د. محمد الهادي الطاهري - موقف محرج

موقف محرج ولكنه طريف ممتع:
في مطار جينيف كنت أنتظر موعد الرحلة إلى لندن بعد هبوطي قادماً من تونس. سألت بعض الأعوان إن كنت ملزما بشخن حقيبتي من جديد أم أن ذلك يتم آليا باعتبار رحلتي الأصلية هي من تونس إلى لندن عبر جينيف فقيل لي كن مطمئنا فحقيبتك قد تم شحنها فسألت وهل علي أن أسجل في هذه الرحلة من جديد فقيل لي اطمئن أنت مسجل آليا. فارتحت لذلك وحين حل موعد الرحلة وقفت في المعبر وجواز سفري بين يدي فلما وقفت أمام عون المراقبة سمعته يقول لي وهو يمسك بجوازي وينظر في شاشة الحاسوب: آسف سيدي أنت لم تسجل. فقلت : ولكني سألت فقيل لي أنت مسجل آليا، فنظر إلي نظرة شممت فيها رائحة الازدراء فغلى الدم في رأسي وطفقت ألعن جنيف وسويسرا وأوروبا كلها بعربية تونسية نابية إن لم نقل فاحشة معتقدا أن لا أحد في ذلك المطار يعرف عربيتي التونسية الفاحشة وإذا بشاية أنيقة رقيقة خفيفة السمرة واسعة العينين ناهدة الصدر منسدلة الشعر تناديني من مكتبها الزجاجي بعربية مغربية: اهدأ يا تونسي . ما كل هذا الغضب ولم كل هذا التهور. لقد تجاوزت حدود اللياقة. كانت تقول ذلك وعلى محياها ابتسامة عريضة أدركت منها أنها غير مستاءة مما سمعته مني وأنها تريد مساعدتي لتسهيل عبوري. لا يمكنم أن تتخيلوا ما اعتراني من مشاعر الخجل والحياء وما انصب على جبيني من عرق بارد حار في الوقت نفسه. مسحت جبيني بكمٓ جمازتي ولم أدر ما علي فعله ولكن المغربية الأنيقة الرقيقة نادتتي: تعال يا تونسي. فسرت إليها مرتبكا. سلمت عليها وناولتها جوازي وأنا أقول: عفوا سيدتي. لقد تفوهت بألفاظ لا تليق في مقام أنيق. فضحكت ضحكة خففت عني وطأة الخجل والشعور بالندم وقالت: إن لم نقل ما قلته بتلك النبرة العالية المشحونة بالغضب لن تكون تونسيا البتة. فقلت: ولا مغربيا أو جزائريا؟ فقالت وهي تمد ضحكتها: ولا مغربيا أو جزائريا. نحن يا سي محمد إخوة ودمنا واحد. هذا جوازك واعبر . لا تنس أن تكون تونسيا حيثما حللت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى