كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (شلّت يد الموت).. مجموعة شعرية

* قُولِي لِي..
قُولِي لِي..
مَنْ يهتمُّ بكِ غَيري؟!
وَمَنْ ينتبهُ لِحُضُورِكِ؟!
وَمَنْ يَتَذَكَّرُكِ في الغيابِ؟!
ويرسلُ لكِ الشَّمسَ في الصَّباحِ
وَيَدِلُّ عليكِ القمرَ
عندَ المَساءِ..
ويبعثُ الوردَ لعندِ بابِكِ
والعصافيرَ لعندِ نافذَتِكِ
ويشعلُ أصابِعَهُ شُموعاً
ليضيءَ لكِ الدَّربَ
وَمَنْ يَحرسُكِ..
مِنْ عُتمةِ الوحدَةِ؟!
ويطرقُ بابَ وحشَتِكِ
ليُسقيَ قلبَّكِ مِنْ أشعَارِهِ
مَنْ زوَّدَكِ بِعُمرِهِ؟!
وَسَيَّجَ ظِلَّكِ بلهفَتِهِ
وأعطاكِ مفاتيحَ رُوحِهِ
وحملَ عنكِ أثقالَ الأسى
وأحضرَ لكِ الفَرحةَ
وجهَّزَ لكِ سَلالُمَ المجدِ
هل كانَ غيري إلى جوارِكِ؟!
يومَ تعثَّرتِ بالمَشِيبِ
وداهمتْ شَمسَكِ التَّجَاعِيدُ؟!*
إسطنبول
* ظلال الدرب..
تأتيكَ الدُّروبُ الوَالِهَاتُ
تسألُكَ عنِ الخُطا الغائبةِ
وعن لهاثِ الحُلُمِ الجَريحِ
وًيُكًفكِفُ الوقتُ اِنهمارَهُ
فوقَ اللَّظى العَاثِرِ
وأنتَ مازلتَ تقبعُ في دَمعَتِكَ
تَتَهَجَّى الآهاتِ
وَتَستَقرِأَ الغيومَ الشَّارِدَةَ
ماذا تبصرُ في أحراشِ الارتماءِ؟!
وأنتَ مَنْ هَجَرتَ الشَّهِيقَ
واكتفيتَ بظلالِ الاكتواءِ
عَمَّنْ تبحثُ باحتراقِ الرِّيحِ؟!
خُذْ دَربَكَ مِنْ يَدِ الرَّحِيلِ
عَجِّلِ بفتحِ النَّوافِذِ
على غربةِ الموتِ فيكَ
وابدأْ بالزَّحفِ على خيوطِ التَّهَدُّجِ
صَارٍعْ ما تبقَّى مِنكَ
مِنْ ظُلمَةٍ خَرسَاءَ
تَستَنِدُ على وَهَجِ خَوفِكَ
سَابِقِْ وَهَنَ النَّدى
المُتَكَلًّسِ في دَمِكَ
جَهزْ جُيُوشَاً مِنكَ تَأتِي
تَقتَلِعُ عواميدَ الاحتضارِ
وَتَكتَسِحُ قَحلَ المرارةِ الرَّاعِفَةِ
هذا حُصَانُكَ يَصهَلُ بالسُّهُوبِ
فامتَطِ الحنينَ المُشرَئِبَّ
نَحوَ المَدَى المُزدَهِرِ بالأماني
ارتقْ بَوحَ الجُوعِ
دَاعِبْ نُهُودَ المَوجَةِ
واهزُزْ بيديكَ جذعَ المخاضِ
كَسِّرْ مُزرَابَ الهواجسِ
وَأَطعِمِ السَّماءَ لُقمَةَ الضَّوءِ
سَيَبدَأُ الشُّرُوقُ مِنْ رَمَادِ اللّيلِ
فَأَعطِ للصَّباحِ جَوَانِحَكَ
وَأَشعِلْ للدَّربِ خُطُوَاتِكَ.*
إسطنبول
* حَضَارةُ بالإجرامِ..
جاؤوا إليكَ بالموتِ ياوطني
حَمَلُوهُ مِنْ كُلِّ أصقاعِ الأرضِ
رَتَّبوا لكَ خرائطَ الدَّمارِ
والهلاكِ لشعب ٍ مسالمٍ
تآمروا عليكَ بلا سببٍ
كأنّ وُرُودَكَ تغيظُ صحراءَ رُوحِهم!
أو طُهرَكَ ..
يثيرُ حفيظةَ قَذَارَتِهم!
هُم لا يحبُّونَكَ يا وَطَني
كَذبَ من قالَ عنكَ
أخاًأو صديقاً
استَساغوا دمَكَ فأهدَروهُ
ذاقوا طعمَ لحمِنا المشويِّ
فأحبُّوهُ
لا شيءَ يردعُ القتلةَ
لا الجوعُ ولا الدُّموعُ
ولا صرخاتُ من تشرَدوا
من أينَ جاؤوا بكلِّ هذا الكُرهِ؟!
لو توزَّعَ على الكونِ
لتصادمَتِ الأجرامُ !
إنسانيةُ اليومِ متوحشَةٌ
روحُ العصرِ
غايةٌ بالإجرامِ
لا تُصدِّقْ
حضارةَ التكنولجيا البغيضةَ
قصائِدُهٌمْ
كُتِبَتْ بأحرفٍ من مطَّاطٍ
مُوسِيقَاهُم
من أوتارِ جلودِنا
وفكرُهُمْ
مصالحُ إقتصاديةٌ
حضارةُ الوحوشِ أرحمُ
من ميثاقِ الأممِ المتَّحدةِ
تَوََحَّدُوا عَلَيكَ
لِيَقتِلُوكَ يَاوَطَنِي
وَلَكِنْ
هَلْ هُمُ قَادِرُونَ
حَقَّاً؟!*
إسطنبول
* اِترُكْهَا لِي يَا حُبُّ..
اتركْهَا لِي يَا حُبُّ
اتركْها لِي
لا تكرِّرْ مَعِي ألاعيبَكَ
قَدْ مَنّ اللهُ عليّ
بالفَرحةِ
بعدَ عُمْرٍ مِنَ المَوتِ
فلا تعبثْ بي
يا حُبُّ
أرجُوكَ
بحقِّ شلَّالاتِ النُّورِ
المنبعثةِ مِنْ عَينَيهَا
وَبِحَقِّ الدَّمعِ
الذي سَكَبتُهُ على يَدَيكَ
اِترٌكْنِي مرَّةً أنعمُ بِحُبِّهَا
لا تَدَعِ الفتنةَ
تَندَسُّ بينَنا
ولا الشَّيطانَ
يوسوسُ بلهفتِنا
دَعِ الضَّوءِ لقلبَيْنَا
أبعدْ عنَّا سكاكينَ الحسَّادِ
خبِّئنا في قلبِ وردةٍ
أو جوفِ نسمةٍ
أو تحتَ أجنحةِ الفراشاتِ
لا تَتركْ مجالاً للفرقةِ
امزجْ روحي بدمِها
أمسكْني بتلابيبِ عطرِها
وَأَحِطْ قلبَها بقصائدي
رُشَّ النَّدى في دربها
واشبكْ عُمري بأصابِعها
ضَعْ في راحتَيها
مصيري
اعطِها كلَّ ما أملكُ
مِنْ أيَّامٍ
وكلٌَ ما أختزنُ
من أحلامٍ
حنانُ الوردِ هيَ
بسمةُ الصّبحِ الشَّفِيفِ
قهوتُها
من شهد السحاب
صوتها
مِنْ ألحانِ الوَجدِ
اتركْها غافيةً
عن عيوبي
و عكازةِ روحي
هي ما زالَتْ
قصيدةً تَعدُو
خلفَ الغمامِ.*
إسطنبول
* ياذاتَ القلبِ المُتَوَحّشِ..
أختبئُ عنْ أسئلتي
لا أدُلُّ عليَّ أحدَاً
في ركنِ الوجعِ أنزوي
لا أكلِّمُ نفسي
أتحاشى اللقاءَ ببعضي
أنا على خلافٍ مع ذاتي
وحينَ أمرُّ بالقربِ منِّي
أشيحُ بروحي عنِّي
أنا خلعْتُ نفسي من الوَجدِ
أَدَرْتُ لقامتي ظهري
وَرَمَيْتُ بأنفاسي
على قارعاتِ التَّشَتُّتِ
عَلَّقتُ قلبي على مشجبِ الموتِ
وقلتُ:
- انتظرْ حُبَّاً سيأتي
وتركْتُ روحي وديعةً
في ذمَّةِ الدُّروبِ الضَّالَّةِ
قلتُ:
- نفترقْ مقدارَ دهرٍ
تَرَكْتُ ذِكرياتي
في بِئرِ الدَّمعِ القاتمِ
وحدي أمضي
بلا أيِّ شيءٍ منِّي يُربِكُني
أو يكونُ عبئاً عليَّ
سأُريحُ حالي من حضرتي
أزيحُ عن كاهلي
ثٍقَلَ الهواجسِ والأمنياتِ
تَوَارَيْتُ..
حتَّى عن قَصيدتي الخَرساءِ
هنا..
في هذا الخواءِ
المدلهمِّ
لا أحدَ يطالُ مَقَامِي
سأفكِّرُ مليَّاً بالحياةِ
أُصَحِّحُ ما ارتكبتُهُ من أحلامٍ
لستُ مَسؤولاً عن بَسمةٍ
بَدَرَتْ منِّي مِنْ دونِ قَصدٍ
ولا عَنْ وردةٍ
نَبَتَتْ في شَهقَتِي
أنا أقلِّبُ حيرتي باستياءٍ
لن يُداهمَني الوقتُ
وأنا أصفِّفُ أوراقَ حُزني
على مَهلٍ
سأشتري من العتمةِ
بَعضَ الحلكةِ
لأدفنَ فيها ضوئي
ينبغي ألَّا أراني
وألَّا أشاطِرَ جَسَدِي
بثوبِ العراءِ
سأمنعُ عن الجهاتِ اللائبةِ
التنَّصُّتَ على صمتي الجَهورِيِّ
سأرقُدُ ألفَ عامٍ هنا
أستجمعُ ما نزَفْتُهُ من لهفةٍ
وأنا أنتظرُ كلمةً واحدةً
منكِ
تراكمتْ طبقاتُ الاختناقِ
على صدرِ حنيني
وأنتِ
تقشِّرينَ عُمُري بِسكِّينِ التَّرَدُّدِ
وتتلهِّينَ باحتراقي
أزمنةٌ بأكملِها وأنا أنتظرُ
شارةً صغيرةً من قلبِكِ
ياذاتَ القلبِ المتوحِّشِ
نبضُكِ الشَّرسُ
أكلَ نسغَ فرحتي
سأهرُبُ منْ هذا الحبِّ الآبقِ
إلى قبرٍ آمنٍ
لًنْ أصطحبَ صورتَكِ
وسأكفُّ عن كتابةِ الشُّعرِ
حتَّى لا يهتفَ النَّدى
باسمِكِ
وَيُخَاصمَكِ الضَّوءُ.*
إسطنبول
* أَكْرَهُ فِيْكِ حُبِّي..
على أصابعِ الرِّيحِ
سأحملُ خَيبَتِي وَأَمضِي
مِنْ بَاحَةِ الانتظارِ
سَأُوَدِّعُ ظِلالَ المرارةِ
وَأَجُرُّ خَطُوَاتِي قَسْرَاً
أَعبُرُ غُمَارَ دَمعَتِي
وَأَشُقُّ لِمَوتِي طَرِيقَاً
نَحوَ دَربٍ حَفَرتُهُ بنيرانِ صَمتِي
سَأَدُقُّ بابَ السَّدِيمِ
أطلب لجوءاً لاحتراقي
هو وحدَُهُ
مَنْ يشفقُ على هزيمتي
سَيُضَمِّدُ الأمَدُ لي عزلتي
ويوقدُ لغصَّتي شهوةَ الاغتسالِ
وَيُبْرِئ هواجسي
مِنْ رَمَدِ الجُنُونِ
يحيلُ ذكرِياتي
لقشٍّ مِنْ غُبارٍ
يُزَوِّدُنِي بِكَفنٍ مِنْ ضَوءٍ
وَوِسَادَةٍ مِنْ نَدَى
وَيُعِيدُ إليَّ مانزفْتُهُ مِنْ بَردٍ
وَمَا أهرقْتُهُ مِنْ وَمِيضٍ
سَأَسكنُ خفايا العتمةِ
علَّ الدُّجى
يُنيِرُ سَريرةَ الاحتضارِ
وَآكِلُ مِنْ لبِّ المَدَى
تُفْاحةَ القَهرِ المُثِيرَةَ
وَأُطعِمُ خَوفي
سَحَابةَ الانقباضِ الرَّؤومَ
لَنْ أسألَ عن مَوعدٍ تُحدِّدِينَهُ
سَأكتَفِي باللاجدوى
وَأَصدُّ صَوتَكِ عن نَحِيبِ القلبِ
وَأجعلُ مِنْ حُبِّكِ شَجَرَةَ شَركٍ
لا أؤمنُ بِحبٍّ هُلاميِّ البَوحِ
لا أكترثُ لِعطرٍ يَلْسَعُ كالشَّوكِ
ولا بأنوثةٍ مُتَعَجْرِفَةِ الشَّفتَيْنِ
أنا لا أحبُّكِ
فَمَنْ دَلَّكِ عَليَّ؟!
وَمَنْ وَسْوَسَ لقلبي باسمِكِ؟!
لا أريدُكِ ..
فَمَنْ رَمَاني بالانتظارِ؟!
مَنْ حرَّفَ قَصَائِدي نَحوَكِ؟!
مَنْ أعطاكِ الحقَّ
لألهثَ خلفَ أسوارِكِ؟!
سَأعترفُ
بأنَّي ما عشقتُكِ يوماً
لكنَّ روحي تاهَتْ حينَ سكنْتُكِ
وقلبي كفيفُ النَّبضِ
أخطأَ في شُرْفَتِكِ
وَإِنَّ شوقي
كانَ ضرباً مِنَ الجُنونِ
أكرَهُ فيكِ حُبِّي
الكامنَ بأعماقي كأقدامِ الغُزَاةِ
وأتمنَّى أَنْ أقصيكِ
خارجَ محيطِ الذَّاكرةِ
عبثاً أبعدُكِ عنِّي
فَلِمَ ياقلبُ تكسرُ من إرادتي؟!
لِمَ لا تُصَارحها بنفوركَ?!
أنا لا أحبُّكِ..
وقصائدي كلُّها كاذبةٌ
قلبي مخادعٌ أفاقٌ
وروحي تضمرُ لكِ الشَّرَّ
ابتعدي عن وَلَهِي
اخرجي من شهيقِ الحُلُمِ
سَأُغيِّبُ قلبي عن هذا الكونِ
لأجلِكِ
وسأتوهُ بروحي عن قلعتِكِ
هذا العمرُ
لن أحسبهُ من عُمري
هذا الدَّمعُ
لن أعترفَ بهِ
وهذا الشَّوقُ سأتخلَّى عنهُ
سأتبرَّئ من نفسي
إنْ ظلَّتْ تهفو لسهوبِكِ
وسأنكرُ وجودي
إنْ وجدتِني أزحفُ نحوَكِ
أنا من تسبْبَتُ لحياتي
بهذا الموتِ الأبديِّ
فهل أعتذرُ من سقوطي
يا بلدي؟!*
إسطنبول
* فتنة..
وَجهٌ مِنْ ضَوءٍ
وَعُنْقٌ مِنْ شَذَى
فَمٌ مِنْ نَبِيْذٍ
وَعَيْنَانِ مِنْ سُهُوبٍ
حَاجِبَانِ مِنْ حَنِيْنٍ
وَجَبِيْنٌ مِنْ سَمَاوَاتٍ
وَشَعْرٌ مِنْ هَمْسٍ
وَصَدرٌ مِنْ حُلُمٍ
وَنَظْرَةٌ مِنْ أجنِحَةٍ
فَكَيْفَ لِقَلبِي ..
أَلَّا يُجَنَّ؟!*
إسطنبول
* هُرُوْب..
مَنَعْتُ قلبيَ مِنَ الكَلَامِ
وَأقْفَلْتُ على رُوحِيَ البَابَ
وَحَبَسْتُ أشواقيَ
وَأَمْرْتُ عُيُونِي بِغَضِّ الطَّرفِ
وَأَخْرَسْتُ بَوحِي
وَاعتَقَلْتُ لَهفَتي
وَقَيَّدْتُ قَصِيْدَتِي
وَلَجَمْتُ رَغبَتِي
وَهَدَّدْتُ عَذَابَاتِي
وَأوْصَيْتُ دَمعَتِي
وَقَمَعْتُ شَهقَتِي
وَدَفَنْتُ لَوعَتِي
وَعَضَضْتُ على غُصَّتِي
وَرَجَوْتُ أَنفَاسِيَ
وَتَوَسََّلْتُ لِضَعفِي
وَدَعَوْتُ اللهَ
أنْ يُلهمَني الكتمانَ
وَيُجَنِّبَني الأحَزَانَ
وَألقاكِ
مِنْ دُونِ اعترافٍ
أو تخاذلٍ منِّي
لأنِّي لا أقوى
على مُوَاجهةِ حُبِّكِ
فَأنتِ فَوقَ الخَيالِ
وَمُحَالٌ أنْ تَقبَلِيني
لأنِّي إنسانٌ بَسِيطٌ
لا أملُكُ ما يُثِيرُ اهتمامَكِ
ما عنديَ إلّا الشِّعرِ
وَقَلبٍ مزروعٍ بالضَّوءِ
وأعظمُ ما يمكنُ أنْ أهديكِ
وردةً
مغسولةً بالنَّدى
لهذا..
لا أرِيدُكِ
أنْ تَسخري
منِّي.*
إسطنبول
* أصدقاء..
سكاكينُهم
مخبّأةٌ وراءَ الإبتسامةِ
في طياتِ أصابعِهِم
وهي تصافحُني
في دفءِ أحضانِهم
وطعمِ العناقِ
تقطر سماً
من عسل القُبلةِ
تصبّح على قلبي
من خلف وردةٍ
تذبحُ دمعتي
على هيئةِ الندى
تنغرزُ بروحي
من خلالِ اللهفةِ
تطاردُني
كعصافيرِ المحبةِ
لا تقوى على
مفارقةِ
انتصاراتي
سكاكينُهُم
لا تبرحُ اسْمي
وقصيدتي.*
إسطنبول
* أحبِّيني..
أحبِّيني
لأُحِبَّ نفسي أكثرْ
وأرى العالمَ أجملَ وأجملْ
وأنجو من موتٍ محتَّمْ
وحزنٍ يسدُّ عليَّ أبوابي
ووجعٍ يُثقلُ نبضي
وصحراءَ كانتْ في روحي تتوسّعْ
وليلٍ غليظٍ يؤرِّقُني
وصباحٍ يُذَكِّرُني بخيبتي الكبرى
أحبِّيني
لأنهضَ بالأرضِ إنْ مادَتْ
وأُعطي للأشجارِ أشكالَها
ألوِّنُ زهوةَ الوردِ
وأرشُّ العطرَ على حلَّةِ الكونِ
أحبِّيني
أعيدي لِعُمري هسيسَ ضحكتِهِ
دعي الفرحةَ تدخلُ بابي
لأحوذَ على مبرِّرٍ مُقنِعٍ لوجودي
لا أطمعُ إلَّا ببسمةٍ منكِ
لا أحلُمُ إلَّا بقبلةٍ
حتَّى أتطهَّرْ
وأوقدَ للدُّنيا مصباحَ الأماني
بوجودِكِ أقوى على الآلامِ
وأحتملُ صمتَ البردِ
القابعِ في أحضانِ الوقتِ
أحبِّيني
عسايَ
أرفعُ عن بلدي الأوجاعَ
وأوقفُ انتشارَ الأحقادِ والضَّغينةِ
أضعُ حدَّاً نهائيَّاً لفوضى النّارِ
وأزمِّلُ ببياضِ منديِلٍكِ الأنبياءَ
ليقرؤوا علينا آياتِ السَّلامِ
ونبدأَ صلاةَ الحبِّ البريءِ
وتكونَ كعبةُ عشقِنا الأبديِّ
حَلَبْ.*
إسطنبول
* الطَّرِيْق..
ما تبقَّى منِّي
لا يكفي للوصولِ إليكِ
سأسقُطُ في منتصفِ الطّريقِ
ولكنٍّي سآتي
أعرٍفُ أنَّ دربَكِ طويلٌ
وشاقٌّ
وأنَّ تلالاً من التّعبِ
تنتظرُني
وأنَّ عطشاً لائباً
ولُهاثاً شرساً
وسراباً صفيقاً
ومتاهاتٍ تفتحُ فمَها
أرضاً مِن تعثُّرٍ
وأنَّ السماءَ اختناقٌ
يحاصرُني الهلاكُ
فوقَ مرتفعاتِ الوهنِ
وتحتَ انحداراتِ التّيهِ
وعندَ منعطفاتِ النُّضوبِ
وتهاجمُني الشّمسُ بضراوةٍ
ويقضمُ اللّيلُ أطرافي
ويوخزُ الشَّوكُ لهفتي الحافيةَ
وينهالُ عليَّ ثقلُ المدى
والنّدى مبتعدٌ عنّي
أمشي فوقَ إيقاعِ انهياري
أجرُّ أوجاعاً ما بارحَتني
تسبِقُني أحلامي الهائجةُ
والرّيح ُتزدري خطواتي
أتعثّرُ بِعَرَقي النّازفِ من روحي
والغيمُ من فوقي
ولّى أدبارَهُ
لا شيءَ أتعكّزُ عليه
أو يسندُني
إلّا سقوطي
وًيَدُ الانحدارِ
أهيمُ بلظى الدّمعاتِ
والمسافةُ بيني وبينَكِ
تضاهي البعدَ
مابين جهنَّمَ والجنَّةَ
وأنا أحثُّ شهقتي
قبلَ أن يترنَّحَ الدّربُ
وينطفئَ ضَوئي بغتةً
يا مََسْقَطَ رأسيَ الحَنُونِ.*
إسطنبول
* سَذَاجَةُ قَلْبٍ..
سأحدِّثُكم عن قلبي
قلبي الذي طالما ظلمتُهُ
وَيَامَا أبكاني
يصدِّقُ أيَّ ابتسامةٍ يَلمحُها
يظنُّها لهُ
وما أهونَ ما يهوى!
وَيَكتبُ الأشعارَ
يَسهَرُ اللَّيلَ بِطُولِهِ
يَحلُمُ وَيَرسُمُ الخُططَ
يَفرضُ عَليَّ أَحَادِيثَهُ
والتَّدخينَ وَشربَ القَهوَةِ
يَجعلُني أحلقُ ذَقني
في اليومِ الواحدِ عدَّة َمرَّاتٍ
وأَتعطَّرُ في كلِِّ لحظةٍ
أنظِّفُ أسناني
حتَّى لو لَمْ آكُلْ شَيئاً
وأبَدِلُ ثيابي
لا أتركُ للمكواةِ وقتاً للراحةِ
ولا أشفِقُ على أُمِّي
وهي ترتِّبُ فوضايَ
وعليَّ أن أدبِّجَ الرَّسائلَ لَهُ
والأشعارَ المؤثِّرةَ
ليَ قلبٌ يُتعبُني ويُؤَرقُني
يُسمِعُني موسيقا وأغاني العاشقينَ
يُرهِقُ أُمِّي..
يأخذُني مشاويرَ بعيدةً
يتركُني أَنتظرُ على مقعدٍ
أو تحتَ شرفةٍ
لا يعبَأُ بالطَّقسِ
إن كانَ ماطراً أو متوهِّجاً
آهِ من قلبي
كمْ خيبةً سقاني منها
أو مشكلةٍ أوقعَني بها
أربكَني وأحرجَني
وَأبكَاني
ليتَ قلبي يتوبُ ويفهمُ
ليتَهُ يصحو ويتَعَلَّمُ
أنَّ الحبَّ صارَ يُشتَرى
ويباعُ
لا قيمةَ لذقنٍ قد حُلقتْ للتوِّ
ولا لقميصٍ مكوِّيٍّ منذُ لحظاتٍ
ولا لقصيدةِ شعرٍ ملتهبةٍ
ولا لأسنانٍ تلمعُ بيضاءَ
وشعرٍ مصفَّفٍ كالسَّنابلِ
آهٍ منكَ يا قلبي
مازلتَ بريئاً كالطفلِ
تصدِّقُ المواعيدَ
تشغَلُني عن واجباتي
وأنتَ تعصفُ بحياتي
لا أنثى يهمُّها نبضُكَ
لا فتاةَ يثيرُها شِعْرُكَ
ولا عينينِ تنظرانِ لشكلِكَ
إنَّما تتطلَّعانِ لجيبِكَ
يا قلبي إفهمْ
نحنُ في عصرٍ
تخلَّى عنِ المشاعرِ
زمنُ المصالحِ هذا
زمنُ التَّنافُسِ والصِّراعاتِ
ولا قيمةَ للفكرِ
والمبادئِ والقيمِ
نعَمُ ياقلبي
إنَّهُ زمنُ القرودِ والمحتالينَ
لا معنى فيه
للشَّهامةِ أو الكرامةِ
كلُّ ما يهمُّ اليومَ
ماذا أنتَ تملكُ
حتَّى لو حصلتَ عليهِ
عن طريقِ الخيانةِ أو النَّذالةِ
واللا شرفِ.*
إسطنبول
* موتٌ مشبوهُ النَّوَايا..
لو يعلمُ الموتُ
بأيِّ وجهٍ قبيحٍ يأتينا!!
بأيِّ همجيَّةٍ يباغتُنا بالقتلِ!!
فظيعٌ في تعطُّشِهِ للدَّمِ
وحشٌ خرافيٌّ
ذو شدقٍ هائلِ الاتِّساعِ!!
أنيابُهُ تنهشُ باطنَ الأمانِ
مُخِيفٌ مرعبٌ مجلجِلٌ
ينقضُّ علينا أسراباً وجماعات
ما عادَ يكتفي بالتهامِنا
فُرادى كحبَّاتِ الزَّيتونِ
جوانحُهُ أكبرُ من المدينةِ
بيديهِ يدمِّرُ قلاعاً وأبنيةً عريقةً
يُهاجمُنا بلا رحمةٍ
وبضراوةٍ يفتكُ بالجميعِ
في عينيهِ براكينُ و نارٌ
قلبُهُ تمساحٌ أسودُ
لا يشفقُ على خوفِنا
أو دمعنِا
لا يسمعُ صراخَنا
أو رجاءَنا
يلاحقُنا في غرفِ النَّومِ
وفي أحضانِ الأمُهاتِ
لهُ أيادِ الأخطبوطِ
يطالُنا أنّى اختبأنا
لا يتعبُ لا يملُّ ولا ينامُ
ولا يعرفُ التَّفرقةَ
بين البريءِ وبينَ المُدانِ
ولا بينَ المؤيِّدِ وبينَ المعارضِ
يهاجمُ أشجارَنا
وعصافيرَ السَّماءِ
لا يشبعُ من ازدرادِ الجُثَثِ
يذبحُ الضَّوءَ أينما يشمُّ رائحتهُ
ويخنقُ عنقَ السَّماءِ بأصابعِهِ الغليظةِ
لا يرحمُ رفيفَ الفراشاتِ
يزأرُ في وجهِ النَّدى
ويمزِّقُ النَّسمةَ المرتعدةَ
هو مجرَّدٌ مِنَ المشاعرِ
لا يؤثِّرُ به الشِّعْرُ
ولا تهدّئُ من ثورتِهِ أغنيةٌ
ولا يحترمُ حضارتَنا الموغلةَ بالتقدُّمِ
أينما يتَّجهُ
لا يرجعُ خاليَ الوفاضِ
يحمحمُ طوالَ الوقتِ
في الأزقَّةِ
وعندَ النَّوافذِ
والأبوابِ المحطَّمةِ
ويأتينا من فوقِ الأسطحةِ
شرسٌ كماردٍ معتوهٍ
أحمقُ مثلَ جُنِّيٍّ كافرٍ
يحاصرُ أنفاسَ الجهاتِ
لا يفلتُ منهُ الغمامُ
مسلَّحٌ بالكرهِ والضَّغينةِ
ينحازُ للسُّخطِ والمجونِ
لا يعرفُ السَّكينةَ
يفتِّشُ عَنِ الضُّعفاءِ
العُزَّلِ
لا يبصرُ بياضَ أياديهم
ولا نصاعةَ الوجدانِ
يحملقُ في هويَّاتِنا
يبحثُ عن فقيرِ الحالِ
وكريمِ الخصالِ
موتٌ..
مشبوهُ النَّوايا
يداهمُنا
غريبُ المنشأِ والأطوارِ
له أذرعٌ تنبضُ بالخيانةِ
واضحةُ المعالمِ
والملامحِ
تآمرتْ على سوريَّة
في العَلنِ
وَوُضُوحِ الأسَبَابِ.*
إسطنبول
* عَسَلُ الموتِ..
أتملَّقُ الدّربَ الصَّاعدَ عندَ اشتياقي
ليقودَ الحنينَ الجّامحَ إليكِ
أهزُّ النّسمةَ من جذعِها
أتضرّعُ لهبوبها أُشبعُها بالرَّجاءِ
وتنوحُ أوجاعي في احتضانِها
علَّها توصلُ لهفتي إليكِ
أتخفَّى وراءَ ظهرِ اللّيلِ
أندسُّ تحتَ جلبابِهِ الأسودِ
أمشي على أطرافِ حنيني
كي لا يتعثَّرَ فؤادي بجرحِهِ
وأتمسَّكُ برسغِ الصَّمتِ
ليتمكَّنَ بوحي من الوصولِ
عندَ أطرافِ هواكِ
أشدُّ حبالَ الأماني
أتعَلَّقُ بذيلِ الغيمِ المرفرفِ
ويحملُني النّدى على جناحَيْهِ
أستترُ بظلِّ فراشةٍ
علِّي أصلُ إليكِ
أنسابُ مع الماءِ ملحاً
مع هسيسِ الوقتِ حُلُماً
وحفيفِ العشقِ المضطرمِ بالوجدِ
مع آهاتِ الشَّذى
وأوراقِ الفيءِ الغافي
وترقرقِ الدَّمعةِ في الحلّقِ
لأطلَّ على شهوقِ فتنتِكِ
أنتِ..
مبتغى الضَّوءِ في رحلتِهِ
منارةُ الفرحِ الجريحِ
سَآتي إليكِ
لو زاحفاً على نصلِ المستحيلِ
أهيمُ في ترابِ الوردِ
وأرشفُ من راحتَيكِ
عَسَلَ المُوتِ الجَمِيلِ..
يا حَلَبُ.*
إسطنبول
* مرارةُ الوَجدِ..
أَقبُضُ على انهزامي
كي لا يَتَوَغَّلَ فيَّ المَوتُ
فالوجعُ تسرَّبَ إلى دمي
وصارَ النَّبضُ يشهقُ بالدمعِ
ملتاثٌ هذا العشقُ المتَّقدُ
في أحراشِ الحنينِ
العابقِ بشهوةِ الاختناقِ
ما كانَ قلبي يدركُ
خطورةَ أنْ أُحبَّكِ
ظنَّ أنَّ قصيدتًهُ تشفعُ لَهُ جُرأتَهُ
واعتقدَ أنَّ هواكِ
هنيءٌ كالنَّسمةِ النَّاهدةِ
فاشتعلتْ في الرُّوحِ
ذوائبُ الأحلامِ بالمشيبِ
وكانتِ الضَّرِيبةُ
خسارةَ ما عندي من وقتٍ
لا ماءَ عندي لأطفئَ اشتعالي
لا فضاءَ لأخبِّئَ انهمارَ حزني
صارَ وجهُكِ شهيقَ الرُّؤى
يتنفَّسٌني دربُكِ كلَّما خطوتُهُ
ويحرقُني السُّؤالُ
لِمَ أنتِ غافلةٌ عن حشرجةِ لوعتي؟!
لِمَ لا تفتحينَ ذراعيكِ لانتحاري؟!
طرقَتْ أشواقي بوَّابةَ قلبِكِ
تلوَّثَتْ لهفتي بصدأِ الصَّدى
وما كنْتِ تبلِّلي بالنَّدى شقائي
ولا تأبهي لموتِ القصيدةِ
في عُتمةِ الأشجانِ
من أيِّ صنفٍ قلبُكِ الحجريُّ؟
سأتلو على خيبتي مرارةَ الوَجدِ
وأصفُقُ بابَ جحودِكِ
وأمضي متعثِّراً بالأمنياتِ
ماتَ الوردُ في روحِكِ
جفَّ الدفءُ في راحتَيْكِ
وما عادَتْ فتنتُكِ تشدُّني
ماتَ الضَّوءُ فيكِ
وارتحلَ العطرُ .*
إسطنبول
* صداقة..
أَتَحَدَّى أنْ يجدَ اللَّيلُ مَنْ يسامرُه
أكثرَ من عُمْرٍي
أدخلْتُهُ غرفتي
مذْ كانَ فتيَّاً أشفقتُ عَلَيهِ
إذ كانَ يَرتعدُ خَوفاً
جاءني بأسمالِه السَودِ العَتِيقةِ
مُتَشَقِّقَ القدمينِ جائعاً
مِغبَرَّ الشَّعرِ شاحباً
طلبْتُ منهُ ألَّا يَتَحَرَّجَ
وأن يَتَصَرَّفَ على هواهُ في غُرفَتِي
شَارَكْتُهُ بكلِّ ما عنديَ
مِنْ كُتبٍ وَسَجَائِرَ وقهوةٍ
بُحتُ له بأسراري
عن حبِّي الأوَّلِ
بكيتُ كثيراً بينَ يَدَيْهِ
كانَ يمسحُ لي دَمعِي
بباطنِ قلبِهِ الأبيضِ
اللَّيلُ صديقي الأوحدُ
أنقذَني من فضائحَ جَمَّةٍ
حملَ عنِّي وزرَ أخطائي
في مرَّاتٍ عدَّةٍ كان يُعيرُني معطفَهُ الأسودَ
حينَ أكونُ على موعدٍ قلقٍ
كانَ يزوَّدني بالكلماتِ
حينَ تَتَعَثَّرُ قَصِيدَتي على أسطري
وَحِينَ أتعَبُ
كانَ يُعِدُّ لي الشايَ
ويومَ أمرضُ
يُسقِينِي الصَّبرَ لأتعافى
يُمشِّطُ لي أشجاني
وَيُحَدِّثُنِي عَن حُلُمٍ سَألقَاهُ
لَمْ يَسرُقْ لي وردةً
لَمْ يخفِ عنِّي نجمةً
لَمْ يَتَهَرَّبْ لحظةً مِنْ ضَعفِي
خَبَّأْتُ في صَدرهِ أحلامي
مَلأْتُ جيوبَهُ بحناني
إنْ تَعَثَّرتُ يحملُ عنِّي خيباتي
يَمسَحُ عن جبهتي
غبارَ الوحشةِ والخوفِ
يؤنسُني ويواسيني
وَيُسقِيني من ندى الفجرِ
لِلَّيلِ أفتحُ بابي
أدعوهُ كلَّ ليلةٍ
يَشدُّ من أزري لحظةَ اختناقي.*
إسطنبول
* أُمَّةٌ عَرَبِيَّةٌ وَاحِدَة..
ليسَ لي في العالَمِ
سِوى صمتي
وَحُزني
وكلُّ ما تبقَّى
يَعتَدِي عليَّ
ويستفزُّني
ألوذُ بآلامي
وأبكي
لا أحدَ يصدِّقُني
لو قلتُ لَهُ:
- إنَّ قتلَ البريءِ جريمةٌ
واغتصابَ الفراشاتِ
إثمٌ
واستغلالَ الطُّفولةِ
عارٌ
ومنعَ الماءِ عن الظَّامئِ
حرامٌ
وتشريدَ النَّاسِ من بيوتهم
كفرٌ
وتدميرَ البلادِ
فظاعةٌ
لا أحدَ يصدِّقُني
لاأحدَ يسمعُني
تَتَوَجَّعُ الأرضُ معي
تندبُ حظَّها
بانكسارٍ
وعيونُ السَّماءِ
تقطُرُ ألماً
على ما يجري
العالمُ
يَلْهثُ خَلفَ حَتفِهِ
دونَ أنْ يَدري
لا أحدَ
يَأبَهُ لاحتراقِ الوردِ
لا أحدَ
يَكترثُ بِوَباءٍ
يَسُدُّ عَلَينا المَنَافذَ
فنَحنُ دَجَاجٌ في قَفَصٍ
ننتظرُ السِّكينَ بِبَلاهَةٍ
وَمَازِلنا نَنْقُرُ غَفلَتَنا
وَنَتَبَاهَى
بِطُولِ أعناقِنا
َنَزْهُو بِرِيشِنا الأبيضَ
أمامَ يَدٍ تمتدُّ
لتذيقَنا
طعمَ النَّارِ.*
إسطنبول
* القصيدةُ الألف..
الدفترُ أمامي على الطَّاولةِ
ينظرُ إليٌَ باستجداءٍ
الطَّاولةُ تفرشُ لي صدرَها
بطريقةٍ مُغرِيَةٍ
والقلمُ يتوثَّبُ على أصابعي
والأسطرُ تتضوَّرُ من جوعٍ
تفتحُ فمَها بشغفٍ مجنونٍ
والأحرفُ تستعرضُ عضلاتِها
في مخيَّلتي
اللّغةُ تستنفرُ
وتَجهَزُ لخدمتي
والصُّوَرُ الشّعريَّةُ
تتسابقُ إليَّ لاهثةً
قلبي مُتأهِّبٌ للكلامِ
روحي تزاحمُ نبضي
السيكارةُ تولَّعُ من تلقاءِ نفسِها
وفنجانُ قهوتي
يهزُّ لي برأسِهِ مشجِّعاً
كلُّ شيءٍ جاهزٌ
لكتابةِ القصيدةِ
وأنا مازلْتُ متردِّدَاً ومتخوِّفاً
عليَّ أنْ أحسمَ أمري
وأنْ أستجمعَ شجاعتي
وأرتِّبَ أقوالي
لكي أبدأَ بمقدّمةٍ معقولةٍ
بحيثُ تؤثِّرُ فيكِ
وتُلفِتُ انتباهَكِ
وتشدَّكِ..
أستخدمُ فيها بعضَ المفرداتِ
المهمَّةِ والضروريَّةِ
كالوردِ
والعطرِ
والفراشاتِ
والنَّدى
كمثلِ أيٌِ شاعرٍ
متمكّنٍ من أدواتِهِ بقوَّةٍ
وعليَّ أنْ أتطرَّقَ للحنينِ
والشَّوقِ العارمِ تجاهَكِ
لا بأسَ أنْ أبكي
لا مشكلةَ
إنْ بدوتُ ضعيفاً أمامَكِ
وسأستخدمُ كلَّ أفانينِ الإقناعِ
والمؤثِّراتِ الطبيعيَّةِ
سأتعاملُ مع اللَّيلِ
والمساءِ
والفجرِ
والقمرِ
والنّجومِ إنِ احتاجَ الأمرُ
وسأركِّزُ على الفضاءِ
والاختناقِ
سأقحٍمُ مشاعري كلَّها
وربَّما أبالغُ أيضاً
وممَّا لا شكَّ فيهِ
سأتطرَّقُ لبعضِ أوصافِكِ
لا بدَّ لي أن أعبِّرَ
بالصُّورِ الشِّعريَّةِ
عن عَينيكِ
وَوَجهِكِ
وشَعرِكِ
وفمِكِ
سأقولُ كلَّ ماعندي
عنكِ
عليَّ أنْ ألهبَ مشاعرَكِ
وخيالَكِ
حتّى أضمنَ نتيجةً
لصالحي ..
فأنا للمرِّةِ الألفِ أكتبُ عنكِ
تنوءُ الدَّفاترُ بقصائدي
استهلكْتُ اللُّغةَ مرَّاتٍ ومرَّاتٍ
لم يتبقَّ لي شيءٌ منكِ
إلَّا وأشبعتُهُ كتابةً
وأنتِ ما زِلْتِ أنتِ
لا تجيدينَ القراءةَ.*
إسطنبول
* شَرَفُنَا..
يَقتتلونَ عليكِ
لَكنَّهمْ يقتلونكِ
يُنادُونَ باسمِكِ
وَهُمْ يَذبحونَكِ
وَيكبِّرونَ باسمِ اللهِ
لَحظةَ يَخنقونَكِ
يَتَقَاطرونَ لحضنِكِ
وَكلَّهمْ يُدَمِّرونَكِ
هُمْ لا يَنتَسِبُونَ إليكِ
إِنَّما هُمْ يَسْبُونَكِ
لا يَطلبونَ ودَّكِ
بَلْ يَبغُونَ اغتصَابَكِ
وَأنتِ يا حَلَبُ
لَستِ بالعاهرةِ
لِتُعَاشري القَتَلَة.*
إسطنبول
* شُلَّتْ يَدُ المَوتِ..
أَمْتَشِقُ صَرخَتِي بِوَجهِ المَوتِ
ماعُدْتُ أخافُ وحشيَّتَهُ
ولا أهابُهُ
سأقولُ كفاكَ
فنحنُ لانستحقُّ منكَ الاهتمامُ!!
بعتَ نفسكَ للشيطانِ
وتوغَّلتَ في بلادي
دونَ رحمةٍ
ولا شفقةٍ
أخذْتَ تَحصِدُ الأخضرَ واليابسَ
تجتاحُنا بلا هوادةٍ
تُضْرِمُ الدَّمارَ
توقدُ النَّزفَ
تذبحُنا بلا ذَنبٍ
تبرَّأَ اللهُ منكَ
لا ثأرَ لكَ عندَنا
فَلِمَ أنتَ بلا قلبٍ؟!
بَكَتْ علينا القبورُ
اشمأزَّتْ الأرضُ
والسَّماءُ تقزَّزَتْ من رائحتِكَ
كُنْ مُنصِفاً
كُنْ عادلاً
اعملْ مَا أمرَكَ الله
لماذا هذا الكُرْهُ
يُطِلُّ مِنْ عَينيكَ؟!
مَنْ سَلَّطَكَ على بلدِ السَّلامِ
نحنُ لا نحبُّ القتلَ
بل نحبُّ الحياةَ ونزرعُ الوردَ
نحبُّ الشِّعرَ ونغازلُ الضَّوءَ
أنتَ أفَّاكٌ مأجورٌ
تَسَرَّبْتَ إلى وداعتِنا
كانَتْ ذخيرةُ بنادقِنا النَّدى
وَكَانَتْ بلادُنا تُغَطَّى بالزَّيتونِ
مَنْ دَلَّكَ علينا لتأتيَ لاهثاً
وتغتالَ الأرواحَ بغتةً
وجملةً وأسراباً
نحن نكرهُكَ
فغَادرْ بلادَنا
بلا أيِّ قيدٍ أو شروطٍ
وسنرتِّبُ البلادَ من بعدِكَ
وَنُعَمِّرُ الضِّحكةَ
وسنزيِّنُ شوارعَنا بتلاميذِ المدارسِ
ياالله!!!
كم كانَ وجودُكَ قبيحاً
داخلَ أسوارِنا
شُلَّتْ يداكَ ياموتُ ماحييتَ
سنتصدَّى لكَ
ونحذِّرُ منكَ
ونعلِّمُ أطفالَنا
أن يُغلقوا بوجهِكَ الأبوابَ
دمُ السُّوريِّ حرامٌ وجريمةٌ
حرِّيَّةُ السُّوريّ مقدسةٌ
سنطاردُ شركاءَكَ ياموتُ
أنتَ ومن باعَنا وقهرَنا
أنتَ ومن يأتمرُ من الغُرَباءِ
أنتَ وَمَنْ جاءَ برفقتِكَ
أنتَ تعصي اللهَ والأنبياءَ
حينَ تغدرُ فينا
وترمي الفتنةَ بينَنا
أخرجْ من بلادِنا
مُطَأطِأ الرَّأسِ
ذليلاً
خجولاً
مَذْمُومَاً
فقد تعلَّمنا الدرسَ:
لا مكانَ لغريبٍ بينَنا
وحدَهُ السُّوريُّ
سيبقى في سورية
والبقيَّةُ
البقيَّةُ الباقيةُ
سيكنسُهُمُ التَّاريخُ
إلى المزبلةِ.*
إسطنبول
* اغتراب..
يأكلُكِ الغيابُ
يلتهمُ اسمَكِ من قلبي
يسرقُكِ من باطنِ حُلُمِي
ويسحبُ ظلَّكِ من روحي
تمضينَ أبعدَ مِنَ الموتِ
بعيدةً عن شمسِ دَمعَتِي
لايطلُّ عليكِ أُفُقي
لا أثرَ لكِ بينَ الوردِ
الفراشاتُ تجهلُ مكانَكِ
الضَّوءُ أتعبَهُ البحثُ
الغمامُ بُحَّ صوتُهُ
اليمامُ ارتدَّ خائباً
الأرضُ تعيشُ حالةَ قلقٍ عليكِ
السَّماءُ خارَتْ قواها
والنَّسمةُ أعياها التَّفتيشُ
وكلُّ الذينَ يعرفونَكِ
يؤكِّدونَ اختفاءَ رائحةِ عطرِكِ
حتَّى أنَّ الوقتَ ضيَّعَ عنوانَكِ
يأكلُكِ الغيابُ بِنَهَمٍ شرسٍ
لا صوتَ تسمعُهُ العصافيرُ
لا قمرَ يتلصَّصُ على سحرِكِ
لا حجرةَ تحتضنُ أنفاسَكِ
أينَ أنتِ
تيبَّسَ الهواءُ خارجَ حضورِكِ
الكونُ فقدَ نظرَهُ
الأشجارُ راودَتْها فكرةُ ألَّا تثمرَ
الشَّمسُ غزاها شيبٌ أسودُ
النُّجومُ تجهشُ بدورانِها
كلُّ الدروبِ اشتاقتْ لخطواتِكِ
دمي صارَ يتعكَّزُ على جمرِهِ
حنيني انفلتَ من قبضةِ آهتي
روحي تتأجَّجُ بالشَّوقِ
أصابعي تكتبُ وصيَّتَها
على دفترِ غُصَّتي
وصراخي ابتلعَهُ الصَّمتُ
وسادتي تنوحُ كأمٍّ ثكلى
المرايا تموءُ بتوحُّشٍ
هجعتْ واحاتُ النَّدى
تَلبَّدَتْ كلماتُ القصيدةِ
ضَلَّتْ أحرفُها عن معانِيها
لو أعرفُ مكانَكِ
لأطيِّرَ لكِ جبالاً من أشواقي
وبحاراً من ابتهالاتِي
وأسراباً من نزيفي
سيقصُّ عليكِ انهياري
حكايةَ التَّشرُّدِ النَّابي
وعن سخطِ الانهزامِ
ومرارةِ الأكسجينِ اللَّئيمِ
سأتمسَّكُ بحبلِ السُّرَّة
أطأطئُ لغباركِ
أقبِّلُ أكفَّ أعشابِكِ
وريشَ حمامِكِ
وأجنحةَ السُّهوبِ
سأبكي مليَّاً تحتَ قدميكِ
ألعقُ رسغَ طيبِكِ
أسجدُ في محرابِ فتنتِكِ
أهيمُ بأرجاءِ الأزقَّةِ
أهتفُ بحياءٍ وذلٍّ:
- سامحيني يا روحَ اللهِ
يادرَّةً الكونِ العُظمى
يا حًلَبُ.*
إسطنبول
* ذائعُ الحبِّ..
لا ترتبكْ أمامَ فتنَةِ الصّبحِ
جاءَ الفجرُ من خوابي الدّمعِ
ومن راحتيكَ أطلَّ الوردُ
مزنّراً بزغبِ النّدى
ورفرفَ النسيمُ العذبُ
عندَ أشجانِ نوافذِكَ
مكللاً ببهجةِ الضّوءِ
والعصافيرُ تنقرُ فاكهةَ السَّكينةِ
لا ترتبكْ
تَقدَّم بلا حرجٍ
خُذ قبلةً من جبينِ الشّذى
واهمس للفراشاتِ ليخرجنَ من صدرِكَ
داعبْ ضفائرَ الحفيفِ
واحتضنْ خصرَ المدى الشّفيفِ
وتلمَّسْ أصابعَ الوقتِ الغافي
عانق حنينَ الرُّؤى
واكتب فوقَ أسطرِ البَوحِ
وصَاياكَ
امنحِ الأرضَ خصائلَ الأنوثةِ
دَعِ دُروبَها حُبلى بالجهاتِ
علّمْ جبالَها اختراقَ البرقِ
أطلب من السّحابِ المغبر
أن يغتسلَ من عرقهِ
أعطِ للبحرِ ما يسدُّ رمقَهُ
من الأمواجِ الشّهيّةِ
وللّيلِ سروالاً ليسترَ عورتَهُ
للوجعِ الخصيِّ مايُرضي غروره
وللقمرِ المتراخي بعضاً مِنَ الجّموحِ
خُذ مِن وهنِ الرّيح نزقَ الشّوقِ
وتقدّم من فخذَي الشفقِ العاريتينِ
أشفق عليهِما بشهوةِ البياضِ
تحسَّسِ بباطنِ جوعِكَ السَّحيقِ
ثمارَ الوجدِ
في أنحاءِ النّضوجِ
لا ترتبكْ
لو مسّكَ وَخزُ الضّلالةِ
عرّج على متّكَئِ الحُلُم إن تلكّأ
سابق رائحةَ الصّهيلِ مِنكَ
وتمسَّك بأكتافِ البهاءِ
خُذ من شبقِ النّضارةِ
أثداءَ الومضِ
ولا ترتجفْ
أمامَ الرّعشةِ الحارقةِ
أنتَ مضمارُ الابتهالِ
إلى النّجوى
كحِّلِ البسمةَ الهائمةَ
روحَ القصيدِ المتفجّرِ بالعطشِ
حَدِّق في طهرِ التنهيدةِ
وَزِّع عسلَ الشّهقةِ
على جسمِ التّلعثمِ الباكي
سيدُ العشقِ أنتَ
إذ تمطرُ بالاكتواءِ
ناسكُ العفّةِ الوارفةِ بالياسمينِ
ذائعُ الحبِّ النبيل.*
إسطنبول
* حبٌّ بلا قلبٍ..
مَنْ أنتَ يا حُبُّ؟!
مَنْ أنتَ؟!
مَنْ سلَّطَكَ على قلبي؟!
بأيِّ حقٍّ جِئتَ؟!
هَلْ دَعوتُكَ أنا؟
أو أرسلتُ خَلفَكَ؟!
وَهَلْ طَلَبْتُ مِنكَ البَقَاءَ؟!
أو وجدْتَ مِنِّي تَرحِيبَاً؟!
وَلِماذا لَمْ تَنسَحِبْ؟!
مِنْ حُقُولِ رُوحِي؟!
طَالَمَا لَمْ أُرَحِّبْ بِكَ يَومَاً؟!
فأنتَ لَمْ تُسعِدُنِي على الإطلاقِ
بِأَيِّ وَجهٍ تَسكُنُني كَغِرفَةٍ؟!
تَتَمَلَّكُهَا
تَفعَلُ فيها مَا تَشَاءُ
وَتَستَخدِمُ عُمُرِي كَمَا يَحلُو لَكَ
وَكَأَنَّهُ عُمرُكَ أنتَ!!
تَتَحَكَّمُ بِي بإرَادَتِي بقلبي
مَنْ دَلَّكَ على ضَعفِي؟!
وَعُصيَانِ قلبي
وَوَهَنِ أجنِحَتِي
كانَ الأجدرُ بِكَ أن تُسَانِدَنِي
وَتَقِفَ إلى جانِبي
وألَّا تَحَطَّمَ كَيَانِي
وَتُذِيقَنِي طَعمَ الجَحِيمِ!!
كَأَنَّكَ اِبتَعتَنِي مِنْ سُوقِ النِّخَاسَةِ
أَوْ أَسَرتَنِي في مَعرَكَةٍ!!
وَلَكِّنِي حُرٌٌ أنا يا حُبُّ
وَأَتَمَتَّعُ بكبرياءٍ
فَلِمَ تُرِيدُ إذلالي؟!
وانكِساري؟!
أبكَيتَنِي أكثرَ مِنْ نُوحٍ يَاحُبٌُ
وَأَحزَنْتَنِي أضعافَ حُزنِ يَعقُوبَ
وَبِالصَّبرِ..
جَعَلتَنِي أَتَفَوَّقُ على أَيُّوبَ
لَكِّنَّكَ تَصلِبُنِي كَالمَسِيحِ
ثُمَّ تُقَطِّعُ كَبَدِي
لماذا ياحُبُّ؟!
ماالذي جَرى لَكَ؟!
وماذا بَينِي وَبَينَكَ؟!
لتثأرَ مِنِّي
لستُ عَدُواً لكَ يا حُبُّ
ولا أحمِلُ اِتجاهَكَ الكُرْهَ
فَلِمَ تُرَاهِنُ على قَهرِي؟!
وَقَتلِي؟!
كانَ عَلَيكَ أَنْ تُغَادِرَنِي
مِنْ يَومِ أنْ خُذِلْتُ
كانَ عَليكَ أنْ تَرحَمَنِي
مِنْ لَحظَةِ اِنتِحَارِي
لكِنَّكَ اِزدِدْتَ بِتَعذِيبِي
وَأصَرَّيتَ على الانتشارِ بدمي
أنا لا أرِيدُكَ يا حُبُّ
لا أرِيدُكَ
أقدِّمُ اعتذاري مِنكَ
وَأسَفِي الشَّدِيدَ
تَرَكْتَنِي مُعَلَّقاً في الهواءِ
وَجَعَلْتَ مِنْ قَصَائِدِي
مُوضُوعَاً مُكَرَّرَاً
يَضُجُّ بالشَّكوَى
حتَّى مَلَّ قُرَّائِي مِنَّي
وَابتَعَدُوا..
وَوَصَمُونِي بالشَّاعِرِ البَّكَّاءِ
اِترُكْنِي يا حُبُّ..
لو لفترةٍ وجيزةٍ
لمدةٍ قصيرةٍ نَوعاً مَا
للحظَةٍ معقُولةٍ
لثانيةٍ واحدةٍ تَكفِي
دَعْنِي أتَنَفَّسُ بعُمقٍ وَطُمَأنِينَةٍ
لو مَرَّةً بتاريخِ العُشَّاقِ المَسَاكِينِ
سَيَّجتَ حياتي بأظافرِكَ
وبأجنِحَتِكَ السَّوداءِ
أرجوكَ ياحُبُّ
أتوسَّلُ إليكَ
بِحَقِّ "اِبنِ المُلَوِّحِ"
تَعِبْتُ من نارِكَ وَثَرثَرَتِكَ
وثَقِيلٌ علًيَّ فضاءُ هذا الشوقِ
والحنينُ أشبعَني ألماً
لماذا تلحُّ عليَّ؟!
وتُطارِدُني وَحدِي؟!
وَتَترُكُ مَنْ أحُبُّ طليقةً
لا تعبأُ بحُبِّي ومشاعِرِي
لماذا لم تتفجَّرْ في حَنايَاها؟!
مثلي؟!
وتركتَ لها الأرضَ
بكاملِ رحابِها!
تلهو كوردةٍ مع الفراشاتِ!
وتستحمُّ بالنَّدى وقتَ الهجيرِ!
لو كنتَ عادلاً..
أو منصفاً..
أو عندَكَ ذرَّةٌ من ضميرٍ
كنتَ ياحبُّ..
سرَّبتَ حبِّي لقلبِها
وعملْتَ جاهداً على تجميلِ صورتي
وَجَعَلْتَ صَّوتي يؤثِّرُ فيها
وَبَذَلْتَ كلَّ ما بوسعِكَ
لتبادلُني حبيبتي الحبَّ
وتسلُّمُني قلبَها بشغفٍ
لكنَّكَ ياحبُّ تستضعفُ قلبي
لأنِّي أخجلُ منكَ
ولا أطردُكَ..
أُكِنُّ إليكَ الاحترامَ والتقديرَ
وأرفضُ أن أتعاملَ معكَ بجلافةٍ
أعترفُ أنِّي تعبْتُ منكَ
وأنِّي أخفقْتُ
خُذْ قلبي معك -َ لو أردْتَ - وارحلْ
خُذْ كلَّ ما يتمسَّكُ بِكَ منِّي
صوتي
عينَيَّ
كلماتي
أتنازلُ لكَ حتَّى عن روحي
مقابلَ أن تعتقَني ياحبُّ
فماذا تريدُ منِّي بعدُ؟!
ألا يكفيكَ عُمري؟!
وكلُّ هذا الدَّمعِ؟!
أمَّا أنا يا حُبُّ
فيكفيني منكَ كلَّ هذا الوجعِ
وهذا المصير.*
إسطنبول
* كَانَ وَيَامَا كَانَ..
بعيدٌ عَنكِ
قريبٌ مِنكِ
تُزهرُ الأمنياتُ
إذا ما ذَكَرتُ اسمَكِ
وتنتشي النَّسَماتُ
إن كلَّمتَها عن قَلبِكِ
أنتِ حَنانُ الوُرُودِ
حِينَ تَلُوذُ إليكِ
فراشاتُ قلبي
يا نَغمةَ السٍّحرِ
يا هَدِيَّةً تَفُوقُ المُنى
مِنْ أينَ لكِ
كلُّ هذا الحُضُورِ؟!
مِنْ أينَ حَصَلْتِ
على هذا المَدى؟!
وَمَنْ دَلَّكِ على يَبَاسِي؟!
كنتُ مِنْ قَبلِكِ
أرفُلُ في هُضَابِ المَوتِ
كنتُ أطارِدُ بُخلَ النَّدى
وكانَ صَوتي يَنزُفُ قَامَتِي
ولا أجِدُ لأَسُدَّ رمقَ لهفَتِي
إلَّا التُّرابَ الجَافَّ
وكانَ الغيمُ يبلِّلُني بالبرقِ
ويرتعدُ فيَّ البُكاءِ
على عمرٍ بعثرَهُ القَيظُ
إنِّي أحِبُّكِ..
مُنذُ أكثرَ من خليقةٍ
وأقدَمَ من الحبِّ بدهرٍ وَحُقبَةٍ
وكانَ اللهُ يبشِّرُ الأنبياءَ
بحنانِ عينيكِ
يا أجملَ نجمةٍ في هذا الكونِ
من أينَ لي..
أن أقدِّمَ مَهرَكِ؟!
وأنتِ تستحقينَ ألفَ كوكبٍ
وألفَ ألفَ محيطٍ وبحرٍ
من أينَ أحصلُ على شُموسٍ
لا تُعَدُّ
وأقمارٍ تنيرُ مدى أنُوثَتِكِ؟!
يا مَجدَ السَّماواتِ السَّبعِ أنتِ
يا عِطرَ الضُّحى والأنداءِ
يا مُهجَةَ الزَّعفرانِ
النَّابتِ على خدودِ الشَّفَقِ
يا أقحوانةَ الشُّطآنِ
حينَ البحرُ يعشقُ
مِنْ أينَ طَلَّ هذا البَهَاءُ
عَلَيَّ؟!
وَمَنْ دَلَّكِ على احتِضَارِي؟!
وكانتِ الدُّنيا بالنسبةِ لي
غرفةَ انعاشٍ لا أكثرَ
أنا لا أُصَدِّقُ حُبَّكِ
لأنِّي لا أستَحُقُّهُ!!
مُؤَكَّدٌ أنَّكِ غَلطَانَةٌ
أو رُبَّمَا تَمزَحِينَ
أنا لا أملُكُ إلَّا قَصِيدَتي
بعضُ كلماتٍ مُعبِّرَةٍ
وَعدَّةُ أحرفٍ تُفَكِّرُ بالانتحارِ
لا أقَدِرُ على مَهرِكِ
وَجَسَدِي تَتَدَاعى مَفَاصِلُهُ
قلبيَ أشلاءُ ذبيحةٌ
ورُوحي يعبثُ فيها الخريفُ
جُلَّ ما عِندِيَ دَمعٌ وانكسارٌ
صارَ يُشفِقُ عَليَّ الانهِيَارُ
والمساءُ يُعَزِّينِي على عُمُري
والقبرُ يُلَوِّحُ لي كلَّما التَفَتُّ
أيَُّ حبٍّ ياحبيبتي تتحدثينَ عَنهُ؟!
كانَ وَيَامَا كانَ
في قديمِ الزَّمانِ
عاشقٌ اسمُهُ مُصطَفَى
أحبَّ مِنْ كلِّ قَلبِهِ
بِجُنُونٍ
لكنّ الهوى سَخِرَ مِنهُ
أدمَى قلبَه بالجراح
أشعل لَه بسمتَه بالنواحِ
وحطَّمَ لهُ خُطُوَاتِهِ
في منتصفِ الدَّربِ
وَمَا عَادَ يُبصِرُ إلَّا ظُلمَتَهُ
وَمَاعَادَ يُستَأنِسُ إلّا بِدَمعَتِهِ
وصارَ الحبُّ بالنسبَةِ لَهُ
دَمَارَاً وانتِحَاراً.*
إسطنبول
* نهرُ الأمنيات..
أحتمي بوجعي
كلَّما هاجمني بُعدكِ
وأستندُ على تعثُّري
كي لا يخطفني السُّقوطُ
عكَّازتي لهفتي اللاهثة
وأشواقي تجلدُ الدُّروبَ
تحثُّ خطايَ صوبَ احتراقي
لولا أيادي القهرِ تكمشني
لكنتُ طرتُ إليكِ
لولا أجنحتي المكتوفةُ بنبضِها
لولا قامتي المحشورةُ بالسَّدى
ولولا المدى المكبَّلُ بغصَّتي
كنتُ أهربُ من جنازتي
أختبئُ في ظلِّ السَّرابِ الرَّاعفِ
وأعودُ مكلَّلاً بدمعتي الخائرة
أحملُ إليكِ أُفُقاً
ترقصُ في ساحاتِهِ الغيومَ
وشمساً تضيءُ الليلَ
ونهراً من الابتسامِ المثمر
سأعَلِّمُ جدرَانَكِ البوحَ
وأدَرِّبُ آلامكِ على الطَّيرانِ
وأمنحُ شبابيكَكِ محارمَ الضَّوء
وأرشُّ على جدرانِكِ أسرابَ العصافير
وأخصِّصُ للفرحةِ مكاناً للإقامةِ
جوارَ الفراشاتِ الرَّاقصةِ
سيعودُ إليكِ وميضُ الانعتاقِ
ويهلِّلُ على جوانبِكِ
نهرُ الأمنياتِ العابقةِ بالسَّلامِ
مدينتي الطَّافحةُ بالدَّمِ
المرتاعةُ أحجارُها من شهقَةِ النَّزيفِ
آنَ للموتِ أنْ يلزَمَ حدَّهُ
آنَ للفجرِ أنْ يلوحَ
وتعودُ الحياةُ
لتتفتَّحَ أوراقُها على أبوابكِ
وتنصبُ النُّجومُ دبكتها
الهادرَةَ بالحبِّ
فوقَ قلعتِكِ العاشقة
يا حلب.*
إسطنبول
* لظى السّرمدِ..
الأرضُ تحتَ قدميكِ تموءُ
كالقطّةِ الأليفة
تلعقُ ثقلَكِ بِنَهَمٍ
وعشبُها يشرئبُّ بجنونٍ
يتطلّعُ إلى ساقَيْكِ
التٌّرابُ متقطّعُ الأنفاس
زائغُ الانحناء
والبحرُ أقعى عندَ ظلِّكِ
يتدفّأُ فتنةَ موجِكِ
واتّخذَتِ السّماءُ مكاناً
تشرفُ منه على شهوقِ
أنوثتكِ
الشّمسُ في مستقرٍ
تستقرئُ الضّوءَ من عينيكِ
و القمرُ يسارعُ للصّعودِ
يلتقطُ أنفاسَكِ بشغفٍ
سكنَتْكِ الدّنيا
منكِ تطلُّ أغصانُ الحياة
الوردُ إليكِ بنتسبُ
والماءُ عسلُ طهْرِكِ
الجنّةُ ضلعٌ من هالتِكِ
يابَوْحَ الفضاءِ الأزليِّ
ياعشقَ السّرمدِ الهادي
لضفائرِكِ
يتضوَّرُ النّدى المشتاقُ
يتكوَّرُ المدى تحتَ نافذتِكِ
يزاحمُ قلبي باللّهفةِ
يكتبُ عنكِ غيوماً ماطرةً
كما يكتبُ قلبي قصائدَهُ
يرسمُكِ الطّريقُ فراشةً
حينَ تعبرينَهُ
وترسمُكِ أصابعُ نجوايّ
حينَ تمسُّ أدغالَ مرورِكِ
لَكِ مجدُ الاشتعالِ
المنبثقِ من كهوفِ أندائي
لَكِ ذروةُ الابتهالِ
الصّاعدِ من أنحائي
لَكِ تتلعثمُ المجرّاتُ
حينَ تقرأُ اسمَكِ
في دفتري.*
إسطنبول
* قطافُ الصّمت..
تيبّسَ نبضُ الانتظارِ
وشـاخَ صمتُ الصّبرِ
تراكمت طبقاتُ الغبارِ
على عمري
وأنتِ
مترددةٌ عنِ المجيءِ
تجعدَ الكحلُ بعينيكِ
والدمعةُ صارت مزراباً مِنَ الحجرِ
وَهَنتْ عظامُ الأرضِ
وتعكزَ الغيمُ
على صدى صرختِي
وأنتِ مشلولةُ الحنينِ
أشعلتُ شموعَ الدّمعِ
لأضيءَ لـكِ عتمةَ القلبِ
وطيرتُ إليكِ قصائدي
لترفرفَ فراشاتُ روحِـكِ
طرقتُ أبوابَ الرجاءِ
وأنتِ ملعثمةُ الخطا
تتعثرينَ بظلِّ الخوفِ
اقتربي من جنائنِ الشوقِ
مدّي يدَكِ لاحتراقي
أطيحي بأوجاعِ الوحشةِ
ادخلي غاباتِ ضوئي
تسَنّدي على آهاتي
واعبري جسرَ اللهفةِ
بحَّ صوتُ التّرقبِ
ومادتِ الرّوحُ باختناقِها
لا تتمترسي
خلفَ شحوبِ نافذتِـكِ
هشمي زجاجَ غصتِـكُ
لننطلقَ
صوبَ سهوبِ الرّياحِ
نعانقُ ما تبقى لنا
من قهرٍ
تعالَـيْ
أعطِـكِ مفاتيحَ المَـدى
أضمن لعطرِكِ الخلودَ
لا موتٌ بأحضانِ الهوى
لا دمعٌ في عناقِ الهمسِ
أقبلي
ضلتِ الشّمسُ دربَـها
وحانَ قطافُ الصّمتِ .*
إسطنبول
* لهيب الرّوح..
إنّه الوله..
يتغلغلُ من مساماتِ الرّوحِ
يتوغلُ بنارِ أظافرهِ
يستقرُّ في شهوةِ القلبِ
في دمي يطلق حمم الشّوق
ويثور النّبض بأناشيده
على وديان الأماني المشرئبةِ
نحو العناقِ المُميتِ
تحدوهُ جداولَ الحنينِ
الصّارخات بالبوح الطّاعن بالجنون
ويكون الاشتهاء لثمر العناق
متوثباً لاحتضانِ ندى الآهاتِ
وأصابع الغيم في الهمساتِ
هائمة في جِيدِ رعشة الصدى
تدقُّ باب الهديل الذّبيحِ
عاشق لريحانةِ الاكتواءِ النّائحِ
في فضاءِ الصّقيعِ المالح
وانهمار المسافات الحالمات
العالقات على شرفة الاحتضار
يا أيها المتيم في خلجات الضّوء
عجّل في احتطابِ البراري
انثر رمال السّهوب..
على أوجاعِ الذّكرياتِ
حدّق في سعفِ الموتِ
لا تتوانى عن اقتطافِ نجمةٍ
من لهيبِ عينيها
الضّارعتينِ لمدى الانتشاءِ
طال انتظار العاصفة
فالتصق بأضلع النسمة
تمسّك بثوبِ العراءِ
هو لقاء بين الصّحو والانتحار
بين الانتظار واللا جدوى
حاصر ظل وقتك
رتّل آيات الوصال
واجتهد بإشعال الهناء
أنت الآن..
في حضرةِ الحبيبة.*
إسطنبول
* دبيـبُ الاحـتراقِ..
تعلمتُ لغةَ الموتىٰ
صرتُ أتحدثُ بها بطلاقةٍ
كلُّ ما عليكَ أن تتكلَّمَ
دونَ أنْ تحرِّكَ شفَتيكَ
ودونَ أنْ تفتحَ عينَيكَ
حاذرْ أن تُوقِظَ قلبِكَ
دَعْ أنفاسَكَ ثابتةً
اتركٰ نبضكَ يابساً
وعلى بسمتِـكَ
أن تغيبَ
وليكنْ صوتُكَ
مقطوعَ الحبالِ
ولا تقتربْ مِنَ الذكرياتِ
ولا تتلفّظْ بأسمـاءِ الأصدقـاءِ
وانْتَـبهْ
مِنْ أنْ يتسرَّبَ
منكَ حنينُـكَ
ابتعِـدْ
عنْ كلِّ ما يخصُّ
الوطنَ
وتنكَّرْ للحُـبِّ
إنْ طَـرَقَ قبـرَكَ
لا تنشغِلْ
بسحـْرِ عيونِ حبيبتِكَ
ولا تحنَّ لأيّ حضنٍ
أو قُـبلةٍ تُـلَـوّحُ لـكَ
وتحدَّثْ بكلِّ جُـرأةٍ
عنْ موتٍ ألَـمَّ بِـكَ
منذُ أنِ اغْترَبْـتَ
وتشرَّدْتَ
وصرتَ تبحـرُ في دمعِـكَ
وتحلقُ في قفصِ العَـراءِ
قُلْ ما يقولُهُ التُّـرابُ
إلى دمِـكَ
ما يثرثرُ بِـهِ العدمُ
مع رميمِ عظامِكَ
تحدّثْ مع السُّكونِ
أُصرخْ
مِلْءَ الأزلِ
واكْتبْ علىٰ جدرانِ الأبـدِ
سيورقُ موتي ذاتَ قيامةٍ
وأحاصرُ الوطنَ المشظَّىٰ
بعودتي
ولهفتي
ودبيبِ احْتراقي.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - قولي لي
02 - ظلال الدروب
03 - حضارة الإجرام
04 - اتركها لي يا حب
05 - يا ذات القلب المتوحش
06 - أكره فيكِ حبي
07 - فتنة
08 - هروب
09 - أصدقاء
10 - أحبيني
11 - الطريق
12 - سذاجة قلب
13 - موت مشبوه النوايا
14 - عسل الموت
15 - مرارة الوجد
16 - صداقة
17 - أمّة عربية واحدة
18 - من هنا مرّ الموت
19 - القصيدة الألف
20 - شرفنا
21 - شلت يد الموت
22 - اغتراب
23 - ذائعُ الحبِّ
24 - حب بلا قلب
25 - كان وياما كان
26 - نهر الأمنيات
27 - لظى السّرمد
28 - قطاف الصّمت
29 - لهيب الرّوح
30 - دبيبُ الاحتراقِ
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى