د. محمد الهادي الطاهري - موقف محرج ولكنه ممتع 2

تيسر لي العبور والصعود إلى الطائرة بفضل المغربية الرقيقة الأنيقة. في مطار لندن سألوني وأنا أتهيأ للعبور: ما سبب زيارتك لنا؟ قلت باختصار: في مهمة علمية. لم يعجبهم الرد. فقالوا: وأين ستكون هذه المهمة؟ قلت في معهد الدراسات الإسماغيلية، وبدعوة من الأستاذ الدكتور المنصف بن عبد الجليل. رأيتهم يتهامسون. ثم قالوا: هل تعني جامعة الآغا خان ؟ قلت نعم. هي تلك. ثم عبرت. في مهبط الحقائب لم أجد حقيبتي. لم يكن فيها شيء ذو بال. فقط عشر علب من سجائر تونسية رخيصة وبدلتان أو ثلاث واشياء اخرى تافهة جدا. حقيبتي لم تصل من جينيف. هكذا قيل لي. وقيل لي أيضا: هذا استبيان عليك أن تملأه. كتبت كل شيء. حتى لون الحقيبة وحجمها ومحتوياتها التافهة. قيل لي بعد ذلك: يمكنك أن تغادر. حقيبتك تصلك غدا صباحا. في محطة مترو الأنفاق حمدت الله على ضياع الحقيبة. لو كانت معي لأرهقتني. خرجت من الأنفاق وبين يدي ورقة فيها بيان للمسلك الذي يجب اتباعه للوصول إلى الفندق. لم يكن في الحقيقة فندقا . كان أقرب ما يكون إلى ما نسميه عندنا وكالة. وكالة في قلب لندن؟ ما هذا الحظ المنكود. قبل الوصول إلى هنالك ظللت أستوقف المارة ليدلوني إلى المتحف البريطاني ومنه إلى فندقي . وفوجئت أن كل عابر سبيل أهم بسؤاله يجتنبني. كانوا ينظرون إلي نظرة المشمئز أو الحذر أو .. لا أدري. تفقدت هيأتي. لم تكن غريبة. لا شيء في ينفر. لون بشرتي مألوف جدا في لندن. فيها البيض والسود والحمر والصفر فلماذا ينفرون مني؟ وقفزت إلى ذهني قصة الورقة التي كانت بين يدي وأنا أستوقف المارة. قلت: هي السبب. ثم طويتها وأخفيتها في جيبي واستوقفت رجلا محترما.رد علي السلام بأدب وأرشدني. شكرا سيدي. ومضيت نحو المتحف البريطاني. ها هو الفندق الحقير. دخلت. سلمت. قدمت نفسي. قيل لي: آسف سيدي لا حجز باسمك. قلت بقلق مشوب بشيء من الغضب: ولكن الدعوة التي وصلتني تقول إن غرفة محجوزة باسمي. أخرجت الدعوة ووضعتها على مكتب الاستقلال وأنا أقول: اقرئي من فضلك. قرأت الشابة الانكليزية نص الدعوة ونظرت إلي وهي تقول كلاما لا أفهمه. قلت: أنا لا أفهم ما تقولين. سألتني مبتسمة: ما هي لغتك الثانية؟ قلت: الفرنسية. رفعت السماعة. لا أدري لماذا وبعد دقيقتين أو أقل جاءت شابة أخرى قالت بنبرة فرنسية : مرحبا بك. لم بحجز لك أحد هنا. ومع ذلك أنت محظوظ. لم تبق غير غرفة واحدة. هي للأسف في أسفل السافلين. قلت ضاحكا: أنا راض بها وإن كانت في الجحيم. ثم سألتها: أنا في غاية الجوع، قالت: غير بعيد من هنا سلسلة مطاعم . في المطعم اكتشفت أنه مطعم إيطالي. يا للحظ العاثر. بعد محنة الانكليزية تأتي محنة الإيطالية. كيف سأختار طعامي؟ قائمة المأكولات تزيد عن العشرين وكلها تبدأ بكلمة واحدة. سباڨتي. وضعت سبابتي اليمنى على الرقم 12. لا أدري لماذا. ربما هو يوم مولدي. وجاءت السباڨتي. بيضاء لا شيء عليها ولكن رائحة الثوم تفوح منها. وجاءت معها حزمة حشائش لا أعرفها. بدت لي في صورة عشبة تنبت في حقولنا نسميها للوشة. ولكن الللوشة عشبة تأكلها الأغنام. لا بهم . أكلت الللوشة في لندن ودفعت أربعة جنيهات استرلينية مقدارها بالدينار التونسي ستة وعشرون دينارا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى