صدام فهد الاسدي- - الشاعر محمود البريكان بين العبقرية والصمت-

الى الادباء الذين يعرفون البريكان ثروة بصرية كبيرة وشاعرا عملاقا قتل الصمت وانتصر عليه
,شاعرا للقناع الذي لبسه طوال عمره ولم يفصح عن سر ضياعه,شاعرا ظل مجهولا حتى على ابنه ماجد؟؟؟لو منحني الادباء شرف الخلافة لصمت هذا الشاعر؟فقد قررت الصمت الصمت ليس عن القراءة ولا النشر بل عن السقوط في دائرة الدروايش وقماقم السفهاء


---------------------------------------------


انه شاعر امتهن الاعتزال النفسي والكتابي والصمت الشديد آخر لحظة من حياته,مال الى العزلة حتى ارهق العزلة ولم ترهقه , شاعر امتهن الاعتزال ليس عبثا ولاهربا ولاضعف قدرة بل حول صمته الى صرخة احتجاج على عالم عفن فجاءت العزلة لفظا وتطبيقا في شعره قال :
غرف المسرح الساكنة
ألقت من السكينة عزلة أشيائها
عزلة الجسم والهياكل عن روحها
البريكان يحتاج الى شاعر ناقد وليس ناقدا فقط لفهم مضامين شعره فالبحث عن البريكان وعزلته يعني البحث عن الوعي الباطن قل انه معري العصر الحديث بأسلوب جديد والبريكان أذن موسيقية عجيبة يتذوق الموسيقى ويتحدث عن ابعادها والبريكان كان محرضا فكريا للشعراء لكي يتمردوا مطالبين بحقهم الفكري قبل أربعين عاما من رحيله في أحياء ذكرى السياب ألقى كلمة قال فيها ما جدوى كلمات الرثاء والأنين وفي كل يوم يموت شاعر ودعا الشعراء لتثبيت هويا تهم الإنسانية في عالم ضائع وتساءل من ينقذ الشاعر من الجوع ومن يمنع السلطة من إعدامه وهو يرفض الكرنفال التهريجي للشاعر كما سماه ,والشعراء نسوا عزلتهم وصبوا جام غضبهم بالبكاء على أنفسهم الممزقة من خلال ذكرى السياب فأين اتحاد الأدباء حتى اليوم لا يجدون مكانا يستقرون فيه والدولة تصرف وتبذخ وتلقي الشعراء على قارعة الطريق,نعم ستبقى العزلة اشد من الزمن السابق لان الشاعر كان ينتفض على جلاده واليوم ينتفض الشاعر ليحمي نفسه أولا من الخنجر من القتل المباح من الضياع العسير, والبريكان مبدع كبير ,هو عيسى ابن ازرق النموذج الإنساني المضطهد ,شعره عميق يحتاج الى التأمل لانه شاعر ذهني من طراز خاص ,لقد عاصرته وكنت امشي معه في العشار وكان لا يقول الا كلمتين( نعم /صحيح )يشتري ولا يبيع يخشى الناس بل ليس له ثقة حتى بالكلمة يحسبها مسمومة في التسعينات وهو أستاذ درس في معهد المعلمين فلا تتعدى محاضرته الموضوع وكان يخرج من المحاضرة متعبا من اسقاطات طلابه وهو يرى العربية تنتحر في المعهد لسوء نطق الطلبة وضعفهم في العربية,ان عظمة البريكان في صمته في رموزه في شعره الذهني في شخوصه التي ينتقيها بعد تفكير أقول انه شاعر حولي لا يجهض القصيدة الا بعد صبر طويل والسمة الغالبة على شعره؟؟اولها/ القناع ما أبدع به البريكان فقد اخذ شخصية عيسى بن ازرق والبسها ذاته ,ثانيها /شاعر رائد للقصيدة القرائية وليس المكتوبة فالإلقاء من البريكان ينقلك الى صخور وماء وعزله إنها الوطن الكوني للشاعر بإيحاءات متنوعة, ثالثها الماء عنده رمز للطهارة والخلود فالخلق بدأ من الماء ويوتبيا البريكان صفة القداسة للبحر والسفن انه حارس الفنار الكبير وكما جاء عند السياب بويب ووفيقة رديفين جاء الماء والمرأة ام ابنه ماجد أو غيرها,حيث قال:
ترك امرأة مطفأة الوجه وطفلا/يحلم في مرقده /يترك كلبا لا يعرفه وخزانة كتب لم تقرا
/ورابعها رقمه(96)واحد من رموزه الكثيرة كما قلت عيسى بن ازرق وحارس الفنار وشاعر الصمت وهذه القصيدة من اعمق ما كتبه البريكان عندما كان سجينا وهو يحمل هذا الرقم الذي ظل في ذاكرته طويلا لا ينساه,وفي قصيدة إنسان المدينة الحجرية نجد هذا السر مدفونا حيث يقول
في العالم المغمور تحت الأرض
/حيث يمد عنكبوت الخوف والضجر خيوطه/
في طرق الصمت ولامفر /أنت هنا تدور كأنما تلهث في لهاثك العصور
وقد أدليت دلوي؟ومن الذي لا يدلي بدلوه للبريكان وهو البحر وليس البئر,وكيف أنسى هذا الشاعر الكبير وقد عاصرته ورايته وسمعته وقد كتبت له الكثير في أطروحتي للدكتوراه عام 1998درست قصيدته الرائعة مصائر قال فيها :
السفينة راسية بجوار الرصيف تستقر بهيكلها المتآكل
تخفي بداخلها صدأ الأزمنة
الشاعر فيها يؤكد السمة المحلية للبصرة ام السفن وصيد السمك وقد حملت القصيدة ايحاءات واسعة وهو يرمز الى توقف التجارة في البصرة,وقد قدمت قصيدتي الخيمة لحظة سماعي خبر قتله :
ان خيمتي سقطت فما نفع الوتد
وإذا الحروف تنفست بالخوف ما نفع المدد
وإذا الحضارة حرفت مدور بابل او اكد
وإذا الكلاب تلاعبت بالغاب مادور الاسد
ونشرت في مجلة عربية قصيدتي(موت الشاعر)
الشعر مات ومات حتى الشاعر وعليك تحزن في العراق منائر
ونشرت في مجلة المواني العدد الثاني 2005قصيدة شهيد الصمت قلت فيها:
اعني لاقرأ فيك الفجيعة شعرا صريح
أعرني يديك اللتين كتبت لنا بهما لغة الصمت فوق الضريح
أحقا ذبحت بسكين هذا الزمان القبيح؟
وحزوك بالذبح والطعنات قتلا مريح؟
فموتك كان نذيرا الى الشعراء وسيصلب مثل المسيح""""
اتفتح عينيك لهذا الزمان العجيب اذن تستريح
وتعرف ان الطغاة لقد رحلت ,فلا تشرب الخوف في كل ريح
وقد درس البريكان في رسالة ماجستير عام 1991 للدكتور ضياء الثامري ونشر عنه الكثير من البحوث ودرس البريكان في رسالة ماجستير في كلية الآداب وكتب الدكتور فهد محسن فرحان الأستاذ في كلية الآداب في رسالته في الدكتوراه وكذلك الأديب البصري الأستاذ رياض عبد الواحد دراسة عنوانها البذرة والفأس عام 2000م وهي دراسة رائعة ونشر عن البريكان ملف خاص في مجلات عراقية واحتفل اتحاد الأدباء بالشاعر اكثر من مرة دون ان يقدم لي دعوة للمشاركة وأنا صوت بصري أذوب احتراقا بحب مدينتي وشعرائها ولكن هل اخذ البريكان حصته واستحقاقه لاحيا ولاميتا فما زال ابنه ماجد على قارعة النسيان






أعلى