د. فاطمة بحر - الآنسة مطلقة...

✍️ كانت تُسرع مهرولة تلك الصغيرة بفستان ابيض من المفترض أن يكن الأمنية الجميلة لاى بنت ولكن لها كان كالكفن الابيض الذى سيدفن طفولتها
تهرول هاربة من مصير تحتّم عليها ملاقته وهى لازالت صاحبة الثالث عشر عاما
كانت تهرب دون أن تنظر اللى الخلف فهى لا تعلم ما سينتظرها إذا توقفت
وصلت لمحطة القطار فى بلدتهم وهى تنظر حولها بريبة وخوف لا تعلم ما عليها أن تفعل ولكن يجب أن تبتعد لم يكن حتى معها حق تذكرة القطار ولكن تدست بين الناس ولصغر سنها اعتقد الناس أن معها من يتولى أمرها وعندما صعدت للقطار جلست أمام سيدة فى العقد الرابع من عمرها ومعها طفلها والذى كان يكبر الصغيرة ببعض السنوات
ظنت السيدة أن معها من سيأتى ولكن تحرك القطار ولازالت الطفلة وحيدة بذلك الفستان الذى لا يناسب سنها اطلاقا فانتابها الفضول
_ أنتِ راكبة لوحدك يا شاطرة
كانت تنظر من شباك القطار وشاردة فى مصير مجهول وقطعت أفكارها تلك السيدة التى يبدو عليها الطيبة ولكنها رغما كانت خائفة لذا لم تجد ما تتفوه به فأومات لها بالموافقة
_ ازاى طب وراحة فين لوحدك كده شكلك صغيرة
لثانى مرة لم تجد ما تتفوه به فهى حتى لا تعلم لاى وجهة يتجه القطار
_ معرفش بس لازم امشى من هنا
نظرت للنافذة مرة أخرى مع تراكم الدموع بعينيها البريئة
شفقت عليها السيدة واعتقدت أن خلفها قصة مؤلمة لذا لم ترد أن تتركها
_ أنتِ اسمك اي طيب
_ أسمى آيات
_ اسمك جميل يا آيات انا خالتك ام احمد وده احمد ابنى
قالتها وهى تشير لذلك الصبى بجانبها والذى يتابع الحديث بصمت
_ طب احيكلى بتعيطى ليه يمكن اقدر اساعدك أو هتروحى فين ليكى حد فى اسكندرية
_ هو القطر رايح اسكندرية
_ شكل حكايتك حكاية يلا احكيلى
_ انا من قرية هنا كنت بلعب مع العيال صحابى اللى عندنا بس فجأة لقيتهم بيقولوا انى كبرت ومينفعش العب معاهم عشان انا دلوقتى متجوزة وبقيت كبيرة وكمان مينفعش اروح المدرسة وبعدها عرفت أن بابا كتب كتابى على راجل كبير من عندنا والنهاردة بقى لبسونى الفستان ده وقالوا انى لازم اروح معاه عشان خلاص بقى جوزى واصلا هو كبير اوى وانا بخاف منه ومش عايزة اروح معاه عايزة العب مع صحابى
_ طب مقولتيش لماما ليه
_ قولتلهم كده ضربونى وقالوا انى لازم اسمع الكلام وفضلوا يجهزوا فى الحاجة وانا سيبتهم من غير ما يشوفوا وجريت ولقيت نفسى هنا فى القطر ومش عارفة حتى هو رايح فين
نظرت لها السيدة بشفقة فسنها لا يوحى بتلك المأساة التى تقصها عليها
بعد وقت من الحكاوى وصل القطار لوجهته المعهودة وعندها كانت المعضلة الأكبر اين ستذهب تلك الفتاة ؟
كانت تقف تنظر حولها بانبهار لكبر المدينة ولكن بخوف أيضا فماذا ستفعل بمفردها بين هذا الكم من البشر
_ تعالى معايا يا بنتى بصراحة مش قادرة اسيبك فى الشارع وامشى تعالى وهنشوف حل
نظرت ليدها الممتدة لها بتردد ولكن ليس لديها حل آخر وذهبت معها
حاولت السيدة وزوجها ان يذهبوا لاهل تلك الفتاة حتى لا يكون ذنب عليهم ولكن مجرد ما وصل زوجها لاسم عائلتهم ومنزلهم وسمع حديث بعض الرجال وهو فى طريقه لمنزلهم أنهم سوف يقتلوها أن رأوها فلم يذهب لهم وعاد حيث كان وهو ينوى تبنى تلك الصغيرة المظلومة ويربيها مع ابنهم
وبمرور السنوات ومرور الايام على تلك الفتاة الصغيرة كبرت الفتاة ولم تعد تلك الصغيرة المظلومة بل عائلتها الجديدة زرعوا بها شخصيتها القوية وأحمد الذى كان بمثابة اخ كبير وداعم اساسى لها
بعد سنوات كافية لتعود تلك الصغيرة بشخصية اقوى
دبت أرجلها بنفس تلك البلدة التى تندس براءة الأطفال بذلك المسمى وهو كبرها ويجب تزويجها وهى لازالت طفلة بريئة تريد اللعب والدراسة فقط
كانت تسير شامخة رأسها بينهم وهى تنظر لبنات القرية بشفقة كبيرة واتجهت تجاه بيتها الصغير ورأت والدها وقد غلبه كبر السن ودار عليه الزمن وحتى لم يتعرف عليها
_ فاكرنى يا ابا انا آيات اللى كنتوا ناويين تدفنوها بالحيا قبل ما تعرف يعنى اي دنيا
_ آيات بتى لساتك عايشة
غلبتها دموعها وهى ترى والدها بهذا الضعف والسن الكبير يظهر عليه وبشده
_ متعيطيش يا بتى انا عارف انى كنت غلطان كويس انك مشيتى يا آيات اختك رباب ماتت بسبب غلطتى دى يا بتى بعد ما جوزتها وهى فى سنك رجعتلى جثة والله كنت عايز احافظ عليكوا
كثرت دموعها وهى تتذكر اختها الصغيرة وتسمع مصيرها المأسوى
_ طالما طلعتى عايشة لازم اطلقك من الراجل اللى كتبتك ليه يا بتى وارجعى مكان ما كتى وعيشى حياتك
وبالفعل تمت إجراءات طلاق تلك الفتاة وعلمت أيضا بوفاة والدتها بعد اختها من حزنها علي بناتها الاثنين
وكانت قصتها تعلمها كل البلدة والكثير منهم تراجعوا عن هذه الأفكار الخبيثة وحافظوا على بناتهم ولكن تلك ليست مشكلة قرية فقط بل مشكلة لنسبة من القرى وليس قرى فقط فهناك فئة من البشر لازالت تفكر بمثل هذه الطريقة الخاطئة فى تربية بناتهم
كانت تجلس بنفس القطار ومعها احمد أخاها الأكبر وهى شاردة الذهن فيما عرفته وهو ينظر لها ويريد أن ينتشلها من ذلك الفكر الحزين
_ آيات
_اعرف فيلم الآنسة مامى لكن اول مرة اشوف الآنسة المطلقة
نظروا الاثنين لبعضهم ثوانى وانفجروا بالضحك على ذلك المسمى فكانت الطفلة الصغيرة البريئة وأصبحت تلك الآنسة مطلقة .

بقلم / فاطمة بحر ✍️







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى