ابن الجوزي - أخبار الحمقى والمغفلين -3-

الباب التاسع

في ذكر أخبار جماعة من العقلاء

صدرت عنهم أفعال الحمقى وأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الإصرار حمقى ومغفلين

أول العقلاء الحمقى إبليس

فأول القوم إبليس، فإنه كان متعبداً مؤذناً للملائكة فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل مغفل، فإنه لما رأى آدم مخلوقاً من طين، أضمر في نفسه لئن فضلت عليه لأهلكنه، ولئن فضل علي لأعصينه. ولو تدبر الأمر لعلم أنه كان الاختيار قد سبق لآدم لم يطق مغالبته بحيلة ولكنه جهل القدر ونسي المقدار.

اعتض على حكمة الله

ثم لو وقف على هذه الحالة لكان الأمر يحمل على الحسد، ولكنه خرج إلى الإعتراض على المالك بالتخطئة للحكمة، فقال: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " والمعنى لم كرمته؟ ثم زعم أنه أفضل من آدم بقوله: " خلقتني من نارٍ وخلقته من طين " ومجموع المندرج في كلامه: أني أحكم من الحكيم وأعلم من العليم، وأن الذي فعله من تقديم آدم ليس بصواب هذا، وهو يعلم أن علمه مستفادٌ من العالم الأكبر فكأنه يقول: يا من علمني أنا أعلم منك، ويا من قدر تفضيل هذا علي ما فعلت صواباً.

رضي بإهلاك نفسه

فلما أعيته الحيل رضي بإهلاك نفسه فأوثق عقد إصراره ثم أخذ يجتهد في إهلاك غيره ويقول لأغوينهم، وجهله في قوله " لأغوينهم " من وجهين؛

(1/63)

أحدهما: أنه أخرج ذلك مخرج القاصد لتأثر المعاقب له، وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شيءٌ، ولا ينفعه، لأنه الغني بنفسه. والثاني: نسي أنه من أريد حفظه لم يقدر على إغوائه، ثم انتبه لذلك فقال: " إلا عبادك منهم المخلصين "، فإذا كان فعله لا يؤثر وإضلاله لا يكون لمن قدرت له الهداية فقد ذهب علمه باطلاً.

رضي إبليس بالخساسة

ثم رضي لخساسة همته بمدة يسيرة يعلم سرعة انقضائها فقال: " انظرني إلى يوم يبعثون " وصارت لذته في إيقاع العاصي بالذنب كأنه يغيظ بذلك ولجهله بالحق أنه يتأثر، ثم نسي قرب عقابه الدائم فلا غفلة كغفلته ولا جهالة كجهالته وما أعجب قول القائل في إبليس: الرجز:

عجبت من إبليس في نخوته ... وخبث ما أظهر من نيته

تاه على آدم في سجدةٍ ... وصار قواداً لذريته

ابن الراوندي الفيلسوف الأحمق

وما رأيت من غير إبليس وزاد عليه في الجنون والتغفيل مثل أبيالحسين ابن الراوندي فإن له كتباً يزري فيها على الأنبياء عليهم السلام ويشتمهم، ثم عمل كتاباً يرد فيه على القرآن ويبين أن فيه لحناً، وقد علم أن هذا الكتاب العزيز قد عاداه خلق كثير ما فيهم من تعرض لذلك منه ولا قدر.

زعم أنه استدرك على الفصحاء

فاستدرك هو بزعمه على الفصحاء كلهم. ثم عمل كتاب الدامغ فأنا أستعصم أن أذكر بعض ما ذكر فيه من التعريض للرد على الخالق سبحانه، وذكر إياه بأقبح ما يذكر به آدمي مثل أن يقول: منه الظلم ومنه الشر، في عبارات أقبح من هذه قد ذكرت بعضها في التاريخ، فالعجب ممن يعترض على الخالق بعد إثباته. فأما الجاحد فقد استراح، أتراه خلق لهؤلاء عقولاً كاملة وفي صفاته هو نقص، تعالى الله عن تغفيل هؤلاء.

(1/64)

غفلة قابيل

فصل

ثم اتبع إبليس في الغفلة والحمق قابيل فإن من أعظم التغفيل قوله لمن قبله قربانه " لأقتلنك "، وهذا من أسمج الأشياء، لأنه لو فهم لنظر سبب قبول قربان أخيه ورد قربانه، ثم من التغفيل أنه حمل على ظهره ولم يهتد لدفنه.

القرآن الكريم حدثنا عن بعض المغفلين

ومثل هذا التغفيل " حرقوه وانصروا آلهتكم " ومثله " أن امشوا واصبروا على آلهتكم " ومن جنسه " أنا أحيي وأميت ".

ومثله " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ". فافتخر بساقية لا هو أجراها ولا يدري منتهاها ولا مبتداها، ونسي أمثالها مما ليس تحت حكمه، وليس في الحمق أعظم من ادعاء فرعون أنه الإله.

إبليس عند فرعون

قد ضرب الحكماء له مثلاً فقالوا: أدخل إبليس على فرعون فقال: من أنت؟ قال: إبليس، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أنظر إليك فأعجب من جنونك، قال: وكيف؟ قال: أنا عاديت مخلوقاً مثلي، وامتنعت من السجود له، فطردت ولعنت، وأنت تدعي أنك أنت الإله! هذا والله الجنون البارد.

اتخاذ الأصنام تغفيل

ومن أعجب التغفيل اتخاذ الأصنام آلهة، فالإله ينبغي أن يفعل لا أن يفعل. ومن التغفيل بنيان نمرود الصرح ثم رميه بنشابه ليقتل بزعمه إله السماء، أتراه لو كان خصمه في مكان فرأى قوساً موتورة إلى جهته، أما كان يمكنه أن ينزوي عنها!

تصرف إخوة يوسف تغفيل

ومن أعظم التغفيل ما جرى لإخوة يوسف في قولهم " أكله الذئب "

(1/65)

ولم يشقوا قميصه، وقصتهم مع يوسف في قوله إن الصاع يخبرني بكذا وكذا. ومن التغفيل ادعاء هاروت وماروت الإستعصام عن الوقوع في الذنب ومقاومة الأقدار فلما نزلا من السماء على تلك النية نزلا.

تغفيل بني إسرائيل

ومن عجيب التغفيل قول بني إسرائيل لموسى وقد جاوز بهم البحر: " اجعل لنا إلهاً "، وقول النصارى إن عيسى إله أو ابن إله، ثم يقرون أن اليهود صلبوه، فادعاؤهم الإلهية في بشر لم يكن فكان ولا يبقى إلا بأكل الطعام! والآله من قامت به الأشياء لا من قام بها، فظنهم أنه ابن الإله والبنوة تقتضي البعضية والمثلية وكلاهما مستحيل على الإله، وقولهم إنه قتل وصلب فيقرون عليه بالعجز عن الدفع عن نفسه وكل هذه الأشياء تغفيل قبيح.

اعتقاد المشبهة تغفيل

ومن أعجب التغفيل اعتقاد المشبهة الذين يزعمون أن المعبود ذو أبعاض وجوارح وأنه يشبه خلقه مع علمهم أن المؤلف لا بد له من مؤلف.

تخطئة أبي بكر وعمر تغفيل

ومن أعجب التغفيل: أن الرافضة يعلمون إقرار علي على بيعة أبي بكر وعمر، واستيلاده الحنفية من سبي أبي بكر، وتزويجه أم كلثوم ابنته من عمر، وكل ذلك دليل على رضاه ببيعتهما ثم فيهم من يكفرهما وفيهم من يسبهما، يطلبون بذلك على زعمهم حب علي وموافقته وقد تركوها وراء ظهورهم.

ومثل هذا الجنس كثير إذ تتبعته رأيته، وإنما أشرنا بهذه النبذة إليه ليفكر في جنسه ولم نر بسط القصص فيه، لأن المقصود الأكبر في هذا الكتاب غير ذلك.

عن أحمد بن حنبل أنه قال: لو جاءني رجل فقال: إني قد حلفت

(1/66)

بالطلاق أن لا أكلم يومي هذا أحمق فكلم رافضياً أو نصرانياًن لقلت: ما حنث. قال: فقال له الدينوري: أعزك الله تعالى لم صارا أحمقين؟ قال: لأنهما خالفا الصادقين عندهما، أما الصادق الأول فإنه المسيح عليه السلام قال للنصارى " اعبدوا الله " وقال: " إني عبد الله " فقالوا: لا ليس هو بعبد بل هو إله. وأما علي رضي الله عنه، فقد روي عن النبي ﷺ أنه قال لأبي بكر وعمر: " هذان سيدا كهول أهل الجنة " ثم سبهما هذا وتبرأ منهما هذا.

تغفيل عابد قديم

هذا ومن أعجب تغفيل القدماء ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله ﷺ: " تعبد رجل في صومعة، فأمطرت السماء فأعشبت الأرض، فرأى حماراً يرعى، فقال: يا رب، لو كان لك حماراً رعيته مع حماري، فبلغ ذلك نبياً من أنبياء بني إسرائيل فأراد أن يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه إنما أجزي العباد على قدر عقولهم ".

تغفيل غير مقصود

فصل

وقد جرى من خلق كثير من العقلاء ما يشبه التغفيل إلا أنهم لم يقصدوا ذلك، فذكرت منهم طرفاً لشبهه بالتغفيل. فمن ذلك ما حكي عن بعض المغنين قال: حضرت عند أمير لأغنيه فجرى حديث بعض الوزراء فذكرت من محاسنه وكرمه شيئاً لأحركه به ليفعل مثله ثم غنيته:

(1/67)

الطويل:

قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا

فقال لي: قبحك الله ما هذه المعاشرة؟ فاستيقظت وحلفت أني ما قصدته. ومثل هذا ما جرى لعبد الله بن حسن فإنه كان يساير السفاح وينظر إلى مدينته التي بناها ظاهر مدينة الأنبار فأنشده: الوافر:

ألم تر مالكاً أضحى يبني ... بيوتاً نفعها لبني بقيلة

يرجى أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يأتي كل ليلة

فغضب فاعتذر إليه. وبينا عيسى بن موسى يساير أبا مسلم يوم إدخاله على المنصور تمثل عيسى فقال:

(1/68)

الطويل:

سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت ... وما حل في أكباد عاد وجرهم

فقال أبو مسلم: هذا مع الأمان الذي أعطيت؟ فقال عيسى: اعتقت ما أملك إن كان هذا شيئاً أضمرته.

ثلاث غفلات لجارية الأمين

ولما حوصر الأمين قال لجاريته: غني، فغنت الطويل:

كليب لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم

فاشتد ذلك عليه ثم قال غني غير هذا. فغنت: البسيط:

شكت فراقهم عيني فأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء

فقال: لعنك الله أما تعرفين غير هذا؟ فغنت: البسيط:

ما اختلف الليل والنهار وما ... دارت نجوم السماء في الفلك

إلا لنقل السلطان من ملكٍ ... قد غاب تحت الثرى إلى ملك

فقال: قومي، فقامت فعثرت بقدح بلور فكسرته، فإذا قائل يقول: " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ".

ولما دخل المأمون على زبيدة ليعزيها في الأمين قالت: أرأيت أن تسليني في غدائك اليوم عندي؟ فتغدى وأخرجت إليه من جواري الأمين من تغنيه فغنت:

(1/69)

الطويل:

هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوماً بكسرى مرازبه

فوثب مغضباً، فقالت له: يا أمير المؤمنين حرمني الله أجره إن كنت علمت أو دسست إليها، فصدقها.

المعتصم يتطير من قول شاعر

ولما فرغ المعتصم من بناء قصره دخل الناس عليه، فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم أن ينشده شعراً في صفته وصفة المجلس أوله: الكامل:

يا دار غيرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك

فتطير المعتصم وعجب الناس من إسحاق كيف فعل هذا مع فهمه، فقاموا وخرب القصر وما اجتمع فيه بعد ذلك اثنان.

وأنشد الصاحب بن عباد عضد الدولة مديحاً له من قصيدة يقول فيها:

(1/70)

الطويل:

ضممت على أبناء تغلب تاءها ... فتغلب ما كر الجديدان تغلب

فتطير عضد الدولة من قول تغلب وقال: نعوذ بالله، فتيقظ الصاحب لقوله وتغير لونه.

وقال إسحاق المهلبي: دخلت على الواثق فقال: غنني صوتاً عربياً، فقلت: السريع:

يا دار إن كان البلى محاك ... فإنه يعجبني أراك

قال فتبينت الكراهية في وجهه وندمت.

الشاعر العجلي يوجأ في عنقه لغفلته

ودخل أبو النجم العجلي على هشام بن عبد الملك فأنشده أبياتاً حتى بلغ

(1/71)

فيها ذكر الشمس فقال: " وهي على الأفق كعين الأحول "، فأمر أن يوجأ في عنقه وأخرج.

أرطاة يخطىء خطأً غير مقصود

ودخل أرطأة على عبد الملك بن مروان وكان شيخاً كبيراً فاستنشده ما قاله في طول عمره فأنشده: الوافر:

رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد

وما تبغي المنية حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد

فاعلم أنها ستكر حتى ... توفي نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبد الملك وظن أنه عناه وعلم أرطأة أنه زل فقال: يا أمير المؤمنين إني أكنى بأبي الوليد، وصدقه الحاضرون.

ذو الرمة عند عبد الملك

ودخل ذو الرمة على عبد الملك فأنشده: البسيط:

ما بال عينيك منها الدمع ينسكب ... كأنه من كلى مفرية سرب

(1/72)

واتفق أن عيني عبد الملك كانت تسيلان، فظن أنه عرض به فغضب، وقطع إنشاده وأخرجه. ودخل شاعر على طاهر بن عبد الله فأنشده: الخفيف:

شب بالإبل من عزيزة نار ... أوقدتها وأين منك المزار

وكان اسم والدة طاهر عزيزة فتغامز الحاضرون وأعلموه بهفوته فأمسك.

غفلة شاعر في حضرة عقبة بن مسلم

ودخل رجل على عقبة بن مسلم الأزدي فأنشده: المديد:

يا ابنة الأزدي قلبي كئيبٌ ... مستهامٌ عندكم ما يؤوب

ولقد لاموا فقلت دعوني ... إني من تلحون فيه حبيب

فتغير وجه عقبة، فنظر الشاعر فقطع.

أسرجوا العلوي

ودخل الرئيس أبو علي العلوي يوماً على بعض الرؤساء، فتحادثا فجءا غلام لذلك الرجل فقال: يا سيدي أي الخيل نسرج اليوم؟ فقال: اسرجوا العلوي. فقال له أبو علي: أحسن اللفظ يا سيدي، فاستحيا وقال: هفوة.

المشاكلة اللفظية تسبب الأزمات

واجتاز المرتضى أبو القاسم نقيب العلويين، يوم جمعة على باب جامع المنصور عند المكان الذي يباع فيه الغنم، فسمع المنادي يقول: نبيع هذا التيس العلوي بدينار، فظن أنه قصده بذلك فعاد متألماً من المنادي فكشف عن الحال،

(1/73)

فوجد أن التيس إن كان في رقبته حلمتان سمي علوياً نسبة لشعرتي العلوي المسبلتين على رقبته. ونحو هذا ما جرى لأبي الفرج العلوي، فإنه كان أعرج أحول، فسمع منادياً ينادي على تيس: كم عليكم في هذا العلوي الأعرج الأحول؟ فلم يشك أنه عناه، فراغ عليه ضرباً إلى أن تبين أن التيس أحول أعرج فضحك الحاضرون مما اتفق.

أراد أن يمدحه فذمه

وقال أبو الحسن الصابىء: دخل بعض أصدقائنا إلى رجل قد ابتاع داراً في جواره، فسلم عليه وأظهر الأنس بقربه وقال: هذه الدار كانت لصديقنا وأخينا، إلا أنك بحمد الله أوفى منة وكرماً وأوسع نفساً وصدراً، والحمد لله الذي بدلنا به من هو خيرٌ منه وأنشد: بدل بالبازي غرابٌ أبقع. فضحك منه الرجل حتى استلقى وخجل، وصارت نادرة يولع الرجل بها.

(1/74)
الباب العاشر

في ذكر المغفلين من القراء والمصحفين

الإصرار على الغلط

عن عبد الله بن عمر بن أبان أن مشكدانة قرأ عليه في التفسير " ويعوق وبشراً " فقيل له ونسراً، فقال: هي منقوطة بثلاثة من فوق، فقيل له النقط غلط، قال: فارجع إلى الأصل. وعن محمد بن أبي الفضل قال: قرأ علينا عبد الله بن عمر بن أبان ويعوق وبشراً فقال له رجل إنما هو ونسراً، فقال: هو ذا فوقها نقط مثل رأسك. وقال أبو العباس بن عمار الكاتب: انصرفت من مجلس مشكدانة فمررت بمحمد بن عباد بن موسى فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند مشكدانة، فقال: ذاك الذي يصحف على جبرائيل. يريد قراءته ويعوق وبشراً وكانت حكيت عنه. حدثنا إسماعيل بن محمد قال: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقرأ " فإن لم يصبها وابل فظل ". قال: وقرأ " من الخوارج مكلبين ".

(1/75)

وعن محمد بن جرير الطبري قال: قرأ علينا محمد بن جميل الرازي " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يجرحوك ". قال الدارقطني: وحدثني أنه سمع أبا بكر الباغندي أملى عليهم في حديث ذكره " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوياً " بضم الهاء وياء.

تشنيعات على ابن أبي شيبة

قال ابن كامل: وحدثنا أبو شيخ الأصبهاني محمد بن الحسين قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير وإذا بطشتم بطشتم خبازين يريد قوله " جبارين ". وعن محمد بن عبد الله المنادي يقول: كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا وقال ن والقلم في أي سورة هو؟. وعن إبراهيم بن دومة الأصبهاني أنه يقول: أملى علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير قال: خذوا سورة المدبر قالها بالباء. قال الدارقطني: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير " فلما جهزهم

(1/76)

بجهازهم جعل السقاية في رجل أخيه " فقيل له: " السقاية في رحل أخيه " فقال: أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم. وقال القاضي المقدمي:

قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة جعل السقاية في رجل أخيه فقيل له " في رحل أخيه " فقال: تحت الجيم واحدة. وعن محمد بن عبد الله الحضرمي إنه قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة فضرب بينهم سنور له ناب فقيل له إنما هو " بسور له باب " فقال: أنا لا أقرأ قراءة حمزة، قراءة حمزة عندنا بدعة.

استمر على تصحيفه أربعين سنة

قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى قال: مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقر: ولله ميزاب السموات والأرض فقلت: يا شيخ ما معنى ولله ميزاب السموات والأرض؟ قال: هذا المطر الذي نراه، فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير، يا هذا إنما هو " ميراث السموات والأرض " فقال: اللهم اغفر لي، أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.

ادعى الاشتغال بالقرآن وهو الجاهل به

قال: حدثني أبو فزارة الأسدي قال: قلت لسعيد بن هشيم: لو حفظت عن أبيك عشرة أحاديث سدت الناس، وقيل هذا ابن هشيم فجاءوك فسمعوا منك، قال: شغلني عن ذلك القرآن، فلما كان يوم آخر قال لي: جبير كان نبياً أم صديقاً؟

(1/77)

قال: قلت: من جبير؟ قال: قوله عز وجل: واسأل به جبيراً. قال: قلت له: يا غافل، زعمت أن القرآن أشغلك.

يخلط بين الشعر والقرآن الكريم

وعن أبي عبيدة قال: كنا نجلس إلى أبي عمرو بن العلاء فنخوض في فنون من العلم ورجل يجلس إلينا لا يتكلم حتى نقوم، فقلنا: إما أن يكون مجنوناً أو أعلم الناس! فقال يونس: أو خائف، سأظهر لكم أمره. فقال له: كيف علمك بكتاب الله تعالى؟ قال: عالم به، قال: ففي أي سورة هذه الآية: مجزوء البسيط:

الحمد الله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما

فأطرق ساعة ثم قال: في حم الدخان.

وعن أبي عبد الله بن عرفة، أنه قال: اصطحب ناس فكانوا يتذاكرون الآداب والأخبار وسائر العلوم، وكان معهم شاب لا يخوض فيما يخوضون فيه سوى أنه كان يقول: رحم الله أبي ماكان يعدل بالقرآن وعلمه شيئاً، فكانوا يرون أنه أعلم الناس بالقرآن، فسأله بعضهم في أي سورة: الطويل:

وفينا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مبيض من الصبح ساطع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

فقال: سبحان الله من لم يعرف هذا؟ هذا في " حم عسق "، فقالوا: ما قصر أبوك في أدبك، فقال لهم: أفكان يتغافل عني كتغافل آبائكم عنكم؟.

قاضٍ أغفل من الخصمين

ونبأنا في هذا المعنى أن رجلاً قدم ابناً له إلى القاضي فقال: أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي، فقال له القاضي: ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟ قال: يقول غير الصحيح إني أصلي ولا أشر الخمر، فقال أبوه: أصلح الله القاضي أتكون صلاة بلا قراءة؟ فقال القاضي: يا غلام تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم وأجيد القراءة، قال: اقرأ، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: مجزوء الكامل:

علق القالب ربابا ... بعدما شابت وشابا

إن دين الله حق ... لا أرى فيه ارتيابا

(1/78)

فقال أبوه: والله أيها القاضي ما تعلم هاتين الآيتين إلا البارحة، لأنه سرق مصحفاً من بعض جيراننا. فقال القاضي: قبحكم الله، أحدكما يقرأ كتاب الله ولا يعمل به.

الشافعي يتحدث عن غافل

وعن المزني أنه قال: سمعت الشافعي يقول: قرأ رجل فما لكم في المنافقين قيس قيل: فما قيس؟ قال: يقتاسون به.

ينسب إلى القرآن ما ليس منه

قال: حدثني أبو بكر محمد بن جعفر السواق قال: كان علي وعد أنفذه لابن عبدان الصيرفي، فأخرته لضرورة، فجاءني يقتضيني وقال لي، في عرض الخطاب: أقول لك يا أبا بكر كما قال الله تعالى وشديد عادة منتزعة فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما قال من هذا شيئاً. فاستحيا وقام، فما عاد لي أياماً، فلما حضرت الدراهم أنفذتها إليه.

غفلة الإبن والأب

وعن يحيى بن أكثم قال: قدم رجل ابنه إلى بعض القضاة ليحجر عليه فقال فيم؟ قال للقاضي: أصلحك الله، إن كان يحسن آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه، فقال له القاضي: اقرأ يا فتى، فقال: الوافر:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر

فقال أبوه: أصلحك الله إنه قرأ آية أخرى فلا تحجر عليه. فحجر القاضي عليهما. وعن أبي عبد الله الشطيري قال: كان إبراهيم يقرأ على الأعمش

(1/79)

فقال: " قال لمن حوله ألا تستمعون " فقال الأعمش: لمن حوله. فقال: ألست أخبرتني إن من تجر ما بعدها؟.

تصحيفات حماد

قال: حدثني الدراقطني قال: ذكر أبو بكر عن حماد أن قرأ والغاديات صبحا بالغين المعجمة والصاد المهملة فأخبروا بذلك عقبة فامتحنه بالقراءة في المصحف فصحف في آيات عدة فقرأ ومما يغرسون وعدها أباه أصبت من أساء، فبادوا ولات حين، لا يسع الجاهلين، فأنا أول العائدين. كل خباز. قال: حدثني الدارقطني قال: ثنا علي بن موسى قال: قرأ أبو أحمد العراقي على عبد الله بن أحمد بن حنبل " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " بكسر العين فقال له إنما هو " يرفعه " قال: هكذا الوقف عليه. قال الدارقطني: حدثنا النقاش قال: كنت بطبرية الشام أكتب على شيخ فيها عنده جزء فيه عن أبي عمرو الدوري وكان فيه أن يحيى بن معمر قرأ إن لك في النهار شيخاً طويلاً فقرأ على الشيخ وعلى من كان يسمع معه شيخاً بالشين المعجمة وبالخاء والياء.

نصيحة جار لجاره

كان رجل كثير المخاصمة لامرأته، وله جار يعاتبه على ذلك، فلما كان في بعض الليالي خاصمها خصومة شديدة وضربها، فاطلع عليه جاره، فقال: يا هذا،

(1/80)

اعمل معها كما قال الله تعالى: إما إمساك إيش اسمه أو تسريح ما أدري إيش.

صاحب الظالم

وجه فزارة صاحب مظالم البصرة رجلاً يوماً في حاجة فقضاها ورجع إليه، فقال فزارة أنت كما قال الله تعالى: المتقارب:

إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيماً ولا توصه

يتبرأ من ابنه لجهله

قال رجل لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد فقال أبوه: لعمري من كنت ابنه فهو بلا ولد.

قال المأمون لبعض كتابه: ويلك ما تحسن تقرأ؟ قال: بلى والله، إني لأقرأ من سورة واحدة ألف آية. سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها فأقام عنده أياماً، فقال له الخطي: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم وقد أشكل علي في القرآن بعض مواضع، قال: سلني عنها، قال: منها في " الحمد لله "، " إياك نعبد وإياك " أي شيء تسعين أو سبعين؟ أشكلت علي هذه فأنا أقولها تسعين، آخذ بالإحتياط.

(1/81)
الباب الحادي عشر

في ذكر المغفلين من رواة الحديث والمصحفين

تصحيف في أسماء الأعلام

قال أبو بكر بن أبي أويس: بينا عبد الله بن زياد يحدث انتهى إلى حديث شهر بن حوشب فقال: حدثني شهر بن خوشب، فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان، اسمه من أسماء العجم، فقلت: لعلك تريد شهر بن حوشب. فعلمنا أنه يأخذ من الكتب. وعن عوام بن إسماعيل قال: جاء حبيب كاتب مالك يقرأ على سفيان بن عيينة، فقال: حدثكم المسعودي عن جراب التيمي، فقال سفيان: ليس هو جراب إنما هو خوات. وقرأ عليه: حدثكم أيوب عن ابن شيرين. فقال: ليس كذلك إنما هو سيرين. وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه يقول حكاية عن بعض شيوخه قال: قال رجل لهشيم: يا أبا معاوية أخبركم أبو حرة عن الحسن. فقال هشيم: أخبرنا أبو حرة عن الحسن ووصف شيخنا ضحك هشيم هه هه. وعن محمد بن يونس الكندي أنه قال: حضرت مجلس مؤمل بن

(1/82)

إسماعيل فقرأ عليه رجل من أهل المجلس: حدثكم سبعة وسبعين، فضحك المؤمل وقال للفتى: من أين؟ فقال: من مصر. حدثنا إسحاق قال: كنا عند جرير، فأتاه رجل وقال: يا أبا عبد الله تقرأ علي هذا الحديث، فقال: وما هو؟ قال: حدثنا خربز عن رقبة، قال: ويحك أنا جرير.

تصحيف أدى إلى جريمة

حدثنا محمد بن سعيد قال: سمعت الفضل بن يوسف الجعفي يقول: سمعت رجلاً يقول لأبي نعيم: حدثتك أمك، يريد حدثك أمي الصيرفي. قال أبو نعيم: كتب عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم أن احص من قبلك من المخنثين، فصحف الكاتب فقرأ بالخاء فخصاهم. فقال بعض المخنثين: اليوم استحققنا هذا الاسم.

حدثنا يحيى بن بكير قال: جاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي ﷺ: في الذي نشرت في أبيه القصة فقال الليث: ويحك إنما هو في الذي يشرب في آنية الفضة.

(1/83)

تصحيف في السند

قال الدارقطني: وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العيناء قال: حضرت مجلس بعض المحدثين المغفلين فأسند حديثاً عن النبي ﷺ عن جبرائيل عن الله عن رجل، فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟ فإذا هو قد صحفه، وإذ هو عز وجل. وقد نبأنا بهذه الحكاية أبو عبد الله الحسين بن محمد البارع قال: سمعت القاضي أبا بكر بن أحمد بن كامل يقول: حضرت بعض المشايخ المغفلين فقال: عن رسول الله ﷺ عن جبريل عن الله عن وجل. فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله، فإذا هو عز وجل وقد صحفه.

ضحى بهرة

قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الخلال قال: قال إبراهيم الحربي:

(1/84)

قدم علينا محمد بن عباد المهلبي فذهبنا إليه فسمعنا منه ولم يكن بصيراً بالحديث، حدثنا بحديث فقال: إن النبي ﷺ ضحى بهرة وغلط، إنها التصقت الباب بالقاف.

لحق التصحيف باسمه

قال: سمعت محمد بن حمدان يقول: سمعت صالحاً يعني جزرة يقول: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام وكان عنده كراس فيه عن جرير، فقرأت عليه: حدثكم جرير عن ابن عثمان أنه كان لأبي أسامة خرزة يرقي بها المريض، فصحفت أنا الخرزة، فقلت: كان لأبي أسامة جزرة، قال الخطيب: وبهذا سمي صالح جزرة.

شرف لا تستحقونه

قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني أن أبا موسى محمد بن المثنى قال لهم يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، وقد صلى النبي ﷺ إلينا، لما روي أن رسول الله ﷺ صلى إلى عنزة، توهم أنه صلى إليهم وإنما العنزة التي صلى إليها النبي ﷺ هي حربة كانت تحمل بين يديه فتنصب فيصلي إليها.

تعزية غير موفقة

وعن عبد الله بن أبي بكر السهمي قال: دخل أبي علي عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أمير البصرة، فعزاه عن طفل مات له، ودخل عليه

(1/85)

شبيب بن شيبة فقال: أبشر أيها الأمير فإن الطفل لا يزال محبنظئاً على باب الجنة ويقول: لا أدخل حتى يدخل والدي، فقال له: يا أبا معمر، دع الظاء والزم الطاء، فقال له: أنت تقول لي هذا وما بين لابتيها أفصح مني! فقال له أبي: فهذا خطأ ثانٍ، من أين للبصرة لابة!؟ واللابة الحجارة السود والبصرة حجارة بيض قال: فكان كلما انتعش انتكس.

تصحيف في الأسماء

وعن أبي حاتم الرازي أنه قال: كان عمر بن محمد بن الحسين يصحف فيقول: معاد بن حبل، حجاج بن قراقصة، وعلقمة بن مريد فقلت له: أبوك لم يسلمك إلى الكتاب؟ فقال: كانت لنا صبية شغلتنا عن الحديث.

المناظرة تكشف الجهال

قال الدارقطني: وأخبرني يعقوب بن موسى قال: قال أبو زرعة: كان

(1/86)

بشر بن يحيى بن حسان من أصحاب الرازي وكان يناظر فاحتجوا عليه بطاووس فقال: يحتجون علينا بالطيور. قال أبو زرعة: وبلغني أنه ناظر إسحاق في القرعة فاحتج عليه إسحاق بالأحاديث الصحيحة فأفحمه، فانصرف، ففتش كتبه فوجد في حديث النبي ﷺ القزع فصحف بالراء فانصرف وقال لأصحابه: قد وجدت حديثاً أكسر به ظهره، فأتى إسحاق فأخبره فقال: إنما هو القزع.

تصحيف يجعل الحلال حراماً

وسأل حماد بن يزيد غلامٌ فقال: يا أبا إسماعيل حدثك عمر أن النبي ﷺ نهى عن الخبز، قال: فتبسم حماد وقال: يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟ وإنما هو نهى عن الخمر.

الضبي يكفيه كفن واحد

وعن يحيى بن معين قال: قدم داود بن أبي هند عليهم الكوفة فقام مستملي أهل الكوفة فقال: كيف حديث سعيد يكفن الضبي في ثوب واحد؟ يريد يكفن الصبي في ثوب واحد.

(1/87)

اللحن خير من المسخ

وعن الحسن بن البراء قال: كان لعمر بن عون وراق يلحن فأخره وتقدم إلى وراق أديب أن يقرأ عليه، فقرأ: حدثكم هسيم، فقال: ردونا إلى الأول فإنه يلحن وهذا يمسخ.

وجاء رجل إلى الليث بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي ﷺ في الذي نشرت في أبيه القصة؟ قال: حدث أبو حفص بن شاهين عن النبي ﷺ أنه قال: يوشك أن الضعينة بلا خفير فصحفت، فقال: بلا خفين.

الكتاب يصحح للقاضي

كان حيان بن بشر قد تولى قضاء بغداد وأصبهان وكان من جملة رواة الحديث فروى يوماً: أن عرفجة قطع أنفه يوم الكلام، وكان مستمليه رجلاً من أهل كجة فقال: أيها القاضي إنما هو الكلاب، فأمر بحبسه فدخل الناس إليه فقالوا: ما دهاك؟ فقال: قطع أنف عرفجة في الجاهلية وابتليت أنا به في الإسلام.

تصحيف منكر

وعن عبد الله بن ثعلبة قال: كان رسول الله ﷺ يمسح وجهه من القيح. قال عبد الله: أخطأ فيه وصحف يعني المخزومي إنما هو الفيح.

وعن معاوية بن أبي سفيان قال: لعن رسول الله ﷺ الذي يشققون الخطب تشقيق الشعر، قال أبو نعيم شهدت وكيعاً مرة يقول: يشققون الحطب،

(1/88)

فقلت: بالحاء؟ قال: نعم. عن عامر بن صعب قال: اعتكفت عائشة عن أختها بعدما ماتت، كذا قال: وإنما هو اعتقت.

حديث معناه يدل على ضعفه

قال: حدثنا الشافعي قال: قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله ﷺ قال: إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً وصلت خلف المقام ركعتين؟ قال: نعم.

طالب ذو عفة

قال: حدثنا إسحاق بن وهب قال: كنا عند يزيد بن هرون وكان له مستمل يقال له: بريح. فسأله رجل عن حديث، فقال يزيد: حدثنا به عدة، فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة ابن من؟ قال: عدة بن فقدتك.

عم الرجل صنو أبيه

قال: حدثني الفضل بن أبي طاهر قال: صحف رجل في قول النبي ﷺ عم الرجل صنو أبيه فقال: عم الرجل ضيق آنية.

وارث بثينة

وعن زكريا بن مهران قال: صحف رجل لا يورث حميل إلا ببينة الحميل اللقيط فقال: بثينة.

قال: حضرت أحمد بن يحيى بن زهير ورجل من أصحاب الحديث يقول له: كيف الزبير بن خريت؟ فقال له ابن زهير: لا خريت ولا كنت، إنما هو خربت، والخربت الدليل الحاذق.

(1/89)

الأجرة صارت أجرة

قال العسكري: روى شيخ مغفل أن النبي ﷺ احتجم وأعطى الحجاج آجرة بضم الجيم وتشديد الراء.

تصحيف في شعر

قال العسكري: وأنبأ أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبي قال: قرأ القطربلي على ثعلب بيت الأعشى: الطويل:

فلو كنت في حب ثمانين قامةً ... ورقيت أسباب السماء بسلم

قال له أبو العباس: خرب بيتك هل رأيت حباً ثمانين قامة قط؟ إنما هو جب.

صحف الحديث وفسر التصحيف

قال حجاج: جاء رجل إلى عبد القدوس بن حبيب فقال له: أعد علي الحديث الذي حدثت به، فقال: لا تتخذوا شيئاً فيه الروح عرضاً بالعين المهملة والراء المفتوحة، فقال له الرجل: ما معنى هذا؟ فقال: هو الرجل يخرج من داره القسطرون، يعني الروشن والكنيف. قلت: وهذا صحف الحديث وفسره على التصحيف، وإنما الحديث لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً بالغين المعجمة.

المرء حيث يهوى قلبه

حدثنا سعيد بن عمر قال: قال أبو زرعة: أظن القاسم بن أبي شيبة رأى في كتاب إنسان عن ابن فضيل عن أبيه عن المغير عن سعيد بن جبير

(1/90)

المرجية يهود القبلة فعلقه ولم يضبطه، فكان يحدث به عن ابن فضيل فيقول: المرء حيث يهوى قلبه.

يريد إخراج كتاب تفسير وهو جاهل

قال الدارقطني: وسمعت أبا العباس ابن أبي مهران يقول: كان ابن جميل الرازي يريد أن يخرج التفسير فأخرجه في رقاع، فأخرج ذات ليلة رقعة إلى الوراقين فقال: الأكثرون هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا في أي سورة هو؟ فقال له الوراق: ليس هذا من القرآن. فخجل ولم يخرج التفسير بعد.

استفتاء محير

قال سمعت البرقاني يقول: قال لي الأهوازي الفقيه: كنت عند يحيى بن محمد بن صاعد فجاءته امرأة فقالت له: أيها الشيخ ما تقول في بئر سقطت فيها دجاجة فماتت، هذا الماء طاهر أم نجس؟ فقال يحيى: ويحك كيف سقطت الدجاجة في البئر؟ قالت: لم تكن البئر مغطاة، قال يحيى: ألا غطيتها حتى لا يقع فيه شيء، قال الأهوازي فقلت: يا هذه إن كان الماء قد تغير وإلا فهو طاهر.

ما أفصح كلامه

قال: كنا عند بندار فقال في حديث عن عائشة قال: قالت رسول الله ﷺ، فقال رجل يسخر به: أعيذك بالله ما أفصحك، فقال: كنا إذا خرجنا من عند روح دخلنا إلى أبي عبيدة. فقال: قد بان ذلك عليك.

(1/91)

العلماء قد يقعون في التصحيف

قال: حدثنا عبد الله بن موسى، والفريابي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: برز عيينة وشيبة والوليد فقالوا: من يبارز؟ فخرج من الأنصار، قال عبد الله، ستة، والفريابي، شيبة، قال الدارقطني: قوله ستة تصحيف والأصح ما قاله الفريابي، لأن الذين خرجوا من الأنصار ثلاثة.

تصحيف في الأحاديث

قال الدارقطني: وقرأت في أصل أبي عبد الله بن مخلد عن يحيى بن معين قال: قال الوراق في حديث عائشة: أن النبي ﷺ لما أتى البقيع حساً رأيته.

قال الدارقطني: حدثنا أبي قال: ورد يحيى بن آدم فقال: أخطأ في حديث كعب، قال: قال الله أنا أشج وأداوي، وأخطأ يحيى قبيحاً فقال: أسحر وأداوي.

قال أبو الهيثم القاضي: سمعت أحمد بن صالح يقول: قدمت أبلة

(1/92)

فتلقيت سلامة بن روح فسمعته يحدث حديثاً لسقيفة فقال فيه: ولا بيعة للذي بايع بعرة أن يفتلا، فقلت: إنما هو تغرة أن يقتلا فقال لي: لا، هو كما قلت لك، قلت: فما معناه؟ قال: البعرة تفتلها في يدك تفتيلاً فتنتشر.

قال الدارقطني: أملى علينا أبو بكر الصولي حديث أبي أيوب من صام رمضان واتبعه ستاً من شوال فقال: شيئاً من شوال.

وروى أحمد بن جعفر الحنبلي حديث أبي سعيد لا حليم إلا ذو عثرة فقال: غيرة بالغين المعجمة والياء. قال الدارقطني: وحدثنا محمد بن أحمد قال: أملى علينا أبو شاكر مولى المتوكل في حديث اكتحلوا وتراً واذهبوا عنا أراد وادهنوا غباً. قال وقد روى ابن لهيعة أن رسول الله ﷺ احتجم في المسجد، وإنما هو احتجر.

خطأ الفقيه

قال الدارقطني: بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدث وبين يديه مقدار ألف نفس، فقالت له: حلفت بصدقة إزاري، قال: بكم اشتريته؟ قالت: باثنين وعشرين درهماً، قال: فصومي اثنين وعشرين، قال: فلما مرت أخذ يقول: آه آه، غلطنا والله أمرناها بكفارة الظهار.

(1/93)

ينسب شعراً إلى النبي

حدثني محمد بن عدي البصري قال: رأيت رجلاً وهو يقول: قال النبي ﷺ: مجزوء الوافر:

من بر يوماً بر به ... والدهر لا يغتر به

لا يجيب حتى يسأل أباه

قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عباس قال: سمعت يحيى بن معين يقول عن سعيد بن مسلم: كان عنده كتاب عن منصور، فقال له رجل: سمعت هذا الكتاب؟ فقال: حتى يجيء أبي وأسأله.

قال الدراقطني: سمعت حمزة السهمي يقول: سمعت على شيخ وأخذنا بكتابة السماع، فقال: اكتبوا اسمي معكم. فقلت للإسماعيلي: من الغفلة ذلك؟ قال: نعم..

لا يكتب اسمه لمن لا يعرفه

حدثني أبو الحسن بن خلف الفقيه قال: كتب لنا بعض المشايخ خطه في إجازة ولم يكتب اسمه فقلنا له: اكتب اسمك، فقال: والله لا أفعل ولا أكتب اسمي لمن لا أعرفه.

جمع العلم وفاته حكم بسيط

وعن أحمد بن علي بن ثابت قال: قرأت في كتاب أبي الفتح عبد الله بن أحمد النحوي بخطه: سمعت القاضي أحمد بن كامل يقول: ما جمع أحد من

(1/94)

العلم ما جمع محمد بن موسى البربري، ودخلت عليه يوماً وهو مغموم فقلت له: ما بك؟ فقال: فلانة يعني امرأته حملتني على أن أعتقت هذه الجارية وقد بقيت لا أمة لي تخدمني ولا أحد يعينني، قلت: وأي شيء مقدار ثمن الجارية؟ فقال: إن امرأتي دفعت إلي دنانير أشتري لها بها جارية فاشتريت هذه الجارية، فقلت: تعتق ما لا تملك؟ قال: كأنه لا يجوز، قلت: لا، الجارية لها على ملكها. فجعل يدعو لي.

قال الجاحظ: أمليت مرة على إنسان عمراً فاستملى ستراً وكتب زيداً.

لا يفهم رغم التكرار

قال إسماعيل بن محمد الحافظ: كنا بمجلس نظام الملك فأملى مجزوء الكامل:

أفٍّ للدنيا الدنية ... دراهم وبلية

فقال المستملي: وتلية؟ فقيل له: وبلية. فقال: وملية، فضحك الجماعة، فقال النظام: اتركوه. ذكر محمد بن الحسن عن بعض المغفلين، وقيل له: فلان مات في الري، فقال: إلى الري رحلتان لا أدري في أيهما مات.

لم يوفقوا في العالم البديل

قال: سمعت أحمد بن محمد بن عيسى الوراق يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول: سمعت أبي يقول: كتب إلي

(1/95)

صالح بن محمد العبادي أن محمد بن يحيى لما مات أجلسوا مكانه محدثاً يعرف بمحمد بن يزيد فأملى عليهم يا أبا عمير ما فعل البعير وأملى عليهم: لا تصحب الملائكة رفقة فيها حرس؛ يعني الذئب.

صحفوا قول عمر

وذكر أبو سليمان الخطابي: أن عبد الله بن عمار قال: سرقت مني عبية ومعنا رجل متهم، فجئت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقلت: قد هممت أن آتي به مصفوداً، فقال: بغير بينة؟ قال الخليل: هذا مما صحف فيه الراوي، إنما قال: عمر: تفترسه، يعني تتقوى عليه لأنه لو أقام البينة لم يكن له في الحكم تكتيفه. ويحكى أن يحيى بن معين قال: صحف رجل في حديث أبي عبيدة أنه كان على الحسر، فروى على الجسر، والحسر جمع حاسر وهو الذي لا درع عليه. قال الخطابي: وصحف بعضهم: لو صليتم حتى تكونوا كالحنائز. وصحف آخر في حديث يأجوج ومأجوج أنها إذا هلكت أكلت منها دواب الأرض فتشكر أي تسمن. فصحف فقال: تسكر، من سكر الشراب.

تصحيف بالغ

وحكى لنا أبو بكر ابن عبد الباقي البزاز، صحف رجل فقال: حدثنا سقنان البوري عن جلد المجدا عن اتش عن النبي ﷺ قال: اذهبوا عنا. أراد

(1/96)

سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أنس عن النبي ﷺ قال: ادهنوا غباً.

(1/97)
الباب الثاني عشر

في ذكر المغفلين من الأمراء والولاة

كره أن يغيظ السيدة عائشة

قال محمد بن زياد: كان عيسى بن صالح بن علي يحمق، وكان له ابن يقال له: عبد الله، من عقلاء الناس فتولى عيسى جند قنسرين فاستخلف ابنه على العمل، قال ابنه: فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مبكر لا يحضر فيه إلا لأمر مهم، فتوهمت أن كتاباً ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فلبست السواد وتقدمت بالبعثة، إلى وجوه القواد، وركبت إلى داره، فلما دخلتها سألت الحجاب هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر؟ فقالوا لم يكن من هذا شيء، فصرت من الدار إلى موضع تخلف الحجاب عنه، فسألت الخدام أيضاً، فقالوا مثل مقالة الحجاب، فصرت إلى الموضع الذي هو فيه، فقال لي: أدخل يا بني، فدخلت فوجدته على فراشه، فقال: علمت يا بني أني سهرت الليلة في أمر أنا مفكر فيه إلى الساعة، قلت: أصلح الله الأمير، ما هو؟ قال: اشتهيت أن يصيرني الله من الحور العين ويجعل في الجنة زوجي يوسف النبي فطال في ذلك فكري، قلت: أصلح الله الأمير، فالله عز وجل قد جعلك رجلاً فأرجو أن يدخلك الجنة، ويزوجك من الحور العين، فإذا

(1/98)

وقع هذا في فكرك فهلا اشتهيت محمداً ﷺ أن يكون زوجك فإنه أحق بالقرابة والنسب وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عليين؟ فقال: يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا فقد فكرت فيه ولكن كرهت أن أغيظ السيدة عائشة.

حمل كتابه بنفسه

حدثنا المدائني قال: جاء رجل من أشراف الناس إلى بغداد، فأراد أن يكتب إلى أبيه كتاباً يخبره، فلم يجد أحداً يعرفه فانحدر بالكتاب إلى أبيه وقال: كرهت أن يبطىء عليك خبري ولم أجد أحداً يجيء بالكتاب فجئت أنا به ودفعه إليه.

ضرب الخصمين لأن بينهما الظالم

قال ابن خلف: واختصم رجلان إلى بعض الولاة فلم يحسن أن يقضي بينهما فضربهما وقال: الحمد لله الذي لم يفتني الظالم منهما.

أخبرني سعيد بن جعفر الأنباري قال: سمعت أبي يقول: غضب أبو الخيثم على عامل له فكلم في الرضاء عنه فقال: لا والله أو يبلغني عنه أنه قبل رجلي.

صاحب مظالم قليل العقل

قال أبو عثمان الجاحظ: كان فزارة صاحب مظالم البصرة وكان أطول خلق الله لحية وأقلهم عقلاً وهو الذي قال فيه الشاعر: مجزوء الكامل:

ومن المظالم أن تكو ... ن على المظالم يا فزاره

أخذ الحجام يوماً من شعره فما فرغ دعا بمرآة فنظر فيها فقال للحجام:

(1/99)

أما شعر رأسي فقد جودت أخذه، ولكنك والله يا ابن الخبيثة سلحت على شاربي ووضع يديه عليه. وسمع فزارة يوماً صياحاً فقال: ما هذا الصياح؟ فقالوا: قوم يتكلمون في القرآن. فقال: اللهم أرحنا من القرآن.

واجتاز به صاحب دراج فقال: بكم تبيع هذا الدراج؟ فقال: واحد بدرهم. قال: لا، قال: كذا بعت، قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة دراهم، قال: خذ، فقال: يا غلام أعطه ثمن اثنين ثلاثة دراهم فإنه أسهل للمبيع.

خطاب أعراب ولي على كورة

وبلغنا أن المهلب ولى بعض الأعراب كورة بخراسان وعزل واليها فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس اقصدوا لما أمركم الله به، فإنه رغبكم في الآخرة الباقية وزهدكم في الدنيا الفانية، فرغبتم في هذه وزهدتم في تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية ولا تحصل لكم الباقية فتكونوا كما قال الله تعالى لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت واعتبروا بالمغرور الذي عزل عنكم سعى وجمع فصار ذلك كله إلي على رغم أنفه وصار كما قال الله سبحانه وتعالى مجزوء الخفيف:

أبشري أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد

ثم نزل عن المنبر.

(1/100)

أعرابي يخطب الجمعة

وبلغنا أن يزيد بن المهلب ولى أعرابياً على بعض كور خراسان فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر وقال: الحمد لله، ثم ارتج عليه، فقال: أيها الناس إياكم والدنيا فإنكم لم تجدوها إلا كما قال الله تعالى: الوافر:

وماالدنيا بباقيةٍ لحي ... وما حي على الدنيا بباقي

فقال كاتبه: أصلح الله الأمير هذا شعر، قال: فالدنيا باقية على أحد؟ قال: لا، قال: فيبقى عليها أحد؟ قال: لا، قال: فما كلفتك إذن؟

خلقت السموات والأرض في ستة أشهر

وبلغنا أن بعض العرب خطب في عمل وليه فقال في خطبته: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر. فقيل له في ستة أيام، فقال: والله أردت أن أقولها ولكن استقللتها.

قصص منصور بن النعمان

قال: حدثنا أبو بكر النقاش قال: كتب كاتب منصور بن النعمان إليه من البصرة أنه أصاب لصاً فكره الإقدام على قطعه دون الاستطلاع على أمره، وأنه خياط، فكتب إليه: إقطع رجله ودع يده، فقال: إن الله أمر بغير ذلك، فكتب إليه: نفذ ما أمرتك به، فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

(1/101)

وأتى منصوراً نخاس ببغل فقال: هذا شراؤه أربعون ديناراً، فقال: لا تربح علي شيئاً هذه المرة، يا غلام اعطه ألفاً وخمسمائة دينار. ودخل على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين الموت فاشٍ بالكوفة ولكنه سليم. ودخل على أحمد بن أبي حاتم وهو يتغدى برؤوس، فقال له أحمد: هلم يا أبا سهل فإنها رؤوس الرضع، فقال: هنيئاً أطعمنا الله وإياك من رؤوس أهل الجنة. وقال له المأمون: يا منصور قد مدت دجلة فأشر علينا. فقال: تكتري مئة سقاء يستقون ذا الماء يرشون الطريق، فقال له المأمون: حرت فيك.

إلحس ما كتبت

قال: حدثنا محمد بن خلف قال: قال بعض الولاة لكاتبه: أكتب إلى فلان وعنفه وقل له: بئس ما صنعت يا خرا. فقال الكاتب: أعزك الله لا يحسن هذا في المكاتبة. قال: صدقت إلحس موضع الخرا بلسانك.

يصف نفسه وصفاً وضيعاً

أخبرني الأمير أبو بكر بن بدر قال: شغب رجال على الحسين بن مخلد يوماً وطالبوه بالمال فقال: أنا ما معي مال في بيتي أخرجه وإنما أنا للسلطان كالمرملة إن صب في أعلاي شيئاً أخذتموه من أسفلي، فإن صبرتم إلى أن ترد الأموال فرقت عليكم وإلا فالأمر لكم.

يريد أن يحم اليوم ويشفى غداً

حدثنا أبو علي محمد بن الحسن الكاتب قال: كنت أكتب لأبي الفضل بن علان وهو بأرجان يتقلدها، فقيل له: قدم أبو المنذر النعمان بن عبد الله يريد فارس، والوجه أن تلقاه في غد، وكان ابن الفضل يحم حمى الربع، فقال: كيف أعمل وغداً يوم حماي ولا أتمكن من لقاء الرجل! ولكن الوجه أن أحم الساعة حتى

(1/102)

أقدر عليه غداً، يا غلام هات الدواج حتى أحم الساعة فإذا عنده أنه إذا أراد أن يقدم نوبة الحمى ويصح غداً تأخرت عنه الحمى.

مقوم ناقة صالح

حدثنا المدائين قال: كان عبد الله بن أبي ثور والي المدينة فخطبهم، فقال: أيها الناس اتقوا الله وارجوا التوبة، فإنه أهلك قوم صالح في ناقة قيمتها خمسمائة درهم. فسموه مقوم الناقة وعزله الزبير.

بعث الله محمداً هادياً لا جابياً

قال: وكتب حيان عامل مصر إلى عمر بن عبد العزيز: إن الناس قد أسلموا فليس جزية. فكتب إليه عمر: أبعد الله الجزية إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً للجزية.

الأمير يجلس للنظر أول من أمس

حدثنا سليمان بن حسن بن مخلد: قال: حدثني أبي قال: كنت عند شجاع بن القاسم وقد دخل قوم من المتظلمين خاطبهم في أمورهم فقال: ليس النظر في هذا الآن والأمير يجلس للنظر في هذا ومثله أول من أمس فتصيرون إليه.

القباء المخرق

دخل شجاع على المستعين مرة وطرف قبائه مخرق، فسأله عن سبب ذلك فقال: اجتزت في الدرب وكان فيه كلب فوطأت قباءه فخرق ذنبي ... فما تمالك المستعين أن ضحك.

(1/103)

عامل الرشيد على الرقة

وعن جرير بن المقفع عن وزير كسرى قال: كان قباذ أحمق، كان يأتي البستان فيشم الريحان في منبته ويقول: لا أقلعه رحمة له. وبلغنا عن نصر بن مقبل وكان عامل الرشيد على الرقة، أنه أمر بجلد شاة الحد، فقالوا إنها بهيمة. قال: الحدود لا تعطل وإن عطلتها فبئس الوالي أنا. فانتهى خبره إلى الرشيد، فلما وقف بين يديه قال: من أنت؟ قال: مولى لبني كلاب، فضحك الرشيد وقال: كيف بصرك بالحكم؟ قال: الناس والبهائم عندي واحد في الحق، ولو وجب الحق على بهيمة وكانت أمي أو أختي لحددتها ولم تأخذني في الله لومة لائم. فأمر الرشيد أن لا يستعان به.

الحكيم والوزير الركيك

حضر بعض حكماء الهند مع وزير ملكهم وكان الوزير ركيكاً فقال للحكيم: ما العلم الأكبر؟ قال: الطب، قال: فإني أعرف من الطب أكثره، قال: فما دواء المبرسم أيها الوزير؟ قال: دواؤه الموت حتى تقل حرارة صدره، ثم يعالج بالأدوية الباردة ليعود حياً، قال: ومن يحييه بعد الموت؟ قال: هذا علم آخر وجد في كتاب النجوم ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة فإني وجدت في كتاب النجوم أن الحياة للإنسان خير من الموت، فقال الحكيم: أيها الوزير الموت على كل حال خير للجاهل من الحياة.

عدل أبي خندف

عرض أبو خندف دوابه فأصاب فيها واحدة عجفاء مهزولة فقال: هاتوا الطباخ، فبطحه وضربه خمسين مقرعة، وقال له: ما لهذه الدابة على هذه الحال؟ قال: يا سيدي أنا طباخ ما علمي بأمر الدواب، قال: بالله أنت طباخ! فلم لم تقل

(1/104)

لي؟ اذهب الآن فإذا كان غداً أضرب السائس ستين مقرعة يفضل عشرون فطب نفساً.

تسلمت ثلاثة وهم واحد

وروى أبو الحسن محمد بن هلال الصابىء قال: خرج قوم من الديلم إلى أقطاعهم فظفروا باللص المعروف بالعراقي فحملوه إلى الوزير أبي عبد الله المهلبي فتقدم بإحضار أبي الحسين أحمد بن محمد القزويني الكاتب وكان ينظر في شرطة بغداد، فقال له المهلبي: هذا اللص العيار العراقي الذي عجزتم عن أخذه فخذوه واكتب خطك بتسليمه، فقال: السمع والطاعة إلى ما يأمر به الوزير، ولكنك تقول ثلاثة وهذا واحد فكيف اكتب خطي بتسليم ثلاثة؟ فقال يا هذا، هذا العدد صفة لهذا الواحد فكتب يقول: أحمد بن محمد القزويني الكاتب تسلمت من حضرة الوزير اللص العيار العراقي ثلاثة وهم واحد رجل، وكتب بخطه في التاريخ. فضحك الوزير، وقال لنصراني هناك: قد صحح القزويني مذهبكم في تسليم هذا اللص.

كتابة اللحن

وقال بعض الكتاب لمغنية: أكتبي لي هذا الصوت، فقالت: أنت الكاتب، فقال: أنت تكتبيه بلحنه وأنا لا أحسن أكتبه بلحنه.

(1/105)

الوزير ذو السعادات

قال أبو الحسن بن هلال الصابىء: عرض على الوزير ذي السعادات أبي الفرج صاحبها وطلبها، ففتح الوزير الدواة وكتب على هذه بخط غليظ، هذه لا تصلح، وكتب على أخرى وهذه غير مرضية، وعلى أخرى هذه غالية، وقال: ادفعوها إليه، فأخذها الرجل وقد تلفت عليه. قال: وكان إذا أخطأ الفرس تحته يأمر بقطع علفه تأديباً له، فإذا قيل له في ذلك، قال: أطعموه ولا تعلموه أني علمت بذلك.

لماذا رفض الإسلام

جاء بعض النصارى إلى عبد الله بن بشار وكان عامل المدينة فقال: أريد أن أسلم على يدك، فقال: يا ابن الفاعلة ما وجدت في عسكر أمير المؤمنين أهون مني جئت تريد أن تلقي بيني وبين عيسى ابن مريم كلاماً إلى يوم القيامة.

صعد بعض الولاة المنبر فخطب فقال: إن أكرمتموني أكرمتكم وإن أهنتموني ليكونن أهون علي من ضرطتي هذه، وضرط ضرطة.

هذا الثلج أبرد من ذاك

جاز بعض الأمراء المغفلين على بياع الثلج فقال: أرني ما عندك، فكسر له قطعة وناوله، فقال: أريد أبرد من هذا، فكسر له من الجانب الآخر، فقال: كيف سعر هذا؟ فقال: رطل بدرهم، ومن الأول رطل ونصف بدرهم، فقال: زن من الثاني. وجاز يوماً بطين في باب الشام فقال لأصحابه: السلطان يريد أن يركب فإن أنا رجعت ورأيت هذا الطين موضعه ضربته بالنار ولا ينفعكم شفاعة أحد.

خطب قبيصة وهو خليفة أبيه على خراسان فأتاه كتابه فقال: هذا كتاب الأمير وهو والله أهل أن يطاع وهو أبي وأكبر مني.

(1/106)

ما ورد كتاب من الميت

وحكى أبو إسحاق الصابي أن رجلاً من كبار كتاب العجم يعرف بأبي العباس بن درستويه حضر مجلس أبي الفرج محمد بن العباس وهو جالس للعزاء بأبيه أبي الفضل، وقد ورد نعيه من الأهواز، وعند أبي الفرج رؤساء الدولة، قد ولي الديوان مكان أبيه، فلما تمكن ابن درستويه في المجلس تباكى وقال: لعل هذا إرجاف ورد كتابه، فقال له أبو الفرج: قد ورد عدة كتب، فقال: دع هذا كله، ورد كتابه بخطه؟ فقال: لو ورد كتابه بخطه ما جلسنا للعزاء. فضحك الناس.

لا يفرق بين يوم الحجاجة ويوم القيامة

وأنشد عبد الله بن فضلويه عامل قرميسين في مجلسه والمجلس غاص بأهله، هذا البيت: البسيط:

يوم القيامة يومٌ لا دواء له ... إلا الطلاء وإلا اللهو والطرب

فقال بعض الحاضرين: إنما هو يوم الحجامة. فقال: اعذروني فإني لا أحسن النحو.

(1/107)
الباب الثالث عشر

في ذكر المغفلين من القضاة

قاضٍ لا يميز بين المدح والهجاء

عن ابن الأعرابي قال: خاصم أبو دلامة رجلاً إلى عافية، فقال: المتقارب:

لقد خاصمتني غواة الرجال ... وخاصمتهم سنةً وافيه

فما أدحض الله لي حجةً ... وما خيب الله لي قافيه

فمن كنت من جوره خائفاً ... فلست أخافك يا عافيه

فقال له عافية: لأشكونك لأمير المؤمنين، قال: لم تشكوني؟ قال: لأنك

(1/108)

هجوتني. قال: والله لئن شكوتني إليه ليعزلنك، قال: لم؟ قال: لأنك لا تعرف الهجو من المدح. عافية هذا هو ابن زيد القاضي ولاه المهدي القضاء على بغداد.

قاضٍ عزل نفه

قال: حدث عبد الرحمن بن مسهر قال: ولاني القاضي أبو يوسف القضاء بجبل. وبلغني أن الرشيد منحدر إلى البصرة فسألت أهل جبل أن يثنوا علي فوعدوني أن يفعلوا ذلك وتفرقوا، فلما آيسوني من أنفسهم سرحت لحيتي وخرجت فوقفت له، فوافى وأبو يوسف في الحراقة، فقلت: يا أمير المؤمنين نعم القاضي قاضي جبل، قد عدل بينا وفعل وصنع، وجعلت أثني على نفسي، فرآني أبو يوسف فطأطأ رأسه وضحك، فقال هرون: مم تضحك؟ فقال: إن المثني على نفسه هو القاضي. فضحك هرون حتى فحص رجليه وقال: هذا شيخ سخيف سفلة فاعزله، فعزلني.

الأمير أخر الجمعة

عن علي بن هشام أنه قال: كان للحجاج قاضٍ بالبصرة من أهل الشام يقال له أبو حمير، فحضرت الجمعة فمضى يريدها، فلقيه رجل من العراق فقال له: يا أبا حمير فأين تذهب؟ قال: إلى الجمعة، فقال: ما بلغك أن الأمير قد أخر الجمعة اليوم؟ فانصرف راجعاً إلى بيته، فلما كان من الغد قال له الحجاج: أين كنت يا أبا حمير لم تحضر معنا الجمعة؟ قال: لقيني بعض أهل العراق فأخبرني أن الأمير أخر الجمعة فانصرفت. فضحك الحجاج وقال: يا أبا حمير أما علمت أن الجمعة لا تؤخر.

(1/109)

لا يفرق بين العم والخال

قال المدائني: استعمل حيان بن حسان قاضي فارس على ناحية كرمان فخطبهم فقال: يا أهل كرمان تعرفون عثيمان بن زياد هو عمي أخو أمي. فقالوا: فهو خالك إذن.

قال ابن خلف: وسقط الذباب على وجه قاضي عبدان فقال: كثر الله بكم القبور.

قال ابن خلف: قال بعض الرواة: تقدم رجلان إلى أبي العطوف قاضي حران فقال أحدهما: أصلح الله القاضي، هذا ذبح ديكاً لي فخذ لي بحقه، فقال لهما القاضي: عليكما بصاحب الشرطة فإنه ينظر في الدماء.

قاضي مدينة حمص

قال أبو الفضل الربعي: حدثنا أبي قال: سأل المأمون رجلاً من أهل حمص عن قضاتهم، قال: يا أمير المؤمنين، إن قاضينا لا يفهم وإذا فهم وهم، قال: ويحك كيف هذا؟ قال: قدم عليه رجل رجلاً فادعى عليه أربعة وعشرين درهماً، فأقر له الآخر، فقال: أعطه، قال: أصلح الله القاضي، إن لي حماراً اكتسب عليه كل يوم أربعة دراهم، أنفق على الحمار درهماً وعلي درهماً وأدفع له درهمين، حتى إذا اجتمع ما له غاب عني فلم أره فأنفقتها، وما أعرف وجهاً إلا أن يحبسه القاضي

(1/110)

إثنا عشر يوماً حتى أجمع له إياها، فحبس صاحب الحق حتى جمع ماله، فضحك المأمون وعزله.

حلف الجار بدل المتهم

وعن أبي بكر الهذلي قال: كان ثمامة بن عبد الله بن أنس على القضاء بالبصرة قبل بلال بن أبي بردة وكان مخلطاً، فاستدعت امرأة إلى ثمامة على رجل أودعته شيئاً ولم يكن لها بينة، فأراد استحلافه لها، فقالت: إنه رجل سوء فيحلف ويذهب حقي، ولكن استحلف إسحاق بن سويد فإنه جاره، فأرسل إلى إسحاق واستحلفه.

قاضٍ يحكم بالقرعة

وحكى أبو الخير الخياط عن بعض أصحابه قال: دخلت تاهرت فإذا فيها قاضٍ من أهلها، وقد أتى رجل جنى جناية ليس لها في كتاب الله حد منصوص ولا في السنة، فأحضر الفقهاء فقال: إن هذا الرجل جنى جناية وليس لها في كتاب الله حكم معروف فما ترون؟ فقالوا بأجمعهم: الأمر لك، قال: فإني رأيت أن أضرب المصحف بعضه ببعض ثلاث مرات، ثم أفتحه فما خرج من شيء عملت به، قالوا له: وفقت. ففعل بالمصحف ما ذكره، ثم فتح فخرج قوله تعالى: " سنسمه على الخرطوم " فقطع أنف الرجل وخلى سبيله.

(1/111)

شاهد واحد يثبت نصف الحق

وبلغنا أن رجلاً قدم رجلاً إلى بعض القضاة فادعى عليه بثلاثين ديناراً وأقام شاهداً واحداً، فقال القاضي: إدفع له خمسة عشر ديناراً إلى أن يقيم الشاهد الآخر.

ما معنى السدس

وحكى فقيه من رفقائنا قال: حضر عندي أمين من أمناء القاضي فسألني عن فريضة فيها سدس، فقال: ما معنى السدس؟ قلت له: من الدينار ثلاثة قراريط وحبة وسهم من ستة أسهم، هذا هو السدس، فقال: أكتبه لي حتى أعرفه، قلت: والله لا أكتبه لك.

(1/112)
الباب الرابع عشر

في ذكر المغفلين في الكتاب والحجاب

أخطأ الكاتب فكانت جريمة

حدثني حماد بن إسحاق قال: كتب سليمان بن عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم أن أحص من قبلك من المخنثين، فحصف كاتبه فقال أخص فدعا بهم فخصاهم. وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذا الوجه، وأنه خصاهم لأنه كان غيوراً، فإذن لا يكون تصحيفاً.

الكاتب الأحمق

وعن الحسين بن السميدع الأنطاكي قال: كان عندنا بإنطاكية عامل من حلب وكان له كاتب أحمق، فغرق في البحر شلنديتان من مراكب المسلمين التي يقصد بها العدو، فكتب ذلك الكاتب عن صاحبه إلى العامل بحلب بخبرهما: بسم الله الرحمن الرحيم، إعلم أيها الأمير أعزه الله تعالى إن شلنديتين أعني مركبين قد صفقا من جانب البحر أي غرقا من شدة أمواجه فهلك من فيهما أي تلفوا، قال: فكتب إليه أمير حلب: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد كتابك أي وصل وفهمناه أي قرأناه أدب كاتبك أي إصفعه واستبدل به أي اعزله فإنه مائق أي أحمق والسلام أي انقضى الكتاب.

(1/113)

عقاب البواب الذي ترك الغراب يصيح

وعن عبد الله بن محمد الصوري قال: رأيت سهل بن بشر الكاتب يوماً وقد نعق غراب أبقع على حائط صحن الدار فضاق صدره، وقال: هاتم البواب، فجيء به، فقال: لم تركت هذا الغراب يصيح ها هنا؟ فقال البواب: أيها الأستاذ وأي ذنب لي، أنا أحفظ بابي، وليس هذا ممن يدخل من الباب فيلزمني جنايته، فكيف أستطيع منعه من الصياح؟ فقال: قفاه، فما يصفع صفعاً عظيماً إلى أن شفعت فيه.

شهادتكم بيوم الفطر تؤدي إلى عقابكم

وعن أبي علي النميري قال: تراءينا هلال شوال، فأتينا سوار بن عبد الله لنشهد عنده، فقال حاجبه: أنتم مجانين، الأمير لم يختضب بعد ولم يتهيأ، ولئن وقعت عينه عليكم ليضربنكم مائتين، انطلقوا، فانصرفنا وصام الناس يوم الفطر.

لا تقبل شهادة الأحمق التقي

وعن أبي بكر النقاش قال: قيل لعبد الله بن مسعود القاضي: تجيز شهادة العفيف التقي الأحمق؟ قال: لا، وسأريكم هذا، ادع يا غلام أبا الورد حاجبي، وكان أحمق فلما أتاه قال: اخرج فانظر ما الريح، فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبها جنوب، فقال: كيف ترون؟ أتروني أجيز شهادة مثل هذا؟ قال: وقد ذكر مثل هذه الحكاية ابن قتيبة.

وعن أبي أحمد الحارثي قال: كنت أعاشر بعض كتاب الديلم فسمعته مرة يحلف ويقلو: والله الذي لا إله إلا هو أعني به الطلاق والعتاق.

القائد ثور وامرأته بقرة

قال: وكتب مرة بحضرتي تذكرة بأضاحي يريد تفريقها في دار صاحبه وقد قرب عيد الأضحى، فكتب: القائد ثور، امرأته بقرة، ابنه كبش، ابنته نعجة، الكاتب

(1/114)

تيس، فقلت: يا سيدي الروح الأمين ألقى إليك هذا، فلم يدر ما خاطبته به وسلمت منه.

رسالة إلى صديق

وكتب إلى صديق له: كتبت إليك هذه الكلمات يا سيدي وربي أعني به قميصي من منزلك الذي أنا أسكنه، وقد نفضت الدم من قفاك المرسوم بي، وليس وحق رأسك الذي أحبه عبدي من نبيذك الذي تشربه شيء، فوجه إلي على يدي هذا الرسول فإنه ثفة أوثق مني ومنك.

قال أبو أحمد: وبلغني عن بعض قواد الديلم أنه قال: كاتبي أحذق الناس بأمر الدواب والضياع وشري الأمتعة، وما فيه عيب إلا أنه لا يقرأ ولا يكتب.

تعزية الحجاج في صديق

وعن عبد الله بن إبراهيم الموصلي قال: نابت الحجاج في صديق له مصيبة ورسول لعبد الملك شامي عنده، فقال الحجاج: ليت إنساناً يعزيني بأبيات، فقال الشامي: أقول؟ قال: قل، فقال: وكل خليل سوف يفارق خليله، يموت أو يصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئاً لا نعرفه فقال الحجاج: قد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجه مثلك لي رسولاً.

أطلق الحمار أعزك الله

وجد في بعض الكتب أن قدامة بن زيد وجه غلاماً له إلى قطربل ليبتاع له شراباً وأركبه حماراً، فمضى الغلام وابتاع له الشراب، فلما صار إلى باب قطربل عارضه صاحب المصلحة، فضربه، وأراق ما معه، وحبسه، فاتصل الأمر بقدامة فكتب إلى صاحب الخبر: بسم الله الرحمن الرحيم، جعلت فداك برحمته فإن صاحب مصلحتين

(1/115)

قطربل قويا على غلام لي فضرباه خمسين رطلاً من تقطيع الزكرة، فرأيك أعزك الله في إطلاق الحمار مصاباً إن شاء الله عز وجل.

رسالة إلى طبيب

وكتب بعضهم إلى طبيب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويلك يا يوحنا وامتع بك، قد شربت الدواء خمسين مقعداً، المغص والتقطيع يفتل بطني والعينين والرأس، فلا تؤخر باحتباسك عني فسوف تعلم أني سأموت وتبقى بلا أنا، فعلت موفقاً إن شاء الله.

عملت يا طبيب بوصفك فلم يفد

وصف حجاج بن هرون الكاتب لحنين النصراني علة به، فأمره أن يؤخر غداءه ويأخذ في آخر الليل دواء وصفه له، فكتب إليه حجاج من غد: بسم الله الرحمن الرحيم، وأتم نعمته عليك، شربت الدواء وأكلت قليل كسرة واختلف أحمر مثل السلق مغصاً، فرأيك في إنكار ذلك على بطني، فعلت إن شاء الله.

رسالة مختصرة إلى صديق

وكتب بعضهم إلى صديق له: بسم الله الرحمن الرحيم، وجعلني الله فداءك، لولا علة نسيتها لسرت إليك حتى أعرفك بنفسي والسلام.

رسالة اعتذار

وكتب المتوكل إلى محمد بن عبد الله يطلب فهداً فكتب إليه: نجوت عند مقام لا إله إلا الله وصلى الله على سيدنا محمد، فديته إن كان عندي مما طلبته وزن دانق، لا فهد ولا نمر، فلا تظن يا سيدي إني أبخل عليك بالقليل.

وكتب معاوية بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك: قد بعثت إليك خزاً أحمر وأحمى.

نحن في خير ولكن قتل أكثر الأسرة

وكتب رجل من البصرة إلى أبيه: كتبت إليك يا أبت نحن كما يسرك الله عونه وقوته، لم يحدث علينا بعدك إلا كل خير، إلا أن حائطاً لنا وقع على أمي وأخي الصغير وأختي والجارية والحمار والديك والشاة ولم يفلت غيري.

(1/116)

وكتب أبو كعب إلى منزله كتاباً عنوانه: من أبي كعب يدفع عنوانه في عياله إن شاء الله.

رسالة من ولد ملك

وكتب بعض ولد الملوك إلى بعض: استوهب الله المكاره فيك برحمته، أنا وحق جدي رسول الله الذي لا إله إلا هو، أحبك أشد من جدي المتوكل، فقد بلغني أنه قد جاءك من النبيذ شيء كثير كثير شطراً، وأنا أحبه شديد شديد شطراً آخر، وبحياتي عليك ألا بعثت إلي دستجة أو خمس دبات أو ستة أو سبعة أو أكثر جياد بالغة وإلا فثلاث خماسيات ولا تردني فأحرد موفقاً إن شاء الله.

(1/117)
الباب الخامس عشر

في ذكر المغفلين من المؤذنين

عن أبي بكر النقاش قال: حدثنا أن أعرابياً سمع مؤذناً كان يقول: أشهد أن محمداً رسول الله بالنصب فقال: ويحك فعل ماذا؟ وعن محمد بن خلف قال: قيل لمؤذن ما يسمع أذانك فلو رفعت صوتك، فقال: إني لأسمع صوتي من ميل. وقال بعضهم: رأيت مؤذناً يؤذن ثم عدا، فقلت: إلى أين؟ فقال: أن أحب أعرف إلى أين يبلغ صوتي.

وأذن مؤذن فقيل له: ما أحسن صوتك؟ فقال: إن أمي كانت تطعمني البلادة وأنا صغير. يريد البلادر. وعن شريح بن يزيد قال: كان سعيد بن سنان المهدي مؤذناً بجامع حمص، وكان شيخاً صالحاً يسحر الناس في رمضان فيقول في تسحيره: استحثو قديراتكم، عجلوا في أكلكم قبل أن أأذن فيسخم الله وجوهكم وتحردوا.

(1/118)
الباب السادس عشر

في ذكر المغفلين من الأئمة

يحفظ مكان الإمام حتى يجيء

عن أبي العيناء قال: كان المدني في الصف من وراء الإمام، فذكر الإمام شيئاً فقطع الصلاة وقدم المدني ليؤمهم، فوقف طويلاً، فلما أعيا الناس سبحوا له وهو لا يتحرك فنحوه وقدموا غيره، فعاتبوه فقال: ظننته يقول لي: احفظ مكاني حتى أجيء.

كلهم أعداء لا نبالي بهم

وعن محمد بن خلف قال: مر رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ: آلم غلبت الترك، فلما فرغ قلت: يا هذا، إنما هو " غلبت الروم " فقال: كلهم أعداء لا نبالي من ذكر منهم.

الأعمش يصلي خلف إمام ثقيل

وعن مندل بن علي قال: خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسحر، فمر بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذن الصلاة، فدخل يصلي، فافتتح الإمام الركعة الأولى بالبقرة ثم في الركعة الثانية آل عمران، فلما انصرف قال له الأعمش: أما تتقي الله، أما سمعت حديث رسول الله ﷺ: " من أم الناس فليخفف فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة ". فقال الإمام قال الله عز وجل: " وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين ". فقال الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل.

(1/119)

تصحيح الخطأ بالرفس

وعن المدائني قال: قرأ إمام ولا الظالين بالظاء المعجمة، فرفسه رجل من خلفه، فقال الإمام: آه ضهري، فقال له رجل: يا كذا وكذا خذ الضاد من ضهرك واجعلها في الظالين وأنت في عافية، وكان الراد عليه طويل اللحية.

لا تطل في صلاتك أيها الإمام

قال الجاحظ: أخبرني أبو العنبس قال: كان رجل طويل اللحية أحمق جارنا، وكان أقام بمسجد المحلة يعمره ويؤذن فيه ويصلي، وكان يعتمد السور الطوال ويصلي بها، فصلى ليلة بهم العشاء فطول، فضجوا منه، وقالوا: اعتزل مسجدنا حتى نقيم غيرك فإنك تطول في صلاتك وخلفك الضعيف وذو الحاجة، فقال: لا أطول بعد ذلك، فتركوه، فلما كان من الغد أقام وتقدم فكبر وقرأ الحمد، ثم فكر طويلاً وصاح فيهم: إيش تقولون في عبس؟ فلم يكلمه أحد إلا شيخ أطول لحية منه وأقل عقلاً، فإنه قال: كيسة مر فيها.

إمام لا يحسب

وقرأ إمام في صلاته وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه خمسين ليلة فجذبه رجل وقال: ما تحسن تقرأ ما تحسن تحسب.

أطال الإمام فهرب المصلون

وتقدم إمام فصلى فلما قرأ الحمد افتتح بسورة يوسف، فانصرف القوم وتركوه، فلما أحس بانصرافهم قال: سبحان الله! " قل هو الله أحد ". فرجعوا فصلوا معه.

ارتج على الإمام فظل يردد

وقرأ إمام في صلاته: " إذا الشمس كورت " فلما بلغ قوله: " فأين تذهبون "، ارتج عيه وجعل يردد حتى كادت تطلع الشمس، وكان خلفه رجل معه جراب فضرب به رأس الإمام وقال: أما أنا فأذهب، وهؤلاء لا أدري إلى أين يذهبون.

(1/120)
الباب السابع عشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى