أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الرابع (تابع) (111...123)

111 -أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١١ ) : " لا طروادة بيتي ولا مسادة وقتي "

أتيت أمس على فدوى طوقان آكلة الكبود ، كما وصفها الإسرائيليون ، فتذكرت قلعة مسادة ( مسعدة ) قرب البحر الميت .
عندما سأل صحفي / ة إسرائيلي/ ة الشاعرة عما كتبت ردت بأنها استعارت مقطعا من قصيدة الشاعر اليهودي ( مناحيم بياليك ) ، عن حصار اليهود أيام الرومان ، عنوانها " أناشيد باركوخبا " خاطب فيها الأخير العدو :
" لقد جعلتمونا حيوانات مفترسة
وبقساوة وغضب
سوف نشرب دماءكم
ولا نرحمكم
إذا انتفض كل الشعب
وقام يقول : الانتقام " .
في العام ١٩٧٦ حاصرت قوات الكتائب اللبنانية مخيم تل الزعتر ، فقاوم الفلسطينيون ولم يفعلوا ما فعله اليهود المحاصرون في مسعدة عام ٧٢ ميلادي ، اليهود الذين حرقوا ممتلكاتهم واجبروا نساءهم وأطفالهم على قتل أنفسهم ثم قتلوا أنفسهم .
وفي أحداث تل الزعتر كتب محمود درويش قصيدته " أحمد الزعتر " ومنها :
" وللفراشات اجتهادي
والصخور رسائلي في الأرض
لا طروادة بيتي
ولا مسادة وقتي
وأصعد من جفاف الخبز والماء المصادر
من حصان ضاع في درب المطار
ومن هواء البحر أصعد
من شظايا أدمنت جسدي
...
...
...
أنتمي لسمائي الأولى وللفقراء في كل الأزقة
ينشدون
صامدون
وصامدون
وصامدون " .
هل كتب الشاعر قصيدته عن المقاتلين الآن أيضا ؟
إنهم ينتمون لسمائهم الأولى وللفقراء في كل الأزقة .
في الثالثة فجرا وجدتني أكرر :
" لا طروادة بيتي
ولا مسادة وقتي " .
ففلسطينيو الداخل الذين كان يراهن عليهم على أنهم حصان طروادة لم يقوموا بمهمة الحصان ، ومقاومو غزة حتى اللحظة لم ينتحروا . إنهم ينشدون ما نشده الشاعر :
صامدون
وصامدون
وصامدون .
نسأل الله السلامة والعافية
وصباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

> 111 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١١ ) ٢ :

" إن القصيدة رمية نرد
على رقعة من ظلام
تشع ، وقد لا تشع
فيهوي الكلام " .
لم ألتق بالشاعر اليافي الأصول الغزي الولادة سليم النفار Saleem Alnffar ولم نتراسل ، علما بأننا كنا هنا ، على صفحات التواصل الاجتماعي - الفيس بوك ، صديقين .
لم أكتب عن أشعاره ولم يكتب عن كتاباتي ، ولم أعلق على ما يكتب ولا هو أيضا عقب ، ولكني يوم ارتقى ، وقرأت رثاء معارفه له ، عرفت عنه الكثير . عرفت خصاله وموطن أبيه وانتماءه إلى يافا وحنينه إليها ، واليافاوي الوحيد من غزة الذي تعرفت إليه هو الروائي عاطف ابوسيف وكلما التقينا أو تحادثنا حضرت يافا التي حضرت في نصوصه الروائية كثيرا .
منذ ارتقى سليم النفار وأنا أفكر فيه وفي يافا وأتساءل :
- لماذا هاجر أبوه إلى غزة وأبي إلى نابلس ؟
والدي ووالد سليم من يافا وفي غمرة فوضى النكبة الأولى تفرق أهل يافا أيدي عرب - والتعبير لاميل حبيبي . قسم منهم استقر في غزة وقسم ثان في الضفة الغربية وثالث في لبنان ورابع في سوريا ، وفي الأخيرة سكن عمي محمود وعاش ومات .
وأنا أفكر في مآل عائلة النفار ومآل عائلتي ، وهلاك الأولى في المقتلة والمهلكة الحالية ، ونجاة عائلتي إلى حين الله وحده يعلم مستقبله ، تذكرت المقتبس أعلاه من قصيدة محمود درويش " لاعب النرد " وصرت أتلاعب فيه " إن الحياة كلها رمية نرد " إذ كان يمكن أن يرحل أبي إلى غزة وأبو سليم إلى نابلس ، وهكذا كان يمكن تبادل المصائر .
لم أتذكر " لاعب النرد " من فترة طويلة ، ولكني منذ فجر اليوم وأنا أكرر " الحياة كلها رمية نرد وضربة حظ " .
هل هاجر أبي إلى نابلس لأنه أحب أمي نابلسية الأصل وانتقل والد سليم إلى غزة لأنه أحب البحر أكثر ؟
ربما يجدر بلاجئي الضفة الآن أن يقرأوا القصيدة ، وهذا الترف غير متاح ل عثمان حسين و جواد العقاد و طلعت قديح و يسري الغول و سعيد محمد الكحلوت والأدباء الباقين في قطاع غزة ! ربما !
" إن القصيدة رمية نرد
على بقعة من ظلام "
وأظن أن الحياة كذلك.
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

112-أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٢ ) : " وأما أنا فأشكرك يا إلهي ، فماذا يقول من هو مثلي هناك في غزة؟!"

وأما أنا في هذه الليلة المطيرة شديدة البرودة فأشكرك يا إلهي ، ومنذ بدء هذه المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة وأنا أفكر في من هو في مثل عمري هناك مصاب بداء السكر أو بأمراض أخرى ، وكلما قرأت ما كتبه أحدهم عقبت " كان الله في عونكم " .
الصديق Rezek Muzaanin هو أيضا في السبعين . هناك من هو مصاب بداء السكري ولا يجد الدواء ويقطن الآن في خيمة من الخيام ، وغالبا ما يكتب عبارة أو عبارتين عما يعاني منه من آثار داء السكر ، فلا طعام ولا دفء ولا ... ولا ... والنظر يضغف وكل شيء شحيح بما فيه النت أيضا .
في هذه الليلة صحوت ثلاث مرات لأذهب إلى الحمام . تقلبت في فراشي الوثير الدافيء ولم أنم نوما عميقا . آلام في عظام الكتف تخف مع الدفء وشد وقبض في عضلات الرجلين تجبراني على القيام والجلوس مدة ساعة ، فكيف سيكون حالي لو كنت في خيمة ؟!
ما هي حكمتك يا الله في كل هذا ؟ في ما ألم بالشعب الفلسطيني منذ وجد على هذه الأرض المقدسة التي يقدسها أيضا أبناء دياناتك ؟ ألا بد من كبش فداء ؟ ألا يتقدس اسمك إلا بالدم والشعب والبقر المقدس؟!
اليوم الجمعة يوم مطير أيضا . هكذا أخبرنا الراصد الجوي . سنجلس في بيوتنا نكتب عن الحرب من بعيد ، نحن الثوار البعيدون ؛ ثوار الكي بورد ، وقد يسخر قسم منا من بعض أهل خان يونس الذين خرجوا أمس في مظاهرة يهتفون :
" نتنياهو ويا سنوار بدنا وقف إطلاق النار . الشعب يريد إنهاء الحرب . بدنا نعيش أوقفوا الحرب " .
أمس شاهدت شريط الفيديو الذي يظهر فيه مجموعة رجال يرفعون علما أبيض لكي يسأل أحدهم عن أخيه وبقية أهله وما ألم بهم ، فلم تشفع له الراية البيضاء إذ أرداه الغزاة شهيدا .
" هم يريدون الحرب " والذي سأل عن أهله رافعا الراية البيضاء " خر صريعا " وأما الحائط والجدران فتهاوت ولم تبق عليها كتابة .
كان الله في عون الصديق رزق المزعنن وكل المرضى والنساء والأطفال والعجائز .
النظر يضعف والقلب لا يخفق والسكر يفتك بالدم والعدو لا يرتوي ، فماذا ستقول محكمة العدل العليا في لاهاي في هذا النهار ؟
كن في عون أهل غزة يا الله . كن بهم رؤوفا رحيما ولن أخاطبك بما خاطبك به غسان كنفاني في روايته " رجال في الشمس " وفي قصته " أرض البرتقال الحزين " وما خاطبك به محمود درويش في قصيدته " مديح الظل العالي " ، ولن أطلب العون من دولنا العربية المحيطة القريبة ودولنا العربية والإسلامية البعيدة . لن . هل فيهم قال أبو العلاء المعري :
" لقد أعييت لو ناديت حيا ... " .
جمعتك مباركة يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
فجر ٢٦ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

> 112 -ب- الفنان المسرحي علي أبو ياسين : " عزرايين قاعد في غزة"

كلما التقى أهل غزة معا تداولوا آخر أخبارهم وأخبار معارفهم وهنأوا بعضهم بالسلامة ، فقد انكتب ، لكل من لم يرتق بعد ، عمر جديد .
يحار الفنان علي ماذا يمكن أن يسمى ما يحدث في غزة الآن . أهو تطهير عرقي ؟ إنه كذلك وإسرائيل تريد قتل الجميع هناك . لقد نجا هو وأسرته أيضا من القتل .
وأنت تصغي إلى شريط بصوته تلحظ رنة الحزن تتخلل ثنايا الكلام .
علي الذي يشعر بالفرح حين يسأل أصدقاوه عنه يتمنى أن تنتهي الحرب وتمر الغيمة الثقيلة ويلتقي في أي مكان ؛ في غزة أو في القدس أو أي مكان .
هل بالغ المتظاهرون المصريون حين هتفوا :
ليش المعبر مش مفتوح
غزة بتطلع في الروح ؟
ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي يصر على أنه مفتوح :
٢٤ ساعة في اليوم
٧ أيام في الأسبوع
٣٠ يوم في الشهر .
كيف لو كان المعبر إذن مغلقا يا رئيس أكبر دولة عربية ! رئيس مصر التي يحبها الغزيون وينتمون إليها ، بحكم فترة ١٩٤٨ وما بعدها زمن المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ، ربما أكثر من انتمائهم للضفة الغربية .
ثمة حزن ما . حزن عميق يتخلل صوت الفنان علي أبو ياسين ، ومن يشاهد أشرطة الفيديو التي تري أحوال أهلنا في غزة يبكي نيابة عنهم هم الذين جفت مآقيهم لكثرة ما بكوا على من فقدوهم من أهلهم ومعارفهم .
مساء الخير يا علي
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١ / ٢٠٢٤ .

مساء اليوم ١١٢ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***

113 -أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٣ ) : " الاشتياق إلى غزة والموت فيها "

أمس شاهدت شريط فيديو يمشي فيه شاب غزاوي نزح / لجأ / هاجر / ترك غزة مضطرا إلى حين / خوفا / طلبا للنجاة ، يمشي تحت المطر ويصرخ معبرا عن ندمه لما أجبر عليه ، مشتاقا إلى مدينته وراغبا في أن يموت فيها ، فحياة المخيمات في رفح ، في هذا المطر الغزير والبرد القارس ، هي الذل الأقسى من الموت .
عدنا وسنعود إلى ما كتبه أدباؤنا عن النكبة الأولى معبرين فيه عن مشاعر الحنين إلى يافا وحيفا وعكا والجليل والمثلث وعسقلان وقرى المجدل ، والحكاية تتكرر .
عندنا مثل يقول " قديش صار لك في القصر ، قله مبارح العصر " ولو قال شخص هذا المثل للاجيء غزاوي الآن في رفح لأجاب بالآية القرآنية ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) ولربما تذكر المرء اللحظات التي قضاها رجال غسان كنفاني في روايته عندما نزلوا إلى الخزان وذهب أبو الخيزران السائق ليختم جواز سفره .
مقالي غدا الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية عنوانه " تداعيات حرب ٢٠٢٣ - ٢٠٢٤ : التشبث بالوطن ... وإذا رجعتم فلأي منفى ترجعون ؟ " ويبدو أنني سوف أعود إلى متابعة الكتابة فيه في ٥ / ٢ / ٢٠٢٤ ، وسبق أن خضت في الكتابة فيه كثيرا .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١ / ٢٠٢٤ .
***

> 113- ب- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٣ ) ٢ : " إبادة الفلسطينيين ومبانيهم و ... و ... وكتبهم أيضا "

في هذه المقتلة والمهلكة ارتقى ٩٤ أكاديميا فلسطينيا قسم منهم برتبة أستاذ دكتور معروف لأكاديميين عالميين . لم يحتج أكاديميو العالم .
وفي هذه المقتلة والمهلكة دمرت إسرائيل الجامعات الفلسطينية في غزة أيضا ، فضاع العام الدراسي على آلاف الطلاب ، وإن هدأت الجبهة وانتهت الحرب وعادوا ليدرسوا ، فسوف يدرسون في جامعات تحتاج إلى سنوات لإعادة تعميرها .
وفي هذه المقتلة والمهلكة حدث للكتب ما حدث لكتب الحضارة العربية إبان غزو المغول مدينة بغداد . لم يهدم المغول المباني فقتلوا من قتلوا وألقوا الكتب في نهر دجلة فصار لون مياهه بلون الحبر ، أما إسرائيل فقد هدمت المباني وسوتها بالأرض وضاعت الكتب في التراب .
أمس أخبر الكاتب والفنان المسرحي علي أبو ياسين أن ما ترك أثرا عميقا في داخله هو ما ألم بالكتب التي تناثرت مع الحجارة ، وعندما نظر في أسماء مؤلفيها ممن عرفهم ألم به حزن شديد ، وتفاقم الحزن وهو يراها تغدو وقودا يستخدمه الناس للطبخ وصنع الشاي والقهوة والدفء .
ضاعت مكتبات جامعات غزة وذهبت مكتبة سليم النفار أيضا ، وليتها وحدها آلت إلى ضياع ، فقد ارتقى الشاعر وأسرته كلهم معا دفعة واحدة ، وعندما تحدثت مع الروائي عاطف ابوسيف أخبرني أن شقته كلها في الصفطاوي سويت بالأرض وان بعض الكتب التي ذكرتها في مقالاتي ، مثل رواية ( ايثيل مانين ) " الطريق إلى بئر سبع " كانت فيها .
قتلت إسرائيل البشر ودمرت الحجر وأهلكت الكتب ولم يبق هناك ما يجعل المرء يردد قول الشاعر محمود درويش :
" على هذه الأرض ما يستحق الحياة .... تردد أبريل ، رائحة الخبز
في الفجر ، آراء امرأة في الرجال ، كتابات اسخيلوس ، أول الحب ، عشب
على حجر ، أمهات تقفن على خيط ناي ، وخوف الغزاة من الذكريات "
سيكون أبريل هذا العام قاسيا والخبز في الفجر لا رائحة له فهو من علف الحيوانات ، والمرأة - إن بقيت على قيد الحياة - فقدت الرجال ، وأما كتابات اسخيلوس فقد صنعوا عليها الشاي ، وضاع الحب ؛ أوله وآخره ، ومحا الغزاة البشر والذكريات معا .
ماذا ألم بأم البدايات وأم النهايات التي كانت تسمى .... .
مساء الخير يا عزيزي علي أبو ياسين وكل الحق على زياد خداش و عادل الاسطة و .... ولا دخل ل Ahmad Abo Saloum و Hosamsaleh Abu Esheh .
خربشات Adel Osta
مساء ٢٧ / ١ / ٢٠٢٤

***

114-أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٤ ) : " الهروب من جحيم غزة : غسان كنفاني وستون عاما إلى الوراء "

لم أقرأ للروائي عاطف ابوسيف في يومياته التي كتبها من غزة في الأيام الخمسة والثمانين التي أنفقها هناك وكتب عنها ، لم أقرأ عن كيفية خروجه ، ولا أعرف إن كان كتب شيئا لم تتيسر لي قراءته ، ويهمني أن أقرأ باعتباره ، من وجهة نظري ، صوتا روائيا بارزا من الأصوات الروائية الفلسطينية التي تطمح إلى تجاوز غسان كنفاني ، وهذا ما ورد عموما في إحدى رواياته ، وأتمنى أن يحقق ذلك .
فجر هذا اليوم قرأت تقريرا أرسله إلي صديق نشرته مجلة ( لوموند الفرنسية ) عن جحيم الخروج من غزة ، مقابل 7000 آلاف دولار وأكثر ، عبر وسطاء معينين مستفيدين من آلية الخروج من غزة التي منحتها الظروف لحاملي الجنسيات غير الفلسطينية .
وأنا أقرأ التقرير تذكرت رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " وما ورد فيها ، بخاصة تحت عنوان " الصفقة " . تذكرت التاجر العراقي صاحب المكتب الذي يؤمن للفلسطينيين إمكانية الدخول إلى الكويت عبر طريق غير شرعي مقابل مبالغ مالية ، وتذكرت الفلسطينيين اللذين كانا محاربين في العام ١٩٤٨ وصارا بعد النكبة يعملان سائقي سيارة ، من عمان إلى بغداد ومن العراق إلى الكويت ، وكانا يهربان الفلسطينيين عبر الحدود مقابل مبالغ مالية أيضا . هل ينسى أي قاريء فلسطيني " أبو الخيزران " سائق الخزان في رواية كنفاني المذكورة .
بعد ستين عاما نعود إلى ما مضى . نعود إلى البدايات ، بل إلى ما أصعب منها وأقسى .
الحالة الفلسطينية حالة سيزيفية عبثية ، وفي الحرب تنتعش أيضا التجارة ويكثر المستغلون ، وللمقتلة والمهلكة هذه وجوه كثيرة عديدة : وجه المقاوم الواقف بوجه ظلامه يتيما عاريا حافي ، الوجه الذي يتغنى ببطولاته كثيرون ، ووجه التجار والسماسرة ومستغلي الظروف القاسية ، ووجه الفقر والبرد القارس والأمطار الغزيرة التي يعاني منها مليون ونصف من سكان الخيام الجدد ، والكتابة تطول .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين والسماسرة وتجار الحروب والمستغلين .
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 114 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٤) ٢ : " حروب الحرب "

كم من حرب جرت ، على الفلسطينيين ، حرب ٧ أكتوبر ؟
لن أتساءل عن عدد الحروب التي جرتها على المجتمع الإسرائيلي ، لعدم اطلاعي الواسع عليه اطلاعا يمكنني من إبداء رأي .
قبل فترة اقتبست من قصيدة محمود درويش " سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا " مقطعا ترد فيه عبارة " حربك حربان " ، وفي القصيدة نفسها يكتب عن النصوص واللصوص والطغاة والغزاة ويتساءل عن الفرق بينهم إن كان هناك فرق .
اختلفنا في زمن الهدنة الأولى حول النصوص : هل سيسمح للنازحين نحو الجنوب أن يعودوا إلى الشمال ؟ وأما الاختلاف حول صواب قرار الحرب وخطئه فكثير والاجتهادات متعددة ، ثم صرنا نختلف حول البقاء والصمود والهجرة والرحيل واستمرار الحرب وإيقافها و ... و ... و ... ، والآن يختلف الكتاب فيما بينهم حول تركهم غزة والبقاء فيها . هل كان من غادر على صواب أم كان مخطئا ؟ ولو كنا في غزة هل كنا سنفعل مثل ما فعل أم أننا سنختار ما اختاره الشاعر سليم النفار وما لا يقل عن مائة صحفي ارتقوا كلهم ؟
لو كنت في غزة لكانت الإجابة الصادقة الصحيحة على السؤال ، أما وأنني أجلس في غرفة مكيفة أتناول ما أشتهي من الطعام والشراب فإن إجابتي إجابة من يشاهد لا من يعيش . إجابة من يحمل السيف في ميدان اللعب لا في الوغى ، والمتنبي قال :
" وتوهموا اللعب الوغى ، واللعب في الهيجاء غير اللعب في الميدان " .
أحد روائيينا ممن كانوا في دمشق في العام ١٩٨٢ عاير أحد نقادنا ممن خرجوا ، إبان الحرب ، من بيروت ، فدافع محمود درويش في كتاباته عن الناقد . قدرة تحمل البشر تختلف من فرد إلى آخر .
شخصيا صرت أخاف من الكتابة . صرت أخاف من الحث على الصمود في الأرض والتشبث بالإقامة فيها ، لأنه قد يأتي يوم أجبن فيه عن الالتزام بما كتبت .
اللهم ثبتني هنا واجعل قبري في يافا مثل هشام شرابي أو في حيفا مثل إميل حبيبي .
هل الاختلاف حق من حقوقنا ؟
في إحدى قصائد " حالة حصار " لمحمود درويش نقرأ :
واقفون هنا ، قاعدون هنا ، دائمون هنا .
خالدون هنا . ولنا هدف واحد واحد :
أن نكون .
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء :
على صورة العلم الوطني
[ ستحسن صنعا لو اخترت يا
شعبي الحي رمز الحمار البسيط ]
ومختلفون ...
ومختلفون ....
مختلفون على كل شيء ، لنا هدف واحد :
أن نكون ...
ومن بعده يجد الفرد متسعا لاختيار الهدف " .
والصحيح أنني صرت حائرا لا أعرف ما هو الصواب . أنا حائر !!
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

115- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٥ ) : " مقابلة خاصة مع ابن نوح "

يستحضر المرء في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ، يستحضر وهو يقرأ عما يجري في معبر رفح من أتاوات تفرض على من يبحث عن نجاة ، خارج منطقة الطوفان ، قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل - أمير شعراء الرفض كما ينعته محبوه - " مقابلة خاصة مع ابن نوح " .
هناك كتابات فلسطينية بدأت تنتشر عن الذين بقوا في قلب الدرع ، والتعبير لغسان كنفاني في روايته " أم سعد " ، والذين هربوا ، بخاصة ممن يملكون المال أو من المثقفين ، وأمس كتبت عن " حروب الحرب " وعبرت عن حيرتي متمنيا أن يثبتني الله على موقفي وهو الصمود والبقاء وعدم الهجرة : لعنتنا الأولى والأخيرة ، ولما طلب مني أن أشارك في ندوة عن " التشبث بالوطن " في عاصمة عربية لم أتردد .
منذ أيام شاركت قصيدة الشاعر أمل دنقل المذكورة على صفحتي . كما لو كانت المشاركة هاجسا للتعبير عن موقف . هل سنركب سفينة الهجرة مع نوح لننجو أم نبقى في الوطن حتى لو هلكنا ؟
" جاء طوفان نوح !
....
....
المدينة تغرق شيئا .. فشيئا
تفر العصافير ،
والماء يعلو "
" ها هم الحكماء يفرون نحو السفينة "
" ها هم الجبناء يفرون نحو السفينة
بينما كان شباب المدينة
يلجمون جواد المياه الجموح
ويستبقون الزمن
يبنون .. سدود الحجارة
علهم ينقذون مهاد الصبا والحضارة "
" قلت :
طوبى لمن طعموا خبزه
في الزمان الحسن
واداروا له الظهر
يوم المحن ! "
هل سنقول ، مثل ابن نوح ، : " لا " للسفينة ونحب الوطن ؟ أم أننا في لحظة ما سنضعف ؟ .
جاء طوفان ضيف !
جاء طوفان ضيف !
ثمة قراءات متعددة للقصيدة ؛ قراءة تحت القصف في غزة ، وقراءة في الضفة الغربية وثالثة في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ ورابعة في العالم البعيد عن فلسطين التاريخية . إنه الموقع والموقف والمكان والحالة وكل سينظر للقصيدة من منظوره الخاص .
في الحرب أيضا هناك مجال للاجتهاد النقدي .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

> 115-ب- هل كان حاتم الطائي بدويا وكريما ؟

إذا أخذنا بالمنهج التاريخي الاستردادي وقسنا الحاضر على الماضي أو درسنا الحاضر في ضوء الماضي ، فقد نتوصل إلى ما توصل إليه أبو الخيزران في رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " ( ١٩٦٣ ) .
كان أبو الخيزران يقود سيارته وإلى جانبه أسعد ، فيما أبو قيس ومروان أعلى الخزان ، وكان يتجادل معه ويروي له حكايات الرجل السمين التاجر العراقي صاحب مكتب التهريب الذي يستغل الراغبين بالذهاب تهريبا إلى الكويت ثم يتركهم يموتون قبل أن يصلوا ، إذ يتخلى الدليل عنهم . لم يكن أسعد يصدق ولكن أبو الخيزران يروي وهو واثق مما يرويه :
"أستطيع أن أروي لك آلافا من القصص المشابهة . قصص رجال تحولوا إلى كلاب وهم يبحثون عن نقطة ماء واحدة يغسلون بها ألسنتهم المشققة .. وماذا تحسب أنه حدث حين شاهدوا خيام البدو ؟ لقد اشتروا جرعة الماء ، بكل ما يملكون من نقود أو خواتم أو ساعات ... يقولون إن حاتم كان بدويا .. ولكنني أعتقد أنها مجرد كذبة ! .. ذلك مجرد زمن راح يا أبا السعد .. راح " .
ربما ما زالت هناك استثناءات ومنها جنوب لبنان واليمن ! ربما ! أما بقية العرب فربما ينطبق عليهم ما قاله الشاعر اليمني عبد الله البردوني في قصيدته " عروبة اليوم " .
ما ورد في القصة عن أسعار التهريب في ١٩٥٨ في العراق يجري الآن في معبر رفح حيث هناك مكاتب تعمل على تهريب الفلسطينيين بعد أن يدفعوا آلاف الدولارات .
" طيطي طيطي مثل ما رحت جيتي " يقول المثل الشعبي . كأننا لا رحنا ولا جينا ، وطول عمرك يا زبيبة في قفاك هالعودة .
ما عانى منه الآباء والأجداد في النكبة الأولى ١٩٤٨ يعاني منه الأبناء والأحفاد في العامين ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤ وأكثر بكثير ، فعدد النازحين الآن ثلاثة أضعاف عددهم في العام ١٩٤٨ ، هذا إذا نظرنا إلى الأعداد دون أن ننظر إلى نسبتهم من مجمل السكان . طبعا علينا ألا ننسى أن ما يلم بأهلنا في غزة أقسى وأكثر وحشية وعنفا وقتلا وتدميرا !!
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم ١١٥ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة

***

116-أ- سنوات التيه : لقد تاهوا في صحراء سيناء أربعين سنة ، فكم سيتيهون في أنفاق غزة؟

شريط الفيديو الذي لفت نظري أمس هو رؤية الجنود في غزة يسيرون في رمالها وقد وحلوا بسبب الأمطار ، والمقال الذي لفت انتباهي إليه صديق هو مقال الكاتب يحيى عبدالله شيطنة الفلسطيني وتجريده من إنسانيته في الخطاب الشعري الإسرائيلي المكتوب بعد ٧ أكتوبر ، وقد نشر في جريدة الشروق المصرية وأدرجته على صفحتي ، وحين قارنت بين أشعارهم وبعض أشعار شعرائنا ممن أقرأ لهم لاحظت نزوعه - أي شعرهم إلى المباشرة وحيونتنا كما حيوننا سياسيوهم ومن قبل توراتهم . كما لو أنني أقرأ قصيدة شاعرهم ( رئوبين ) التي كتبها في ثلاثينيات القرن ٢٠ ورد عليها إبراهيم طوقان المتوفى في ١٩٤١ .
كنت من قبل كتبت عن قصيدتي رئوبين وإبراهيم وعن قصيدة الشاعرة فدوى طوقان " آهات أمام شباك التصاريح " ، وهذا موضوع يستحق أن أكتب فيه في ١٢ / ٢ / ٢٠٢٤ مقالا في جريدة الأيام الفلسطينية ، ولي كتاب عنوانه " الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني : الكتابة على جبهة الرد " ( ١٩٩٣).
ما زالوا يمعنون قتلا في أهل غزة ولم يقل عدد من ارتقى أمس عن ٢٠٠ مدني فلسطيني .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١ / ٢٠٢٤

اليوم ال ١١٦ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***

> 116 -ب- لسان حال أهل غزة أغنية فيروز :

" لا تندهي
ما في حدا ...
صاروا صدى " .
وهي غير بعيدة معنى عن قول المعري :
" لقد أعييت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي " .
أعتقد أننا ، نحن الذين نعول عليهم ، الملومون ؛ لأننا ننفخ في رماد أو في قربة مخزوقة ، ومنذ بدايات طوفان الأقصى أيقنت هذا فكتبت مقالي في الأيام الفلسطينية " الزعامة العربية وذاكرتنا العذراء " .
ح . خ
ح. خ تعني حط في الخرج ، وأما أحمد حرب في روايته " بقايا " فاستخدم كلمة شعبية فلسطينية بدل الخرج هي " الكنف " والكنف هو ما يسد الشيء من أحد جانبيه ، والكنف قريبة من الكنيف والكنيف هو المرحاض أو بيت الخارج وهو أيضا السترة .
Ahmad M. Harb
صباح الخير يا عزيزي أبو فجر .
عادل الاسطة
٣٠ / ١ / ٢٠٢٤ .

اليوم ١١٦ من المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة

***

> 116-ج- محمود درويش : " لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد"

لو كان الشاعر محمود درويش حيا وتابع ما يجري في غزة فإنه لا شك سيكرر لازمة قصيدة " نزل على بحر " من مجموعته " هي أغنية ... هي أغنية " ( ١٩٨٤ ) .
الإسرائيليون يفكرون في مستقبلنا أيضا ، ولهذا يخططون ويقترحون وينفذون ؛ بالحديد والنار أو بعبارة " لقد أعذر من أنذر " بعد الطلب من سكان غزة وخانيونس بالتوجه إلى رفح حرصا على سلامتهم ، إذ سيسوون المكان بالأرض .
الجيش الإسرائيلي يفتك برا وجوا وقادة الأحزاب يخططون لمستقبل سكان غزة ويقترحون إقامة دولة لنا في البحر - جزيرة صناعية .
هل قرأ الإسرائيليون أشعار محمود درويش واقتنصوا فكرتهم الخيالية من أشعاره هو ذو الخيال المجنح؟
في قصيدته " نزل على بحر " نقرأ :
" سننام في نزل على بحر وننتظر المكان
ونقول : بعد هنيهة أخرى سنخرج من هنا "
والإسرائيليون يعرفون أن من يخرج لن يعود ، وقد كتبت هذا معتمدا على رواية حبيبي " المتشائل " .
في حرب ١٩٨٢ قاتل الفدائييون الفلسطينييون قتالا باسلا ، وكانوا محط إعجاب لم ينفد بعد ، وقد غنى له مغنيا الثورة أبو عرب وحسين المنذر .
" اشهد علينا يا عالم و ع بيروت
اشهد عالحرب الشعبية
واللي ما يشوف بالغربال يا بيروت
أعمى بعيون أمريكية " .
والآن تجاوز قتال الخلف قتال سلفه وفاقه وأظن أن الشاعر الذي قال ممجدا بطولة مقاتلي ١٩٨٢ لن يتردد في تكرار عبارة المديح :
" لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد " وربما كتب ما هو أبلغ .
" اشهد يا عالم علينا وعا غزة
اشهد عليها اشهد ع أرض المجد والعزة " .
المخيلة أحيانا تشت وتشط .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١ / ٢٠٢٤

اليوم ١١٦ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***

117- أ- يوميات المقتلة والمهلكة ١١٧ : " إحباط وخرس وصمم وشعور عميق بالعجز"

أمس أرسل إلى صديق ما كتبه الناشط الغزي هيثم السيد عن هجرته التاسعة في مدينة غزة ، ينتقل من مكان إلى آخر حتى أنه لم يجد مكانا يأوي إليه فهام في جو أمس المطير في الشوارع مثله مثل مئات بل عشرات آلاف السكان الذين أنذروا بترك المكان حتى لا يتعرضوا للقصف ، علما بأن القصف حاصل .
تصفحت صفحة الناشط فلاحظت أنها تستحق الاهتمام بها وأخذت أقرأ ، ومما قرأته :
" شكرا للحمير وعرباتها
أفضل من وقف معنا في 2023 "
أصبت بالإحباط الذي ازداد مع الاستماع إلى صوت الناطق باسم سرايا القدس " أبو حمزة " يعتب على العالمين العربي والإسلامي ، فقلت " العتب على قدر المحبة " .
الشريط الأول المحزن كان الاتصال الهاتفي بين طفلة في مدينة غزة بالهلال الأحمر تطلب النجدة ، فالقصف قريب منها والدبابات تقترب ولم تكتمل المكالمة فقد أسكتتها المدافع .
والشريط الثاني كان منظر طفلة تجلس على الرصيف وقد بللتها أمطار السماء المتساقطة بغزارة .
وأمس تم اغتيال ثلاثة في أحد مشافي مدينة جنين ، حيث تسلل المستعربون متخفين بملابس ممرضين وممرضات وأفرغوا رصاصهم في الرؤوس .
ما زلنا نجلس في بيوتنا نتدفأ ونأكل وننتظر ، ربما ، مصيرا مشابها . ما زلنا نعبر عن مشاعرنا بخربشات لا تقدم ولا تؤخر .
إنه العجز تماما .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

117 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة ١١٧ : " إحباط وخرس وصمم وشعور عميق بالعجز "

أمس أرسل إلى صديق ما كتبه الناشط الغزي هيثم السيد عن هجرته التاسعة في مدينة غزة ، ينتقل من مكان إلى آخر حتى أنه لم يجد مكانا يأوي إليه فهام في جو أمس المطير في الشوارع مثله مثل مئات بل عشرات آلاف السكان الذين أنذروا بترك المكان حتى لا يتعرضوا للقصف ، علما بأن القصف حاصل .
تصفحت صفحة الناشط فلاحظت أنها تستحق الاهتمام بها وأخذت أقرأ ، ومما قرأته :
" شكرا للحمير وعرباتها
أفضل من وقف معنا في 2023 "
أصبت بالإحباط الذي ازداد مع الاستماع إلى صوت الناطق باسم سرايا القدس " أبو حمزة " يعتب على العالمين العربي والإسلامي ، فقلت " العتب على قدر المحبة " .
الشريط الأول المحزن كان الاتصال الهاتفي بين طفلة في مدينة غزة بالهلال الأحمر تطلب النجدة ، فالقصف قريب منها والدبابات تقترب ولم تكتمل المكالمة فقد أسكتتها المدافع .
والشريط الثاني كان منظر طفلة تجلس على الرصيف وقد بللتها أمطار السماء المتساقطة بغزارة .
وأمس تم اغتيال ثلاثة في أحد مشافي مدينة جنين ، حيث تسلل المستعربون متخفين بملابس ممرضين وممرضات وأفرغوا رصاصهم في الرؤوس .
ما زلنا نجلس في بيوتنا نتدفأ ونأكل وننتظر ، ربما ، مصيرا مشابها . ما زلنا نعبر عن مشاعرنا بخربشات لا تقدم ولا تؤخر .
إنه العجز تماما .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ١ / ٢٠٢٤ .

***

118-أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١١٨ ) : " متحف للذاكرة الفلسطينية "

إن انتهت الحرب ، وستنتهي ، ونأمل أن تنتهي بكنس الغزاة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، فإن أول ما يجب إقامته هو تأسيس متحف فلسطيني تعرض فيه أشرطة وأفلام توثق كل ما جرى ، ويجب أن يكون العرض مستمرا لعقود وعقود ، وإن أقيمت الدولة في فلسطين كلها ؛ دولة لكل مواطنيها ، فيجب أن يكون المتحف في مبنى في العاصمة يؤمه الزوار .
في العام ١٩٨٨ زرت برلين الغربية وأخذنا الألمان الغربيون إلى مبنى حكومي رسمي كانت تعقد فيه اجتماعات الحكومة الألمانية ( DeutscherBundestag ). لقد تحول المبنى بعد زوال الحكم النازي إلى متحف تعرض فيه أفلام وصور لما ارتكب بحق اليهود من مجازر ، ولا أعرف إن كان العرض ما زال مستمرا ، وفي القدس هناك متحف ( ياد فاشيم ) إن لم تخني الذاكرة .
إن ما ألم بغزة ينبغي ألا ينسى ، لا لأخذ ثأر وإنما لكي لا تتكرر المجازر بحق أي شعب من الشعوب ، وبعد الحرب العالمية الثانية رفع اليهود شعار " لن ننسى ولن نغفر ، وأما نحن فيجب ألا ننسى وأما عدم الغفران فيجب أن يخص القتلة فقط .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
١ / ٢ / ٢٠٢٤ .

***

118 -ب- الحلقة المفقودة في كتابتي عن غزة :

وأنا أكتب عن غزة وأستحضرها من النصوص الإبداعية الفلسطينية أشعر أن هناك حلقة مفقودة ، إذ غالبا ما أحيل إلى كتابات فلسطينية صدرت في ستينيات وسبعينيات ، وإلى حد ما ثمانينيات ، القرن العشرين ، علما بأنني درست خمس روايات وأكثر صدرت في القرن ٢١ .
هكذا استحضرت معين بسيسو ومحمود درويش وهارون هاشم رشيد وغريب عسقلاني وزكي العيلة ومحمد أيوب وزياد عبد الفتاح Ziad Abedelfattah Ziad Abdelfattah ziad وعمر حمش وبعض أسماء أخرى قليلة ، أما كتاب التسعينيات والقرن الحالي فنادرا ما اقتبست من نصوصهم أو أحلت إليها باستثناء الروائي عاطف ابوسيف ، فقد كتبت عنه غير مقالة وكتبت أكثر عن رواية يحيى السنوار باعتباره سياسيا كتب الرواية . هذه هي الحلقة المفقودة في كتاباتي .
في غزة هناك كتاب وكاتبات كثر حققوا حضورا لافتا منذ بدأوا يكتبون وكانت لهم مشاربعهم الإبداعية ، وعلى رأسهم خالد جمعة Khaled Juma وعثمان حسين ومحمود جودة وجواد العقاد و ... و ... و ... وقبلهم وليد الهليس Wallid Hallis وباسم النبريص ووليد خازندار .
منذ أوسلو انقطعت عن زيارة المدينة وظلت صلتي بكتابها الذين عرفتهم شبه منقطعة ، وربما كان تركيزي على أعلام الأدب الفلسطيني سببا ثانيا غير سبب قلة التواصل ، وربما هو ضيق الوقت أمام كثرة الأسماء الأدبية الفلسطينية فهناك نهر منها ، وربما قلت إن غزة الآن فيها جامعات فيها أقسام أدب عربي وأدب إنجليزي وعلى أعضائها تقع مسؤولية ما لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد وربما وربما وربما ، ولكن غزة وجيلها الأدبي الجديد لم يغيبوا عن ذاكرتي ، ومرة اقترحت على فاطمة جمعة أن تخص المدينة برسالة ماجستير وقد أنجزتها .
لا أعرف إن كان الدكتور محمد البوجي أنصف كتاب القطاع ، فهو يعد من أبرز النقاد هناك ومثله الدكتور خضر محجز الذي درس رواياته الدكتور عمر القزق في رسالة الدكتوراه التي أنجزها في جامعة النجاح الوطنية أيضا مثل فاطمة .
أتمنى الآن أن يلتفت دارسو الأدب الفلسطيني إلى الحركة الأدبية في قطاع غزة فهي تستحق .
المجد لك يا غزة والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
١ / ٢ / ٢٠٢٤

مساء اليوم ١١٨ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***

119-أ- في غزة : هم يبكي وهم يضحك

وأنا أتابع صفحة مخيم النصيرات في غزة قرأت العبارة لأسامة أبوالجود " هم يبكي وهم يضحك " والحياة في غزة كلها هموم ، من رحلة البحث عن رغيف الخبز وشربة الماء إلى علاج الجرحى ودفن الموتى ، وأشك أن الأعراس القليلة جدا التي أقيمت طغى عليها الفرح المنشود المفقود المبحوث عنه .
في الصفحة تقرأ عن شاي اللبتون النفل الذي صار المدخنون يحشونه في ورق السجائر حتى ينفسوا عما يعانون منه من مشاكل وينبسطوا " بتعمل دماغ أكرك عجم " والتعبير له ، وفيها أيضا تقرأ عن أصوات مفرقعات ورصاص ابتهاجا بهدنة متوقعة ، فقد طالت الحرب ولم يبق من مقومات الحياة شيء ويقترح أسامة أن يكون من شروط الهدنة ألا يرى أهل غزة علب الفيتا والفول لمدة عشر سنوات .
قبل أيام كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يخطب ممتعضا مخاطبا الرأي العام العالمي بأنه عثر في غزة على صيد ثمين : نسخة من كتاب المستشار الألماني الغارب ( أدولف هتتلر ) " Mein Kampf " كما لو أنه عثر على مؤلف الكتاب نفسه وحقق أهدافه من حربه : تصفية قيادات خماس وسحق مقاتليها واستعادة الأسرى أحياء .
مرة يحصل الجيش هناك على حذاء السنوار أو هوية قديمة للضيف وثانية على ترجمة كتاب يمكن الحصول عليه في العالم العربي بسهولة ، وكان الشاعر سميح القاسم اقتبس منه في قصته الطويلة " الصورة الأخيرة في الألبوم " ( ١٩٧٩ ) .
الأجواء باردة جدا والبرد القارس يفتك بالعظم وأهل غزة يطلبون ملابس شتوية لأطفالهم والطفل الذي ارتقت أمه وفقد أباه يرعى إخوته ويهتم بشأن أخته الرضيع . تلك غزة . إنها مدينة ، منذ ١٩٤٨ ، كانت دائما مصنعا للرجال الملتزمين المهمومين المكافحين .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٢ / ٢٠٢٤

اليوم ١١٩ للمقتلة وحرب الإبادة والمهل

***

> 119 -ب - الرجل المريض والدولة المريضة :

في العقود الأخيرة من حياتها نعتت الإمبراطورية العثمانية ب " الرجل المريض " وبدأ نجمها يأفل ، ما أدى إلى طمع الإمبراطوريات الأوروبية الناشئة في السيطرة على بعض مناطق منها .
مات الرجل المريض في نهاية الحرب العالمية الأولى ١٩١٨ وحصلت بريطانيا وفرنسا على بلاد الشام ، وكانت فرنسا استعمرت الجزائر منذ ١٨٣٠ تقريبا .
نحن الآن أمام دولة مريضة حقا ؛ دولة تعيش بعقلية ثلاثة آلاف سنة خلت وتتصرف بناء على ما ورد في كتاب يعلم الله فقط من كتبه .
عندما أتأمل ما فعله الجيش الإسرائيلي في غزة ، وما ألحق بها من دمار ، لا أجد نعتا آخر أسبغه عليها " الدولة المريضة " .
انتحر الطبيب النفسي الذي كان يطبب رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل شهرين وأكثر ووصفه بأنه " ثقب أسود " .
ماذا لو شاهد الطبيب ما يجري ؟
الثأر والانتقام والحقد والكراهية والمحو والإزالة هو كل ما يحرك الدولة الإسرائيلية ، ولا شيء آخر .
وماذا بعد ؟ ماذا بعد ؟
وليس لنا إلا أن نواصل حياتنا في هذا العالم الظالم .
ما خطر ببالي في نهار الجمعة هذا هو صلاة الجمعة في الأنفاق . من يؤم بالسنوار وضيف ؟ وماذا كان موضوع خطبة الجمعة ؟
والخبر اللافت الذي قرأته هو أن جنديا إسرائيليا هو (.يوفال نير ) وعد زوجته بأنه لن يعود من غزة إلا بعد أن يتصور مع جثة السنوار فعاد جثة إليها ولم ينجز وعده . كاتب الخبر عقب :
وعد زوجته الا يعود من الحرب إلا وهو يتصور مع جثة السنوار ، فأعاده رجال السنوار إليها جثة " .
مرات عديدة خربشت ساخرا :
" في مديح الاحتلال الإسرائيلي " ، وقد مدح العمال الفلسطينيون أرباب العمل الإسرائيلي والبضاعة الإسرائيلية مديحا يكفي وحده لمنع أي حرب بين الطرفين ولكن .... .
اللهم أرشد " أبو يائير " واجعله ينقلب ١٨٠ درجة من اليمين إلى اليسار ، مثل ( أرنا خميس ) في العام ١٩٤٨ . عسى الحرب تنتهي .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين

خربشات عادل الأسطة
٢ / ٢ / ٢٠٢٤

اليوم ١١٩ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .


***

120-أ- يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ( ١٢٠ ) : " شر البلية ما يضحك ، والواقع الأسود يشعل المخيلة "

كان إميل حبيبي يواجه الواقع الأسود بالضحك ، فالضعيف الذي لا يملك سلاحا يكافيء سلاح عدوه ليواجهه به يملك سلاح السخرية والضحك ، ولذلك قال : اضحكوا ، ولولا أنه خاف من أن يشرع العدو قانونا يعاقب الضاحكين لأغرقنا بالضحك .
ويبدو أن بعض سكان قطاع غزة من غير المقاتلين الذين يفعلون وليس لديهم مجال إلا للفعل ولا يظهرون لنا إلا لحظته ، يبدو أن بعض سكان قطاع غزة يواجهون واقعهم القاسي الصعب الذي يفوق الوصف بالضحك أو التخيل .
أحد سائقي العربات من مخيمات اللاجئين من وسط قطاع غزة - يسوق عربة يجرها حمار ( ضبل هش ) - أي هش هش أو حا حا - ارتدى الكفن وحجته أنه قد يموت في أية لحظة ، وهو يستعد لها ، بل إنه قدم نصيحة لمن لا يجد ملابس يرتديها أن يرتدي الكفن ثم إن الموت قد يأتي في أية لحظة .
كان الشاب يحكي ويضحك ، فماذا يفعل ؟ وربما لم يغب عن مخيلته أن بعض الدول العربية قدمت لأهل غزة الأكفان مساعدات لها . يومها ضج بعض الناس وقالوا : هذا ما يتمناه العرب لنا . الموت .
كنت بدأت هذه اليوميات برصد النكت والعبارات والمواقف الساخرة التي فجرها ٧ أكتوبر وهدم الجدار والقضاء على فرقة غزة ، وأتمنى أن تنتهي الحرب ، لكي تكون هذه الكتابة الأخيرة في مسلسل الدم والنار والموت في الخيام ؛ بردا وجوعا ومعاناة متعددة الأشكال .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين
خربشات عادل الاسطة
٣ / ٢ / ٢٠٢٤

***

> 120 -ب- غسان كنفاني : "القميص المسروق" وكيس الطحين الذي يمشي

ما يبث من أشرطة فيديو عن أسعار السلع في رفح وبيع المساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة ، علما بأنها جاءت مساعدات توزع مجانا ، ذكرني بقصة غسان كنفاني القصيرة " القميص المسروق " ( الكويت ١٩٥٨ ) .
لمن يرغب في أن يقرأ عن القصة فيمكن أن يعود إلى قراءتي لها وقد ظهرت في كتابي " قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية " ( ٢٠١٢ ) وأيضا ( موقع ديوان العرب ٥ أيلول ٢٠٠٧ ) .
خذوا هذا المقطع من القصة :
"
- اسمع يا أبا العبد . إن رأيت الآن كيس طحين يمشي من أمامك فلا تذع الخبر لأحد !
- كيف ؟
قالها أبو العبد وصدره ينبض بعنف ، وشم رائحة التبغ من فم أبي سمير ، وهو يهمس وقد فتح عيونه على وسعها :
- هناك أكياس طحين تمشي في الليل وتذهب إلى هناك ..
- إلى أين ؟
- إلى هناك ..
حاول أبو العبد أن يرى إلى أين يشير أبو سمير ولكنه وجد ذراعيه مسدلتين على جنبيه ، بينما سمع صوته يهمس ببحة عميقة :
- ستأخذ نصيبك .
- هل هناك ثقب تدخلون منه ؟
ورفع أبو سمير رأسه نافيا ومفرقعا لسانه بمرح ، ثم همس بصوت نصف مبحوح :
- إن أكياس الطحين تخرج لوحدها .. إنها تمشي !
- إنك مجنون ..
- لا بل أنت المسكين .. اسمع . ولندخل في الموضوع مباشرة . إن ما علينا هو أن نخرج أكياس الطحين من المخزن ونذهب بها إلى هناك . إن الحارس سيمهد لنا كل شيء كما يفعل دائما . إن الذي سيتولى البيع ليس أنا ولا أنت . إنه الموظف الأمريكي الأشقر في الوكالة . لا . لا تعجب ، كل شيء يصبح جائزا ومعقولا بعد الاتفاق . الأمريكي يبيع ، وأنا اقبض ، والحارس يقبض ، وأنت تقبض ، وكله بالاتفاق ، فما رأيك ؟" .
اسألوا الذين يبيعون المساعدات في رفح عن الاتفاق ! اسألوا شخصا مثل " أبو العبد " رفض أن يكون شريكا بعد أن عرض عليه .
كأننا لا رحنا ولا جينا وتيتي تيتي مثل ما رحت جيتي وحالتنا منذ ١٩٤٨ سيزيفية . لاحظوا أن كنفاني كتب قصته في العام ١٩٥٨ .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين والزوال أيضا للمستغلين واللصوص والمتاجرين بقوت الناس .
خربشات عادل الاسطة
٣ / ٢ / ٢٠٢٤

اليوم ١٢٠ للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***

121-أ- يوميات المقتلة والمهلكة ( ١٢١ ) : " غزة : الشاورما من لحم الحمير والكلاب في تل السلطان"

في يوميات ٢٣ / ١ / ٢٠٢٤ " سفر برلك فلسطيني في القرن ٢١ " كتبت إن أهل شمال قطاع غزة استفتوا شيوخ المسلمين إن جاز لهم أن يأكلوا لحم الحمير والقطط ، فاستغرب الصديق محمد لافي ذاهبا إلى أن أسعار الحمير في غزة ، في هذه الأيام ، مرتفعة ، لاستخدامها وسائل نقل في ظل تعطل عمل وسائل النقل الحديثة بسبب الحرب وقلة المحروقات .
في كتابي " حزيران الذي لا ينتهي " ( ٢٠١٦ ) كتبت عن رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " ( ١٩٧٤ ) وما ورد فيها عن أحد مطاعم حيفا الذي كان يبيع " النقنيق / النقانق / البسطرمة " المصنوعة من لحم الحمير ، وقد ربطتها بقصة رواها لي أحد أبناء مخيم عسكر القديم عمل في مطعم إسرائيلي كان صاحبه كريما مع عماله يطعمهم سقط الذبيحة ، ثم اكتشفوا أن ما يذبحه صاحب المطعم هو الحمير . كتبت ما سبق وأنا أكتب عن الدجاج الإسرائيلي البياض الكبير الذي باعه لنا الإسرائيليون بعد حرب حزيران ١٩٦٧ بأسعار زهيدة .
الصديق محمد لافي أرفق شريط فيديو ، في أحد التعليقات على مقالي أمس " غسان كنفاني : القميص المسروق وكيس الطحين الذي يمشي " ، نرى فيه ما يعرضه مواطن غزاوي ، من بقايا الذبائح التي تصنع منها الشاورما التي تباع ، ونصغي إليه يعقب طالبا أن يرحمهم الناس مما يجري .
مدرج الشريط على موقع " حي تل السلطان يجمعنا " عقب " احا وأنا بقول ليش طعم الشاورما في رفح غير وواحد كان يبيع سيخ الكباب ب 2 شيكل " .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال لهم محتلين والزوال أيضا للمستغلين واللصوص والمتاجرين بقوت الناس .
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٢ / ٢٠٢٤ .

***

>- 121 -ب- نابلس وغزة :

كما لو أنهما كوكبان في مجرتين مختلفتين ، وأما مدن فلسطين المغتصبة في العام ١٩٤٨ ففي مجرة ثالثة .
في نابلس تجري الحياة كالمعتاد . الناس تمارس طقوسها في البيع والشراء والذهاب والإياب ولا يحد من حركتها إلا البرد الذي حل مؤخرا.
أتأمل ما نحن فيه فلا أحمد أحدا ولا أحسده ولا أغبطه ، كما لو أننا في يوم القيامة كل مشغول بهمه .
أتصفح صفحات الأصدقاء في غزة فأقرأ توقهم إلى هدنة وإلى توقف الحرب وعودتهم إلى منازلهم . سعيد محمد الكحلوت شجاع الصفدي محمود جودة طلعت قديح يسري الغول أسامة ابو الجود و صفحة مخيم النصيرات و ... و ... .
أتصفح بعض صفحات أدباء الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ ، فلا أقرأ شيئا عن الحرب . يواصل أصحابها الكتابة كما لو أن ٧ أكتوبر تحدث في مجرة أخرى . Fuad Suzy Nakkara Sabah Basheer وزكي درويش وآخرين ، وفي ظل الحرب تصبح الكتابة مصيدة .
وأما نحن فمنا من يكتب شعر مقاومة حداثي جدا لا يغضب ولا يستثير ، أو قصائد تلمح ولا تفصح ، فلا تضع النقاط على الحروف ، كما يفعل الشعراء القوميون الإسرائيليون الذين يفصحون ويبينون ويشيطينون الفلسطيني ، ومنا من يكتفي ببيانات اتحادات الكتاب العرب وضرورة الالتفات إلى اللغة لاستخدام مفردة تتناسب وما يجري . هكذا أتصفح أشعار غسان زقطان والمتوكل طه نزال وصفحة مراد السوداني .
وماذا عن أدباء المنفى ؟
يشيدون بالمقاومة ويصمتون على مواقف الحكومات العربية التي يقيمون على أرضها . هل أستثني قليلين مثل تميم البرغوثي .
وأما أنا فلا أجد وصفا لحالتي سوى قول الشاعر العباسي " أبو الطيب " المتنبي :
" على قلق كأن الريح تحتي
أحركها يمينا أو شمالا "
أو
" شمالا أو يمينا "
زي بعضه ولا ألوم أحدا فزمن الأبطال لم يول ومكانهم هو الميدان الذي لم يخلق الكتاب له ، علما بأن الشاعر المرحوم زكريا محمد قال إن الشاعر يمكن أن يكون مقاوما أيضا .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٢ / ٢٠٢٤

***



122-أ- دعاء العاجز مثلي :

اللهم في هذه الليلة شديدة البرودة غزيرة الأمطار اهد عبادك الكفار ، ومنهم الخماسي( بنيامين نتنياهو و يوآف غالانت و بني غانتس و ايتمار بن غفير و سموتريتش ) ، واجعلهم مسلمين حقيقيين يؤدون العبادات ويحسنون المعاملات ويطيعونك ورسولك وأولي الأمر الذين تختارهم أنت بإرادتك لا بانتخاباتنا .
اللهم ليس ثمة من منقذ للاجئي غزة أولا وأهل الضفة الغربية في قادم الأيام إلا أن تلبي دعوتي الصادقة تلك . اللهم اجعل من عبادك المهتدين نموذجا للألماني المسلم في نظر الأتراك ، فالتركي ، كما كتب الكاتب التركي الساخر عزيز نيسين في روايته " الطريق الوحيد " ، لا يرى مسلما حقيقيا يدافع عن الإسلام إلا الألماني إذا أسلم . إنه يسلم عن قناعة تامة ويدافع عن إسلامه ، ولا تجعل اللهم من هذا المسلم مسلما ادعى أنه ألماني أسلم كما في الرواية ، فيخيب الظن والرجاء و ... .
هل كان عزيز نيسين عرف بإسلام المستشرقة الألمانية ( آنيماري شيمل ) العالمة المشهورة ؟ وهل هي الصورة التي رسخت فكرة الأتراك عن الألماني إذا أسلم ؟
قبل قليل أدرجت على صفحتي كتابة عن الأوضاع في رفح ونظرة الناس إلى بعضهم ؛ نظرة اللاجئين الغزيين الجدد إلى الرفحيين المواطنين فاستغفرتك يا الله ، لأنني بعد هذا العمر الذي بلغ السبعين نسيت ما نشأت عليه في المخيم عن نظرة المواطنين غير اللاجئين إلى لاجئي ١٩٤٨ . لقد أصبحنا كلنا في " الهوا سوا " . لقد أصبحنا بعد ٧٠ عاما فلسطينيين مضطهدين غير مرغوب فيهم من أبناء شعبك المختار ، فهل ستتكرر الحكاية من جديد في رفح ؟
كوبونات المساعدة تعرض للبيع في وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك تحويل الأرصدة الخاصة بالهواتف . حي تل السلطان يجمعنا
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٥ / ٢ / ٢٠٢٤
( ١٢٢ ) .

***

> 122 -ب-" متحف ليحيى السنوار في تل أبيب " :

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ( أبو يائير ) ووزير دفاعه ( يوآف غالانت ) ووزير حربه ( بني غانتس ) ووزيراه ( بن غفير ) و ( سموتريتش ) سيقيمون ، إن انتهت الحرب - ونأمل أن تنتهي - ، معرضا لأغراض يحيى السنوار في تل أبيب .
في حرب العام ١٩٦٧ أشيع أن الإسرائيليين ، في حينه ، كانوا يرغبون في إلقاء القبض على الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، ليجعلوا من قفصه فرجة ، ولا أريد أن أسيء في الكتابة .
آخر أخبار أمس ، فيما يخص الأنفاق ، أن جيش الدفاع الإسرائيلي اكتشف ثلاثة أنفاق في خانيونس كان السنوار يقيم فيها .
لم أتابع الخبر متابعة حثيثة ، لأعرف إن كان الجنود الإسرائيليون عثروا على شيء من مقتنياته أو مقتنيات محمد ضيف كما عثروا في أشهر القتال الأولى على فردة حذاء الأول والهوية الشخصية للثاني . هل وجدوا في الأنفاق الثلاثة نسخة من مصحف كل منهما أو سجادة صلاة لأي منهما أو مسبحة أو ملابس خارجية أو داخلية صيفية مثلا ؟ هل عثروا على ماكنة الحلاقة أم أن الاثنين أطلقا العنان لشعر رأسهما وشعر لحيتهما ، أسوة بالزير سالم ، وقررا أن لا يحلقا إلا في البلاد التي طرد أهلهما منها ، أسوة ب " أبو السخول " .
أبو السخول لاجيء لداوي يعرفه أهل مخيم عسكر القديم ، بخاصة من هم من جيلي الذي ولد في الخيام بعد نكبة ١٩٤٨ ، فالجيل الجديد لم يسمع به ، وهذا ما عرفته اليوم من سائق الحافلة . قرر الرجل ألا يتزوج وألا يحلق شعر رأسه وشعر لحيته إلا في اللد التي طرد منها ولم يعد إليها .
نتمنى أن تضع الحرب أوزارها ، فربما يجد يحيى السنوار نفسه في مكان المرحوم ياسر عرفات ، وأبو يائير نفسه في مكان ( إسحق رابين ) ، وربما يرعى ( جو بايدن ) نفسه حفل توقيع اتفاقية ( أوسلو ) ٢٠٢٥ ، فمن يدري ماذا يخبيء المستقبل ؟!
هل سيقيم أبو يائير متحفا لمقتنيات السنوار ؟
الأجواء ماطرة جدا ، والناس في نابلس تتبضع ، وكمية هطول الأمطار فاقت النسبة المئوية و " بلغ السيل الزبى " وإن شاء الله تضع الحرب أوزارها وتغني لها المطربة كارول سماحة أو حتى ماجدة الرومي .
الناس في غزة زهقت ولولا إيمانها بالله ، وأهل غزة متدينون ، لكفرت ، فقد بلغت القلوب الحناجر وظن القليلون بالله الظنونا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة

٥ / ٢ / ٢٠٢٤ .
( ١٢٢ )

***

123-أ- التغريبة الفلسطينية الثانية في غزة :

وأنا أدرس في الجامعة كان زملائي يحثونني دائما على شراء الأراضي لأستثمر أموالي فيها ، فهي التجارة الرابحة وقد حققوا من ورائها أرباحا كبيرة . كان قسم منهم يقترض مبلغا من البنك ليشتري قطعة أرض ويقضي أيامه يسدد ما استلف ، ما جعله يعيش حياة أقرب إلى الكفاف ، وعندما ترتفع أسعار الأرض يبتسم في وجهي معاتبا ساخرا ربما مني ، وكنت أرد عليه بأن الثري منا هو من يملك الآن في جيبه نقودا أكثر .
في حياتي لم أؤجل شراء شيء أحتاج إليه أو تطلبه نفسي ، وكنت أنفق عن سعة غالبا ، وإن لم أبذر ، فالله لا يحب المبذرين ، وكنت تعلمت من الألمان أن بإمكان المرء أن يعيش حياته بتكاليف أقل . كان يمكن أن أسافر من ( بامبرغ ) إلى ( ميونيخ ) بالقطار بتذكرة ثمنها ١٢٠ ماركا ويمكن أن أسافر في الباص ب ٢٥ ماركا ، والباص سياحي ومكيف أيضا .
وكنت أكيف حياتي بناء على ما أملك من نقود ونادرا جدا جدا جدا ما استدنت من أحد .
عندما كانت التغريبة الفلسطينية تعرض ، وكنا نشاهدها ، غالبا ما مزحت مع زميل لي يشتري الأراضي قائلا :
- يا خوف يا دكتور يصير معك مثل ما صار مع " أبو عايد " في المسلسل !
وأبتسم.
كان أبو عايد ريفيا يشتري الأراضي لكي يحقق مكانة اجتماعية ، فكلما امتلك المرء " في الريف " أرضا أكثر ، ارتفعت مكانته الاجتماعية ، ثم صار أبو عايد في عام النكبة ١٩٤٨ لاجئا . يده لا قدام ولا وراء ، فقد ضاعت الأرض وضاعت المكانة الاجتماعية وضاع وضاع ... .
وأتمنى أن نظل في أرضنا وألا يلم بزملائي ما ألم به .
ما صلة كل ما سبق بمقتلة غزة ومهلكتها وحرب الإبادة هناك ؟
أمس شاهدت شريط فيديو ، وأدرجته على صفحتي ، يصور حالة شبيهة . الشاب الغزاوي الذي كان يملك متجرا لبيع الملابس الفاخرة جدا ، وكانت أحواله ميسورة جدا وله في البنك رصيد ، لم يختلف مصيره عن مصير " أبو عايد " . لا بطاقة الفيزا ، ولا ماضيه ، حالا دون أن يقيم في خيمة يطبخ قربها الفاصولياء ليطعم اللاجئين الفلسطينيين الجدد.
الفرق الوحيد بين الاثنين هو عبوس " أبو عايد " ومرح الشاب الذي ضربها صرمة وأدرك أن خسارته هي خسارة الوطن كله.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة

٦ / ٢ / ٢٠٢٤

اليوم ( ١٢٣ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

***


> 123 -ب- يحدث في غزة الآن :

للكاتب الروائي المصري يوسف القعيد رواية عنوانها " يحدث في مصر الآن " ، وقد صدرت في سبعينيات القرن ٢٠ بعد زيارة الرئيس الأمريكي في حينه ( ريتشارد نيكسون ) الذي كتب عن زيارته الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم قصيدته بالعامية " شرفت يا نيكسون بابا ، يبتاع الووترجيت ، عملولك قيمة وزيمة سلاطين الفول والزيت " وغناها الشيخ إمام .
وأنا أتصفح كتابات أبناء غزة عن أحوالهم قرأت في صفحة الصديق Abed Alkarim Ashour عنوانا قريبا هو " يحدث في غزة الآن " ، ولا أعرف إن كان تأثر بالكاتب المصري .
ما يكتبه عبد الكريم قفشات قصيرة تصف الواقع وتضع الإصبع على الخطأ ، وهو مثله مثل أكثر من بقي في غزة لا يملكون ترف الوقت ليجعلوا من نصهم نصا أدبيا يحفل بالبلاغة ويتناص مع نصوص أخرى ، إذ هدمت بيوتهم وأتلفت مكتباتهم وانقطاع الكهرباء والنت عنهم لا يوفر لهم فرصة للكتابة باستمرار ، وكان عاطف ابوسيف الاستثناء الوحيد الذي كتب يوميات طويلة غلب عليها الأسلوب الروائي ، إذ نذر وقته لذلك واقتنص فرصة ليوفر لنفسه الكهرباء والنت . وحين نقارن بين ما كتبه عن القهوة وما كتبه محمود درويش في كتابه " ذاكرة للنسيان " ( ١٩٨٦ ) نجد الفارق واضحا .
ويبدو عدم الاهتمام بالصنعة والأسلوب واضحا أيضا في يوميات إبراهيم خشان الذي أقرأ له لأول مرة Ibrahem Khashan .
إن كتابات غزة أكثرها لا تناقش ما يجري في الحرب من قتال ، فقد تركت ذلك على ما يبدو لأشرطة الفيديو التي يصورها المقاتلون وتبثها الفضائيات وأولها الجزيرة القطرية التي صارت مثل قطر دولة لها يد في الحرب والسلم في غزة .
مما قرأته صباحا في صفحة عبد الكريم عاشور عبارة " رفح خيمتنا الأخيرة " وبعدها إما أن نعود إلى الشمال - أي غزة ، وإما أن نهجر إلى الجنوب - أي سيناء . رفح الآن هي الصراط المستقيم وقد كتبت من قبل عن هذا .
عبارة " رفح خيمتنا الأخيرة " ذكرتني بقصيدة محمود درويش " بيروت " التي قال فيها :
" بيروت خيمتنا الأخيرة
بيروت نجمتنا الأخيرة "
و
" لن نترك الخندق حتى يمر الليل أو نهلك "
ولم تكن بيروت الخيمة الأخيرة للفلسطيني ولا النجمة الأخيرة ، وقد تركوا في لبنان في ١٩٨٢ الخندق ليعودوا إلى فلسطين ، ثم ... والبقية معروفة .
ماذا يقول المقاوموون الآن في الخنادق / الأنفاق ؟
هذا ما لم نقرأه ، فهل يدون الروائي يحيى السنننوار يومياته ليكتبها لنا في رواية ثانية ؟
من سينصف غزة في يومياته ؟
Ziad Abedelfattah
زياد عبد الفتاح أم عاطف ابوسيف أم خالد جمعة Khaled Juma أم ... أم ... أم .. من الأسماء المذكورة وغير المذكورة ؟
في غزة هناك نيوتن فلسطيني وهو الطفل الموهوب حسام العطار وروائي فلسطيني هو عبدالله أبو سلطان وإبداع فلسطيني وللحرب وجوه عديدة أيضا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة

٦ / ٢ / ٢٠٢٤

اليوم ( ١٢٣ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى