مصطفى الحاج حسين - (أطلقتُ عليكِ قلبي).. مجموعة شعريّة

* السّيرورة..
عاليةٌ هيَ الشهقةُ
تلامسُ موقدَ الهمسِ
وتطالُ أجنحةَ الإغماءِ
فيها يتفتّحُ أفقُ الأشرعةِ
ويصطفقُ المَدى بالوميضِِ
تنثالُ في رحابِها الأغنياتُ
ويتجمَّدُ الصّمتُ على أعتابِها
يتناهى إلى أقمارِها الظُلُماتُ
وتفيض بالحنين الشّرسِ
مزدانةً بالهواجسِ الضّازيةِ
هيَ سعيرُ المسافاتِ
ما بينَ الموتِ والولادةِ
ما بينَ النّجوى والنّشوةِ
وما بينَ القصيدةِ والقلبِ
مزودةٌ بأعاصيرِ الرّوحِ
مسلّحةٌ برمادِ الصّدى
تحملُ بيديها لوعتَها
وتمضي نحوَ مجدِ الانطفاء
تعبثُ بالقهرِ والجوعِ
تتلقّف الهزيمة
حين تكسرُ عظمَ الرّياحِ
فتهجعُ إلى قبرِها
محتشمةَ الأنفاسِِ
مغمضةَ الجسد.*
إسطنبول
* بسمتُكِ..
بسمتُكِ مجرَّةٌ منَ الوردِ
سماءٌ تفوحُ بالعطرِ
بحرٌ يزخرٌ بالموسيقا
أرضٌ مسكونةٌ بالشّفقِ
دروبٌ معبّدةٌ بالوداعةِ والنّقاءِ
بسمتُكِ رحمُ الخليقةِ
وأجنحةُ النّدى الصّاعدِ من العذوبةِ
وانهيارِ السّكونِ
تشعُّ بالمدى
وتلبسُ روحيَ
الباحثةَ عنْ نبضِها
في وَهْدةِ القهرِ والاغترابِ.*
إسطنبول
* بيارق..
أنتزعُ رأسَ الوقتِ
وأُدمي وجهَ الانتظارِ
وأُلاحقُ فلولَ الصّبرِ
أطاردُ حنيني
أُضرِمُ النّارَ في لوعتي
أشقُّ ثيابَ السّكينةِ
وأجزُّ عُنُقَ القلقِ
أحاربُ مجاهيلَ الجهاتِ
أعلِّقُ الدّروبَ من وعورتِها
على قارعاتِ صرختي
أنشأتُ لقلبي متاريسَ النّدى
ولروحي بوابةَ الصّهيلِ
إنّي لَأُفجِّرُ الضِّحكةَ
من صحراءِ هواجسي
من زمهريرِ قهري
ومن رمادِ الذّكرياتِ
سأرشِدُ النّسمةَ إلى ربوعِ بلادي
وأُشعِلُ فانوسَ القُبُلاتِ
وأزرعُ في سماءِ الدّمعةِ
بيارقَ النّهوضِ والسّلامِ .*
إسطنبول
* المسيرة..
إنّهُ الدّربُ
مشتْ عليه دموعي
حافيةَ الدّمِ
عاريةَ الحنينِ
موجوعةَ الأحلامِ
نازفةَ الابتهالِ
كانَ الغبارُ ينهشُ عزيمتي
والجهاتُ تهربُ من تعرقي
والماءُ مصلوبُ الشّفتينِ
معطوبُ الفؤادِ
مقيّدُ البصيرةِ
والحجارةُ مفسّخةُ الصّمتِ
مسلوخةُ النّبضِ
راعفةُ الصّدىٰ
أمرُّ علىٰ أنقاضِ قامتي
علىٰ تهدُّم ذكرياتي
علىٰ أوديةِ انتظاري
أنادي علىٰ سماءٍ ضيَّعتُ مكانَها
علىٰ غيومٍ صعدتْ مِنَ السّرابِ
وعلىٰ أجنحةٍ تذوّقت سقوطي
وتسألُني لهفتي عن خطواتي
والدَّربُ مزروعٌ بالوحشةِ
ومثمرٌ بقارعاتِ المفارقِ
لأكملَ مسيرتي نحوَ الورد .*
إسطنبول
* نيـرانُ الصّقيعِ..
أتدحرجُ علىٰ شغفِ الرّيحِ
وأتلمّسُ وهجَ النّبضِ
وأحترقُ من حمحمةِ النّدى
الضّاربِ في شهوةِ الأفقِ
واتِّساعِ المغيبِ الهائمِ بالسّطوعِ
والعابثِ بالموجِ والانْبهارِ
أشقُّ أنفاسَ السَّعيرِ
ألاحقُ ارتماءَ حنيني
في حضنِ الاخْتفاءِ
المسيّجِ بالرَّمادِ الملوّنِ بالصّقيعِ
والرَّملِ الجَسُورِ
ألحُّ علىٰ رغبتي بالصّعودِ
فألمحُ علىٰ قِمّـةِ النّجوىٰ
تجلسُ خيبتي بانْكسارٍ
وذلٍ سقيم .*
إسطنبول
* صحـنُ العَـدَمِ..
يتزاحمُني القلقُ
وتغزُوني الهواجسُ
فأرتمي على وخزِ النّارِ
فراشي ينضحُ بالتّصحَرِ
وليلي شديدُ المرارةِ
الجدرانُ مصقولةٌ بعذاباتي
والسّقفُ تدميهِ آهاتي
النّوافذُ تفتحُ فكَّيها لأنيني
والبابُ يطبقُ على حنيني
الغربةُ أنهكتْ قصائدي
وضيّقتْ عليَّ أحرفي
صارت بحراً من الاخْتناقِ
سدوداً من الفواجعِ
قرميداً في أوردتي
مِسماراً في نبضي
أسلاكاً تحتجزُ بسمتي
أسراباً من الموتِ
الغربةُ وضعتْني في صحنِ العدمِ
تلوكُني دمعتي
تنهشُني ضحكتي
تشربُني ذاكرتي
ويجزُّ عنقيَ الصّمتُ
سلخوا بلادي عن مساماتي
أحرقوا زيتونَ أحلامي
سيَّجوا قلعتي بالرّذيلةِ والعناكبِ
وباعوا مصيرَ النّدى للعقاربِ.*
إسطنبول
* مدينـةُ النّـدى..
وقد جَعَلْتِ مِن بسمتِكِ ضحىٰ
ومِن ظلِّكِ بساتينَ رفعةٍ
ومِن يدَيكِ رقرقةَ الكوثر
في عينَيكِ يتربّعُ المَـدىٰ
وفي سحـرِكِ سطوعٌ
فليتكِ تلامسينَ آفاقَ شغفي!
وليتَكِ تسمحينَ لمراكبي بالبوحِ!
حتّىٰ أنعتقَ من رحمِ القصيدة
وأنطلقَ لأشيّدَ لكِ أبراجَ التّضرعِ
والابتهالِ
فكوني لقلبي مدينةَ نَـدىٰ
وقلعةَ اسْقِ العطاش
لغريبٍ يناجي عرشَ الياسمينِ
فقد ذبحَـهُ تضوعُ الحنينِ
خُذِي عنّي انْهياري
ومَذلّتي
مِن أقوامٍ لا يفهمون دمعتي
ولا يفسحون الدّربَ لأحلامي
حلبُ العامرةُ في دمي
حلبُ القابعةُ في عظامي
حلبُ الغافيةُ علىٰ زندي
ووجداني.*
إسطنبول
* أطلقتُ عليكِ قلبي..
أطلقتُ عليـكِ قلبي
بِكاملِ عنفوانِ نبضِـهِ
وبِكافةِ جنونِـهِ
وبِجميعِ ما يملـكُ مِن حنـانٍ
ودموعٌ تبتهلُ لِـدَربٍ
أنتِ تقفينَ بآخـرِهِ
وتعتلينَ نورَهُ
وتبتسمينَ لِآفـاقٍ
تستأذنُ
لتغسلَ أطرافَ اْتّساعِكِ
أنتِ يا سِـدرةَ الندىٰ
ويا تفاحةَ الأبديّةِ
وعنقَ الأريجِ
بما يتفجّرُ مِن أمواجٍ ولهيبٍ
أحـبُّـكِ..
بِـقَـدْرِ ما أجهلُ التّوغلَ
في غابـاتِ سطوعِكِ
وصحارىٰ صمتِـكِ الوارفةِ بالحَـيرةِ
والتّشردِ
الطّاعنِ بالقلقِ وبالسُّكونِ
غطّي عظامي برحمتِكِ
وَضَعِي راحتَيكِ علىٰ غربتي
هدهِدِي سمـاءَ خَوفي
إمسحي عنّي ضياعي
وأعيديني
إلىٰ ربوعِ فتنَـتِكِ
يا حلـبَ الأمِّ
يا حلبَ العزّةِ
يا حلبَ المثوىٰ والمأوىٰ
يا موئلَ الشيخوخةِ والطفولةِ. *
إسطنبول
* عقوبـة..
حطبُ الجَحيمِ غُربتي
فمَن يَرمي لي بكفنِ الانتظار؟!
ويستأصلُ مِن روحي أوثانَ الجِـراح؟!
ويشقُّ عن بصيرتي عَماءَ الشَّوقِ؟!
إنّي أرتطمُ بالخيبةِ كلّما لاحَ
لِدمي كذِبُ الأملِ
لا جدوىٰ مِن شمسٍ متفحِّمةٍ
ولا مِن نَدىًٰ فاقدٍ الحواس
أو مِن شجـرٍ يثمرُ المرارةَ
أو أرضٍ سلَّمت نهدَيها للثعابينِ
أرىٰ البحرَ مغلولَ المراكبِ
ومعلّقاً مِن موجِهِ الحالمِ
وأبصرُ الرّيحَ تشقُّ بكارتها
والسّماءُ تتسوّلُ الغيمَ البهيمَ
وتشحدُ حذاءً للقمرِ
وأشاهدُ العصافيرَ تزحفُ
فوقَ الشّوكِ المفترِسِ
وألمحُ السّكينَ تقطرُ أطفالاً
بيدِ الرّكامِ
وأسمعُ فوضىٰ الدّمارِ
المنتشرِ علىٰ أعالي الصّدىٰ
الوردُ يأكلُ القباحةَ
الماءُ يتوضأُ بالوحلِ
والبلادُ لا تعرفُ ساكِنيها
ولا أحدٌ يترجمٌ لها لغةَ الحاقدينَ
موتٌ يتوالدُ علىٰ الأرصفةِ
وبيوتٌ فقدتْ أحجارَها
ونوافذُ توافَدَتْ منها الانْفجاراتُ
وأمريكا تتوعد بالعقوبةِ
لمَن يشكو جوعُ الجثثِ ؟!!*
إسطنبول
* تغـزُّل..
سأفترسُ فتنتَكِ
وأنقضُّ على سعيرِ النّدى
البازغِ على الشّفتين
وألعقُ أنفاسَ النّبضِ
أعصرُ وميضَكِ
وأنتزعُ شهقةَ المَدى منكِ
أدكُّ رحابَ السّنابلِ
وأحصدُ النّارَ مِن همسِكِ
والموجَ العاتي من أصابعِ وردِكِ
أكسّرُ الصّفـاءَ
أحطِّمُ الأنـداءَ
أهاجمُ النّشوةَ
وأبقرُ صمتَكِ المجنونَ
وأصعدُ سلَّـمَ الموتِ
ليلقى صهيلي حتفَـهُ
في غاباتِ أنوثتِكِ المجلجلةِ
بالحنانِ
سأسدُّ عليكِ الجهات
وأشدُّكِ مِن عطرِكِ
مِن ياقـةِ أنوارِكِ
مِن سحبِ عينَيكِ
ومِن معصمِ قلبِـكِ
أنـتِ..
أنـتِ يا قصيدتي المستعصيةَ
يا عذراء.*
إسطنبول
* التّعـالي..
جائعٌ لِأنْ أراكِ
نَهِمُ الشّوقِ والحنينِ..
متعطّشُ الرُّوحِ والقلبِ
لطيفِ بسمةٍ من عطرِكِ
هائمُ الدّم
متأجِّجُ الأحاسيسِ
مسعورُ النّظرِ
ساطعُ الرّغبةِ
وعنيفُ السّمعِ
مسكونٌ باللهفةِ
ومكفنٌ برحابِ غيابِكِ
مقطوعةٌ أخبارُكِ عن قصيدتي
لا أعرفُ عنكِ إلّا الذكرىٰ
وفي كلِّ يومٍ
أشربُ وأستحمُّ في سرابِكِ
وأنا أحدِّقُ بالنّدىٰ
وأسألُ المَدىٰ عن أبوابِكِ
أفي السَّحابِ تسكنينَ؟!
وأنا أنبشُ الضّوءَ
عن ترابِكِ
يقتلُني صمتُكِ
وصوتُك البعيدُ
قد أتقنَ لهاجسي
فنونَ عذابِكِ
أشهدُ أني ما بكيتُ
إلّا عندَ أعتابِكِ
ولاقيتُ حتفي
في محرابِكِ
يومَ كان التعـالي
جوابُكِ.*
إسطنبول
* رسالة..
مُتيقِّظُ الدَّمعِ
مُسترخِ الرُّوحِ
بليدُ النظَراتِ
أرمقُ الأفْقَ بالحسرةِ
وأستنكرُ الطَّيرانَ
نحوَ ذكرياتي
بيَ موتٌ جامِحٌ
صوبَ مواعيدي
لا رغبةَ لي بطعنة غدرٍ
في هذا الصَّباحِ
والمطرُ متَّسخُ البسمةِ
والضّوءُ هزيلُ القامةِ
وغرفتي تعجُّ بالصَّمتِ
وأنا أستلقي فوقَ المرارةِ
وخارطةُ وطني الممزّقةُ
تنزفُ على جدارِ الغربـةِ
في عالمٍ يقدِّسُ الرّذيلةَ
وينتهكُ ضفافَ النّدى.*
إسطنبول
* انهيار..
من قالَ إنِّي أهتمُّ بكِ بعدُ؟!
أنا في كلِّ دقيقةٍ
أزجُرُ نفسي حينَ أذكُرُكِ
في كلِّ لحظةٍ
أخنقُ ذكرياتي معكِ
مزّقتُ دمي
كي لا يحنَّ إليكِ
أحرقتُ دفاترَ نبضي
وهشَّمتُ جداولَ عطرِكِ
في مساماتي
وسحقتُ حنيني
على مرآى دموعي
لا رجعةَ لكِ إلى روحي
فلا تقتربي من قصيدتي
سأكتبُ عن كلِّ ما هو مهملٌ
ولن أكتبَ عنكِ
محالٌ أنْ تتسرّبي إلى قلبي
وأن تنالي تسامُحي
اذهبي إلى كهوفِ النّسيانِ
ولا تُطلِّي على وجعي
سأحرقُ منديلَكِ إن حاولَ
مسحَ دمعتي
لا علاقةَ لكِ بنيراني
لا دخلَ لكِ بأحزاني
أنتِ مجرَّدُ صدفةٍ
قابلَها قدري
لهوتُ معها طوالَ حياتي
ثمَّ انتهتِ اللُّعبةُ
وتفرّقَ الضّوءُ عن البسمةِ
وابتعدَ القمرُ عن الحلمِ
وصِرنا متباعدَينِ
متخاصمَينِ ليومِ القيامةِ
لا ترسلي لي النّسمةَ
أفضِّلُ أنْ أختنقَ
لا تبعثي لي الدفءَ
سأموتُ متجمِّداً
لا تسبقيني إلى شرفةِ الأحلامِ
أنا تعوّدتُ على الوحشةِ
ولا تأتِي إن نادتكِ وحدتي
فأنا غاضبٌ منكِ
إلى حدِّ الانهيارِ.*
إسطنبول
* دبيـبُ الاحـتراقِ..
تعلمتُ لغةَ الموتىٰ
صرتُ أتحدثُ بها بطلاقةٍ
كلُّ ما عليكَ أن تتكلَّمَ
دونَ أنْ تحرِّكَ شفَتيكَ
ودونَ أنْ تفتحَ عينَيكَ
حاذرْ أن تُوقِظَ قلبِكَ
دَعْ أنفاسَكَ ثابتةً
اتركٰ نبضكَ يابساً
وعلى بسمتِـكَ
أن تغيبَ
وليكنْ صوتُكَ
مقطوعَ الحبالِ
ولا تقتربْ مِنَ الذكرياتِ
ولا تتلفّظْ بأسمـاءِ الأصدقـاءِ
وانْتَـبهْ
مِنْ أنْ يتسرَّبَ
منكَ حنينُـكَ
ابتعِـدْ
عنْ كلِّ ما يخصُّ
الوطنَ
وتنكَّرْ للحُـبِّ
إنْ طَـرَقَ قبـرَكَ
لا تنشغِلْ
بسحـْرِ عيونِ حبيبتِكَ
ولا تحنَّ لأيّ حضنٍ
أو قُـبلةٍ تُـلَـوّحُ لـكَ
وتحدَّثْ بكلِّ جُـرأةٍ
عنْ موتٍ ألَـمَّ بِـكَ
منذُ أنِ اغْترَبْـتَ
وتشرَّدْتَ
وصرتَ تبحـرُ في دمعِـكَ
وتحلقُ في قفصِ العَـراءِ
قُلْ ما يقولُهُ التُّـرابُ
إلى دمِـكَ
ما يثرثرُ بِـهِ العدمُ
مع رميمِ عظامِكَ
تحدّثْ مع السُّكونِ
أُصرخْ
مِلْءَ الأزلِ
واكْتبْ علىٰ جدرانِ الأبـدِ
سيورقُ موتي ذاتَ قيامةٍ
وأحاصرُ الوطنَ المشظَّىٰ
بعودتي
ولهفتي
ودبيبِ احْتراقي.*
إسطنبول
* احتضان..
هاجمتني الجهات
غرزت أنيابها في أفقي
وعضَّت أنفاس أحلامي
كبَّلت دمي
وجرشت بسمتي
وسفكت دمعتي
من تحتي اغتالت الأرض
ومن فوقي أزالت السَّماء
بطشت حتَّى بآهتي وأنيني
علَّقتني على جدار العدم
وبالجحيم طوَّقتني
وأخبرتني أنَّ هذا هو وطني
وما كنتُ قد عدتُ إليه
لو لا أنَّها بادرت وساعدتني
شكراً لكلِّ الأممِ التي
هجَّرتني
ومن ثمَّ قتلتني!!!*
إسطنبول
* ميزانُ العدلِ..
يتأمَّلُني الجدارُ
يمُدُّ عنُقَهُ من نافذتي
يبصرُ جدراناً أعلى منهُ
يقفُ أمامي باحترامٍ
ويؤدي ليَ التٌّحيةَ
كان الجدارُ غمَاماً
سمَحَ للحمَامِ أنْ يبلِّلَ مناقيرَهَ
سخطَتْ عليه السَّماءُ
فساقتهُ تحتَ الأدراجِ
وشادتْ منه زنزانةً
راقبتْ نزيفَ المعتقلِ
وحلَّلَتْ رعشةَ الكتمانِ
بالدمِ العنيدِ
زجَّ الجدارُ بالأقوياءِ
نكَّلَ بالصَّابرينَ
وضايقَ الأملَ
نتفَ ريشَ الحلمِ
استعبدَ السُّوطَ
واستخدم الجلادَ
فاعتمدتْ تقاريرَهُ الأضابير
وصار مرجعية القضاة
كُتِبَ
على بطنِهِ كتب دستور البلادِ
ونُقِشَ ميزانُ العدلِ.*
إسطنبول
* شهوةُ الأسدِ..
دهشتي أكبرُ منَ الآفاقِ
وصرختي لا يتَّسعُ لها الكونُ
والدمعةُ تغمُرُ السماءَ الثامنةَ
ركضتِ الخيبةُ في عروقي
واحتلَّ الوجعُ أركانَ قلبي
وتهاوى الحلُمُ على هشيمِ نبضي
أنا أصغرُ من هزيمتي
أقصرُ من اختناقي
أكبرُ من جرحي
الشمسُ تثملُ دربي
الهواءُ ينتصب مارداً في صحرائي
والرِّمالُ تعضُّ ينابيعَ تعرُّقي
الضُّبُ لا يمدّ لي يدَ العونِ
العِربيدُ يضمِّدُ آهتي
والذئابُ تثِبُ على وهني
رباهُ !!
لم اتعمَّدِ الخروجَ عن الصَّمتِ
أردْتُ فقط رغيفاً منَ النَّدى
إبريقَاً من الطُّهرِ
شمعةً من الحرِّيَّةِ
كنتُ أطمحُ أنْ أصافحَ القمرَ
وأنْ أضمَّ لصدري شغَبَ المطرِ
لا أطمعُ بقُممِ الجبالِ
لا أطمحُ بامتلاكِ الأجنحةِ
لا أعارضُ أن يكونَ القاعُ لي
لكنَّ الثعالبَ نهشتْ بابَ داري
والضَّواري سدَّتْ عليَّ نوافذي
وجدرانُ بيتي بدأتْ تكشفُ عورتي
سالَ لعابُ الضَّبعِ
واستيقظتْ شهوةُ الأسدِ.*
إسطنبول
* نضارةُ الموتِ..
جفَّ الماءُ
فتدفَّقَ الدَّمُ
اتَّسعتْ دائرةُ العتمةِ
فضاقَ تنفُّسُ الضَّوءِ
اختنقَ الكلامُ
ودوَّى صوتُ الانفجارِ
شحُبَ وجهُ الحياةِ
وتألَّقتْ نضارةُ الموتِ
باسمِ اللهِ يقتلُ المؤمنُ
وباسمِ الحقِ تُزهقُ روحُ المحقِ
والليلُ مخمورٌ
والنَّهارُ فاقدٌ لعقلِهِ
تبكي الأرضُ
تتوجَّعُ السماءُ
تئنُّ الجبالُ
يشهقُ البحرُ
وتتقيأُ الصحارى دمَ القتلى
وحدَهُ السَّرابُ يطمحُ بالبقاءِ
والغيمِ تنخلعُ رئتاهُ
يتلفَّتُ القمرُ خلفَهُ
والنُّجومُ تتغلغلُ بالأفاقِ
والصباحاتُ ترفلُ بقيودِ السَّوادِ
وطني خرابةٌ
وأنا أزحفُ فوق القهرِ
وطني ركامٌ
وأنا أستنجدُ بالقذيفةِ
وبسخريَّةِ القنَّاصِ الأنيقِ.*
إسطنبول
* جيوب النَّدى..
يتآمر جسدي على روحي
فيطلق العنان لقلبي
ليعشق إمرأة متحجرة النبض
متكلسة الوجدان
تستخدم قصائدي أساور نرجسية
وورد حنيني
َممسحة لزجاج أنوثتها
تطوِّح بي يدي نحو تلال المرارة
وتزج بي قدميَّ داخل الهاوية
الأفق يدكُّ عنفواني
الدُّروب أفاع تتربَّص برسائلي
والسَّراب يكشِّر لي عن أنيابه
لا صدى لانحدار دمعتي
لا قمم لرجائي
لا سكينة في رماد انتظاري
أقِفُ فوق انكساري
أحدقُ في تدفُّق الأوجاع
أحاولُ لمس بسمتِها المعتمة
البرودةُ تقضم لهفتي
فأراني معلَّقاً من آهتي
والرِّيحُ تعبثُ بأيامي النَّاحلة
يتفتَّقُ من جلدي العدم
يبزغُ في أوردتي قبري
يصطادني تجهُّم نفذتها
فأرسل إليها كفن أجنحتي
علَّها تصنع منه جيوباً
معبأة بالندى.*
إسطنبول
* التَّفاني..
تساقط جمالكِ
ترهَّل أريجكِ
وتجعَّدت عندكِ الخطا
وصارت أنفاسكِ تتعكَّزُ
على ضيق الصَّدر
عيناكِ تزحفان على سلالم المدى
ويداكِ تتمسَّكانِ بالعشب النَّاهض
رحلت عنكِ ينابيع الضَّوء
غادرتكِ أسراب التألق
جفَّ البهاء
يبس الوميض
تكسَّر النَّدى
وشحب ظلُّكِ
دربكِ فقد امتداده
صوتكِ أثقل بالحطام
تخلَّت عنكِ ضحكتكِ
تنكَّرت منكِ البهجة
تصدَّع نبض قلبكِ
تهدَّمت أسوار روحكِ
وأبواب قلعتكِ نخرت
سوَّس الجذع
تهالكت الأغصانُ
والرِّيحُ عبثت بأوراقكِ
شابت قامتكِ
تقوَّست أحلامكِ
تصحَّر عندكِ السَّمع
أصابعكِ سكنتها الرَّجفة
لم يبقى لكِ إلَّا الخيبة الشَّاهقة
إلَّا الرُّكام الباكي
وحدكِ تتلفتينَ صوب السَّراب
لا أحد يعنيه أمركِ
إلَّا أنا وقلبي
نقف على بعد همسة
ننتظر منكِ أن تنادينا
وتسمحي لنا أن نكون بخدمتكِ
للأبد.*
إسطنبول
* أنتِ..
أنا عندما أقولُ أحبُّكِ
أعني أحبُّ كلَّ البشرِ
أحبُّ الكونَ كلَّهُ
لأنَّكِ تختزنينَ العَالَمَ
في عينيكِ
وتعطينَ للحياةِ
نكهةَ الرّوعةِ
أنا أعرفُ مَنْ أعطى للوردِ
جمالَهُ وشذاهُ
وأعلمُ مَنْ زَوَّدَ الضَّوءَ
بسرّهِ
وَمَنْ وزَّعَ على النّدى
طُهْرَهُ
وَمَنْ أعارَ للفراشاتِ
أجنحَتَها
وَمَنْ أسبغَ على القمرِ
اسمَهُ
وَمَنْ منحَ للغيمِ
فرصَةَ الرَّحيلِ
وَمَنْ أهدى للنَسمةِ
قامتَهَا
وللصّبحِ رونَقَهُ
أعرفُ
يا حبيبتي أعرفُ
أنتِ
فأنتِ نبعُ الحياةِ
وشرفةُ الفرحةِ
نغمةُ الدّنيا
وسرّ الوجودِ
فَمِنْ قبلِكِ
كانَ الزَّمنُ مشرَّداً
وكانَتِ الأقدارُ عمياءَ
لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ
نَجمَةٌ
ولا كانَ للحبِّ
شَهادةُ ميلادٍ
فأنتِ مَنْ رَوَّضَ الكواكبَ
وَمَنْ سَرَّحَ لِلشَمسِ
ضفائرَها
وأنتِ مَنْ نَثَرَ الكَلامَ
في قلوبِ الشّعراءِ
وَمَنْ كَفكَفَ النَّارَ
عَنِ القلوبِ
وأنتِ
مَنْ أهدى للأرواحِ
مساحاتِها
وللخطواتِ أغانيها
أنا أعرفُ يا حبيبتي
لِماذا المطرُ يهطلُ
والهواءُ يرفرفُ
والفجرُ يبزغُ
أنتِ هكذا ترغَبينَ
وهكذا تشترطينَ
وأنتِ
على قلبي المُتيَّمِ
أشفَقْتِ
لكِ الحبُّ على سعتِهِ
لكِ الحنينُ
بكلِّ ما يحملُ
ولكِ قصائدي
تتظلّلُ فيكِ
وأحتمي أنا بأصابعِكِ
مِنَ الأوجاعِ
والموتِ *.
إسطنبول
* أكفانُ القهوةِ..
تتسلَّقُني هضابُ الكلماتِ
تصعدُ المعاني إلى ذائقةٍ النَّبضِ
يتكشَّفُ لي جسدُ البرقِ
فأحدِّقُ بتأججِ الظلامِ
أرى شهوةَ المدى تنقضُّ
على عنقِ الصدى
وكان الغمامُ يعربدُ مع النجوى
والأفقُ في حالةِ تلبُّسٍ
مع جاذبيةِ الأرضِ
الزَّمنُ يزني
والامكنةُ تتستَّرُ على حملِها
والقمرُ هاربٌ من مسؤوليتِهِ
ولا أحدَ يحتجُّ على دعارةِ الضميرِ
النجومُ تغمضُ عينيها
والشجرُ لا يتدخَّلُ بما لا يعنيهِ
في حينِ أنَّ الكتبَ تنبحُ
والقصائدَ تُعتقَلُ
وبعضَ الأحرفِ تعملُ لصالحِ الأمنِ
لا شيءَ يدعو للقلقِ
ألسنةُ الفراشاتِ مبتورةٌ
ومعصمُ الندى مغلولٌ
يتمشى الخوفُ في الشوارعِ
والمقاهي تقدِّمُ لزبائنِها
الأكفانَ بدلاً من القهوة.*
إسطنبول
* سيرة حياة القمر..
سرقت منك الشمس بعض صفاتك
وهربت إلى السماء
تستعرض نفسها بما أخذته منك
أمام القمر المخدوع
صار القمر يكتب أشعاراً غزلية
والشمس كانت تتباهى
أمام النجوم
وتعالت الشمس
أخذت من القمر مطية
علَّ نجماً يفتن بها
كانت تعبث بمصير القمر
مرَّة تكشف له عن صدرها
ومرَّة تغلق بوجهه نافذتها
والقمر المسكين يناديها
قلبه تعرض للإحتشاء
تورَّم نبضه
شاب بصره
خانته ساقيه
ترمَّدت أنفاسه
حفر قبره
ارتدى كفنه
ودَّع دفاتره
والشمس ترسل عليه
جحافل الغيم الأسود
ويتوعَّده الرَّعد العصبي المزاج
الشمس عجفاء
تعيش بمفردها
لم تحظى باهتمام أيّ نجم
وتكبَّرت على القمر
الذي التفَّ من حوله الفقراء.*
إسطنبول
* القاتل النَّبيلِ..
الجثة لا تعترف عن اسم قاتلها
فقد خضعت للتهديد
مخافة على أحبابها
قالت:
القاتل لم يقتلني
أنا متُّ من تلقاء نفسي
وجدت مسدَّسه بعيداً عني
فأطلقت من على بعد
رصاص غزير على قلبي
وصرخت بأعلى دمي
أنا من قتلت نفسي
عقاباً على احتجاجي
عن فساد الحكومة
المسؤول أنقى من حليب أمي
أطهر من عرق أبي
أشرف من أجدادي الموتى
هو لا يلمس أموال الدَّولة
بل هي من تندس في حسابه
الرَّشوة لا يطلبها
بل هي تعرض عليه بسخاء
هو لا يلاحق المعتقل
إنَّما التقارير تجرجره للزنزانة
القاتل بريء إلى أن تشهد عليه
الضَّحية
حذرت أحبابي منه
وطالبتهم بالهتاف لسعادته
وبالتَّصفيق الحاد
كلَّما أطلَّ عليهم
من الشَّاشة المرعبة.*
إسطنبول
* جنازة الزّمن..
يفتّشني السّؤال عن خبايا صمتي
يحفر في روحي أخاديدَ النّارِ
وأنا أقارعُ مسافاتِ العتمةِ
في قلبي يتراكمُ دمعُ الغبار
أصيحُ على اسمي علَّهُ يعرفني
لكنَّ دمي يطردُ أوردتي
ويقفزُ على جدرانِ صرخاتي
يريدُ فضاءَ رمادي
سيفتحُ جرحي للسماءِ العاثرةِ
ويدفنُ جثَّةَ الرّيحِ في اختناقي
ألملمُ الليلَ عن وجهِ وحشتي
وأقولُ لصحراءِ شفتّيَ
هيّا اشربي علقمَ النّوافذِ
أكلّمُ أحصنةَ البردِ
اهجعي إلى غربتي
فأنا توأمُ العدمِ
أمشي في جنازةِ الزّمنِ
أحملُ أحجارَ حلمي
فوقَ انكساراتي النَّابتة
ملحَ الهزيمةِ
وأنا أدقُ أبوابَ التّلاشي
أسألُ عن مدفنِ للأرضِ
وأعلنُ أمامَ الفناءِ
عن موتِ العروبةِ قاطبةً
ماتت الأكوانُ
وانتحرَ الأزلُ
يومَ بعتم سوريةَ.*
إسطنبول
* رابيَةُ القمرِ..
أستندُ على الهاويةِ
الفراغُ يمزِّقُ صرختي
الهواءُ يتكسَّرُ تحتَ سقوطي
والقاعُ يفتحُ بشغفٍ ذراعيهِ
ويقفزُ منّي حنيني
وتنسلخُ ذاكرتي عنّي
وأحلامي تبتعد عن دمائي
قلبي المرتجفُ يرفرفُ بجناحيهِ
ويدا السّحابُ لا تطالُني
قصائدي تهوي
بسمتي تجفُّ عند شواطئِ دمعتي
ترتطمُ رؤاي
تدوِّي هواجسُ النّهايةِ
أصبحُ ركاماً من ندى
وندوباً من الاحتراقِ
وطيفاً يتخبَّطُ في السّرابِ
أنمو في مقابرِ الغربةِ
تشدُّ من أزرِي فواجعُ بلادِي
التي تزرعُ الهلاكَ
في كلِّ حبَّة نورٍ
وتمسكُني من أنفاسي
تقيُّدُني بأغلالِ نسائمِها
وتستعبدُ إشراقةَ جموحي
على كاهلي أجلستْ جبالَها
من فيضانِ محبَّتي فجرتْ ينابيعَها
وفي صدري زرعتْ آفاقَها
بلدي توأمُ الجنَّةِ بالعطاءِ
على ترابِها نثرَ آدمُ الحياةَ
وحواءُ حملتْ بثمارِها
وأنجبتْ أمطارَها الأغاني
فهي رابيةُ القمرِ
وسماءُ النّجومِ الصّاهلةِ بالحبِّ
ومرضعةُ الشّمسِ الحالمةِ بالهمساتِ
حولتها الأطماعُ إلى فُتاتٍ
والضغائنُ إلى ساحاتِ موتٍ
قتلوا تربتَها والعشبَ
شنقوا أنهارَها
وفتكوا ببريقِ الأشرعةِ.*
إسطنبول
* سجلاتُ العدمِ..
أناشيدُ الغيابِ تكتبُها الدّروبُ
على وقعِ الحنينِ الهادرِ بالدّمعِ
وتوجّعِ الذّكرياتِ الغارقةِ بالدّمِ
يتراخى الأفقُ
يتهدّلُ المغيبُ
والموتُ يلوّحُ بالمصيرِ المحتّمِ
ينابيعُ قهرٍ مِنَ الأمامِ
براكينُ مذابحَ مِنَ الخلْفِ
والرّيحُ متحجرةُ الجهاتِ
يلهثُ الغبارُ فوقَ الرّجاءِ
وللتعرقِ وَخْـزُ السّكاكينِ
الغيومُ قصديرٌ ذائبٌ
والضّوءُ أسودُ العينَيْنِ
ورملُ الطّريقِ فاغرُ الفكَّيْنِ
يلوكُ الخطواتِ المتعَبةَ
بحرٌ مِنَ الويلاتِ يطلقُ موجَهُ
على جراحٍ تعمّرُ الجسدَ
تغمرُ استغاثاتِ النّبضِ المحروقِ
والمدىٰ مالحُ الصّدرِ
معقوفُ البصيرةِ
مسدودُ الرؤى
الغربةُ رسمتْ خريطةَ المذلّةِ
فتحَتْ سجلاتِ العدمِ
وكتبتْ أسماءَ اللاجئينَ
على زجاجِ النّهايةِ المهشمِ.*
إسطنبول
* رواسبُ الدّمِ..
في قيعانِ الرُّوحِ المائجةِ
تتراكمُ رواسبُ الدَّمِ وتنمو
وتمتدُّ في شِعابِ النَّبضِ
تتدفَّقُ ظلمةُ الصَّمتِ
تقتلعُ من القلبِ مراكبَهُ
وتبيدُ صواري الحلمِ
لتزرعَ الجمرَ في أخدودِ الرّؤيا
وتشتلُ تمثالاً للغبارِ
الرِّيحُ تحرسُ عرشَهُ
وتثبِّتُ مجدَهُ على صراخِ الجماجمِ
والأرضُ هزيلةُ الأزمنةِ
ركيكةُ الدّروبِ
متقيّحةُ الثّمارِ
منتفخةٌ بالأوثانِ والسّحالي
الماءُ يزمُّ شفتَيهِ عن الخضرةِ
وتتحجرُ يداهُ
عندَ احتضانِ خصرِ العذوبةِ
والهواءُ يجثمُ فوقَ بسمةِ الأنينِ
السّحابُ بلا أجنحةٍ
والنّدىٰ عقيمُ القبلاتِ
تاريخٌ مفتولُ العضلاتِ
شيّدتْهُ المجازرُ
وكوارثُ أرضعتْهُ الرّكامَ
ليستقيمَ طريقُ الجبابرةِ
القادمونَ على متنِ الجنازاتِ
العامرةِ بأحلامِ قتلانا
وصهوةُ الانكسارِ فينا
وأكفانُ الموسيقا السّوداءُ
وطنٌ يحتضرُ ترابُهُ
وطنٌ تُقنَصُ سماؤُهُ
وطنٌ يُصطادُ بحرُهُ
وطنٌ تُغتالُ قلاعُهُ
وطنٌ ينفِضُّ عنه شعبُـهُ
وينذرُ نفسَهُ للمحتلّينَ الضّواري.*
إسطنبول
* تهاليل..
يطيعُكِ الضّوءُ
ينحني لكِ الليلُ
تُقبِّلُ الآفاقُ يديكِ
ويهابُكِ المدى
تُقسِمُ السّماءُ بجمالِكِ
والقمرُ يكتبُ الأشعارَ عنكِ
يغسلُ البحرُ مراكبَكِ
والأرضُ تنبٍتُ طيبَكِ
أمّا الدّروبُ فهي مرهونةٌ بخطواتِكِ
وعلى سعةِ بسمتِكِ
يمتدُّ البريقُ
كلُّ ما هو كائنٌ يمجِّدُ أندائِكِ
كلُّ مَن سيأتي سيدخلُ محرابَكِ
أنتِ الحبُّ الأوحدُ
الشّعاعُ المتدفّقُ بالآمالِ
والخصوبةُ
مدماكُ الأبدِ أنتِ
أحجارُ الأزلِ أنتِ
وندى الجنَّةِ
وموسيقا البهجةِ والنّشوةِ
عناقيدُ الأحلامِ
شلالاتُ الحنينِ
ومراكبُ النّجاةِ
وسِلالُ الارتواءِ
ومحبسُ القلبِ
قضبانُ أسواركِ شواطئٌ
أبوابُ قصورِك مجدٌ
أعالي قلاعِكِ قدودٌ حلبيّةٌ
منشأُ التّكوينِ أنتِ
متراسُ الخلودِ أنتِ
وتهاليلُ الملائكةِ والتَّسبيحِ
يا حلبُ.*
إسطنبول
* مُبارَكة..
خُصلةُ ندى
مشَّطَتْ دمي
فلامستْ غرائسَ جنوني
اندلعَ المدى
شبَّ الوميضُ
واستَعرًّ الثّلجُ في حُطامي
تكدّستْ بحارُ النّهوضِ
وفاضَ حنيني بالمراسي
استيقظتْ مروجُ لوعتي
وماجتْ بسمتي بالآهةِ
تفتّقَّ حطبُ روحي
وتفتّحٌَ وردُ صهيلي
الأرضُ ترقصُ
السّماءُ سكرى
واستعادَ القمرُ جناحيهِ
والنّجومُ تعطَّرتْ بفرحتي
الكونُ عرفَ دربَهُ
والجَنًّةُ أشرَعَتْ أبوابَها
الأشجارُ زغردتْ
والينابيعُ أبحرتْ في غاباتِ رمادي
الأحجارُ تمطَّتْ
والرّياحُ تلألأتْ
والصّمتُ غنِّى كلّ أناشيدِهِ
ترقرقتْ دموعُ الموتِ
وانفرجتْ أساريرُ العدمِ
وراحتْ شفتا القهرِ
تلهجانِ بالشّكرِ والأدعيةِ
الفرحةُ تشهد على سروري
والملائكةُ هنَّأَتْ قصائدي
واللهُ باركَ في صعودي.*

مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول



فهرس: مجموعة أطلقتُ عليكِ قلبي.


=======================
01 - السّيرورة
02 - بسمتكِ
03 - بيارق
04 - المسيرة
05 - نيرانُ الصقيع
06 - صحن العدم
07 - عقوبة
08 - مدينة الندى
09 - أطلقتُ عليكِ قلبي
10 - تغزُل
11 - التّعالي
12 - رسالة
13 - إنهيار
14 - دبيبَ الإحتراق
15 - احتضان
16 - ميزان العدل
17 - شهوة الأسد
18 - نضارة الموت
19 - جيوب النّدى
20 - التفاني
21 - أنتِ
22 - أكفانُ القهوةِ
23 - سيرة حياة القمر
24 - القاتل النبيل
25 - جنازة الزمن
26 - رابية القمر
27 - تهاليل
28 - سجلات العدم
29 - رواسب الدم
30 - مباركة

--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى