رانية المهدي - الطريق...

أسير في الطريق المعتاد للمنزل.. كل شيء مختلف.. الطريق الواسع أصبح صغيرا ضيقا.. أشعر بالغربة.. أين ذهبت الأشجار و العصافير التي كانت تغرد لي وتستقر على كتفي وتنقر الشريط الأحمر في نهاية ضفيرتي الطويلة؟

و هذه البحيرة.. متى ظهرت ومن أين؟! الماء لزج وله رائحة ثقيلة.. كيف أعبر؟ سأسير على الحافة الضيقة وأسند على الجدار الرطب المتهالك بحرص.. الحجارة المدببة تؤلم قدمي لكن لا يهم فهى أفضل من الخوض في هذا العفن.

الرعب سيطر على قلبي فجأة.. فالثعابين تسبح في الماء بحرية.. إنها تقترب منى و تسعى جاهدة للالتصاق بي.. كيف أهرب منها؟ أنفاسي تتسارع وحرارة جسدي ترتفع.. طوال عمري أخشى سيرتها و صورتها.. اليوم أراها أمامي تتجول بحرية.. سأموت لا محالة.

ثم من هذا الصغير الذي ظهر بين ذراعي؟ هل أعرفه؟ إنه يقبلني ويبتسم.. فابتسم له.. نعم أنا أعرفه.. إنه ابني الصغير.. لكن كيف؟

نظرت لطفلي وللثعابين التي تسعى.. لم يعد خوفي علي فقط.. أصبح على هذا الصغير الذي مازال يبتسم.. كيف أنقذه من المصير المر الذي أراه أمامي؟

أختي الأصغر تلعب الحجلة داخل الماء.. كيف لها أن تفعل؟ ألا تخشى الثعابين؟ أحاول أن أصرخ فيها لتنتبه لكن انحشر صوتي وتوقف الهواء في صدري بعد العضة التي نلتها في قدمي من هذا الثعبان الرمادي الضخم الذي فاز بالسباق.

أغمضت عيني وفتحتها لأجدني في المنزل.. لا أعرف كيف ولا أهتم.. المهم حقا أنني في منزلي.. لكن كل شيء مختلف أيضا.. الجدران تكاد تسقط.. السقف أصبح أقرب للرؤوس.. ماء البحيرة العفن تسرب إلى الأرض.

جرحي ينزف وابني الصغير يلعب بالكرة.. أخي يبكي على السرير وهو يعلن لأبي المتوفي الذي جاء لزيارتنا أننا بخير ولا نحتاج مساعدة.
أمي تطبخ اللحم وتغني كعادتها.. أحاول أن أطلب منها أن تساعدني.. لكن صوتي مازال غائبا وجرحي ينزف.. أبي ينظر لي ويبتسم.. وأنا أنظر لطفلي وأبتسم وهو مازال يلعب الكرة.

رانية المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى