د. محمد الهادي الطاهري - موقف محرج 3

موقف محرج 3
كان من المفترض أن تكون الرحلة إلى لندن رفقة أستاذي المؤطر الدكتور مصطفى التواتي، ولكن لأسباب لا أعلمها تحتم علي أن أسبقه إلى لندن بليلة واحدة.، وكانت حصيلة هذا السبق كما تعلمون للوشة. وفي انتظار أن يلتحق بي أستاذي قصدت من صباح الغد معهد الحضارة الإسلامية وكان على مقربة من الوكالة التي نزلت فيها. هكذا قيل لي في نص الدعوة، وقيل لي أيضا إن هذا المعهد أصل ومعهد الدراسات الإسماعيلية فرع منه. في مكتب الاستقبال سيدة تلبس حجابا. كانت لا تكاد تظهر من كرسيها من فرط قصرها. سمرتها تجاوزت الحدود حتى لامست السواد أو كادت. ربما كان ذلك من أثر الحجاب الأسود الفاحم الذي كانت تلبسه. بدت لي في حجابها الأسود الفاحم امرأة غارقة في تشيعها تماما. هكذا قلت. سلمت وقدمت نفسي بإنكليزية مدرسية متعثرة، ردت علي بعربية متعثرة. مرحبا . خذ مكانك هنا. وأشارت إلى كرسي أمامها. جلست وسلمتها نص الدعوة. ألقت عليها نظرة سريعة ثم فحصتني بعينيها فحصا دقيقا. كانت كما نقول نحن تهزني وتحطتي حتى ظننت أنها تراودني عن نفسي. ثم طردت هذا الخاطر الشيطاني من رأسي. لابد أنها شعرت بما خطر يبالي فقامت من مقعدها وفتحت باب خزانة قريبة منها ثم أوصدته دون أن تأخذ شيئا. هذا باب وأغلقناه. الحمد لله. ولكن السمراء القصيرة المتحجبة أعادت فتحه من جديد إذ عادت تفحصني مرة أخرى. ربنا يستر. هكذا قلت في نفسي وهممت بإشعال سيجارة فنهرتني بعينيها وهي تقول التدخين ممنوع. قلت: لابد أن أدخن. هل من فضاء خاص بالتدخين وتركت مقعدي أنوي الخروج ولكن السمراء القصيرة المتحجبة سألتني: هل أنتم، التونسيين، من الشيعة أم من السنة؟ فقلت: نحن التونسيين من السنة. قالت، وهي تبتسم بحياء شديد،: وأنت؟ ضحكت لسوالها الغريب ثم قلت: طبعاً أنا تونسي وإذن أنا سني. هكذا يقول التاريخ. كان جوابي التلقائي مدعاة إلى فرح خفي لمحته في عينيها وهي تقول: الحمد لله، أخيرا دخل هذا الفضاء واحد من أهل السنة. ثم دعتتي إلى الاقتراب منها وقالت هامسة: الحذر الحذر. هولاء الشيعة منطوون لا يقبلون أن يكون بينهم أحد. قلت متعجا: ولكنك شيعية، فلم تقولين هذا؟ قالت: لست منهم. أنا سنية من جزر القمور. قلت: ومع ذلك أنت تعملين هنا . لو كانوا كما تقولين ما وظفوك البتة. رأيتها تمتعض. لابد أن كلامي لم يرق لها. ثم رأيتها تقف وتناولني ظرفا مغلقا. قلت : وما هذا ؟ قالت: معلوم سيارة التاكسي التي ستنقلك إلى معهد الدراسات الإسماعيلية. شكرا سيدتي. ودعتني وهي تقول: كن حذرا منهم. لا أدري لم كانت خائفة علي منهم. لعلها رأت في ملامحي صورة أبي بكر أو صورة عمر أو صورة عثمان. هذا مستحيل. فملامحي كما قالت بعد ذلك بثلاثة أيام أوحت لها بصورة معاوية، ولكن اسمي الثلاثي نغص عليها هذا الإحساس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى