سينية بلخير: ملحمة غرناطة وقصور الحمراء

ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي

ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس

وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي

مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي

تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي

خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي

تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج
مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس)

فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو
ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس

هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر
فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي

وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق
اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس

ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه
قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس

جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل
من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي

طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى
(الحمراء) في عالم على المجد مرسي

طفــــــــت فيها وفي حناياي مــــــنها
زفــــــــرات الواعي، العليم، الـــمحس

نادباً عــــــــزها، وملك (بني الأحمر)
فيها، بــــــــهيبة المــــــــلك مـــــكسي

طفت أرجــــــــاءها وبــــين صياصيه
كــــــــأني أطــــــــوف فيــــها برمسي

في جموع تــــــــوافدت من زوايا الـ
أرض كانت غــــــــريبة الــــدار ليسي

تتلاقى أنــــــــظارهم فــــــــي تلاقيهم
وتصــــــــغي الآذان في كـــــــل دعس

في وجوم كأنهم فــــــــي عـــزا موت
فــــــــقيد لــــــــهم ورنــــــــات تقــس

هي هذي (الحمرا) ولا غـــــــالب إلا
الله كــــــــانت (دار الخــــــــلافة) أمس

كانت الملك والخــــــــلافة والــــــفتح
لآل مــــــــن العــــــــروبة شــــــــمس

ثـــــم زالت وزال ملك (بني الأحمر)
مــــــــــــــــنها لمــــــــا أصيب بنـكس

مثل ما زال مـــــــلك (دارا) و(قسطنـ
طين) في الأرض بعــــد ملك (تحمس)

وانتــــــــهى (هيـــــــنبال) و(إسكندر
الأكبر) وانهار مـــلك (روم) و(فرس)

سنة الكــــــــون أن يزول وينــــــــهار
بناء الباني عــــــــــــــــلى غــــير أس

تلك (حمراؤنا) على مفرق (أوروبا)
مــــــــنار يهدى بــــــــه كل مـــــمسي

وهي في حمرة العقيق تـــــــــــراءت
تتــــــــلألأ وفــــــــي بريق الــــدمقس

مشرئباً إلى رفافها أرنو إليهــــــــــــا
تفــــــــيض بالــــــــحزن نفـــــــــــسي

خــــــاشع الطرف عندما لاح لــــــــي
فيها (المصلى) ولاح (تاج) و(كرسي)

فاقشعرت مشاعري وتـــــــــــــراءت
لـــــــي رؤى حاضري الحزين كأمسي

خـــيلت لي تموج أكــــــــنافها بالخيل
كالصبح في صهــــــــيل وعـــــــــــس

أشرقت في سنا (الخلافة) تــــــــزهو
بــــــــرجال شــــــــم المعاطس نــطس

والكراديس من (تجيب) ومن (حمير)
(صنــــــــهاجة) الفــــــــتوح و(قيس)

وقــــــــفوا في رماحــــــــهم وظـباهم
كــــــــسنا الفــــــجر بين طرد وعكس

في ظــــــــلال المصفقات من الرايات
فــــــــي (خزرج) تــــــــرف و(أوس)

فوق هامات قــــــــادة (العــرب) من
(عبد مناف) ومـــن بني (عبد شمس)

والأذان الــــــــداوي عـــلى الهضبات
الخضر يدعو إلى فرائض خــــــــمس

تتعــــــــالى به قراهــــــــم وتسمـــــو
حــــــــين تصحو عليه أو حين تمسي

وتــــراءى لي (الخليفة) في (إيوانه)
مصــــــــبحاً بــــــــها أو ممــــــــسي

حوله الفاتحون فــــــــي زرد الفولاذ
يــــــــزهون فــــــــي إبــــــــاء وبأس

فلك شع بالشموس أنـــــــار (الغرب)
عــــــــبر القــــــــرون فــــي كل درس

ما رأت فــــــي ظلامها قبله (أوروبا)
ضيــــــــاء يضــــــــيء فيـــــها بقبس

مثل أضواء (قرطبا) وسنا (غرناطة)
فــــــــــــــــي الدجــــــى ونور (بلنس)

كـــانت الأرض كلها تتــــــــــــــــلاقى
حــــــــــــــــول أبوابها ومن كل جنس

تتلقى العلم الغزير على أعــــــــلامها
الغر من إمــــــــــــــــام وكيـــــــــــس

ووفود (الرومان) و(الغال) و(الجر
مان) حول الأبواب أطــــــــــياف نكس

وقفوا في الصفوف يلتمسون الإذن
لا ينــــــــــــــــبسون فيها بنــــــــــبس

كلما لاح حاجب حفت الأنظـــــــــــــار
مــــــــــــــــنهم به ولــــــــفت بـوجس

كـــــلهم شاخص إلى الإذن في غمزة
طــــــــرف أو فــــــــي إشارة خــــلس

شــــــــرف باذخ لهم أن يقــــــــوموا
فــــــــي صـــفوف على ظلال الدرفس

يستظلون بـ (الخــــــــــــــــلافة) فيها
وهي عدل يبنــــــــي وينــشي ويكسي

تلك (حمراؤنا) بنـــــاها (بنو الأحمر)
يضـــــــــــــــــحي الخيال فيها ويمسي

تخت مــــــــــلك الإسلام فوق روابي
(البيرينه) الخــــــــــضرا أقيم وأرسي

فاحت الأرض حولها بالربيع الطـــلق
قــــــــد ضاع من خــــــــزامى وورس

عبق لا تــــــــــــــــزال أستارها تنفثه
فــــــــي الأكــــــــف، في كــــــل لمس

وهي تــــــــختال في مطارفها الحمرا
عـــــــــــــــروساً يزهو بها ليل عرس

طفت فيها أجر خطوي، ودقــــــــــات
فــــــــــــــــؤادي تقود ترجيع دعــسي

وتجــــــــــــــــولت بين أروقة القصر
حــــــــــــــــزيناً في خيبتي بعد يأسي

تتوالى خواطــــــــري ورؤى شجوي
بــــــــــــــــذهني على خيالي وهجسي

حينما راعــــــــني الذي راعني منها
فــــــــــــــــحوقلت في قنوطي وبؤسي

وتحــــــــسست مهجتي وعرى قلبي
فـــــــــــــــــــــــــــلم أهتد إليها بحسي

فتهاويت خائر العــــــــــــــــــــزم ثاو
واضــــــــــــعاً راحتي من حول رأسي

شـــــــــــارد الذهن لا أرى ما أمامي
حاسباً رجـــــــــس أمتي أمس رجسي

وعــــــــلى هامتي هواني على نفسي
هـــــــــــــــوان المجنى عليه المخس

فكـــــــــــــــــــأني وحدي الملوم على
تعـــــس (جدودي) يهزني هول تعسي

تــــــــــــــــلك حمراؤنا وحين أسميها
أســــــــــــــــمي ما أفـــــــتديه بنفسي

مجــــــدنا الأعظم الذي انقض وانهار
وما زال ذكــــــــــــــــــره اليوم قدسي

نـــــــاح (شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأس

وتشاجيت منهما حـــــــــــــــين سالت
دمــــــــــــــوعي على يراعي وطرسي

وتماديت حين زاحمت فـــي (القصر)
(الأميرين) فــــــــــي غرور (البرنس)

فقصور الحمــــــــــــــــراء (دار أبي
سفيان) داري والجنس لا شك جنسي

حــــــــــــــاملاً رايتي أهز بها شعري
تعــــــــــــــــــالت به جذوري وغرسي

ما تخطتني الصفوف فمن حــــــــولي
وخلفي (قيسي) و(عبسي) و(عنسي)

جـــــــــــــــزتهم في سما (عكاظ) فقد
رف جنـــــاحي على السحاب وجرسي

يتبـــــــــــــــــــــارون في لحاقي وهم
خــــــلف غباري على مدى قاب قوس

وأنا عــــــــــــــــــند (سدرة المنتهى)
أرنو إلـــــــــــــيهم على أهازيج قعس

لا أبــــــــــــــــالي بأن يغص بما قلت
شــــــــحيح الإنصاف في ضيق نفسي

فكثير ألا يقال لــــــــــــــــمن أحـــسن
أحســـــــــــــــــنت، في الزمان الأخس

هـــــــمسات رنت بأذني في (الحمرا)
كهــــــــــــــــمس الجني في أذن إنسي

فتريثت فــــــــي مقــــــــــــــــاصيرها
أصــــــــــــغي إليها بكل وعيي وحسي

سابحاً فــــــــي مشاعري في متاهات
تلاقى فيــــــــــــــــــــها يقيني بوجسي

كيف كـــــــــنا، وها هو اليوم ما كان
وكـــــــــــــــــــــنا، أطلال سعد ونحس

هي هذي ديارهم عـــــــــــــبرة الدنيا
وكــــــــــــــــــــــبرى العظات للمتأسي

بقيت عبرة يطــــــــــــوف بها الناس
وتــــــــــــــــــرنوا لها العيون فتخسي

ويحج (السياح) ساحــــــــاتها ماجت
بأفواجهم بزهــــــــــــــــــــــــو وميس

كل ركـــــــــــــــــــــــن منها يئن لما
مـــــــــــــــــر عليها من نائبات وحس

بحــــــــــــــــت النائحات فيها عــــلى
الا ضــــــــاع يندبن في مواكب عمس

وأمحى ما عــــدا (شعار) بني الأحمر
وما زال فضــــــــــــــــــــلة المتحسي

وهو فــــيما يرى (ولا غالب إلا الله)
فيه أسى الخــــــــــــــــــطوب المؤسي

يصــــــــــــــــطفيه (السياح) في سوق
(غرناطة) فــــي هزء من أصيب بمس

جــــــــــــــــــعلوه مثل الدنانير ذكرى
حــــــــــــــــــول أعناقهم تـدلى بسلس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى