مصطفى الحاج حسين - أصقاعُ الجوعِ..

السّحابُ ينهشُ ترابَ الحنينِ
والسّماءُ تستعصي على صرختي
أفقٌ محدودبُ الهواءِ
وضوءٌ يتعثّرُ بعميانِ الابتسامِ
سرابٌ في خضمِّ البحرِ
وأشجارٌ تستجيرُ بالصّواعقِ
الرّيحُ تقشّرُ يباسَها
والقصيدةُ تغدرُ بأحرفِها
الينابيعُ تبتلعُ الجبالَ
وتطفو على سطحِ الجفافِ
والحيتانُ تعاركُ الجياعَ
على لقمةِ الحلمِ
مدينةٌ تعصف بجثثِ السّنابلِ
والموتُ لا يميتُهُ الشّبعُ
النّسمةُ لا تجدُ قوتَها
والفراشةُ سُرِقَ حليبُ رضاعتِها
التّرابُ باتَ طعامَ النّسورِ
والرجالُ يأكلُها عجزُهُم
أمامَ أغصانِهم
المّمتدةِ إلى أصابعِ القبرِ
جوعٌ بدأَ يدوّنُ التّاريخَ
ويوزّعُ الأوسمةَ على الأباطرةِ
وكان لقياصرةِ العربِ
أعظمُ نياشينِ الاستحقاقِ
هم وحدَهم
مَن كرّسوا الجوعَ في بلادِهِم
زرعوا حدودَ ملكِهم بالجوعِ
عمّدوا دساتيرَ بلادِهم بالجوعِ
وأسّسوا حضارةَ الجوعِ
شيَّدوا أبراجَ الجوعِ
في كلِّ الأزقةِ
ورفعوا منارةَ الجوعِ
في كلِّ أصقاعِ الحياة.*


مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى