كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (قصيدتي مقبرتي).. مجموعة شعرية

" قصيدتي مقبرتي "
للشاعر : مصطفى الحاج حسين ...
* بقلم الأستاذة غزلان شرفي
لطالما صادفتني مقولة( الإبداع يولد من رحم المعاناة)، ولطالما استوقفتني آراء المناقشين لها ،بين مؤيد ومعارض، بينما كنت أخذ موقف الحياد من الأمر، مُقنعة نفسي بأن الإبداع رهين بحاجة صاحبه للتعبير، سواء كان سعيدا أو تعيسا..... ولما أتيحت لي الفرصة للاطلاع على دواوين الأستاذ المبدع مصطفى الحاج حسين، وعلى مجموعاته القصصية، وجدتُني منبهرة بطريقته الخاصة، واستثنائيته المميزة في ترجمة الألم والمعاناة والعذاب النفسي، جراء الاغتراب عن الوطن إلى شلالات جمال، وأنهار روعة، تنساب برقة وأناقة، فتُلبِسُ الحزن رداء الوهج، وتحيك للألم أثوابا من أمل....
إن المطلع على السيرة الذاتية لمبدعنا الأريب لا يملك إلا الإعجاب بهذه الإرادة الصلبة، والرغبة العارمة في امتلاك نواصي الكتابة، وتكريس الجهد والعمر للتمكن منها، وكأنه ولد ليكون شاعرا، ولا شيء غير ذلك؛ وإن كان في مرحلة من شبابه كان ينقش أبياته على الحيطان و الجدران التي هي في طور البناء حين يحضره إلهامه، فإنه الآن، وبعد بلوغه مرحلة النضج الفكري والعاطفي، قد تمكن من نقشها داخل قلوب قرائه ومتتبعيه، ووشمها في ذاكرة الثقافة العربية، وطرّزها بحروف من نور لن تخبو مهما طال عليها الأمد، لأننا صرنا إلى زمن التشبع حد الغثيان، والاكتفاء حد التخمة لكثرة ما يُسطر يوميا، وما "يُنظم" من "أشعار"... لكن..... وسط هذا الكم الهائل من الكتابات،لن يصح إلا الصحيح،في الابتداء والانتهاء، كما هو الشأن بالنسبة لكل ( موضة) جديدة، "فالتقليعات" تجلب الأضواء عند ظهورها لأول مرة، ويكثر حولها اللغط والصخب، لكن سرعان ما تخبو وتؤول إلى النسيان.
في ظروف كالتي صاحبت نشأة الشاب ذ. مصطفى الحاج حسين، كانت الخيارات خانقة حارقة، وفي بيداء حياته، نمت شتلة الكتابة لديه، وبدأت في النمو، حتى غدت واحة فيحاء، ترخي بظلالها على كل مظاهر حياته، وتخفف من طعم المرارة والخذلان اللذين رافقانه، فقد فتحت له الأبجدية حضنها، ورسمت له جناحين مكناه من التحليق خارج مجرة أحزانه، وفوق تضاريس آلامه، فكان الشعر هو السلوى، وفيه طاب له السكن والمأوى، لقد كان إدمان ممارسة الكتابة بالنسبة لشاعرنا كالبلسم لجراحاته، والمُسكّن لآهاته،هي علاقة تجاوزت المعنى المادي المحسوس( ورقة وقلم) لتصبح آصرة روحية عاطفية متينة، تعكس تلك اللّحمة التي يستشعرها الشاعر مع وطنه، المُبعٓد عنه قسرا، فأصبح الشعر وطنه الثاني، وحضنه الحاني....
وأنا أتجول بين قصائد ديوان( قصيدتي مقبرتي) ، استشعرت كم الحزن الهائل الساكن بين أضلاع شاعرنا، وتلمست آثار الندوب التي يحملها قلبه المسكون بحب معشوقة تمكنت من التربع على عرش عواطفه، فكان لها تاج المُلك بامتياز، وكان لها السبق في المداد.. ديوان جمع بين روضة من رياض الإبداع، تعددت معانيها، وتنوعت رسائلها، ورغم أن الخيط الناظم لها انحصر في الحزن والخيبة والألم، وقليل من الأمل، إلا أنها ستظل ورودا عبقة، ولعل أندر الورود، وأكثرها جذبا للإعجاب..... هي تلك السوداء..... وهنا، أؤكد أن ما خطته أنامل شاعرنا، رغم سوداويته، إلا أنه استثنائي في معانيه وبلاغته وصوره وانزياحاته...
أنا وجع النسمة
جناح الدمعة
عصفور المسافات...
لكن، لعل ما يشد الانتباه أكثر في هذا الديوان هو عنوانه( قصيدتي مقبرتي)
.. جملة من كلمتين، بمعان من سطور وصفحات...... عنوان اختاره الشاعر من بين عناوين عديدة للنصوص المتضمنة بين دفتي الديوان، إنها القصيدة العشرون التي يصف فيها الشاعر قصيدته بكونها مخبأه السري ومقبرته.... هذا المعنى يتكرر في مواضع كثيرة جدا من الديوان حيث نالت المفردة نصيب الأسد من حيث التواجد...
لو كانت السماء تتسع لقصيدتي
لأمطرت حروفي شموسا
-
وبلا قصائد ترثي أيامي
سأكون سعيدا
-
يا قصيدة كتبتها غربتي.
-
هي نبيذ المسافات
كوثر الوقت
قصيدة الرحيق
-
صارت قصيدتي
منزوعة الأبجدية.
-
وقصائدي صبت النار
على جسدها اللدن.
-
دع قصيدك
يلملم حطام الحروب.
-
قصيدتي تكشف عني العماء
تبصرني خطاي
وأنا أزحف في عراء.
-
يصعب وصولي إليك
لا أملك إلا أن أحبك
وأن أكتب عنك كل القصائد
لولا أنت ، ما أتيت للدنيا
ولا كتبت الشعر.
-
أنا سيجت وطني بالندى
سورت سماءه بالقصائد
من هنا، يمكنني القول أن القصيدة ليست في الحقيقة مقبرة لشاعرنا، بقدر ما هي حياة، ولادة جديدة، انبعاث، نفٓس..... فهو مع كل ضيق يتملكه، وكل كرب يعتريه يلجأ الى النظم، حيث يجد الونٓس، ويحظى بالأليف..
مع كل هبّة شعر من الديوان، يلفح وجوهنا صهد اللظى، وزفرات حرّى، قد تأخذ حينا منحى السخرية والتهكم،مثل قوله:
على صاحب هذه الجثة
الاعتذار من السيد القاتل
لأن دمه القذر
تسبب بتلويث الثياب الأنيقة.
-
فليمت رعاع سوريا
ليس لهم مكان
فليكونوا تجارب للأسلحة
موضوع مؤامرات الدول المتحضرة
وأحيانا، قد ترتدي عباءة الشوق للمحبوبة التي أخذت بمجامع القلب والروح:
أنا يا حبيبتي لا أتقن في الدنيا
إلا حبك، والكتابة عنك
يسعدك انهزامه ...
وأحايين أخرى، تصير الحروف دموعا تنعى فقد الأهل والأحبة:
موت ذوي القربى أشد مضاضة
من موت الانفجار
لتتحول في مواضع أخرى إلى كشافات نور تفضح تخاذل الإخوة العرب، وتآمرهم اللاأخلاقي ضد الشقيقة الجريحة، وأبنائها المهجّرين:
بكل وقاحة وصفاقة
أباحوا ذبح بياض الياسمين
واستباحوا بكل فظاظة ونجاسة
كرامة الأشراف اللاجئين
أرادوا إذلال الأحرار
بئسهم لأنهم من الأنصار الكاذبين
يا ويلهم ماذا يفعلون مع المهجرين؟
تاريخنا وديننا واحد
فلم الجفاء
ونحن أتيناهم مسالمين.
---
دون أن يغفل أمر المتسلقين المتحذلقين، شعراء المنابر والنظام، الذين يضمرون الكره لكل من أسال-بشرف- مداده في حب الوطن:
يسعدك انهزامه
وانكساره
والإساءة لاسمه
وإبعاد الأصدقاء عنه
وإقصاؤه عن أماكن يسعى اليها
وحرمانه مما يحتاجه من هواء
وفضاء يتسع لأحلامه
يسعدك قتله
ومطاردة أنفاسه .
ورغم قتامة المنظر، ودُكنة سمائه، إلا أن نسمات من أريج الياسمين تهب علينا، بين الفينة والأخرى، من خلال شرفات صغيرة أقامها الشاعر في صرح بنائه الإبداعي المميز:
قل لحلمك
أن لا يضمر
أو يختفي
فبعد السقوط
نهوض
هكذا علمتني العاصفة
....
قسما ستثمر الجراح
وينبلج السلام
ويرفرف علم المطر
فوق سماء الطفولة
...
سيتعب الموت
وينتحب
بل وسيعتذر منك
وستنتشر رسائل الندى
على اليباس والتصحر
ويعم بياض الياسمين.
وفي نهاية هذه الجولة الماتعة في مروج الإبداع الناطق بآي التميز العاكس لمرآة الواقع بكل تناقضاته، ولجروح الروح بكل تشظياتها، لا يسعني إلا التنويه بهذا القلم الباذخ ، الذي استطاع أن يؤسس لتيار استثنائي في عالم القصيدة النثرية، المحلقة فوق قيود المألوف، بفضل إرادة صاحبه، ودُربته وكفاءته، إلى جانب موهبته الثرة، وقريحته المتفجرة، قلم امتلك من المقومات ما جعله ريشة ترسم بالحروف صورا ناطقة بكل التفاصيل الإنسانية، حتى إنه لٓيستحق أن يصنف كثراث إنساني ثقافي للذاكرة السورية ، بكل آلامها وآمالها...... فديوان( قصيدتي مقبرتي)، علاوة على ما تشرفت بالاطلاع عليه من دواوين أخرى لشاعرنا الفذ، يختزل محنة الشعب السوري، ومعاناته داخليا وخارجيا بشكل مختصر، مركز، مدقق، وإبداعي لا يملك القارئ معه إلا ان يتماهى مع حروفه، ويتعاطف معها حد البكاء، مع أن البكاء في حد ذاته ليس هو الحل لأزمة أشقاء.
شلالات تقدير للشاعر الحر، الصداح بالحق الأستاذ المبدع مصطفى الحاج حسين.
-
*غزلان شرفي ..
فاس/
* نشيدُ التّكوينِ..
.. وتركضُ بيَ السّمـاءُ
تحملني على أكتـافِ الضّحى
تسابقُ صرخةَ الرّيحِ
وتعـاركُ جنونَ السّقوطِ
سأهزمُ أثقالَ روحي
وأبدِّدُ حلكةَ الاختناقِ
أحملُ ضوءَ الكلماتِ
وأشجـارَ الحنينِ
إلى بلادٍ مسوَّرةٍ بالعطشِ
لنشـيدٍ جـديدٍ
أنا خلاصُ النّدى
من جفـافِ الرّحيلِ
أهيلُ على الرّمـادِ
ضحكةَ الغيومِ
وأنثرُ فوقَ السّخطِ
خُطَى الرّحمةِ الرَّؤومِ
في قلبي مفاتيحُ الرّبيعِ
وفي أنفاسي عطرُ الشّواطئِ
أبتغي من المـاءِ
أجنحةَ الخلودِ
لأرسمَ فوقَ الشّمسِ
ملامحَ قلعتِنا
الّتي عمَّرَتْهَا النُّجُومُ
بأيادي الأبـدِ المُباركةِ
ويقولُ ليَ الأزلُ:
- ما زالتْ مهجتي تهفو
إلى أزقَّةِ حلبَ العريقةِ
ما زالتْ أغانيها في دمي تصْدحُ
ما زالَ حليبُـها يبلِّلُ شفتيَّ
وياسمينُـها يعطِّرُ روحي
حلـبُ هيَ التَّقويمُ
وأبْجـديَّةُ التَّكوينِ
حلـبُ اختصارُ الحقيقةِ
ومعجزةُ الخليقة.*
إسطنبول
* أطرافُ الرِّيح..
... وأنا أحبو على كهولتي
كرضيعٍ يمضغُ شهقةَ الفراشاتِ
وأزحفُ صوبَ شعاعِ أمّي
يمتدُّ ثغاءُ أوردتي
لحليبِ الضّوءِ
وتتعثّرُ بي أصابعي
فأسقطُ في دوامةِ الدّهشةِ
أنا وجعُ النّسمةِ
جناحُ الدّمعةِ
عصفورُ المسافاتِ
أتنقّلُ بينَ أغصانِ السّرابِ
زوَّادتي لغتي
ومطرُ الأمنياتِ
أصرخُ ملءَ غربتي
أفتِّشُ عن ملاذٍ لهروبي
يا أيّها الأفقُ الصَّاعدُ من دمي
ترَجَّلْ
لأقطفَ منكَ القصيدةَ
إنِّي أبحثُ عن أمواجِ النّارِ
لكنَّ الشَّواطئَ تهدَّمتْ
فوقَ مراكبي
وانتحرَتْ رمالُ الأسئلةِ
فَكُنْ ياوقتُ حصاني
لأركبَ صهيلَ الدّربِ
وأقتحمَ خَلْوَةَ وحْدَتي
وأمْسِكَ بأطرافِ الرِّيحِ
أهزُّ بجذعِ رمادي
وأوقظُ ماتبقّى من حائطِ
طفولتي
وأهدِّمُ المسافةَ مابينَ موتي
وجنوني
أنا دمُ الحنينِ
جراحُ التّنفُّسِ
بوَّابةُ الجهاتِ
إلى بلادي
التي سَبَتْها الخياناتُ
وغدرتْها أشجارها السّوْداءُ.*
إسطنبول
* لسانُ العاصفة..
لو كانتِ السَّماءُ تَتَّسِعُ لقصيدتي
لِأَمْطَرَتْ حروفي شموساً
ولكانت أيادِ الضَّوءِ
حملتْ عن الأرضِ عذاباتها
لكنَّ لغتي لا يفهمها إلاَّ مَنْ
اغتسلتْ نوافذهُ بالبروقِ
واشْتَعَلَتْ في حواكيرِ شهقتهِ
أغصانُ الرُّؤى
أنا في دفتري
أخبِّئُ أمواَجَ ما سَيَأْتي
دَوَّنْتُ على جَبِيْنِ الوقتِ
ذكريات الدَّمعِ
أعرفُ كَمْ تبقَّى من عمرِ الأبد
أرابضُ عندَ أسوارِ الزَّلازل
وَاُمْسِكُ بِلِسَانِ العاصِفَةِ
الأرضُ نفاياتُ المدى
فيها تُنْتَهَكُ براءةُ الدَّمِ
تؤرِّخُ المجازرُ تضاريسَ فتنتها
وكلَّما أورقتْ على شفتيها ابتسامةٌ
هاجمتها جَحَافل القبورِ
أزمِنةٌ تُبِيْدُ أمكنةً
وأمكنةٌ تُعَلِّقُ الأيَّامَ من رقابها
وسيأتي يومٌ
يطوِّحُ بنا التُّرابُ
إلى أقاصٍ مُظْلِمَةٍ.*
إسطنبول
* مراكبُ الفجر..
أُبَلِّلُ غَرَقِي بِدَمْعِ اختناقي
وأمدُّ أصابعَ غُصَّتي
لأنتشِلَ جرحي الهاربَ منّي
تحملني أعشابُ القفرِ
إلى سلالمِ الرَّملِ
هُنَا..
كَتَبَتِ الرِّيحُ مقاماتِ مجيئي
وعلى حيطانِ النَّارِ
بدأتْ قصيدتي تحبو
سارتْ في دمي الدُّروبُ
وبزغَ الموجُ من عطشِ الحروفِ
أقفزُ في لُجَجِ الهَدِيْلِ
أمخرُ عُبابَ الصَّدى
وأرسمُ على مشارفِ التَّشَرُّدِ
أبوابَ السَّدِيمِ
تحضنني الخيبةُ الزَّرقاءَ
تَفُكُّ أزرارَ دهشتي
تكسِّرُ أقفاصَ هواجسي
وتَتْرُكُ لجثَّتي أَنْ تَعْبُثَ
بأثمالِ الموتِ
أنا زهرةُ الجوعِ
وأجنحةُ السَّرابِ
أفتِّشُ النَّدى
عن مراكبِ الفجرِ
المضمَّخِ الصَّهيلِ.*
إسطنبول
*نفقُ الحطام..
... وكانَ الليلُ
يخمشُ أهدابَ النّومِ
ويمنعني
من التّسلّلِ إلى رقادي
الأرضُ تقفزُ بي
إلى طرقاتٍ لاهبةٍ
تكتظُّ بالصهيلِ
أمشي فوقَ ضحكةِ الحُلُمِ
أحملُ في خطواتي
أجنحةَ العشقِ الأخيرِ
وأصبو إلى مرتفعاتِ الرّيحِ
لِأكتبَ قصيدتي
على دفترِ النّدى الأبيضِ
وَأُسْمِعُ آهاتِ دمي للشّوقِ
عساني أقطُفُ نسمةً
من أغصانِ المدى
وأضمّدُ هَسِيْسَ الضُّحى
أتسلَّقُ لوعتي
وأَُمسكُ بحفيفِ الذّكرياتِ
وتحاورُ الهاويةُ سقوطي
تقولُ:
- علامَ تهربُ من حضني
وأنتَ مطرُ ضلوعي؟!
وأنا أهربُ من ظِلّي
المتربّصِ بنهوضي
ليدفعني تحتَ عجلاتِ الغيابِ
أمضي إلى دمعتي النّاهدةِ
لأسقيَ جبالَ الجنونِ
ففي صرختي بُحَّةُ الموتِ
يتأجَّجُ الخرابُ في دمي
تَسْتَعِرُ نهايةُ الجدوى
ويمتدُّ أمامي نفقُ الحُطامِ
وفي آخرِ الظّلمةِ
تَتَبَيَّنُ لي أجنحـةُ البلادِ.*
إسطنبول
* سأَفترِضُ..
سأُودِّعُ حبَّكِ
وأُغلقُ البابَ على حياتي
لن أعاودَ السّؤالَ عنكِ
سأفترضُ أنّي لم أعرفْكِ
ليسَ من الضرورةِ
أن تكونَ في الدُّنيا شمسٌ
هناكَ مخلوقاتٌ كثيرةٌ
تعيشُ في الظّلامِ
وسأفترضُ (أنْ لا ورودَ في الأرضِ)
يمكن للمرءِ أن يتأقلمَ في الصّحراءِ
وسأفترضُ أنْ لا ماءَ
على هذا الكوكبِ
معظمُ الكواكبِ وجدت دونَ ماءٍ
وسأفترضُ
أنَّ الهواءَ هنا معدومٌ
قد يحدثُ هذا في الكونِ
سأفترضُ
أنَّني لم أُولد
أو أنَّكِ مجرَّدُ وهمٍ
أو أنَّنا أتينا في أزمانٍ مختلفةٍ
سأفترضُ
أنَّني لا أعرفُ كتابةَ الشّعرِ
أو أنَّكِ تجهلينَ لغتي
أو أنَّ الحبَّ في الأساسِ
لا وجودَ لهُ
أو أنّني أعمى لم أبصر جمالَكِ
أو كنتُ أصماً لم أسمع صوتَكِ
أو غبيّاً لم أهتم لوجودِكِ
أو أنّي جبانٌ
وأنتِ ملكةٌ
سأفترضُ
أنَّ عِطرَكِ لم يجذبْني
وأنَّ عينيكِ خاويتانِ من السّحرِ
وأنَّ ابتسامتَكِ شحيحةُ الضّوءِ
سأفترضُ
أنّني متُّ منذُ زمنٍ
وأنّي أعيشُ في قبري
من دونِ ذكريات.*
إسطنبول
* شـرفـاتُ الياسمينِ..
تَمضَغُنِي لُقمَتِي
وتَلُوكُنِي أنفاسي
وأنا أنهشُ كَفَنِي
المُلتَفَّ حولَ دُرُوبي
أتَطَلَّعُ إلى رمادِ فضائي
أُرسِلُ جُرحَ اشتعالي
إلى موكبِ النَّدى الوامضِ
في شَسَاعَةِ تَقَهقُرِي
وأنادي على شَمسٍ
شَرِبَتها الغُيومُ
يا ليلَ عِشقي!
أَمْسِكْ عنِّي سُقُوطي
يا بحرَ اختناقي!
أَسرِجْ رَفِيفَ آهتي
إنِّي أستعينُ بالكلماتِ
على سرقةِ عُمُرِي
وأتَوَسَّلُ لِلسرابِ
أَنْ يُؤازرَ غُربتي
أَشْفِقْ على انكساري
يا حضنَ السَّدِيمِ
فَفِي قلبي مقابر ُ تنمو
وفي لهفتي مشانِق ُ تَنتَصِبُ
وبكاءٌ يمطرُ في روحي
على وطنٍ افترسَتهُ الرِّيحُ
وصلبتهُ الفواجِعُ
فَمَنْ يَدُلُّـنِي
على شُرُفَـاتِ اليـاسَمِين؟!*
إسطنبول
* الطَّموح..
تَطفو على بسمتِهِ
تَرانيمُ الخدَاعِ
وعَيناهُ تفيضَانِ بالخُبثِ الأنيق
والمُكرُ المُزَركَشُ بالمَوَدَّةِ
في قلبِهِ وهَجُ الضَّغِينةِ
على لِسَانِهِ عَسَلُ الغَدرِ
وأصَابِعُهُ تفوحُ بالغِلِّ الحارِّ
يَعتَاشُ على لحمِ أصدقائِهِ
يَكبُرُ على نَفَقَةِ دَمِهِم
يرتَقِي على أوجَاعِهِم
ويَقرُضُ الشِّعرَ بمِدادِ دُموعِهِم
فِيهِ مِنَ النَّذَالَةِ
ما تَجلُبُ لَهُ السَّعدَ
وتَفتَحُ لَهُ الأبوابَ
وتُذَلِّلُ أمامَ طُمُوحَاتِهِ الصِّعَابَ
يَبِيعُ كلَّ مَنْ يَعُزُّ عَلَيهِ
يُطِيحُ بكُلِّ مَنْ يُعِيقُ صُعُودَهُ
لا يَتَرَدَّدُ
وإنْ كانَ الثَّمنُ شَرَفَهُ
لا يَتَأخرُ
وإنْ فَرَّطَ بِأهلِهِ
لا يَكتَرِثُ
حتَّى إنْ تَنَازَلَ عَنْ وَطَنِهِ
في دَمِهِ طُمُوحُ الثَّعَالِبِ
في قَلبِهِ جَشَعُ الجَرَادِ
وفي رُوحِهِ تَرَقُّبُ التَّمَاسِيحِ
إنَّهُ ضِفْدَعُ الهُتَافَاتِ
زَبَدُ الثَّوراتِ
كَلبُ الأنظمة.*
إسطنبول
* طَاعِنٌ بالتَّفَاهَةِ..
يُسعِدُكَ انهِزَامُهُ
وانكِسَارُهُ
والإسَاءَةُ لإسمِهِ
وإبعَادُ الأصدِقَاءِ عَنهُ
واقصَاؤهُ عن أماكِنٍ يَسعَى إليها
وحِرمَانَهُ مِمَّا يَحتَاجُهُ من هواءٍ
وفَضَاءٍ يَتَّسِعُ لأحلامِهِ
يُسعِدُكَ قَتلُهُ
ومُطَارَدَةُ أنفَاسِهِ
في صَحَارَى الاغتِرَابِ
وَطَعن صَوتِهِ
بِمَا تَملُكَ من ضَغِينَةٍ
لاغتِيَالِ ذُكرَيَاتِهِ
يُسعِدُكَ أن يَختَفِي
وألَّا يَكُونَ لَهُ وجُودٌ
أن يَغمُرَهُ النِّسيَانُ
وأن لا تُبصِرَهُ الشَّمسُ
وأن لا يَقرَأ أحَدٌ قَصَائِدَهُ
وإن كَانَتْ مُفعَمَةً بالجَمَالِ
وكانتْ تَتَغَنَّى بِرَوعَةِ البِلادِ
بِلادِهِ التي هي بِلادُكَ
بَلَدِكُم الذي أكَلَتهُ الحَربُ
وتَسَبَّبَتْ بِهُرُوبِكُمَا أنتَ وَهُوَ
خَارِجَ البِلادِ
وَبِرَغمِ الجَحِيمِ الذي يُطَارِدُكُمَا
أكَلَتكَ الغَيرَةُ مِنهُ
لَمَّا عَادَ لِكِتَابَةِ الشِّعرِ
بَعدَ عَقدَينِ من الصَّمتِ
وَمِنْ قَرَفٍ لازَمَهُ
بِسَبَبِ نِظَامٍ كُنتَ تُسَانِدُهُ
وَتُكِيلُ لَهُ أطنَاباً من المَدحِ
وأكوَامَاً مِنَ التَّقَارِيرِ السُّودِ
عَادَ يَكتُبُ الشِّعرَ
ليحتَجَّ
ليَصرُخَ
لِيُؤَرِّخَ مَسِيرَةَ الموتِ
والدَّمَارَ المُشتَعِلَ
في أكسِجِينِ البِلادِ
ما كانَ في ذهنِهِ أن يُنَافِسَكَ
ما كنتَ على بالهِ
بَلْ ما كانَ يَرَاكَ
أو يُبصِرُ صَوتَكَ
فأنتَ أمَامَ قَصَائِدِهِ
خَذَلَتكَ خَربَشَاتُكَ
ولا ذَنبَ لَهُ إلَّا ضَعفُكَ
وضَآلةُ حَجمِكَ
فَنَسِيتَ البِلادَ المُدَمَّرَةَ
ونَسِيتَ حَالَةَ الشَّعبِ المُبكِيَةَ
غَابَتْ عَنكَ صُوَرُ الشُّهَدَاءِ
وأغمَضتَ عَينَيكَ عَنِ اليَتَامى
والأرَامِلِ
وجَعَلتَ مُحَارَبَتَهُ قَضِيَّتَكَ
أيُّها الثَّائِرُ المُزَيَّفُ
طُوبى لِلمَنَابِرِ التي تَحتَضِنُكَ
وطُوبَى لِمَنْ بَاعُوكَ ضَمَائِرَهُم.*
إسطنبول
* لجوء..
يختبئُ وَجهِي منِّي
وأتهرَّبُ من أنفاسِي
أبتَعِدُ عن دَمِي
وأشيحُ عن قامَتِي نَظَري
لا كَلامَ مع قلبي
لا تَوافقَ مع روحي
ولا سَلامَ مع دَمعَتِي
إنِّي خارجَ نَبضِي
إنِّي وراءَ غِيَابِي
هَرَبَتْ مِنِّي خُطَايَ
وسَقَطْتُ في مستنقعِ الصَّمتِ
صارَ الكلامُ شَوكاً
وقَصيدَتي مَنفىً لِلذَاكِرَةِ
خَانَتنِي الأرضُ
وتخلَّتِ السَّماءُ عَنِّي
فَعَلى عَطَشِي تآمَرتِ الغُيومُ
وقبري باعَ جثماني للضواري
النَّارُ نَهَشَتْ بَسمَتي
الهواءُ اعتَصَرَ حنجرتي
والنَّدى سَلبَني أزهاري
وعَتَّمَ الضَّوءُ غُربتي
وصوتُ الطفولةِ نَخَرَ انكساري
أُنَادِي على مَوتٍ رَحِيمٍ
يَنتشلُ صَقيعَ وحدَتي
أستجيرُ بالعَدَمِ
أنْ يَقَبَّلَ أوراقَ اعتمادي
ويُعطيِني جِنسِيَّةً جَدِيدَةَ
اسمِي:
- رَمَادٌ
كنيتِي:
- رَمِيْمٌ
وَطَنِي:
- جَهَنَّمُ
لُغَتِي:
- الخَرَسْ.*
إسطنبول
* نَشِيدُنَا القَومِيُّ..
على صاحبِ هذهِ الجُثَّةِ
الاعتذارُ من السَّيدِ القاتلِ
لأنَّ دمَهُ القَذِرَ
تَسَبَّبَ بتَلوِيثِ الثِّيابِ الأنيقَةِ
والحذاءِ اللامعِ
كانَ على هذا الغبيِّ
المُشبَعِ بالتخَلُّفِ والجَلافَةِ
أن يَستَقبلَ الموتَ
بشجاعةٍ.. ورحابةِ صدرٍ
دُونَ أيِّ اعتراضٍ
أو احتجاجٍ.. أو تَذَمُّرٍ
لأنَّ قاتِلَهُ سَيِّدٌ عظيمٌ
تنحني لَهُ الهَامَاتُ والقَامَاتُ
كانَ على هذا المَقتُولِ
الهَمَجِيِّ
أن يحتَرمَ قاتِلَهُ
لَحظَةَ تَسلِيمِ رُوحِهِ الرَّخِيصَةِ
فَقَاتِلٌ ذُو مَكَانَةٍ سَامِيَةٍ
يَنحَدِرُ من عَائِلَةٍ سَامِقَةِ الرِّفعَةِ
لا يجُوزُ أبدَاً
لِلمَقتُولِ أن يَنتَفِضَ
أو يَتَخَبَّطَ بِنَزِيفِهِ
ويَتَطَايَرَ دَمُهِ بِطَرِيقَةٍ رَعنَاءَ
فَتُسَبِّبُ تِلكَ الفَوضَى اللئِيمَةَ
ما كانَ عَلَيهِ أن يُبَالِغَ بِآلامِهِ
ولا أن يَنبُسَ بِحَرَكَةٍ
تَنِمُّ
عَنْ قِلَّةِ الذَّوقِ والأدَبِ
يُفتَرَضُ بِهِ
ألَّا يَتَجَاوَزَ حُدُودَهُ
لَحظَةَ اغتِيَالِهِ
فَمَا قِيمَةُ أنْ نَمُوتَ
على يَدِ سُمُوِّهِ الرَّحِيمَةِ ؟!
وما فَائِدَةُ أرواحِنَا السَّخِيفَةِ
إنْ لَمْ تَكُن
في تَصَرُّفِ عَظَمَتِهِ
وَنَحنُ لَمْ نَأتِ إلَّا لِخِدمَتِهِ ؟!
جِئنَا إلى الدُّنيَا
لِنَعمَلَ على إسعَادِهِ
وَإراحَةِ أعصَابِهِ
هُوَ مَولانَا وَرَغِبَ بِقَتلِنَا
أليسَ هذا من حَقِّهِ؟!
هُوَ مَالِكُنَا
وأحَبَّ أن يُفَرِّجَ عَنْ نَفسِهِ
ويَتَسَلَّى بِدَمِنَا
فَهَلْ نُنَغِّصُ عَلَيهِ عَيشَهُ؟!
وَهَلْ مِنَ الأخلاقِ والحِكمَةِ
أنْ نَجبُنَ وَنَرتَعِبَ
ونُثِيرَ الضَّوضَاءَ؟!
فَلَيتَهُ يَتَقَبَّلُ مِنَّا الاعتذَارَ
وليتهُ يُسَامِحُنَا.. ويصفحُ عَنَّا
فَنَحنُ نَمُوتُ إرضَاءً لِرَغبَاتِهِ
وَلِنَزَوَاتِهِ الطَّاهِرَةِ
جُبِلنَا على طَاعَتِهِ العَميَاءِ
فَلا أحَدٌ مِنَّا يَبخَلُ أو يَضُنُّ
عَليهِ بِحَيَاتِهِ
فَهُوَ رَمزُنَا الأبَدِيُّ
وَهُوَ فَخرُ عُرُوبَتِنَا المُبَجَّلَةِ
وُلِدنَا ونحنُ نَهتُفُ باسمِهِ
وُلِدنَا ونحنُ نُمَجِّدُ شَخصَهُ
وُلِدنَا وحَنَاجِرُنَا تَصدَحُ
بِالرُّوحِ وَبِالدَّمِ
نَفدِيكَ يا أمِيرَنَا المُفَدَّى.*
إسطنبول
* هُتَافُ الاندِلاع..
وتَأتِيكَ الصَّحَارَى
لِتَشرَبَ رَذَاذَ وِحدَتِكَ
وَتَسألُكَ الفَيءَ
في كَنَفِ ظِلِّكَ
فَلَا تَزْجُرِ الرِّيحَ
ولا تَبخَلْ على الرَّملِ
بِوَردِ الذِّكرَيَاتِ
وَزِّعْ على الأفُقِ
سَحَابَ صَمتِكَ
دَعْ دَمعَكَ يَقرأ
صَفِيرَ الجِهَاتِ
وَمَزَامِيرَ التَّشَتُّتِ
في سِعَةِ الاغترَابِ
هذا المَدَى حُفرَةٌ
في صَلِيلِ الرُّوحِ
هذا العَرَاءُ فَنُوسٌ
لأجنِحَةِ العَدَمِ
فَتَقَدَّمْ على أطرَافِ انكِسَارِكَ
أَمسِكْ رُسغَ الرُّؤى
وَاعبُرْ جُرحَ الصَّدَى
صَوبَ بَسمَةٍ نُزِعَتْ
مِنْ ثَغرِ النَّدَى
وَارتَمَتْ في جُنُونِ النَّارِ
فَتِّشْ عَنْ ثُغَاءِ الحُلُمِ
في جَمرِ المَاءِ
هذا اللَهِيبُ حِصَانُ انتِظَارِكَ
ثِبْ مِنْ فَوقِ مَوتِكَ
وَانهَضْ مِنْ قَاعِ اليَبَاسِ
هذا البَحرُ رَمَادُ حَنِينِكَ
فَكُنْ نَورَسَ الفَجرِ
وَعَجِّلْ بِضَوءِ الرَّفِيفِ
أُنْشُرْ على الصَّحرَاءِ صَحوَكَ
أُنْثُرْ في السَّمَاءِ أَجنِحَةَ البَرقِ
خُذْ مِنَ الوَقْتِ رَحِيْقَهُ
مِنَ الدَّربِ مَسَارَهُ
وَمِنَ الجِبَالِ كِبرِيَاءَها
فَأَنْتَ الآنَ رُبَّانُ الضُّحَى
أَعَاصِيرُ التَّحَوُّلِ
زُلزَالُ القَادِمِ مَنَ القَمحِ
وفَضَاءُ الأمانِ.*
إسطنبول
* حُبٌّ شَاهِقُ الدَّلالَةِ..
سَأصعَدُ هذا الجَبَلَ
الشَّاهِقَ إلى حَدِّ الغَيمِ
ولو أنِّي أتَعَكَّز
على أوجَاعِ عُمرِي
سَأتَسَلَّقُ هذا الموتَ
وبِأظَافُرِي سأحفُرُ العُلا
وأتَشَبَّثُ بِذَاكَ الشُّعَاعِ
المُطِلِّ على قاعِ نَبضِي
وأزحَفُ فَوقَ الانحِدَارِ
أَستَمِّدُّ قُوَّتِي مِنْ حُلُمِي
الصَّاهِلِ في بَرَارِي رُوحِي
المُتَّقِدَةِ بِالعُشقِ الأبَدِيِّ
سَأَصعَدُ
على سَلالِمِ لَهفَتِي
على جُسُورِ رَعشَتِي
وعلى غَشَاوةِ دَمعَي
هذا الضَّبَابُ سَأُزِيحُهُ
عَنْ أُفُقِي
هذَا الشَّوكُ سَأُحرُقُهُ
بِضَرَاوَةِ حَنِينِي
سَتَشُدُّنِي أَنفَاسِي
سَتَحمِلُنِي رَغبَتِي
وَسَيَجُرُّنِي خَفَقَانُ قَلبِي
سَتُدهَشُ السَّماءَ
وَسَتُصَفِّقُ الشَّمسُ لإرَادَتِي
سَأصعَدُ
وَلَو أَنَّ النَّدَى رَمَّدَ عَينَيَّ
وَلَو أنَّ أفارِيزَ المُستَحِيلِ
خَانَتْ أصَابِعِي
وَلَو أنَّ أخَادِيدَ الانهِزَامِ
عَانَدَتنِي
وَنُتُوءِاتِ شُقُوقِ الصَّخرِ
عَضَّتْ سَوَاعِدَ هِمَّتِي
سَأَصعَدُ
وَإنْ كَانَ المَوتُ يَنصُب لِي كَمِيناً
فَأَنَا لَمَحتُكِ في الأعَالِي
تُدَاعِبِينَ ضَفَائِرَ الشَّمسِ
وَتَتَسَابَقِينَ مَعَ النَّسَمَاتِ
تَمتَطِينَ السَّحَابَ
وَتَرسُمِينَ في الأُفُقِ
رَائِحَةَ المَسَاءِ*
إسطنبول
* عَمَّ تَسأل؟!..
عَمَّ تَسألُ؟!
وكُلُّ الأسئلةِ تَقَطَّعَتْ أوصالُهَا
والأجوبَةُ فَقَدَتْ عُيُونَهَا
حتَّى الكَلِماتُ تَيَبَّسَتْ
على أغصانِ الرَّمادِ
صَارَتِ السَّماءُ بِحَجمِ قَبرٍ
لا غَيمَ يَمسَحُ زُرقَتَهَا
لا قَمَرَ يَحرُسُ شُهُوقَهَا
ولا نُجُومَ تَعتَلِي مَنَابِرَ العُشَّاقِ
عَمَّ تَسألُ؟!
والأرَضُ تَعدُو هارِبَةً
في دُرُوبِ العَدَمِ
المَدَائِنُ ارتَحَلَتْ
وَتَرَكَتْ من خَلفِها الغُبَارَ
يَذرُفُ الصَّمتَ
والخَرَابُ يَلتَهِمُ الآهاتِ
على كُلِّ نافِذَةٍ يَجثُمُ الهَلاكُ
على كُلِّ بابٍ يَنتَصِبُ الحُطَامُ
المَوتُ سَيِّدُ السَّاحَاتِ
بلا مُنَازِعٍ
الشَّجَرُ تَقَصَّفَتْ ضَحِكَاتُهُ
والماءُ مَغلُولُ الفُؤادِ
فَعَمَّ تَسألُ؟!
عَنْ بَحرٍ مَصلُوبِ المَوجِ
عَنْ شُطآنٍ سَبَاهَا المِلحُ؟
أَمْ عَنْ أشرِعَةٍ
شَنَقَتْهَا الرِّيحُ
وأسماكٍ تَشَرَّدَتْ
على أرصِفَةِ الجَفَافِ؟
عَمَّ تَسأل؟!
والقِيَامَةُ
وَضَعَتْ أوزَارَهَا في جَهَنَّمُ.*
إسطنبول
* حَبلُ الودِّ..
أُسَاوِمُ صديقي
على حقِّي بالتَّنَفُّسِ
وعلى أن تَطَأ قدمايَ
الأرضَ
وعلى أن أرعى
شتائلَ الوردِ في دفتري
أُسَاوِمُهُ
على غيمةٍ تُظَلِّلُ دمعي
على نوعِّ السُّكِّينِ
التي سَتَجِزُّ أحلامي
صديقي
يَهتَمُّ بشأنِ مِشنَقَتي
يريدُ حبلاً غَلِيظاً
على جُذعِ الغُربَةِ
يُرِيدُ أن يَدفُنَ صوتي
تحتَ أحجارِ مِنبَرِهِ
ويُرِيدُ التقَاطَ الصُّوَرِ
لابتسامتي
وَهِيَ تَتَلَوَّى بنيرانِ سُخطِهِ
صديقي
الذي شَارَكتُهُ خُبزَ النَّدى
وأطعَمتُهُ حلوى الضَّوءِ
وَسَقَيتُهُ من ينابيعِ أغنياتي
صارَ حَارِسَاً على الوطنِ
اعتلى رايةَ الياسمينِ
وأصدَرَ أوامرَهُ بِنَزعِ اسمي
من سُجِلَّاتِ النَّشِيدِ الوطنيِّ
صادرَ هَوِيَّتِي
وأبجَدِيَّتي
ورماني بحُضنِ العَدَمِ.*
إسطنبول
* في وطني..
في وطني
لا ينتهي النَّهارُ
إلَّا وترتفِعُ الأسعارُ
وتَتَفَاقَمُ البَطَالَةُ
وَيَزدَادُ عَدَدُ المُحتَاجِينَ
وتَتَفَشَّى جَرَائِمُ الاغتِصَابِ
وَيَظهَرُ بَائِعُوا حُبُوبِ الهَلوَسَة
وَالمُخَدَّرَاتِ
وَتَتَضَاعَفُ أوكَارُ القِمَارِ
وَتُفتَحُ بِيُوتٌ أُخرى
لِلدَعَارَةِ واللِوَاطَةِ
وَتَشُبُّ الحَرَائِقُ
وَتَندَلِعُ المُشَاجَرَاتُ
يَسقِطُ القَتلَى
ويُسعَفُ الجَرحَى
وَتَصِلُ الشَّرِطَةُ مُتَأخِّرَةً
لِتَقبَضَ الرَّشوَةَ
فَيَتَحَوَّلُ البَاطِلُ إلى حَقٍّ
يُزَجُّ البَرِيءَ في السِّجنِ
وَتَبكِي الأرمَلَةُ على ابنِهَا
وَتُرمَى عَوَائِلٌ في الشَّارِعِ
لأنَّهُمْ عَجِزُوا عَنْ دَفعِ آجَارِ أقنَانِهِم
وَبَعضُ المَرضَى يَمُوتُونَ
لأنَّ الدَّواءَ لَمْ يُؤمَّنْ
وَهُنَاكَ فَتَيَاتٌ قَوَاصِر يُبَعنَ
لِعَوَاجِيزٍ غَفَلَ عَنهُم المَوتَ
وَسَتَحدِثُ حَوَادِثُ دَهسٍ
وسَرِقَاتٍ
وَخَطفٍ
وَتَنهَارُ عَمَارَاتٌ أثقَلَهَا المَشِيبُ
فَوقَ سُكَّانٍ ضَوَّرَهُم الاختِنَاقُ
وَيَلتَفُّ الفُقَرَاءُ بِخُشُوعٍ
حَولَ الزَّعِيمِ القَمِيء
يَتَبَارَكُونَ بِرِضَائِه
يَتَقَرَّبونَ مِنْ خُبزِهِ
وَرَغِيفُهُ عَصِيٌّ على أفواهِهُم
وَبُطُونِ صِغَارِهُم
وأنفَاسِ زَوجَاتِهِم
إلَّا لِمَنْ تَأكُلُ بِنَهدَيهَا.*
إسطنبول
* بَهْجَةُ النَّدى..
أَتَسَلَّلُ مِنْ دَمْعَتِي
أَمْشِي على أطرافِ لهفتي
أرمِي عَنْ كاهلي الجَزَعَ
وأتَّجِهُ إلى فضاءِ الوميضِ
لَنْ أعودَ لحضنِ اختناقي
سَأبْتَعِدُ عن سِيُولِ القَهْرِ
بِيَ رغبة للانعتاقِ
من مساماتي المتهدِّمةِ
سأفرِدُ أجنحةَ احتجاجي
وأحلِّقُ فوقَ جبالِ النَّجوى
وأنادي على مِزَقِ صوتي
على رمادِ قامتي
وأثمالِ ضحكتي النَّاحبةِ
وأرمي بهذهِ الأرضِ
في شقوقِ العدَمِ
لَنْ أتركَ لها دروباً للعودَةِ
سِأَسُدُّ عليها منافِذُ الموجِ
هُنَا..
في عراءِ المدى
سَتُطِلُّ عليَّ نوافذُ الابتسامِ
هُنَا..
عندَ سفوحِ البَوْحِ
وَجَدْتُ قيثارةَ أنفاسي
أشْتَمُّ عَبَقَ الضَّوءِ
أتذوَّقُ طعمَ الحُلُمِ
وأمسِكُ بكلِّ عنفوانٍ
بَهْجَةَ النّدى.*
إسطنبول
* أصـابِعُ الأَصْدِقـَاء..
حِيْنَ تَعَثَّرْتَ بِمُكْرِهِمْ
تَكَالَبَتْ على عُنْقِكَ
أَصَابِعُ الأَصْدِقَاء ِ
وَرَاحَتْ تَعْبُـثُ بِجِرَاحِـكَ
وَتَسْخَرُ مِنْ نِدَاءِ دُمُوعِكَ
الَّتِي مَدَّتْ إلَيْهِم حُرْقَتَـهَا
نَصَبُوا لِضُحْكَتِكَ مَكَائِدَهُمْ
زَرَعُوا في دَرْبِكَ شَيَاطِيْنَهُمْ
حَاصَرُوْكَ بِالدَّسَائِسِ وَ المُؤَامَرَاتِ
وَسَلَّطُوا عَلَيْكَ الشَّائِعَاتِ
وأنتَ مُذْ سَكَبْتَ رُوحَـكَ
في أَكُفِّهِمْ
سَلَّمْتَـهُـمْ رِحَـابَ آفَاقِكَ
وَفَتَحْتَ لَهُمْ أَبْـوَابَ نَبْضِكَ
لِيَأْكُـلُوا مِنْ ثِمَارِ قَصَائِـدِكَ
عَلَّمْتَهُمْ كَيْفَ يَسْتَظِلُّون بِالحُرُوفِ
وَكَيْفَ تَنْمُو اليَنَـابِيْع ُ
على أَجْنِحَةِ الكَلِمَاتِ
لَكِنَّ صدَى لَهْفَتِكَ
نَحْوَ خُطُوَاتِكَ
حَجَرٌ يَقْذِفُ ضـَوْءَكَ
سَيْفٌ يَجِزُّ مَطَرَكَ
حِـقْـد ٌ يَنْغَرِزُ بِظَهْرِ هَمَسَاتِكَ
أَشْعَلُوا مَجَاذِيفَ أَيَّامِكَ
وَهَدَمُوا سَمَاءَ صَهِيْلِـكَ
والآنَ..
هُمْ يَعُضُّونَ خَيْبَـتَـهُمْ
وَيَذْرُفُونَ الغَـيْرَة َ
عُيُونُـهُـمْ طَـافِحـة ٌ بِالجُنـُونِ
يَتَسَلَّقُونَ النـَّارَ
وَيَسْتَنْكِرونَ عَلَيْك َ السُّطُوعَ.*
إسطنبول
* قَسَـمَاً سَنَعـُودُ..
قُـلْ لِحُلْمِـكَ
أَنْ لا يَضْمُرَ
أو يَخْتَفِيَ
فَبَعْدَ السُّقُوْطِ
نُهُوْض ٌ
هَكَذَا عَلَّمَتْنِي العَاصِفَة ُ
سَتُوْرِقُ الضُّحكَة ُ
في بَسَاتِيْنِ اليَبَاسِ
حِيْنَ النَّـار ُ
تَشِبُّ في عَرَائِشِ الهَزِيْمَةِ
لَنْ يَكُونَ القَمَر ُ
نَزِيْلاً في الأقبِيَةِ
وَلَنْ يَكُوْنَ الماءُ حَطـَبَاً
في تَنُّـورِ السَّرَابِ
قَسَمَاً سَتُثْمِرُ الجِرَاحُ
وَيَنْبَلِجُ السـَّلامُ
وَيُرَفْرِفُ عَلَـمُ المطَرِ
فَوْقَ سَمَـاءِ الطُّفُوْلَةِ
المَوْجُ قَادِم ٌ
مِنْ صَهِيْلِ الأُمْنِيَاتِ
وَالقَصِيْدَةُ
سَتَفْتَحُ أَبْوَابَـهَا
لِكُلِّ مَنْ تَشَرَّدَ
عَنْ حُضْنِ النَّدَى
سَنَدخُلُ المَدِيْنَةَ آمِنِيْنَ
وَتَسْتَقْبِلُنَا شَبَـابِيْكُ الذِّكرَيـَاتِ
وَ سَيَرقُصُ اليَاسَمِيْنُ
حِيْنَ تُعَانِقُنَا أَبْوَابُ بُيُوتِنَا
المُهَدَّمَةِ
قَسَمَاً سَنَعُوْدُ
وَلَوْ على أَقْدَامِ التَّوَابِيْتِ
أَوْ على ظَهْرِ المُحَالِ
وَسَنَحمِلُ في عُرُوْقِنَا
أَجُنَّةَ الثَّورَةِ الخَالِدَةِ
لَنْ يَكُوْنَ لِلْظَالِمِ جُذُوْر ٌ
مَهْمَا تَغَلْغَلَ
في قَذَارَةِ الخِيَانَةِ
وَمَهْمَا تَوَغَّلَ
في استِبَـاحَةِ قَتْلِـنَا
سَنَبْقَى
رَغْمَ أَنْفِ الموت
شَوْكَةً
في عُيُوْنِ الصَّامِتِيْنِ.*
إسطنبول
* ذَاتَ مَوتٍ..
أذكُرُ أنِّي
كُنتُ أركُضُ خَلفَ غَيمَةِ عِطرٍ
إنبَعَثَتْ مِنْ هَودَجِ النُّورِ
وَهَيَ في طَرِيقِهَا إلى الجَامِعَةِ
كَانَتْ أحجَارُ الأرصِفَةِ
تُوشِكُ عَلى مُلاحَقَتِهَا
لَكِنَّنِي كُنتُ أسرِع بِالدَوسِ عَلَيهَا
لِأُثَبِّتَـهَا بِمَكَانِـهَا
حَتَّى أنَّ الأشجَارَ المُنبَثِقَةَ مِنْ بَينِ العَمَارَاتِ
كَانَتْ تَضَّطَرِبُ أنفَاسُـها
وَتَمُدُّ بِأعنَاقِ أغصـَانِـهـا
نَحوَ الأنفَاسِ المُضِيئَةِ
وَكُنتُ أهَدِّدُ بـِإحـرَاقِ الفُصُولِ
إنْ تَجَاسَرَ أحَـد ٌ في الدُّنيَا
على مُنـَافَسَتِي في حُبـِّـهـا.
هِيَ نَهـرُ الفَرحَةِ
في حُقُولِ عُمرِي
هِيَ قِيثَارَةُ أبجَدِيَّتِي
وَخَيمَةُ نَبضِي
في عُنُقِهَا يَسكُنُ المـَدَى
وَمِنْ شَفَتَـيهَا يَبدَاُ احتِرَاقِي
وَكُنتُ أحَاذِي بَهَاءَ ظِلالِـهَا
أقتَرِبُ مِنْ سَمَـاءِ فِتنَتِهَا
وَأتَنَفَّسُ مَا يَتَنـَاثَر ُ مِنهَا
مِنْ نَدَى مُبَرعَـم ٍ بِالجُنُونِ
أطلُـبُ مِنَ الشَّمسِ
أنْ تَغمُـرَها بِدِفءِ حُبِّي
وَأقُولُ لِلطَرِيقِ:
- تَزَوَّدْ بِالرِفعَةِ
وَتَعَلَّمْ كَيفِيَّةَ احتِرَامِ المَارَّةِ
فَهِيَ أنقَى مَنْ عَبَرَ مَسَارَكَ
وَأجمَلَ مَنْ رَفرَفَتْ بِأقدَامِهَا فَوقَـكَ
هِيَ نَبِيذُ المَسَافَاتِ
كُوثَرُ الوَقتِ
قَصِيدَةُ الرَّحِيقِ
غَيمَةُ الحُلُمِ
مُفتَاحُ الأمَانِي
وَكَانَتْ لا تَلتَفِتُ
لِجَلَبَةِ دَقَاتِ قَلبِي!
لا تَرَى دُمُوعَ لَهفَتِي!
لا تُحِسُّ بِتَكَسُّرِ لُهَاثِي!
تَمشِي ..
على شَهقَةِ أوجاعِي!
تَدُوسُ على عُشبِ آهَتِي!
وَتَعبُرُ نَحوَ نِهَايَةِ الحُدُودِ!
حَيثُ
سَأتَوَقَّفُ قُربَ دَمعَتِي!
تُحِيطُنِي جِرَاحِي
وَتُمسِكُ بِيَدِي خَيبَتِي
أَتَطَلَّعُ
إلى بـَابٍ مُغلَقٍ
لَنْ يُفتَحَ بِوَجهِي
مَهمَا طرَقَتهُ قَصَائِدِي!*
إسطنبول
* قَاتِلِي مَشهُودٌ لَهُ بِالتَّحَضُّرِ!!!
أعتَلِي دَمعَتِي
لأصعَدَ دَرَجَ التَّشَرُّدِ
وأطُوفَ على جُرحِ خُطَايَ
في بَاطِنِ آهَتِي أحمِلُ قَبرِي
وَبِدَاخِلِ حُرقَتِي أُهَرِّبُ جُثَّتِي
أتَلَفَّتُ في زَحمَةِ الظُّلمَةِ
عَلَّ ضَوءاً يَستَظِلُّ بِوِحشَتِي
وأنَادِي
بِكُلِّ مَا أوتِيتُ مِنْ عَجزٍ:
- تَوَقَّفْ يَا خِضَمَّ السَّرَابِ
خُذنِي إلى مَأوى الغِيَابِ
أختَبِئُ فِيهِ مٍنْ بَطشِ قَاتِلِي
سَلَبَنِي وَطَنِي وَمَا زَالَ يُلاحِقُنِي!!
جَزَّ عُنُقِي وَلَمْ يَهدَأ حِقدُهُ!!
إغتَصَبَ كَرَامَتِي
وَيُرِيدُ أنْ يَثأرَ!!
فَتَكَ بِأبجَدِيَّتِي وَيُلاحِقُ صَمتِي!!
شَرِبَ كَامِلَ دَمِي
وَلا زال يَابِسُ الشَّفَتِينِ!!
أَخَذَ مُستَقبَلِي
وَظَلَّ طَامِعاً بِنِهَايَتِي!!
يُرِيدُ مِنَ التَّارِيخِ
أنْ يَنتَزِعَ جُذُورِي!!
يَفرِضُ على الأرضِ
أنْ لا تَحمِلَ اختِنَاقِي!!
قَاتِلِي يُبِيدُ البَحرَ
إنْ أشفَقَ عَلَيَّ بِمَوجَةٍ!!
وَيُمَزِّقُ زُرقَةَ السَّمَاءِ
إنْ ظَلَّلَتنِي بِغَيمَةٍ!!
وَيُسَانِدُهُ مَجلِسُ الأمنِ!!
وَمُنَظِّمَاتُ العَدلِ!!
وَكُلُّ أحزابِ الدِّيمُقرَاطِيَّةِ!!
قَاتِلِي..
أرَادَ قَتلَ اللهَ
لِأَنَّهُ خَلَقَنِي!!*
إسطنبول
* قَوَانِينُ النَّدَى..
...ثُمَّ اقتَرَبتُ مِنْ مُرتَفِعَاتِ الغِيَابِ
يَدِي على يَبَاسِ الوَمِيضِ
قَدَمِي على سَقفِ الرَّحِيلِ
وَأجنِحَتِي تُرَفرِفُ
فِي فَضَاءِ التَّبَعثُرِ
وأرَانِي مِنْ جَوفِ الظَّلامِ
أوقِدُ نَوَافِذَ صَخَبِي
وَأُطَيِّرُ أسرَابَ الدُّروُبِي
عَلَّ السَّمَاءَ تَقطُفَ حُرُوفِي
وَيَبتَلُّ خَرَابُ الغَيمِ
لِيُمطِرَ الصَّمتُ
مَا بَشَّرَ بِهِ السَّرَابُ
مِنْ مُدُنٍ جُدرَانُهَا مِنْ شَهَدِ
الخُبزِ
تَحكُمُهَا قَوَانِينُ النَّدَى
وَيَرأسُهَا صَهِيلُ العَدلِ.*
إسطنبول
* رَسـَائِلُ النَّـدَى..
اِلْتَقِطْ خُبـزَكَ مِنْ يَدِ الرَّصَاصِ
وَاملأْ كَأُسَـكَ مِنْ إكسِيرِ الخَرَابِ
وَنَمْ وَأطفَالُكَ تَحتَ لِحَافِ الهَلاكِ
تَدَثَّروا بالصَوَاعِقِ المُتَفَجِّرَةِ
وَقُلْ لِحُلْـمِـكَ
أنْ لا يَعبُرَ حُدُودَ الانطِفَاءِ
هُنَا مَرقَدُ صَوتِـكَ
وعَلَى جِذْعِ الدَّمـَارِ سَيُحرَقُ نَبضُـكَ
وَتَمُوتُ اليَنَابِيعُ فِي صَهِيلِ اْمتِدَادِكَ
رَمَـوكَ فِي بـئْـرٍ وَقَالوا:
– سَنُـمِـدُّكَ بِالأشرِعَةِ.
سَرَقُوا مِنكَ الفَضَاءَ
وَرَسَمُوا عَلَى خَيبَتِـكَ الأجنِحَـةَ!
حَطُّوا عُنُـقَـكَ على المَـذبَحَةِ
وَقَالوا لِلسُّكِّـينِ:
- كُونِي بَردَاً وَسَلامَاً على دَمِ السُّورِيِّ .
أينَمَا تَوَجَّهتَ
تَجِدُ بِانتِظَارِكَ مَصيَدَةً
وَصَرَخَاتُكَ لا تَحمِلُهَا الرِّيحُ
وَدَمعُكَ مَزَّقَتْهُ المَخَالِبُ
والسَّمَـاءُ لا تُبصِرُ المُكَبَّلِينَ
في قِعرِ الظِّلمَةِ
قُلُوبُ أخوَاتِـكَ قُدَّتْ مِنْ شَرٍّ وَحَجَرٍ
وَمَجلِسُ الأمنِ يُثَمِّنُ لَكَ
قُدرَتـَكَ على تَحَمُّلِ كُلِّ هَذا المَوتِ!
هَذَا الكَونُ كَافِرٌ
وَأنتَ تَحمِلُ آيـَاتِ المَحَبَّـةِ!
هَذا العَالَمُ مَيِّتٌ
وَأنتَ تُهَرِّبُ في دَمِكَ
بِذرَةَ الحَيَاةِ!
في آخِرِ المَطَافِ
سَيَتعَبُ المَوتُ
وَيَنسَحِبُ..
بَلْ وَسَيَعتَذِرُ مِنكَ
وَسَتَنتَشِرُ رَسـَائِلُ النَّدَى
عَلَى اليَبَاسِ والتَّصَحُّرِ
و يَعُـمُّ بَيَاضُ اليَاسَمِينِ.*
إسطنبول
* نُزُوح..
حِينَ وَدَّعتُكِ..
أغمَضَتْ أصَابِعِي ارتِعَاشَهَا
وأطفَأتْ رُوحِي شَمسَها
وَكَانَ دَمِي خَارِجَ نَبضِي
وَجَوَارِحِي تَهَدَّمَ بُنيَانُهَا
حِينَ وَدَّعتُكِ..
كُنتُ أرتَمِي دَاخِلَ قَبرِي
وَأتَهَاوَى فِي جُنُونِ الجَحِيمِ
وَكَانَتْ دَمعَتِي تَطفُو على اختِنَاقِي
آهَتِي تَرتَطِمُ بِانكِسَارِي
شَهقَتِي تُدَوِّي فِي يَبَاسِي
حَمَلَتْ خُطَايَ الأرضُ
وَالسَّمَاءُ تَرَاكَمَتْ عَلَى أجنِحَتِي
كَانَ الهَوَاءُ يَلطِمُ الصَّمتَ
والشَّجَرُ يَتَقَصَّفُ نَدَاهُ
رُبَّمَا كَانَ الكَونُ لَحظَتَها يَتَفَتَّتُ
وَالمَدَى قَدْ أقدَمَ عَلَى الِانتِحَارِ
حِينَ وَدَّعتُكِ..
تَمَكَّنَ المَوتُ مِنِّي
وَقَصَائِدِي صَبَّتِ النَّارَ عَلَى جَسَدِهَا اللَدِنِ
وَكَانَ الخَرَابُ
قَدْ أسبَلَ عُيُونَ المَدِينَةِ
وَلَمْ تَكُنْ الفَرحَةُ
حَاضِرَة ً
إلَّا عَلَى شِفَاهِ الحَربِ
وَأنيَابِ القَتَلَة.*
إسطنبول
* مَزمُورُ الخَلاصِ..
...وَيَسألُنَا الأفُقُ
إلى أينَ سَتَرحَلُونَ؟!
وَمَا عَادَ لِلعَدَمِ مِنْ مُتَّسِعٍ
وَجَهَنَّمُ شَاغِرَةٌ بِالمُشَرَّدِينِ
وَأبوَابُ الجَنَّةِ مُقفَلَة ٌ
بِأمرٍ مِنَ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ
لا مَكَانَ لَكُمْ على ظَهرِ السَّدِيمِ
حُرِّمَ عَلَيكُمُ الخُبزُ والزَيتُون ُ
وَحَنَاجِرُكُم لا تَتَنَاسَب ُ مَعَ رُطُوبَةِ المَاءِ
أنتُمُ مَا زَادَ عَنِ الخَلِيقَةِ!
الكَونُ لَمْ يَتَجَهَّز ْ لاستِقبَالِكُم
فَاذهَبُوا إلى التَّلاشِي
وَلا تَتَجَاسَرُوا عَلَى المُطَالَبَةِ بِقُبُورٍ لَكُم
هَذَا التُّرَابُ لا يُرِيدُكُم
هَذَا الاختِنَاقُ ضَاقَ بِكُم
وَهَذَا البَحرُ سَيَقضِمُ أعنَاقَكُم
إنْ تَبَلَّلَ بِأحلامِكُم
خُذُوا دَربَ الفَنَاءِ مَطِيَّة ً
وَاصعَدُوا صَوبَ الخَاتِمَةِ
وَحَاذِرُوا أنْ تَقطِفُوا نَسمَة ً
أوْ أنْ تَلمِسُوا خُصلَةَ نَدَى
أنتُمُ اللاشَيءَ فِي هَذِهِ الدُّنيَا
لا أمكِنَةَ تَذرِفُون فِيهَا دُمُوعَكُم
لا أقبِيَةَ تَركِنُون بِهَا أوجَاعَكُم
وَأجسَادُكُم ما عَادَتْ تُثِيرُ الضَّوَارِي
فَاذهَبُوا يَا رُعَاعَ سُورِيَّةَ المُزعِجِينَ
مَا أثقَلَ دَمَكُم عَلَى الدُّوَلِ المُتَحَضِّرَةِ؟!
وَمَا أغلَظَكُم حِينَ يَجتَمِعُ القَادَةُ
لِلبَحثِ عَنْ مُؤامَرَةٍ جَدِيدَةٍ تَخُصَّكُم؟!
كُونُوا حَطَبَاً لِلتَارِيخِ
لِكَي نَذكُرَكُم بِالخَيرِ
وَدَعُوا عِظَامَكُم تَحظَى بِأجمَلِ التَّجَارِبِ
مَعَ أحدَثِ مَا يُنتَجُ مِنَ الأسلِحَةِ
سَيَكُونُ لَكُم شَأنٌ
وَسَيَكُونُ مِنْ حَقِّكُم عَلَينَا
أنْ نَقرَأَ عَلَى أروَاحِكُم
مَزمُورَ الخَلاصِ.*
إسطنبول
* مَرَحُ العَسَلِ..
وَعَلَيَّ أَنْ أُواجِهَ فُرَاقَكُم
وَحدِي!!!
أكُونُ بِمُفرَدِي
حِينَ سَتُقتَلَعُ مِنِّي رُوحِي!!!
كَيفَ سَأحتَمِلُ هَذَا المَوتَ؟!
وَقَلبِي سَيُمَزِّقُ نَبضَهُ
وَيَمشِي عَارِيَاً
سَتَدُورُ الجِهَاتُ
وَتَحتَرِقُ الدُّرُوبُ
وَسَتَخمُشُ السَّمـَاءُ غُيُومَهَا
والأرضُ سَتَتَشَبَّثُ بِظِلالِـكُم
الهَوَاءُ سَيَنتَحِرُ
والشَّمسُ سَتَعتَرِيهَا الكآبَةُ
يا اللهَ!!!
سَيَأخُذُنَ دَمِي مِنْ أورِدَتِي
يا اللهَ!!!
سَيُبعِدنَ صَوتِي عَنْ حَنجَرَتِي
كَيفَ لِيَ أنْ أختَلِيَ بِاللَيلِ
واللَيلُ ثَرثَارٌ وَصَرِيح ٌ؟!
وَمَاذَا أقُولُ لابتِسَامَتِي
إنْ صَادَفتُهَا؟!
أو مَاذَا أقُولُ لِدَمعَتِي
التِي سَتَحفِرُ فِي عِظَامِي مَجرَاهَا؟!
لَجَأنَا إلَيهِمُ
لِيَنثُرُونَا على بِقَاعِ الاختِنَاقِ!!!
مَدَّدنَا إليهِم أيَادِينَا
لِيَبتِرُوا السَّنَابُلَ مِنهَا!!!
احتَمَينَا
بِمَنْ أشعَلَ النِّيرَانَ بِمَصِيرِنَا!!!
أُقتُلُونِي ألفَ مَرَّةٍ
ولا تُبعِدُوا أغصَانَ فَرحَتِي عَنِّي
لَكُم جَسَدِي صَادِرُوهُ وَفَجِّرُوهُ
لَكِنْ لا تَبعِدُوا وَحِيدَتِي عَنِّي
هِيَ فَرَحُ قَصِيدَتِي
وَهِيَ مَرَحُ العَسَلِ
وَقَامَةُ اليَاسَمِينِ
وَهَدِيلُ أشجَانِي.*
إسطنبول
* جِهَةُ الشَّمسِِ..
أندَسُّ في أحشَاءِ الظِّلمَةِ
أتَغَلغَلُ في حُضنِ الوَقتِ
وعلى أطرَافِ ارتِعَاشِي
تَتَوَغَّلُ أنفَاسِي
في شُقُوقِ السَّكِينَةِ
أبحَثُ عَنْ مَلاذٍ لِتَهَدُّمِي
وَمَخبأٍ لاحتِرَاقِي
فَأنَا غَارِقٌ في اْلِانْدِثَارِ
وَمَحكُومٌ بِالتَّشَتُّتِ
في أصقَاعِ الفَجِيعَةِ
وَبِصَحرَاءِ المَوت ِ
أزحَفُ فَوقَ آهَاتِي
أجُرُّ نَزفِي
أحمِلُ أثقَالَ غُربَتِي
وَأمسِكُ بِحَبلِ السُّرَّةِ لِلتُرَابِ
يَا هَذَا المَوجُ القَادِمُ مِنَ الغُبَارِ!
يَا هَذَا الرَّعدُ المُنبَثِق ُ مِنَ الخَرَابِ!
وَيَا ذَاكَ الصَّاعِدُ مِنْ عَطَشِ السَّرَابِ!
إنَّ المَوتَ يُورِقُ
فِي سَمَاءِ بِلادِي!
إنَّ الشَّجَرَ يُثمِرُ القُبُورَ!
وَأرى النَّسَائِمَ تَتَهَالَك ُ
عَلَى شَفَتَيَّ وَردَةٍ!
والنَّدَى يَلعَقُ وَخَزاتِ الشَّوكِ!
الأرضُ تَعَرَّتْ مِنْ عُشبِهَا!
والسَّمَاءُ فَقَدَتْ عُذرِيَّةَ الغَيمِ!
كُلُّ مَا هُوَ مُمتَدُّ ..تَقَلَّصَ!
كُلُّ مَا هُوَ مُرتَفِعُ .. تَهَاوَى!
وَكُلُّ مَا كُنتُ أطمَئِنُّ إلَيهِ
صُرتُ أخشَاهُ!
فَالبَحرُ يَنصب شِبَاكَهُ لِلمَرَاكِبِ!
وَالمَاءُ يَغرِزُ مَخَالِبَهُ في الحَنَاجِرِ!
والقَمَرُ
هَذَا المُتَلَصِّصُ اللَعِينُ
دَلَّ على جِهَةِ الشَّمس ِ
فَاكتَظَّتِ الحُرُوبُ
على سِعَةِ الشَّرقِ!*
إسطنبول
* أجراسُ النَّدى..
أَقرَعُ أجراسَ الكَلِمَاتِ
يَسمَعُنِي دَمعُ الذَّبِيحِ
المُسَجَّى على قَارِعَاتِ الرِّيحِ
وَيَسقُطُ قَلَمُ الهَوَاجِسِ
مِنْ يَدِ النَّارِ
وَتُلَملِمُ أوراقُ الصَّمتِ
كُلَّ ما كَتَبَتهُ دَهشَةُ الغَيمِ
يا صَوتَ النَّزِيفِ
آهٍ لو تَعتَلِي قُبَّةَ السَّكِينَةِ
وَتُنَادِي على مَنْ تَغَيَّبَ
عَنْ اشعَالِ النَّدَى
في قِفَارِ اللَيلِ
وَأَقفَالِ الكَلامِ
هَذِهِ السَّحَابَةُ لَيسَتْ مَملَكَتِي
لأقيمَ فِيهَا الوَلائِمَ والأعرَاسَ
إنَّمَا أنا أسكُنُ
شُعلَةَ الكَلِمَاتِ النَّبِيلَةِ
فَتَعَالَ يا بَرقُ
لأدُلَّكَ على مِرقَدِ لَهِيبِي
إنِّي أتَضَوَّرُ مَوتَاً
كُلَّمَا امتَدَّ بِي الدَّربُ
وَوَجَدتُ وَطَنِي مَخلُوعَ الأبوابِ
وَمُوَزَّعَ الأخضِرَارِ
وَعَارِيَ السِّيَادَةِ
لا يَحيَا وَطَنٌ لا تَجري فيهِ الرِّيحُ
ولا تَعتَلِي قَامَتَهُ الشَّمسُ
لا تَلِدُ الحُرَّةُ حُرَّاً
إلَّا مِنْ فَارِسٍ حُرٍّ
فَاقْرَعْ جَرَسَ النَّدَى
لِيَأتِيكَ العُشبُ عَاشِقَاً
ولا تَنصَرِفْ
عَنْ دَمعَةِ عَطَشٍ
أنتَ اليَومَ صَهِيلُ الجِهَاتِ
تَتَرَبَّعَ عَرشَ القَصِيدَةِ
يا شَاعِرَ الأسرَابِ
الطَّرِيدَةِ.*
إسطنبول
* حِوَارِيَّةُ المنفَى واللاجِئ..
...وَكَانَ الدَّمعُ
يُكَفِّنُ مَا يَمُوتُ مِنْ قَامَتِي
وَيَحفِرُ فِي دَمِي قَبرَاً
لِضُحكَةِ النَّدَى المَغدُورِ
وعَلَى امتِدَادِ غُربَتِيَ
لَمْ أرَ رَفِيفَ نَسمَةٍ
تَقتَرِبُ مِنْ لَهِيبِ لَهفَتِي
كُلُّ الجِهَاتِ أسدَلَتْ سَرَابَـهَا
وَأقفَلَتْ سَوَادَ الدُّرُوبِ
لا يَرَانِي القَمَرُ مَهمَا تَقَافَزتُ
وَلَوَّحتُ لَهُ بِاختِنَاقِي
لأنِّي تَحتَ قِشرَةِ الصَّمتِ
والشَّمسُ لا تُبصِرُ ارتجَافِي
مَهمَا استَعَرَ البَردُ في قَصِيدَتِي
لأنَّ السَّماءَ مُتَوَعِّكَةُ السُّحُبِ
المَنفَى يَستَنكِرُ خُطُوَاتِي
تَصرِخُ تَضَارِيسُهَ بِي:
- مِنْ أيَّ بَلَدٍ أنتَ؟
وَلِمَ أنتَ فَارٌّ كَالأرنَبِ؟!
لَـعَلَّكَ نَادَيتَ بِالحُرِّيَةِ
وَأغضَبتَ السُّلطَانَ!!!
اذهَبْ مِنْ هُنَا
مَلعُونٌ أنتَ
وَمَلعُونٌ كُلُّ مَنْ يَتَجَرَّأُ
وَيُطَالِبُ بِجَنَاحَيهِ
فَلا أجنِحَةَ لِلمُواطِنِ
على مَرِّ الزَّمَانِ.
فَأصرَخُ بِأعلَى أوجَاعِي:
- لا أيَّتُهَا البَرِّيَةُ الجَردَاءُ
أنَا وِلِدتُ بِأجنِحَةٍ مِنْ وَردٍ
وَكَانَ لِي صَوتٌ مِنْ نُورٍ
وَقَلبٌ يَسطَعُ بِالحُبِّ
يَدِي مَرجٌ
خُطَايَ مَوجٌ
وَعَينَايَ الضُّحَى
مَهدِي كَرَامَةٌ
بَيتِي عِزَّةٌ
زُوَّادَتِي الكُبرِيـَاءُ
وأنَا في الأرضِ السَّيِّدُ
وَفِي البَحرِ الفَارِسُ
وفي السَّماءِ القُبطَانُ
لا يَلِيقُ بِيَ الإذلال ُ
ولا تُنَاسِبُنِي القُيُودُ
لأنِّي ظِلُّ اللهِ في الدُّنيَا
دُرَّةُ الخَلقِ أنَا
زِينَةُ الكَونِ
مِصبَاحُ العُذُوبَةِ
نَشِيدُ المَلائِكَةِ
صَاحِبُ الجَنَّةِ
فَمَنْ أعطَى لِلمُستَبِدِّ
حَقَّ استِعبَادِي؟!
ومَنْ سَمحَ لِلجَحِيمِ
القُدُوم َ إلى وَطَنِي؟!
وَالوَطَنُ ضُحكَتُنَا
وَالوَطَنُ رِقَّتُنَا
وَالوَطَنُ سُورُ الدِّفءِ
نَنَامُ في حُضنِهِ
وَنَحيَا بِكَنَفِهِ
وَتَحتَ رَايَةِ مَجدِهِ نَمُوتُ
مُظَلَّلِينَ باسمِهِ ونَدَاهُ.*
إسطنبول
* قَصِـيْدَتِي مَقْبَـرَتِي..
أُعَمِّـرُ لِقَصِيْدَتِي أَجْنِحَـةً
لِكَيْ تَغُوْصَ فِيْ لُجَجِ الرُّوْحِ
مِنْ دُوْنِ أَنْ تُطَارِدَها
أَشْوَاكُ العَتَـمةِ
أَوْ يُهَاجِمـَهـا غُبـَارُ القُلُوْبِ
وَلِكَيْ لَاْ تُعْتَقَل َ
على حَواجِزِ الصَّقِيْعِ
قَصِيْدَتِي هَمْـسُ احْتِـرَاقِي
وَأَنِيْنُ يَنَـابِيْـعِي
أَكْتُـبُ ضِحكَتِي على بوَّابَـةِ الشُّطْآنِ
وأرْسـُـمُ طُفُوْلَتِي على حَـائِطِ
الحِـرمـَانِ
وَأُشْعِلُ صَرْخَتِي على مَوَاقِدِ
النِّسْـيَانِ
أَنَا أُضَلِّلُ الْجِهَاتَ عَنْ مَوَاعِدِي
وَأُخَادِعُ السَّمـاءَ
حِيْنَ أَمُـرُّ مِنْ تَحْتِ الظِّلالِ
لِأُهَرِّبَ خُـيُوْلَ قَصِيْدَتِي
إلى أُفُقٍ لا تَحـُـدُّهُ أَسـْوَار ٌ
أَبْحَثُ عَنْ فَضَاءٍ لا يَتَسَلَّقُـهُ
اخْتِنَـاق ٌ
وَعَنْ بَحْـرٍ لا يَغْـدُرُ أَمْوَاجَهُ
قَصِيْدَتِي لا تَأْمَنُ لِلْدَفـَاتِرِ
لِتَسْتَلْقِيَ عَلَى أَسْطُرِهَـا
وَلَاْ تُسَلِّـمُ عُنُقَـهَا لِلأَقـْلامِ
لِتَخُطَّ شُمُوْسَـها
وَأَكْثَرُ مَا يُرْعِبُهَا التَّصْفِيْقُ الحَادُّ
إنَّهَا تَأْنَسُ لِأَجْنِحَةِ الفَرَاشَاتِ
وَلِأَثـْوَابِ النَّدى المُزَرْكَشَةِ
وَأصَابِعِ الصَّدَى الحَالِمَاتِ
أَكْتُـبُهَا على أَوْرَاقِ الفَجْرِ المُتَفَتِّقِ
حِيْنَ يَنَامُ الكَلَامُ الغَبِيُّ
وَيَسْتَيْقِظُ شَغَفُ الدَّمِ
في عُرُوْقِ الحَنِيْنِ
قَصِـيْدَتِي مَخْبَئِيَ السُّرِّيّ ُ
حينَ تُحَاصِرُنِي الدروبُ
وَخَنَاجِرُ الأَصْدِقَـاءِ تَهْتِفُ بِاسْمِي
قَصـِيْدَتِي مَقْبـَرَتِي
يَوْمَ الأَغْـرَابُ الذِّئَـابُ
يَمْتَطُوْنَ لُغَتِي
فِيْ سُـوْقِ السِّيَاسَةِ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - تقديمالأستاذة: غزلان شرفي.
02 - نشيد التكوين
03 - أطراف الريح
04 - لسان العاصفة
05 - مراكب الفجر
06 - نفق الحطام
07 - سافترض
08 - شرفات الياسمين
09 - الطموح
10 - طاعن بالتفاهة
11 - لجوء
12 - نشيدنا القوميّ
13 - هتاف الإندلاع
14 - حب شاهق الدلالة
15 - عمّ تسأل؟
16 - حبل الود
17 - في وطني
18 - بهجة الندى
19 - أصابع الأصدقاء
20 - قسماً سنعود
21 - ذات موت
22 - قاتلي مشهود له بالتحضير
23 - قوانين الندى
24 - رسائل الندى
25 - نزوح
26 - مزمور الخلاص
27 - مرح العسل
28 - جهة الشمس
29 - أجراس الندى
30 - حوارية المنفى واللاجئ
31 - قصيدتي مقبرتي
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

















تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى