصيف 22 ، فلاحظت اعتماده على مقال زكريا في مجلة الهلال المصرية في شهر أيار ٢٠١٧ . قارئو خربشاتي قد يظنون أنني اعتمدت على مقالة سعد ، علما بأنني نشرت في العدد نفسه مقالا عن أحمد دحبور ووظفت مقال زكريا في مقالي عن أحمد دحبور " البدايات وسحر البدايات " الذي نشرته أولا في جريدة الأيام الفلسطينية ( ٢ / ٧ / ٢٠١٧ ) ثم في كتابي " أحمد دحبور .. مجنون حيفا " الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في العام ٢٠١٨ .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٨ / ٢٠٢٣

***

15- زكريا محمد : ندوة نابلس وغياب التغطية الإعلامية

في ٢١ / ٨ / ٢٠٢٣ أقيمت أمسية ثقافية ، بمناسبة رحيل الكاتب زكريا محمد ، في حديقة المنشية في مكتبة بلدية نابلس ، دعت إليها لجنة المرأة الفلسطينية وأسهمت فيها بمشاركة السياسيين عمر عساف وسعد عبد الهادي صديقي زكريا ، وقد حضرها ما لا يقل عن مائة من المهتمين بالشأنين ؛ الثقافي والسياسي .
غالبا ما سئلت قبل عقد الأمسية إن كانت ستغطى تلفازيا من فضائية ما ، كفضائية فلسطين أو الجزيرة أو حتى من طرف تلفزيون المدينة . من تابع خربشاتي التي كتبتها قبل عقد الأمسية وتعليقات الكتاب والقراء المقيمين في خارج مدينة نابلس سيقرأ سؤال كثيرين طالبين تغطيتها لتعم الفائدة ، وكنت أحيل طلبهم إلى Ismat Shakhsheer بالإشارة إلى اسمها ، فهي المشرفة على الأمسية ، وأنا مشارك فيها فقط ولا صلة لي بأية فضائية أصلا .
لم تغط الأمسية ولم تذع على الهواء مباشرة فاستغربت . أهو موقف من زكريا محمد ؟ علما بأن هناك ندوات عديدة كانت تبث على فضائية فلسطين / البث المباشر والمتحدث عنهم فيها أقل مكانة أدبية وشهرة من زكريا .
ربما يعود السبب إلى أننا ، نحن المتحدثين الثلاثة ، نكرة ، أو أن زكريا محمد مثقف مشاكس غير مرغوب فيه .
صديق فيسبوكي هو Yahya Safi عقب على إحدى خربشاتي " زكريا محمد ونزعة جلد الذات / المازوخية " بأنه لم يسمع باسمي وبأنني نكرة مجهولة لا دور لي في الثقافة الفلسطينية . إذا عرف السبب بطل العجب .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٨ / ٢٠٢٣

***

16- زكريا محمد والعزلة

هل كان زكريا محمد يعيش ، بعد عودته إلى رام الله إثر اتفاق أوسلو ، حياة العزلة ؟
لفت نظري في النقاش حول ما أكتبه من خربشات عن رواية " عصا الراعي " وبعض مقالات زكريا تعقيب موقع باسم ليالي Layaly . فتحت على صفحتها لأعرف من هي ، فما كتبته يقول إنها تعرف عن حياته وعلاقته بالجبهة الديمقراطية وبالشاعر غسان زقطان ، عدا إبدائها رأيا فيه شاعرا وروائيا وسياسيا أيضا ، وهو رأي ليس لصالحه . من صفحتها عرفت أنها من اللاذقية وتقيم في نيويورك ليس أكثر .
عندما كنت أقرأ في " عصا الراعي " التفت إلى ما قاله السارد عن حياته في رام الله .
السارد كان يكتب مقالا أسبوعيا في جريدة ثم توقف عن الكتابة ، وحين يتعرف إليه في المقهى رجل فضولي يعرض عليه زيارته يجد السارد ذات يوم قدميه تسوقانه إلى بيت ذلك الرجل ، على الرغم من أنه قرر اعتزال الناس .
نقرأ في " عصا الراعي " :
" لكن ، لم أفعل هذا أنا الذي أحاول ما أمكنني أن اعتزل الناس !"
كثير من أدبائنا الذين انتموا إلى أحزاب أو تنظيمات يسارية صاروا يميلون إلى العزلة ليكتبوا . هل هي صنعة الكتابة ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

17- زكريا محمد ونزعة جلد الذات / المازوخية :

هل كان زكريا محمد مازوخيا ؟
لا أعرف إن كان هناك من تتبع نزعة جلد الذات في الأدب الفلسطيني بعامة ؟
هل ظهرت أصلا هذه النزعة في أدب المقاومة أو في الأدب الفلسطيني قبل النكبة ؟
حتى هزيمة حزيران التي تركت أثرا سلبيا في بعض الأدباء العرب فكتبوا نصوصا ؛ شعرية وروائية ظهرت فيها المازوخية بوضوح ، مثل نزار قباني ومظفر النواب وعبد الرحمن منيف ، حتى هذه الهزيمة لم تجعل من الفلسطينيين مازوخيين ، وعلى العكس فقد دفعتهم إلى المقاومة الإيجابية .
تتطلب الكتابة عن النزعة المازوخية في الأدب الفلسطيني تقصيا وبحثا ، ولكني شخصيا لم أتذكر الآن نصوصا لافتة .
في " عصا الراعي " يبدو السارد / زكريا مازوخيا في أكثر من مكان .
حين صادق رجلا التقاه في المقهى مثلا وسار وراءه دون أن يتأكد من صدق نواياه ، فخدعه الرجل وصار يتلاعب به يكتشف السارد أنه أحمق :
" أنا أحمق . حمار كبير . لقد اصطادني "
" وكنت أطمح إلى أن أكون فيلسوفا . هكذا بكل بساطة . لكنني بدل أن أبدو كفيلسوف بدوت مثل حمار قبرصي . وأخذ عرق الخزي يتصبب من جبيني "
" وأنا الغبي الذي أخدع بكل تافه ظننت أنني أعثر على فيلسوف . فيلسوف الحراذين والفئران . يا لي من غبي مغرور . يا لي من أحمق عثر على كرة زجاجية فظن أنه عثر على كوكب جديد ."
" هكذا أنا دائما ، لا أتابع ما ابدأ ، ولا أصل إلى شيء إلى نهايته "
وحين يجلس في مقهى ( كانباتا ) ويرى رجلا ينظر إليه يتساءل إن كان يعرفه فيفكر في مخاطبته ولكنه يتراجع
" أرجوك دعني وحدي . أنا بقرة لا تتذكر . تحدق بعينيها الحمقاوين ولا تذكر شيئا . هي لا تذكر إلا عجلها . أنا أبحث عن عجل ما ( الأخ المفقود . ع . ا ) . أريد هذا العجل . لا أعرفك . لا أريد أن أعرفك "
" يئس الرجل مني اخيرا. يئس من وجهي . يئس من سفالتي ... " .
" أطوف بجنون . أنا في الواقع مجنون أو أكاد أصل إلى الجنون .. بت أكره السياسة "
وتنتهي الرواية بالسطرين الاتيين :
" وكنت أرغب في الموت
أرغب فيه حتى النهاية " .
هل كان زكريا محمد في وقت ما مازوخيا ؟
من قرأ نصوصا أدبية فلسطينية تظهر فيها نزعة جلد الذات الفلسطينية لا العربية ، والأخيرة موجودة في شعر الشعراء الذين تأثروا بأشعار مظفر النواب ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
Adel Osta
٢٣ / ٨ / ٢٠٢٣

***

18- زكريا محمد: بذور روايته "عصـا الراعـي" في شعره

غير مرة توقفت أمام نثر محمود درويش وأفدت منه في دراسة شعره وذهبت إلى أنه يكتب الفكرة أحياناً شعراً ونثراً، وعندما تجادلت مع فاروق مواسي حول قصيدة «تحت الشبابيك العتيقة»، إن كانت قصيدة قدس، كتبت مطولاً تحت عنوان «إشكالية قصيدة القدس» مفسراً بعض مقاطع القصيدة بما كتبه الشاعر نثراً في «يوميات الحزن العادي».
كتب زكريا محمد أيضاً الشعر والنثر وسئل غير مرة عن هذا، فعرف نفسه بأنه كاتب والكاتب يكتب الشعر والنثر والمقالة ويمكن أن يكون أكثر من ذلك.
في لقاء مبكر معه أجرته وداد البرغوثي، بعد أن أصدر روايته «العين المعتمة» (١٩٩٦) قال إن «الرواية فن كتابي مثل المسرح. الكاتب يمكن أن يكتب بكل الأشكال، والكاتب يستطيع أن يدخل أي باب من أبواب الكتابة. أنا لا أسمي نفسي شاعراً، ولكن أسمي نفسي كاتباً، وإن كان الشعر يغلب على كتاباتي. روايتي يمكن أن أعدها بهذا الشكل أو ذاك ديواناً رابعاً لي، فهي تمتلئ بالشعر، ويمكنني أن أنزع منها مقاطع كثيرة وأن أنشرها كقصائد.... إن الإنسان بوسعه أن يكون كاتباً وشاعراً وباحثاً ومقاتلاً».
وعاد وعزز ما ذهب إليه في مقدمة كتبها لإصدار مختارات شعرية له كان من المفترض أن تصدر له في القاهرة، ولما لم تصدر نشرها في كتابه «الراهب الكوري» (٢٠٠٥) تحت عنوان «الشعر والبندورة» وكتب فيها «أنا أؤمن أن الإنسان بلا حدود. إنه قادر على أن يكون شاعراً ونحاتاً ورساماً وتاجراً وكل شيء. إنه فقط بحاجة إلى الجهد والوقت، وإن استطاعهما استطاع أن يكون ما أراد، وهكذا جربت الرسم والنحت وكتابة المسرح والرواية وقصص الأطفال، لكن الشعر ظل سيدي الأول...».
يقودنا هذا إلى سؤال السلالة في كتاباته وصلة نثره بشعره، فهل يمكن أن أذهب إلى ما ذهبت إليه في أثناء دراسة درويش، وهل يمكن القول إن بذرة رواياته موجودة في شعره؟
هنا أقصر الكتابة على روايته «عصا الراعي» التي أصدرها بعد نشره أربع مجموعات شعرية، وسوف أتتبع فكرتين اثنتين برزتا فيها هما: «الأخ الثاني» و»اللعب» وهما تتكرران في نصوصه الأخرى ومقالاته التي نشرها في الكتب أو في الصحف.
إن فكرة الأخ فكرة محورية في «عصا الراعي» حيث يغيب الأخ الأكبر ويكون على الأخ الذي يليه أن يبحث عنه، وسنعرف من الرواية أنها فكرة قديمة ظهرت في الآداب القديمة بأشكال مختلفة موازية ومعاكسة، وهو ما كتبته في مقال الأحد الماضي.
لم أقرأ أشعار زكريا كلها لأتتبع كتابته عنها كتابة تعاقبية، ولدي من دواوينه ديوان «الجواد يجتاز أسكدار» (١٩٩٤)، وفيه نقرأ قصيدة عنوانها «الأخ الثاني» كتبها في 2/9/1992 ونصها:
«الأخ الثاني
كان ظلك علي/ وكنت وراءك/ وحين سقطت في حفرة الموت/ صرت أنا الأول/ كبش القطيع الذي بلا قرنين / أنا أول الصدفة/ لكنني ثانيا سأظل إلى أبد الآبدين/ أضع الحافر فوق الحافر/ أتبع خطى لا ترى/ في هذا الليل البهيم».
وبعض أسطر القصيدة ترد حرفياً في الرواية «وضع الحافر فوق الحافر».
الدال الثاني هو «اللعب» ويكمن عميقاً في لاوعي زكريا، ولهذا تكرر أيضاً في شعره ومقالاته وفي الرواية.
في «الجواد يجتاز أسكدار» قصيدة عنوانها «البيضة والحجر» وفيها:
« لعبت في صباي بالبيضة والحجر:
كانت البيضة شمسي/ والحجر أنثاي/ وفيما بينهما كان ينقر دوري مصيري/ فيما بعد/ بعد أن طحنت وعجنت وخبزت/ وخرجت ملفوحا بالنار/ صرت ألعب - بالصبر ذاته - لعبة الوردة والبيضة/ والحجر:/ الوردة ذاكرتي/ والحجر منفاي/ والبيضة تقتل على المنضدة أمام عيني/ حتى يزوغ بصري/ وأهوي مثل قتيل على خطوط الأبلكاج الملساء» (6/9/1991). وفي قصيدة «النجم» تلعب الريح في مذود الماشية».
في «عصا الراعي» تكرر دال اللعب تكراراً لافتاً. أمام الحاجز الإسرائيلي «يلعب معك الجنود لعبة الإذلال ويعذبونك بمتعة» وحين يبحث عن أخيه بلا جدوى يتعب من لعب دور الابن الأكبر الذي لم يتقنه أبداً «ذلك أنني لم أتمكن من لعب دور الابن الأول»، والرجل الفضولي الذي التقى به في المقهى «أهو هو أم شيء آخر؟ أيلعب لعبة صغيرة معي أم أن اللعبة أكبر وفيها أكثر من لاعب؟» «وأنه يلعب على موضوع أخي من أجل هدف ما... هذا الرجل يريد أن يدفع بي إلى الجنون». ويلعب السارد مع أبيه لعبة الابن الأكبر، مع أنه الثاني، كما أنه يلعب بالنصوص فقد «خلق الله الإنسان لكي يلعب بحفنة من النصوص. هذه هي اللعبة الكبرى التي رماها لنا فغرقنا فيها»، وكما يلعب بالنصوص تلعب هي به. ويلعب أيضاً على الألوان وعلى الحاضر والماضي و... و..
في سؤاله: كم قصيدة يكتب الشاعر؟ يجيب:
«يحتاج الشاعر إلى سنوات كي يأتي بقصيدة جديدة. سبع سنوات قد تكفي لذلك، وحين يحصل على واحدة فهو يقضي سنوات يلعب بها أو يلعب عليها. إنه مثل أن تحفر بئراً ثم تنضح من مائها إلى أن تجف، فتضطر إلى حفر بئر غيرها. لدى الشاعر خمس قصائد على أبعد تقدير. ما تبقى إنما هو تكرار لهذه القصائد».
قديماً قال شاعر: «ما أرانا نقول إلا معاداً مكروراً» وبعده قال (غوتة): «ليس الشعراء العظام شعراء كباراً لأنهم أتوا بأشياء جديدة، وإنما هم كذلك لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تكتب لأول مرة».

عادل الأسطة
2023-08-27

***

19- هل يتعلم العربان من الألمان ؟
زكريا محمد : ماذا سيكون مصير مسوداته وأوراقه ؟

ربما وجب أن يسأل متحف محمود درويش إن اهتم بأرشفة نتاجاته وما صدر عنها من كتب ودراسات ومقالات وما أجري معه من مقابلات . وقل الشيء نفسه عن كثير من مخلفات كتابنا الكبار.
أدرجت على صفحتي منذ أيام مقالا كتبه
Dr. Joseph Zeitoun -
( نشره في ١١ / ٨ في " المدن " ، وقد أعاد الدكتور Abdo Abboud نشره في صفحة الأدب الألماني - العربي ) عن الروائي الألماني ( مارتن فالزر ) الذي توفي عن ٩٦ عاما ، وغالبا ما يذكر اسمه إلى جانب اسمي ( غونتر غراس ) و ( هاينرش بول ) ، على الرغم من أنه غير معروف في العالم العربي .
الإدراج يعود إلى أسباب منها :
- احتفاء الألمان بكتابهم ، فالرئيس الألماني ( شتاينماير ) عزى زوجة ( فالزر ) بوفاته ، وسبق أن اشترى إرشيف الأدب الألماني في مارباخ ٧٥ ألف ورقة كتبها الكاتب بخط يده . ( هل عزى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوفاة زكريا محمد ؟ )
- تأثير الحركة الأدبية والنقدية على مسيرة الكاتب ، ف ( فالزر ) الذي بدأ مسيرته شاعرا متأثرا بنتاج ( فرانز كافكا ) سرعان ما تحول ، بعد مهاجمته ، إلى السرد وصار يصور في كتابته الحياة اليومية عن الناس العاديين حتى لقب ب " مؤرخ الحياة اليومية " .
- وجهة نظره إزاء الهولوكست ، فقد رأى أن الأجيال الألمانية ورثت " عبء " الهولوكست المبالغ فيه .
- الجدل النقدي بينه وبين أشهر نقاد الأدب في ألمانية وهو يهودي الديانة Marcel- Reich Ranicki " بابا الأدب الألماني " . وصف الناقد إحدى روايات ( فالزر ) بأنها تافهة ، فرد عليه الكاتب بنشر رواية عنوانها " موت ناقد " .
- ما يراه من أن الرواية التي تخلو من مشاهد السيرة الذاتية ليست رواية وإنما هي بحث اجتماعي .
هل ستشتري مكتبة بلدية البيرة أو مكتبة بلدية رام الله ما خطه زكريا محمد بقلمه ؟
ما زلت أحتفظ بمسودات كتبي ورواياتي ومقالاتي حتى صرت أكتب إلكترونيا . إن لم تشترها مكتبة بلدية نابلس ، فعلى الأرجح أن الألمان سيشترونها بثمن يثرى من ورائه ورثتي . دقوا على الخشب .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

20- زكريا محمد والصين :

لم أعد أتذكر ما كتبه زكريا محمد من مقالات أبدى فيها موقفا من الصين أو رأيا في الصينيين .
قسم من المثقفين الفلسطينيين الذين لم يندرجوا في أحزاب شيوعية صلتها الأقوى كانت بالحزب الشيوعي السوفيتي ، وإنما انتموا إلى فصائل يسارية أو إلى حركة فتح ، مالوا إلى الصين واقتبسوا من ( ماوتسي تونغ ) ومجدوا الحزب الشيوعي الصيني ومنهم غسان كنفاني الذي زار الصين وأعجب بها وألف كتابا حولها واقتبس في فترة من تعاليم ماوتسي تونغ أكثر مما اقتبس من ماركس وانجلز ولينين .
في " عصا الراعي " وفي بحث زكريا محمد عن قصة / أسطورة الأخوين ؛ الأول والثاني يغوص عميقا في الأساطير والحكايات لدى الشعوب ؛ لدى العرب وبابل وسومر ولدى الصينيين ويرى أن ما كتبه الأخيرون هو الأعمق وأن الصينيين هم الأصدق . يعتمد زكريا على ما ورد في كتاب ( آي - تشنج ) " التغيرات الذي وضع الابن الثاني في المجموعة الرابعة من ثلاثيات الخطوط فيم وضع الابن الأكبر في المجموعة الثالثة ، ويستطرد زكريا في سرد ما ورد في كتاب " التغيرات " ولمن يرغب في قراءة ما ورد يمكن العودة إلى الصفحات ١٠١ و ١٠٢ و ١٠٣ و ١٠٤ من الرواية .
الأهم هو ما كتبه عن رأيه في الصينيين وهو :
" علي أن أعترف أن الصينيين هم الأعمق والأكثر دقة وتفصيلا كعادتهم .فهم حين يمسكون بأمر يستغرقونه ويتتبعونه حتى النهاية ... فإن الصينيين ذهبوا إلى الجذور ، مشخصين هذه الورطة وكاشفين حدودها القصوى " ( ١٠١ )
" الصينيون هم الأعمق . لقد فهموا المأساة ووصلوا إلى جذورها . الصينيون هم الأقوى .
أنهم يصلون إلى المنابع . لا يكتفون بالإشارة ، بل يدخلون النفق ويضيئونه . أنظر إليهم أين وضعوا الابن الأول . لقد أعطوه المجموعة الثالثة " .
أهو تأثير الزمن الكتابي حيث بدأت شمس اسيا تشرق من الصين على رأي غسان كنفاني ؟ " ثم أشرقت آسيا؟" .
غالبا ما يكرر الناس في بلادنا المثل " إن طلع صيتك ضب رأسك ونام " .
رحم الله الشاعر زكريا محمد .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٨ / ٢٠٢٣ .

***

21- غسان كنفاني وزكريا محمد ( ٢ ) : المثقف مقاتلا

وأنا أقرأ تنظيرات زكريا محمد عن الشعر والشاعر وإمكانية كتابة الشاعر أجناسا أدبية أخرى لفت نظري كتابته الآتية :
" إن الانسان بوسعه أن يكون كاتبا وشاعرا وبحاثا ومقاتلا " ( ١٩٩٧ ) .
وأنا أعيد قراءة رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " توقفت أمام شخصية الأستاذ سليم معلم المدرسة في القرية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ .
لننظر في الاقتباس الآتي :
" - " طيب ، أنا لا أعرف كيف أصلي .. "
- " لا تعرف ؟ "
زأر الجميع ، فأكد الأستاذ سليم مجددا :
-" لا أعرف ! "
تبادل الجلوس نظرات الاستغراب ثم ثبتوا أبصارهم في وجه المختار الذي شعر بأن عليه أن يقول شيئا ، فاندفع دون أن يفكر :
- " ..وماذا تعرف إذن ؟ "
وكأن الأستاذ سليم يتوقع مثل هذا السؤال ، إذ أنه أجاب بسرعة وهو ينهض :
- " أشياء كثيرة .. إنني أجيد إطلاق الرصاص مثلا .. "
وصل إلى الباب فالتفت ، كان وجهه النحيل يرتجف :
- " إذا هاجموكم أيقظوني ، قد أكون ذا نفع .. "
هل كان زكريا قرأ غسان ؟
وأنا أعيد قراءة " رجال في الشمس " التفت إلى غسان كنفاني والدين ، وقد كتب مترجمه إلى الألمانية ( هارتموت فيندرش ) دراسة عن مؤثرات إسلامية في نصوص غسان . هل سأعود إلى دراسته لكي أقرأها من جديد وأكتب في هذا .
يبدو موقف غسان من الخالق لافتا ويحتاج إلى تقديم وجهة نظر ، فهو قرأ الفلسفة الوجودية الملحدة وتأثر بها . ربما تبدي لنا دارسة أعماله الدكتوره Faiha Abdulhadi رأيها في الموضوع .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٥ / ٩ / ٢٠٢٣

***
==============
1* زكريا محمد : عصا الراعي.. هل هي سيرة روائية؟
2- زكريا محمد و"الخربشات"
3- زكريا محمد الابن البار الرؤوف
4- يا محمد وغسان كنفاني: ما هو الوطن؟ خيبة العائد.
5- زكريا محمد ومحمود درويش
6- زكريا محمد والنقاد : لماذا نكتب عن شعر شاعر ليس بحاجة إلى نقاد
7- زكريا محمد واللعب
8- زكريا محمد و "عصا الراعي": القضيـة عامـة والحـل فـردي
9- بكاء الفلسطيني
10- في وداع زكريا محمد
11- زكريا محمد ومحمد الريشة
12- زكريا محمد والتنقل بين الفصائل
13- ما أوسع الفكرة ... ما أصغر الدولة!! "فليطلق سراح الشاعر زكريا محمد"
14- زكريا محمد "إنما نقول معادا مكرورا "
15- زكريا محمد : ندوة نابلس وغياب التغطية الإعلامية
16- زكريا محمد والعزلة
17- زكريا محمد ونزعة جلد الذات / المازوخية :
18- زكريا محمد: بذور روايته "عصـا الراعـي" في شعره
19- هل يتعلم العربان من الألمان ؟زكريا محمد : ماذا سيكون مصير مسوداته وأوراقه؟
20- زكريا محمد والصين :
21- غسان كنفاني وزكريا محمد ( ٢ ) : المثقف مقاتلا



.
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى