رسائل الأدباء رسالة من الدكتور محمد خطابي الى حسن بيريش

"إلى أخي الأعزّ، وصديقي الأبرّ، المُبدع اللاّمع الأستاذ حسن بيريش حفظه الله أرفع هذه الكلمات النابعة من صميم الفؤاد جواباً على تفضّله مشكوراً وممنوناً من لطفه ونبله وأريحيته بتدبيج (بورتريه رائع) جديد لشخصي المتواضع المُدرج فى هذا الجدار.. فأقول: جميل جدّاً..... بل رائع، أو حريّ، وجدير، وقمين، وحقيق بنا أن نقول بملء فينا.. إنها الرّوعة فى قمّة أوجها، وسحر جمالها، ورونق جلالها، ورقّة بهائها.... صور زاهية مُرهفة رقيقة.. وكلمات بلّورية مُترفة أنيقة... تسلم اليراعة الذكيّة، الحاذقة الخلاّقة التي أبدعتْ، وأبلغتْ، وأمتعتْ، وأقنعتْ، وأشبعتْ هُيامَ ظمئنا، وسقت صَدىَ عطشنا، وشفت غليلَ هيامنا، وأطفأت لهيبَ أُوَامِنا... لله درّك، ولا فضّ الله فاكَ أيّها الصّديق النقيّ الصّدوق، والخلّ التقيّ الخلوق، الأديب الأريب الصّادح، والكاتب اللوذعيّ الرّاجح الأستاذ الأبرّ حسن بيريش حفظه الله تعالى ورعاه، وسدّد إلى معارج الخير، ومدارج السّؤدد خطاه..
شكراً وهنيئاً لك على هذا الدّفق الجميل، والتداعي المتنامي الأسيل، دمتَ للإبداع الرّائع منبعاً مِدرَارَا.. وللخَلْق البهيّ اللاّمع مَرتعاً، ومَربعاً ودَارَا.. ودام لك حلو الكلام، وعذب البيان، طوعَ اليراع والأنامل والبنان... وتحيّة عبقة فوّاحة أريجها باقاتٌ من الودّ، والورد، والزّهر، والشِّعر، والعِطر، والفكر... ورحيقها مزهريّات من الفلّ والقرنفل.. وصَبَاها أريج بهيج من الياسمين والرّياحين، وطيبها أصُصٌ من الحَبق والنّبق، مزدانةً ومُشعشعة بألوان أطياف الشّفق والغَسق...
كلماتك الرّقيقة فى شخصي المتواضع، إنما هي داناتٌ مشعّة متصلة الحلقات، موثوقة الأواصر والعُرى، شكراً على مشاعرك الراقية والرقيقة، وعباراتك الأنيقة والرشيقة التي تجعل من هذه اللغة الرّائعة التي نتواصل، ونتذاكر، ونتحاور، ونتشاور بها كائناً حيّاً يدبّ على قدمين، كما يقول الناقدان الإنجليزيان أوغدن Ogdan وريتشاردزRichards. فى كتابيْهما النقدي البليغ " فى معنىَ المعنيَ" (The Meaning of Meaning ) هذا الكائن الذي يضرب جذورَه،وأصولَه، وأثولَه فى القدم، ويتغذّى من مختلف الروافد، والنوافذ، والثقافات، والحضارات، والعلوم، والآداب، والشّعر، والفنون، والحِكَم السّائرة، والأقوال المأثورة، والتاريخ، والحكايات، والأساطير الثرية التي تعاقبت، وتوالت على هذه الأرض الطيبة التي نسعى فى مناكبها، وندبّ على أديمها..
هذه المشاعرالفيَاضة التي فُهتَ بها، وأفصحتَ عنها عزّ وجودُها، وشحّت فى أيّامنا هذه الرديئة التي أصبح يملأها البؤسُ اللّعين، وتعلوها الكآبة والأنين، ويملأها الضّنك، والدّنس، إنها مشاعر شفيفة، عفيفة، شريفة تعود بنا الزّمانَ القهقرَى، وتذكّرنا بأناس، وأبطال، وأصدقاء آخرين أخلصوا الودّ الجميل، وتمسّكوا بأهداب خلاّن أوفياء مثلك.
ففي أمريكا اللاّتينية التي لا نعرف عنها سوى النزر اليسير، فى هذا الشقّ النائي من العالم، والذي تربطنا به أواصر وُثقى، وصلاتٌ عميق لغةً، وفكراً، وثقافةً، وشعراً، وأدباً، وطبعاً، وطِباعاً، وتطبّعاً، وخلقاً وإبداعاً، وعذاباً وعذوبةً، وعناءً ومعاناةً، فى تلك الرّبوع البعيدة، والأصقاع المترامية الأطراف التي قيّض الله لي أن أعيش في العديد من بلدانها سنواتٍ طويلة، تعلّمتُ، ونهلتُ، وإغترفتُ الكثير، والكثير من أخبارها، وتاريخها، وآدابها، وشعرها، وحِكَمِها، وأمثالها، وقصصها، وطرائفها، وحكاياتها، وأساطيرها حيث نعثر في كتاب "ذاكرة النّار" للكاتب الأورغوائي الكبير إدواردو غالينو المُدْرَج ضمن كتابي( أمريكا الجنوبية: الوجه والقناع... أضواء مثيرة على ماضي وحاضر العالم الجديد) (دار النشر أياديف الرباط) 2005 نجد طرفةً عميقةَ الغور عن مدى إعتزاز الكثيرين من الإخوان الأعزّاء، والخلاّن الكرام، والصديقات الفضليات الذين، واللائي تجمعنا بهم وبهنّ هذا الفضاء الأزرق الأثيري البهيج، يقول "غاليانو": إنّ البطل الأسطوري المكسيكي"بانشُو فييّا " كان إسمُه الحقيقي هو "دوراتيُو أرانغُو"، وبانشُو كان إسم أعزّ أصدقائه، وعندما قتل الحرسُ المدني صديقَه الذي كان ينتمي إلى شلّة " أرانغو" اتّخذ لنفسه إسمَ صديقه، أيّ الإسم الذي هَوَى، وأصبح إسمُه "بانشو فييّا" لكي لا يموت إسمُ صديقه أبداً، إنّه نوع من مصارعة الموت ضدّ النّسيان الذي يُعتبر الموت الوحيد الذي يقتل حقيقةً. وهكذا ظلّ إسمُ صديقه حيّاً في شخصه تردّده أمريكا اللاّتينية كلّها حتى اليوم.
هنئت فى هذا الصّرح الوارف الذي أصبحتْ تُضربُ لك فيه قبّة من أدم عن كلّ جدارة وأهليّةٍ واستحقاق.. دامت لك موفور الصحّة والعافية ودمتَ مكللاً بأَكاليل الرّفعة والسّؤدد والسموّ..
عناق المحبّة والوفاء..".

صفيّك المخلص:
السّفير د. محمّد محمّد خطّابي

* السّفير المفوّض وفوق العادة للمملكة المغربية في كولومبيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى