أ. د. عادل الأسطة - يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثالث(61--84)

الشهر الثالث للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني

61: أ - محو الشعب الفلسطيني :

"لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني" قال بعض قادة الكيان الصهيوني، علما بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (غولدا مائير) عرفت نفسها مرة بأنها فلسطينية وأنها كانت قبل تأسيس دولة الكيان ، زمن الانتداب البريطاني، تحمل جواز سفر فلسطينيا. (هناك رواية كتبها اللبناني اليهودي سليم نصيب الذي هاجر من بيروت إلى باريس عنوانها "العشيق الفلسطيني لغولدا مائير" (٢٠١٠ الترجمة العربية) .
في ثلاثينيات القرن العشرين قال الشاعر إبراهيم طوقان:
" أجلاء عن البلاد تريدون فنجلو أم محونا والإزالة؟"
وكان أول من استخدم مفردة "المحو" كأنما كان يتنبأ بما يجري.
أكثر روائي عربي كتب عن القضية الفلسطينية هو الروائي اللبناني إلياس خوري Khoury Elias، وفيما قرأته من روايات فإنه أبرز روائي أورد في رواياته دال "المحو" لدرجة أن هذا الدال يتطلب في كتاباته بعامة؛ الروايات والمقالات والدراسات، تتبعا تعاقبيا والكتابة عنه، وأتمنى أن ينجز طالب دراسات عليا ذلك.
أمس وأنا أقرأ الحلقة ١٨ من يوميات الروائي عاطف ابوسيف الذي اضطر أن يغادر مخيم جباليا إلى جنوب القطاع، حيث يقيم الآن هناك، ويواصل كتابة يومياته بتفصيل لافت، أمس لفت انتباهي استخدامه هذا الدال؛ دال المحو.
طلب في بداية الحرب من أهالي شمال القطاع أن يغادروا إلى الجنوب باعتباره ملاذا آمنا، وتقع خان يونس في الجنوب، ومنذ بداية هذا الشهر طلب من أهل خان يونس الهجرة إلى رفح.
قسم كبير من اللاجئين الفلسطينيين الجدد شعروا مرة ثانية بالندم الشديد لمغادرتهم بيوتهم في الشمال.
صباح هذا اليوم وأنا أقرأ يوميات عاطف شعرت بالإحباط. ها هو تساؤل إبراهيم طوقان قبل تسعين عاما يتحقق في غزة.
هل سأواصل مهمة محمود درويش؟:
"ولكني سأواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل".
ورد أقل.
ورد أقل.
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الحادي والستين للمقتلة وحرب الإبادة.

***

> 61: ب - سجل مدني:

من العبارات التي صارت تتردد منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ عبارة "عائلات كاملة أزيلت من دفاتر السجل المدني" ، ومما صار أيضا يطرق الأسماع نعي المذيعين عائلات زملائهم من مراسلي فضائياتهم أو إذاعاتهم ممن يغطون الأحداث في قطاع غزة أو نعي زملائهم أنفسهم.
الصحفيون المراسلون والمصورون كانوا أيضا من ضحايا هذه المقتلة وحرب الإبادة. كم مراسل وكم مصور صحفي وكم وكم وكم ارتقوا؟!
قبل أكثر من أسبوع فقد مراسل الجزيرة وائل الدحدوح زوجته وابنه وبعض أفراد أسرته، واضطر أن يترك شمال القطاع إلى جنوبه. يوم استشهد أفراد أسرته عقب "معليش" ويوم غادر إلى الجنوب قال بحسرة "إنه الوطن/ الديار". محمد أبو القمصان فقد ١٨ من أفراد أسرته، واليوم فقد مؤمن الشرافي أيضآ من الجزيرة فقد أمه وأباه وبعض أفراد عائلته.
قبل أن ترتقي أم مؤمن هاتفته وتحدثت إليه ورضيت عليه وطلبت منه أن ينتبه لنفسه، وكان أن ارتقت هي وأسرتها، بعد أن غادروا بيتهم طلبا للأمان، في البيت الذي لجأوا إليه. الطريف هو أن والد مؤمن رفض الهجرة وترك بيته هو الذي بلغ الثمانين من العمر، مصرا على ألا يكرر تجربة ١٩٤٨، لكن ابنه مع مراسل الجزيرة هشام زقوت أقنعاه بعد جهود حثيثة للذهاب إلى وسط غزة وجنوبها، فخضع لإصرارهما ليلقى منيته بأرض أخرى محققا ما جاء في قول الشاعر:
"مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها".
"لا مكان آمن في قطاع غزة" عبارة أخرى صارت أيضا تتردد منذ شهر.
كأن محمود درويش حاضر بيننا. في اجتياح ٢٠٠٢ لمدن الضفة الغربية كتب مقطوعات شعرية تصف الأحوال في غزة. تصف ما نصغي إليه أو ما نشاهده من على شاشات التلفزيون. تصف ما يعيشه الفلسطينيون في غزة. اقرأوا المقطوعة الآتية:
"الشهيدة بنت الشهيدة بنت الشهيد
وأخت الشهيد وأخت الشهيدة كنة
أم الشهيد حفيدة جد شهيد
وجارة عم الشهيد [إلخ... إلخ...]
ولا شيء يحدث في العالم المتمدن
فالزمن البربري انتهى،
والضحية مجهولة الإسم، عادية
والضحية .. مثل الحقيقة.. نسبية
[إلخ... إلخ...]
الأوضاع في غزة مأساوية جدا. واليوم دخلت مفردات جديدة على لسان المقاتلين: "الدبابة اشتعلت . هيها شايلة شيل. اتفحمت الجنود فيها"
هل انتهى حقا الزمن البربري؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
مساء ٦ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الحادي والستين للمقتلة وحرب الإبادة

***

62- "أبناء فلسطين : سوف تعودون إليها ولكن جثثا":

في العام ١٩٧٦ سقط محيم تل الزعتر بيد الكتائب المدعومين من النظام العربي ومرنكبي مجزرة شاتيلا وصبرا في العام ١٩٨٢ مدعومين من حكومة ( مناحيم بيغن ) ووزير دفاعه ( أربيل شارون ) ، وقد كتب مظفر النواب قصيدته " تل الزعتر " وفيها بشرنا بالعودة إلى فلسطين ولكن جثثا ، فالمذبحة اكتملت قبل القمة وباركها الكهان ورضي عنها الدبان ؛ الأمريكي والسوفييتي ، المتفقان في جلاسكو على بند يحول دون استخدام أسلحة ذرية بسبب حروب في مناطق ساخنة من العالم .
" سبحان وفاق الدبين
سبحان جلاسكو
إن البند الخامس سوف يطل من الشرفة
ليبارك هذي التسوية السلمية "
وأما حكام العواصم من المحيط إلى الخليج ف " كانوا يعدون الجنازة وانتخاب المقصلة " كما كتب محمود درويش في قصيدته " أحمد الزعتر " .
لم يعد مصطلح العودة منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ مستخدما ، فقد حل محله مصطلح التهجير و " النكبة الثانية " التي صارت في الأيام الأخيرة توصف من بعض أبناء قطاع غزة ب " النكبة الأم " وربما تصبح لاحقا - لا سمح الله - " أم النكبات " على غرار " أم المعارك " .
أية كتابة تعجز عن وصف مآسي أهل غزة قبل ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ وبعده ، بما فيها كتابة الروائي عاطف ابوسيف ومن قبله كتابة الشاعر معين بسيسو Sahba Al Barbari اللذين أعد كتابتهما عن قطاع غزة كتابة وازنة ، وهذه رؤية شخصية غير ملزمة لأحد .
وما عليك إن أردت أن تحبط وتصاب بالاكتئاب إلا أن تتابع قناة الجزيرة القطرية / الغزية ومراسل إذاعة أجيال محمد الأسطل الذي يكرر في تقريره اليومي عن الأوضاع بأن المشهد يفوق الوصف ويفوق الخيال .
لا نصائح تقدم لأهل غزة منا نحن البعيدين عن أرض المعركة ، فعدا أن آراءنا لا قيمة لها ، فإنها أيضا لن تجد من يصغي إليها . إنها كما يقول مثلنا البذيء " مثل الضراط على البلاط " أو كما كانت تقول أمي - رحمها الله - حين لا يعجبها رأي أبديه " حكى بدري وانشرح صدري " ، وأنا مثل الضابط بدري في رواية عبد الرحمن منيف " أرض السواد " . أنا لا يروق كلامي لأحد وهو قابل لألف تأويل وتأويل لدرجة اعتبرني البعض ب " مائة وجه " .
هل أنا مع الحرب أم ضدها ؟
هل أنا مع حماس أم أنني مثل الأنظمة العربية اكثرها مع " أبو يائير " في حربه الدموية التي لم تميز بين فلسطيني حمساوي وفلسطيني فتحاوي أو فلسطيني لا علاقة له بالسياسة إطلاقا ولديه استعداد أن يكون مجرد عامل فقط في دولة إسرائيل ؟
كل ما اقترحته لم يجد صدى فمن أنا ، ومثلي أغلب الشعب الفلسطيني وقسم من اليهود أيضا .
من هو المسؤول عن خراب البصرة ؟
حركة حماس . اليمين الإسرائيلي . المستثمرون والسوق المالية . غاز غزة أمام شاطئها . أميركا والدول الغربية التي تدعم إسرائيل حفاظا على مصالحها ؟
هل الحرب سيناريو ؟ مسرحية ؟ مخطط لها من إيران وحزب الله ؟ مخطط لها في إسرائيل لاستدراج حماس حتى تعطي ذريعة لإسرائيل باجتياح غزة وترحيل سكانها إلى سيناء ومن ثم الانقضاض على الضفة لترحيل سكانها أيضا ؟
اجتهادات وآراء ومشاريع ومخططات و ... و ... .
إن انتصرت حماس وانهزمت إسرائيل فسيكون للنصر عشرات الآباء ، وإن انهزمت فسوف تتحمل عبء الهزيمة وقد تحمل الجماهير الفلسطينية النظام العربي بعض مسؤولية .
خذوا ما كتبه محمود درويش في قصيدته " بيروت " ١٩٨١ عن الحرب :
" بيروت ( بحر - حرب - حبر - ربح )
...
الحرب : تهدم مسرحيتنا لنلعب دون نص أو كتاب
والحرب : ذاكرة البدائيين والمتحضرين
والحرب : أولها دماء
والحرب : آخرها هواء
والحرب : تثقب ظلنا لتمر من باب لباب
...
والربح : مشتق من الحرب التي لا تنتهي
...
بيروت - أسواق على البحر
اقتصاد يهدم الإنتاج
كي يبني المطاعم والفنادق
... "
ثمة اجتهادات كثيرة عن سبب هذه الحرب وثمة مشاريع أكثر لما بعدها وأما الفلسطينيون ، وأما اللاجئون ، فهم منذ العام ١٩٤٨ خارج حسابات الدول العظمى وخارج حسابات الأنظمة العربية إلا من رحم ربي منها .
ما يجري في غزة هو عار الإنسانية كلها .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٧ / ١٢ / ٢٠٢٣

69- مساء اليوم الثاني والستين للمقتلة وحرب الإبادة

***

63- روما ونيرون وتكاثرهما:

أحرق ( نيرون ) روما وجلس ينظر إلى النيران تلتهمها ، وأظن أن المشهد نفسه يتكرر ، وما اختلف هو أننا كنا بروما واحدة ونيرون واحد وصرنا باثنتين والثالثة - لا سمح الله - في الطريق وثلاثة نيرونات معاصرين ؛ أبو يائير وغالانت وغانتش .
أمس وأول أمس كثر الحديث عن موفدين من فرنسا إلى بيروت للحديث مع مسؤولين لبنانيين ، ومنهم من له صلة بحزب الله ، من أجل أن يسحب الحزب قوات فرقة الرضوان من الجنوب إلى ما بعد نهر الليطاني وإلا ... .
وإلا هذه رافقها تهديد من أبو يائير بتحويل بيروت إلى غزة وخانيونس ، ولم يذكر حزب الله بما حدث بالضاحية الجنوبية لبيروت في صيف العام ٢٠٠٦ ، إذ ربما تلاشت الصورة من الذاكرة ، وهناك صورة ما زالت قائمة أكثر بشاعة وعنفا من صورة الضاحية في حينه .
لم يكتف أبو يائير بما فعله والثنائي غالانت وغانتس في قطاع غزة ولم يرتو دراكولا من دماء الفلسطن إذ ما زال يطمح إلى المزيد ، ويبدو أن شهيتهم انفتحت ، وارادوا أن ينتقموا أيضا أن يمحوا صورتهم ما بين ١٩٣٩ و ١٩٤٥ ويستعيضوا عنها بصورة ( أدولف هتلر ) والمقربين منه ، ولهذا اقتادت القوات الإسرائيلية أكثر من ٧٠٠ شاب فلسطيني من مراكز الإيواء في مدارس النازحين وجردتهم من ملابسهم ، إلا من كلاسينهم ، لتعاقبهم . صورة هؤلاء ذكرت قسما من الفلسطينيين بصور اليهود في الحرب العالمية الثانية حين اقتادهم النازيون أيضا حفاة عراة وساقوهم إلى معسكرات الإبادة ، فأدرج الناشطون الفلسطينيون الصورتين معا ؛ صورة شبابنا في ٢٠٢٣ وصورة الشباب اليهود في ١٩٤٥ ، ومنذ أيام أدرجوا أيضا صورتين لجثث اليهود في ١٩٤٥ وجثث الفلسطينيين في ٢٠٢٣ .
صرنا يهود اليهود الجدد ، ومن يريد أن يتعمق في هذا فما عليه إلا أن يقرأ روايات إلياس خوري Khoury Elias " باب الشمس " و " أولاد الغيتو : اسمي آدم ونجمة البحر ورجل يشبهني " ويمكن أن يقرأ أيضا كتاب الكاتب الإسرائيلي ( ديفيد غروسمان ) " الزمن الأصفر " وما كتبه فيه عن جدته وعن جدة محدثه الفلسطيني في أحد المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية .
مات ( عاموس عوز ) ولم نعد نقرأ أو نصغي لكتاب إسرائيليين شجعان إلا ل ( نورمن فنكلشتاين ) و ( جدعون ليفي ) و ( إيلان بابيه ) . هل كتب ديفيد غروسمان شيئا ؟ ولست متأكدا إن كان ( الف بات يهوشع ) ما زال على قيد الحياة ؟ هل كتبا شيئا عما يجري ؟
كانت البشرية بنيرون واحد وروما واحدة وصارت بغزة وخان يونس ، وربما يضم أبو يائير إليهما بيروت ، وبثلاثة نيرونات .
الإشاعات كثيرة وآخرها استشهاد يحيى السنوار وأيضا أبو عبيدة الذي حل اليوم محله ناطق جديد يسخر منه ويروي ما يجري كما لو أننا في ٥ / ٦ / ١٩٦٧ - أي هزيمة حزيران .
ولت الحروب التي تنجز في ستة أيام ، وها هو شهر الحرب الثالث في يومه الثاني .
العزة لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٨ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الثالث والستون للمقتلة وحرب الإبادة .

***


64- خسائرنا وخسائرهم :

في انتفاضة الأقصى واجتياح المدن الفلسطينية في العام ٢٠٠٢ أحصى محمود درويش خسائر الفلسطينيين باختصار:
"خسائرنا: من شهيدين حتى ثمانية
كل يوم،
وعشرة جرحى
وعشرون بيتا
وخمسون زيتونة،
بالإضافة إلى الخلل البنيوي الذي
سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة"
ولم يمتد به العمر ليعيش معنا حروب غزة العديدة: ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ و٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠١٨ و٢٠٢١ و٢٠٢٣ التي تضاعفت فيها خسائرنا حتى بلغت في الحرب الدائرة حاليا ١٦ ألف شهيد و٦٠ ألف جريح و٦٠ . / . من منازل قطاع غزة وتشريد أكثر من مليون ونصف فلسطيني، عدا شهداء الضفة الغربية وتجريف البنية التحتية لجنين ومخيمها ومخيمات طولكرم وبلاطة و..
أما عن الخلل الذي يصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة فيحتاج تبيانه إلى دراسة الناقد الأدبي والفني.
منذ بداية حرب طوقان الأقصى - منذ أربعة وستين يوما - صار إحصاء الخسائر عادة يومية؛ لدينا ولدى الطرف الآخر الإسرائيلي. اليوم أعلنت إسرائيل آخر إحصائياتها بخصوص الجرحى:
٥٠٠٠ جندي جريح منهم ٢٠٠٠ إعاقة دائمة والحبل على الجرار كما يقولون في المثل الشعبي الفلسطيني ، أما عدد القتلى فيقارب ال ٥٠٠ جندي، وتقدر الخسائر المادية بمليارات الدولارات، هذا إذا لم نعتبر الخسارة المعنوية للدولة الإسرائيلية ومنها موقف شعوب العالم، بما فيها يهود أمريكا، من الإسرائيليين .
هل يمكن الحديث عن الخسائر في البيئة والخسائر الناجمة عن الأمراض النفسية التي تصيب البشر؟
بعد قيام الدولة العبرية كتب بعض المثقفين الإسرائيليين إن اليهود صاروا أقل ذكاء، لأنهم لا يفكرون إلا بالدولة والأمن والحرب وتجارة السلاح وقتل الفلسطينيين. من حرب إلى أخرى ومن بناء جدار إلى بناء جدار ثان ومن ... إلى... .
ونحن أيضا صرنا أقل ذكاء
"لأنا نحملق في ساعة النصر:
لا ليل في ليلنا المتلأليء بالمدفعية
أعداؤنا يسهرون،
وأعداؤنا يشعلون لنا النور
في حلكة الأقبية" (أيضا محمود درويش).
وللمرة العاشرة ربما، أستعير من عبد الحليم حافظ عبارته التي رد فيها على مستمعيه حين طلبوا منه أن يعيد أحد المقاطع:
- لسه طويلة".
أحيانا أفكر تفكيرا بسيطا ساذجا يذهب إلى أننا بحاجة إلى موشه دايان وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق وإلى الحج معزوز المصري أو الحج محمد راشد الجعبري فوجود هؤلاء ربما خفف مما جرى ويجري.
سامحونا!!
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة

مساء اليوم الرابع والستين للمقتلة وحرب الإبادة

***

65- غزة في كتابات أبنائها : أتابع ما يكتبه بعض أبناء غزة عما يدور هناك .

قسم من هؤلاء يحصي هجراته في القطاع . من الشمال إلى الوسط فالجنوب فجنوب الجنوب ، والذين ولدوا قبل النكبة الأولى يعيشون النكبة مرة ثانية ويقيمون في الخيام والمدارس ومثلهم من ولدوا في سنوات اللجوء الأولى . كل من تجاوز الخامسة والسبعين يعيش النكبة ثانية ويبيت الآن في الخيام ويرى طفولته في طفولة أحفاده ، ويبصر ما مر به أهله وهم يحيون حياة اللجوء في المدارس والخيام.
وكما كتبت من قبل فإن أكثر ما يكتبه أبناء غزة المقيمون ليس سوى فقرات قصيرة موجزة لا تتجاوز مساحة الخبر باستناء الروائي عاطف ابوسيف الذي يكتب يومياته التي وصلت اليوم إلى الحلقة ٢٠ وفيها يسرد تفاصيل مذهلة عن حياته وحياة أسرته وجيرانه في مخيم جباليا ثم هجرته إلى الوسط فالجنوب .
سما حسن Sama Hasan التي تأتي على تنقلاتها وتشكو أمرها يوميا لله ، معبرة عن عذابها ، أوردت اليوم خبرا طريفا عن لجوئها واخوتها إلى بيت أحدهم في رفح ، ليجتمع الإخوة في الحرب بعد أن فرقت بينهم هموم الدنيا ومشاكلها ونزاعات الإخوة على الزائل منها . اليوم حمدت الله أنها تبيت في بيت يقرع بعض الناس بابه سؤالا عن رغيف لم يعودوا قادرين على الحصول عليه ، فحرب رغيف الخبز بدأت وسعر شوال الطحين الذي كان ب ٢٥ دولارا ارتفع إلى ١٥٠ دولارا .
ليست حربا . ليست مجزرة . إنها مقتلة وحرب تجويع وإبادة والناس فيها تقتتل على الحصول على الماء والطحين والملابس والأحذية أيضا .
أمس لفتت صورة المقاوم الفلسطيني الواقف في وجه الدبابة يصوب عليها أنظار المشاهدين . هل كان هذا المقاتل يردد قول الشاعر توفيق زياد :
" وقفت بوجه ظلامي
يتيما عاريا حافي " .
هل كان هذا المقاوم حفيد التلميذ الحافي الذي علمه الشاعر معين بسيسو في مدارس غزة في خمسينيات القرن ٢٠ فأهداه معين حذاءه الهدية التي وصلته من أخيه في الكويت ؟
وأمس تساءل ناشطون فيسبوكيون ثانية عما تفعله الجيوش العربية ، وقارنوا بين ما بدا المقاوم عليه وما يبدو عليه أفراد الجيش / الجيوش العربية !
ويا للمفارقة بين أشعث أغبر يصنع كرامة ومرفه يحلق لحيته كل يوم ويلمع بسطاره أيضا لا يسأل إلا عن العلاوات والترقيات .
قبل أيام كتبت عن قاموسنا اللغوي منذ بدء طوفان الأقصى ، واليوم يمكن أن يضاف إليها : شبشب ، شباشب ، حذاء ، ولعت .
وكان الحافي اللابس بنطالا يطير في الهواء مثل رونالدو ويصرخ فرحا : ولعت . شايلة شيل .
اليوم قرأت الحلقة ٢٠ من يوميات عاطف وعلقت عليها إن ما يغيب عنها هو أنه لم يكتب عن بعض آراء الناس فيما يجري : هل هناك اختلاف آراء ؟
وفهمت أنه يمتنع الآن عن الخوض فيما يمكن أن يفرق . إن همه أن يكتب عن هول ما يجري ، وفي زمن الحرب تؤجل كتابة التفاصيل . ومع ملاحظتي إلا أنني أغبطه على ما كتب ، فكتابة الحرب من داخلها ، فيما قرأت ، لم يكتبها إلا هو .
السلامة لعاطف ولأهل غزة والمجد أيضا والزوال للمحتلين .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الخامس والستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

66: أ- إضراب شامل يعم العالم نصرة لغزة وأهلها ووقفا للحرب :

اليوم ، في العالم كله ، إضراب شامل ، نصرة للفلسطينيين ومن أجل وقف تدمير مدن قطاع غزة ومخيماته وإجبار أهله على الرحيل عنه إلى صحراء سيناء .
لم تتوقف الحرب في العام ١٩٨٢ على بيروت إلا بعد دفع المقاومة الفلسطينية إلى مغادرتها بعد ثلاثة أشهر من حصارها ، ولم تكن المدينة مدينة فلسطينية ليدافع عنها أبناؤها حتى الرمق الأخير ، وحين غادرها المقاتلون غادروها إلى المنافي البعيدة وابتعدوا عن الحدود الأخيرة ، وتساءل الشاعر :
- إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟
وغزة هي مدينة فلسطينية وخان يونس هي مدينة فلسطينية ورفح هي أيضا مدينة فلسطينية ، فهل ستجبر الآلة العسكرية الإسرائيلية الأمريكية أهلها على الرحيل ؟ أم أن المدافعين عنها سيستعيرون من التاريخ اليهودي ما ألم باليهود في قلعة " مسعدة " / مسادة ، لا لينتحروا ، وإنما ليقاوموا حتى دحر العدوان ، متذكرين ما كتبه الشاعر في قصيدته " أحمد الزعتر " ( ١٩٧٦ ) :
" لا طروادة بيتي
ولا مسادة زمني " .
كأن أحمد الزعتر هو ذلك الشاب المقاتل الحافي القدمين في غزة يصوب قاذفته نحو الدبابة غير خائف على شيء . هل تتناسخ الأرواح ؟ هل تغنى به محمود درويش حين قال :
" ... وله انحناءات الخريف
له وصايا البرتقال
له القصائد في النزيف
له انحناءات الجبال
له الهتاف
له الزفاف
له المجلات الملونة
المراثي المطمئنة
ملصقات الحائط
العلم
التقدم
فرقة الإنشاد
مرسوم الحداد
وكل شيء كل شيء كل شيء
حين يعلن وجهه للذاهبين إلى ملامح وجهه .. " ؟ .
إنه الآن العبد والمعبود والمعبد ،
ولم يبق في غزة ما يخاف أهلها عليه ، فلقد دمرها طيران الجيش الإسرائيلي ومدفعيته بالذخائر الأمريكية والبريطانية والألمانية . صارت غزة مثل مدن عربية عديدة في القرن ٢٠ . مثل البصرة والفلوجة وبيروت ، وفي هذه كتب الشعراء ، فهل ستغدو موضوعا يتبارى في القول فيه الشعراء يرثونها كما رثى شعراء الأندلس المدن التي فقدوها تباعا ؟ أم أنها ستغدو هانوي العرب وغزة جراد أيضا ؟
الخسائر كثيرة ولكن الصيد وفير ، وقد فوجيء الإعلام الإسرائيلي أمس بعودة الملثم يخطب بعد غياب أيام لم يكد الثلاثي الحزين يفرح فيها بتصريحاته الذاهبة إلى أن فعالية المقاومة بدأت تتهاوى .
أمس قال المحلل العسكري فايز الدويري إن الأرض في غزة تقف إلى جانب أبنائها ، فتذكرت ما كتبته تحت عنوان " غزاة غزة وأبناؤها : هل تتواطأ الأرض مع الفلسطيني ؟ "
مثلث الموت أمس كان في جباليا والشجاعية وخان يونس ، وكلما كثرت خسائر القوات الإسرائيلية أمعن الجيش في المدنيين العزل فتكا وبطشا وقتلا وتهجيرا . نسي الأحفاد الإسرائيليون كيف استقبل أهل يافا في نهاية القرن ١٩ أجدادهم عندما جاؤوا هاربين من روسيا القيصرية ، من ( البوغروم ) .
هل أخبر الأجداد القادمون من ألمانيا النازية الأحفاد أن من ارتكب مجزرة ( بابي يار ) ( ١٩٤١ ) هم الفلسطينيون ، ولهذا يثأرون من أطفالهم ونسائهم ؟
" كنا طيبين وسذجا " ( م . د )
صباح الخير يا غزة !!
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم السادس والستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 66: ب- هل سيصبح العالم فلسطينيا؟

في أثناء حصار بيروت في العام ١٩٨٢ استوحش الإسرائيليون أيضا واستخدموا القنابل الفراغية لتدمير المباني وتظاهر كثيرون في دول العالم وقوفا إلى جانب الفلسطينيين.
في تلك الأيام كتب معين بسيسو مقالة عنوانها "سيصبح... العالم فلسطينيا"، فقد ربط كثيرون بين ما ارتكبته النازية، في الحرب العالمية الثانية، من مجازر وبين ما قام به الجيش الإسرائيلي في هجومه على بيروت ، وقارنوا بين النازية والصهيونية ، بل وربطوا بينهما.
رأى بسيسو أن العالم الذي تكاتف ضد النازية سيتكاتف أيضا ضد الصهيونية، وبالتالي سيصبح العالم فلسطينيا. لقد صارت فلسطين تمشي في كل شوارع العالم، وصارت "الراية الفلسطينية ترتفع رويدا رويدا في سارية العالم". (٨٨ يوما خلف متاربس بيروت، ص ٧٠)
بعض أشرطة الفيديو التي عممت كان المتحدثون فيها من أمريكا ورأوا أن الفلسطينيين سيحررون أمريكا من الصهيونية، بل وسيحررون العالم كله أيضا من نفوذها.
في هذه الأيام يردد مواطنو العالم في عواصم العالم ومدنه الأغنية:
" فيفا .. فيفا .. فيفا بلستينا "
ويتزيا مواطنون كثر بالعلم الفلسطيني ، بل ويرفعه كثيرون على نوافذ وسطوح بيوتهم .
هل سيصبح العالم فلسطينيا ؟
ربما هذا كله لا يطعم جائعا في غزة ولا يسد جوع معدته ولا يروي ظمأه.
الحصار يشتد والمعارك تشتد والميدان، والله أعلم، هو ما سيحسم الأمر؛ فإما أن نخسر فلسطين أو أن نستردها!!
الإسرائيليون في مخيم الفارعة قتلوا الشاب العشريني من نقطة الصفر بدم بارد، وأما في شمال غزة فجعلوا من لاجئي مراكز الإيواء دروعا بشرية.
الله المستعان!!
المجد لفلسطين والزوال للمحتلين الغزاة وطالت الحكاية أو قصرت مصيرنا هو ما آلت إليه جنوب أفريقيا!!
خربشات عادل الاسطة

مساء اليوم السادس والستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

67: أ - دون كيشوت الإسرائيلي:

ما زال الإسرائيليون يصرون على العيش في الماضي غير قادرين على العيش في القرن الحادي والعشرين ، ولهذا يصرون على المضي قدما في تطبيق ما ورد في العهد القديم حرفيا ؛ في تصورهم لذاتهم وفي تعاملهم مع الآخر الفلسطيني .
إن ما تفوه به قادتهم في بداية الحرب الدائرة حاليا من أن الفلسطينيين حيوانات بشرية يجب إبادتها اتكأ على ما ورد في بعض أسفارهم ، وإن ما يطمحون إليه من إقامة دولة لليهود لا يعيش فيها الأغيار يجعلهم مثل دون كيشوت الذي يعيش في الماضي غير مدرك أن الزمن تغير وتبدل وأن زمن الفروسية ولى.
يبدو أن لكل زمن دون كيشوته الخاص به ، ودون كيشوت المعاصر هو الخماسي نتنياهو وغالانت وغانتس وبن غفير وسموتريتش ومن يسير في ركابهم من شعبهم .
كان ( أدولف هتلر ) دون كيشوت القرن العشرين لأنه تحدث عن دم آري صاف نقي غير ملوث ، وظن أنه قادر على أن يضع ألمانيا فوق الجميع ، واليوم مزق مواطن ألماني جواز سفره الألماني لأن بلاده تدعم دولة إسرائيل في إبادتها الفلسطينيين . لقد رأى أن ما تفعله إسرائيل لا يختلف عما فعله المستشار الألماني أدولف ، ولذلك قال إنه يشعر بالعار كونه ألمانيا وصرخ بصوت عال :
- Free Free Palestine
- Stop Genocide
هل ثمة من قال لدون كيشوت إن الذين يحاربهم أشباح ؟ مجرد أشباح !
في بداية المعارك البرية في غزة سئل جندي إسرائيلي عن الحرب هناك فأجاب بأنه كان يحارب أشباحا لا يراهم . إنهم شياطين لم يكن يعرف من أين يخرجون ليقاوموا .
من منكم يذكر فريد الأطرش وأغنيته " دايما معاك دايما " ؟
تطلع من الأرض أطلع لك
تنزل من السما أنزلك .
صباح الخير والمجد لك يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم السابع والستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 67: ب - "لكن قيل ما سأقول":

جل ما أكتبه من يوميات أقرأ شبيها له في ما قيل من قبل . أعرف ذلك ولست أول من يكتشف أن ما يكتبه اللاحقون له شبيه في كتابات سابقة .
قال القدماء :
" ما أرانا نقول إلا معادا مكرورا "
وقال عنترة :
" هل غادر الشعراء من متردم ؟"
وفي قرون لاحقة كتب ( غوتة ) :
" ليس الأدباء الكبار كبارا لأنهم أتوا بأفكار جديدة ، وإنما هم كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تكتب لأول مرة " .
في الحرب الدائرة حاليا كثر اقتباس الناشطين لنصوص أدباء سابقين ؛ نصوص تصلح لأن تقرأ الآن ، لأنها تنطبق على ما يجري ، وما يجري الآن حدث مثله في حروب سابقة ، وبالتحديد حرب بيروت في العام ١٩٨٢ .
في قصيدته " تنسى كأنك لم تكن " يقول محمود درويش :
"لكن قيل ما سأقول .
يسبقني غد ماض . أنا ملك الصدى .
لا عرش لي إلا الهوامش " .
ماذا نفعل في الحرب ؟
نراقبها من بعيد . نحزن . نتألم . نتمنى . نجتهد في موضع لا يفيد الاجتهاد فيه ولا يقدم شيئا .
حتى كتاب غزة لم يكتب إلا أقلهم . هل أوقفت الكتابة الحرب ؟ هل أنقذت جريحا أو أسعفته ؟ هل منعت غارة ؟
ونحن نعرف هذا ، ومع ذلك هناك من يتهمنا بأننا نتاجر ونتربح من وراء ما نكتب ولا نهتم إلا بهذا .
هل نحن من أشعلنا الحرب وأوقدنا نارها ونريد لها أن تتواصل ليزداد رصيدنا في البنك ؟
إن أكثر ما نكتبه ننشره هنا ، وقد يعرضنا لمضايقات هنا وهناك . إن بقينا أو سافرنا وقد نسأل عنه أيضا ، ولا أخفي سرا أنني وأنا أكتب عن رواية يحيى السنوار كنت أشعر بعض الليالي بالرهاب ، وكنت أقرأ ما بين سطور أسئلة السائلين ، حتى أنني مرة قلت إنني من قبل كتبت عن رواية ( ثيودور هرتسل ) أيضا .
لست صهيونيا ولست حمساويا ولست ولست ولست . إنني دارس ومواطن فلسطيني ولد في الخيام بسبب طرد أهله في العام ١٩٤٨ من يافا ، ومن حقي أن أكتب هذا وأن أعلن عن رفضي للاحتلال وأقف إلى جانب أهلي في غزة وفي لبنان وفي مخيمات اللجوء في الوطن وفي الشتات ، وأعبر عن الحقيقة كما أراها ، ولا أملك شيئا غير هذا . لا أملك قنبلة ذرية أو نووية أو أسلحة كيميائية . لا أملك إلا جهاز هاتفي وكفي اليمنى وإبهامي ينقر وينقر وينقر ... .
إنني لا أملك من البطولة أدنى درجة ، فأنا أراقب من بعيد . أرصد وأكتب و ... .
إن الأبطال الحقيقيين هم هناك ومنهم الأطباء والممرضون والصحفيون ورجال الإسعاف ؛ من بقي على قيد الحياة ومن ارتقى شهيدا ومن تم اعتقاله ومن ومن ومن ...
أطرف ما سمعته اليوم هو ما قاله المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية . كنت في مطعم شرف على دوار المدينة أتناول سندويتش فلافل ، فالتفت إلى شاشة التلفاز . كان المتحدث الرسمي يخاطب أهل غزة ويخبرهم بأهداف حملة جيش دولته ويقول لهم إن غزة بعد أن تتخلص من حكم حماس قد تتحول إلى جنة . أي والله !
ويبدو أنه لا يحفظ التاريخ .
حكمت إسرائيل غزة من ١٩٦٧ إلى ٢٠٠٥ ، فلماذا لم تحولها إلى جنة ؟
والمنظر اللافت كان منظر جنود الجيش الإسرائيلي خلف تل رمال يتابعون نسف مدرسة في بيت حانون مهللين منتشين بانتصارهم على المخربين ، وأما في جنين التي تحاصرها الآن أكثر من خمسين آلية فقد ارتفع عدد الشهداء إلى ستة .
الله المستعان
ومساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السابع والستون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

68: أ- بعض يوميات غزة و...:

ربما تعد يوميات الروائي عاطف ابوسيف الأكثر تفصيلا في وصف ما يجري في غزة من داخل غزة نفسها ، وقد ألمحت إلى هذا في غير موضع، فمن يريد أن يعرف صورة الحياة اليومية للمواطن الغزي في ظل الحرب الدائرة حاليا، كتابة، لا من خلال الفضائيات والإذاعات، عليه أن يقرأها من يومياته هو الروائي القادر حقا على كتابة التفاصيل ببراعة فائقة.
والفارق بين ما أكتبه وما يكتبه يكمن في الفرق بين من يرى ما يجري من الداخل "الرؤية من الداخل " ومن يرى من الخارج "الرؤية من الخارج"، بين من يعيش الحدث من داخل بيت النار ومن يتابع الحدث من بعيد ، وهذا مهم لنقاد الرواية عموما.
بعض ما كتبته من يوميات لفت انتباه بعض أصدقائي من غزة، من هناك، فعقبوا عليه وكتبوا مؤكدين ما قلته آنفا وموضحين أن الحياة أقسى مما نتصور.
أمس كتبت تحت عنوان "لكن قيل ما سأقول" فعقب على كتابتي الدكتور Dr-Bassam Said ما دفعني لأن أرسل له ما قرأته للشاعر نضال الفقعاوي عن جحيم معاناته، وكان أحد الأصدقاء أرسل إلي كتابة الشاعر نقلا عن صفحة الكاتبة أسماء الغول Asmaa Alghoul، ولا أظن أن تلخيص ما كتبه يجدي والأصح أن يقرأه القاريء بحرفه من مكان نشره، ولكني سوف أقتبس منه الفقرة الآتية:
" في اليوم الرابع عثرت على مكان مكتظ بالناس لآدم وأمه الحامل، الحمد لله. بقيت أنا، المدارس مكتظة ولا تستقبل رجل منفرد، الناس تخاف منك ولا تسمح لك بالنوم على أرصفة الله وحدك. يجب أن تشرح نفسك وتعدد معارفك وتحصل على معرف يقول عبر الهاتف: اه اه نضال الفقعاوي صحيح صحيح اتركوه ينام في الحارة أنا أعرفه جيدا ، عيب عليكم أصلا تتركوه للشارع .فصل الخط..."
الدكتور باسم سعيد كتب إلي الآتي:
" دفنت أخي الذي توفي في الحرب لم يشاركنا في الدفن سوى خمسة عثرنا على مكان بين القبور بالصدفة لم يعد مكان متوفر في المقابر والتي اكتظت بالموتى. لم نقم مكان العزاء فالكل خائف ما يحدث لنا يفوق الخيال، الناس تتحرك في الشوارع شبه موتى وجوه شاحبة لحى طويلة غير مهندمة تائهة عيونها شاخصة لا يهمها الموت الذي أصبح قاعدة هذا غيض من فيض حالنا تركنا لوحدنا....".
وألحق الدكتور صورة للدمار الشامل الذي ألم بحي من أحياء قطاع غزة تفصح أكثر مما أصفه .
في جنين استشهد أمس ستة، وفي الجنوب اللبناني بدأت الحرب تتدحرج ، وفي كل يوم يرتقي شهيد وأكثر وفي جريدة "الأخبار" الأربعاء ٨ / ١٢ / ٢٠٢٣ كتب عامر حسين "لماذا نقاتل؟" (من ملف الشهر الثاني: لا إنجازات للعدو) وأتى على الشهيد إبراهيم حبيب الدبق "جون" ومما كتبه:
" على الجبهة في لبنان الجميع يعيش الحرب الواقعة ويتحسب لتلك الأكبر التي قد تحصل. البعض يخزن المواد، البعض يستطلع أماكن محتملة للجوء، والبعض الآخر يرابط ويقتحم الخطر، وكلنا نتابع خسائر العدو ونعد خسائرنا. من بين أسماء الشهداء التي أعلنت في الأيام الأولى مر أمامي اسم مألوف كنت أعرفه في زمن بعيد: إبراهيم الدبق...".
الأمور تتدحرج وأبو يائير هدد أمس السلطة الفلسطينية ويبدو أننا سنقتبس ثانية قول محمود درويش:
" هنالك ليل أشد سوادا ، هنالك ورد أقل"
صباح الخير يا غزة وصباح الخير يا جنين وصباح الخير أيها الجنوب اللبناني!!
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الثامن والستين للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 68: ب- جندي إسرائيلي في غزة يحلم بالزنابق البيضاء :

ما إن أرسلت مقال الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية ، وتحديدا للزميل أكرم مسلم ، وعنوانه " تداعيات حرب ٢٠٢٣ : اليهودي الصهيوني الإسرائيلي " ، حتى جاءني إشعار من ال ( تك تك ) يقترح فيه علي مشاهدة شريط فيديو يظهر فيه جندي إسرائيلي ينقذ طفلا فلسطينيا من أنقاض بناية مهدمة يحمله برفق ويسلمه لسيارة إسعاف .
المشهد طريف للمفارقة التي يحويها ، فمن جهة تبدو بنايات الحي مسوواة بالأرض ، لا لزلزال ألم بها ، وإنما نتيجة لقصف الطيران الحربي والمدفعية الإسرائيليين لها ، ومن جهة ثانية لقيام جندي إسرائيلي بإنقاذ الطفل الذي ، على ما يبدو ، فقد عائلته كلها ولم يبق له أحد في هذه الدنيا الوسخة ، وانظروا أشرطة الفيديو التي أدرجتها هذا اليوم على صفحتي لتتأكدوا .
تذكرت وأنا أمعن النظر في الشريط قصيدة محمود درويش " جندي يحلم بالزنابق البيضاء " التي حاور فيها الكاتب شلومو ساند في شبابه يوم خدم في الجيش الإسرائيلي قبل أن يهاجر من الدولة العبرية ليكمل مشواره الأكاديمي بعيدا عنها ، علما بأنه عاد لاحقا إليها وعرفه الفلسطينيون من خلال كتابه " اختراع الشعب اليهودي " .
بدا الجندي اليهودي كما لو أنه خارج من صورة اليهود في الآداب الأوروبية في عصر التنوير همه مساعدة الآخرين ، وفي عصر التنوير اختلفت صورة المرأة اليهودية عنها في فترات سابقة . لقد صارت تتبع هوى قلبها أكثر مما تتبع تعاليم القبيلة الدينية .
وأنا جالس أفكر في أحوالنا وأحوال أهل غزة اتصل بي أخي يشكي لي همومه ومعاناته من مرض السكري ، وسألني عن رأيي فيما يجري ، ووجدتني أجيبه بأن الحق ، كل الحق ، على أهل يافا الذين استقبلوا اليهود القادمين من روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأسكنوهم في بيوتهم ، وتذكرت قول جدتي صفية اليافاوية " خيرن تعمل شرن تلقى " ، بل وتذكرت مثلا عبريا يردده على مسامعي بعض معارفي ممن عملوا في المصانع والورش الإسرائيلية " لا تعمل خيرا حتى لا تندم " وهو قريب من مثل أهل الخليل " وين ما شفت أعمى دبوا ، إنت مش أعلم فيه من ربه " ، ويبدو أن الخير الذي فعله أهل يافا مع اليهود سبب للفلسطينيين هذه المآسي ، ويبدو أن اليهود ، مع أسفي لاستخدام هذا الدال بصيغته التعميمية فهناك يهود وهناك يهود ، هم الأعمى في المثل الخليلي .
قلت لأخي إنني لا أهرف بما لا أعرف ، فما قلته عن استقبال أهل يافا أم الغريب لليهود قرأته في كتاب المؤرخ الإسرائيلي ( إيلان بابيه ) " الفلسطينيون المنسيون " . ( حارة اليافويين في مخيم جباليا سويت بالأرض وفيها البيت الذي ولد فيه الروائي عاطف ابوسيف ) .
كثيرون يسألونني عن وجهة نظري في الصراع والحل ، كأني أنا عصا موسى السحرية التي تمسكها اليد التي تملك الحل والربط والزيت والعنعنات والحكام الإمعات ، والمعذرة لمظفر النواب الذي وصف والي الجزيرة بالآتي :
" ووالي الجزيرة بين يديه
الحل والسلم والربط والزيت والعنعنات
وأكثر ما يفرخ الإمعات " .
أكثر من مرة كتبت تحت عنوان " يقتلوننا ويبكون " .
لا يريدون حل الدولة الواحدة لمواطنيها كلهم ولا يريدون حل الدولتين ، وينشدون حل الدولة اليهودية النقية التقية الخالية من الغوييم " الأغيار " في عصر ما عادت فيه أية دولة في العالم ، حتى ألمانيا الآرية في زمن هتلر ، نقية تقية صافية مثل الحليب . كله صار حليب مختلط بالنسكافيه أو القهوة المحروقة والقهوة الشقراء .
الحق كل الحق على المراسل الكوميدي الفتى الغزي عبود وبرنامجه الكوميدي الساخر ( آيس كافيه ) .
مساء الخير يا غزة وفلسطين والزوال للعنصريين
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثامن والستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

69: أ - الحرب والتفاصيل الصغيرة : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد

تشغلنا الحرب ، نحن البعيدين عن غزة ، عن التفاصيل الصغيرة ، فيم تشغل هذه التفاصيل أهل غزة كلهم من كبيرهم إلى صغيرهم ، وربما يلحظ قاريء ما أكتب وما يكتبه الروائي عاطف ابوسيف هذا الفارق ؛ وهو فارق جوهري .
ففي حين لا آتي على تفاصيل الحياة اليومية لي ؛ من مأكل ومشرب ومبيت وشحن جهاز الهاتف والحصول على النت والكهرباء والغاز وحرية الانتقال من مكان إلى آخر ، تحفل يومياته بهذه الأمور التي يبدو تأمينها وتوفيرها في ظل الحرب له أمرا في غاية الصعوبة ، وما يلفت النظر أكثر وأكثر هو الكتابة عن تفاصيل المكان . عاطف ابن غزة وملم بتفاصيل مكانها وأنا لا أعرف عن مخيماتها ومدنها وحاراتها وشوارعها إلا النزر اليسير . هو يغرق في وصف تفاصيل المكان وأنا أذكر أماكن رئيسة عامة يعرفها الفلسطيني ولا يلم بتفاصيلها إلا من عاش في غزة وتجول فيها ولديه ذاكرة مذهلة عجيبة مثل ذاكرة عاطف .
وفي حين تحفل يومياتي بالاقتباس من مصادر ومراجع ولا تكاد تخلو منها ، تحفل كتاباته بذكر أسماء الحارات والشوارع والمحلات والمشافي التي يتحرك فيها في غزة وتجري فيها الأحداث .
وفي حين لم آت على ذكر الأقارب والمعارف والجيران ، وإن أتيت عليها أذكر فقط بعض أقاربي ممن يقيمون في غزة ، يطنب عاطف في الكتابة عن أفراد عائلته ومعارفه وأصدقائه حتى لتبدو يومياته عائلية ويوميات لحارته ومدينته والأماكن التي غادر إليها مجبرا . إن يومياته تذكرنا بروايات نجيب محفوظ التي كتب فيها عن الحارة المصرية مثل " زقاق المدق " و " بين القصرين "و " قصر الشوق " و " القاهرة الجديدة " والكرنك " .
تخلو يومياتي من الكتابة عن ممارساتي الحياتية اليومية ، ولا تذكر شيئا عن الطعام الذي أتناوله وكيف أحصل عليه ، في حين يركز هو على ندرة الطعام واحتساء الشاي المغلي بطريقة بدائية تذكر بحياة الإنسان قبل مئات السنين .
ومع أنني في الحرب لم أعد أكترث بهندامي والاعتناء به ، ربما لكسل شخصي أو للبقاء المستمر في البيت ، يشغل اللباس والهندام تفكيره لا لهذين السببين ، وإنما لأنه أصبح في ظل الانتقال من مكان إلى آخر نادرا ولأن غسله بانتظام صار ترفا .
ولننظر في القاموس اللغوي المستخدم في يوميات كل منا.
مؤخرا وأنا أقرأ الحلقتين العشرين والحادية والعشرين من يومياته عادت بي الذاكرة إلى المعجم اللغوي لأدب النكبة المكتوب في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين :
اللجوء ، الخيمة ، أكياس الطحين ، الحنين إلى الماضي ، الشتات ، التهجير ، الخيام ... لقد تذكرت أشعار عبد الكريم الكرمي آبو سلمى وقصص سميرة عزام وغسان كنفاني . تذكرتها وأنا أقرأ عن حياة اللاجئين الصعبة القاسية ، وأظن أن ما كتبه عاطف ابوسيف يمكن أن يدفعنا للقول إنه لم يكتب عن نكبة ٢٠٢٣ وحسب ، بل كتب عن السنوات الأولى لنكبة ١٩٤٨ ، فتصوير ما حدث في الأعوام ١٩٤٨ و١٩٤٩ و١٩٥٠ كان قليلا ونادرا وذلك لضعف السرد الفلسطيني في تلك الأيام ولأن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لم تكن متيسرة ومتاحة .
بعد عشر سنوات من نكبة ١٩٤٨ سنقرأ لتوفيق معمر " مذكرات لاجيء " التي تأتي على سقوط مدينة حيفا في العام ١٩٤٨ - أي بعد عشر سنوات ، وسنقرأ أيضا قصصا قصيرة لحنا إبراهيم ، قبل أن يكتب سيرته ومثله حنا أبو حنا وبعض قصص لتوفيق فياض ، وقل الشيء نفسه عن سقوط يافا واللد والخروج منهما . فلم نقرأ عن الحروج من اللد إلا في العام ١٩٦٣ من خلال الترجمة المتأخرة لرواية ( اثيل مانين ) " الطريق إلى بئر سبع " ( صدرت في العام ١٩٦٣ وترجمت في ١٩٦٧ في مصر حسب Saadeh Soudah ) ، ولاحقا من خلال كتب المذكرات ورواية إلياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم"( ٢٠١٦ )
في يوميات عاطف يتطابق الزمنان ؛ الروائي والكتابي ، ومعهما زمن السرد أيضا ، وهذا ما افتقدته سردية النكبة الأولى التي كتبها المذكورون وكتاب آخرون مثل رشاد أبو شاور ويحيى يخلف وغيرهم .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم التاسع والستون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 69: ب- الحرب والتفاصيل الصغيرة : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد ٢

كان باعث الكتابة الأساس تحت هذا العنوان هو افتقادي ما أتابعه في فصل الشتاء سنويا وهو نسبة كمية الأمطار التي تهطل ، ففي السنوات العادية التي تخلو من حدث جلل ، كالذي نعيشه في هذا العام ، أنظر في صفحة الصديق زياد عميرة المهندس في بلدية نابلس حيث يدرج فيها باستمرار ، كلما أمطرت ، النسبة المئوية ومقدارها من كمية الأمطار السنوية ، وقد فعل هذا في هذا الموسم مرة مرتين ولكنه لم يفعل بعد هطول الأمطار الأخير. هل انشغل بأخبار الحرب؟
شغل المطر هذا العام أذهان كثيرين وتمنوا ، رفقا بأهل غزة، ألا تمطر السماء، وقد كتبت من قبل عن هذا.
ما كتبناه عن المطر يختلف عما قرأناه في كتابات أبناء غزة وفي مقاطع أشرطة الفيديو التي شاهدناها . كتب عاطف ابوسيف عن هجرته من الشمال إلى الجنوب وما أخذه من ملابس لا تقي بردا ولا تشعر بدفء، وكتب عن صعوبة الحصول على ملابس شتوية في ظل الحرب حيث وصل، فالمحلات مغلقة والأجواء متوترة، وكتب عن الفراش في الخيام التي يتسرب الماء منها فتبتل وتبتل ملابس قاطني الخيمة، وكتب عن فقدان الأسرة للنوم عليها أيضا.
في الحرب الدائرة حاليا ومنذ بدايتها لا أستطيع التركيز ؛ لأنني أغدو متابعا للأخبار السريعة
، وصرت أخاف على ذاكرتي وعلى قدرتي على التركيز في الأيام القادمة ، بحيث لا أقدر على قراءة كتاب كامل ، وجل الكتب التي أعتمد عليها في كتابتي اليوميات كتب قرأتها من قبل ودونت عليها ملاحظات أعود إليها .
فيما كتبته في صباح اليوم أتيت على رواية ( ايثيل مانين ) وافدت من ملاحظات الصديق Saadeh Soudah حول ترجمتها إلى العربية ، وقد ذكر لي الروائي عاطف ابوسيف أنه قرأها وكتب عنها ولا يعرف الآن مآل النسخة التي اشتراها من مكتبة في سوق الزاوية في غزة ، وتركها في شقته في حارة الصفطاوي ولا يعرف ما ألم بها ، وأحالني الروائي إلى مقاله الذي كتبه عنها في العام ٢٠١٦ ونشره في جريدة الأيام الفلسطينية .
هل أكذب حين أقول إنني منذ بداية الحرب لم أقرأ رواية واحدة ؟
ماذا تجدي القراءة ؟ ماذا تجدي الكتابة ؟
ويبدو أن هذين السؤالين لم يلحا مباشرة على ذهن عاطف وهو يكتب ، وإنما راوداه بشكل غير مباشر فكثرت تأملاته في الحياة والموت والفقدان ، بخاصة بعد أن فقد أصدقاء أعزاء ارتقوا في الحرب وشكل موتهم له هاجسا أساسيا في الفقدان .
في الحرب الدائرة حاليا ارتفى كتاب وصحفيون وأطباء وممرضون . عوائل كاملة أزيلت من دفاتر السجل المدني وكان آخر هؤلاء الشاعر سليم النفار الذي ولد في غزة لأسرة لاجئة من يافا . ارتقى سليم وابنه الوحيد مصطفى وبناته وأفراد آخرون كثر من العائلة . لجأوا إلى بيت فلاقوا حتفهم فيه . كأنما قيل فيهم القول الديني الشعبي " يا هارب من قضاي ما لك رب سواي " وغالبا ما أكرر بيتي الشعر اللذين عرفتهما من رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " وقال عنهما إنهما شعر مترجم عن الإيطالية :
" مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها " .
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ، ومن المؤكد أن الكتابة عن الحياة في الخيمة والمشي في الرمال والبحث عن رغيف ومعاناة الحصول عليه ، من المؤكد أننا سنقرأها في كتابات من يعيش التجربة. هل أخطأ ( ديكارت ) حين كتب إنه يعيش التجربة ويشاهدها ويكتشفها ويلمسها ليكتب عنها؟
من سيكتب اليوم عما ألم بجنين في الأيام الثلاثة الأخيرة التي تلا الجنود الإسرائيليون فيها توراتهم في المساجد؟
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم التاسع والستين للمقتلة وحرب الإبادة .


***

70: أ- فجر اليوم السبعين للمقتلة وحرب الإبادة: يوميات الحرب

منشورات جديدة ينشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لمن يدلي بمعلومات عن إلقاء القبض على يحيى السنوار وأخيه محمد ورافع سلامة ومحمد ضيف. المكافأة على التوالي
٤٠٠ ألف دولار
٣٠٠ ألف دولار
٢٠٠ ألف دولار
١٠٠ ألف دولار .
ولييييييييي شو بخيلة دولة إسرائيل؟
شو؟ يبدو أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يعد يمتلك فائض أموال. أيام المرحوم يحيى عياش، الذي تمت تصفيته في العام ١٩٩٦، كانت قيمة المكافأة:
مليون دولار
وقيل إن من أبلغ عنه لم ينلها، فرفع قضية على الدولة.
على الأقل لتكن قيمة الجائزة ثمن دبابة ميركافاه.
في المنشور يخاطب الجيش الإسرائيلي أهل قطاع غزة بأن المقاومين ما عادوا يملكون الوقت لقلي بيضة، وقد قرأت أن عزت الرشق المسؤول في حركة حماس أوضح لهم السبب:
"صحيح أن مقاتلي حماس لا يجدون الوقت لقلي بيضة والسبب أنهم مشغولون بشواء الميركافاه".
عادت روح السخرية تبرز من جديد بين الحين والآخر.
نحن الآن على مشارف فصل الشتاء، وفي الشتاء يشوي الناس الكستناء.
وأنت تتجول في قلب مدينة نابلس تشاهد العربات التي تبيع الكستتاء وتصغي إلى باعتها ينادون ، وقد شقوا بضع حبات ليظهروا جودة النوعية، "بعشرة شيكل كيلو الكستناء".
هل الميركافاه التي يشويها مقاتلو حماس هي كانون النار الذي يضع فيه آكلو الكستناء حباتها فيه؟
خيال! خيال! خيال!
والمخيلة في الحرب الدائرة حاليا هي التي جعلت أهل غزة يبدعون ويخترعون للتغلب على قسوة الحياة، لدرجة أن عقب بعض مشاهدي أشرطة الفيديو التي تعرض لحياة اللاجئين في القطاع قائلا :
- إن غزة هي أم الاختراعات وتستحق لذلك أن تدخل إلى موسوعة غينس.
"الحاجة أم الاختراع"
وفي الحرب تشتد الحاجات وتكثر حتى للمألوف من الأشياء.
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم السبعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

70: ب - الحرب والتفاصيل الصغيرة ٣ : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد

هل يهتم المقيمون في قطاع غزة من غير المقاومين بأخبار القتال وما يجري في أماكن جريانه المختلفة أم أنه لا وقت لديهم لذلك ، لأنهم مشغولون بتوفير مأمن لهم ومطعم ومشرب؟
ماذا يقول المقيمون عن سير المعارك ؟ هل هناك جدل يجري بين المواطنين يختلفون فيه حول ما جرى ويجري؟ هل يبدون متفائلين أم أنهم يائسون متشائمون؟ هل يثمنون ٧ أكتوبر أم أنهم يلعنون اللحظة التي بدأ فيها؟
شخصيا أعرف القليل من خلال الأشرطة التي يتم فيها تصوير الأحداث ويتكلم فيها بعض الشخوص واصفين ما يمرون به وما يعانون منه.
هناك من يحن إلى أيام ما قبل الحرب مقارنا ما كان عليه بما صار إليه، وهناك من يفخر بما قامت به المقاومة الفلسطينية لأن ما جرى أظهر حقيقة الجيش الإسرائيلي وحكومته كما لم تظهر من قبل.
عندما سألت الروائي عاطف ابوسيف لماذا لا يكتب في يومياته عن حوارات سياسية تتخلل اجتماعاته مع الذين يلتقي بهم يوميا ومواقف المتحاورين؛ إيجابية أو سلبية، أجابني بأن جلساتهم لا تخلو من مثل هذا الجدل، ولكنه الآن لا يرغب في أن يكتب شيئا يمكن ألا يخدم لحظة الصراع الوطني.
لم تأت يوميات عاطف وكتابات كثيرين ممن كتبوا على متابعة الحدث الحربي اليومي، فلم يكتبوا عن مقاومة شرسة وبسالة في الدفاع عن الأحياء إلا النادر النزر اليسير - إن كتبوا. ويبدو أنهم تركوا هذه المهمة للناطقين باسم المقاومة ممن يقدمون تقارير الحرب كأبي عبييدة وأبي حمزة ولمراسلي الفضائيات والإذاعات وللمحللين السياسيين.
شغلت الكتابة عن الحصول على مأوى يقيم فيه النازحون من بيوتهم حيزا كبيرا، وكذلك الحصول على الخبز والغاز والسولار وتأمين الجرحى ودفن الجثامين وتسوية المنازل بالأرض.
ما سبق كله كان يتابعه الفلسطينيون غير المقيمين في غزة، ولكن هؤلاء تابعوا أكثر سير المعارك وتتبع تفاصيلها وعبروا عن بهجتهم وفرحهم إن عرفوا أن أبا عبييدة سيلقي كلمة، وإذا ما ألقاها أعادوا كتابتها وإدراجها على صفحات التواصل الاجتماعي بأسلوب فيه قدر كبير من التفاؤل. هل كتب أي من كتاب غزة عن أبي عبييدة ؟ هل صور مشاعر أهل غزة وهم يصغون إليه - إن أصغوا؟ هل ينتظرون طلته كما ينتظرها العرب والفلسطينيون ممن يقفون إلى صف المقاومة.
لا أذكر أنني قرأت في كتابات الأدباء المقيمين في غزة شيئا من هذا؟ هل شغلهم عنه البحث عن مكان يبيتون فيه أو رغيف خبز يسدون به جوع بطونهم؟
أكرر مثلنا الشعبي "اللي إيده في المي مش مثل اللي إيده في النار" ويد كتاب غزة بالنار وأيدينا بالماء . هم يعيشون الحدث من داخله ونحن نعيشه عن بعد. هم يقيمون في مراكز الإيواء والخيام لا يجدون رغيف خبز أو زجاجة ماء، ونحن نقبع في بيوتنا نأكل ما لذ وطاب ونشوي الكستناء.
هل أعدت في هذه الكتابة بعض ما كتبته أمس؟
ربما، وعموما فإن ما دفعني إليها هو رأي أحد كتابنا فيما يكتبه بعض أبناء غزة، على قلة ما كتبوا حتى اللحظة.
اليوم أصيب مراسل الجزيرة وائل الدحدوح نتيجة قصف طيارة مسيرة له ولطاقم الجزيرة الذي كان معه وما زال المصور الصحفي سامر أبو دقة في مكان الإصابة في المدرسة ينزف دون أن يتمكن أحد من الوصول إليه وإسعافه.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم السبعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

71: أ- فجر اليوم الحادي والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة: "لا تصدق زغاريدهن"

وأنا أتابع أمس ما ألم بمراسل الجزيرة وائل الدحدوح وزميله المصور سامر أبو دقة تذكرت سطر محمود درويش في "حالة حصار":
" لشهيد يحذرني: لا تصدق زغاريدهن
وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا:"
كان فريق الجزيرة يغطي أخبار الحرب بالقرب من مدرسة إيواء لاجئين تم قصفها، فقصفتهم مسيرة إسرائيلية غير مهتمة بملابسهم الصحفية ذات الدلالة.
أصيب وائل وتمكن من السير مشيا حتى تم توفير إسعاف له، وظل سامر ينزف خمس ساعات حتى ارتقى شهيد الصورة التي تزعج الجيش الإسرائيلي لدرجة رأى في الصحفيين مقاومين فقرر التخلص منهم، وقارب عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب التسعين صحفيا. وحين دخلت أمس مراسلة صحفية من ال CNN إلى قطاع غزة استاءت منها ومن الظاهرة الدولة العبرية التي لم تسمح للمراسلين الأجانب من قبل بتغطية الأحداث.
على الرغم من إصابة وائل إلا أنه وهو يتلقى العلاج لم ينس زميله سامر، وكان أول ما سأل عنه هو إن كانوا أسعفوه ونقلوه من المكان الذي أصيب فيه.
ما إن عمم خبر استشهاد سامر حتى تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي شريط فيديو لابنه يغني فيه كلمات يعبر فيها عن فراقه لأبيه واشتياقه له. الطفل وأمه وبقية أفراد أسرته يقيمون في دولة أوروبية وينتظرون نهاية الحرب حتى يلتحق بهم سامر الذي رفض عروض عمل عديدة قدمت إليه هناك. في بلجيكا.
والدة سامر لم تغادر خان يونس وظلت وبقية أسرتها فيها ولذلك حين علمت بإصابة ابنها واستشهاده هرعت إلى المشفى لتلقي عليه نظرة الوداع. هل استقبلت الأم ارتقاء ابنها بالزغاريد كما صارت العادة في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها؟
وأنا أنظر إليها متجهة إلى المشفى تذكرت سطر محمود درويش آنف الذكر:
" لا تصدق زغاريدهن"
وأم سامر لم تزغرد. هل ارتفعت في غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ زغرودة واحدة؟ هل زغردت النسوة هناك لهذا الدمار والخراب؟ هل تعبر الزغرودة التي هي إشارة للفرح، هل تعبر في لحظة الاستشهاد عن فرح؟
ربما يذكر كثيرون منا قصيدة الشاعر إبراهيم طوقان "الحبشي الذبيح"؛ القصيدة الرمزية الدلالة! ربما!
"قالوا: حلاوة روحه رقصت به
فأجبتهم: ما كل رقص يطرب".
وهكذا هي زغاريد الأمهات لحظة استشهاد أبنائهن.
ماذا قالت والدة الشهيد سامر أبو دقة؟ ماذا قالت زوجته؟ ماذا قال أبناؤه المنتظرون؟
إن كان أحد ما سيبحث عن صور البطولة في غزة في الحرب فلا شك أنه سيجدها في معظم الأشياء إلا لدى تجار الحروب الذين رفعوا الأسعار وضاعفوها عشرة أضعاف، فحرموا الناس من رغيف الخبز وشربة الماء.
كانت الكلمة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين هي ما يزعج الإسرائيليين في أثناء الحروب، فكانت تعتقل الكتاب والأدباء وتزج بهم في السجون، وصارت الآن الصورة ومن ينقلها عدوهم، ولهذا قمعت مواطني الدولة العبرية العرب الذين يلتزمون الصمت المطبق حفاظا على بقائهم في بيوتهم، ولهذا أيضا قتلت الصحفيين في ميادين المعارك.
هل اختلف النظام العربي المتواطيء مع الدولة العبرية عنها في قمع مواطنيه؟
في "حالة حصار" كتب محمود درويش مقطعا طالما توقفت أمامه وأدرجته في كتاباتي:
"لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون، يحبوننا، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم :
" ليت هذا الحصار هنا علني.. "
ولا يكملون العبارة : "لا تتركونا
وحيدين.. لا تتركونا".
ولم يرق لي تأويل الشاعر المتوكل طه، في إحدى مقالاته عن محمود درويش، لهذا المقطع .
أطرف ما قرأته أمس كان الفقرة التي كتبها الصديق د.حسين المناصرة يتبرأ فيها أمام الله والشعب من مقالاته التي هاجم فيها من قبل حركة حماس. وعموما فإن هذا لا يقتصر عليه وحده.
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١٢ / ٢٠٢٣.

فجر اليوم الحادي والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 71: ب- إسرائيليون يتحدثون بعقلانية... إسرائيليون ينطقون بعقلية ٣ آلاف سنة خلت:

سيكون عنوان مقالي غدا الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية "تداعيات حرب ٢٠٢٣: اليهودي الصهيوني الإسرائيلي "ولم أكتب فيه، لمحدودية المساحة المتاحة، بالتفصيل الممل.
بعد أن أنجزته شاهدت أشرطة فيديو عديدة لإسرائيليين يبدون فيها وجهة نظرهم في الحرب الدائرة حاليا، وكنت من قبل شاهدت أيضا أشرطة أخرى، وفيما شاهدته وأصغيت إليه تباين في الخطاب وفي النظر إلى الآخر - أي الفلسطيني هنا تحديدا.
أول شريط شاهدته تحدث فيه إسرائيلي يرتدي ملابس عسكرية ويضع الكيباه على رأسه. تحدث بالعربية بعد ٧ أكتوبر مباشرة فشتم المستوطنين والمتدينين اليهود الذين يقتحمون الأقصى وعزا إليهم سبب ما يجري. لم يكتف بشتمهم فقد شتم أيضا الحكومة واستخدم شتائم عربية بذيئة ليصفهم وليصف الحكومة بها.
ثاني شريط شاهدته كان لامرأة مستوطنة تقيم في إحدى مستوطنات الضفة الغربية. كانت المرأة تودع ابنها الذاهب إلى الجبهة في غزة وتشجعه. شتمت المرأة الحيوانات الفلسطينيين وقالت إن المهمة الآن هي تحرير الرهائن / الأسرى وبعدها يجب إبادة سكان غزة الذين لا يستحقون الحياة.
نعت الفلسطينيين بالحيوانات كرره إسرائيليون كثيرون منهم وزراء ومنهم رجال دين يهود أيضا، واتكأ الأخيرون على بعض أسفارهم، وقد اتكأ عليها أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) .
بعدها أصغيت إلى مذيع شاب يحكي بعنصرية لا تصدق حيث ينظر إلينا على أننا بهائم يجب أن تباد وأن الحرب حرب وجود، وقد أفصح نتياهو عن رأيه في الحرب في خطابه بعد بداية الحرب مباشرة، وهذا ما يطبقه الجيش الإسرائيلي تماما، حيث يبيد البشر والحجر ويسوي المباني بالأرض.
أمس واليوم أصغيت إلى شريطين ثلاثة يبدو فيها المتحدثون أكثر عقلانية وتوازنا.
الشريط الأول كان لرجل في السبعينيات من عمره تقريبا فقد ابنه في ٧ أكتوبر ، ومع ذلك دعا إلى وقف الحرب وعدم الثأر والانتقام وحث على ضرورة التعايش.
والشريط الثاني لمحلل عسكري أبدى فيه وجهة نظره في الفارق بين مقاتلي حماس وجنود الجيش الإسرائيلي. لم يقلل من شأن الأولين ولم يبالغ في قدرات الأخيرين، بل إنه تحدث عن دافع القتال لدى الطرفين وبدا كما لو أنه يقول، بخصوص الدافعية إلى القتال، كلاما لصالح مقاتلي حماس.
الشريط الثالث تحدث فيه إسرائيلي كلاما رأيت فيه عين العقل وقمة الصواب. الرجل في السبعين من عمره تقريبا. إنه يرى أن الوحيدين القادرين على منح الإسرائيليين الأمان هم الفلسطينيون. لا أميركا ولا أوروبا ولا السلاح ولا التطبيع مع العرب. الفلسطينيون فقط هم القادرون على ذلك.
أول أمس في أثناء اقتحام جنين دخل جنديان إسرائيليان إلى أحد المساجد هناك وشرعا يقرأان من بعض أسفارهم فيه، ولم يراعوا حرمة المكان وقدسيته، وبعدها تم الاستغناء عن خدماتهما في الجيش. الرد على سلوكهما جاء من اليسار الإسرائيلي، إذ بث الآذان وقراءة القرآن في كنيس يهودي، وأظن أنه يريد أن يقلل من تأثير فعلة الجنديين وأن يوجه رسالة للمتدينين اليهود فحواها: هل توافقون على قراءة القرآن في كنيس. في مكان مقدس لكم . ببساطة إنه لا يريد للمشاعر الدينية أن تسود فتشعل حربا دينية.
الحق كل الحق على (غولدا مائير) إذ كان بإمكانها أن تحتفظ بجواز سفرها الفلسطيني الذي حملته من العام ١٩٢١ حتى العام ١٩٤٨ وتعمم سلوكها على العرب واليهود في فلسطين كلها في دولة فلسطينية واحدة.
الله يرحمك يا عمتي رئيسة!!
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الحادي والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

72: أ- "وقفت بوجه ظلامي: يتيما عاريا حافي": توفيق زياد

في المقتلة الحالية وحرب الإبادة يبرز المقاوم الفلسطيني في غزة، في الأشرطة التي تبثها الكتائب فقيرا عاريا حافيا، وهذا ما لفت الانتباه فكتب العديدون من نشطاء التواصل الاجتماعي الفيسبوكيين في صفحاتهم معبرين عن إعجابهم به ، وهناك من أدرج كلمة شبشب، ووجدت شخصيا كاريكاتورا لافتا لناجي العلي يبدو فيه حنظلة حافيا يوجه كلامه للعالم "حافي في زمن كله كنادر".
ما الرسالة التي أراد المقاتلون توجيهها وهم يذهبون للقتال بهذه الصورة؟
هل تأتيهم رسائل ، وهم نيام، بأن عليهم أن ينفذوا مهمة للتو، فلا يجدون وقتا لانتعال أحذيتهم وارتداء ملابسهم، فيذهبون إلى اقتناص العدو ودباباته وآلياته وليقفوا في وجهه؟
هل أرادوا توجيه رسالة إلى الإسرائيليين والعالم بأن ليس لديهم ما يخسرونه؟
هل أرادوا أن يهشموا صورة الجيش الإسرائيلي ومن معه بأن من يوجعونهم أفراد حفاة عراة جوعى؟
أم أنهم، واستبعد هذا ، تأثروا بشعر الشاعرين توفيق زياد ومحمود درويش ورسوم فنان الكاريكاتور الفلسطيني الشهيد ناجي العلي؟
لا تغيب قصيدة توفيق زياد وقصيدة محمود درويش "أحمد الزعتر" ورسم ناجي العلي عن أذهان الفلسطينيين، فالقصيدتان مغناتان؛ غنى الأولى الفنان السوري أحمد قعبور والثانية الفنان اللبناني مارسيل خليفة ورسم ناجي العلي شائع بكثرة.
هل يعتمدون على بعض الأحاديث النبوية بخصوص الجهاد والذهاب إليه إن دعوا إليه؟ أسعفونا يا حفظة الأحاديث النبوية!
هل هم من المعجبين بأشعار الشاعر العراقي مظفر النواب وبخاصة قصيدته التي يخاطب فيها حفاة العرب والعجم للوقوف بوجه أساطيل أمريكا؟
الظلام كثيرون وأولهم إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية والغربية و... .
حقا إن الظاهرة تستحق أن يقف المرء أمامها ويفسرها إن استطاع، وإن تمكن أحد أن يقابل واحدا من هؤلاء ليسأله عن السبب فإنه سيقدم للدارسين المنعمين المترفين خدمة.
حقا لماذا يخرج المقاتلون حفاة شبه عراة ناحلة أجسادهم لا يملكون إلا خنادقهم.
لقد لفتت الظاهرة أيضا انتباه محللين ومراسلين غربيين وكتبوا:
مقاتلون حفاة ببنطال (أديداس) يتصدون لدبابات النمر والميركافاه ويدمرونها.
وربما غاب عن ذهنهم ما قاله أحد قادة الكتائب الذي رد على سخرية منشورات الجيش الإسرائيلي بأن المقاتلين لا يجدون وقتا لقلي البيض: لا وقت لديهم لقلي بيضة لأنهم مشغولون بشوي / شواء الميركاقاه.
تكررت الصورة أمس فتكررت الكتابة اليوم، والمخيمات في الضفة تشتعل وكل يوم يرتقي شهداء، واليوم فجرا ارتقى ثلاثة شباب من مخيم نور شمس في طولكرم، عدا تخريب البنية التحتية فيها.
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثاني والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 72: ب - اليوم الثاني والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة: عاطف أبو سيف والزير سالم وأبو فراس وأبو السخول

اليوم ظهرا تابعت قراءة يوميات عاطف ابوسيف التي يكتبها " من هناك " - أي من قطاع غزة - عن الحرب الدائرة .
نشر اليوم عاطف يوميات ١١ و ١٢ / ١٢ / ٢٠٢٣ في الحلقة ٢٣ التي ينشرها باستمرار في العربي الجديد ويعيد معن البياري Maen Albayari نشرها في صفحة الفيس بوك الخاصة به.
خص الكاتب حادث استشهاد الشاعر سليم النفار Saleem Alnffar بالقسم الأول من اليوميات، وأتى في القسم الثاني على ما يعاني منه في رفح ، بعيدا عن أبيه في مخيم جباليا ، وزوجته في رام الله، وعن تجواله في المخيمات الجديدة الطارئة المؤقتة التي نأمل ألا تطول، مع أن تساؤل محمود درويش في قصيدته "نزل على بحر" لا يفارق أذهاننا:
- أفلا يدوم سوى المؤقت يا زمان البحر فينا؟
ما لفت نظري هو الحوار الذي جرى بينه وبين الحلاق الذي قصده ليحلق له شعر رأسه، لا شعر ذقنه - لحيته، فقد عزم على عدم حلاقتها إلا حين تضع الحرب أوزارها.
الحلاق الذي سأل عاطف عن رأيه في الحرب قال له إن الحرب قد تطول. كأنما اقترح عليه أن يحلق له شعر ذقنه.
ذكرتني رغبة عاطف بإطلاق شعر ذقنه بالزير سالم وب " آبو فراس الحمداني " وب "أبو السخول " . عاش الأول في العصر الجاهلي وقرر ألا يعود إلى حياته الطبيعية ومنها التزين إلا بعد أن يأخذ بثأر أخيه كليب. وعاش أبو فراس في القرن الرابع الهجري ووقع في الحروب التي خاضها سيف الدولة الحمداني ضد الروم في الأسر، وربى شعر رأسه واتبع العادات السائدة في زمنه وهي ألا يحلق شعر رأسه إلا بعد الخروج من الأسر ليعرف الآخرون طول المدة التي قضاها في السجن. هل تتذكرون قصيدته وهو في الأسر يخاطب أمه:
أيا أم الأسير ! سقاك غيث
بكره منك ما لقي الأسير
ومنها :
أيا أم الأسير ! لمن تربى،
وقد مت، الذوائب والشعور؟
وأما أبو السخول الذي كتبت عنه في كتابي النثري "حزيران الذي لا ينتهي: شظايا سيرة" فقد حلف ألا يتزوج وألا يستحم وألا يتزين إلا بعد أن يعود إلى اللد، وطال المؤقت ودام ولم يحقق حلم العودة ، فكنا نعرف طول مدة المنفى من طول شعر لحيته.
هل ستصبح لحية الروائي "أبو سيف" طول ذؤابات شعر "أبو فراس" وطول لحية "أبو السخول"؟ هل ستطول الحرب ولا تضع أوزارها؟ هل قرر يحيى السنوار أن يأخذ بوصية كليب / أمل دنقل ؟
"لا تصالح" إلى أن يجيب العدم وإلى أن يعود اللاجئون إلى مدنهم وقراهم ويبعث آباؤنا وأجدادنا من قبورهم.
الثلاثي أبو يائير ووزيرا حكومته غالانت وغانتس قرروا في بداية الحرب ألا يصالحوا وألا... ثم اضطرا أن يوافقوا على هدنة و... .
يدي في الماء ولدي وقت لقلي بيضة وشي الكستناء والتجوال في المدينة. لست في غزة لأقرر نيابة عن أصحاب القرار فيها.
ارتفع عدد شهداء مخيم نور شمس وزاد عما أوردته في خربشات الصباح وأما شهداء غزة من المدنيين ففي تزايد متواصل.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١٢ / ٢٠٢٣


***

73- بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية:

حفلت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي هذا النهار بعبارات مجد فيها كاتبوها لغتنا العربية، وأدرجت المربية فداء نزار زوربا على صفحتها عبارة "أنلزمكموها" وما يقابلها باللغة الإنجليزية لتقول إن ما يمكن قوله في العربية بكلمة نقوله بالإنجليزية بست سبع كلمات، ذاهبة إلى أن هذا سر من أسرار جمال العربية ، واقتبست المربية راوية بربارة Rawya Burbara من محمود درويش سطرا أظنه "نا لغتي" لتعبر عن وحدتها ولغتها، ويستطيع المرء أن يجمع كل ما أدرج معا ليري المتابعين عشق أبناء العربية المتخصصين لها.
ومع أنني لا أشكو من فقر في لغتي العربية إلا أنني لم أكن يوما متعصبا لها تعصبا أعمى كأن أقول إنها أجمل اللغات وأفصحها وأغناها وأثراها و... و... و. فأنا لم أتعلم اللغات الأخرى كما تعلمت العربية ولم أتقنها أيضا إتقاني العربية، وعليه فإنني أرى أن أي حكم يتكيء على صيغ التفضيل لا قيمة له.
أحب العربية وأكتب فيها وكذلك أقرأ ما سطرته أقلام أبنائها ولا أنتقص منها ، بل وأستاء حين أقرأ بها نصا لا يخلو من أخطاء ، وأكثر من ذلك فإنني إن قرأت فقرة أو مقالا فيه بعض أخطاء أصوب كاتبه الذي قد يشكرني وقد يغضب مني وقد يقاطعني وقد.. وقد... وقد. وأما إن صوب صديق أخطائي فإنني أزجي له الشكر، لأن سلامة ما أكتب لغويا لا يسيء إلي بل إنه يخدمني ويخدم اللغة العربية أيضا .
في هذه المقتلة وحرب الإبادة يبدو الاحتفال باللغة، من وجهة نظري، ترفا زائدا، بخاصة أن كثيرين يكتبون دون أن يدونوا موقفا ما مما يجري في غزة أو في الضفة الغربية.
اليوم صباحا مثلا ارتقى أربعة شباب في مخيم الفارعة وعشرات في غزة، عدا الجرحى، ولم يحل هذا كله دون أن تصل المواد الغذائية لإسرائيل، لا لقطاع غزة المحاصر المنكوب. من بعض الموانيء العربية وصلت سفن إلى الموانيء الإسرائيلية، وأبناء الموانيء العربية يتكلمون العربية.
كنت، من قبل، اقتبست من قصيدة محمود درويش "مديح الظل العالي" التي قالها في أثناء حصار بيروت في العام ١٩٨٢ الأسطر الآتية:
" وأجهش يا ابن أمي باللغة
لغة تفتش عن بنيها
تموت ككل ما فيها
وترمى في المعاجم".
لم تسعف "ندد" و"شجب" و"استنكر " و"استغاث" و"وحدة اللغة" و"إعجاز العربية"، لم تسعف جريحا في غزة، ولم تنقذ امرأة أو طفلا أو طاعنا في السن. كما لو أنها لغة مفرغة من معانيها لا تأثير لها.
هل أنا مصيب أم مخطيء؟
أجمل كلمتين قرأتهما اليوم هما:
المهمة أنجزت
و
وصلتم متأخرين
وقد ردت فيهما المقاومة على الاكتشاف الكبير للجيش الإسرائيلي لأحد الأنفاق في غزة.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الثالث والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة

***

74: أ- يوميات الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية: "لا تقولوا لي: انتصرنا".

كما لو أن الشاعر توفيق زياد يقيم الآن بيننا ويكتب عما يدور ؛ هناك في غزة ، وهنا في الضفة الغربية.
الدولة الإسرائيلية تريد انتصارا مهما كان الثمن، ومهما ارتكبت من مجازر بحق المدنيين، حتى لو دمرت قطاع غزة كله على رؤوس سكانه كلهم؛ المعارض لحركة حماس والمؤيد لها. ويبدو أن قسما كبيرا من مواطنيها، ولا أكتب كل، يريد ذلك أيضا.
أمس أصغيت إلى شريط فيديو مأخوذ من مقابلة أجرتها القناة ال ١٤ العبرية مع مواطن إسرائيلي يهودي متدين، على ما يبدو، ومما قاله:
" أنا مع جرائم الحرب ولا أهتم أن ينتقدوني ولا أبالي لهدم البيوت والأبراج في غزة. أريد هدم المزيد والمزيد والمزيد ويجب أن تصدقوا: لا أستطيع أن أنام جيدا قبل رؤية هدم البيوت والأبراج.
ماذا أفعل؟
هكذا أنا. أريد أن لا يكون لهم بيوت يعودون إليها. في فترة التوراة كانوا يسطحون الأرض بالملح.
يجب أن يتذمروا. يجب أن يتذمروا. لا نستطيع عقد اتفاق معهم"
وكان يضحك، وكان مجريا المقابلة معه، وهما رجل وامرأة عصرية أنيقة، يضحكان معه. لقد كانوا مسرورين جدا جدا.
وأمس أيضا شاهدت شريط فيديو لجنود إسرائيليين في شقة في مدينة جنين عصبوا عيون مجموعة من الشباب الفلسطينيين وكتفوهم وربطوا أيديهم وألقوهم على الأرض، فيما جلسوا هم على المقاعد يضحكون ويأكلون ويؤرجل أحدهم. لقد كانوا في غاية السرور.
وأنا أنظر يوميا في الصور والفيديوهات التي تصور ما ألم بالقطاع وسكانه وبناياته وشوارعه وبياراته وأرى جثث المدنيين في الشوارع، أتساءل إن كان الإسرائيليون حققوا حقا نصرا، وإن كانوا سيحتفلون بنصر ما، حتى لو سووا غزة كلها بالأرض وأفنوا كل ما فيها ومن فيها. هل سيجلسون على أنقاضها، مثل نيرون، فرحين؟
أمس تذكرت ما كتبه الشاعر توفيق زياد إثر هزيمة حزيران ١٩٦٧، ولعل ما قاله يومها يناسب ما يجري الآن أكثر.
لا تقولوا أيها الإسرائيليون انتصرنا!!
لا تقولوا انتصرنا!
"لا تقولوا لي : انتصرنا،
إن هذا النصر
شر من هزيمة
نحن لا ننظر للسطح
ولكنا
نرى عمق الجريمة
لا تقولوا لي : انتصرنا
إننا نعرفها
هذي الشطارة
إننا نعرفه الحاوي الذي
يعطي الإشارة
إنه - سيدكم - يلهث
في النزع الأخير
إننا نسحبه - من أنفه
سحبا..
إلى القبر الأخير"
(توفيق زياد، كلمات مقاتلة)
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الرابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

74: ب - يؤخذ السبب الحقيقي لطوفان الأقصى من فم (موشه دايان) :

من المسؤول عما جرى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - أي حرب "طوفان الأقصى"؟
عزا الشيخ حسن نصرالله السبب إلى أربعة ملفات هي: الأسرى والأقصى والحصار والاستيطان.
اقرأوا الرأي الآتي لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق (موشه دايان) الذي ورد في كتاب (هلل كوهين) " العرب الصالحون":
"رئيس أركان الجيش في منتصف الخمسينيات (من ق ٢٠) موشه دايان كان مقتنعا بأن حوافز المتسللين مصدرها" بحر من الكراهية وشهوة الانتقام. قال ذلك في تأبين مئير روعي رونبرغ من مستوطنة ناحال عوز الذي قتله متسللون في شهر نيسان ١٩٥٦. ثم أضاف قائلا وهو يبدي تفهما عميقا لدوافع المتسللين:
" هل يحق لنا أن نشكو من كراهيتهم الشديدة لنا؟ منذ ثمان سنوات وهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في غزة ويرون بأعينهم كيف نستولي على الأرض والقرى التي عاشوا فيها هم وأجدادهم " وخلص إلى القول:
" هذا ما كتب على جيلنا وهذا ما اخترناه لحياتنا. علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أقوياء وصلابا ، فإذا سقط السيف من يدنا حانت ساعتنا" (صفحة ٦٨ من الترجمة العربية)
هل نلوم المقاومة الفلسطينية؟ هل نضع اللوم على يحيى السنوار كما فعل الوزير الملقى القبض عليه يوسف المنسي وهو يجيب على أسئلة المحقق الإسرائيلي؟
إذا كان موشه دايان قال في خمسينيات القرن العشرين الحقيقة، قالها وهو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، فكيف يلقي بعض الفلسطينيين المسؤولية على عاتق رجل واحد ولد في مخيمات اللجوء التي تحدث عنها دايان.
كان إميل حبيبي يكرر عبارة "لا تلوموا الضحية" وأبناء المخيمات، ومنهم السنوار وأخوه، هم الضحية .
اقرأوا ما قاله الشاعر توفيق زياد :
" عن جدنا الأول
قد جاء في الأمثال:
"واوي بلع منجل"!!
كل ما تجلبه الريح
ستذروه العواصف
والذي يغتصب الغير
يعيش العمر خائف".
حكايا أهالي قطاع غزة كثيرة أعجز شخصيا عن وصفها أنا وغيري من الكتاب وعلى رأسهم الروائي عاطف ابوسيف الذي يسرد تجربته من داخل الخزان ومن بيت النار.
اليوم صباحا شاهدت الصورة التي أدرجها الناقد طلعت قديح:
طنجرة شحبرها الدخان على مرجل تحته الكرتون يغلي صاحبها الشاي لخمسين شخصا يحيطون بالموقد يرتدون حفاياتهم وربما يستدفئون بالنار في برد كانون. هل أشير إلى اشتعال النار في خيمة مواطنين أشعلوا النار لكي يستدفئوا فأحرقوا المكان؟
عن الجوع حدث ولا عرج ، فكما سمعت في الأخبار من محمد الأسطل مراسل إذاعة أجيال أن ٦٤ من سكان غزة لا يجدون ما يأكلونه، فيضطرون إلى البحث عن أعشاب ونباتات برية أو إلى تناول معلبات منتهية الصلاحية.
هل سيأتي نهار يأكلون فيه لحم الحمير؟
الفتوى جاهزة منذ حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت في منتصف ثمانينيات القرن ٢٠ .
لا تلوموا الضحية!!
لك الله يا غزة، فهل سيردد بعض أبنائك سؤال محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي" يتوجه بخطابه إلى الله:
"جربناك جربناك
من أعلاك فوق جراحنا
من أعطاك هذا اللغز"
و
"باسم الفدائي الذي خلقا
من جرحه شفقا"
هل؟
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الرابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

75: أ- نلقاكم في كشوف القتلى على شاطيء غزة :

لو كان الشاعر الغزي / الغزاوي معين بسيسو على قيد الحياة وشاهد شريط الفيديو الذي نشره الجنود الإسرائيليون يصور اقتحامهم شقة في جنين وتعصيب أعين سكانها وتقييد أيديهم خلف ظهورهم، وأصغى إلى قائدهم المتعجرف يسأل جنوده، وهو جالس على الكنبيات يؤرجل وهم يأكلون شرائح البطاطا (الشيبس)، يسألهم عن أمنياتهم التي غلب عليها الرغبة في الاستحمام على شاطيء غزة، لو كان معين على قيد الحياة لكتب قصيدة على غرار قصيدته التي اقتبست منها من قبل "نلقاكم في كشوف القتلى على جبهة السويس" وجعل عنوان القصيدة الجديدة "نلقاكم في كشوف القتلى على شاطيء غزة".
وأنا أشاهد شريط الفيديو توجهت بالخطاب إلى الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم؛ الثاني لأنه كتب سربيته "أنا متأسف" وأكثر فيها من عبارات مثل أخي العدو وصديقي العدو وما شابه، والأول لأنه كتب في "حالة حصار" المقطع الآتي:
" أيها الواقفون على العتبات ادخلوا،
واشربوا معنا القهوة العربية
[قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا]
أيها الواقفون على عتبات البيوت،
اخرجوا من صباحاتنا،
نطمئن إلى أننا
بشر مثلكم!".
:
- شو رايكما؟
هؤلاء ينعتوننا بأننا حيوانات بشرية، فهل ما زلتما عند رأيكما؟
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الخامس والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

75: ب- قميص عثمان... قميص[أدولف هتلر]:

وأنت تتابع الروايتين؛ الفلسطينية والصهيونية، حول المسؤول عما يجري وما قام به كل طرف في الحرب، تتذكر قصة قميص عثمان الذي زعم كل طرف من الطرفين المتحاربين في التاريخ الإسلامي أنه يدافع عن صاحبه - صاحب القميص.
صار [أدولف هتلر] وصارت النازية مثل قميص عثمان، لا ليدافع عنها الفلسطينيون أو الإسرائيليون - حاشا وكلا، ولكن ليرمي بها كل طرف الطرف الآخر وينعت ما قام أو ما يقوم به بالنازية، وشبه بعض قادة الطرف الآخر بأنهم هتلر القرن الحادي والعشرين وأكثر.
لا أريد أن أستعير ثانية قصيدة الشاعر اليهودي النمساوي (إريك فريد) "Hoer Israel" يخاطب فيها الدولة العبرية بما ارتكبته منذ العام ١٩٤٨ وتحذيره لها من أنها تسير على خطى النازية، ولا آراء (نورمان فنكلشتين) صاحب الضمير الأخلاقي الذي يدين ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، فقد كتبته من قبل وأوردته خلال الحرب على صفحتي، وإنما أود القول إن ما قامت به الدولة الإسرائيلية من تدمير غزة على رؤوس سكانها وتسوية مبانيها بالأرض ليس أكثر من عمل انتقامي ينم عن حقد دفين وثقافة راسخة في أعماق قادة الدولة العبرية وجيشها وأكثر شعبها ؛ ثقافة محو الفلسطيني، بل والعربي إن أمكن. ومن لا يصدق هذا فليشاهد المقابلات التلفزيونية التي تجريها الفضائيات الإسرائيلية مع بعض الصحفيين الإسرائيليين، وأخص هنا القناة ١٤ التي يتابعها بعض صحفيينا ويعيدون نشر جزء من المقابلات.
أحد الصحفيين، وأظن أن اسمه (شمعون ريكلين) يريد أن يبيد ويبيد ويبيد، وصحفي ثان هو (تسيفي يحزقيلي) لام قيادات جيشه لأنها لم تقتل في الضربة الأولى بعد ٧ أكتوبر ١٠٠ ألف فلسطيني، وثمة صحفي ثالث قال إنه لا ينام إلا بعد أن يرى بيوت غزة تدمر وتدمر وتدمر ويريد تدمير المزيد. وأما نائب رئيس بلدية القدس (اربيه اسحق كينج) فقد عبر عن ابتهاجه لرؤية منظر شباب بيت لاهيا من غزة مسوقين إلى المعتقلات الإسرائيلية عراة وقال إن الأمر لو عاد إليه لدفنهم بالجرافات أحياء.
هل كان هؤلاء حقا أحفاد ضحايا (الهولوكست)؟
والسؤال يجيب عنه بعض اليهود الذين قتل أباؤهم في معسكرات الإبادة في ألمانيا مثل (فنكلشتين)، رافضين أن تتحول الضحية إلى جلاد.
هل نحن بحاجة إلى تذكير اليهود بأن الضحية تحولت إلى جلاد؟
لقد قام بذلك محمود درويش مرارا ولكن عبثا سمعوا، فما جدوى الكتابة؟
في "حالة حصار " ٢٠٠٢ كتب محمود درويش:
"[إلى قاتل] لو تذكرت وجه الضحية
وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة
الغاز، كنت تحررت من حكمة البندقية
وغيرت رأيك : ما هكذا تستعاد الهوية!"
ما جرى في غزة من قتل وتدمير مدن لا يقل قسوة عما قام به هتلر و أعداؤه معا والذي آباد اليهود لا يختلف عنه من دمر (دريسدن) و(أوغسبورغ) و(ناغازاكي) و(هيروشيما).
هل سيأتي يوم تغرق فيه البشرية بالدم بحيث سيغدو ما جرى في الحرب العالمية الثانية مجرد ألعاب أطفال؟ البشرية تعود إلى الزمن البربري وتتوحش أكثر وتقتل أضعافا.
إنها مقتلة وحرب إبادة.
كان الله في عون غزة وأهلها وفي عون الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي المنافي أيضا.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الخامس والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

76: أ- "أيها الواقفون خارج التاريخ: انصرفوا":

عقب الصديق Ali Mohamad Matar على ما كتبته أمس تحت عنوان "نلقاكم في كشوف القتلى على شاطيء غزة" بالآتي:
" السؤال : أهم بشر مثلنا؟!
حطموا العتبات... وأذاقونا
العذابات...
أيها الواقفون خارج التاريخ:
انصرفوا"
وكنت اقتبست في المنشور مقطعا من ديوان محمود درويش "حالة حصار" (٢٠٠٣).
ومنذ أمس وأنا أفكر في الكتابة عن المقطع أشرحه، فهناك أشعار كثيرة للشاعر تحتاج إلى تأويل يغيب عن ذهن القاريء بعامة.
لو دخل الواقفون على العتبات بناء على دعوتنا وشربوا معنا القهوة فإنهم قد يشعرون أنهم بشر مثلنا، لا غزاة وحوشا قتلة.
والشاعر يطلب منهم أن يخرجوا من صباحاتنا ، فإن خرجوا رافضين الاحتلال داعين إلى السلم نرفع القبعات لا السلاح للقتل ونشعر بذلك أننا مثلهم يوم رفضوا أن يكونوا غزاة محتلين قتلة، نشعر أننا بشر.
الكتابة على الفيس بوك كتابة تفاعلية يسهم فيها القراء ويتعدد تأويل النص بناء على تعدد الفهم، وهي بذلك تقدم خدمة لنظرية التلقي الألمانية أيضا كما تقدم في الوقت نفسه خدمة لنظرية قصد المؤلف.
المؤلف > النص
القاريء > النص.
هل هناك في أثناء المقتلة وحرب الإبادة متسع للخوض في قضايا أدبية؟
في أثناء اجتياح ٢٠٠٢ - ٢٠٠٣ كتبت مجموعة قصصية عنوانها "فسحة لدعابة ما".
صباح الخير يا عزيزي علي محمد مطر ومعك الحق كل الحق فما يعيشه أهل قطاع غزة هو من أهوال يوم القيامة التي يعجل بها المحافظون الجدد الصهيونيون.
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين.
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة.

***

> 76: ب - "إسرائيل فوق الجميع" = "ألمانيا فوق الجميع":

لم أكن يوما ، بوعي ، من أنصار [أدولف هتلر]، وربما لاحظت، بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧، صاحب بسطة بطيخ رسم شعار الصليب المعكوف على بطيخة، وأظن أن أحد المشترين لفت انتباهه إلى أن أفراد الدورية الإسرائيلية، إن رأوه ، فسوف يلعنون "سنسفيل" أجداده وآبائه وأولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده.
في ألمانيا اضطررت أن أقرأ كتاب المستشار "كفاحي Mein Kampf" لأقتبس منه وأنا أكتب عن رواية سميح القاسم "الصورة الأخيرة في الألبوم" حيث اقتبس سميح نفسه منه ولم يوثق مشيرا إلى النسخة التي اعتمد عليها.
"ألمانيا فوق الجميع" عبارة المستشار الألماني أدولف هتلر سمعتها وأنا أصغي إلى بعض خطبه.
"Deutschland Über Allen"
الحرب الدائرة حاليا صارت تعيدني إلى الكتب المقدسة، وقد أشرت إلى هذا من قبل. اليوم صباحا أصغيت إلى شريط فيديو يتحدث فيه الرائد الإسرائيلي (يائير بن دافيد) ويحكي عما فعلته الفرقة 9208 في بيت حانون حيث سوتها بالأرض، وأنه سوف يواصل تسوية قطاع غزة بالأرض حتى يكون عبرة للضفة الغربية وجنوب لبنان وأي بلد محيط بالدولة العبرية يتجرأ عليها ، فإسرائيل فوق الكل . لقد أفسد الفلسطينيون على شعبه فرحته بعيده .
ما تعلمته من الرائد الإسرائيلي هو أن أجداده فعلوا ذلك في نابلس، ويذكر منهما شمعون و لاوي أخوي دينة / دينا، وقد ورد ذكرهما في " تكوين 34 : 24".
بحثت في (غوغل) عنهما فقرأت "فحدث في اليوم الثالث أن كانوا متوجعين، أن ابني يعقوب ؛ شمعون ولاوي، أخوي دينة، أخذ كل واحد سيفه وأتيا على المدينة وقتلا كل ذكر".
في الصباح كتب إلي الصديق زياد خداش أنه مشتاق لزيارة نابلس وسألني عن الأوضاع فيها.
غالبا ما يسألني زياد وغالبا ما أرحب به ولو كنت شاهدت شريط الرائد الإسرائيلي وقرأت عن شمعون و لاوي لحثثته على الإسراع في الزيارة فحفيد الاثنين قد يأتي إلى المدينة ويقتل كل ذكر فيها. هل سيقتل العواجيز مثلي؟
قال يائير العبارة الآتية التي يجب أن أبحث عن قصتها:
"أيجعل أختنا مثل الساقطة؟"
حكم المستشار الألماني من ١٩٣٣ إلى ١٩٤٥ وجلب الدمار لبلاده التي لا زالت محتلة.
الله المستعان.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 76: ج- [أدولف هتلر: اتركوني بحالي، فأحفادي بذوني]:

بناء على ما قاله النحويون العرب:
"يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره"
يمكن أن يقول الفلسطينيون:
"يجوز ل" أبو عبييدة "ما لا يجوز لغيره".
هل على المطرب في الحرب أن يعرب؟
الجمهور العربي يطرب لخطاب "أبو عبييدة" وينتظره انتظار العاشق للمعشوق.
كأني لاحظت أن هناك خطأ نحويا! كأني أو كأني شطحت وأنا أصغي إليه. يجب التأكد والإصغاء للخطاب ثانية.
[المستشار الألماني أدولف هتلر]
اتصل بي وقال لي:
" - أنا شو خصني فيكم أنتم واليهود؟ هم يتهمون حماس بالنازية وحماس تتهمهم بالنازية. أرجوك: لا تكتب أنت أيضا عن النازية ولا تذكر اسمي ثانية في كتابتك، وإلا فإنني سوف أسحب شهادة الدكتوراه منك. حلوا عني أنتم واليهود. شوفوا لكم شغلة غيري. عندكم مثلي وأسوأ، وعندهم ما شاء الله! ما شاء الله!".
كم من تلميذ بذ أستاذه وتفوق عليه، و"فرخ البط عوام" و"من شابه أباه فما ظلم أمه" والعلم يتقدم وأداة الجريمة أيضا.
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

77- صباح اليوم السابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة: مظفر النواب ١٩٧٦:

مر أمس ٧٦ يوما على بداية المقتلة وحرب الإبادة. ذكرني الرقم ٧٦ بالعام ١٩٧٦ حيث ارتكبت مجزرة "تل الزعتر" في الحرب الأهلية في لبنان.
ما زالت الذاكرة تحفظ قول الشاعر العراقي مظفر النواب.
"هذي الأرض تسمى بنت الصبح
نساها العرب الرحل عند المتوسط
تجمع أزهار الرمان..
وساروا باديتين، ولما انتبهوا
وجدوا كل سقوط العالم فيها..
قالوا مرثية.
- أيهم الميت أن القبر يزخرف
أم تكترث الشاة لشكل السكين ؟
نشاز مكتمل هذا ... ثدي في الأرض
إلى جانب كفين صغيرين كأوراق الكرمة
طفل يكبر بين الجثث المحروقة
قولوا يا عرب الردة مرثية
- أيهم الميت أن القبر يزخرف؟"
كان الله في عون أهل غزة، وكان الله في عون أطفالنا الحاليين والقادمين!!
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين.
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم السابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة :

***

> 77: ب- حمارنا وبريطانيا:

وأنا أعد رسالة الدكتوراه في العام ١٩٨٨ قرأت أعمالا أدبية لأدباء المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ وتوقفت أمامها لأكتب عن صورة اليهودي فيها، ومما لاحظته فيها أن مؤلفيها يحملون الاستعمار مسؤولية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتغذيته. إنه - الغرب غير مبرأ.
توفيق معمر في "مذكرات لاجيء أو حيفا في المعركة" وعصام عباسي في "حب بلا غد " ومحمد علي طه في "عاصفة بلا عش" ومصطفى مرار في "حمارنا وبريطانيا".
لقد كان العرب واليهود يعيشون جنبا إلى جنب في العالم العربي حتى جاء الاستعمار وشجع قيام الدولة العبرية التي طردت سكان البلاد الفلسطينيين.
عندما كتبت كنت أرى أن هؤلاء الأدباء كتبوا وهم تحت الاحتلال وأنهم لم يكتبوا ما كانوا يشعرون به في الحقيقة، وإنما كتبوا كتابة باعثها الخوف والمجاملة والحرص على وظيفة يعيشون من وراء راتبها.
قبل بضع سنوات استضيف الباحثان جوني منصور و(إيلان بابيه) في نابلس ، وطلب مني أن أشارك في الندوة بورقة عن كتاب الكاتب الإسرائيلي "التطهير العرقي".
لم أكتف بقراءة الكتاب المذكور، فقد قرأت له كتابين آخرين هما "الفلسطينيون المنسيون. تاريخ فلسطينيي ١٩٤٨" و"عشر خرافات عن إسرائيل"، وفي الثاني قرأت أن فكرة إقامة دولة لليهود هي فكرة غربية بالأساس، فقد أراد الغرب أن يتخلص من اليهود في بلدانه، وهكذا شجع على ربطهم بأرض فلسطين دينيا ليهاجروا إليها.
اليوم في اليوم السابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة ألحت الفكرة على ذهني إلحاحا كبيرا. اليوم شتت كثيرا ولم أعد أجمع. هل أراد الغرب أن يرسلهم حتى نقتتل معا؛ يقتلوننا ونقتلهم ويأتي (جو بايدن) الرئيس الأمريكي ووزراؤه ليشرفوا على المقتلة؟
كما لو أنني أقرأ في قصص الكتاب المذكورة أسماؤهم . خذوا هذه الفقرة من قصة "حمارنا وبريطانيا":
" أنت واهم يا ولدي.. إنهم قد أدخلوا ذلك الوهم إلى رؤوسنا ورؤوسكم، فهم يغروننا بترك الأرض للشيوخ والعجزة يتمشون فيها كالديدان لتظل على عجزها الموهوم، ويصرفوننا نحن عن تطوير وسائلنا وتحسين إنتاجنا، ولنتفرغ لخدمتهم وتمكينهم من النصر في حروبهم التي لا تنتهي لمواصلة الاستيلاء على بلادنا وبلادهم".
هل هناك صلة بين الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة؟
تابعوا مقالات الدكتور عبد المجيد سويلم التي واكبت الحرب منذ بدايتها وستتذكرون مقولة حسني البورزان في مسلسل "صح النوم". إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا يجري في البرازيل. يكتب الدكتور Abdel Majeed Sweilem مقالاته كل اثنين وخميس في جريدة الأيام الفلسطينية ، واليوم، وهذا ما حفزني للكتابة في هذا الموضوع، أصغيت إلى (نيكي هايلي) مرشحة الرئاسة الأمريكية تربط ما جرى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وذكرى ميلاد الرئيس الروسي (بوتين) وتزعم أن المخابرات الروسية ساعدت حماس في هجومها ولم يكن اختيار التاريخ المحدد للهجوم اختيارا عبثيا .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١٢ / ٢٠٢٣ .

***

78: أ- أدب الخيام من جديد ١ :

كما لو أن التاريخ يعيد نفسه، وكما لو أن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين يعيدون تجربة أجدادهم وآبائهم ، فيعيشون تجربة الحياة في الخيام، ومن كان من الأجداد والآباء على قيد الحياة فإنه يعيش التجربة مرة ثانية، وتحفل يوميات عاطف ابوسيف الأخيرة بالكتابة عن الحياة في الخيمة، ولا أظن أنه مر بهذه التجربة من قبل، علما أنه من مواليد مخيم جباليا. والد عاطف رفض أن يغادر المخيم وظل يقيم فيه ففضل الموت على إعادة الإقامة في خيمة هو الذي ولد فيها. ويبدو أن عاطف في يومياته يكتب لنا ما افتقده النثر الفلسطيني في نكبة ١٩٤٨، فحتى سميرة عزام وغسان كنفاني لم يكتبا عن تجربة الخيام، وفيما قرأته من نثر فإن من كتب عنها ، مثل رشاد أبو شاور في "العشاق" و"الحب وليالي البوم"، كتب عنها معتمدا على الذاكرة .
حتى غسان كنفاني الذي استخدم دال "خيمة" في روايته "أم سعد" "خيمة عن خيمة تفرق"، لم يكتب عن الحياة في خيام اللجوء إلا قليلا كما في قصة "القميص المسروق"، وإنما كتب عن الحياة في بيوت الصفيح، ولا أعرف إن كان ثمة أدباء عاشوا بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ في مخيمات النزوح في الأردن وكتبوا عنها.
الشعراء كانوا أوفر حظا ولكنهم أوجزوا فلم يمكنهم جنس الشعر من سرد التفاصيل.
شخصيا أصغيت إلى قصص كثيرة عن حياة آبائنا في الخيام، وأنا من مواليدها، ولكني لم أدونها في لحظتها.
إن أردنا أن نقرأ عن الحياة في الخيام بعد ١٩٤٨، فما علينا إلا أن نقرأها في أشعار عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وخليل زقطان وهارون هاشم رشيد وآخرين مجايلين لهم.
مع أن راشد حسين، ابن قرية مصمص في المثلث، لم يعش في الخيام، إذ لم تغادر عائلته قريتها، إلا أن شعره المبكر حفل بالكتابة عنها - الخيام - وعن اللاجئين، وتكررت هذه الدوال في قصائده، ومما كتبه في ديوانه "صواريخ":
"وترى نجوم الليل مثل معسكرات اللاجئين
وكهيئة الغوث الحزينة يخطر القمر الحزين
بحمولة من جبنة صفراء أو بعض الطحين
هذي هديته.. هديتها لقومي البائسين"
وقوله:
"الخيمة الخمسون من جهة اليسار هنا حياتي
فيها - ألا تدرين ما فيها؟ بيادر ذكريات
...
ولخيمتي بابان يا أمي كأبواب العذاب
باب يقود إلى الجحيم إلى الشتائم والسباب
نحو الخيام العابسات كبعض أكداس السحاب
وهناك في جهة السماء على جبين السقف باب
تبدو النجوم خلاله كاللاجئين بلا ثياب".
والقصائد عديدة.
وأنا أقرأ اليوم الحلقة ٢٥ من يوميات عاطف تذكرت نهاية أربعينيات القرن ٢٠ والسنوات الثمانية الأولى من خمسينياته، وها هم الأبناء والأحفاد ، بعد خمسة وسبعين عاما ، يمرون بالتجربة ثانية .
كان محمود درويش يكرر عبارة "لا أريد أن أكبر على جراح شعبي"، وأخمن أن عاطف يقول: "ليتنا بقينا في بيوتنا ولم أكتب ، عن تجربة الخيام، ما كتبت".
الأجواء ماطرة وعاصفة والبرد قارس، وكان الله في عون أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة يقيم أكثرهم الآن في الخيام يعانون من البرد وفقدان الرغيف وأكثر .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثامن والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

78: ب- أدب الخيام من جديد ٢:

عقب الصديق مكيد عوده على ما كتبته صباحا تحت عنوان "أدب الخيام من جديد ١" بعبارة "ورب خيمة أشرف وأعز من قصر منيف"، وأما الصديقة الفيسبوكية فتحية دبش أيضا فقد أفادتني وزودتني بمعلومات لم أعرفها وكتبت "كتب مراد سارة روايته "قط فوق صفيح ساخن" عن مخيم شنلر في الأردن"، ومثل فتحية الصديق Amer Alseed فقد كتب " كتب عارف آغا قصته "مخيم في الريح" وعلقت الصديقة Afaf Ackall مقتبسة سطرين من محمود درويش "فكر بغيرك / لا تنس شعب الخيام".
كان تعليق الصديق Jaber Abusetta مختلفا:
" خيمة اليوم ليست تحت سقف البرد فقط، ولكنها تحت القصف والجرافات كما حدث في مستشفى كمال عدوان في غزة".
كان يجب في ظل هذا البرد القارس أن أكف عن الكتابة، فمن يكتب عن بعد، في ظل توفر الطعام والشراب واللباس والتدفئة ويسمع عن الحرب من الراديو والتلفاز، تختلف كتابته عن كتابة القابع في خيمة يعيش الجوع والعطش والبرد ويفتقد ملابس الشتاء ويسمع صوت المدافع والطائرات والرصاص و... .
هل تتذكرون ما كتبه غسان كنفاني عن المثقفين الذين يكتبون عن الحرب واختلافهم عمن يعيش في قلب الدرع؟
في النكبة الأولى كتب أبو سلمى "المشرد" وخليل زقطان "صوت الجياع" وهارون هاشم رشيد "سنوات العذاب" وكنفاني "القميص المسروق" و... و... و.
تصلح النصوص هذه أن تقارن بالنصوص التي كتبت عن بعد، فأن تجوع وتعطش وتبرد وتقيم في خيمة وتكتب عن هذا، غير أن تكتب عنه وأنت لم تمر به.
لطالما اقتبست من "أربع ساعات في شاتيلا" للفرنسي (جان جينيه) رأيه في هذا الجانب، ولطالما تجادلت مع الكتاب الفلسطينيين والعرب حول الكتابة عن المكان وصلة الكاتب به.
هل سنقرأ في قادم الأيام نصوصا تعيدنا إلى نصوص النكبة الأولى ١٩٤٨، وإلى نصوص الهزيمة ١٩٦٧، وإلى كتابات ما بعد ١٩٨٢؟
هل سيصف لنا كاتب يقيم الآن في الخيام، ويلاحظ استغلال بعض تجار الحروب الجشع للمواطنين، هل سيصف لنا ما يجري؟
ربما ذكرني القاص توفيق فياض Tawfik Fayad بقصته "الكلب سمور" وما كتبه فيها عن تشرد الفلسطينيين في ١٩٤٨ وهيمانهم في البراري يلتحفون تحت أشجار الزيتون السماء.
حياتنا قاسية وتزداد قساوة ويبدو أن القادم أخطر، كما كتب مظفر النواب في قصيدته "في الحانة القديمة". يبدو!
حمى الله أهل غزة في هذه الظروف الجوية شديدة البرودة غزيرة الأمطار قليلة الزاد.
مليون و٢٠٠ ألف شخص في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
الإعدام الميداني للشباب، الإعدام الميداني هذا يذكرني بما كتبه كنفاني في روايته "ما تبقى لكم" وما كتبه معين بسيسو في "دفاتر فلسطينية" وما كتبه آخرون أيضا.
صبرا آل غزة ! نحن عاجزون حقا. ولعل الله يجد لكم مخرجا!
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

***

79: أ- الأسطوانة نفسها: "سنواصل القتال حتى تحقيق الانتصار"

آخر تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، وقد أبلغت الأمر للرئيس الأمريكي (جو بايدن).
أبو يائير مولعة معه بسبب خسارات يوم أمس في مقتلة غزة وحرب الإبادة.
يا عمي ابو يائير:
سيبك من الكلام اللي ما في من وراه إلا المزيد من الموت والدمار، وكن مثل (غورباتشوف) وحلها حلا جذريا معاصرا وإنسانيا وأعلنها دولة واحدة يعيش فيها الجميع واسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة .
مجنون يحكي وعاقل يسمع.
حسب إلياس كرام مراسل الجزيرة فإن الجيش الإسرائيلي عاجز حتى الآن عن إنجاز أي مهمة وكتاب الصحف الإسرائيلية محبطون ومثلهم أفراد الجيش الإسرائيلي.
خسارات أمس خسب اعترافات الجيش الإسرائيلي نفسه بلغ ١٤ ضابطا وجنديا.
كل مزاعم إسرائيل عن السيطرة على شمال غزة ومخيم جباليا "فشنك"، وهذا ليس كلامي. إنه كلام إلياس كرام من قرب الجبهة.
٢٤ / ١٢ / ٢٠٢٣ الأحد.
ظهيرة اليوم ٧٩ للمقتلة وحرب الإبادة .

***

>79: ب- حبل الكذب قصير: مستشفى الشفاء ومدارس الإيواء والسلاح

منذ تأسست الصهيونية وهي تتفنن في الكذب. من كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" حتى أكذوبة تخبئة السلاح في المشافي والمساجد والمدارس.
حسب آخر إحصائية أصغيت إليها فإن الجيش الإسرائيلي بطيرانه ومدفعيته دمر ١١٥ مسجدا وثلاث كنائس و ٩٢ مدرسة، عدا المشافي، والحجة؟
تخفي حماس في الأماكن السابقة فتحات الأنفاق والأسلحة والمقاتلين.
مجنون يحكي، وهو أنا، وعاقل يسمع، وهو القاريء. لماذا إذن لم تنته المقاومة وما زالت تشتد؟
هل كان لكم مخبر من العرب الصالحين أوصل لكم معلومات مقابل مبلغ من المال؟ هل ضللكم مثلا؟
مرة أشرت إلى قصة القاص الفلسطيني نجاتي صدقي "ألغام الدكتور ماغنس"، وفيها يأتي على رئيس الجامعة العبرية في بدايات المشروع الصهيوني (ماغنس) الذي كان يخفي الأسلحة في مباني الجامعة العبرية.
عندنا مثل يقول "رمتني بدائها وانسلت".
يا ( أبو يائير ) اسمع مني وحلها . كن (غورباتشوف) القرن الحادي والعشرين، وكما قال أحد كباركم "لن يمنح إسرائيل السلام إلا الفلسطينيون". دولة واحدة يعيش فيها الجميع واسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم؛ دولة عصرية كما دول العالم التي تعيش فيها أجناس مختلفة. بلا دولة يهودية بلا خوازيق وخل الدين لله والوطن للجميع، فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين لا في القرن الأول قبل الميلاد . سيبك من (شمعون) و(لاوي) وسيبنا من "خيبر خيبر يا يهود".
مجنون يحكي وعاقل يسمع، واعتبروني مجنونا!!
"اللي مش عاجبه المنشور من العرب واليهود يعتبره نكتة سمجة" واعتذاري لمحبي الفصحى وأكرر:
"لغة تفتش عن بنيها، عن أراضيها وراويها
تموت ككل من فيها، وترمى في المعاجم
هي آخر النخل الهزيل وساعة الصحراء،
آخر ما يدل على البقايا
كانوا ، ولكن كنت وحدك
كم كنت وحدك...!" (محمود درويش)
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم التاسع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

80: أ- البريج والمغازي :

أمس مساء ارتكب الإسرائيليون مجزرة في المخيمين. آخر إحصائية قالت إن عدد الضحايا الذين ارتقوا بلغ ٦٨ فلسطينيا.
أبو يائير تحدث أمس بغضب وكانت لهجة حديثه توحي بأنه سيقدم على حفلة "شواء"، فقد بلغ عدد القتلى من ضباط جيشه وجنوده، في يوم السبت الأسود ٢٣ / ١٢ / ٢٠٢٣، خمسة عشر ضابطا وجنديا ، وعدد الجرحى أربعة وأربعين، وهذا حسب الرواية الإسرائيلية.
"ولعت" أمس مع أبو يائير وقال إن الحرب ستتعمق ووعد شعبه بالنصر، وأما أنا "الأهبل اللي على البركة" فقد ناشدته أن يحذو حذو (غورباتشوف) ليكون رجل القرن الحادي والعشرين.
أبو يائير يريد حقا أن يكون رجل القرن الحادي والعشرين ورجل القرون كلها. إنه يريد أن يتفوق على كل من خلده التاريخ بطلا تربع على جماجم البشر .
صارت المجازر التي ارتكبت بحق شعبنا منذ العام ١٩٤٨، في داخل فلسطين وخارجها، صارت "بروفات" لما يجري في غزة الآن، وبدت الحروب السابقة على القطاع منذ العام ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ تدريبات واستعدادات لخوض المقتلة الكبرى.
حلم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إسحق رابين) أن يصحو ذات صباح ويرى غزة وقد ابتلعها البحر . أبو يائير يريد تحقيق حلم سلفه فهو البحر الذي سيبتلع غزة. ألم يفكر في إغراق الأنفاق بالمياه؟ ألم يحضر المضخات لذلك؟
في "مديح الظل العالي" خاطب محمود درويش "اشعيا" قائلا:
"أنادي أشعيا: أخرج من الكتب القديمة مثلما خرجوا، أزقة
أورشليم تعلق اللحم الفلسطيني فوق مطالع العهد القديم،
وتدعي أن الضحية لم تغير جلدها
يا أشعيا.. لا ترث
بل أهج المدينة كي أحبك مرتين
وأعلن التقوى
وأغفر لليهودي الصبي بكاءه..
اختلطت شخوص المسرح الدموي..".
الإسرائيليون يطلبون الآن من سكان مخيم البريج أن يغادروا منازلهم. أين يذهبون يا الله في هذا الليل البهيم شديد البرودة؟ أين؟
"عشرون مملكة ونيف
كوليرا طاعون ونيف"
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 80: ب- عصر اليوم الثمانين لمقتلة غزة وحرب الإبادة :

هل إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم يكمنان في اللاوعي الإسرائيلي أم في اللاوعي الفلسطيني؟
هل إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم يكمنان في اللاوعي الإسرائيلي أم في اللاوعي الفلسطيني؟
أثرت هذا السؤال وأنا أقرأ في صفحة الصحفي محمد أبو علان دراغمة
Mohammad Abu Allan Draghmeh.
أدرج محمد في صفحته صورة لمنشور باللغة العبرية موجه إلى أهالي مدينة نابلس ، وأدرج معه ترجمته . يقول المنشور مخاطبا سكان المدينة بأنكم إذا ما استمررتم في وضع المتفجرات فإن مصير نابلس سيكون مماثلا لمصير غزة.
يا ستار استر ويا لطيف ألطف، ذلك أنني أسير في شوارع نابلس يوميا وأرى الحياة فيها عادية تماما. صحيح أن هناك اشتباكات بين فترة وفترة غالبا ما تكون في المخيمات وأطراف المدينة، ولكني لا أرى فيها ما يخرج عن مألوف ما اعتدنا عليه منذ انتفاضة الأقصى في خريف العام ٢٠٠٠.
هل توزيع المنشورات يعبر عما تبيته الدولة الإسرائيلية لسكان الضفة الغربية في قادم الشهور؟
هل هو نتيجة للعبوات التي يزرعها المقاومون ولم تسفر عن قتل إسرائيليين أم أنه تعبير عن لاوعي الإسرائيليين الذين صاروا يخافون من ظلهم بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؟
من أيام قليلة شكا سكان كفار سابا من أنهم يسمعون في الليل أصوات آلات تحفر تحت بيوتهم، معتقدين أن هجوما قد يفاجئهم به سكان قلقيلية على غرار هجوم مقاومي غزة. وطالبوا حكومتهم بالانتباه للأمر.
"اللي بخاف من إشي بطلعله " يقول مثلنا الشعبي، وقد خاف إبراهيم طوقان قبل العام ١٩٤٠ من محونا والإزالة، وما خاف منه وحذر شعبه من أن يلم به حدث وما زال يحدث. هل صارت فكرة التهجير والخوف من الإبادة تراود قسما منا؟
غير مرة أوردت قول الشاعر:
"أجلاء عن البلاد تريدون
فنجلو أم محونا والإزالة؟".
أتمنى ألا تعشش الفكرة في مخيلتنا وتتمكن منا وتستقر في لاوعينا ، وأتمنى أن نظل نحلم بالعودة إلى يافا وحيفا وعكا والجليل والمثلث أيضا.
الأخبار بالعبرية والعربية، عن مصادر عبرية، تقول إن يحيى السنوار طلب من وفدي حركة حماس والجهاد الإسلامي ألا يخضعا للمقترحات المصرية ، فما زالت الكتائب والسرايا والمقاومون الآخرون في حالة صحية جيدة. ما يعزز ما ذهب إليه السنوار هو الحالة التي يبدو عليها الثلاثي الإسرائيلي في مؤتمرهم الصحفي (نتنياهو وغالانت وغانتس).
عندما هزمت إسرائيل ثلاث دول عربية في حزيران ١٩٦٧، بثت دار الإذاعة الإسرائيلية أغنية صباح "أبو سمرة زعلان" وتقصد الرئيس المصري جمال عبد الناصر . لماذا لا تبث وسائل الإعلام الفلسطينية الأغنية نفسها في هذه الأيام؟
الزمن دوار وغدار وما "إله" (ليس له) أمان.
كانت الأجواء في نابلس اليوم مختلفة عن أجواء الأيام الماضية. الشمس ساطعة والأمطار توقفت، وفي يوميات عاطف ابوسيف عن الأيام المنصرمة قرأت عن البرد القارس الذي عانى منه سكان الخيام في رفح ومنهم الروائي نفسه.
أهل غزة في هذه الأيام يكررون المثل " اللي بوكل العصي مش مثل اللي بعدها "وهو قريب من المثل الذي أكرره "اللي إيده في المي مش مثل اللي إيده في النار".
الآن يد أهل غزة في النار وجسدهم يرتعش من البرد.
عندما كتبت تعليقا على الحلقة الأخيرة من يوميات عاطف ابوسيف في صفحة Maen Albayari ألمحت إلى الفرق في الكتابة بين نص أنجزه شاعر ونص ثان كتبه روائي. لعلني أقارب الموضوع!
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

عصر اليوم الثمانين لمقتلة غزة وحرب الإبادة :


***

81- أدب الخيام ٣: "كأننا عدنا ٧٥ عاما إلى الوراء : النكبة الثانية"

وأنا أقرأ الحلقتين ٢٧ و ٢٨ من بوميات الروائي عاطف ابوسيف وتحديدا عما كتبه عن شح الطعام وقسوة برد الشتاء قبل حلول المربعانية، وما كابده في الحصول على الطعام، وما عاناه من قلة النوم بسبب البرد وما ألم به من الرجفة ، تذكرت رواية رشاد ابوشاور "الحب وليالي البوم "ورواية يحيى يخلف "ماء السماء" وما كتباه عن ليالي الشتاء والخيام، وإن لم تخني الذاكرة فإن يحيى كتب تحت عنوان "تلك الليلة المجنونة" وأظن أنني كتبت عنها وأنا أكتب عن روايته. كلا الكاتبين؛ رشاد ويحيى عاشا حياة اللجوء في المخيمات وأقاما في الخيام وعانيا من شدة البرد القارس. صحيح أنهما لم يصفا ما مرا به في اللحظة نفسها وأن الزمن الكتابي ابتعد عن الزمن الروائي من ٥٠ إلى ٦٠ عاما، ولكنهما استرجعا تلك اللحظة، وهنا يكمن الفرق بينهما وبين عاطف الذي يكتب عن اللحظة في أثناء معاناته منها، حيث يتطابق في يومياته الزمنان ؛ الكتابي والروائي / اليوميات، ولهذا قيمته.
عن الجوع وشح الطعام خذوا هذه الأبيات من قصيدة راشد حسين "خبز وزئبق":
"يا أبي يهرب من رؤيتنا حتى الرغيف
هرب الأوراق إن مرت بها ريح الخريف
يا أبي! هل فمنا يبدو، إذا جعنا، مخيف؟
ليفر الخبز من رؤيتنا
أم على أفواهنا خطوا: حذار اللاجئين؟
يا أبي تسهر في الليل نجوم وقمر
وألوف من قبور الخيش يضيئها السهر
إنما من جوعنا نقلق لا قصد السمر
فلماذا يقلق البدر وصحبه
أتراهم جوعوا مثل صغار اللاجئين؟"
وعن الليل وطوله ، في أثناء الحرب الدائرة حاليا، وخشية سكان قطاع غزة منه اقرأ في كتاباتهم ولا حرج.
بعض أشرطة الفيديو التي تصور معاناة لاجئي شمال قطاع غزة إلى جنوبه أرتنا مشاهد بائسة جدا منها مشهد الأطفال يلمون بقايا الطحين من الشارع.
"طول عمرك يا زبيبة في طيزك هالعودة" يقول مثلنا الشعبي، من أيام السفر برلك إلى زمن التكنولوجيا الحديثة وارتياد الفضاء، ويخيل إلي أن المثل الشعبي عن جبر ينطبق على الشعب الفلسطيني أكثره "من بطن أمه للقبر"، وفي العام ٢٠٠٢ كتبت قصة "جبر الفلسطيني" وتجدونها في مجموعتي "فسحة لدعابة ما".
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الحادي والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 81: ب- أخلاق بعض جنود الجيش الإسرائيلي:

كتب الصحفي الإسرائيلي (ايتي بلومنتال) على موقع تويتر عن ثلاثة جنود إسرائيليين دخلوا محلا للمجوهرات في الظاهرية / الخليل يحملان بندقيتين، فحاصرهم السكان وخلصتهم الشرطة الفلسطينية.
الخبر قرأته في صفحة الصحفي Mohammad Abu Allan Draghmeh الذي فاته أن يذكر أن الجنود الإسرائيليين من الكتيبة البدوية. إنهم في النهاية جنود إسرائيليون.
والسؤال هو:
- لماذا دخلوا إلى محل في الظاهرية لا في تل أبيب أو أية مدينة إسرائيلية؟
البيع في تل أبيب لا يتم بالكاش ويحتاج البائع إلى التعامل بالشيكات ومن خلال البنوك. هذا يتطلب شهادة إصدار بالذهب و... و... .
أحد القراء تساءل إن كان الجنود سرقوا الذهب من غزة. وهذا وارد وممكن وهناك روايات حول السلب والنهب والتقشيط، وليس هذا بالجديد . والذين يروون يحكون أيضا عن تجار حروب في الجانبين ؛ الفلسطيني والمصري.
ما سبق يعني أن الكتابة في هذا الموضوع ليس القصد من ورائها تشويه صورة الآخر، فالفلسطينيون في فترات الهدوء، بخاصة الذين يعملون في مصانع وورش إسرائيلية، يمدحون أصحاب العمل اليهود وينتقصون من الرأسمالية الفلسطينية التي تريد أن تأكل ولا تريد أن "تخرى" فلا تعطي العامل حقوقه، عدا أنها تبخس من أجره.
هنا أحيل إلى رواية الكاتبة الإيرلندية (ايثيل مانين) "الطريق إلى بئر سبع" وما روته عن المقاتلين اليهود في اللد، حيث سلبوا واغتصبوا، وإلى رواية الكاتب الإسرائيلي (يورام كانيوك) "١٩٤٨"، وهذه سيرة روائية له كتب فيها عن تجربته في حرب العام ١٩٤٨، وقد كتبت من قبل عنها. كانيوك تحدث عن السرقات في اللد، وقد كتب عنها أيضا الكاتب اللبناني إلياس خوري في روايته "أولاد الغيتو: اسمي آدم" (٢٠١٦).
هل أذكر بما كتبه إميل حبيبي في روايته "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" (١٩٧٤)، وما أورده عن اللاجئة الفلسطينية التي زارت اللد بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ لتسترد ذهبها الذي خبأته في عام النكبة في الجدار؟ لقد كتبت ، من قبل، عن هذا.
أحد الشباب الغزاويين ممن هاجروا في بداية الحرب من شمال غزة إلى جنوبها وضع في حقيبته "تحويشة" العمر التي قاربت ال 50 ألف دولار، وعندما مر على حاجز إسرائيلي طلب منه جندي إسرائيلي أن يضع حقيبته على الأرض ويواصل سيره، ويا روح ما بعدك روح، علما بأننا نقول إن المال يعادل الروح.
ماذا سيكتب لنا عاطف ابوسيف في يومياته من حكايات على هذه الشاكلة؟
الحكي كثير!!!
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١٢ / ٢٠٢٣

عصر اليوم الحادي والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

82: أ- سؤال جدي تماما: هل نحن حمير؟

عندما قرأت هذا السؤال الذي أثاره أستاذ جامعي وطني عروبي قلت: أقرأ أيضا التعليقات التي كتبها القراء، ووجدتها طريفة.
لم أترك الدهشة تكبل يدي، فقد وجدتني أكتب أيضا تعليقا اقتبسته من ديوان محمود درويش "حالة حصار" (٢٠٠٣)، والنص المقتبس هو:
"لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون ، يحبوننا، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم:
"ليت هذا الحصار هنا علني..."
ولا يكملون العبارة: "لا تتركونا وحيدين.. لا تتركونا".
وأغلب الظن أن الأستاذ الجامعي بلغ به السخط - إزاء ما يرى ويشاهد من ردود أفعال الحكام العرب والمسلمين على المقتلة وحرب الإبادة في غزة واكتفاء الشعوب العربية والإسلامية بالتعبير عن سخطها بمظاهرات يفرغون فيها مشاعرهم، ويشعرون بعدها بالرضا ويرضون ضمائرهم بأنهم فعلوا شيئا - بلغ به السخط مبلغه فتساءل تساؤلا جديا:
- هل نحن حمير؟
الأستاذ الجامعي ال "إربدي اللون الحوراني" خدم أبوه في الجيش الأردني في الضفة الغربية، وعاش هو طفولته في القدس التي كتب عن طفولته فيها وأحبها لهذا، ولكونه عربيا ذا توجه إسلامي معتدل أيضا، فالقدس مدينته وفلسطين وطنه الثاني.
إن سخط الأستاذ الذي دفعه إلى إثارة السؤال باعثه لا شك ما يجري في غزة من قتل وتدمير مدن ، وهو يتوقع من عالميه؛ العربي والإسلامي، رد فعل يلجم دولة إسرائيل ويوقفها عن التمادي في وحشيتها ، ولكن توقعه خاب، فالعرب صامتون والعالم الإسلامي كذلك.
هل من فراغ كتب الكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي مقالا يرثي فيه عالمنا العربي "أرسلوا أولادكم إلى غزة يتعلمون الرجولة"؟
خسائرنا التي لا تعد ولا تحصى آخرها استشهاد ستة فلسطينيين في مخيم نور شمس في طولكرم.
خسائرهم المعلنة هذا الصباح ثلاثة ضباط وجنود.
وما زالت المقتلة وحرب الإبادة مستمرة.
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثاني والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 82: ب- جندي إسرائيلي يحلم:

الخبر اللافت في هذا النهار هو المتعلق بجندي إسرائيلي من وحدة المظليين.
أفاق الجندي من نومه وتناول سلاحه وأطلق النار على زملائه، فجرح عددا منهم واقتيد إلى التحقيق .
اللافت أن الجندي لم يكن في ساحة الحرب، وإنما كان في إجازة، في منتجع في بئر السبع، للترفيه .
كيف يمكن أن يقرأ الخبر؟ وكيف يمكن تفسير الحالة؟
هل أفاق الجندي من كابوس رأى فيه نفسه في غزة يطلق النار على محاربي الفصائل الفلسطينية المقاومة؟
هل انتابته حالة من يقظة الضمير فنظر إلى أن قتل المدنيين في غزة وما ألحق بهم من ضرر ليس سوى أفعال ثأر وانتقام من فلسطينيين ليس لهم إسهام فيما جرى في ٧ أكتوبر؟
هل عرف عربا في حياته وكانوا أصدقاء له ، مثله مثل (ديفيد) في قصة غريب عسقلاني "وردة بيضاء من أجل ديفيد"؟
لقد اضطر ديفيد إلى الخدمة في قطاع غزة في الانتفاضة الأولى وعندما لاحق الأطفال المتظاهرين عرف منهم ابن صديقه الغزاوي فتردد في إطلاق النار. لقد كان يزور قبل الانتفاضة والد الطفل، فقد نشأت بينهما، بحكم العمل معا، علاقات إنسانية قادت إلى زيارات عائلية.
هل كان الجندي من قراء أشعار محمود درويش التي ترجم بعضها إلى العبرية؟
هل تناسخ فيه (شلومو ساند) الذي كتب فيه محمود درويش قصيدته الشهيرة "جندي يحلم بالزنابق البيضاء"؟ أم أن حاله من حال (ايرينا) زوجة صليبا خميس؟
كانت ايرينا يمينية متطرفة وشاركت في حرب العام ١٩٤٨، ثم انقلبت ١٨٠ درجة: من يمين صهيوني متطرف إلى يسار يعترف بالجريمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، بل والتزوج من فلسطيني، وبعد ذلك رعاية أطفال من مخيم جنين.
في قصيدة درويش المذكورة نقرأ:
"حدثني عن لحظة الوداع
وكيف كانت أمه
تبكي بصمت عندما ساقوه
إلى مكان ما من الجبهة..
وكان صوت أمه الملتاع
يحفر تحت جلده أمنية جديدة:
لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع
لو يكبر الحمام!.."
و
"حدثني عن حبه الأول،
فيما بعد
في شوارع بعيدة،
وعن ردود الفعل بعد الحرب
عن بطولة المذياع والجريدة"
و
"ودعني.. لأنه.. يبحث عن زنابق بيضاء
فوق غصن زيتون
لأنه لا يفهم الأشياء
إلا كما يحسها.. يشمها
يفهم - قال لي - أن الوطن
أن أحتسي قهوة أمي..
أن أعود، آمنا، مع المساء".
منذ ١٩٦٧ والحمام في وزارة الدفاع الإسرائيلية يتضاءل حجمه كما تضاءل حجم حزب العمل بجناحيه ؛ الصقور والحمائم.
ومنذ ١٩٧٧ واليمين يكبر ويكبر ويكبر كما الاستيطان. من أبو يائير إلى سموتريتش إلى بن غفير .
حقا ما الذي دفع الجندي الإسرائيلي، العائد من الجبهة والمقيم في منتجع سياحي للراحة والاستجمام ، إلى إطلاق النار على زملائه؟
هل بال مثلا في ثيابه وعايروه أم أنهم سخروا من بكائه في غزة وهو يتحدث مع أمه يشكو قيادته التي زجت به في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل؟
التأويلات ستكثر وبعض الجنود الإسرائيليين الذين نصغي إليهم يتحدثون، عبر أشرطة فيديو، يعبرون عن استيائهم وعدم اقتناعهم بالحرب.
"وردة بيضاء من أجل ديفيد"
و
"جندي يحلم بالزنابق البيضاء"
ورحم الله القاص والروائي ورحم الله الشاعر. هل كانا حالمين رومانسيين أم أنهما عرفا هذين النموذجين في الواقع؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثاني والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة

***

83: أ- جباليا وخان يونس :

كلما ذكر اسم جباليا في الأخبار تذكرت القاص ركي العيلة ومجموعته القصصية "الجبل لا يأتي" (١٩٨١ ) التي أراد لها أن تكون نموذجا من نماذج أدب المقاومة كما قرأنا عنه في الآداب السوفيتية. الآداب السوفيتية التي صدرت عن دار التقدم في موسكو بعد الحرب العالمية الثانية.
حتى بركة أبو راشد التي كتب عنها وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي يجمع أهالي المخيم في الليالي فيها ليعاقبهم ما زال اسمها يرد في الأخبار.
ماذا ألم ببيت القاص؟ ماذا ألم بعائلته؟ هل أقول إنه كان محظوظا أنه لم يشهد هذه الأيام ليرى المخيم يتهدم؟ هل ترك مهمة الكتابة للروائي عاطف ابوسيف؟ ولست متأكدا إن كان زكي علمه في مدارس الوكالة.
وكلما ذكر اسم خان يونس في الأخبار تذكرت القاص محمد أيوب أبو هدروس. لقد زرته بصحبة محمد كمال جبر في بيته في خان يونس ونمنا ليلة في بيته قبل أن نغادره في اليوم التالي إلى غزة لنناقش مجموعة "الوحش" القصصية.
لا أعرف إن كان محمد جارا ليحيى السنوار وإن كان علمه أيضا في المدرسة.
هل أغبط محمد لأنه لم يشهد ما يلم بمخيمه ومدينته؟ ترى ماذا كان سيكون موقفه مما يجري؟ هل كان سيكتب ممجدا أم ناقدا ناقما هو الحربجي من الدرجة الأولى والمنتمي لفصيل يساري.
ها هو الوحش يمعن قتلا وتدميرا، فكيف كانت نهايته في قصتك؟
ليس محمد أيوب الوحيد الذي أتذكره حين يلفظ اسم خان يونس. هل كتب معين بسيسو في "دفاتر فلسطينية" عن عبد الحميد طقش وما ألم بذراعه في العام ١٩٥٦؟
من شعراء خان يونس الجيدين باسم النبريص. أين أخذته الدنيا؟ ومن كتابها عمر حمش صاحب "مفاتيح البهجة" التي كتبت عنها. هل ما زال يقيم في خان يونس أم أنه يعيش الآن تجربة اللجوء، وروايته المذكورة عن طفولته لاجئا؟
في الحرب وفي هذا البرد القارس شديد البرودة نتذكر معارفنا ونحزن ولعل الله يحمي كثيرين منا من الجنون! لعل!
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثالث والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 83: ب- يبحثون عن انتصار حتى لو كان فردة حذاء:

الخبر اللافت ، أمس، في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كان إلقاء القبض على فردة حذاء ليحيى السنوار ، وفي صفحة فاطمة بري Fatima Berri لمحمد ضيف.
لم يلق الإسرائيليون، حتى اللحظة، القبض على أي من الأربعة المطلوبين، على الرغم من إعلانهم تقديم مكافأة لمن يقدم لهم دليلا يمكنهم من إنجاز المهمة.
هل بدأت الأهداف الكبيرة لدى القيادة الإسرائيلية تتضاءل؟
يبدأ الحلم كبيرا ثم يصغر، ونحن كانت أحلامنا قبل ستين عاما كبيرة ثم تضاءلت وصغرت بحيث صرنا نرى في الحصول على تصريح لزيارة القدس إنجازا، وقد لفت هذا نظر بعض كتابنا ، وتوقفت أمامه وأنا أكتب عن قصة أكرم هنية الطويلة "شارع فرعي في رام الله".
كم مرة أوردت أسطر الشاعر علي فودة:
"بقلبي أريحا
وكنا نحن، ولو مرة،
لانتصار".
هل سيعتقل الإسرائيليون فردة الحذاء؟ هل سيعرضونها في مزاد علني؟
اليوم تابعت أيضا خسائرنا وأصغيت إلى عدد خسائرهم في الجيش وفي الاقتصاد وفي... ولكنهم لم يخسروا أطباء ومهندسين وعلماء. لقد خسروا مالا وجنودا.
أبرز طبيب فلسطيني في قطاع غزة في فحص الدم ارتقى هو وزوجته وابناه وأحفاده (خميس النجار)، وهذا حثني على التفكير في عدد الأطباء والممرضين؛ ذكورا وإناثا، وعدد الصحفيين والكتاب وأساتذة الجامعات والكفاءات الأخرى التي يحتاج بناؤها إلى عشرات السنين. كم هي كبيرة خسائرنا! كم!
ومع ذلك فإننا كلنا لا نعني لهم شيئا، وعلى رأي رئيس دولتهم إسحق هرتسوغ فلا أبرياء في غزة؛ الرئيس الذي كتب على أحد الصواريخ متمنيا أن يقتل أحدا في غزة .
ومع ذلك فإن شعبنا شعب بسبعة أرواح، كما قال توفيق زياد في مجموعته "عمان في أيلول"، ولعلني أعود إليها في كتابة قادمة! لعلني!
هل تذكرون عنوانها "شعب مقطوع الرأس بسبعة أرواح" لا شعب مقطوع الرأس بروح واحدة.
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثالث والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة

***

84- الشعب الفلسطيني: شعب بسبعة أرواح

للشاعر الفلسطيني الأممي توفيق زياد قصيدة عنوانها "قصيدة مقطوعة الرأس عن شعب بسبعة أرواح" كتبها عن المجازر التي ارتكبت في الأردن بحق الثورة الفلسطينية في العام ١٩٧٠، وقد أصدرها الشاعر في ديوانه " عمان في أيلول ".
لم يكن الشعب الفلسطيني في تلك الأيام تعرض لمجازر كثيرة تكاثرت مع توالي السنين، أو أن المجازر التي ارتكبت بحقه لم يذع صيتها ويتكشف أمرها - أعني المجازر التي ارتكبت في عام النكبة ١٩٤٨؛ مجزرة دير ياسين في العام ١٩٤٨، ولاحقا قبية والطنطورة، وكفر قاسم في ١٩٥٦ والسموع في ١٩٦٦. وإذا ما استثنينا الخروج الكبير من الوطن فإن حجم المجازر التي ارتكبت لاحقا فاق المجازر المذكورة أضعافا.
وبدأت منذ العام ١٩٧٠ المجازر ترتكب من الأنظمة العربية وكان حجمها أيضا مهولا. في الأردن وفي لبنان تحديدا . وفي ١٩٨٢ واصلت إسرائيل مهمتها التي بدأت في العام ١٩٤٨، والكتابة تطول.
في العام ١٩٧٠ اختار توفيق زياد الانحياز إلى شعبه الفلسطيني وثورته، فكتب ممجدا وهاجم النظام الأردني هجوما عنيفا.
هل أخطأ الشاعر حين نعت شعبه بأنه " شعب بسبعة أرواح"؟
مات زياد في العام ١٩٩٤ ولم يشهد انتفاضة الأقصى واجتياح مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها وما تعرضت له في العام ٢٠٠٢ ، ولم يعش الحروب المتتالية على غزة، وما أكثرها!، وآخرها الحرب الدائرة حاليا وهي الأقسى والأكثر دموية وفتكا وتقتيلا، حتى لكأن الحروب السابقة لها كانت تمارين استعداد لها.
هل كان الشاعر، لو امتد به العمر، ليصمت إزاء ما يجري؟ أم أنه سيكتب لنا ديوانا جديدا عنوانه "غزة والقتلة"؟
لم يخف توفيق زياد في حرب العام ١٩٦٧، ولم يلتزم الصمت. لقد كتب فزج به في السجن وكتب قصائد من سجن الدامون ما زالت دواوينه تحفل بها.
في كتابة سابقة قلت إن المقتلة في غزة تحتاج إلى شاعر بحجم معين بسيسو، والآن، وأنا ألاحظ صمت فلسطينيي ١٩٤٨، أكتب إن الأرض المحتلة تحتاج إلى شاعر بحجم توفيق زياد ليكتب لنا "غزة في أكتوبر وتشرين وكانون " وليكتب عن "نماذج عادية عن شعب غير عادي": "يا " عوض النابلسي"!
في هذه اللحظة أنت تموت
خلف المتراس
إني حتى أبصر روحك
كيف تسيل
مع آخر مقطع
في تلك الأغنية
المكتوبة بالفحم على
جدران السجن بعكا
في ليلة إعدام "
{ ظنيت إلنا ملوك
تمشي وراها رجال
تخسا الملوك
إن كانوا هيك انذال
والله تيجانهم ما يصلحوا لنا نعال
إحنا اللي نحمي الوطن
ونضمد جراحو }
هل قسا عوض الثائر النابلسي على الملوك العرب ؟
لعل ما يفصح عن شخصية توفيق زياد أكثر وأكثر بعض قصص مجموعته " حال الدنيا " وأخص قصة " هكذا نحن " وهي تستحق كتابة .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الرابع والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 84: ب- هل ورطنا الله والغرب ؟

وأنا أرد على رسالة قاريء لما كتبته تحت عنوان " الشعب الفلسطيني : شعب بسبعة أرواح " خطر بذهني الآتي :
هل أراد الله - سبحانه وتعالى - ان ينتقم من بني إسرائيل الذين عذبوا أنبياءه بأن يحشرهم والفلسطينيين في أرض واحدة يقتتلون عليها ، فسلط عليهم الفلسطينيين المقيمين في غزة ، وأكثرهم من أبناء اللاجئين وأحفادهم ؟ ( ورد في العهد القديم في " القضاة " عن صراع بني إسرائيل والفلسطن ، ولم ينجح زواج شمشون ودليلة غير المرضي عليه من قومه وكتب عن هذا معين بسيسو مسرحيته " شمشون ودليلة " ) .
وهل أراد الغرب أن يتخلص منهم في بلدانه بتهجيرهم إلى فلسطين وساعدهم بالأسلحة ليرتكبوا بحقنا مجازر تفوق المجازر التي ارتكبها بحقهم حتى لا يظلوا ينوحوون ويبكون ويتذمرون ويعيرونه بما ارتكبه بحقهم ، فيقول لهم إن ما ارتكبناه بحقكم لا يكاد يذكر بما ارتكبتموه بحق الفلسطينيين ، وهكذا يتخلص الغرب من عقدة الذنب .
أظن أن الجيل الجديد في الغرب لن يتقبل بعد اليوم أي لوم من اليهود على ما فعله أجداده بهم ، فإذا ما وجهوا للغرب لوما أجاب بسرعة :
- انظروا إلى ما قمتم به في غزة ، وما حدا أحسن من حدا . فكوها سيرة البوغرام والهولوكست والمستشار أدولف . أنتم أيضا لديكم أدولف بذ أدولفنا .
ما يجري قد يصيبنا بالجلطة أو أنه سيصيبنا بالجنون وفقدان العقل وقلة التركيز والشعور بالإحباط والنذالة والعجز والعزلة بانتظار الموت ؟
ما يجري في غزة يفوق الخيال ويعجز المرء عن تصوره ؟
" من قال إن الزمن البربري انتهى ؟" .
يا الله !!
خذ شعبك المختار وأقم له دولة يهودية نقية تقية صافية خالية من الغوييم ، أقمها في جنتك الموعودة واترك لنا هذه الأرض الخراب . اترك لنا غزة نعيد تعميرها وأعط لهم من جنتك حصتنا . أرحهم منا وارحنا منهم . هم يريدون دولة يهودية تكون قطعة من الجنة . هم !
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الرابع والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

ــــــــــــــــــــــــــــ


الشهر الأول:

>>>>>>>>>>>>>>

الشهر الثاني

>>>>>>



61: أ - - محو الشعب الفلسطيني
61: ب - سجل مدني
62- "أبناء فلسطين : سوف تعودون إليها ولكن جثثا"
63- روما ونيرون وتكاثرهما
64- خسائرنا وخسائرهم
65- ـغزة في كتابات أبنائها : أتابع ما يكتبه بعض أبناء غزة عما يدور هناك
66: أ- إضراب شامل يعم العالم نصرة لغزة وأهلها ووقفا للحرب
> 66: ب- هل سيصبح العالم فلسطينيا؟
67: أ - دون كيشوت الإسرائيلي
> 67: ب - "لكن قيل ما سأقول":
68: أ - بعض يوميات غزة و ...
> 68: ب - جندي إسرائيلي في غزة يحلم بالزنابق البيضاء
69: أ-- الحرب والتفاصيل الصغيرة : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد
> 69: ب- الحرب والتفاصيل الصغيرة : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد ٢
70: أ - فجر اليوم السبعين للمقتلة وحرب الإبادة: يوميات الحرب
> 70: ب - الحرب والتفاصيل الصغيرة ٣ : الكتابة عن قرب والكتابة عن بعد
71: أ - فجر اليوم الحادي والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة
> 71: ب- إسرائيليون يتحدثون بعقلانية... إسرائيليون ينطقون بعقلية ٣ آلاف سنة خلت
72: أ- "وقفت بوجه ظلامي: يتيما عاريا حافي": توفيق زياد
> 72: ب - اليوم الثاني والسبعون للمقتلة وحرب الإبادة: عاطف أبو سيف والزير سالم وأبو فراس وأبو السخول
73- بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
74: أ- يوميات الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية: "لا تقولوا لي: انتصرنا"
> 74: ب - يؤخذ السبب الحقيقي لطوفان الأقصى من فم (موشه دايان)
75: أ- نلقاكم في كشوف القتلى على شاطيء غزة
> 75: ب- قميص عثمان... قميص[أدولف هتلر]
76: أ- "أيها الواقفون خارج التاريخ: انصرفوا"
> 76: ب- "إسرائيل فوق الجميع" = "ألمانيا فوق الجميع"
> 76: ج- [أدولف هتلر: اتركوني بحالي، فأحفادي بذوني]
77: أ- صباح اليوم السابع والسبعين للمقتلة وحرب الإبادة: مظفر النواب ١٩٧٦
> 77: ب- حمارنا وبريطانيا
78: أ- أدب الخيام من جديد ١
> 78: ب - أدب الخيام من جديد ٢
79: أ- الأسطوانة نفسها: "سنواصل القتال حتى تحقيق الانتصار"
> 79: ب- حبل الكذب قصير : مستشفى الشفاء ومدارس الإيواء والسلاح
80: أ- البريج والمغازي
> 83: ب- عصر اليوم الثمانين لمقتلة غزة وحرب الإبادة
81: أ- أدب الخيام ٣: "كأننا عدنا ٧٥ عاما إلى الوراء : النكبة الثانية"
> 81: ب- أخلاق بعض جنود الجيش الإسرائيلي
82: أ- سؤال جدي تماما : هل نحن حمير ؟
> 82: ب-جندي إسرائيلي يحلم
83: أ- جباليا وخان يونس
> 83: ب- يبحثون عن انتصار حتى لو كان فردة حذاء
84: أ- الشعب الفلسطيني : شعب بسبعة أرواح
> 84: ب- هل ورطنا الله والغرب ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى