أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الرابع (93--110)

الشهر الرابع


93- ظهيرة اليوم الثالث والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة :

ظهيرة يوم مشمس منذ الصباح . ربما يحمد الفلسطينيون الله أن منحهم يوما مثل هذا يخرجون فيه من خيامهم يتدفأون فيه قليلا ! ربما يسترجعون فيه دفء منازلهم التي سويت بالأرض !
ظهيرة يوم مشمس في فصل الشتاء في أيامه شديد البرودة ، غير أن القلب يشعر بالغصة ، فالأخبار ما زالت تتحدث عن قتل جماعي هنا وهناك ، في غزة وجنين أيضا .
أخبار الصباح القادمة من جنين مؤلمة وصادمة أيضا ، فإحدى المسيرات الإسرائيلية هاجمت مجموعة من الإخوة وأبناء العم كانوا جالسين على الرصيف . أربعة إخوة واثنان من العائلة نفسها ارتقوا معا والأم تفجع بأبنائها الأربعة دفعة واحدة " مضلليش حدا عندي . مضلليش حدا " ووالدهم في خارج فلسطين لن يلقي على أبنائه نظرة الوداع الأخيرة ، إذ هو ممنوع من دخول الأراضي الفلسطينية .
لقد أنشبت المنية في الفلسطينيين أظفارها ، وما عادت تمائم الفيسبوكيين تنفع .
" ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ، وإذا المنية أقبلت لا تدفع " ، ويبدو أنه قدرنا ! يبدو أنها خطانا التي كتبت علينا .
كم من فلسطيني سوف يكرر أبيات أبي ذؤيب الهذلي :
" أودى بني ، فأعقبوني حسرة ،
بعد الرقاد ، وعبرة ما تقلع
سبقوا هوي ، وأعنقوا لهواهم
فتخرموا ، ولكل جنب مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... " لقد هلك الأبناء وسبقوا هوانا وأسرعوا وأخذوا واحدا واحدا وبقي الآباء مرهقين أشد الإرهاق .
كم كان مثيرا للحزن أن نصغي إلى الآباء يودعون أبناءهم باكين أنهم لم يتمكنوا من دفع الموت عنهم ، من حمايتهم ! كم !
حسرات حسرات حسرات وكم من فلسطيني مات بحسرته !
" إن سألت عنا يا أبانا الذي في السموات فنعلمك - وأنت خير العالمين - أننا لسنا بخير منذ ابتليتنا بشعبك المختار وبأبناء الإمبراطورية التي غابت شمسها ، بل ومنذ ... !
" مضلليش حدا عندي . مضلليش حدا " ومن قبل صرخ وائل الدحدوح " معلش " .
واليوم استشهد عدد من الصحفيين منهم حمزة وائل الدحدوح . هل ستكرر يا وائل عبارتك " معلشششش " .
المجد لغزة ولجنين . المجد لأمهاتنا وآبائنا وأهالينا الصابرين والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٧ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 93: ب-تموز الفلسطيني : إما الصعود وإما الصعود

وأنا أقرأ في قصيدة محمود درويش " صهيل على السفح " من ديوان " ورد أقل " ( ١٩٨٤ ) لأكتب عن نهايتها وأحد أسطرها ، أرسل إلي الصديق الناقد الدكتور عبد الرحمن بسيسو فيلما عن بيروت ١٩٨٢ كان هو شخصيا يقرأ فيه واصفا ما جرى . والشيء بالشيء يذكر ، ولطالما اقتبست من قصيدة محمود درويش " مديح الظل العالي " مقاطع أعبر فيها عما يجري . اليوم تتخطى مقتلة غزة حرب بيروت ١٩٨٢ بأربعة أيام .
" إما الهبوط وإما الصعود " و " إما الهبوط وإما الصعود " ولكن الشاعر ينهيها بقوله " إما الصعود وإما الصعود " .
السطر اللافت الذي كنت أود لفت الانتباه إليه هو :
" أعد لسيدتي صورتي . مزقي صورتي حين يصهل فيك حصان جديد " .
صهل الحصان الفلسطيني في ١٩٨٢ ولم يكمل ، فصهل في ٢٠٢٣ حصان فلسطيني جديد . هل ستلبي سيدة المتكلم - فلسطين طلبه وتمزق صورته هو الحصان القديم أمام الحصان الجديد ؟
مأساة الصحفي الغزاوي وائل الدحدوح مأساة كبيرة وهي جزء من المأساة التي يعيشها قطاع غزة وأهله وتعيشها الضفة الغربية وأهلها ، وعاشها الشعب الفلسطيني في أماكن إقامته منذ العام ١٩٤٨ .
ودع وائل اليوم ابنه حمزة ، بعد أن ودع أسرته من قبل وزميله سامر أبو دقة أيضا ونتمنى أن يكتب له طول العمر . " أمانة اتضل لنا يابا . يابا مضلش إلنا حدا غيرك " كانت ابنة وائل تمسك برقبته وتبكي .
في الصباح أرسلت مقالي " تداعيات حرب ٢٠٢٣ - ٢٠٢٤ : النكبة تستحضر النكبة ، كأنني أعيش طفولتي " إلى الكاتب إبراهيم الغبيش الذي ولد في النكبة الأولى وعاش شبابه في مخيم الجلزون ، فذكرني ب أغنية " الخطايا " لعبد الوهاب ؛ أغنية كتب كلماتها كامل الشناوي .
القلب خائف ويرتجف من هول ما يجري . ثمة هواء أسود . زمن قاتم وإن كنت أتمنى أن يهدم الفلسطن المعبد على قوم شمشون .
المجد لغزة ولجنين والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٧ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم الثالث والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

94: أ- وائل الدحدوح في وداع ابنه حمزة :

للمرة كذا ( ؟ ) أقتبس من محمود درويش ما كتبه في " حالة حصار " عن الشهيد ، ووالده الذي يسير في جنازته :
" الشهيد يحذرني : لا تصدق زغاريدهن
وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا :
كيف تبدلت أدوارنا ، يا بني ،
أنا أولا
وأنا أولا ! "
ولم تزغرد أم حمزة فقد ارتقت قبله ، ولم تزغرد أمس أيضا والدة الشهداء الأربعة الذين ارتقوا في جنين ، فقد عبرت عن حسرتها وألمها وفقدانها بعبارات تبين مدى خسرانها وحزنها الذي سيكبر كلما مرت الأيام.
هل صرنا كلنا صدى ؟
الشاعر الذي رثى حفيده الجندي الإسرائيلي الذي قتل في غزة قبل أربعة أيام استعار أيضا مضمون أسطر محمود درويش السابقة .
لم تنته الحرب وأجمل الأمهات وأجمل الآباء يريدون أن يكونوا بشرا عاديين يعيشون بين أبنائهم .
هل ينتظر القصبة في نابلس مصير خانيونس كما ألمح وزير الحرب الإسرائيلي ( بيني غانتس ) في زيارته لمعسكر إسرائيلي قرب نابلس ؟
المستقبل غامض ولعله أشد ساعات الظلمة التي يحل بعدها الصباح .
صباح الخير يا فلسطين والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٨ / ١ / ٢٠٢٤

صباح اليوم ٩٤ للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 94: ب- الفلسطينيون النازيون :

يتهمنا بعض الإسرائيليين بأننا نازيون ، بل ويذهب قسم منهم إلى أن ما فعله النازيون باليهود لا يكاد يذكر إزاء ما فعله الفلسطينيون بهم .
أمس أصغيت إلى شريط فيديو يتحدث فيه رجل دين يهودي يخاطب جمهورا يخطب فيه بهذا ، ويعزو ما ألم بالدولة العبرية في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ إلى علمانية الدولة وعدم التزامها بتعاليم الديانة اليهودية ، إذ شرعت الزواج المثلي وسمحت بالاختلاط والانفتاح وخروج المرأة اليهودية من بيتها سافرة و ... و ... ولولا أنه يتكلم بالعبرية ويرتدي ملابس دينية سوداء اللون ويضع قبعة على رأسه لظننت أنني أصغي إلى مسلم سلفي محاقظ من رجال الدعوة يخاطب جماعة من المسلمين شارحا لهم أسباب انحدار وضعهم .
ويدعو الخطيب إلى قتل الفلسطينيين وعدم الرأفة بهم ، وأن يعاملوا كما تنص توراتهم . وخطابه عموما صار مألوفا لنا أكثر وأكثر منذ بداية الحرب الدائرة حاليا ولم يقتصر على المستوطنين ورجال الدين منهم - أستثني يهود ناطوري كارتا - وإنما قال به رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللذان اقتبسا أسطرا من العهد القديم ونعتنا أحدهما بأننا حيوانات بشرية .
غطرسة ليس لها حد توجت منذ أربعة أيام بما قاله ( بني غانتس ) من أن ما ألم بخان يونس قد يحدث للبلدة القديمة في نابلس ، وبما قاله أيضا ( غالانت ) اليوم بأن إسرائيل قادرة أن تنزل ببيروت ما فعلته في قطاع غزة - أي أن تدمر بيروت تدميرا تاما .
وما قالاه عموما ليس بمستغرب ، فقد مارساه الآن ومارسه من قبل أسلافهم في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام ٢٠٠٦ .
عندنا مثل يقول " الفعل لفلان والسيط لعلان " وآخر " ضربني وبكى وسبقني واشتكى " وبناء على ما جرى ويجري فإن ما فعله الوحش النازي باليهود أقل مما فعلوه هم بقطاع غزة وسكانه .
لو كتبت إن اليهود صحروا قطاع غزة وسودوا حياة الفلسطينيين لتجنيت على الصحراء والسواد ، فالصحراء أجمل بكثير مما صار إليه قطاع غزة منذ ثلاثة أشهر ، والسواد يحل ولا يؤلم ولا يوجع وليالي أهل غزة مثقلة بالجراح والأحزان .
الكتابة تعجز عن التعبير و ... و ... و " اللي استحوا ماتوا " والضمير العالمي ( يوك ) ، فقد :
" مات الضمير وشيعوا جثمانه
ما عاد في الدنيا ضمير يذكر " .
لكم الله أيها الفلسطينيون !
والمجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٨ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم الرابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

95: أ- قبائلهم ثانية:

في الحرب الدائرة حاليا تذكرت ، وأنا أشاهد أشرطة فيديو يتحدث فيها إسرائيليون ، تذكرت غير مرة قصيدة مريد البرغوثي " القبائل " ، لا لأرى صورتنا فيها وحسب ، بل لأرى فيها أيضا صورة الاسرائيليين ، فلسنا وحدنا من نعيش في الماضي . هم أيضا يعيشون فيه حتى النخاع . إنه يعشش في عقولهم ويقود سلوكهم وتصرفاتهم . لا أقول : كلهم ، ولكن أكثرهم .
" القبائل " :
" قبائلنا تسترد مفاتنها : [ أيضا قبائلهم ]
خيام خيام
خيام من الحجر المستريح ، وأوتادها مرمر أو رخام
نقوش على السقف ، والورق المخملي يغطي الحوائط ،
والصور العائلية و " الجيوكاندا "
بقرب شهادة ابن تخرج في الجامعة .
إطاراتها ذهب يعتليه الغبار
.....
.....
قبائلنا تسترد مفاتنها
في زمان انقراض القبائل ! [ قبائلهم ]
أكرر :
في الحرب هذه عرفت من العهد القديم أكثر مما كنت أعرف .
أكان لا بد من الحرب !!
رحم الله الشاعر سميح القاسم ففي المقدمة التي كتبها لرواية عاموس كينان " الطريق إلى عين حارود " التي نقلها في منتصف ثمانينيات القرن ٢٠ إلى العربية أنطون شلحت كتب أن علينا ألا نكتفي بترجمة الأدب الإسرائيلي اليساري وحسب ، بل علينا أن نترجم الأدب اليميني أيضا لنعرف حقيقة المجتمع الإسرائيلي .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٩ / ١ / ٢٠٢٤

صباح اليوم الخامس والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 95: ب- عوفر كاسيف : نائب إسرائيلي ضد الحرب : " الصوت الضائع في المهرجان "

في إسرائيل في الحرب الدائرة حاليا ثمة أصوات قليلة يمكن القول عنها إنها " الصوت الضائع في المهرجان " ومنها النائب الإسرائيلي ( عوفر كاسيف ) الذي وقع سبعون عضو كنيست إسرائيلي أمس عريضة تطالب بعزله من الكنيست الإسرائيلي ، وذلك لأنه يؤيد الطلب الذي رفعته دولة جنوب أفريقيا لمحكمة العدل العليا في لاهاي ضد إسرائيل باعتبار حربها في غزة جرائم ضد الإنسانية .
وأكاد أجزم أن قليلين منا يعرفه أو سمع باسمه ويعرف مواقفه إزاء ما يجري ، ولقد أدرجت من صفحته منشورين له يلقي في أحدهما خطابا أمام الكنيست يعلن فيه موقفه من الحرب في غزة ، وهو موقف لم يرق لأعضاء كنيست كثيرين ولذلك طالبوا بعزله .
يرى ( عوفر كاسيف ) أن حكومة دولته ترسل أبناءها إلى غزة ليقتلوا هناك ، ويحملها مسؤولية ذلك ، ويرد على من يتهمه بأنه طابور خامس وخائن بأنه هو المسؤول عن قتل الجنود الإسرائيليين وأنه هو الخائن ، ويقتبس سطرا شعريا من الكاتب المسرحي الإسرائيلي الساخر ( حانوخ ليفين ) ، وحانوخ ليفين معروف لقراء الأدب العرب في فلسطين إذ ترجم انطوان شلحت بعض أعماله .
السطر الشعري هو من قصيدة عنوانها " جندي الشوكولاطة " يقول فيها إن الناس كلهم إخوة تحت الزهور - أي وهم موتى " ، وعوفر كاسيف يريد أن يكون الناس إخوة مع الزهور لا تحتها ، ولذلك يطالب بوقف الحرب وبالعيش مع الفلسطينيين .
منذ بداية الحرب ونحن نصغي إلى أصوات إسرائيلية صهيونية تدعو إلى قتلنا وتهجيرنا وطردنا وتدمير مدننا فوق رؤوسنا ؛ أصوات لا ترتاح في نومها إلا وهي ترى ليلا المزيد والمزيد والمزيد من بيوت أهل غزة تدمر ؛ أصوات تنعتنا بأننا حيوانات بشرية ، ونظرا لغياب الصوت اليساري أو الصوت الإنساني فقد كتبت في بداية الحرب أن كل ما كتبه كتابنا عن نماذج يهودية غير شريرة يسارية إنسانية تدعو إلى العيش معا ، كله طلع " فاشوش " ، ولكن عوفر كاسيف جاء ليقول لي :
- لا ، فثمة يهود ما زالوا يرون في الفلسطينيين شعبا يمكن أن يعيشوا معنا ونعيش معهم وأن لهم حقوقا في فلسطين .
هل نتذكر أمنية جندي محمود درويش الذي يحلم بالزنابق البيضاء :
" لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع !
لو يكبر الحمام ! " ؟
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٩ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم الخامس والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

****

96: أ- هل انتهت الحرب فجأة ؟

في صباح اليوم السادس والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة تعود إذاعة أجيال إلى ما كانت عليه قبل ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ، فتدرج في السادسة والنصف صباحا أغاني للسيدة فيروز وأول أغنية هي أغنية " أسامينا ".
هل انتهت الحرب؟
إن انتهت في الإذاعة فإنها على أرض الواقع في غزة لم تنته . حتى لو انتهت المعارك وتوقفت نهائيا ، فسوف تبدأ حرب أخرى . سينتهي زمن الحرب ليبدأ زمن الاشتباك .
كنت أود أن أكتب عن حرب الاستغلال وموت الفقير وما يجري على معبر رفح ، ولكني سوف أؤجل الكتابة للمساء .
لعله فال خير عموما ، ولسوف أتابع الآن الإصغاء إلى سيدة الغناء :
يا طير
على طراف الدنا
لو فيك تحكي للحبايب شو بنا
( بعد الإصغاء إلى نشرة الأخبار فإن الحرب ليلة أمس كانت عنيفة والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية تخرب البنى التحتية وتدمرها )
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١ / ٢٠٢٤

صباح اليوم ٩٦ للمقتلة وحرب الإبادة .


***

> 96: ب- ( من أحلام عادل الأسطة في الظهيرة )

هل ستحرر غزة صفد ويعود أبو مازن إلى مدينته ؟
نبوءة غسان كنفاني :
أيها الناس .
اقرأوا هذه القصص مرتين .
مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور .
ومرة أخرى لتعرفوا أن قبوركم تجهزونها وأنتم لا تدرون .
قبور الثقافة بلا ثورة والثورة بلا ثقافة . قبور الخوف على الحياة حتى تستحيل في النهاية إلى وجود حيواني خسيس .
أقرأوا هذه القصص ... " ( يوسف ادريس )
" غزة هذه ، التي عشنا فيها ومع رجالها الطيبين سبع سنوات في النكبة كانت شيئا جديدا ، كانت تلوح لي أنها .. أنها بداية فقط ، لا أدري لماذا كنت أشعر أنها بداية فقط ، كنت أتخيل أن الشارع الرئيسي ، وأنا أسير فيه عائدا إلى داري ، لم يكن إلا بداية صغيرة لشارع طويل طويل يصل إلى صفد ... " ( ورقة من غزة ، ١٩٥٦ . الكويت . من مجموعة " أرض البرتقال الحزين ، ١٩٦٢ . الأعمال الكاملة ، صفحة ٣٤٩).
لنتذكر:
" أرض قديمة جديدة : إذا أردتم فإنها ليست خرافة " ( ثيودور هرتسل ) ( ١٩٠٢ ) .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١ / ٢٠٢٤

ظهيرة اليوم السادس والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

>96: ج- حروب غزة التي لا تنتهي : تجار الحروب

يبدو أن قطاع غزة منذور للشقاء والحروب التي لا تنتهي .
منذ أيام أدرجت على صفحتي نصا من قصيدة محمود درويش " سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا " كاستعارة للتعبير عن الواقع . النص يأتي على سرحان بشارة سرحان الفلسطيني المتهم باغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي . حربك حربان . حرب مع الغزاة وثانية مع الطغاة ، وهكذا كان سرحان / الفلسطيني ضحية الغزاة والطغاة معا وقتيل الحروب وقتيل السلام .
منذ خمسينيات القرن ٢٠ وغزة تعاني ومرة فكرت إسرائيل بتسميم مياهها للقضاء عليها وقد ورد هذا ، إن لم تخني الذاكرة، في كتاب ( إيلان بابيه ) " التطهير العرقي " وكتب عنه أيضا الكاتب اليهودي العراقي الذي غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن اختلف مع ( بن غوريون ) رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه ، وهو نعيم خلصجي / جلعادي .
ومن يقرأ قصة غسان كنفاني " ثلاث أوراق من فلسطين " يشعر كأنه يقرأ فيها بعضا مما يجري الآن .
هل اختلف الأمر منذ هزيمة حزيران إلى الآن ؟
إن لم تكن هناك حرب يكن هناك حصار ، وفي الحصار يعاني الغزيون معاناة كبيرة إذ يشتبكون مع الحياة الصعبة القاسية كما اشتبك معها الصغير وأهله في قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم " من مجموعة " عن الرجال والبنادق " . هل تذكرون ما كتبته من قبل في اليوميات عن الفرق بين زمن الحرب وزمن الاشتباك ؟
في غزة الآن حربان ؛ حرب يخوضها المقاومون الفلسطينيون مع الجيش الإسرائيلي ، وثانية يخوضها أهل غزة ليستمروا أحياء على قيد الحياة وتشمل هذه الطعام والشراب واللباس والتدفئة وتوفير المأوى و .. و .. والعلاج لمن أصيب منهم وهو قابع في بيته أو وهو ضيف في بيت جاره أو وهو يسعى لتوفير احتياجات أسرته .
يقارب عدد الجرحى في غزة الستين ألفا ما عادت مشافي القطاع قادرة على توفير أدنى علاج لهم ، ما يوجب سفر كثيرين إلى الخارج للتداوي ، وقسم منهم لا يسافر .
لماذا ؟
الحكي كثير وكثير جدا ويقال إن معبر رفح لا يسمح بالخروج منه إلا لمن يدفع آلاف الدولارات . من خمسة آلاف دولار إلى تسعة ، ويقال إن لمحمود السيسي نصيبا من المبلغ . ولأن هناك صفحات لغزيين تحفل بالكتابة عن التجاوزات فإنني أحيل إلى ما نشر في جريدة القدس العربي أول أمس عن التنقل عبر معبر رفح . وأحيل أيضا إلى صفحة Asmaa Alghoul التي ترصد أشكال معاناة المواطنين الغزيين اللاجئين منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ .
وكنت أتمنى أن يكتب لنا الروائي عاطف ابوسيف عن معاناة الخروج فقد مر بالتجربة كما مر بتجربة الحرب واللجوء وكتب عنها .
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن ما يقرأ المرء عنه هناك كان حدث من قبل ، وهنا أحيل إلى قصة سميرة عزام " لأنه يحبهم " من مجموعة " الساعة والإنسان " وإلى قصة غسان كنفاني " القميص المسروق " من المجموعة التي حملت عنوان القصة نفسها .
حالة سيزيفية يعيشها الفلسطينيون منذ العام ١٩٤٨ والنكبة تلد النكبة ولصوص أمس يتوالدون ويتكاثرون وأفوض أمري إلى الله وهو المستعان به .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين وللصوص أيضا
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم السادس والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

97: أ- فلسطينيو لبنان والفئران التي تتجرأ على أموال اللاجيء

التعميم الذي أصدرته سفارة لبنان لدى دولة الإمارات العربية المتحدة في الأول من أيار من هذا العام ٢٠٢٠ كان في وسائل التواصل الاجتماعي لافتا للأنظار .
أعلى صفحة التعميم عبارة هي " طائرة الإجلاء من أبو ظبي "
ومرجعية التعميم " المديرية العامة للأمن العام اللبناني " وينص التعميم على " عدم السماح بالعودة إلى لبنان على متن طائرات الإجلاء للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان " و عليه يرجى أخذ العلم أنه قد تم حذف أسماؤكم للسفر على رحلات الإجلاء إلى لبنان ، والتوقيع أسفل الكلام السابق هو توقيع " سفارة لبنان لدى دولة الإمارات العربية المتحدة .
ونحن الآن في العام ٢٠٢٠ - أي بعد سبعين عاما وعامين من عام النكبة وعام اللجوء ، وهي مدة كافية لأن تخفف من النظر إلى اللاجئين نظرة دونية ونظرة احتقار ونظرة تعال - ببساطة نظرة فيها من العنصرية الكثير ، وربما وجد المرء نفسه يكرر مع محمود درويش سطره :
" عرب وباعوا روحهم
عرب وضاعوا "
وربما وجد المرء نفسه أيضا يكرر مع مريد البرغوثي بيته :
" طال الشتات وعافت خطونا المدن
وأنت تمعن بعدا أيها الوطن "
سلوك قديم - متجدد :
ذكرني التعميم بالأدبيات الفلسطينية التي كتبها الأدباء الفلسطينيون في خمسينيات وستينيات القرن العشرين ، بل والأدبيات الصادرة في بداية القرن الحادي والعشرين .
كأن الأمر يتكرر ، وكأن ما حدث في السابق ما زال متواصلا . بم يختلف ما ورد في التعميم عما ورد في قصص سميرة عزام وبعض روايات غسان كنفاني مثل " أم سعد " وفي رواية سامية عيسى " حليب التين " ؟
في العام ٢٠١١ أصدرت لي وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية كتاب " قراءات في القصة الفلسطينية القصيرة " وطلب مني أن أقدمه للجمهور ، وهو ما تم ، وقد عقدت الندوة في مركز خليل السكاكيني بحضور وزيرة الثقافة في حينه السيدة سهام البرغوثي .
في تقديمي كتابي توقفت أمام قصتين للقاصة سميرة عزام هما " لأنه يحبهم " و " فلسطيني " ، والقصتان تصوران واقع الفلسطينيين في لبنان ، ولم يكن واقعهم ورديا ، فلقد كان واقعا أسود فيه من احتقار الفلسطينيين والتعالي عليهم والتضييق عليهم ما فيه .
وعلى الرغم من مرور تسعة أعوام على الندوة وحديثي عن القصتين فإنني لم أنس ما ورد فيهما ولم أنس بعض عبارات وردت فيهما أعتقد أن ما ورد في التعميم المشار إليه لا يختلف عن العبارات في القصتين .
في قصة " لأنه يحبهم " تكتب عزام عن تحولات الفلسطيني بعد فقدان أرضه ووطنه . لقد ذل فمن لا وطن له لا كرامة له .
لا يحترم اللاجيء وإنما يعتدى على مخصصاته مما توزعه عليه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، يشترك في ذلك الأجنبي واللبناني والفلسطيني الذي صار بخسران أرضه وغدا وقوادا ولصا وبغيا ، وهذا ما لا يروق بالطبع لأحد اللاجئين الذي رأى إلى أين آلت أحوال شعبه ، فيقرر إحراق مخازن الوكالة . وهو يدخل المخزن يرى الفئران ترتع من أكياس الطحين ، وهنا نقرأ :
" وغمر الضوء المكان .. واضطربت الفئران التي ترتع وتسمن وتكتسب يوما على يوم مناعة ضد حبوب السم الحمراء .. حتى هذه تتجرأ على مال اللاجيء .. " .
في قصة " فلسطيني " يغدو الفلسطيني مثل الأرمني ، يغدو فردا في قطيع بلا ملامح فردية . إنه فلسطيني وحسب ، وهذا يقلقه وما يقلقه هو خوفه على مستقبل أبنائه ، فهو يملك وثيقة تحول دون تنقله بحرية وتحد من فرص عمله ، ولذلك يسعى إلى " أن يتلبنن " لعله يسافر ويعود كما يسافر اللبناني ويعود ، وعلى الرغم من حصوله على هوية لبنانية مزورة ، دفع من أجل الحصول عليها دم قلبه ، إلا أنه ظل ينادى يا " فلسطيني " .
لا يستطيع قاريء الأدب الفلسطيني أن ينسى رواية " أم سعد " ، أم سعد المرأة اللاجئة التي كانت تروي على غسان كنفاني عن حياتها القاسية في المخيم ، في ليالي الشتاء ، حيث تغرق البيوت وتصبح حالة سكانها بالويل . كانت حياة أم سعد وأسرتها حياة ذل وبؤس وكانت كلماتها وهي تخرج من فمها أسى في أسى .
عندما تحدثت في الندوة عن سميرة عزام وعن غسان كنفاني وحالة الواقع الفلسطيني في نصوصهما سألتني الوزيرة وبعض الحضور عن أدبيات فلسطينية معاصرة تصور واقع الفلسطينيين في القرن الحادي والعشرين ، ويومها كنت قد أنجزت قراءة رواية سامية عيسى " حليب التين " ولم تكن روايتها الثانية " خلسة في كوبنهاجن " قد صدرت .
هل تقل رواية سامية عيسى في تصويرها ما آل إليه الفلسطينيون في لبنان عما ورد في قصتي سميرة عزام ؟
لا تغني الكتابة عن " حليب التين " عن قراءتها ، ويمكن القول إن ثمة صلة بين " لأنه يحبهم " وحليب التين " ، بل يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك والقول إن " لأنه يحبهم " هي البذرة التي نمت وكبرت وصارت " حليب التين " ، تماما كما أن ما هي عليه المخيمات اليوم من بؤس هو ما كانت عليه يوم تأسيسها ، وكانت الحياة فيها في أيامها الأولى أكثر رحابة .
زوجة الشهيد التي صارت في قصة عزام بغيا حتى تأكل وتعيش تجسدت في رواية سامية عيسى ولم يقتصر الأمر عليها ، فأم الشهيد ، بل الشهداء ، تستغل كما استغلت زوجته التي فرطت في جسدها لتطعم أبناءها وأم زوجها .
هل جانب محمود درويش الحقيقة حين كتب :
" لا تصدق فراشاتنا ، لا تصدق إذن صبر زوجاتنا " لأنهن سيبعن حليب الحبيب ليطعمن أطفالهن بعد فقدان الزوج ؟
ومرة ثانية استشهد بمحمود درويش من قصيدته " نزل على بحر " :
" وإذا رجعتم ، فلأي منفى ترجعون ؟"
إلى أين يذهب لاجئو لبنان حقا يا وزارة الداخلية اللبنانية ؟

نابلس
٥ أيار ٢٠٢٠

في صباح اليوم السابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

>97: ب- في اليوم السابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة : أحمد دحبور في رثاء ياسر عرفات .

في ربيع ٢٠٠٢ حاصر ( إريل شارون ) المرحوم ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله وصارت الجرافات الإسرائيلية تقضم المبنى قطعة قطعة ، ولم يحرك أحد من تميم وبكر وأسد ؛ قبائل العرب ، ساكنا . صمد ياسر عرفات ومن وحي تلك الأحداث كتب الشاعر أحمد دحبور هذه القصيدة غير المدرجة ، كما عرفت ، في أعماله الكاملة . أصغيت إليها بصوته ودونتها .
في المقتلة الحالية تخلت تميم وبكر وأسد أيضا عن أهل غزة .
القصيدة من هذا الجانب - أي الخذلان - تذكر طبعا بقصيدة محمود درويش " مديح الظل العالي "( ١٩٨٢ ) وقصيدة مريد البرغوثي " طال الشتات " ( ١٩٨٢ ) .
غالبا ما يستنجد الفلسطينيون بالزعماء العرب ولكن ، كما قال المعري :
" لقد أعييت لو ناديت حيا " ،
مع الاعتذار لليمن وجنوب لبنان .
نص القصيدة :
يا صاحب البيت !
" يا صاحب البيت ! أنت السقف والعمد
وكل من حولك الأهلون والولد
فدتك منا قلوب ، أنت جامعها على الفدا ، وحماك الواحد الأحد
أيطلبونك ؟ هذا أنت : أوضح
من نار على علم يزهو به بلد
طوق الحصار على طوق الحصار على طوق
الحصار ، فلم ترمش وهم فقدوا
زادوا الحشود فلم تهتز واقتربوا
وكلما هددوا جافاهم الرشد
ومن يهدد من ؟ هذا التراب
لنا ومنه جئنا ، فنحن الروح والجسد
يؤلفون ، جنود ما لهم عدد والروح فينا فماذا كل ما حشدوا ؟
خمس وسبعون ، خمس وسبعون عمر
الكبرياء ، فهل يحاصرون زمانا جده الأبد ،
ولست أنكر للنذل الجبان يدا
لكن شعبك قلب خافق ويد ،
هذي فلسطين ! لا لهو ولا لعب
ومن يجرب فإن النار تتقد
يا صاحب البيت ! لا شكوى ولا كمد
وليس مثلك من يعلو له كبد
لكن بربك قل لي : أين عزوتنا ؟
ألا تميم ؟ ألا بكر ؟ ألا أسد ؟ !
إن صاح منا مناد مسهم صمم ،
أو سال منا دم أعماهم الرمد
فلا يرون وليسوا يسمعون
وإن تحرك الحس في صخر ، فهم همد
لا يخرج الظفر من لحم فأمتنا
لنا ، وسياسها عن عزها قعدوا
وأين أعدادهم ؟ هل غير أنك لي رمز وحسبي من رمز هو العدد
وأنت ، بالألم الخلاق ، ترفعنا إليك
حتى نرى كم ذا لنا مدد
هذي فلسطين ! روح الله تحرسها
وشعبها حرس في الحق معتمد
هي العلامة عن عدل الزمان ، فإن صحت صحا ، أو فإن العدل مفتقد
هذي فلسطين ! دار العز دارتنا
نحن البناة ، وأنت العزم والرشد
يا صاحب البيت ! عفوا ! أنت سيد من يدري ، وإن لم أجدني غير ما تجد
ويشهد الله ليس المدح من شيمي
لكن عرفت متى أدنو وأبتعد
إن ينزلوا لالتقاط الغنم عن أحد
، فقد صعدت ولو أن الردى أحد
تدعو لك القدس ، والاقصى دم
وصدى دعائها : أن حماك الواحد الأحد ."
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 97: ج- الكتابة في غزة على الجدران ، إن بقيت جدران :

في بداية المقتلة وهدم مساكن كاملة على رؤوس سكانها صار بعض الغزيين يكتبون أسماءهم على أجسادهم حتى يعرف من ارتقى ومن بقي من المشوهين على قيد الحياة ، وذهب بعض الإخوة إلى الاحتفاظ ببعض أبنائه لدى أخيه واستضافة بعض أبناء أخيه لديه حتى لا تفنى الأسرة كلها ويبقى منها من يتناسل ويلد ويحيي أسماء المرتقين .
لم أقرأ عن خرابيش أو كتابة على الجدران ، وهذه ظاهرة انتشرت في مرحلة ما قبل مراحل حروب الإبادة بالطائرات وعرفناها في المناطق المحتلة في العام ١٩٦٧ في غزة والضفة الغربية وكتب عنها دارسون كثر .
مرة واحدة أو مرتين كتبت في يومياتي عن مقطع الكاتب الألماني ( برتولد بربخت ) :
" على الحائط كتابة بالطباشير :
" هم يريدون الحرب "
والذي كتبها خر صريعا " .
اليوم مساء نشر موقع " مبدعون فلسطينيون " إحدى يومياتي ، وأرفقت المشرفة على الموقع الفاضلة روض دبس Rawd Dibs مع النص المدرج صورة لكتابة من غزة على جدار غرفة ، وهذا نص الكتابة :
" 1 / 1 / 2034
لربما السؤال الأكثر رهبة
هو كيف مر 85 يوما دون
أن أحس كيف أنا حي ...
وأساسا من هو الميت
الذي قتل جراء القصف أم
الذي عاش وشاهد من يحبهم
يقتلون ؟؟
Sad New Year
محمد حسن
تولين تامر ... "
هكذا عبر كاتب النص عن بداية العام الجديد ورأيه فيه .
في الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ كتب توفيق زياد " على جذع زيتونة " :
" لأني لا أحيك الصوف ،
لأني ، كل يوم ، عرضة لأوامر النوقيف
وبيتي عرضة لزيارة البوليس ..
والتفتيش ، و " التنظيف " ،
لأني عاجز أن أشتري ورقا ،
سأحفر كل ما ألقى ،
وأحفر كل أسراري
على جذع زيتونة
في ساحة
الدار "
والقصيدة طويلة .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم السابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

98: أ- عاشق من أفريقيا : عاشق من جنوب أفريقيا

لو امتد العمر بالشاعر العربي الأفريقي السوداني المصري الليبي محمد الفيتوري صاحب ديوان " عاشق من أفريقيا " الذي صدر قبل صدور ديوان محمود درويش " عاشق من فلسطين " ، لو امتد به العمر ولاحظ تغني أبناء الشعب الفلسطيني بموقف دولة جنوب أفريقيا الذي حدا بها إلى رفع دعوى في محكمة العدل العليا في لاهاي ضد ما ترتكبه دولة إسرائيل ، منذ بداية الحرب الدائرة حاليا ، في غزة ، لربما كتب ديوانا شعريا ثانيا عنوانه " عاشق من جنوب أفريقيا " .
ولو امتد العمر بالطيب صالح الروائي السوداني صاحب رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " لربما رأى أن الهجرة يجب أن تغدو إلى الجنوب ، فالشمال المتوحش توحش أكثر ولم يقف في وجهه أمام المحاكم الدولية إلا الجنوب ؛ جنوب أفريقيا تحديدا .
حسب رأي للفلسطيني المناضل أبو علي شاهين فإن استثمار المرحوم ياسر عرفات في حركة تحرر الجنوب أفريقيين بقيادة زعيمهم ( نلسون مانديلا ) لم تذهب سدى ، ولم يذهب سدى أيضا أن أقام الفلسطينيون نصبا تذكاريا للزعيم الأفريقي الذي اكتوى وشعبه بنار العنصرية .
في ستينيات القرن ٢٠ عندنا كانت حركات التحرر الوطني تتصاعد وتنمو وتكبر وتكافح من أجل الاستقلال وقف الشعراء الفلسطينيون في الأرض المحتلة إلى جانبها ومجدوها ، وهذا ما لاحظه الشهيد غسان كنفاني في كتابه " الأدب الفلسطيني المقاوم " ، وقد اقتبس مقاطع شعرية عديدة للشعراء الذين درسهم وقفوا فيها إلى جانب حركات التحرر الأفريقية . هل تتذكرون قول الشاعر المرحوم راشد حسين:
" سنفهم الصخر ، إن لم يفهم البشر ،
أن الشعوب إذا هبت ستنتصر
دم الجزائر صدر الفجر كعبته
وناره فوق صدر البغي تستعر " .
أما سميح القاسم فقال :
" فهناك ، في أعماق أفريقيا الجواري والعبيد
فجر يمر بكفه فوق الجباه الناحبات
ويصب فيها النور والدم والحياة "
ولقد جاء النور والدم والحياة أمس من جنوب أفريقيا .
أمس في اليوم السابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة انتمى فلسطينيون كثر لدولة جنوب أفريقيا فتغنوا بها وتنصل قسم منهم من انتمائه العربي ؛ لأنه كان يرى أن ما قامت به دولة جنوب أفريقيا كان ينبغي أن تنجزه الدول العربية . ولا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا يعرف الظلم والتمييز العنصري إلا من تجرعه ، وما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي ( أبو يائير ) يتحدث ، ومثله وزير حربه ( يوآف غالانت ) ، عن طهارة السلاح للجيش الإسرائيلي !
من أشرطة الفيديو التي شاهدتها أمس شريط صوره فلسطيني كان يتبضع في متاجر الإسرائيلي ( رامي ليفي ) عرض فيه البندورة المستوردة من المملكة الأردنية الهاشمية .
سعر كيلو البندورة بعشرة شواكل . يا بلاش ! وطق يا فقير ! وموتوا يا أهل غزة !؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١ / ٢٠٢٤

صباح اليوم الثامن والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 98: ب- شر البلية : الحق ، كل الحق ، على العماليق - الفلسطن

ليس شر البلية هو أن مقلاع جوليات أوجع ، في عصرنا ، ديفيد . داوود .
شر البلية هو ما تحدث به رئيس وزراء العماليق - الفلسطن ووافقه عليه وزير حربه من أنه إذا كان هناك جيش في العالم يتصف ويمتاز ويتمتع بطهارة السلاح فهو جيش العماليق - الفلسطن .
كان العماليق قبل ثلاثة آلاف عام احتلوا أرض إسرائيل كلها ، بما فيها يهودا والسامرة ، وشددوا الحصار على أصحاب الأرض المقيمين فيها منذ آلاف السنين ، ولم يكتفوا بهذا ، فقد قرروا أن تكون الدولة دولة عماليق - فلسطن تقية نقية الدم ، ولهذا عملوا على تهجير بني إسرائيل وتوزيعهم على دول العالم في حينه ، وقد هجروهم بالفعل ، فعانى منهم من عانى وصاروا تائهين فقراء شحادين متسولين ، وقبل أن يهجروهم فتكوا بهم فقتلوا الكثير من أطفالهم ومن نسائهم ورجالهم ، ولم تأخذهم بهم رحمة .
حقا إن شر البلية هو أن يتحدث رئيس وزراء العماليق - الفلسطن عن طهارة السلاح .
لن يرحمكم بنو إسرائيل يا عماليق ؛ يا فلسطن ، فالأيام دول والدول تدول ولا يبقى إلا وجه الله !!
عندنا مثل يقول " أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب "
و :
" لا تنظروا إلى ما يقوله لسانه ، انظروا إلى ما فعلت يداه " .
في التاريخ تتبدل الأدوار ؛ مرة يقتل ديفيد / داوود العملاق جوليات ، ومرة يقتل الطفل جوليات العملاق داوود .
ومنذ بداية التاريخ وهناك قابيل وهناك هابيل . هناك أخ يملك تسعا وتسعين نعجة ويريد نعجة أخيه الوحيدة . هل حقا أن إسرائيل تطمع في غزة التي تشكل ٢ بالمائة من أرض فلسطين ، لأن أمام شاطئها حقول غاز تقدر قيمتها بمئات المليارات ؟
لم يكتف الإسرائيليون ب ٨١ بالمائة من أرض كنعان التاريخية . يريدونها كلها وأولها ال ٢ بالمائة في غزة.
حالة سيزيفية يعيشها الفلسطينيون منذ أيام العماليق ، والحق ، كل الحق ، على العماليق ورئيس وزرائهم ووزير حربه الذين فتكوا بالطفل ديفيد وادعوا أن جيشهم يتمتع بما لم يتمتع به جيش نيرون وجيش هولاكو ولا حتى جيش هتلر .
لماذا قطعتم أيها العماليق الرؤوس واغتصبتم النساء وقتلتم الأطفال ؟ لماذا فاقت جرائمكم جرائم النازي ( أدولف هتلر ) ؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١ / ٢٠٢٤ ( قبل الميلاد )

اليوم الثامن والتسعون للمقتلة وحرب الإبادة وعسى تضع الحرب أوزارها !!

***

> 98: ج- هامش أدبي في ظل المقتلة :

على الرغم من المقتلة التي بدا فيها التوحش الذي يذكر بشبيهه في الحرب العالمية الثانية ، فلم تغب الموازنات بين غزة ودريسدن ، كما لم يغب التذكير ب ( هيروشيما ) و( ناغازاكي ) ولو من باب الرغبات والأمنيات ، وهذا ما طالب به غير مسؤول إسرائيلي - أي إلقاء قنبلة ذرية على القطاع وكان الله بالأمر عليما ، إلا أن المتابع لكتاب اليوميات في غزة ، وأبرزهم عاطف ابوسيف ، قرأ عن هامش توفر لمثقفي القطاع تم فيه الخوض في قضايا أدبية .
شخصيا شاركت في بعض لقاءات إذاعية تمحورت حول تواطؤ الأرض مع أبنائها ، إذ حاورني الأديب العماني سليمان المعمري في الموضوع ، وأسهمت في التذكير بكتاب فلسطينيين كتبوا الأدب الملتزم وأحييت نصوصهم التي كتبت في مناسبات تشبه ما نمر به ، وأحلت مشرفي مواقع إلكترونية إلى كتابات جديدة لم يكن أصحابها أصواتا معروفة ، بل ، وهذا هو الطريف ، بل اكتشفت قصيدة جديدة للشاعر المرحوم أحمد دحبور قالها في ذكرى رحيل ياسر عرفات عنوانها " يا صاحب البيت " . استمعت إليها بصوته ثم فرغتها ونشرتها ؛ قصيدة لم تدرج ، كما عرفت ممن نشدته المساعدة ، مثل Safi Ismael Safi
و
Khaled Juma
و
كامل ياسين
لم تدرج في أعماله الكاملة التي صدرت عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين .
نعم على الرغم من المقتلة كان هناك هامش للكتابة في قضايا أدبية أو التفكير فيها . لقد كتبت ٣٧ فقرة عن رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) التي كتبت عنها في العام ٢٠٢١ عشر حلقات " سهرة مع أبو إبراهيم " .
واللافت :
وأنا أعيد قراءة بعض قصص غسان كنفاني فكرت في أن أكتب من جديد عن تأثير الزمن الكتابي على الزمن الروائي ، معتمدا على قصة غسان " ثلاث أوراق من فلسطين " ورواية إبراهيم نصرالله " زمن الخيول البيضاء " . كتب الأول قصته بين ١٩٥٦ و ١٩٥٧ وكتب الثاني روايته في ٢٠٠٦ ، ولسوف أعزز ما أتجادل به مع روائيين كثر حول كتابة الكاتب عن زمن روائي قريب منه أو زمن روائي بعيد عنه .
هل فهمتم شيئا أم أن الحرب جعلتني أهذي ؟
وأما الجدل الدائر حول الشاعر سليمان دغش فإنني ما زلت أقلب الأمر على وجوهه .
أتمنى من الله أن تنتهي الحرب قبل أن أفقد توازني وعقلي . إنها حرب مجنونة ! وكان الله في عون أهل غزة وهو المستعان به .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١ / ٢٠٢٤

***

99: أ- في اليوم التاسع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة : صرنا أقل ذكاء

في صباح اليوم التاسع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة وجدتني أكرر مقطع محمود درويش :
" بلاد على أهبة الفجر ،
صرنا أقل ذكاء ،
لأنا نحملق في ساعة النصر :
لا ليل في ليلنا المتلأليء بالمدفعية
أعداؤنا يسهرون ،
وأعداؤنا يشعلون لنا النور
في حلكة الأقبية "
منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ - أي منذ تسعة وتسعين يوما صار الواحد منا مثل عداد يسعى وراء الأخبار والأرقام :
- عدد القتلى
- عدد الجرحى
- عدد اللاجئين
- عدد المجازر
-عدد رشقة الصواريخ
- عدد سيارات الإسعاف التي دمرت
- عدد الدبابات والآليات الإسرائيلية التي دمرت كليا أو جزئيا
- عدد الأسرى الإسرائيليين الباقين
- عدد الصحفيين الذين ارتقوا
- عدد الأطباء والممرضين الذين ارتقوا أو جرحوا أو سجنوا
- عدد الشاحنات التي سمح لها بالدخول
- عدد الدول التي صوتت
- عدد الدول التي امتنعت عن التصويت
- 57 دولة عربية وإسلامية
- 70 عضو كنيست إسرائيلي وقعوا على عريضة لتجربد عوفر كاسيف من عضويته
- عدد أصوات الأحزاب الصهيونية في حال إجراء انتخابات
- عدد البيوت المدمرة كليا وجزئيا
- عدد الأطفال
- عدد النساء
- عدد الدولارات رشوة للخروج
- أسعار السلع وأكياس الطحين
حقا إننا صرنا أقل ذكاء ، فمنذ تسعة وتسعين يوما لم أقرأ كتابا واحدا ولم أزر أية مدينة ولم ألق أية محاضرة وجاها ولم أشارك في أية ندوة ولم ...
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

> 99: ب- غزة والأمة العربية :

قبل فترة كتب الكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي مقالا طلب فيه من العرب ألا يعلموا أولادهم في المدارس والجامعات الطب والهندسة وما شابه ، بل أن يرسلوهم إلى غزة ليتعلموا هناك الشجاعة والعزة والكرامة .
وأنا أقرأ في قصة غسان كنفاني " ثلاث أوراق من فلسطين " قرأت :
" يا صديقي ..
أبدا لن أنسى ساق نادية المبتورة من أعلى الفخذ ، لا ولن أنسى الحزن الذي هيكل وجهها واندمج في تقاطيعه الحلوة إلى الأبد . لقد خرجت يومها من المستشفى إلى شوارع غزة ، وأنا أشد باحتقار صارخ على الجنيهين اللذين احضرتهما معي لأعطيهما لناديا ، كانت الشمس الساطعة تملأ الشوارع بلون الدم .. كانت غزة يا مصطفى ، جديدة كل الجدة ، أبدا لم نرها هكذا أنا وأنت : الحجارة المركومة أول حي الشجعية ، حيث كنا نسكن ، كان لها معنى كأنما وضعت هناك لتشرحه فقط ، غزة هذه ، التي عشنا فيها ومع رجالها الطيبين سبع سنوات في النكبة كانت شيئا جديدا " ( غسان كنفاني ، ورقة من غزة ، الكويت ١٩٥٦ ، من مجموعة " أرض البرتقال الحزين " ١٩٦٢ / ا. ك . صفحة ٣٥٠ ) .
اليوم يمر ٩٩ على بدء ٧ أكتوبر .
لاحظ أمس الصحفي Basem Alnadi أن حركة حماس وكتائب القسام لم تعلن يوم ١٢ / ١ / ٢٠٢٤ أي خبر عن سير المعارك وما قامت به مجموعاتها .
" حلل يا دويري " .
الأوضاع في الخليل بعد ارتقاء ثلاثة شباب أمس مكهرب .
وآخر الأخبار تأتي من مخيم الفارعة حيث يقتحمه الجيش الإسرائيلي كما لم يقتحمه من قبل . جرافات تجرف وتخرب وهناك إصابات .
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١ / ٢٠٢٤

اليوم ٩٩ للمقتلة وحرب الإبادة

***

> 99: ج- وائل الدحدوح علامة من علامات الحرب الدائرة حاليا :

صار وائل الدحدوح علامة من علامات الحرب الدائرة حاليا ، حرب " طوفان الأقصى " . إنه يمثل نفسه ويمثل في الوقت نفسه أغلب أهل قطاع غزة الذين ثكلتهم الحرب ويمثل أيضا المهنة التي يعمل فيها - أي مهنة الصحافة وأحوال الصحفيين في أثناء الحرب التي لا يراعى فيها إلا ولا ذمة ؛ الحرب التي تنتهك فيها القوانين والمعايير .
وائل الدحدوح رجل صبور مثابر ينتمي لمهنته انتماء كبيرا ويخلص لها حتى إنه ينسى أحزانه الخاصة فلا تؤثر عليه ولا تثنيه عن واجبه ولا تفت في عضده ، ومن يتابع الفضائية التي يعمل فيها ، وهي قناة الجزيرة ، يشعر أن وائل صار واحدا من أسرته وصديقا له يألفه ويصغي إليه بشغف ورغبة في الإصغاء ، وحين فقد وائل أسرته شعر كثيرون بأنهم أيضا فقدوا أسرتهم ؛ زوجته وابنته وحفيده ثم ابنه حمزة ، وصارت حياته تعني الكثير لمن أصغى إليه وتابع تغطيته للحرب .
أمس واليوم شاهدت شريط فيديو لوائل الدحدوح في فرح ابنه حمزة وأصغيت إليه يغني " لكتب اسمك يا بلادي عالشمس ال ما بتغيب لا مالي ولا ولادي على حبك ما لي حبيب " و " للف الدنيا ودور ... " الأغنية التي ألفها ولحنها إيلي شويري .
كان وائل يحمل الميكروفون ويغني فرحا ، وكان يطلب من الآخرين أن يصعدوا من وتيرة مشاركتهم وأن يبدوا فرحا حقيقيا يليق بفلذة كبده . ولقد أدرج موقع " مبدعون فلسطينيون " في هذا الصباح شريط الفيديو الذي قد ينسيك الإصغاء إليه مآسي الحرب للحظة .
وأنا أكتب تذكرت أغنية مارسيل خليفة عن الحرب وأجمل الأمهات ، وتذكرت الأغنية التي أثارت ضجة " ستنتهي الحرب ويتصافح القادة " ونسبت كلماتها للشاعر محمود درويش وغنتها المطربة كارول سماحة . وتساءلت :
- بم سيشعر وائل حين تنتهي الحرب ويعود إلى البيت وحيدا ، فلا يجد زوجته ولا ابنه حمزة ولا ابنته وحفيده ؟
هل سيغني :
" أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد .. عاد مستشهدا ، فبكت دمعتين ووردا ، ولم تنزو في ثياب الحداد " .
لن يجد وائل أحدا ، سوى ابنتيه ، في انتظاره هو الناجي ، إن نجا ، ونتمنى له النجاة والسلامة ، فالحرب على ما يبدو تحرق الأخضر واليابس ، والصحفيون ليسوا بمنجاة ، فقد فاق عدد من ارتقى منهم ١٠٨ والحرب لما تنته بعد .
مساء الخير يا وائل الدحدوح والمجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم التاسع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

100: كوابيس ليلة ال ١٠٠ يوم للمقتلة وحرب الإبادة :

الليلة المنصرمة نمت في العاشرة والنصف وصحوت في الثانية عشرة . فحصت نسبة السكر في الدم فوجدتها ١٧٨ وتساءلت :
هل ستستمر الحرب مدة مائة وثمانية وسبعين يوما ؟
مرة واحدة لعبت لعبة الأرقام وتحققت .
في العام ١٩٧٢ تقدمت لامتحان التوجيهي ، وكان رقم جلوسي ١٥٠٥ . جمعت الرقمين المتشابهين وقلت:
- سوف أكون من العشرة الأوائل في الضفة الغربية .
وكان .
لم أعش تجربة اللجوء ومغادرة البيت في الحرب ، إلى بيت آخر أكثر أمنا ، إلا مرة واحدة . كان ذلك في العام ١٩٦٧ يوم غادرنا إلى بيت خالتي ام عارف يعيش في البلدة القديمة ، معتقدين أنه أكثر أمنا ، وسرعان ما انتهت الحرب ، لنعود ونعيش في بيتنا ، ولما كان الرصاص في الليالي كثيفا ، كأنه يمر فوق أسطح بيوت المخيم ، وكانت هناك ثمة مقاومة ما ، غادرنا المخيم ثانية لشهرين ، ثم عدنا . غادرناه إلى بيت في المدينة ، في طلعة إسو ، يعود إلى زوج خالتي أم يوسف الكوني .
عندما توقفت حرب حزيران ، وعدنا إلى المخيم ، عدنا ماشين ؛ أنا وأمي وإخوتي ، وظل أبي في البلدة القديمة ليومين إضافيين . سرنا قرب سوق الخضار القديم ( الحسبة ) ورأينا الناس تأخذ منه ما تحتاج إليه ، على مرأى من بعض الجنود الإسرائيليين الذين رأيناهم ثانية ودباباتهم في أول شارع عمان ، مقابل مبنى مقر الحكم العسكري القديم والسجن ( القشلة ) .
سرنا من نابلس إلى مخيم عسكر القديم مشيا ، كل واحد منا ، نحن الصبيان ، يمسك بيد إخوته الأطفال.
عندما صحوت ، في الثانية ليلا ، تناولت حبة رطب وملعقة لبن ، ثم واصلت نومي ليبدأ كابوس الهجرة واللجوء . وجدتني في شارع من شوارع غزة صبيا يافعا يمشي وأمه وإخوته نحو الشمال . هل كنا عائدين إلى أحد مخيمات شمال القطاع ؟
في الرابعة و ٤٧ دقيقة صحوت . شغلت المكيف وبدأت أخربش .
هل سيحمل لنا اليوم ١٠٠ من حرب " طوفان الأقصى " مفاجأة ؟ فالحديث عن عودة اللاجئين من شمال قطاع غزة إلى جنوبها وعودتهم بدأ يتردد في الأخبار وعلى ألسنة بعض اللاجئين ، معبرين عن أمنياتهم الوحيدة في هذه الفانية .
أمس كنت أصغي إلى إذاعة أجيال ، وكان ثمة لاجيء يصف حياته ويعبر عن أمنيته وأهله :
لا نريد من أحد شيئا . نريد أن نعود إلى بيتنا وننصب على بقاياه خيمة . منذ بدأت الحرب لم نعش يوما عاديا . لم نذهب إلى شط البحر لنسبح . نريد أن نذهب إلى شاطئنا نغلي الشاي والقهوة ونشرب . نريد أن نحيا حياة عادية افتقدناها .
عندنا مثل يقول " اللي عبال أم حسين بتحلم فيه بالليل " وكم مرة حلمت أنني في يافا .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ١ / ٢٠٢٤

ومقالي اليوم في الأيام الفلسطينية عنوانه " تداعيات حرب ٢٠٢٣ - ٢٠٢٤ : تصحير العرب فلسطين ، وتحويل إسرائيل غزة إلى جنة ، وأحد معاني السخرية هو :
" أن تقول شيئا وتقصد عكسه " .

***

> 100: ب- ظلال الحرب:

في بداية الحرب الدائرة حاليا أعادت إسرائيل عمال قطاع غزة إلى مدن الضفة الغربية ووزعتهم عليها ، ومنعت عمال الضفة الغربية من مواصلة عملهم في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ ، وربما بعض مستوطنات المناطق المحتلة في العام ١٩٦٧ .
عمال كثيرون فقدوا مصادر رزقهم ، وغدوا عاطلين عن العمل ، وصاروا موضع تندر لقسم منا .
أحد المواطنين الفلسطينيين صور فيديو تظهر فيه امرأة فلسطينية تشعل الحطب لتخبز عجينها ، وأيضا لتضع على النار الماء حتى يسخن ، وعلق يخاطب نسوة العمال :
- يللاه . خليها الملابس والطناجر هسه تنفعكن . ما عرفتن توفرن قرشين لمثل هذا اليوم ؟!
ومواطن ثان صور شريط فيديو لعاملي بناء وقصارة وعقب :
- شابفين عمال ال ٤٠٠ و ٥٠٠ شيكل باليوم . اليوم بشتغلوا ب ٣٠ أو ٤٠ شيكل . العاملين اثنين ب ٦٠ شيكل - أي العاملان الاثنان يعملان بستين شيكلا .
ومنذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وعمال الداخل - أي عمال الضفة في الداخل - في إسرائيل - في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ وهم بلا عمل ، وقسم منهم صار يبيع على العربة . إن تجولت في نابلس مثلا فسوف تجد عشرات العربات والبسطات في وسط المدينة ، وأرجح أن أكثر أصحابها من العمال الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها بلا عمل ، وتحديدا منذ بداية الحرب .
قبل شهر ونصف جلست مع أحد العمال الذين يعملون في المستوطنات في الضفة وأخبرني أنه توكل على الله وقرر مزاولة عمله ، وفي تلك الأيام وأنا في الباص طلب عامل من السائق أن يوقف الحافلة ليهبط منها وقال :
- نوينا نغرب . شهر ونصف مر على بداية الحرب وما زلنا بلا عمل .
اليوم ظهرا صعدت في باص يعمل على خط جامعة النجاح الوطنية . في الباص شابان يتحدثان مع امرأة تجلس إلى جانب السائق . كان محور حديثهم حول الدراسة في الجامعة والتكاليف الباهظة التي يتكبدها الطلاب ليجدوا أنفسهم ، بعد تخرجهم ، يصطفون في طابور العمال يعملون في المصانع والورش الإسرائيلية ، وها هما الآن ، منذ بداية الحرب ، بلا أي عمل .
- بفرجها الله .
قالت المرأة التي وجباها ودفعا عنها الأجرة ، احتراما وتقديرا أيضا .
وفجأة انتقل الحديث إلى الحرب ودور اليمن فيها ، وصرنا كلنا خبراء ومحللين عسكريين متخصصين في العلوم العسكرية وقدرات اليمن الحربية ، علما بأن الشابين تحدثا عن النبات الذي يتناوله اليمنيون فيخدرهم دون أن يعرفا ، ولا الركاب عرفوا ، اسمه ، لولا أنني أسعفتهم بقولي :
- إنه القات .
لو كان معي هاتف فايز الدويري لطلبت منه أن يحلل الوضع العسكري في الجبهة اليمنية : " حلل يا دويري " .
أسعار الفواكه قياسا إلى أسعارها في وقفة العيد تبدو في الحضيض ، ويبدو أن ما مع الناس من نقود يتطلب توفير الحاجات الأساسية ، فالفواكه صارت تعد من الكماليات .
حلل يا عادل سمارة Adel Samara بصفتك متخصصا في الاقتصاد ، وأما أنا فأعيد إلى الذاكرة ما كتبه عن مشكلة العمل في الداخل إميل حبيبي في " المتشائل " وسحر خليفة في " الصبار " و " عباد الشمس " وغريب عسقلاني في " الجوع " وأيضا يحيى السنوار في " الشوك والقرنفل " ، وذكر اسم الأخير صار مجازفة .
قبل فترة اقتبست من قصيدة محمود درويش " بيروت " أسطرا عن الحرب منها :
" فسر ما يلي :
بيروت ( بحر - حرب - خبر - ربح )
....
...
الحرب : تهدم مسرحيتنا لنلعب دون نص أو كتاب
والحرب : ذاكرة البدائيين والمتحضرين
والحرب : أولها دماء
والحرب : آخرها هواء
والحرب : تثقب ظلنا لتمر من باب لباب
....
والربح مشتق من الحرب التي لا تنتهي" .
ويبدو أن " أبو يائير " مش مصلي على النبي - أي نبي .
المجد لغزة والزوال للمحتلين خربشات عادل الاسطة
١٤ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم ١٠٠ للمقتلة وحرب الإبادة .

***

101: أ- يوميات المقتلة 101 " وامعتصماه":

كلما هاجموا تلا المهاجم بعد أن يبسمل ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) ورمى فأصاب واعتلاه الفرح ، فتتذكر قول الشاعر العباسي " أبو تمام " في قصيدته البائية في فتح عمورية :
" رمى بك الله برجيها فهدمها
ولو رمى بك غير الله لم تصب " .
من هو معتصم " طوووفان الأقصى " ، في زمن تنادت فيه الفلسطينيات الف ألف مرة " وامعتصماه " ولم يجبها أي زعيم عربي ؟
هل ستستبدل كلمة مجاهد بكلمة فدائي ؟
لست أدري يا إيليا أبو ماضي !
في شريط فيديو لافت تقف امرأة مصرية وحيدة في أحد شوارع القاهرة ترفع العلم الفلسطيني وتهتف :
- يا رجالة يا مصريين ! فين النخوة وفين الدين ؟
وفي شريط ثان تتحدث امرأة مصرية ثانية عما يجري في معبر رفح من استغلال وتجارة حيث يدفع الفلسطيني الخارج مبلغا كان في البداية ٣ آلاف دولار ارتفع أمام الطلب إلى عشرة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١ / ٢٠٢٤

****

> 101: ب- يوميات المقتلة ( ١٠١ ) ٢ : نرجسية الأدباء :

أمس قرأت ما كتبه الصديق مجدي عاشور Majdi Ashour على صفحته عن الشاعر المقيم في الضفة الغربية ؛ الشاعر الذي يهتم بأثاث بيته ، فيظهره على صفحته ، وبترجمات كتبه إلى اللغات الأخرى وبلاغة ما يكتب .
لم يخف مجدي إعجابه بأشعار الشاعر ، فهو يقرأها وتروق له ، واعتراضه سببه أن الوقت غير مناسب الآن لإظهار أمجاد شخصية فيم بيوت أهل غزة تدمر وتسوى بالأرض ، ولمن يريد أن يقرأ ما كتبه مجدي حرفيا فقد أدرجته اليوم صباحا على صفحتي .
ماذا نفعل نحن أدباء الضفة الغربية منذ ٧ أكتوبر ؟
اليوم صباحا كتبت عن أشرطة شاهدتها فازددت غما على غم . عصرا تمشيت وحيدا ، وحين مررت بالقرب من بيت فاروق طوقان الذي أقامت فيه الشاعرة فدوى طوقان في أشهرها الأخيرة ، وقد زرتها فيه ، فتذكرتها وتذكرت عنوان مجموعتها " تموز والشيء الآخر " ، وتذكرت سطرها تحذر المقاومة الفلسطينية بعد أيلول ١٩٧٠ " حاذري إخوتك السبعة " .
أمس ليلا اقتحمت القوات الإسرائيلية مبنى جامعة النجاح الوطنية القديم الذي يقع بالقرب من بيت فاروق واعتقلت نحو ٢٠ طالبا كانوا يعتصمون في الجامعة .
الأوضاع تبدو متوترة ، وحين اتصل بي زميل لكي أنجز له معاملة وسألني ماذا أفعل ، أجبته بأنني أتمشى وحيدا ، فنصحني أن أبحث عن عجوز . ابتسمت وقلت له : لو أستطيع أن أطلق نفسي من نفسي لفعلت .
كنت في الساعة الثالثة أصغي إلى الأخبار التي استطردت في الحديث عن شابين من بني نعيم دهسا في منطقة رعنانا في فلسطين مجموعة إسرائيليين بعد أن طعنا سائقة سيارة واستوليا على سيارتها وواصلا مهمتهما .
الأوضاع في الضفة الغربية بدأت تتوتر أكثر وأكثر وفاق مجموع من ارتقى في العام الماضي الثلاث مائة ، والحكومة الإسرائيلية نقلت جزءا من قواتها في غزة إلى الضفة تحسبا ، ويبدو أن الحرب في غزة ستطول والحصار في الضفة سيمتد . هل تتذكرون ما كتبه محمود درويش في " حالة حصار " عن حصار انتفاضة الأقصى ؟
" سيمتد هذا الحصار إلى أن
يحس المحاصر مثل المحاصر ،
أن الضجر
صفة من صفات البشر "
" سيمتد هذا الحصار إلى أن
نقلم أشجارنا
بأيدي الأطباء والكهنة "
" سيمتد هذا الحصار ، حصاري المجازي
حتى أعلم نفسي زهد التأمل :
ما قبل نفسي - بكت سوسنة
وما بعد نفسي - بكت سوسنة
والمكان يحملق في عبث الأزمنة " .
وكنت أسير وحيدا أحملق في عبث الأزمنة .
هل بدأت هزيمة الإسرائيليين بانسحاب الفرقة ٣٦ من مخيم البريج تحت تغطية قصف عنيف دون أن تنجز مهمتها ؟
أكتب ما سبق وأنا أصغي لمراسل الجزيرة إلياس كرام الذي يحلل ويجتهد ويتساءل . هل ستبدأ الحرب على الحدود اللبنانية ؟
إنه الغوص في وحل غزة .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

102-أ- يوميات المقتلة ( ١٠٢ ) ١ : شعارات المتظاهرين المصريين :

يبدو أن الصبر بلغ مع بعض أبناء الشعب المصري مداه فبدأ ينفد ، وقد كتب ناشط عربي " بلغ السيل الزبى " .
أمس كتبت عن امرأة مصرية وحيدة ترفع العلم الفلسطيني وتهتف متسائلة عن الرجولة المصرية " يا رجالة يا مصريين فين النخوة وفين الدين ! " كما لو أنها تصرخ " وامعتصماه " . لماذا لم تقلها علنا " واسيساه " ! أم أنها تعرف الإجابة مسبقا ؟ .
اليوم تظاهر مصريون وهتفوا :
" فش مشاركة ف الحصار
معبر بينا وبين أهالينا
الصهيوني متحكم فينا
طول ما الدم العربي رخيص
يسقط يسقط أي رئيس
عملوها أحفاده منديلا
احنا ف عار وخوف ومذلة " .
هل سجل متابع ما الشعارات التي يرددها المتظاهرون في العالم ومنه العالم العربي ؟
وماذا يجدي هذا ؟
أمس راودتني الفكرة :
" لا تمدح الحرب ما دمت بعيدا عنها "
ثم قرأت ما كتبه الغزي مجدي عاشور المقيم بعيدا عن غزة وكتبت عنه .
صباح الخير يا غزة ولو من باب التمني
المجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 102 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٢ ) ٢ : كل شيء يولد الحزن

طالت الحرب واستدارت وصارت مكرا مفرا وكلما زعم الإسرائيليون أنها في شمال غزة انطفأت أو كادت أوقدها المقاومون ثانية وذهبت مزاعم المحتلين أدراج الرياح .
يخرج المقاومون من تحت الأرض وينتشرون في المباني المهدمة وبين أنقاضها ويقنصون . يبسملون ويقرأون الآيات وإن أصابوا فرحوا بما حققوا .
وأنت تصغي في اليوم المائة واثنين ظهرا إلى مراسل الجزيرة إلياس كرام تكرر :
عرفنا تاريخ بداية الحرب ولا نعرف تاريخ نهايتها .
وتكرر من جديد قول الشاعر الجاهلي :
" وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم " .
هل فهمت الآن ماذا قصد محمود درويش بقوله :
" سيمتد هذا الحصار إلى أن نعلم أعداءنا
نماذج من شعرنا الجاهلي " ( حالة حصار ، ٢٠٠٣ ) .
كم بحثت عن المعنى وتساءلت عن النماذج المقترحة لتعليمها ، ثم فجأة ، وأنت تمشي الهوينى كما يمشي الوشي الوجل ، بحكم السن طبعا خوفا من أن تقع أو يداهمك سائق سيارة أو دراجة أو سكوتر .؟! كم بحثت عن المعنى وها أنت تعثر عليه ؟!!
في المساء أمارس ترفا ربما لا يتوفر لمئات الآلاف من الغزيين في شمال القطاع ووسطه ، فالطائرات الحربية والمسيرة وقذائف المدفعية تقصف وتدك وتبيد وتدمر وتميت وقد لا يسلم أحد أو شيء ، وقد يفهم الجنود الإسرائيليون ، وهم في أرض المعركة ، قول زهير بن أبي سلمى هذا وباقي أبيات معلقته .
هل ثمة هرم بن سنان وحارث بن عوف ؟
وأنا أتأمل البنايات المقامة وتلك التي تقام أفهم ما قاله ذلك العجوز الغزي الثمانيني الذي فقد بيته وصار يقيم في خيمة عز حصول بعض اللاجئين عليها . هل يفهم الصحفيون والمحللون الإسرائيليون في القنوات العبرية شكوى اللاجيء الفلسطيني الذي عذبوه وحولوا حياته منذ طفولته إلى جحيم ؟
- ما أني عوسيه ؟ كاخ أني ! أني رودسيه لرؤوت ميؤود ميؤود ميؤود !
إنه لا يعرف النوم إلا إذا رأى طائرات سلاحه الجوي تدمر المزيد والمزيد والمزيد من بيوت أهل القطاع .
أمشي في الشارع وحيدا أحملق في عشر سيارات عمومية تابعة لمكتب تكسي الاعتماد وأنظر إلى سائقيها ينتظرون إشارة لكي ينطلقوا بحثا عن الرزق .
هل ركزت جيدا وأنا أصغي صباحا إلى عدد العمال العاطلين عن العمل منذ ابتدأت الحرب ؟
رائحة الربيع تملأ الحواس والليل يقصر والنهار يطول والحرب تطول أيضا . ثمة حزن ما يتوالد . كل شيء يبعث على الحزن . مرأى المباني المدمرة . نساء غزة المكلومات . أطفالها . رجالها . منظر الخيام . بحر من الخيام .
والحرب تطول والإسرائيليون يكتبون على ضوء بندقية ، فلا يلمع في مخيلتهم إلا ضوؤها وألف إعلان يقول :
" نحن لن نخرج من خارطة الأجداد ،
لن نترك شبرا واحدا للاجئين " .
ومنذ حرب الاستنزاف كتب محمود درويش :
" من الناحية الأخرى
زهور حجرية .
ويمر الحارس الليلي ،
والإسفلت ليل آخر
يشرب أضواء المصابيح ،
ولا تلمع إلا بندقية " .
من أي عام جاء هذا الحزن ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١ / ٢٠٢٤

***

103 -أ- يوميات المقتلة ( ١٠٣ ) : سعيد . س وابنه خلدون :

ماذا لو كان غسان كنفاني على قيد الحياة ؟
تعد رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " من الروايات الفلسطينية المبكرة جدا التي أثارت سؤال الهوية والانتماء ، وقد تناسلت في روايات أخرى كثيرة .
ترك سعيد . س وزوجته صفية طفلهما خلدون في غمرة فوضى أحداث مدينة حيفا في العام ١٩٤٨ ، ولم يعملا ، خلال ١٩ عاما ، على استعادته فربته أسرة يهودية ، قادمة من بولندا ، تربية يهودية ومنحته الاسم ( دوف ) وصار جنديا في جيش الدفاع الإسرائيلي شارك في حرب العام ١٩٦٧ .
عندما زار الأبوان البيولوجيان ؛ سعيد وصفية ، بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، حيفا والتقيا بخلدون أصر على أن يبقى مع العائلة التي ربته وأن يواصل خدمته في الجيش ورفض العودة معهما إلى رام الله والتخلي عن بزته العسكرية الإسرائيلية . لقد اختار بمحض إرادته وانحاز ، فهل توسله سعيد أبوه البيولوجي ورأى فيه شبابه أم أنه تركه وتمنى أن يكون ابنه الثاني خالد المقيم معه في رام الله نفذ رغبته والتحق بالفدائيين ؟
لنقرأ هذا المقطع من الرواية :
" أي خلدون يا صفية ؟ أي خلدون ؟ أي لحم ودم تتحدثين عنهما ؟ وأنت تقولين إنه خيار عادل ؟ لقد علموه عشرين سنة كيف يكون ، يوما يوما ، ساعة ساعة ، مع الأكل والشرب والفراش ... ثم تقولين : خيار عادل ! إن خلدون ، أو دوف ، أو الشيطان إن شئت ، لا يعرفنا ! أتريدين رأيي ؟ لنخرج من هنا ولنعد إلى الماضي ، انتهى الأمر ، سرقوه "
ويتابع سعيد . س :
" لقد بدأت الجريمة قبل عشرين سنة ، ولا بد من دفع الثمن .. بدأت يوم تركناه هنا ".
كم جندي من العرب الباقين في فلسطين يخدم في الجيش الإسرائيلي وشارك في القتال ضد شعب أهل آبائه وأجداده في غزة ؟
لعلني أنجح في مقاربة سؤال الهوية في مقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية " تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : سؤال الهوية .. سؤال رابطة الدم " في الأعمال الأدبية الفلسطينية في ضوء الحرب الدائرة حاليا . هل سأفتح على نفسي أبواب جهنم ؟
أنا مع أهل غزة بالتأكيد ومع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وليس هناك حلول أخرى .
(صباحا ثلاثة شهداء في مخيم بلاطة قرب نابلس وأربعة في مخيم طولكرم)
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١ / ٢٠٢٤ .

***
> 103 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٣ ) ٢ : أدباء غزة الناجون حتى اللحظة : " سنة أخرى فقط "

يبدو أن لسان حال أدباء قطاع غزة الناجين حتى اللحظة من المقتلة هو ما ورد في قصيدة محمود درويش التي كتبها في العام ١٩٨١ " سنة أخرى فقط " ويستطيع المرء أن يقرأها في ديوانه " حصار لمدائح البحر " ( ١٩٨٣ ) .
في سبعينيات القرن ٢٠ اغتال الإسرائيليون رموزا فلسطينية عديدة كان للشاعر علاقة معها ومنها عز الدين القلق وماجد أبو شرار اللذان رثاهما في " الحوار الأخير في باريس " و " صباح الخير يا ماجد : اللقاء الأخير في روما " .
شعر الشاعر بأن خسارات فلسطين خسارات عامة وخاصة في الوقت نفسه فرثى ، ولما تكاثرت الخسارات وتضاعفت كاد يختنق فلم يبق له أصدقاء كثر ، ولذلك كتب يخاطب الأحياء منهم " من تبقى منكم يكفي لأن أحيا سنة أخرى فقط " .
ومن القصيدة نقرأ :
" ما معنى حياتي
عندما يسندني ظلي على حائط ظلي حينما تنصرفون
من سيأتي بي إلى نفسي
ويرضيها بأن تبقى معي؟
لا تموتوا ، لا تموتوا مثلما كنتم تموتون رجاء
لا تجروني من التفاحة - الأنثى
إلى سفر المراثي
وطقوس العبرات المدمنة! "
اليوم صباحا قرأت في صفحة الروائي عاطف ابوسيف نعيه لصديقه أبو الأديب عبد الجواد زيادة ، وكان عاطف في يومياته التي كتبها من غزة رثى العديد من أدباء القطاع الذين ارتقوا في هذه المقتلة وحرب الإبادة وذكر أسماءهم ، وأعتقد أنه يجب أن تنشر قائمة بأسمائهم تنجدد باستمرار ، فما زالت القوات الإسرائيلية الغازية تفتك بالبشر والحجر والنبات وكل شيء .
لم تخل صفحات أدباء آخرين من النعي ايضا كصفحة Nasser Atallah .
اليوم صباحا قرأت في صفحة الناقد طلعت قديح شبه نعي مبكر له ، فهو يقيم قرب مشفى ناصر الذي يتعرض للقصف " ما زلنا على قيد الحياة " ، ونطلب من الله له النجاة والسلامة ، وأطرف ما عرضه طلعت هو صورة له أمام كرتونة بيض فيها خمس بيضات اشتراها بعشرة شواكل - يعني البيضة بشيكلين ، وأول أمس في نابلس اشتريت ١٥ بيضة بعشرة شواكل .
علق طلعت على ارتفاع الأسعار في ظل هذه المقتلة : وبناء عليه صار عمري الآن 100 سنة .
وأنا أبحث عن سنة ولادة الشاعر عرفت أنه من مواليد العام ١٩٧٤ .
شعار أدباء غزة هو " سنة أخرى فقط "
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١ / ٢٠٢٤

***

104 -أ- لقد عادوا يا صديقي زياد عبد الفتاح :

في صباح اليوم الرابع بعد المائة من المقتلة وحرب الإبادة تذكرت صديقي الكاتب الروائي زياد عبد الفتاح ومجموعته القصصية " البحر يغضب : دم على شاطيء بحر غزة " ( ٢٠١٥ ) وقلت:
إن ما كتب عن غزة في الحروب السابقة لا يستحضر في الحرب الدائرة حاليا.
صديقي الشاعر خالد جمعة له ذاكرة وقادة أكثر من ذاكرتي ولكنه مشغول بكتابة نصوص جديدة ، ونادرا ما يتذكر نصوصه هو القديمة . ربما لأن لكل حرب خصوصيتها.
حتى زياد عبد الفتاح نفسه يختلف هذه المرة ، فهو يكتب من القاهرة لا من غزة ، كما في مجموعته القصصية المذكورة التي صدرت عن تجربة معيشة من قريب لا من بعيد . هذا مجال للموازنة بين كتابة الكاتب من داخل الحدث وكتابته من خارجه .
ما علينا !
وما علينا هي عبارة لزياد وهي عنوان لإحدى رواياته أيضا .
وأنا أنظر في القصة الأخيرة من " البحر يغضب " خاطبت الكاتب :
- ها هم يعودون بعد أقل من ثلاثين أو خمسبن عاما ، فماذا يقول الفلسطيني وماذا يقول الطيار الإسرائيلي ؟
عنوان القصة / الأقصوصة هو " ثلاثون ..حمسون عاما أخرى " - يعني في ٢٠٤٤ أو ٢٠٦٦ ونحن الآن في ٢٠٢٤ فلم تمر عشر سنوات .
تنتهي القصة :
" قال - الفلسطيني - وهو يستدعي الجنون والعصف والتشظي والموت الذي كان :
- أين هم الآن وأين آلتهم الحربية والموت والقتل الذي كانوا يشيعونه فينا .
قال الطيار وهو يبكي وقد جاوز السبعين :
- كنت أنفذ الأوامر ولم أفكر ولم أراجع روحي ولم يؤنبني ضميري .
قال مختتما حواره الداخلي :
- أين هم الآن ؟
كنا وكانوا وذهبوا .. ولن يعودوا " .
صباح الخير يا عزيزي أبو طارق . ها هم عادوا .
لقد عاد البرابرة أكثر بربرية وتوحشا وقبل ثلاثين أو خمسين عاما .
١٨ / ١ / ٢٠٢٤
خربشات عادل الاسطة

***

> 104 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٤ ) ٢ : " لقد أفسد الموت الحياة "

قبل أيام وأنا أبحث في " جمهرة أشعار العرب " عن رثاء " أبو ذؤيب الهذلي " لأبنائه الذين ماتوا معا ، وقد أوردت بعض أبيات قصيدته ، التفت إلى القصيدة التي تليها وقرأت " لقد أفسد الموت الحياة " ( كعب الغنوي ) أما أنا في هذه الأيام الفلسطينية القاسية فإنني صرت أكرر :
" لقد أفسدت الحرب الحياة " .
لم أمكث في الشقة ساعة حتى وجدتني أتمشى وحيدا أتأمل في ما نحن فيه : هنا وفي غزة ، وما نحن فيه هو امتداد لما كنا عليه وكان عليه أجدادنا وآباؤنا منذ العام ١٩٤٨ . البعد عن الديار والعيش لاجئين في الخيام والمخيمات في ما تبقى من وطن وفي المنافي القريبة والبعيدة .
وصرت أعدل في الصيغة :
" لقد أفسد الاحتلال الحياة "
" لقد أفسد الاستيطان الحياة "
" لقد أفسد الحاكم العربي الحياة "
" لقد أفسدت أمريكا والغرب الحياة "
" لقد أفسد التخلف الحياة "
" لقد أفسد المرض الحياة "
لقد أفسد وأفسد وأفسد .
هل أفسد العقد الثامن الحياة ؛ حياتي وحياة دولة إسرائيل ؟
يبدو أننا معا في غروب ، وقولوا إن شاء الله !
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين ولي معهم أيضا . لقد أفسدت الحرب الحياة .
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ١ /:٢٠٢٤

***

105 -أ- يوميات المقتلة ( ١٠٥ ) ١ : أهي انتصارات وهمية ؟

الخبر اللافت في الحرب أمس هو أن الجيش الإسرائيلي حرر إحدى وعشرين رهينة ولو جثثا .
ذكرني هذا بقول مظفر النواب ساخرا من الأنظمة العربية التي ستعيد اللاجئين :
- أبناء فلسطين ، سوف تعودون إليها ، ولكن جثثا .
الخبر السابق اللافت سرعان ما دارت حوله شكوك ، إذ قيل إنه بعد أن حلل ال DNA للجثث تبين أنها تعود لفلسطينيين ، ثم تم التريث بهذا الموضوع .
عندما نقلت الخبر على صفحتي عقب صديق :
- إن ( بنيامين نتنياهو ) ومجلس حربه يبحثون عن صورة انتصار ليقنعوا شعبهم بجدوى الاستمرار بالحرب .
بعد أن قرأت الخبر أصغيت إلى ( نتنياهو ) يلقي خطابا ، ومما قاله إنه سينتصر وإن الحرب ستطول أشهرا ، ما دفعني لأن أكتب :
- يبدو أن الحرب أيضا طويلة .
ها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي يقلد عبد الحليم حافظ ، ولكنه بخلاف المغني يبدو منفعلا .
التعليق اللافت الذي قرأته رأى صاحبه أن نتنياهو سيظل يحارب حتى تنتهي فترة رئاسة وزارته ، وسوف يؤجج العنصرية ضد الشعب الفلسطيني ، ولن يكترث حتى لو أباد من أباد .
ذكر وزير الحرب ( يوآف غالانت ) إنجازات جيشه في القتال فعدد ما ألحقه بالبنية التحتية لحماس ولم يذكر عدد المدنيين الفلسطينيين الذين ارتقوا ، وأما الوزير ( بني غانتس ) فقد بشرنا بأن الحرب لن تنتهي إلا باستكمال المهمة على الجبهة الشمالية - أي مع حزب الله ، وهذا يعني بالفعل أن الحرب ستطول كما قال رئيس الوزراء . إنها حرب وجود فتوقفها دون إنجاز المهمة يعني أن لا مكان لإسرائيل في المنطقة .
هل كان انفعال رئيس الوزراء وهو يخطب لفداحة خسائر القوات الإسرائيلية أمس في الجبهة ولعودة القتال في شمال غزة ؟
ما زالت الحرب مستمرة وعلى أهل غزة أن يعانوا من البرد القارس والجوع والفقر والأمراض والفقدان سنوات عذاب أخرى .
في العام ١٩٧٠ أصدر الشاعر هارون هاشم رشيد روايته " سنوات العذاب " عن غزة في العام ١٩٥٦ ، وفي تلك السنوات - أي ٧٠ ااقرن ٢٠ - كتب معين بسيسو عن غزة ومقاومتها بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ وفيما بعد كتب عاطف ابوسيف روايته " حياة معلقة " ٢٠١٦ ويحيى السنوار روايته " الشوك والقرنفل " ٢٠٠٤ عن معاناة أهل غزة في الانتفاضة الأولى وما بعدها .
المعاناة مستمرة والحرب مستمرة والمقاومة مستمرة والنكبة مستمرة والحياة أيضا مستمرة ، وقبل ٣٠٠٠ آلاف سنة دارت الحرب بين قومي شمشون ودليلة .
والكتابة ما زالت أيضا مستمرة !
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 105 -ب- غزة وغسان كنفاني :

هل زار غسان كنفاني مدينة غزة ليكتب عنها قصته " ورقة من غزة " في العام ١٩٥٦ ؟
نعم زارها في وقت لاحق لكتابة هذه القصة التي تسبق كتابة روايته " ما تبقى لكم "( ١٩٦٦ ) بعشر سنوات .
في كلا العملين كتابة عن غزة وفي الرواية يكتب عن احتلال المدينة في العام ١٩٥٦ والمقاومة فيها وخروج حامد اللاجيء الفلسطيني اليافاوي منها عبر صحراء النقب إلى الأردن .
عاش غسان كنفاني في الكويت التي عمل فيها سارد قصة " ورقة من غزة " وهناك في الكويت التقى بفلسطينيين من غزة ومنهم محمد البطراوي ( أبو خالد ) الذي انتقل من غزة إلى الأردن . ولو كان المرحوم أبو خالد على قيد الحياة لسألته عن كتابة غسان عن غزة ومرجعيته في الكتابة . وكنت كتبت من قبل أن " أبو خالد " قص علي أن أبطال رواية " رجال في الشمس " لم يموتوا فهو يعرفهم وهو من روى القصة لغسان . وأظن أن أبناء " أبو خالد " رووا شيئا مما سمعوه من أبيهم عن علاقته في الكويت بغسان كنفاني .
السارد في قصة " ورقة من غزة " ليس الكاتب بأي حال من الأحوال وهناك أكثر من دليل يمكن أن يعتمد عليه الدارس إن قارن بين حياة كل منهما . يبدو أن غسان سمع القصة وكتبها والطريف أنه فيها كتب عن غزة ولم يكتب عن مخيم بعينه علما بأن السارد الذي نشأ في حي الشجعية يأتي على عمله معلما في مدارس وكالة غوث اللاجئين ، وعلى فكرة فإن المعلمين الأوائل في هذه المدارس لم يكونوا من أبناء اللاجئين ، وأذكر أن ممن علموني في مدرسة مخيم عسكر القديم بين ١٩٦٠ و ١٩٦٩ أساتذة من مدينة نابلس وريفها : الأستاذ جورج والأستاذ أحمد الحنبلي وابن عمه والأستاذ حسن عيد والأستاذ عبد الرحمن أبو شبيب .
" ما هذا الشيء الغامض الذي كان يربطنا إلى غزة فيحد من حماسنا إلى الهروب ؟ لماذا لا نشرح الأمر تشريحا يعطيه معنى واضحا ؟ لماذا لا نترك هذه الهزيمة ، بجراحها ، ونمضي إلى حياة أكثر ألوانا وأعمق سلوى ... لماذا ؟ لم نكن ندري بالضبط !
وعندما أخذت إجازتي في حزيران ، وجمعت كل ما أملك توقا إلى الانطلاقة الحلوة ، إلى هذه الأشياء الصغيرة التي تعطي الحياة معنى لطيفا ملونا ، وجدت غزة كما تعهدها تماما : انغلاقا كأنه غلاف داخلي ، ملتف على نفسه ، لقوقعة صدئة قذفها الموج إلى الشاطيء الرملي اللزج قرب المسلخ ، غزة هذه ، أضيق من نفس نائم أصابه كابوس مريع ، بأزقتها الضيقة ، ذات الرائحة الخاصة ، رائحة الهزيمة والفقر ، وبيوتها ذوات المشارف الناتئة .. هذه غزة ، لكن ما هي هذه الأمور الغامضة ، غير المحددة ، التي تجذب الإنسان لأهله ، لبيته ، لذكرياته ، كما تجذب النبعة قطيعا ضالا من الوعول ، لا أعرف ... " ( ورقة من غزة ، ص ٣٤٤ و ص ٣٤٧ من الأعمال القصصية ) .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم ١٠٥ للمقتلة وحرب الإبادة .

***

106- يوميات المقتلة ( ١٠٦ ) : صباحات ساخرة :

تنام على شريط يبعث في النفس الأسى وتصحو على شريط يبعث على السخرية وثمة بينهما أشرطة تجعلك تفخر بأن هذه الأمة ما زالت بخير وفيها من يمجد الحياة فوق الأرض لا تحت الطغاة ، وتتساءل:
- بم يشعر الحاكم العربي وهو يحتفل مع جيشه بانتصارات كاذبة ويتحدث عن أمجاد وبطولات لا حضور لها على أرض الواقع ؟
ثمة أشرطة عديدة عن الخضراوات التي تباع في أسواق الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام ١٩٤٨ ؛ في المتاجر الإسرائيلية والعربية على حد سواء ، وأخرى عن قيادات عربية يخطب فيها حاكمها بجيشه الذي يحمي أسوار الوطن ؛ جيشه حامي حمى الديار من المهربين والمتسللين ، وثالثة عن الطعام المفضل للقيادة و ... وصارت تتداول للسخرية ....
وثمة أشرطة يومية يصورها المقاومون من أرض المعركة تري ما يفعله من استعدوا للمعركة بالجيش الغازي ، فتهمس :
- هل من وجه شبه بين هذه الأشرطة وتلك ؟
ربما يكون الحق على النسوة العربيات اللاتي لم يصرخن " واسيساه " " وبشاراه" و " عبدالله " ، فلو صرخن لاستجاب الرؤساء والملوك ! لربما !
في العام الدراسي ١٩٨٢ / ١٩٨٣ درست مادة الشعر العباسي في جامعة النجاح الوطنية ، ومن القصائد التي درستها قصيدة الشاعر " أبو تمام " البائية:
" السيف أصدق إنباء من الكتب "
ولما أتيت على المناسبة ، وكنت يومها متأثرا بالأفكار اليسارية وكانت حرب بيروت ١٩٨٢ ما زالت طازجة ، سألت الطلاب :
- هل تصدقون أن المعتصم استجاب لصرخة المرأة فحرك جيشه وأغاثها ؟
واحتجت إحدى الطالبات ، وكانت ذات توجه إسلامي ، وشكتني إلى تيارها .
لا أعرف إن كانت الطالبة ما زالت على قيد الحياة وما هو رأيها الآن ، فالإنسان قد يتغير وتسهم الأحداث والتجارب في هذا ، ولعلها سمعت استغاثة الغزيات وأصغت أيضا إلى أشرطة " أبو عبيدة " ولاحظت لهجته وهو يأتي على مواقف الأمتين ؛ الإسلامية والعربية ، مما يحدث ، وربما وجدت في موقف اليمن ما يدعم رأيها القديم ! ربما !
أسعار البندورة في العلالي والمواطنون الغلابى يشتمون التجار الأردنيين والفلسطينيين أيضا لأنهم يبيعونها للإسرائيليين .
وفي فمي ماء !!
ثمة أشرطة وثمة أشرطة وثمة أشرطة وفي المثل الشعبي الفلسطيني " في رجل وفي رجرج " و " في نسا وفي فسا " و ... .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١ / ٢٠٢٤

***

107-أ- يوميات المقتلة ( ١٠٧ ) : إعلان براءة

في خمسينيات وستينيات القرن ٢٠ عندما كانت الأنظمة العربية تعتقل شيوعيا ، كانت تزج به في السجن ثم تطلب منه ، إن أراد أن يخرج منه ، أن يتبرأ من الحزب الشيوعي الهدام ويعلن ولاءه وتأييده للحكم الرشيد في بلاده . هذا كان موضوعا حضر في الأدب العربي ؛ شعره ونثره ، وكل من قرأ رواية النجدي عبد الرحمن منيف " شرق المتوسط " وقصيدة مظفر النواب " براءة " قرأ عنه ، وأيضا السيرة الذاتية ليعقوب " زيادين " البدايات " والسيرة الذاتية لمعين بسيسو " دفاتر فلسطينية " .
كان إعلان البراءة ينشر في الصحف يخرج بعده السجين ذليلا منبوذا من رفاقه محتقرا من النظام الذي قد يقربه منه فقد أعلن ولاء الطاعة .
قبل ٧ أكتوبر هاجم مثقفون كثيرون حركة حماس واتهموها بأنها صارت سلطة توافق على عدد عمال أبناء قطاع غزة الذين سيعملون في الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ - أي إسرائيل ، وتنتظر شنطة الدولارات من العمادي وقطر تأتي إليها بمباركة رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) عبر مطار اللد . صارت حماس موضع سخرية وتندر ، ثم ... ثم حدث في ٧ أكتوبر ما حدث ، وأمس اشتد القتال وعاد كما كان في أيامه الأولى فعقبت :
- لم يكونوا يلعبون !
أطرف ما قرأته في أيام المقتلة وحرب الإبادة هذه هو إعلان صديقي د.حسين المناصرة براءته من مقالاته كلها التي هاجم فيها من قبل حركة حماس ، وقد نشر رأيه في صفحته على الفيس بوك . لم يجبره أحد ولم يكن في السجن ولكنه رأى الفعل وتابعه و ...
الأوضاع في قطاع غزة قاسية أكثر مما يتصوره البعض . برد كانون في الخيام وقلة طعام ودواء وارتفاع جنوني في الأسعار ونحن نجلس في بيوتنا نأكل مما لذ وطاب في أجواء دافئة وحق للصديق مجدي عاشور أن ينعتنا بأننا مناضلو ال ( كي بورد ) . Majdi Ashour
هل قرأتم في هذه المقتلة عن شعوب تتبرأ من حكامها ؟ راجعوا أشرطة فيديو المحتجين .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 107 -ب-هذه الضفة لنا ... وتلك : عمي ( أبو يائير ) القنوع

إن كتبتم في فراغ البحث أعلى الصفحة عن مقال لي ( ٢٣ / ٣ / ٢٠٢٣ ) عنوانه " الضفتان لنا " فسوف تقرأون إشارة إلى شاعر يهودي اسمه ( أراخ ) . كتب هذا الشاعر قصيدة عنوانها " الضفتان لنا " ، وإن لم تخني الذاكرة فهناك أغنية لمغنية إسرائيلية بهذا العنوان .
كان الشاعر المرحوم هارون هاشم رشيد في خمسينيات القرن العشرين قرأ القصيدة ورد عليها .
هل كان الشاعر أراخ يصدر عن رؤية سياسية للمشروع الصهيوني " من النيل إلى الفرات " . هل يوجد حقا مشروع صهيوني يقول بهذا ؟
( بنيامين نتنياهو ) في كتابه " مكان بين الأمم / مكان تحت الشمس " رد على مزاعم ياسر عرفات بهذا الخصوص وقال إن الرسم الذي على نوع من انواع العملة الإسرائيلية أساء أبو عمار قراءته وفهمه .
في تصريح اليوم لنتنياهو يقول إنه لن تكون هناك دولة فلسطينية غرب نهر الأردن ، فالدولة اليهودية ستقام على الأراضي الواقعة بين النهر والبحر . وركز " الدولة اليهودية " - يعني وجود الفلسطينيين - إن بقي قسم منهم - لا يرقى إلى رتبة مواطن ، وهو ما أوضحه ( سموتريتش ) في وثيقته حين خيرنا بين ثلاثة حلول :
- البقاء رعايا مثل عرب الداخل الآن .
- التهجير .
- القتل .
قبل أشهر من بدء الحرب الدائرة حاليا قرأت أن " أبو يائير " عاد غاضبا من الملك عبدالله ، لأن الأخير رفض بناء مخيمات في شرق الأردن لسكان الضفة الغربية ، وفي أثناء الحرب أصغيت غير مرة إلى شريط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يتحدث عن مقترحات " أبو يائير " عليه بخصوص فلسطينيي غزة ، وقد خربشت حول هذا .
" أبو يائير " ما زال يحلم بدولة يهودية بين النهر والبحر ، والحمدلله أنه تراجع عن حلم شاعره ( أراخ ) بدولة يهودية على الضفتين ؛ الشرقية والغربية .
" إذا أردتم فإنها ليست خرافة " كتب ( ثيودور هرتسل ) في ١٩٠٢ تحت عنوان روايته " أرض قديمة جديدة "
وأما أنا فقد اشتريت اليوم كيلو بندورة لأطبخ غدا قلاية البندورة . سعر الكيلو اليوم ٧ شيكل .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم ١٠٧ للمقتلة وحرب الإبادة .

***

108-أ- يوميات المقتلة ١٠٨ : يا جماعة : هل أنتم متأكدون أن فلسطين عربية ؟

منذ أمس وأنا أردد المثل الشعبي " دخول الحمام مش مثل خروجه " وأفكر فيما يجري في غزة . دخل الجيش الإسرائيلي إليها وتورط فيها ووحل حتى أن أحد أبنائها ، وهو الشاعر راسم المدهون المقيم في سورية ، كتب كلمة واحدة " بلطوا " ونشرها .
وأنا أتابع ما يكتبه أو يذيعه إعلاميون فلسطينيون يتابعون الصحف العبرية التفت إلى التفاتهم لما بدأت الصحافة العبرية تكتبه " الوحل الغزي / الغزاوي " .
صرت أحور في المثل " دخول غزة مش مثل الخروج منها أو البقاء فيها " .
أحيانا نقول لإنسان يتورط في شيء " يا محلى الدخول فيه ويا مصعب الخروج منه " .
في اليومين الماضيين اشتد القتال شراسة حتى أن بعض مراسلي الفضائيات والإذاعات قال إنه - أي القتال - عاد كما كان في أيامه الأولى ، وقدرت أمريكا خسارة قوة حماس ب ٢٠ إلى ٣٠ بالمائة - يعني ما زال هناك ٨٠ إلى ٧٠ بالمائة من العمليات . ويبدو أن ربيع الفلسطينيين قادم .
أحد الأصدقاء الفلسطينيين أرسل إلي فى هذا الصباح شريط فيديو لمظاهرة في إحدى المدن الأوروبية يقدر عدد المشاركين فيها بمائة ألف وأكثر . الثلج في الشوارع ودرجة الحرارة ٢٨ تحت الصفر ، وأسفل الشريط عبارة استفهامية :" هل أنتم متأكدون أن فلسطين عرببة ؟ ".
أنا متأكد من أن فلسطين فلسطينية ، فمن يقاتل في غزة هم أحفاد لاجئي النكبة ١٩٤٨ ، لا متظاهرو أوروبا مشكورين ، وأمس شاهدت شريط فيديو يحمل فيه مواطن غزاوي طفلته المولودة حديثا وقد ماتت من البرد ، وأما ارتجاف لاجئي النكبة الجديدة من شدة البرد فعبر عنه كثيرون في أشرطة أخرى وهؤلاء يعانون من أشهر ولا يهتفون لساعة !!
لا حلول إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم ، ودولة واحدة من البحر إلى النهر ، وعلى خطى ( أبو يائير ) ، في قوله لا في حربه ، ولكن دولة للجميع لا لليهود فقط .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 108 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٨ ) ٢ : " مراكز الإيواء في غزة ومراكز الإبادة في ( داخاو ) "

للتو شاهدت على صفحة الناشطة Siham-Haifa Daoud شريط فيديو عن مركز إيواء في إحدى مدارس خان يونس التي يشتد فيها القتال منذ يومين واخترقتها الدبابات الإسرائيلية هذا النهار ، ليسهل صيدها وقنص من يريد أن يتشمس ممن فيها ، ولكي يشتغل عداد أبو عبييدة وتبث فضائية الجزيرة أشرطة جديدة ، ولكي يحلل الدويري معلقا حربيا شبيها بالمعلقين الرياضيين الذين يفتقدون إلى البلاغة اللغوية والطرفة والتلاعب اللغوي .
سأل المذيع أحد الأطفال عن عدد نزلاء غرفة الصف الواحد ، فأجابه : 100 . وسلط الكاميرا على الخيام في ساحة المدرسة. بدت الخيام أشبه بشوادر لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولمن يريد أن يقرأ رأي سكان الخيام في رفح ومعاناتهم فيمكن أن يعود إلى يوميات عاطف ابوسيف ويوميات نعمة حسن أيضا ، والبرد في الليل يقص المسمار والمطر غدا وبعد غد سيهطل مدرارا .
وأنا أشاهد مقطع الفيديو تذكرت زيارتي لميونيخ في تشرين أول من العام ١٩٨٩ . وأنا في محطة القطار سألت عن القطار المؤدي إلى معسكر ( داخاو ) الذي قرأت عنه ، في حينه ، في رواية ناصر الدين النشاشيبي " حبات البرتقال " ( ١٩٦٤ ) إذ كنت أكتب رسالة الدكتوراه عن اليهود في الأدب الفلسطيني.
في معسكر ( داخاو ) شاهدت غرف الغاز التي أعدها ( أدولف هتلر ) لليهود الغلابى ، ورأيت الأسرة التي نام عليها اليهود ٦٤ سريرا في طابقين لكل طابق ٣٢ ، وكانت لصق بعضها ، وقد كتبت عنها في روايتي " تداعيات ضمير المخاطب " ( ١٩٩٣ ) ولا ضرورة للتكرار .
في ديوان محمود درويش " حالة حصار " ( ٢٠٠٣ ) كتب يخاطب الجندي الإسرائيلي أنه لو تذكر الضحية لتذكر أمه في غرفة الغاز ، وربما لحظتها فكر قليلا قبل أن يطلق النار .
هل الجندي الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية هو حفيد الضحايا اليهود في ألمانيا ؟
إنني أتساءل !!
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١ / ٢٠٢٤

***

109 -أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١٠٩ ) ١ : " سفربرلك فلسطيني في القرن ٢١ "

صارت المقتلة مهلكة أيضا . حقا إنها حرب إبادة أعادت الفلسطينيين إلى أيام السفربرلك في زمن حكم العثمانيين بلاد الشام .
لا أعرف كم من الفلسطينيين الآن ، وأيضا من سكان بلاد الشام كلها ، سمع بالسفربرلك والمجاعات في الفترات الأخيرة من حكام الدولة العلية . ربما يعرف فقط من يقرأون الروايات والقصص أو دارسو التاريخ . هل قرأ أي منكم رواية توفيق يوسف عواد اللبناني " الرغيف " عن حياة البيروتيين في تلك الأيام ؟ أو قرأ بعض روايات روائيي بلاد الشام التي أتت على نهاية القرن ١٩ وبداية القرن ٢٠ ؟
كاد الناس لشدة الفقر وانتشار المجاعة يهلكون، فبحثوا عن الشعير في روث الإبل والجمال وأكلوه ، وهكذا نجوا ، وأمس قرأت وسمعت أن نصف مليون ممن ظلوا في شمال قطاع غزة صاروا يطحنون علف الحيوانات ليعجنوه ويخبزوه . وأمس أصغيت إلى شريط تحدث فيه المسرحي سعيد البيطار من مخيمات اللجوء / الخيام في رفح على الحدود المصرية عما يعاني منه اللاجئون ، بعد مائة يوم حصار ، من شدة الجوع . هل عبثا ردد متظاهرون مصريون :
" ليش المعبر مش مفتوح
غزة بتطلع الروح
- يا حكومات عربية جبانة
ميت يوم م الخيانة " ؟
الكاتب يسري الغول تساءل إن بقي في شمال قطاع غزة معنى لأغنية فيروز عن العجين في الصبحية ، فلا طحين لديهم " الحلوة دي قامت تعجن في الصبحية " .
وفي شمال القطاع أيضا بدأ قسم من السكان يبحث عن شيخ يستفتيه إن كان أكل لحم الحمير مباحا !
في حرب المخيمات الفلسطينية ، في بيروت في العام ١٩٨٤ ، أكل أهلنا لحوم الحمير والقطط وقد صدرت فتوى بذلك .
صار الواحد منا كلما مد يده إلى لطعام أو الشراب ، أو سئل ما سيطبخ وأبدى حيرة ، صار يشعر بالخجل واحتقار الذات !
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 109 -ب- من يوميات المقتلة والمهلكة ( ١٠٩ ) ٢: "جزيرة عائمة للفلسطينيين كوطن بديل: إذا أردتم فإنها ليست خرافة"

آخر ما تفتقت عليه عقلية بعض الإسرائيليين هو إقامة وطن قومي للفلسطينيين / لأهل غزة في البحر المتوسط ( الوزير هو يسرائيل كاتس وزير الخارجية ) . هل الفكرة مأخوذة من مسلسل قارب الحب وسفينته الشهيرة ؟
" إذا أردتم فإنها ليست خرافة " نسي صاحب الاقتراح أن يضيف تشبها بأستاذه ( ثيودور هرتسل ) صاحب كتاب الدولة اليهودية ورواية " أرض قديمة جديدة " ، ويبدو أنه لا يريد أن يغضب الدول العربية المجاورة التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع دولته مثل مصر والأردن ، فلا وطن بديل في الأردن ولا توطين في سيناء ، ومن حق صاحب الفكرة أن يحلم ، وحبذا لو خص بالجزيرة - الوطن شعبه .
كلا الشعبين يريد فلسطين دولة له ؛ الفلسطينيون من النهر إلى البحر ، والإسرائيليون من البحر إلى النهر . كل شعب يريدها خالصة له مع وضع خاص لمن يتبقى من الطرف الآخر ، وفي العام ١٩٧٩ كتب سميح القاسم حكايته الاوتوبيوغرافية " إلى الجحيم أيها الليلك " وطرح رؤية الحزب الشيوعي ( راكاح ) : لنا ولكم . لا ما لنا لنا وما لكم لنا أيضا .
أمس كان للإسرائيليين أقسى أيام الحرب / المقتلة المهلكة ، فقد اعترفوا بمقتل ٢٤ ضابطا وجنديا ، وقدر آخرون الخسائر بما لا يقل عن ستينن ، وهناك روايات عن مصادر المستوطنين أن عدد القتلى قارب ١٢٣ . هل يقول المستوطنون الحقيقة أم أنهم يبيتون أمرا ؟
ستمتد الحرب إلى أن
" يحس المحاصر ، مثل المحاصر ،
أن الضجر
صفة من صفات البشر "
كما كتب محمود درويش ، علما بأنه في الديوان نفسه كتب :
" واقفون هنا ، قاعدون هنا ، دائمون هنا
خالدون هنا ، ولنا هدف واحد واحد :
أن نكون " .
شريط الفيديو الذي شاهدته عصرا كان لمرابط غزاوي تحدث عن الصمود في غزة وحث عليه وشجع الناس عليه ووجهة نظره تتكيء على الأحاديث النبوية . إن ساعة تحت القصف في غزة أفضل من ليلة القدر عند الحجر الأسود في الكعبة ، وليلة القدر تعادل ٨٣ سنة .
في بداية الحرب أصغيت إلى ضابط إسرائيلي يتحدث عن الفرق بين المقاتل الفلسطيني والجندي الإسرائيلي ، وقد تحدث عن أهم سمة يتمتع بها الأول وهي الصبر واستشهد بآية من القرآن الكريم ، وهذا ما يجعله يقيم في الأنفاق .
حكايتنا حكاية والمجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
مساء ٢٣ / ١ / ٢٠٢٤

***

110 -أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٠ ) : " هل ستنتهي الحرب ويتصافح القادة ؟ "

هل ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتنتظر الأمهات أبناءهن والزوجات أزواجهن والأبناء آباءهن ونصغي إلى المغنية اللبنانية كارول سماحة تغني " ستنتهي الحرب ؟
في هذه المقتلة والمهلكة ماتت الأمهات والزوجات والآباء ومات الأطفال ، ومات أقل من هؤلاء مقاتلون من الطرف الفلسطيني ، وربما انطبقت كلمات الأغنية على الطرف الآخر الإسرائيلي ، بل هي كذلك .
ما عاد للأغنية أهمية للمصغين العرب . هل على كارول سماحة أن تغنيها بالعبرية أم على الدكتور نبيل طنوس Tannus Nabil أن يترجم النص ، ثانية ، إلى العبرية لتغنيه مغنية إسرائيلية ؟ وهناك اقتراح آخر هو أن تغني الأغنية بكلماتها الأصلية مغنية إسرائيلية كما غنوا الدحية بالعربية .
في الحرب أصغينا إلى فلسطينية تقدم لنا باللهجة العامية برنامج " هيك قالوا بالعبري . شو قالوا بالعبري " وعلمتنا مفردات عبرية كثيرة . لعلها رمت إلى ذلك ، فغالبا ما كررت أنها علمتنا اليوم مفردة عبرية جديدة ، وما بقي عالقا من الكلمات في ذهني رأيها في رئيس الوزراء ( أبو يائير ) . إنه شكران ابن شكران . كذاب بن كذاب ، وأمس كرر الإسرائيليون أمامه وهو يلقي كلمة " عخشاااااااااف عخخخخخشاف " آخشاااااف... " ، وأمس علمتنا مقدمة الحلقة كلمة جديدة هي كلمة فضيحة " فديحوت التي يلفظها الإسرائيليون " فديخوت " .
هل سيحل تعلمنا العبرية المشكلة ؟ وماذا عن الدم اليهودي وشعب الله المختار ؟
في العام ١٩٨٨ كتب محمود درويش قصيدته " عابرون في كلام عابر " فكتبت عنها المستشرقة الألمانية ( انجليكا نويفرت ) دراسة مطولة ترجمتها أنا إلى العربية واختارت لها عنوانا هو " حواجز لغوية بين جيران : قصيدة جديدة لمحمود درويش كما يستنطقها قارئها الإسرائيلي " ورأت الدارسة أن الحواجز بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي لغوية ، وهذا ما لم يرق لي .
فكركم لو نطق الثلاثي الإسرائيلي ومعهم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي كلمة حماس نطقا صحيحا - أي حماس لا خماس ، ولو نطق أسامة حمدان اسم ( نتنياهو ) نطقا صحيحا ، لا " نتن ياهو " أو " النتن ياهو " ، فكركم هل ستضع الحرب أوزارها ؟
صار الثلاثي الإسرائيلي ومعهم الناطق باسم الجيش موضوعا للتندر حتى للأجانب ، فأمس شاهدت شريط فيديو لفتاة أجنبية بدت كما لو أنها دمية تنطق : خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس خماس ، تريد أن تقول إننا لم نسمع من القيادة الإسرائيلية منذ بداية الحرب سوى مفردة واحدة ... .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

> 110 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٠ ) ٢ " شعب الله المختار ... شعب الله الحقود "

كلما أوجعوا الجنود واصطادوهم ثأر الجيش من سكان الخيام ، ولا تفسير آخر لما جرى اليوم في اشتعال النيران في مركز إيواء . أهذه هي صفات مختاريك يا الله ؟
في العام ١٩٦٨ وقفت الشاعرة فدوى طوقان على الجسر في طريقها إلى الأردن ، وهالها ما رأته من مهانة ومذلة ، ولا يقارن ما مرت به بما يعيشه سكان قطاع غزة المدنيين منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ . يومها كتبت قصيدتها " آهات أمام شباك التصاريح " وتمنت لو أنها تأكل أكباد الجنود كما أكلت هند بن عتبة كبد حمزة عم الرسول ( صلعم ) ، فعايرها الكتاب الإسرائيليون ووصفوها بالشاعرة الحقودة آكلة الكبود ، وعندما صارت تزور المطاعم الإسرائيلية كان النادلون يسألونها إن كانت تريد وجبتها المفضلة : كبد الجنود .
لم تحرق الشاعرة منشأة يقطن فيها عشرة آلاف يهودي ، فماذا لو فعلت ؟
لقد اجتمع على أهلنا في غزة النزوح والتشريد والجوع والنار والإقامة في الخيام والمطر والنيران والحرائق .
يا الله ! هذا هو شعبك المختار ، يفعل بالشعب الفلسطيني في خان يونس ما ترى وتسمع وتشاهد !
خاطبت هند بن عتبة الرسول يوم أسلمت وعاتبها بما فعلت بكبد حمزة :
- أنبي وحقود ؟!
ها هم جنود جيش شعب الله المختار يقصفون ويقصفون ويقصفون .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١ / ٢٠٢٤ .

***


======================================


- يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الأول (1....30)



>>>>>>>>>>>>>>>>

- يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثاني(31..60)



>>>>>

- يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثالث(61--84)


>>>>>>

- يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثالث - تابع(85..92)



--------------------------------------
93: أ-- ظهيرة اليوم الثالث والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة
> 93: ب- تموز الفلسطيني : إما الصعود وإما الصعود
94: أ- وائل الدحدوح في وداع ابنه حمزة
> 94: ب- الفلسطينيون النازيون
95: أ- قبائلهم ثانية
> 95: ب- عوفر كاسيف : نائب إسرائيلي ضد الحرب : " الصوت الضائع في المهرجان"
96: أ- هل انتهت الحرب فجأة؟
> 96: ب- ( من أحلام عادل الأسطة في الظهيرة)
>96: ج- حروب غزة التي لا تنتهي : تجار الحروب
97: أ- فلسطينيو لبنان والفئران التي تتجرأ على أموال اللاجيء
>97: ب- في اليوم السابع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة : أحمد دحبور في رثاء ياسر عرفات
> 97: ج- الكتابة في غزة على الجدران ، إن بقيت جدران
98: أ- عاشق من أفريقيا : عاشق من جنوب أفريقيا
> 98: ب- شر البلية : الحق ، كل الحق ، على العماليق - الفلسطن
> 98: ج- هامش أدبي في ظل المقتلة
99: أ- في اليوم التاسع والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة : صرنا أقل ذكاء
> 99: ب- غزة والأمة العربية
> 99: ج- وائل الدحدوح علامة من علامات الحرب الدائرة حاليا
100: أ- كوابيس ليلة ال ١٠٠ يوم للمقتلة وحرب الإبادة
> 100: ب- ظلال الحرب
101: أ- يوميات المقتلة 101 "وامعتصماه"
> 101: ب- يوميات المقتلة ( ١٠١ ) ٢ : نرجسية الأدباء
102-أ- يوميات المقتلة ( ١٠٢ ) ١ : شعارات المتظاهرين المصريين :
> 102 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٢ ) ٢ : كل شيء يولد الحزن
103 -أ- يوميات المقتلة ( ١٠٣ ) : سعيد . س وابنه خلدون :
> 103 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٣ ) ٢ : أدباء غزة الناجون حتى اللحظة: "سنة أخرى فقط"
104 -أ- لقد عادوا يا صديقي زياد عبد الفتاح
> 104 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٤ ) ٢ : " لقد أفسد الموت الحياة"
105 -أ- يوميات المقتلة ( ١٠٥ ) ١ : أهي انتصارات وهمية؟
> 105 -ب- غزة وغسان كنفاني
106- يوميات المقتلة ( ١٠٦ ) : صباحات ساخرة
107-أ- يوميات المقتلة ( ١٠٧ ) : إعلان براءة
> 107 -ب- هذه الضفة لنا ... وتلك : عمي ( أبو يائير ) القنوع
108- يوميات المقتلة ١٠٨ : يا جماعة : هل أنتم متأكدون أن فلسطين عربية ؟
> 108 -ب- يوميات المقتلة ( ١٠٨ ) ٢ : " مراكز الإيواء في غزة ومراكز الإبادة في ( داخاو ) "
109 -أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١٠٩ ) ١ : " سفربرلك فلسطيني في القرن ٢١ "
> 109 -ب- من يوميات المقتلة والمهلكة ( ١٠٩ ) ٢: "جزيرة عائمة للفلسطينيين كوطن بديل: إذا أردتم فإنها ليست خرافة"
110 - يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٠ ) : " هل ستنتهي الحرب ويتصافح القادة ؟ "
> 110 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٠ ) ٢ " شعب الله المختار ... شعب الله الحقود "

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى