عطر النبض.. (دراسات أدبيّة وحوارات) - لكوكبة من الكتاب والمدعين - (عن تجربتي في الشعر والقصة) مصطفى الحاج حسين.

## ديوان: أصابع الرّكام..
- مصطفى الحاج حسين -
/// مقدمة : مرحىٰ للعقّاد الثاني..
بقلم: محمد بن يوسف كرزون
(كاتب وروائي سوري)
عرفتُ الأديب والشاعر مصطفى الحاج حسين أديباً مشاغباً في رواقات مدينة حلب الثقافية المتعدّدة، يكتب قصّة قصيرة مدهشة، مذهلة، تفاجئ القارئ بواقعيّتها الشديدة وبصراحتها المفرطة، وتجعل الكتّاب الآخرين يتمنّون أن يتوصّلوا إلى كتابة نصوص ذات أبعاد فنّيّة تشبه أبعاد قصصه، وأن يمتلكوا الجرأةَ الزائدة التي تميّزت بها قصصه، والتي تسبّبتْ له بمصاعب متعدّدة مع أجهزة الأمن، ومع إدارات النشر الأدبيّة، في سورية، على حدّ سواء.
وهو الرجل الذي تعلّم القراءة والكتابة بنفسه، ولولا سنوات قليلة من سنوات الدراسة الابتدائية لقلتُ إنّه علّم نفسَهُ بنفسهِ.
ولذلك هو يذكّرنا بعبّاس محمود العقّاد، ذلك الأديب العملاق الذي لم يحصّل أكثر من الدراسة الابتدائية، ولكن إذا ذكرنا الأدب العربي وحركة التأليف في الثقافة والأدب فإننا سنضعه ضمن العشرة الأوائل في القرن العشرين بكلّ تأكيد.
وكذلك مصطفى الحاج حسين، الذي أسمّيه «العقّاد الثاني»، ولكن لم تكن ظروف العقّاد الثاني تشجّعه على الظهور، فمشاغباته كانت كثيرة، وصراحته كانت مفرطة، وهو لم ينهج نهج العقّاد الأوّل في السياسة، فلم ينتسب لأيّ حزب، ولم يحمِ ظهرهُ بأيّ شخصيّة أدبيّة معروفة على مستوى سورية أو الوطن العربي.
كلّ ما كان يفعله أنّه رجل لا يجامل أحداً، لا في المنتديات الأدبية والأمسيات، ولا في الكتابات التي تعظّم أو تُلمّع... كانَ مغموساً في إبداع نصوص جديدة، وكان هاجسه الذي يلاحقه مع كل نصّ قصصي: هل تجاوزتُ كتاباتي السابقة وقدّمْتُ نصّاً جديداً؟ مع ملاحقته لهموم البسطاء، ولكيل اللعنات على الفساد والفاسدين.
فالعقّاد الثاني، الذي لم يدرس إلاّ القليل، والذي يكتب ويفوز بجوائز تلوَ الجوائز، ترمقه العيون بشتّى أنواع الغيرة والحسد، ثمّ هم مع ذلك لا يملكون إلاّ أن يصرّحوا له بأنّ أدبه متميّز.
وشاء القَدَر أن أتواصل معه ونحن في مغتربنا التركيّ الذي فرضتْهُ علينا الحرب القذرة الظالمة التي تجري في سورية، وأطلعني على بعض ما يكتب من جديد، من شعر نثريّ حديث، وتذرّعَ بأنّ هموم الغربة، ومعاناته من المرض، قد فرضتا عليه أن يتحوّل إلى القصيدة.
قرأتُ قصائدَه، وهالني ما وجدتُ من مستوى، سواءٌ أكان على مستوى المضمون، أم في الصياغة الفنية وتضمين الصور الجديدة والمبتكرة بل المتألّقة.
وطلبتُ منه المزيد، فزوّدني ولم يبخل عليّ بها، وهو ينتظر رأيي على أحرّ من الجمر، وأنا أتباطأ في الإجابة وبيان الرأي والمناقشة، إلى أن جاء الوقت الذي صارحتُهُ بأنّه شاعر، بل شاعر ماجد، شاعر قضيّة وشاعر فنّ جميل.
ولم أكن أجامله على أيّةِ حال، بل كنتُ أقول كلمتي لوجه الحقيقة الأدبيّة أوّلاً وأخيراً. وتناقشنا في شكل كثير من القصائد ومضامينها، ولم أكن أتحرّجُ في أن أطلقَ عليه لقب «العقّاد الثاني» بكلّ جدارة. وإن كان قد جاء هذا الإطلاق متأخّراً، فكم كان سيفرحه هذا اللقب لو كان أُطلِقَ عليه وهو في الثلاثينيّات من عمره.
ومع ذلك، شعرتُ به وقد انتابته حالة من الخجل من لقبي هذا، فقلتُ له: بكلّ صراحة أنتَ تستحقّه، وتستحقّه منذ مدّة، وسامحني إن جاءَ متأخّراً.
أربعةُ أسفار شعريّة، هي دواوينه التي صدرت له في إسطنبول حتّى الآن، وقد صارت بين يديَّ في وقتٍ عزَّ الكتاب الورقيّ عليّ وندر وأنا في ديار الغربة.
وهناك مفارقتان لا بدّ من ذكرهما في هذا التقديم، ونحن نتحدّث عن العقّادَين:
الأولى: أنّ عبّاس محمود العقّاد قد كتبَ الشعرَ في صِباه، ثمّ عكفَ عن كتابته بعدَ أن أصدرَ، مع عبد القادر المازني، كتابه النقديّ اللاذع «الديوان»، الذي لم يعجبه فيه شعر أيٍّ من المُحدَثين، وتوجّهَ إلى كتابة البحوث والمؤلفات الضخمة في مجالات شتّى؛ ولكنّ العقّاد الثاني، مصطفى الحاج حسين، قد اتّجهَ إلى كتابة الشعر متأخّراً.
والثانية: أنّ العقّاد الأوّل قد تعاطى السياسة، وانخرطَ في الأحزاب التي كانت في عصره، وقد أفاده عمله هذا كثيراً في شهرتِهِ الأدبيّة. بينما لم يدخل العقّاد الثاني في معترك السياسة والأحزاب، وقد أضرّ به بُعدُهُ عن العمل السياسي في شهرته الأدبيّة، إلى أن وفّرتْ له ظروف اللجوء، نتيجة الحرب الإجرامية التي حصلت في سورية، فسحةً من الحريّة في التعبير، فانطلق من جديد، ولو متأخّراً.
ولو جمعنا قصائده التي قالها في حلب، مدينتي ومدينته التي نشأنا فيها، لصارت ملحمة لا تقلّ عن الملاحم الشعرية الكبرى في الأدب العالمي عبر العصور. ولكن لا أدري هل من حُسْنِ طالعنا أم من سوئه، أنّنا من أمّةٍ لا تعير بالاً لمفكّريها وأدبائها وحكمائها وشعرائها... بل هي تدمّرهم كما دمّرتْ آثار الأقدمين في أعرق المدن العربية: حلب والموصل، وغيرها من الحواضر القديمة والحديثة، ولم تسلم منهم المدينة التاريخية الحيّة «تدمر».
لن أطيلَ عليكم، سأدعُ قصائدهُ تتحدّث
، لتغوصَ في وجدانِ كلّ قارئ يمتلك الصدق مع نفسه ويحبّ أمّته.
هذا هو العقّأد الثاني، مصطفى الحاج حسين، فتحيّةً له، وأشدّ على يده وأقول له: انتبهْ لنفسِكَ فأنتَ عملاق أدبيّ من عمالقة الأدب العربي والعالمي، وستشكف الدراسات عن هذا عاجلاً أم آجلاً إن شاء الله.
هذا الديوان
هذا هو الديوان الرابع الذي ينشره العقّاد الثاني، مصطفى الحاج حسين، وقد ضمّنه مشاعره المرهفة، التي نجد تأثير الحرب الفظيعة عليها، بل على كلّ حرف قد كبته، فهو قد عاش في ظروف الحرب سنوات، ثمّ عاشَ ألم الاغتراب، ولا سيّما بُعده على الأهل وعن حبيبته الآسرة «حلب»، تلكَ المدينة التي تسكنه، يقول في قصيدة عنوانها: (وهج السراب):
مهما اقتربْتُ منكِ
وضممتُكِ إليَّ بقوّةٍ
تبقينَ عنّي بعيدةً !!
حتىٰ لو سكبْتُ قلبي
في دمِكِ
ومزجْتُ روحي
بأنفاسِكِ
وأطعمْتُ يديكِ
من حنيني
وانصهرَتْ لهفتي
علىٰ عنقِكِ
وذابَتْ هواجسي
وانفطرَتْ شهقتي
وَبَكَتْ كلماتي
وارتعشَتْ همستي
وخارَتْ نظراتي
وارتمَتْ شجوني
وتساقطَتْ شجاعتي
وانتحرَتْ رغبتي
أحسُّ أنّكِ بعيدةٌ
تبدينَ غائبةً
وعنّي شاردةً
قلبُكِ لا يدقُّ بضراوةٍ
وروحُكِ ناعسةٌ
قبلتُكِ بلا رائحة
وحضنُكِ يتثاءَبُ كالخريفِ
لا صوتَ لأصابعِكِ
لا شغفَ في شفتيكِ
وشَعرُكِ
يتهرَّبُ من ملامستي
لماذا هٰذا الموتُ
ينثالُ من صمتِكِ ؟!
لماذا هٰذا الخوفُ
يطلُّ من عينيكِ ؟!
هل كانَ حبُّنا وهماً ؟!
وهل كانَتْ قصائدُنا
عجافاً؟!
هذا الخطاب في القصيدة ليس موجّهاً لحبيبة بعينها، سوى الوطن وحلب، وتبدو معالم حلب واضحةً أكثر في القصيدة الأخرى التي عنوانها «العصيّة»:
في قلبي وجعٌ وبكاءٌ
وفي روحي دهشةُ الأبرياءِ
وأسئلةٌ تنمو في داخلي
في كلِّ صبحٍ ومساءِ
وحيرةٌ تعصف بي
وارتباكٌ وخوفٌ
وصوتٌ يصرخُ في فضائي
وماذا بعدَ كلِّ هٰذه الدّماء؟!
بعدَ هٰذا الدّمار
يا أخوتي يا أصدقاء !!!
تتسابقونَ إلينا وعلينا
تسوقونَ بمحبّةٍ لبلدِنا
الموتَ والفناء !!!
يا لَكُمْ مِنْ أوغادٍ جبناء
هيهاتَ لكم
أنْ تطفؤوا نورَ اللهِ
فنورُ الخالقِ يتجلّىٰ
في حلبَ الشّهباء
لا تظنّوا أنّكم ستنتصرونَ
مُحالٌ لكم هٰذا
يا أغبياء
ستبقىٰ سورية عصيّةً
علىٰ الأعداء
هكذا قال السلطان وهنانو
وصالح وكلّ الشّهداء
فرغم كلّ ما حلّ في هذه المدينة من ويلات يبقى نور الخالق يتجلّى فيها، ويزيدها تألّقاً، ويزداد عشقه لها. بل نراه يسكب قهره ووجعه في قصيدة وهو يتألّم كما تتألّم حبيبته «حلب»، فيقول في قصيدة (ندىٰ عمري):
في لغتي أسمُكِ أوَّلُ الكلماتْ
وما أنتِ كلمةٌ أو نجمةٌ
أسمُكِ في روحي آياتْ
موجودٌ في دمي منذُ خُلِقْتُ
وإلىٰ آخرِ اللّحظاتْ
لا أعرفُ إلّا أنتِ
ولا أهوىٰ سوىٰ عينيكِ
مهما عشتُ وطالَتْ بي الحياةْ
سأبقىٰ أحبُّكِ وأعشقُ طيبَكِ
وأقبِّل ذكراكِ بعدَ المماتْ
حبيبتي أنتِ غَصْبَ غربتي
فاتنتي ومهجةُ أحلامي
مهما توسّعَتْ وامتدّتْ بيننا المسافاتْ
لَمْ أجدْ غيرَكِ لأعشقَها
لا بديلَ عنكِ
بينَكِ وبينَ قلبي ذكرياتْ
سأظلُّ أناديكِ وأكتبُ عنكِ
أغنّي أشواقي دمعاً وآهاتْ
أنتِ للضّائعِ منارةٌ
وللمتيَّمِ اليائسِ الحائرِ صلاةْ
أحكي عنكِ للضَّوْءِ إنْ أظلمَ
وللبحرِ لو تيبَّسَ موجُهُ
وللّيل لو ضاقَتْ عليهِ السّاعاتْ
جلُّ وقتي وكلُّ نبضي
ومعظمُ صمتي وسائرُ بَوْحي
عَنْ موعدٍ من صوبِكِ آتْ
هيهاتَ أنسىٰ وجهَكِ
قريباً ألقاكِ وأغمرُكِ بالقبلاتْ
حلبٌ أنتِ
مدينةُ السّحرِ والأمنياتْ
أَسْمِعي روحي صوتَكِ
عطشَ قلبي أحييهِ بالأغنياتْ
أنتِ ندىٰ عمري وأوجاعي
مهما حالَتْ بينَنا السّنواتْ
وينساب الديوان شعراً صافياً عذباً يحمل الشجن والألم، ممزوجاً بعبق الحضارة والأمل، مع الصور البديعة الطريفة الجديدة المتجدّدة التي كان يبثّها في كل جملة شعرية يصوغها.
إنّه ديوان يستحقّ مع بقيّة الدواوين التي أصدرها دراسات متعمّقة في فنّه الشعريّ وشخصيّته الأدبيّة الناضجة والمتميّزة، بل يستحقّ من القرّاء أن ينهالوا عليه، لأنّه قد سكبَ فيه معانيَ العطاءِ والألم والأمل، فتحسُّ أنّه نابضٌ بالحياة، رغم كثرة ذكره للموتِ، الذي يختطف كلّ يوم بفعل جرائم الحرب الوحشيّة عدداً كبيراً من أهل وطنه، دونَ وجهِ حقّ.
محمد بن يوسف كرزون
نيسان/أفريل 2017
(بورصة – تركيا).
## قصيدة: (وطني)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
لشاعرة والناقدة: (سميا صالح):
(قراءة في شعر الشاعر الصديق:
(مصطفى الحاج حسين):
تطالعني وأنا أقرأ للشاعر صورٌ قاتمة ومخيفة.. حملتها مخيلة الشاعر من ذكريات ارتسمت في زمن موبوء بالعنف والموت والدمار. إنها الحربُ التي لم تبقِ ولم تذر من هذا الوطن شيئا.
الأفق عند الشاعر مغلق, حدّده السواد
من كلّ جهاته, فأصبح سديما, حاول الشاعر أن يفتح فيه دربا للخروج , لكنّ كلّ الدروب متشابهة, درب الوطن ودرب الغربة ودرب الحياة ودرب الموت, درب الصمت ودرب البوح, تتعانق جميعا في (عتمة بكماء),
والحلم القادم أبكم رمادي, والسراب الخادع ينتظر على خط الأفق, فلا مطر ولا أمل, كلّ ما هنالك خراب ودمار وهزائم وصدى قصيدة تائهة خائبة, تعض حروفها الخيبة, والأرض
تحبل بالموت والدماء, والضحايا,
والفرح جثة, والضحكة مبتورة الأصابع
, ... هذا هو الوطن الممزق الخرب, يحترق بيد أبنائه, لم يبق منه سوى ركام وقبر ...
الشاعر مولع بحب الوطن , ومولع بصناعة الصور الشعرية, مفرداته واضحة, وجمله قصيرة تلهث خلف الفكرة, وكأنه يتعجل الوصول, فالسفر في غربة الروح انعكس على لغة الشاعر, من دروب وجهات وانتظار
وحلم العودة أو الوصول... يرسم الشاعر صوره بريشة الحداثة , فيطوع المفردات واللغة لمعان جديدة, متخذا من التضاد وجمع المتناقضات وسيلة للتعبير:
(وطن من خشب مولع الكبريت)..
يعتمد الشاعر على ألوان الموسيقى الداخلية مفردات ترقّ حينا وتفخم حينا آخر (شفيف قبر... تمجد انتحارنا)
.. تجربة شعرية ناضجة, في سردية مباشرة ورمز شفاف.
الشاعرة سميا صالح.
* وطني..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
في دمي
دروبٌ لائبةٌ تبكي
والجّهاتُ تصهلُ
في عتمةٍ بكماء
وجمرُ انتظاري يصرخُ
في عروقي
ياحلمَ الرّماد القادم تدثّر
في وهجِ الظّلالِ الشّاردةِ
يالسعةَ التّنفس في حلمي
اقتربي
من بئرِ السّراب
قد غارت الأرضُ
في سقمِ المدى الجّريح
وتيبّسَ السّحابُ تحتَ أجنحتي
في كلِّ ارتحالٍ
يطالعني سديمٌ قميءٌ
ويمتشقُ الخراب هامتي
يشيّدُ من لهاثي
قوس انتصار الهزائم
قصيدتي يتلقّفها الصّدى
وأحرفي تعضُّ خيبتي النّابتة
أرى الأرضَ تتدحرجُ خجلى
في باطنها تنمو الدّماء
حُبلى بجثثِ الفرحة
والضّحكةُ مبتورةُ الأصابع
أرى الموت يُولمُ للعدمِ
موائد الدّم
وأحسُّ أن بلادي
تتقمّصُ شكلَ الرّكام
في يدها خنجرٍ
تطعنُ عفّة الرّوح
دمعٌ ينبتُ على أغصانِ العراء
مطرٌ متوحّشٌ يكنسُ جذوتنا
وليلٌ متحجّر الوقت
ينقضُّ على نشيدنا الوطني
وطنٌ من خشبٍ مولعٌ بالكبريتِ
فضاءٌ من اختناقٍ شفيفٍ
قبرٌ من هتافاتٍ بيضاء
تمجّدُ انتحارنا.*
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
## قصيدة: (عنوان السّماء)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
الشاعر والناقد: عبد القادر أبو رحمة.
مرّة قال الشاعر الكبير (محمود درويش) فجأة لم نعد قادرين على السخرية، دون أن ينتبه الخوف وتنتبه القهقهات الشيطانية، حمل الشاعر والأديب (مصطفى الحاج حسين) سخريته وأوراقه وحكاياته ووطأ أرض القصيدة، قادماً بإقدامٍ وشجاعةٍ إلى عالمنا من الباب الواسع ومن فعله المضارع المستمر بكامل ألقه وأناقته، تاركاً خلفه وتحته وفوقه وأمامه، زمان القصة القصيرة، التي برع فيها شاعرنا وأديبنا حتى الدهشة.. لا زلت أذكر أسلوب أديبنا (مصطفى الحاج حسين)
، في قراءة القصة وأتخيّله أمامي يلقي علينا قصيدته (حلب.. عنوان السماء)، بأسلوب مدهش ومتوتر ومشدود، لا يترك لك مجالاً أو فسحة كي تحيد أو تسهو أو تلهو عمّا يقول وينطق.. حلب مدينة الشاعر والقاص، حلب البيضاء، حلب مدينتي، مدينة الأدب.. هي عنوان القصيدة.. المدينة القريبة من الله والموت والعالم، حيث يبدأ الشاعر بأنسنة الأشياء والأسماء فنجده يسمع ويطير ويحلّق ويتهاطل.. إلى آخره.. كلها أفعال إنسانية مستمرة ومترابطة راكضة صوب السماء.. فيتم التّداخل والتفاضل والتكامل بين الشاعر ومدينته، كم هو مؤلم وحزين أن يبتعد الشاعر عن المدينة التي ولد فيها، وعاش أيام الصبا والمراهقة في حواريها وأزقتها، تنشق هواءها، ويبدأ يبني أحلامه لبنة لبنة على أسوارها وأبوابها، إلى أن جاء الموت بأنيابه، ليقطف زهورها ويسمّم ماءها وهواءها
الشاعر والناقد الفلسطيني
عبد القادر أبو رحمة.
* عنوان السّماء..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
أسمعكِ تناديني
أرهفُ أجنحةَ روحي
يصيخُ إليكِ دمي
وتطيرُ لعندكِ لهفتي
تحلّقُ بي خطواتي
أسابقُ شغفي
يركضُ خلفي الدّرب
وتتقافزُ الورود من قصيدتي
تحتاطكِ سماء نشوتي
تتهاطلُ عندكِ أمنياتي
وترنو نحوكِ سهوبي
تمتدُّ أصابعُ المسافات الرّاعشة
لتحنو فوقَ لهاثي الغيوم
وتفتح لي الفرحة ذراعيها
الأرض تتضرّجُ بأشواقي
ويتهافتُ منّي ظلّي
سيلامسُ نبضي سفوح ضوئكِ
سيحضنكِ احتراقي
وأقبّلُ جبينَ شهوقكِ
نمت على أطرافكِ أغنياتي
وأينعت تحتَ ظلالكِ
أمطاري
سأسكبُ أيّامي على مرجانكِ
سأزرعُ قامتي في بساتينكِ
وسيثمرُ حبّي لكِ النّدى
وأقدّمُ لكِ من حطامي
تاج البهاء
حلب ياعنوان السّماء.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## مجموعة قصصية:
(قهقهات الشيطان)..
مقدمة: (القاص مصطفى الحاج، كما عرفته)..
بقلم:(الشاعر المرحوم أحمد دوغان)
(مصطفى الحاج حسين)، عرفته من خلال اللقاءات اليوميّة، أثناء مروري أمام نادي الضباط يومياً للذهاب إلى البريد بحثاً عن رسالة جديدة أو بريد ثقافي. وكنتُ أجدُ في (برّاكته) شيئاً من الراحة.
هذه البرّاكة التي أصبحت محطّةً للأدباء، يقلّبون فيها الصحف السورية والعربية، وكلٌّ يبحث عن ليلاه، ومرّةً ثانية التقيتُهُ في أمسية أدبيّة في معهد السكرتارية التابع لجامعة حلب.
المرّة الثالثة التي قرأتُ فيها (مصطفى الحاج حسين)، اسماً يفوز في جائزة سعاد الصبّاح في مجال القصّة القصيرة عام 1994.
وُلِدَ (مصطفى الحاج حسين) في مدينة (الباب) التابعة لمحافظة حلب 8 شباط عام 1961، أُدخِلَ المدرسة الابتدائيّة، إلاّ أنّه لم يكمل هذه المرحلة وإنّما هام في مدرسة الحياة، لذلك ينطبق عليه المثل الشعبي:
(إن لم تعلّمه العلاّم، تعلّمه الأيّام) وقد علّمته الشيء الكثير.
إذاً، (فمصطفى) لم يَنَلْ من الشهادات ما يزين به صدر الألقاب، لكنّه أكبّ على القراءة والكتابة، حتّى استطاعَ أن يمارس الكتابة الإبداعية. وليس هذا عجباً، فقبله الكثير من الأدباء، وأذكر على سبيل المثال الأديب المصري شاعر البؤس (عبد الحميد الديب)، ومن حلب الأدباء: (مصطفى البدوي، وسعيد رجّو، ونيروز مالك...) وكان لأديبنا ما أراد.
فقد نال أكثر من جائزة أدبيّة في مجال القصّة محلّيّاً وعربيّاً، أذكر من تلك الجوائز:
•جائزة اتحاد الكتّاب العرب بحلب 1993، 199.
•جائزة المركز الثقافي العربي بحلب عام 199.
•جائزة سعاد الصبّاح للإبداع الكويت 1994.
ولطالما نحن بصدد الجوائز الأدبية، فقد فاز (مصطفى الحاج حسين) في إحدى هذه الجوائز العربية، ولمّا اشترطت لجنة الجائزة أن يكون المتقدّم للجائزة من حَمَلة الشهادات فقد حُرِمَ (مصطفى) من هذه الجائزة. ولمّا كانت الحياة مدرسة (مصطفى الحاج حسين)، فقد وهبه الله السّخرية ليوظّفها في قصصه دون تكلّف، وإن امتدَّ الرقيب الاجتماعي إلى هذه الموهبة ليقول لصاحبها:
ألا يكفيكَ أن تكتب قصّة؟ وأعود إلى المثل الشعبي لأواجه به (مصطفى الحاج حسين)، وأقول له:
(أنتَ مسبّع الكارات)، ولا فخر.. ويبدو أنّ المهن التي زاولتَها غير كافية، فانتظر مزيداً من الانكسارات عبر المهن التي تنتظر، بدءاً من البناء إلى التطريز الألكتروني.
أمّا الأدب عامّة، والقصُّ خاصّة، فإنّ (مصطفى الحاج حسين) قد قبل أن ينتسب إلى هذا الجنس الأدبي مشاغباً خفيفَ الظّل، مع أنّه صاحب قصّة (إقلاق راحة) وقصّة (تل مكسور)، وقصّة (اغتيال طفولة). لذلك لا يفرح الشيطان كثيراً عندما يقهقه في وجه (مصطفى الحاج حسين)، لأنّ القصّة لديه انتصار للبسطاء.. لهويّة الإنسان، بعيداً عن شظايا الإنسان الآلي
أو إنسان الذّرّة.
فالقصّة التي يكتبها (مصطفى الحاج حسين) هي من لحم ودم وروح هذا الجنس الأدبيّ.
أعتقد أنّني في هذه الكلمات لم أصادر رأياً، وإنّما عزمتُ على قراءة المجموعة بطريقتي الخاصّة، ولكلّ قارئ رأيه.. لذلك أقول: إنّها دعوةٌ للقراءة.
أحمد دوغان .
حلب 1997 م
## (تابوت الندى)..
للشاعر: مصطفى الحاج حسين..
بقلم: الأديب المبدع والناقد العراقي.
(حيدر الشّماع)..
الإنزياحات التركيبية..والسّرد التعبيري
(ان البشر يحسبون أنهم أحرار ولكنهم مرغمون ومحددون ولكن توهما يدغدغ أناتهم ويغذي كبريائهم)..
تتجلى قوة أي نص سردي يحمل رسالة محددة ولكنها مضمرة تضمينية، في خلق انزياحات خلاقة متجاوزة لما سبق لتثبيت معان تحفز المتلقي إلى مشاركته الوجدانية التفاعلية للتوصل إلى المغزى تأويلا، فالإنزياح من الظواهر الأسلوبية في اللغة لتتخريج أنماط تعبيرية لغوية دلالية لافتا شد انتباه المتلقي لهذه الرسالة الكامنة وراء الالفاظ ولم تكن صدفة أو اعتباطاً استعمال هذه التقنية التعبيرية بل عن وعي تام وتبصر وافي في توسيع مدى الدلالة إلى البنية العميقة للنص، إن الإنزياح كان مقصوداً ليخدم مواقف فكرية وهواجس دفينة للمضمر والمسكوت عنه والرؤى الشعورية واللاشعورية كما وصفه جاكوبسن (الانتظار الخائب أو خيبة الانتظار)، من خلال انزياح دلالي تركيبي وايقاعي،
(ودّع، لوّح، سدّد) (جسد اللحظة
اختناقك النسمة، انهيار الضوء) (ظرفية زمنية ممتدة)، (جف نهر البريق وتسامق جدار الهزيمة) (يا أمة التلاشي لاشئ يبقى الا الرماد)، أن اللعبة الزمنية الضمنية المضمرة هي الاكثر ادهاشا في عملية الوصف والاكثر نصاعة في التلقي والاشد وعورة في البحث والخط الممتد في التأويل والاكثر قدرة على الإبهار حين يمتد في أفق واسع وبعد شاسع في مراميه ومنحنياته ،ولايمكن أن يؤطر حيث يمنع اللغة أن تصف وتتفنن ولكنها تكون أشد وقعا وخطورة في بيان المعنى والتسلل الى ماورائيات المعنى ورؤاه المتغيرة والمتوالدة التي تتعايش مع الواقع الاني، (اللحظة النسمة لاشئ يبقى التلاشي جف نهر بريق)، يمكن ان نفهم مستوى التراكيب بعد ان نستمد كل مفردة من سابقتها ولاحقتها والفعل المتعلق بها أو قيمتها الحضورية وما تثيره من اشراقات أو اسقاطات في ذاكرة المتلقي من خلال التعاقد بين الاشارات والانزياحات التي نجدها تستنطق ابعاد تأويلية عميقة وابعاد اسقاطية بالفاظ اشراقية ضمن خطاب سري تحوي كثيرا من الجدل، إن وظيفة الشاعر ليست فقط رؤية آنية لحظوية وإنما تجاوزها وهي ليست وظيفة آمنة،إن دعوتها تعني تبني فكرة الهدم واماطة اللثام والتحيز وفق رؤى تتطلب تراكيب مستحدثة في ملمح فني خصب يمكن أن تجني ثمار فكرية ناضجة ، (تراكض أروقة هلاك) (نوافذ بلا أنفاس ابواب بلا أجساد البحر التصحر
التشرد البراري الى غير جهة
يمضي الحنين).
هنا يقوم التوازن بين الثنائيات الضدية فيها الايجاز وعمق المعنى والحلم والواقع يبقى كل عنصر محافظا على وجوده لايجتمعان لأن جوهر التناقض هو التوازي حيث يتمثل عالمين أو حالتين لنفس الحدث،(بلا أصابع يقبض علينا الانحسار يا أمة الانهيار تماسكي وتمسكي بالقشة العاثرة (كالغريق يتمسك بقشة)، (سيضحك التأريخ منا
الذي سنسقط من ثقوبه
بلاشفقة إ
إلى العدم).
الشعر هو ذاته توهج لحظوي مطلق واحتراق ذاتي ولكنه متشظي،يرسله الباث الى الذوات لايترك رمادا ولكنه اطلاق لحمولات خزائنية متوارية من المحسوسات المضمرة والآنية لفتح ابواب مواربة لحركتها التلقائية وحرية لافتة من خلال الافعال الدينامية، أو حالة الانهمار في الذات التي سببها الانهيار للعوالم التي تتساقط في رؤى العالم ورؤى الشاعر حيث يقف الاحداث (كفكرة)والشاعر (الراوي) و (الزمن) الظرف المتحرك والمكان والعالم والاشياء وهنا تكون السببية والنتيجة غير محسومة.
الاديب حيدر الشماع ..
العراق
* تابوت الندى..
َودِعْ جَسَدَ اللحظـةِ
لوّح باختنـاقِكَ للنسمـةِ
سَدّدِ اْنهيـارَ الضـّوء
لا شيءَ يبقى إلّا الرّمـادُ
والسّكونُ ينـوحُ مِن غيرِ أجنحـةٍ
يا أمّـة التّـلاشي
جفّ نهـرُ البريـقِ
وتسـامَقَ جدارُ الهزيمـةِ
وتراكضَ الدّمعُ في أورقَـةِ الهلاكِ
النّوافـذُ بلا أنفـاسٍ
الأبـوابُ بلا جَسَـدٍ
والبحـرُ تشرّدَ في براري التّصَحُّرِ
إلى غيرِ جهـةٍ يمضي الحَنينُ
بلا أصابعَ يقبُضُ عَلينا الانحسـارُ
يا أمـّةَ الاِْنهيـارِ تماسَكي
وَتَمَسَّكي بالقشةِ العاثرةِ
سَيَضحَكُ منّـا التـّاريخُ
الذي سنسقُطُ من ثُقُوبِـهِ
وَبِلا شَفَقَةٍ سَيَأخُذُنـَا العَـَدَمُ
يا أمَّـةَ الحـاكِمِ الأوْحَـدِ!.*
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
## قراءة في قصيدة..
(مفاتيح الضّوء)..
/// للشاعر والأديب السوري: (مصطفى الحاج حسين).
بقلم: الشاعرة والناقدة الفلسطينية:
(جهاد بدران).
مفاتيح الضوء.. هو عنوان يحمل في جعبته الكثير من التأويلات، ويطرح من الخيال الكثير من التصورات، ويدفعنا نحو التدبر والتفكر في حدود أبعاده، فالشاعر بلوحته الفنية الراقية وتجربته الإبداعية، استطاع سلب الوقت منا لنكون على موعد مع معالم الصور والاستعارات البارعة لتحريك مفردات اللغة وفق الحس الداخلي والخارجي بترابط وإتقان مع روح النص لتوسيع بؤرة المعنى الإشاري، وإحياء الرمزية للوطن المسلوب، لتساهم في تفاعل إحساس المتلقي مع عناصر النص، بلغة ممتلئة بالدلالات المعبرة من خلال شحن الألفاظ بالصور البارعة لتوقظ العواطف لدى المتلقي من خلال اللغة التصويرية والاحتراف في تراكيبها البنائية...
ولا عجب بهذه البراعة وقد استخدم الشاعر سبعة عشر فعلًا مضارعًا، ليوحي للمتلقي بالكم الهائل من الحيوية والحركة والاستمرارية للحدث وأن هذا الوجع ما زال مستمرا في مسامات الوطن وما يزال ينخر بين جدرانه استمرارية تلقي ضربات السياط من كل جانب...
النص يحتاج المزيد من الضوء لأنه يستحق تشريح معالمه وتوسعة في المهارات اللغوية التي استخدمها الشاعر..
العنوان وحده يفتح الآفاق على الأمل من خلال كلمة/ مفاتيح الضوء / فقد جعل من مفرد المفتاح جمعا، لتوسيع أعناق الأمل، فالضوء جعل مفاتيحه من القلب من أعماقه، وهذا يعدّ ذكاء وحرفية في انتقاء ألفاظه، لأن القلب له دلالات العقل والحب والمشاعر والحياة ، وتوقفه يعني توقف نبض الحياة، وهذه صورة بارعة جدا في رسم حدود الوجع والمغموس بالأمل..
بورك قلم الشاعر الكبير أ. (مصطفى الحاج حسين) على جمال النسيج الأدبي الفاخر، والشكر لصاحب الضوء في تسليطه الضياء على لوحة تستحق الوقوف تدبرا وتأملا أمام واجهتها والتصفيق الحار... رعاك الله ووفقك في مشوارك الأدبي..
. جهاد بدران/فلسطينية.
=============================
القصيدة:
* مفاتيح الضّوء..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
تتساقطُ منّي خطواتي
لتلتهمَها الدّروبُ
وأراني أبتعدُ عن أنفاسي
يستظلُّ بي لهبُ البكاءِ
يشربُ من تعرّقي جرحُ السّراب
أمشي في عتمةِ أوجاعي
يسابقُني التّعثّرُ
يصطدمُ بيَ الوراءُ
ويحملني سقوطي
على أكتافِ الخيبةِ الزّرقاءِ
أقع في سردابِ غصّتي
متمسّكاً بجذوةِ الاختناقِ
يا أيّها الرّاحلُ عنّي
يا حلميَ النّازفَ موتاً
مهلاً
خذ ظلّي عكّازاً
تسنّد على انكساري
وعرّج على تنهيدةِ الماءِ
دعِ النّسمةَ تقشّرُ يباسي
واترك للغيمةِ أن تسلبَني
من جوفِ الجمر
زوّد أجنحتي بالأفقِ
والتقط من قلبي
مفاتيحَ الضّوء
سأعبرُ المسافةَ المخثّرةَ
ما بينَ موتي وأحرفي اللائبةِ
على فتيلِ الكلامِ
أشيّدُ وطناً من صقيعِ الاغترابِ
أسوّرُهُ بالمدى الصّاهلِ
حدودُهُ امتشاقُ النّدى
بحرُهُ موسيقى الحنينِ
سكّانُهُ
يمشّطون جدائلَ السّلامِ
كلّما تثائبَ الغمامُ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## (لهيب)..
الناقد والأديب المصري المتميز :
(زين المعبدي)..
قراءة في قصة: مصطفى الحاج حسين
لاشك أن المغزى عميق
ولا شك في أنك كاتب موهوب
السرد ماتع ومشوق
الاشخاص والأماكن والحوار لازالوا محض نقاش الزمان الخفي جعل للقصة آفاق مفتوحة كما كان يفعل الألماني فرنسيس كافكا
قصة واقعية عجائبية
ممتلئة بالسوداويه العبثية
وهذا واضح في بيات الغزيزة البهائمية التي نملكها نحن البشر وتخرج في بعض الأحيان وهذا واضح في مراقبة سميرة وتدرج نموها بشكل ملحوظ لدى المقصود مع مراعاة صفعة الاخت حين طلبت نفس الفعل رغم من صلة القرابة
وكأني اقرأ في رواية القلعة والمحاكمة للمدعو (كافكا)
المشهد عبثي والعبثية في الادب مذهب يستخدمونه في الروايات المسرحيات التي تركز تجارب الإنسان الشخصية
ويعالج هذا النوع موضوعات لا إرادية وقد تكون عدمية
وعلى الرغم من ذلك أيضاً نلاحظ أن السمة المميزة لها ليست الكوميديا والهراء وانما سمتها الأساسية دراسة السلوك الإنساني تحت ظروف واقعية أو خياليه وهذا المذهب لايحكم على الشخصيات بل يترك هذه المهمة للقارئ فالمغزى الأخلاقي غير محدد.
وهذا واضح مذ ترقب فوران الجسد ومحاولة خوض الحوار مع سعاد
وتمنعها ومكر البطل وحنكته
والتلذذ بالعذاب الجسدي حين غرست أنيابها في يده رغم الالم يتلذذ بالمتعة في التعذيب وهذا ما يسمى (بالماذوجية أو الماسونية)
بيد أن المكان أشعر وإن الطرفان جيران والمدعو عتيق العمر وجاءت لغة الشخصيات التي تتمثل في المتحدث وسميرة والاخت لغتهم سهلة بسيطة
برغم عناد المرأة (سميرة)
فهو يظهر قوتها وحريتها
ومكر المقصود
قصة ماتعة
دامت أناملك لكل ما هو ماتع.
زين المعبدي.. القاهرة
* - لهيب..
لقد نضجت "سميرة"، سنوات وأنا أراقب نموّ جسدها الأسمر، وهاهي تبرعم، وتشبّ طولاً ، فتغدو أطول من أختي" سعاد". شعرها الأسود يثير شهيّتي لاستنشاقه، وأسنانها النّاصعة تجعلني أحلم أن تعضّني، دائماً أتمنّى أن تعضّني، لا أدري لماذا تسيطر عليّ هذه الرّغبة؟! كلّما رأيتها تبتسم فتنفرج شفتاها المكتنزتان عن تلك الأسنان اللؤلؤية.
وذات يوم أردت أن أحتال عليها
حتّى أحقّق حلمي فأخذت أتباهى أمامها بقوّتي وقدرتي على التّحمل، وحين أخذت تسخر منّي، قلت:
- هذه يدي.. خذي وعضّي عليها بقوة، مزّقي يدي إن استطعتِ.. عندها سترين مدى احتمالي.
في البدء لم تقبل هذا التّحدي، دفعت يدي عنها، وقالت ساخرة:
- أخاف أن تبكي.
صرختُ وكانت رغبتي ناراً تتأجج بداخلي:
- جرّبي، لكِ أن تقطعي يدي، إن استطعتِ أنا أتحداكِ.
وانقضّت "سميرة" على يدي، غرزت أسنانها في رسغي، وتوقّد ساعدي عندما لامسته شفتاها، وشعرتُ بنشوة لا توصف، نشوة غريبة ممزوجة بالألم والسّعادة، فأخذتُ أهتفُ فرحاً:
- عضّيها أكثر، بقوة فأنا لا أتألم.
أحسستُ بأسنانها تنهشني، تمضغ قلبي ، وتمنّيت أن تطول هذه اللحظة إلى الأبد.
اكتشفتُ أنّ اللذّة تنبع من الألم
، لذّة مجنونة، فتأوهتُ من النشوة، وظننتُ أنّ دمي سيتدفّق من خدّي المحمرّين، فمددتُ يدي لأشدّها من شعرها، انحنيتُ فوقها لأتنشقه، لكنها سرعان ما تركت يدي.. وابتعدت، فهتفتُ أتظاهر بالانتصار:
- لقد هزمتكِ.. كسبت الرّهان.
واقتربت أختي منّي، استهواها هذا التّحدّي، قالت:
- تعال.. أعضّك أنا.
ولا أدري كيف.. ولماذا.. صفعتها على خدّها بقسوة، وخرجت.
حلب
## د. عودة الحجامي...
فعلاً ما أشيد بأديبنا الشاعر والكاتب
(مصطفى الحاج حسين)...
حقاً ظمأ يتميز به من حبكة الحروف وانسيابيتها دون تعثر بين السطور فهو كاتب القصة والرواية الرائعة كان ياخذ مساحة مميزة في اختيار الموقع والاشخاص ويتفاعل مع الحروف ويشد القاريء لقراءة مايسطره قلمه من حروف يتميز فيها الإبداع والجمال والفطنة والحكمة...
فانه يدخلك في القصة كانك الكاتب والراوي والقاص وتعيش أجوائها وظروفها وأحيانا يخلق في القاريء التحفيز والكتابة أو النقد الأدبي فيما يقرأه من كتابات الأديب الكبير (مصطفى الحاج حسين) فهو كاتب عصره وقصصه مأخوذه من واقعه الذي عاشه ومن سفره والعيش في الغربة..
أسقط ذاته في شخصيات القصص كما في علم النفس أحيانا إذا أراد أن يروي عن حياته يبتكر الشخصية القوية ليضع صفاته فيها ، ولايشعر القاريء بأنه هو المقصود في الرواية.. وهذا هو فن الاسقطاط في علم النفس...
فهو فيلسوف القصة القصيرة ولديه القدرة على الاستمرار وخلق الشخصيات والمساحة والزمن لروايته الجميلة..
تحياتي للشاعرنا وأدبينا القاص الأستاذ
(مصطفى الحاج حسين)...
أتمنى له الصحة التامة لنقتبس منه النفيس من الروايات والقصص والشعر بأنواعه العمودي والنثري.
الاستاذ د.عودة الحجامي
العراق
## قصيدة: (هَمَسَاتُ الرَّحيل)..
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
الناقد والشاعر والأديب المغربي ..
(محمد الطّايع)..
معا وفي ظل هذه القصيدة الرائعة – همسات الرحيل – نستمتع باكتشاف آفاق جمالية بلاحدود، مع لغة تحتفي بمفرداتها، ودلالاتها الشديدة الإيحائية، تهيب بنا أن نصغي لدندنة متواصلة غير منقطعة النفس، لحالة الفقد بعد وهم الفوز بمفاتن معشوقة عاتية مستبدة من آياتها أن تترك عاشقها فريسة لأحزان الرحيل، تتخذ القصيدة من الهمس لغة لها، همس قاسي يشبه الريح السموم تنفخه في قلب المحب المغلوب على أمره، محاصرا بين الماء والنار غايتها أن تذيب شجاعته أن تثنيه عن خوض غمار العشق، متخذة من لغة الترهيب وسيلة لكبح جماحه، محذرة إياه من مغبة مابعد الغياب، وكأنها الحتمية بكل معناها تجلت في شخص هذه المعشوقة الأسطورية، شبيهة ـ.ميدوسا ـ الغولة التي سافر إليها ـ بيجاجيسيوس ـ طلبا لرأسها، فلا استسلام ولا أمان، نظرة واحدة إلى عينيها كفيلة بمسخه حجرا، لذلك لم يجد البطل بدا من النظر إليها عبر الدرع المرآة، تفاديا لقواها السحرية، وهنا يطيب لي أن أشبه قصيدة شاعرنا مصطفى بالدرع المرآة أو المرآة الدرع، فهنيئا لشاعر عرف كيف يستخدم الفن وسيلة لتفادي القول المباشر، الخبري الذي لايستقيم له طرب الإبداع صورا ومعنى، فلقد أجاد استلهام الصور البلاغية ذات الرمزية الدلالات المتعددة، مما مكنه من استظهار نماذج سابقة، أغراها اقتفاء الأثر، نماذج من البشر والطبيعة سحرهم جمال. الأنثى الخارقة، فكان مصيرهم الحزن المؤبد، هذا الحزن الذي وجب الحذر والتحذير منه، فإلى أي مدى ينبغي الانصياع لهذا المنحى، موافقة وإصغاءا، وهل ثمة مايمكن قوله اعتراضا على ما تذهب إليه قصيدتنا، ربما نعم وربما لا، سأسأل عن الخطاب عن الرسالة الموجهة من هذا الذي تبناها، ومن المقصود بها، هلا حاولنا تحديد هوية المرسل إليه، الأمر أشبه بمتاهة، لكن مع القليل من الصبر والتمعن يمكننا رسم ملامح خطانا، والخروج بخلاصة، ثمة متكلم ضمني اسمه الرحيل، ومتكلم.به هو القصيدة، ومتكلم له هو المتلقي، ومتكلم أصلي هو الشاعر الذي يشكل الفارق العجيب في النص، لأنه ذو وجهين لأننا حين نبحث شخص المقصود بالخطاب نجد الشاعر يقف في المقدمة فهو المعني الأول بنص الترهيب، شأنه شأن الخطيب الذي يقول، أوصيكم ونفسي أولا ، وإذن الشاعر هنا يخاطب نفسه، ثم يأتي القاريء من بعده، لكن القاريء متعدد ومتنوع، وليس كل قاريء ينطبق عليه هذا التحذير، فثمة أناس كثر لن يهتموا لهذه الكلمات المفزعة، لكونهم عشاق أصلا ويعيشون تجربة الحب بسلام آمنين، لكن وحتى يتحقق للشاعر استدراج الجميع إلى ربوع مغامرته وجب الإمعان في النص بنظرة أشد عمقا وشمولية، لنعرف بعد القراءة الثانية فقط، أن هذه المعشوقة ليست سوى الحياة نفسها، فهي بهذا المعنى تغدو موجهة لسائر القراء دون استثناء، ولأن شاعرنا من الأصوات المجددة فهو حتما غير ملزم بتكرار تجربة سابقيه، ولن يتنازل أمام غباء ولا بلاذة ولا استسهال، لن يخبر أحدا مباشرة أن الحبيبة هي الدنيا، فهو قد أعلن منذ البداية أن القول سيكون همسا، وأن الخطاب لن يتخذ صفة المباشرة وإلا ما فائدة هذا التراكم الشعري إن لم يحرك فينا رغبةالتقصي والسؤال، من أجل الإبحار في أشد الأمواج تلاطما من أجل الفوز بالمعنى، حسنا الرحيل محتوم، إنه موت يحبنا مثل أطفاله الموت الرحيل او الرحيل الموت، يصادفنا هنا وهناك، يحذرنا من نفسه، ومن عشق هذه الدنيا الفانية، الفاتنة الغادرة، القاسية، الخائنة، لكن ومع ذلك من منا يملك حرية الاختيار، سنعشقها لامحالة، سنستلذ غمزها وابتساماتها الساحرة الماكرة، ولولا هذا العشق ماكان يليق بنا اسم أحياء، نعم شاعرنا من الواضح جدا ألا مهرب لك، لنا، للجبال، للبحار والنجوم، المغامرة مفروضة، والحب ضروري، تماما كضرورة قول الشعر، وضرورة التحذير المتمثلة في كل ما نسمعه منذ لحظاتنا الأولى ألا نعتقد بأننا خالدون، وأن نحلم بوهم لاأساس له، وأن نستعد للرحيل ربما بعد فهمنا لفلسفة الوجود، ان نتلقاه بابتسامة.
وفي الختام إن لم يوافقني الرأي قاريء، سيجد نفسه أمام دوامة لا مخرج منها، إن هو حاول تبسيط المعنى فذهب في تأويله أن الحبيبة هي أنثى لاغير، بماذا سيجيب فضولي، حين أسأله، كيف عرف الصوت المهيمن الشاعر، الرحيل الهامس القصيدة، أن نهاية هذا الحب ويلات، هل اطلع على الغيب، أم يريد تكريس فكرة يائسة عن الحب، ألا نحب، هذا إن كانت المعشوقة صورة عن جميع النساء، أما إن زلت به القدم ليدعي أنها واحدة بعينها، فإنه غارق في هوة سحيقة، حين يجد نفسه مطالبا بالرد على سؤالنا، كيف عاد الصوت من الفناء إلى الحياة مرة أخرى، كيف لمن جرب الهلاك أن يعود حكيما يعظنا أم أنها فانتازيا لاغير؟.
راقتني جدا هذه القصيدة، لغة وبناءاً ومعنى، كما أنها تمنح ماتمنحه القصائد الأسطورية من متعة، من أجلها نغوص في دواوين شعراء لغتنا المحبوبة، بارك الله فيك شاعرنا (مصطفى الحاج حسين)، شكرا.
محمد الطايع .
المغرب
* هَمَساتُ الرَّحيل..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
وكانَ الرّحيلُ يهمسُ لي
كلّما صادفتُهُ
لا تقترب من سياجِها
ولا تلبِّ نداءَ عينيها
إن غمزتكَ فأنتَ الخاسر
لو شبَّ في قلبِكَ الحبُّ
كلُّ الذينَ أحبّوها احترقوا
وكلُّ الذينَ كتبوا عنها القصائدَ
قتلتهُم قصائدُهُم
هي معتادةٌ ، على مَن يفتديها
وَمَن يعشقُ اسمَها
فقد سبقَكَ الرّبيعُ بكاملِ بزَّتِهِ الخضراء
والصّباحُ بكاملِ أبَّهةِ ضوئِهِ
والليلُ بكلِّ ما بمقدورِهِ أن يختزنَ
مِن نجومٍ وأقمارٍ
حتّى أنّ البحرَ أرخى موجَهُ
تحتَ قدميها ليتباركَ
والسّماءُ تشربُ الغيمَ من عنقِها
فوقَ أصابِعها يُزهرُ النّدى
وتحتَ جفنيها ينامُ الجّنون
فلا تنتحر وأنتَ الضّحيّة
تحطَّمَت من قبلِكَ قلوبٌ كثيرة
تحتَ شُرفتها
وبكت عيونُ القصائد
وأحصنةُ الدَّمِ المتوثِّبة
هي نارٍ لا تطفىءُ لظى قلبِكَ
وهي ماءٌ لا تشعلُ ظمأَ الحنين
لا تقترب من وردها
فيه اختناقُكَ
ولا مِن بوحِها
فيهِ نهايتُكَ
أنتَ لا تحتملُ الهوى
إن هوى بِكَ الفِراق
ورماكَ بغربةٍ مفزعةٍ
ومهما صرختَ
وطرقتَ بوَّابةَ المدى
لن يُفتَحَ لكَ الباب
إلّا والموتُ يحضنكَ
كولدٍ أثيرٍ على قلبهِ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
## الدّكتورة والأديبة:
(سوسن إبراهيم)
تلتقي بالشّاعرِ السّوري :
(مصطفى الحاج حسين)..
وتحاوره.
** هو شاعر وقاص سوري الجنسيّة عربيّ الهوية، اكتشف موهبته في سن المراهقة كتب وابدع وله عدّة دوواين وروايات نال العديد من الجوائز والكريمات، إنّه الشّاعر السّوري
(مصطفى الحاج حسين).
المنتصر..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
أوافقُ على موتي
مقابلَ
أن ألمسَ قبلتَكِ
ستكونُ نهايتي سعيدةً
ستحسدُني عذاباتي
التي طالما لازمتْني
وتغبطُني دموعي السوداءُ
وتفرحُ قصائدي
وتزغردُ أحرفُها التعيسةُ
سأُقْدِم على الموتِ ببطولةٍ
بحجمِ أشواقي
بسعةِ لهفتي
بجسارةِ حنيني
وسأقبِّلُ أنوارَكِ بِحُرقةٍ
وأعانقُ عطرَكِ بجنونٍ
سأحضنُ أنفاسَكِ بقوَّةٍ
وأضمُّ نبضَكِ إلى عطشي
وبسمتَكِ إلى روحي
وصمتَكِ إلى براكينِ لُغتي
سيغارُ منِّي الموتُ
ويضحكُ لي القبرُ
حين يتراءى له نعشي
فوق أكتافِ الغيومِ
تتقدَّم جنازتي
أسرابُ الفراشاتِ الحالمة.
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
السّؤال الأوّل:
بطاقة تعريفية عن شخصيتك بشكل عام ودراستك.
جواب عن السّؤال الأوّل:
- عامل بناء.. حرمت من التعليم قبل إنهاء المرحلة الابتدائية.. من عائلة كثيرة العدد، فقيرة، وغير مثقفة، وسط بيئة متخلفة، ومدينة متشّدّدة.. كنتُ شقيّاً وعنيفاً وعدوانيا.. لكن بعد أن إنتقلنا إلى مدينة حلب، وبدأ الوعي بالتشكل عندي، ودخلت مرحلة القراءة عن طريق الجرائد والمجلات والكتب، بدأت أتغيّر وأتحوّل إلى إنسان مهذّب، لكنه ظلّ شديد الإنفعال والإثارة والغضب والتّمرد والتّهور والإندفاع.
السّؤال الثّاني:
كيف بدأت شاعرنا حياته الادبية ولمن كتبت اول قصيدة.
جواب عن السّؤال الثاني:
- كنتُ أتخيَّل شكلّ الشاعر، على أنّه يشبه شكلّ الملائكة.. أو العمالقة.. لكنّي حين رأيت شخصاً مريضاً ونحيلاً وعاديا، إنسانا مثلنا من لحم ودم.. تشجَّعتُ وتجرّأتُ وهرعتُ لأكتب أول قصيدة لي.. وكانت تقليداً للشاعر الكبير (نزار قبّاني) ووجدْتُ من يشجّعني ويدفعني للمثابرة والإستمرار
والنّهل من الثّقافة.
السّؤال الثّالث:
من هم الشّعراء الّذين تأثرتَ بهم قديم وجديد؟.
جواب عن السّؤال الثّالث:
- (نزار قبّاني)أوَّلاً، ثمّ(محمود درويش)
و(محمد الماغوط)،و(بدر شاكرالسّيّاب)
.. وغيرهم كثر.
السّؤال الرْابع:
هل تفضل الكتابة النّثريه أم القصيدة العاموديّة والتّفعيلة والبحر.
جواب عن السُّؤالِ الرّابع:
- أميل لكتابة قصيّدة (النثر) التي قمت بتغيّر اسمها، حتى أوقف الجدل بيني وبين من يحتجُّ على تسمية قصيدة النثر، وصرت أوقّع قصيدتي باسم (أحاسيس)، وأنا وجدت تسمية (أحاسيس) أقوى وأعمق وأصدق تسمية من كلمة (شعر) مع أنّ الشعر هو الشعر كيفما كتب، على طريقة (العمودي)، و(التّفعيلي)، وقصيدة (النثر).. المهم توفّر الموهبة عند من يكتب، والصّدق، والإحساس، واللغة الجديدة، والصّورة المبتكرة.. لذلك أقول كان (أمرؤ القيس) شاعراً، و(المتنبّي) أيضاً شاعراً، و(بدر شاكر السّيّاب) أيضاً شاعراً، و (محمد الماغوط) أيضاً شاعراً، و (رياض صالح الحسين) مثلهم أيضاً شاعراً، وهذا لانّهم كانوا يملكون الموهبة الأصيلة، لا لأنّ الواحد منهم، كتب على الطريقة التقليديّة.. كلّ أسلوب له زمنه الذي يصلح له، ويساعده ليعبّر عن هذا الزمان.
السّؤال الخامس:
من أين يبدأ الإبداع في الكتابة، من الفكرة.. ام من اختيار المفردة، او بالصياغة الكاملة.
جواب عن السّؤال الخامس:
- يبدأ الإبداع من صدق التّجاوب والتّجارب، مع ما يحدث ويحسّ ويعاني المبدع، وتكون اللغة مفتاح المبدع للدخول إلى عالم الإبداع الواسع، والصّياغة هي من تفصح على أهمّية ومكانة هذا الشاعر المبدع.
السّؤال السّادس:
ما رأيك في تجريد الشّعر من أي مضمون، وقطع علاقته مع الخارج ومع المتلقّي.
جواب عن السّؤال السّادس:
- لا يمكن.. حتى (الصّمت) لا يمكن أن نجرّده من المضمون،(فللصمت مضمون عميق) وعلاقات قويّة مع الخارج والدّاخل، أو المتلقّي.. فكيف للشعر، والشعر يحتوي على عصارة واختلاجات الرّوح، وهو مسبار القلق، والهواجس، والأحلام والرؤية.
السّؤال السّابع:
هل تسلّل الشّعر الى النّص السّردي وصار جزء من مكوناته.
جواب عن السّؤال السّابع:
- نعم.. الأجناس الأدبيّة فتحت أبوابها، لجميع أنواع الأجناس الأدبيّة،
وكان هذا وبشكّل عام، لصالح الأجناس الأدبيّة، فكما تسلّل الشّعر إلى النّص السّردي، كذلك تسلّل السْرد إلى الشّعر، والمسّرح، والفن التّشكيلي.. وفي هذا عافية وتطوّر، ولكن بشرط جودة الإبداع، وعمق الرؤى.
السّؤال الثّامن:
ما رأيك فيمن يرى أن النقد العربي مازال متخلفاً، لأنّه يستورد نظريّاته النقديّة من الخارج.
جواب عن السّؤال الثّامن:
- لو لم ننفتح على الثّقافات الغربيّة والعالمية، لكان مفهومنا عن دور الأدب مازال، مجرّد، مديح، وهجاء، وتفاخر، و رثاء، وندب، ومواعظ، وأنا أدعو للإنفتاح، بشكل أكبر وأعمق.
السّؤال التّاسع:
هل انت مؤمن بمقولة ان الشّعر العمودي او التّفعيلة انتهى زمانهم واليوم نعيش في زمن الرّواية والقصّة..؟.
جواب عن السّؤال التّاسع:
- نحن اليوم نعيش، في زمن (قصيدة النثر).. ككتّابٍ وكقرّاءٍ، لهذا النّوع من الكتابة، فهم الأكثر والأغلب والأوسع،
والسّبب لا يعود إلى أنّ قصيدة (النّثر) هي الأكثر أهمّيّة وضرورة وحاجة، بل لأنّها الأبسط والأسهل.. وكذلك تكتب بأقل وقت من القصّة والرّواية، وأيضاً ممكن أن تكون قراءتها أسرع وأقوى، كوننا نعيش في عصر السّرعة وتكون عادة أقصر، وأقلّ في عدد المفردات.. هناك العديد من الكتّاب والقراء يرتعبون من حجم وعدد مفردات القصّة القصيرة، فما بالكِ من حجم وعدد مفردات الرّواية، فنحن في عصر (التّكتكِ) والسّخافة والتّفاهة واللعب والتّسلية.
السّؤال العاشر:
هل تؤمن بما يسمّونه بـصراع الأجيال وكيف تنظر اليوم لكلا الجيلين؟ وهل التْواصل الاجتماعيّ استفاد منه الشّاعر أو الاديب العربيّ؟.
جواب عن السّؤال العاشر:
- صراع الأجيال، شيء حتميّ وضروريّ
، وهام، وحضاريّ، يتواكب مع إزدهار المعرفة، والتّطور والتّقدّم.. ولولاه، لبقيّ الإنسان، حتّى الآن يعيش داخل الكهوف، ويأكل اللحم النّيّء.
كان عليّ أن أتمرّد على الّذين جاؤوا قبليّ، ليتمرّد عليّ من سيأتي بعدي.. هكذا هي سنّة الحياة، ومن لا يفعل ويحتجّ يكون متخلّفاً ويقف ضدّ الحياة.
لكنّ الصّراع يجب أن يقوم، على أساس المحبة، والتقدير والاحترام، لا على أساس المعاداة، والكره والإحتقار.
والتّواصل الإجتماعي، قدر ما أفاد التطوّر والتّقدم والرقيّ والإزدهار، أضرّ، وأساء، وهدّم، ودمّر، وشوّه، وشتّت، وضيّيع، نسبة كبيرة من الناس
.. كلّ حسب وعيه وثقافه.
السّؤال الحادي عشر:
كيف نتعامل مع أدب المرأة المعاصرة وهل نالت استحقاقها الأدبيّ والأعلاميّ كما يليق بها؟.
جواب عن السؤال الحادي عشر:
- للأسف الشّديد.. مازالت عندنا المرأة مكمومة الرّوح، والفم، والحلم، وربَّما كانت المرأة، المعاصرة، أكثر حرّيّة في البوح، والقول، والتّعبير، من المرأة، التي عاشت في زمن العصر الجاهلي .. رغم محبّتي وإعجابي بالشّاعر (نزار قباني) إلّا إنّي كنتُ أحتجّ، بقوة، أن يبادر ويعبر عنها بدلاً عنها، إذ لا يمكن أن يعبر الرجل، عن المرأة، فكيف أن يعبر عن داخلها؟!.. وقلبها، وروحها، أحلامها، وتطلّعاتها؟!.. إنّه أمر مضحك مبكي.. هل يفهم الرّجل المرأة؟!.. ليبادر ويتحدّث بلسانها.. لا.. بل إنّ الرّجل ما زال يجهل معظم أدغال المرأة، مهما إدّعى أنها حبيبته، وأمّه، وأخته، وصديقته، وابنته، وزميلته، وملهمته، ومنافسته، وشريكته.
ومنذ أن أحسّ الرّجل أنّ الأنثى، أكثر منه قدرة، على الصبر ، والعمل، والتّفوق في سائر المجالات، غير القوّة العضليّة والقدرة على القتل.. هرع ليتآمر عليها، ويقمعها، ويمنع عنها الكلام والتّعبير، والمرأة تفوق الرّجل، بالقدرة على التّعبير،والحُلُمُ والإحساس
بجماليّة اللغة، والموسيقى، والفن، بشكل عام.
أقول هذا بصراحة، وبدون خجل، لأنّي أعتزّ بأمّي، وجدّتي، وأختي، وزوجتي، وابنتي، وحفيداتي، وصديقاتي.
ولكن ومع هذا، نجد اليوم، وخاصة بعصر التّواصل الإجتماعي، أنّ المرأة ما زالت سلعة للإغراء والتجارة..
وكثيرات للأسف الشّديد، هنّ سعيدات بهذا، وراضيات.. ويعتمدن على مفاتن الجسد، لينلنّ، الإعجابات، والإعترافات، على نتاجهنّ الأدبيّ.. فأين المستوى الأدبيٍ والإبداعي، من (ميّ زيادة) ومن (نازك الملائكة) ومن (غادة السّمّانِ) ومن (سنيّة الصّالح)؟؟!!.
السّؤال الثّاني عشر:
لماذا تعتبر المرأة اكبر الهام عند الشّعراء..؟ واين نجد اليوم الوطن في كتاباتكَ الشّعرية والأدبيْة شاعرنا العزيز؟.
جواب عن السّؤال الثّاني عشر:
- ألمرأة بوّابةِ الوطن، فمن لا حبيبة له في وطنه، أشكُّ بانتمائه لوطنه، فهو بلا جذور، وبلا جذع، ولا يمكن له أن ينهض، ويمتدّ ويثمر.. كلّ عاشق هو مؤكّد يكون عاشقاً لوطنه، هذه عندي من البدهيّات والأوّليات.. وأنا أحبّ وطني جداً، لأنَّ عندي حبيبة، غالية وعزيزة وفاتنة، داخل هذا الوطن، ولأجلها سأعود ذات يوم، ولأجلها أحاربُ ، وأقاتل ، وأدافع، وأضحّي وأموت.. فمن أجلها ولها، أكتب وأبدع، وأنتِ من الصعب أن تفرّقي، لمن أنا أنادي، وأخاطب، وأشكو، وأحنّ، وأتغنّى، للحبيبة أم للوطن، الأمور تتداخل حتّى عليّ أنا.. ومن لا تلهمه المرأة، لن يلهمه الوطن، مهما كان الوطن عظيماً جميلاً.. لأنَّ المرأة أجمل وأحلى، وأروع، وأهم، من الورد، وأيّ شيء في الدّنيا.
السّؤال الثّالث عشر:
هل القصيدة قلعة الشّاعر الدّائمة؟ يحتمي فيها وبها، من عواصف الحزن والاغتراب والشّجن، أم نافذة يطلّ منها على خصوصيّاته السّرية والحميميّة؟ا.
جواب عن السّؤال الثّالث عشر:
إنّها تجمع الحالتين معاً، فالقصيدة فعلاً قلعة دائمة، يحتميْ بها الشّاعر، من عواصف الحزن والاغتراب والشّجن..
وهي أيضاً، نافذة يطلّ منها الشّاعر، على خصوصيّاته، السّريّة والحميميّة.
السؤال الرّابع عشر، والأخير:
في نهاية هذه الأمسيّة الشّيقة والجميلة.. ماذا يحب أن يضيف شاعرنا العزيز، إلى منتدى البيان للشعر والنّثر والأدب العربيّ؟.
جواب السّؤال الرّابع عشر، والأخير:
- أنا أشكركِ جداً (دكتورة سوسن إبراهيم) على جمال وروعة هذه الأسئلة، التي قدّمت لي فرصة، على تحفيز أفكاري، والتحدّث عنها ببساطة و تجرد.. والشّكر كلّ الشّكر لإدارة، (منتدى البيان للشعر والنثر والأدب العربيّ) ولكلْ من شارك ، وتابعنا وقرأ هذا الحوار في أيّ وقت.
حاورتهُ:
الدّكتورة والأديبة: (سوسن إبراهيم)
فهرس: عطر النّبض.
-------------------------------------------------
01 - الأستاذ محمد بن يوسف كرزون
02 - الأستاذة: سميا صالح
03 - الأستاذ: عبد القادر أبو رحمة
04 - الأستاذ المرحوم: أحمد دوغان..
05 - الأستاذ: حيدر الشماع
06 - الأستاذة: جهاد بدران..
07 - الأستاذ: زين المعبدي..
08 - الدكتور: عودة الحجامي
09 - الأستاذ: محمد الطّايع
10 - حوار: د. سوسن إبراهيم
======================

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى