كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (تلابيب الرّجاء).. مجموعة شعريّة

//مقدمة لديوان ((تلابيب الرّجاء))..
للشاعر والأديب السوري ..
(مصطفى الحاج حسين).
(قراءة من المغرب الأقصى..
لشلال جمال متدفق)
بقلم الكاتبة : مجيدة السّباعي.


ألف تحية وسلام لهذا الدفق الشعري العذب السلسبيل، لهذه النوتات السحرية، والمعزوفات الأنيقة المبهرة ذات الجمال الخرافي، المتدفّقة بهاءً والمنهمرة سحراً والمذهلة صدقاً، لشاعر قديراستثنائي، ضليع في الحرف العربي الجميل، جادَ به الزمان مرّة واحدة وعزّ بمثله، ارتشف رحيق الإبداع الخالد حتّى النخاع، وتربع مزهواً عرش الإبداع الشعري، إنه الأديب مصطفى الحاج حسين، فكيف يا ترى سيخشى النزال؟ وهو يحلق مهاجراً على صهوة السحاب بأجنحة سناء في فضاءات بديعة، يتأرجح على هودج القصيد المذهل؟!!!
يقول في قصيدته ((مملكة النّدى)) التي بثها في هذا الديوان:
وتكشّفَ رمادُ النّدى
في بحّةِ الآنداءِ السّقيمةِ
الجرحُ يتلظّى بملحِ المرارةِ
الأرضُ تثغو لنارِ الخيبةِ
في ارتجافِ غربةِ المعنى
يرتطمُ بي حائطُ الوقتِ
يسألني عن عمرِ التَّنهيدةِ
يجيبُ عنِّي السّدى السَّرمدي
غبارُ الذّكرياتِ يدقُّ لي
أعمدةَ السَّديمِ
لأعلّقَ عليها جثثَ المسافاتِ
القاتمةِ
في فضاءِ صمتي
تتآمرُ عليَّ الظُّنونُ
تريدُ أحشاءَ ينابيعي
ينكروني الماءُ الموّزعُ
على عشبِ لهاثي
حينَ يقطرُ خراباً
فوقَ وميضِ اشتهائي
أسابقُ أجنحةَ الهاويةِ
أعدو صوبَ تِلالِ الغيومِ
لي شفقٌ هناكَ
سأدثّرُهُ بأعطافِ هواجسي
وأزيلُ الموتَ عن يباسِ الضُّحى
أضحكُ من قهرٍ تخلّصتُ منه
ومن صحراءِ الجنون.
نعم بسخاء حاتميّ أهدى ديوانه، فجاء جميل القسمات شفيفاً ثريّاً بقصائد حبلىٰ بالبهاء، مضمّخة بشذىٰ الياسمين، موشّاة بمسك الليل حالمة بلون الجلنار، ثملة بهمسات لا كالهمسات، بل تغار منها كلّ الهمسات.
ويقول في قصيدة هي ملحمة من ملاحم الهمسات العذبة المؤلمة في آنٍ معاص:
((عبّأتْ جيوبَ الليلِ بالهمساتِ
وأهدَتْ نوافذَ القلبِ
الدّفءَ والحنان
وَزَّعَتْ في صحراءِ الوحشةِ
شتائلَ الأملِ والزّعفرانِ
وصارتِ الأيّامُ تبتسمُ
ما عادَ للشّكوى مكان
ولا عادتِ الوحدةُ ترثي نفسَها
أخذتْ كلّ السّهوبِ
سرقَتْ كلّ الدّروبِ
واستحوذتْ على كنوزِ الينابيع
وباعَتْكَ برخصِ الكلامِ
صارتْ تتوارى خلفَ الأعذار
وما عادَ عندَكَ سماءٌ لتحلِّقَ فيها
ولا أرضٌ لتمشيَ عليها
رَمَتْ قصائدَكَ إلى الهاويةِ
صارَتْ تملكُ أجنحةً
من نسيجِ أصابعِكَ
لتحلِّقَ فوقَ جثّتِكَ
وترفرفَ بفجورٍ)).
فقد حمّلها همومه وهواجسه، وترنّم بها لكلّ الدنيا، لمّا تعمق به الألم ،وتمدّد على كل مساحات روحه، وعصفت به مشاعر الأسىٰ، فحاكها بتفانٍ وطرّزها بحذق وزخرفها بكلّ تفنّن، مذهلة تلوك الوجع، وتضمّد ندوب الزمن وأعطاب القدر، وتسطّر نبض الحياة بإصرار واستنكار لواقع طافح بالأسىٰ ومكتظّ بالألم، بها نحت سحر اللقاء الواعد كنور الفجر شكله متوهّجاً مزغرداً
لقد ناغىٰ وترَ حروف أرهقها الصدق والتعلّق بتحليق مجنون إلى متخيّل ثمل، فانقادت له طيّعة تعزف على تلافيف قلب مهشّم، وديعة تحلم بالعودة إلى ياسمين حلب ، لكنّها منكهة بطعم الخيبة والألم، فغنّىٰ بها وطنا يعشقه حدَّ الهذيان وذكرىٰ تحاصره أينما ارتحل، زفرات روح تحترق أضناها الشوق، وحنينا لا يكفّ يجترّه مرّاً، بها يلملم شظايا الروح، ويعدّ آهات الوجع ويرشّ الجمال على مسامات القصيد، كلّما دقّ النبض واستنشق الحياة وتملّىٰ بالنور، فلايسعه إلاّ أن يضمّد بها الندوب، ويمسح بها دمع ليل حارقاً لما يفيض القلب وتتأجّج المشاعر، لكن لا يغفل أن يعبّئَ القلب بشموس آمال لا تنطفئ، ويزرع سنابل رجاء متواصل لغد قريب مشرق وفجر متدفّق، فمن تمسك بحياة يرسمها الإصرار، بالجدور بالأرض بالتراب، ورأى الوطن كلَّ الوجود والباقي عدماً صقيعاً ،استحقّ الحياة وطاب له الكفاح، وأثمرت له المساعي.
قصائد كلّ هذا الديوان ملحمية ’ فلا تكادُ تقفُ عندَ قصيدةٍ إلّا وتحكي لكَ ألفَ رواية ورواية ’ بلغةٍ شعريّةٍ أخّاذة ’ يلخّصُ فيها مأساةَ حكايةَ وطنٍ ورواية عُمْرٍ ’ يقول في قصيدة ( وصيّة ):
((سيضحكُ الدّربُ أخيراً
حينَ تَتَلقّفُهُ خطواتي
سيجنّ غبارُ اشتياقي
وتتنفَّسُ أحجارُ الطَّريقِ
بعدَ انتظارٍ خانقٍ
شَابَتْ منهُ النَّسماتُ
وَتَوَجَّعَ قلبُ السّرابِ
ستستقبلني التّعرُّجاتُ بالشّذى
وتهمسُ لي المنعطفاتُ
تُعْرِبُ عن ترحابِ العُشْبِ
الأرضُ تذرفُ حنينَها
وتبتلُّ غصّةُ الأشجارِ بالندى
وسينزاحُ الهمُّ عَنِ السّماءِ
حيثُ الشَّمسُ تغتسلُ
بعدَ كربةٍ من احتقانٍ
وستحملني العصافيرُ
تَهَبُ لي أجنحَتَها
لتسابقَ قلبي الفراشاتُ
ويكونُ الهواءُ موسيقا
وتَتَبَادلُ السّحبُ البيضاءُ
التّهنئةَ
تزغردُ أوجاعُ الأفقِ
وأنا أحتضنُ التُّرابَ
سأبكي عندَ البوَّابةِ
وأصافحُ دَبيبَ الحياةِ
مدينةَ أنفاسي
سأعودُ
وإن كانَ دمي مسجّى
وإن كانتْ روحي تالفةٌ
نَخَرَهَا الاشتياقُ
لو كنْتُ حفنةَ رمادٍ
أوصيكُم أن تذروني
\من ذروةِ قَلعَتِكِ
يا حلب.))
بالله عليكم ’ أليستْ هذه القصيدة ملحمة مختزلة مكثّفة لمدينته التي عشقها ويتناغم باسمها وهو في غربته؟.
إنها استراحة روحية لحروف ملحمية تلج سويداء القلب، فتهزّ الكيان وتوقظ الحسّ، تبزغ بجمال متفرّد، تطلع قمرا يطلّ وسط الدياجير، ترفل تتبخترتهمس ولكن لا تحاكــــىٰ، إنها ليست عادية البتّة، إذا قرأتها تحفظها كالعهد وتقرأها بإحساس قوي، لكن كلما ارتويت منها يتضاعف العطش فتستزيد وتستكثر.*
مجيدة السباعي
المغرب
* تحيّة..
حينَ أصافحكِ
تسري في أصابعي
ألف شمس
تستعر أحصنة أوردتي
تشتعل مدائن قلبي
تلتهب أمواج حنيني
وتستفيق الأرض من تحتي
بألف ميل
تتوقد شفاه اللهفة
وتجنّ الرغبة
تضرم النيران بأجنحتي
أحلّق فوق غيوم الآهة
يا لسعادة المدى!!
يا لنبيذ الندى!!
يافرحة احتراقي
وانعتاقي في فضاء كفّكِ
حيث أطلّ على نوافذ النعيم
راحة يدكِ تختزن الكون
فكم من فضاء وكواكب أصادف؟!
وكم من بحار وشواطئ!!
حيث أرسو في جزيرة النشوى
روحي تغتسل بشعاع الفتنة
كلّ البهاء يثمر في يديكِ
وعلى مفارق أصابعكِ
يشيّد عمري نوافذه
آهٍ حبيبتي..
لو أنّكِ تلمسين عطشي
لأضمّد بكائي.*
إسطنبول
* لا تَنْكَسِر..
لا تَنْكَسِر
أنتَ الأملُ
لِمَنْ بعدَكَ سنهتفُ؟!
وَعَنْ فضاءِ الضّوءِ
لا تَحِد
مهما كانَتْ خسائرُكَ
ومهما دفعتَ من ثمنٍ
لا قيمةَ للماءِ
مِنْ غيرِ ظمأٍ
ولا قيمةَ للفرحةِ
مِنْ دونِ مرارةِ الخيبةِ
ابقَ عصيَّاً
عَنِ الانهزامِ
وتحدَّ
بكلِّ ما أوتيتَ من صبرٍ
ولا تهادنْ
على حقٍّ أنتَ تملكُهُ
ولا تصدّقْ
وعوداً مؤجّلةً
أنتَ الآنَ شُعلتُنَا
وأميرُ المبتغى
سيّدُ الإشراقةِ أنتَ
وَمُنى الابتهالِ
قاومْ بصدقِكَ
قاومْ بِنُبْلِكَ
قاومْ بالرّجاءِ
ياحُلْمَنا الأعزل.*
إسطنبول
* مَمْلَكَةُ النَّدَى..
تَعَثّرَتِ الرّيحُ في لغتي
بعثرتْ منّي الكلامَ
تخاطفَتْهُ مخالبُ الصّدى
وكانَتْ خُطاي قد ضيّعتْني
تاهَ منّي الحنينُ
وترامَتْ على لهفتي مناقيرُ السّراب
راحَ ظلّي يركضُ
في براري وحدتي
يلملمُ مِنْ حضنِ المدى
تجاعيدَ قامتي الخائرةِ
يجمعُ مِنْ ثغرِ التُّرابِ
خطواتِ موتي العطشى
لدروبٍ تُفْضِي لِترحالي
ورقةُ التّوتِ في قصيدتي تعرَّتْ
باحَتْ بدموعِ أثمالِ الرّؤى
وتكشّّفَ رمادُ النّدى
في بحّةِ الأنداءِ السّقيمةِ
الجرحُ يتلظّى بملحِ المرارةِ
الأرضُ تثغو لنارِ الخيبةِ
في ارتجافِ غربةِ المعنى
يرتطمُ بي حائطُ الوقتِ
يسألُني عن عمرِ التّنهيدةِ
يجيبُ عنّي السّدى السّرمديُّ
غبارُ الذّكرباتِ يدقُّ لي
أعمدةَ السّديمِ
لأعلّقَ عليها جثثَ المسافاتِ
القاتمةِ
في فضاءِ صمتي
تتآمرُ عليَّ الظّنونُ
تريدُ أحشاءَ ينابيعي
ينكرُني الماءُ الموزّعُ
على عشبِ لُهاثي
حينَ يقطرُ خراباً
فوقَ وميضِ اشتهائي
أسابقُ أجنحةَ الهاويةِ
أعدو صوبَ تلالِ الغيومِ
لي شفقٌ هناكَ
سأدثّرُهُ بأعطافِ هواجسي
وأزيلُ الموتَ عن يباسِ الضُّحى
أضحكُ من قهرٍ تخلّصْتُ منهُ
ومن صحراءِ الجنونِ
أدخلُ مدينةَ الرّغباتِ
من بابِها المكسوِّ بالجلالِ
مدينةُ الأصداءِ والعُلا
تموجُ بسنابلِ البذخِ
أرضُها راحةُ اللهِ الدافئةُ
أمطارُها حليبُ المنِّ والسّلوى
جدرانُها ستائرُ الهمسِ
سكّانُها شذى الزّيزفون
مملكةُ النّدى والسلامِ
عاصمةُ البهاءِ
طاهرةُ الأرجاءِ
تتوسّطُها قلعةُ الضّياء
هي كلُّ الأسماء
حلب الشهباء.*
إسطنبول
*ازدهار الموت..
الموت أقفل علينا الأبواب
منعنا من مغادرة الرعب
سلط على رقابنا الخونة
وراح يتجول في لهاثنا
يقهقه له الدمار
والمقابر تدعو له بطول العمر
على صدره أوسمة
من دمع وارتجاف
تقلدها من قادة عرب
عظماء بالألقاب والنسب
الموت يشم رائحة الضحك
يتعقب زغب الفرح
يهاجم رغيف الندى
وينقض على خدج الأحلام
لا شيء يعلو على اسمه
يعلق النشيد الوطني
من عنقه
رايته ترفرف بالدم
خاط للشمس عباءة سوداء
وحرم على القمر حلاقة ذقنه
كتب على سور السّماء
هنا مقبرة المرتدين
عن حظيرة الطّاغية
الموت يتلمظ قصائد الشّعراء
ويمضغ حنجرة الاحتجاج
تصفق له الضّواري
وتمدحه وكالة حقوق الابتزاز
يصرح لنا بحفر قبورنا
يعفينا من دفع رسوم المهانة
ويسمح لنا بتشييع الجنازات
ضمن بوتقة الصمت والانكسار
الموت يرسم على خارطة البلاد
صور الفواجع
ترعاه دول عظمى
تتفاخر بازدهار التحضر.*
إسطنبول
* رائحةُ الخراب..
أتلمّسُ رائحةَ الصّدى
القادمَ من أجنحةِ الكلماتِ
وينبعثُ في روحي لَظَى القَصِيْد
وتحملُ أحرفي على ظهرِها
صهوةَ المدى
النابتِ في أحراشِ الصّقيعِ
وتمتدُّ يدُ المسافاتِ
إلى دفاتري
لتكتبَ مذكّراتِ الدّروبِ
يذكُرُني الترابُ اللائبُ
في دمِ الخُطا
كلّما تهالكَ طيرٌ
في لجّةِ السَّراب
وتحنو عليَّ غيومُ النّضوبِ
أمامَ زَهْوِ الاحتراقِ
السّابحِ في غصّةِ الأنداءِ
ويتزاحمُ عليَّ كلُّ الخواء
يحتضنُ بعثرةَ أشتاتي
ويتقاسمُني صهيلُ الهواء
يذروني على قارعاتِ الأُفُقِ
حفنةُ جراحٍ تنزفُ أسئلةً
لأمواجِ أجنحةِ الانتظار
ويكونُ الوقتُ حالكاً بالهواجسِ
يتشعّبُ منها هجيرُ القلق
على موتٍ يعتزمُ المجيء
ويسفّني وجعُ الطّريق
إلى بلدٍ أضرموا فيه الدّمار
واشتعلتْ فيهِ ضحكةُ النّسائمِ
وطنٌ تعثَّرَ بالهاويةِ
وانزلقَتْ أشجارُهُ نحوَ الرّمادِ
وارتكنَتْ عصافيرُهُ بشقوقِ الفاجعةِ
وطنٌ يتضوّرُ في حضنِهِ الهلاك
صلبوا ماءَهُ على أعمدةِ العدمِ
علّقوا سماءَهُ بحبالِ الخرابِ
ورسموا على جدرانِ بهائِهِ
مخالبَ الفناءِ والعبثِ
يقتلُنا مَنْ لَمْ نعادِهِ
وَلَمْ يخبرنا عَنْ سَبَبِ ذبحِنا؟!
يالَلوجع
يالَلآه
يا الله
وطنٌ تكالبَتْ عليهِ المِحَن
صارَ مرتعاً للأحقادِ
والضغينةِ!!
صارَ مقبرةَ الكونِ!!
صارَ طعاماً للطواغيتِ!!
ملاذاً للخيبةِ السّوداءِ!!
عنواناً للدّمِ المسفوحِ!!
وينابيعاً لاستغاثةٍ
ضائعة!!*
إسطنبول
* دروبُ الحطامِ..
تمشي إليَّ الدْروب
تتزاحمُ على دمعتي
تجتاحُها
وتعبرُ قهري
تلتفُّ على دمي
تطرقُ بوّابةَ نبضي
وتدخلُ
تسري مع غيومي
تتصاعدُ مع أجنحةِ الرُّؤى
تحلِّقُ في فضاءِ الرُّوح
تمخرُ لظى الأعماق
لِتطلَّ على أصابعِ النَّجوى
تحمحمُ بالمسافات
وتصهلُ في دفاتري
أسراباً من شهيقِ النُّور
تغوي انكماشَ الخُطى
تلحُّ على تَنّورِ الهواجسِ
لتدقَّ بأقدامِها
أرضَ التّكهُّناتِ
النّادباتِ على أفقٍ
مقفلِ الجهاتِ
تحاصرُهُ أوجاعُ الكوى
الذَّاهلة
في أحراشِ الرَّمادِ
السَّاقطِ من ثلجِ البراكينِ
وأُحسُّ ألماً في السَّديمِ
وقنوطَ النَّدى المستباح
على أرصفةِ الاغتصابِ
حيثُ يشحبُ وجهُ المنى
وتصرخُ أشجارُ العَراء
في كنفِ السّقوطِ المتورِّمِ
بأثقالِ الخيبةِ العظمى
وتنداحُ الغيومُ السَّادرةُ
على قناديلِ الكلماتِ
المائجةِ بضحكةِ اليباس
تشتدُّ أعوادُ اللُّهاثِ الماجنِ
تُكَفِّرُ الأسماءَ الوارفةَ
على تقوى الوردِ
ومصابيحُ الهروبِ تبحثُ
عن ظلِّ نسمةٍ
تركنُ في سدرِها الغامضِ
كالحمامِ الأبيضِ الهلوعِ
يهدهدُ لسخّامِ الموتِ
الزاحفِ على الهاويةِ
وتنزاحُ السّماءُ عن موجِ
الاختناقِ
مدىً من قشورِ الاحتراقِ
ومنابعَ شتاتَ صمَّاءَ
تحبو على حِبالِ الذّاكرةِ
لتنتهيَ حروبُ الشّعوذةِ
وينتصرَ الأفكُ اللَّعينُ
على طعمِ الماءِ الكئيبِ
وترتفع رايةُ الأظلافِ
فوقَ رأسِ المحارِ
ويندكُّ شكلُ الهواءِ
بعلقمِ الحشرجةِ
فوقَ سجّادة الأفول.*
إسطنبول
* مخادعة..
كانت كاذبة
أتقنت دور الحب ببراعة
أيقظت النبض من ثباته
صار الدم يشهق
رشت على الأحلام
من بوحها
أعطت من روحها شمساً
عبأت جيوب الليل بالهمسات
وأهدت نوافذ القلب
الدفء والحنان
وزعت في صحراء الوحشة
شتائل الأمل والزعفران
وصارت الأيام تبتسم
ماعاد للشكوى مكان
ولا عادت الوحدة ترثي نفسها
أخذت كلّ السهوب
سرقت كلّ الدروب
واستحوذت على كنوز
الينابيع
وباعتكَ برخص الكلام
صارت تتوارى خلف الأعذار
وماعاد عندك سماء لتحلق فيها
ولا أرض لتمشي عليها
رمت قصائدك إلى الهاوية
صارت تملك أجنحة
من نسيج أصابعكَ
لتحلق فوق جثتكَ
وترفرف بفجور.*
إسطنبول
* قرف الأرض..
قالت الأرض:
- أُغرب عن ترابي
غباري صار يقرفكَ
كنتُ أعلم حقيقة الإنسان
ولهذا تأخرت بإنجابكَ
لكنّ الله حدثني
عن أنبياء وشعراء
وعلى مضضٍ منّي
جئتني آخر العنقود
شرّير الدّنيا
سفاح الكون
وهبتكَ كلّ ما أملك
والسّماء آذرتني
وأمي الشّمس لم تتوانَ
عن مساعدتي في تربيتكَ
الأمطار لم تبخل
والرّياح لم تقصر
استغليت أواصر الصّداقة
مع هذا العالم
في سبيل اسعادكَ
لكنكَ ويا للأسف
خذلتني منذ قابيل
وبدل أن تتعلّم
وتتعظ من أخطائكَ
تماديتَ في جرائمكَ
رغم ديانات الله
وأبنائي الفلاسفة
وعصافيري الشّعراء
جرائمكَ غدت لا تحتمل
وأبليس لم يطلب منكَ هذا
مجرم بكلّ المقاييس
صرت أخجل بسببكَ من الله
حاشا للوحوش أن تسلك دربكَ
البراكين أشدّ منكَ لطافة
والأعاصير أهدأ بالاً منكَ
أأسف على تربيتكَ وعلى حليبي
كلّ يوم تزداد حدّة وضراوة
لوثتني
دمرتني
أحدثتَ أضراراً بالفضاء
مذابحكَ صارت جماعية
قتلاكَ بالجملة
مدن كاملة أخذتَ تبيدها
أُنظر إلى سوريا
أجمل وأحلى بقاعي
ماذا فعلتَ بها؟!
تباً لكَ وسحقاً لضميركَ
إنسان العصر الحديث
ابتعد عني أُتركني
مع وحوش البراري هي أرحم منكَ
لن أسامحكَ
وماعدت أطيق تواجدكَ
فوق ترابي
إنّي أقرف منكَ
وأسمكَ يثير اشمئزازي
غادرني حالاً.*
إسطنبول
* وقالَ الصّمت..
ويقولُ لي صمتي:
- تعبتُ من صراخِ النّارِ
فُكَّ أزرارَ الوجع
وافصحْ عمَّا في صدرِ النّدى
من اختناقاتٍ
وعجّلْ في كتاباتِ اعترافاتي
أنا نطقُ ماترمَّد من الرّؤى
قصيدُ ما تخثّرَ من سحابٍ
في كهوفِ مقلتيكَ
كنتَ تحملُ الإعصارَ في دَمِكَ
وتدورُ على السّدى
تعرضُ على الرّملِ شراءَ دفاتره
لتكتبَ على خيوطِ الموجِ
ما يعتريكَ من دروبٍ
وكانتْ قصائدُكَ تهاجمُ مخابئي
أتخفَّى عن قولِ الاشتهاء
كي لا يمكرَ بي الضّوء
وكانتْ أشعارُكَ تجرحُ قامتي
في الرّيحِ تبحثُ عن نسمةٍ
وتحتمي في الصّيفِ بظلِّ الشّمسِ
وتظنُّ الغبارَ مطراً
يبلّلُ يباسَ قهرِكَ
أنا لا أفقهُ لغةَ الضّجيجِ
ولا أبوحُ بسرٍّ للسّرابِ
تعتّقَ خمرُ النّهايات
في نجيعِ الصّدى
وتعرّى الوقتُ من حلكتِهِ
صارَ الانكسارُ سلالمَ عَراءٍ
وانداحَ غسقُ الارتماءِ
على مقعدِ الأنداءِ
الحوارُ زغبُ المتاهاتِ
الأرضُ حائطُ المدى
البحرُ حفنةُ هواجسٍ
وهسيسُ الرّكامِ في لغتِكَ
لا تخاطبِ الشّطآنَ
بصفاقةٍ
كُنْ غمامةً في التّحدّثِ
قبّرةً على شجرِ الحُلُمِ
همسةً في أعطافِ المنى
ورفيفَ فراشةٍ
في حقولِ المستحيل.*
إسطنبول
* أحجار الظمأ..
في أيّ قفر ضيعتَ خطاكَ؟!
وبأيّ ليل تاهت عنكَ المواعيد؟!
الأفق يسأل عن دربه
والسماء لا تعرف أين ترتكن
خراب هذا الكون
الشمس تتخبط بلا هوادة
والريح تتلفت من حولها
تكاد تختنق
محال أن تعرف أسمكَ
أكل السديم منكَ الذكريات
أصابعكَ تظنّ رمل الصحراء
كلمات
ويخال إليها المدى دفتراً
ستكتب بقلم الضياع
قصيدة عن حبّ مجوسيٌ
لا التراب ينطق ولا فم السراب
والماء يلوي عنقه للجفاف
لمن تنادي في هذا القحل؟!
حتى طيور الشوك لا تلبي
سكن التراب على شفتيكَ
وتجمع الجمر في غصتكَ
تعال نلملم أحجار الظمأ
ونعمر للوجع شرنقة الذهاب
ونرحل عكس ماتقول الجهات
ونخالف ما تهفو إليه الخطوات
نهرب من عمرٍ ماكدنا نعيشه
حتى هرمت فينا الأجنحة
وشاخ السؤال
على شفاه دهشتنا الحائرة
من عادة الصبح
أن يمرَّ من هنا
تعال نصحبه ونمضي
إلى جوف ليل مسالم
نسرق له صباه
نضلل عيون الموت عنّا
ونهرب إلى مدن
انهت حربها
وعقدت صلحاً مع الحياة
وما عاد الأخ يذبح أخاه
ولا العذارى تغتصبنَ
وعلى أرصفة الحلم أُناس يمشون
من غير هلع
مدن..
تفتح مدارسها للعصافير
وتتصاعد منها رائحة الخبز
وما زال للحب فيها
الشأن العظيم.*
إسطنبول
* جراح الماء..
جراح الماء لا تندمل
والبحر ينزف ملحاً
أمواجه عويل أوجاع
تصطفق بالمطلق الوثني
وتشبُّ النار على رمل الآهات
تحترق الزرقة الممتدة
تحت براثن الأفق
الماء يسلم رذاذه للريح
والريح مبتلة الضفائر
وتسعى لعناق الغيم
وعلى الشواطئ تتكوم خطاي
وتتعرى دفاتر أغصاني
وتتوق أرصفة الكلام
إلى زحام العصافير
لتنقر صرختي الحبلى
بقصائد الإعصار
وتستفيق لغتي على أضغاث الندى
ويجأر السرداق في باطن الأنداء
على شهوق المنى
أسئلة الفيء تطلق أشرعتها
لتمخر أطراف الرؤى
بهسيس الذنوب
وتعلو من أصابعي
شهقة اللقى
تنوء ارتعاشاتي بالسخط
أتأمل خيبة الأرض حين ركبنا طهرها
كانت حرون بجبالها
لكنّا عفرنا جبينها بالدم
وذبحنا ما أباحت به من ظلال
ورمدنا بهجة الينابيع
لنشرب أيام آسنة
وتوزعت سكاكيننا على ظهر المدى
أغدقنا على نسغ الانبهار
موتاً واسع الأبواب
لنرثي أسماءنا أمام السقوط.*
إسطنبول
* معول النّدى..
أُعِدُّ أوجاعي مائِدَةً للقصيدة
وأُطعِمُ أحرفي من نارِ دمي
ولا تأتي الكلماتُ
مجرَّدَ أن تلوّح لها بقلمكَ
كلماتي بعضُ موتي
في فسحةِ آلامي
فيا أيَّها القارئُ تأمّلْ
سفوحَ غصّتي
وانتشرْ في رحابِ آهتي
لا تمزقْ أوراقَ رمادي
عندي أغانٍ خبّأتُها
في طيّاتِ دمعي
ولديَّ شتائلُ فرحٍ
موزّعةٌ في أنحاءِ قهري
خُذْ من يَدِ النّدى
معولَ الفجرِ الصّاهل
أُهوِ بِهِ على أحجارِ صمتي
يتدفّقُ لى ثغرِ المدى
شلالاتُ دهشة
مسكونةٌ بأعشابِ الرُّؤى
حُلُمٌ يستصرخُ الماء
وأكوابٌ لشرابِ السّديم
أنا بعضُ المعاني
من نشيدِ التّيه
ضاعَ منّي السّحاب
وخرّشَ جدرانَ وقتي
وصارَ العمرُ رملَ الصّقيع
آتٍ من دروبٍ لفظتْ خُطايَ
وحمّلتني صحارى الفناء
أعدو فوقَ سخطِ الرّحيل
مزوَّداً بكسرةِ غبارٍ أجرد
وفي يدي باقةٌ من صراخٍ
أنثرُها في وجهِ اليباس
علَّ قمحَ الذّكريات
ينمو في سهوبِ وحشتي
وأسبحُ في عتمةِ الأشواقِ
أستخرجُ من جرحي مدينةً
كنتُ قد سيَّجْتُ فيها السّماء
وبنيتُ جانبَ غيمِها
قمراً ينسابُ منه خريرُ الحياة
وهناكَ
سأنصبُ للموتِ فخاً
أحفرُ باطنَ فكرتي وأدفنُهُ
لا أريدُ بعدَ اليوم
أن أشيّعَ شرفةَ الضّوء
ولا أنْ أرثي انهزامي
سأطلبُ من فخامةِ بلدي
أن تبرزَ هويّتَها لحاجزِ الخلود
وتسترجعَ نوارسَها الشّاردات
لتضحَكَ الأشجارُ ملءَ أوراقها
وتثمرَ الأحلام.*
إسطنبول
* دمع بلادي..
لو أمسح دمعكِ
يا أحجار بلادي
وأشتل في غبارها
قلبي
علّ أمطار السّلام
تهطل فوق أشجار
الدّم
يا وجع الأرصفة
التي آلمت الهواء
يا حزن الشبابيك
التي أبكت القمر
يختبىء الناس في أنفاسهم
وتضمّ الأمّ عصافيرها
إلى حضن شهقتها
والأب يعجز عن تدفئة
الرعشات
خوف يقصم ظهر العمارات
الأرض تستجير بالأفق
والليل يلوذ بشقوق الانفجارات
بلد يتعرض للشواء
ورائحة الشمس تعجّ
بأنوار الشهداء
ما عاد في أوردة الرغيف
قوتٍ
ولا في أصابع الندى
نجوى السهاد
وأمّي تحتمي من حمم الطائرات
ببعض ما حفظته من تعاويذ
أمّي لا يهون عليها الموت
وأولادها نثرتهم الحرب
يحاربنا دمنا
ويذبحنا ساعدنا
ويطاردنا ظلنا
وندعوا الخفافيش يسكنوا بيوتنا
نستجير بالخونة
يا ملائكة الله..
أوصلوا شكوانا للخالق
بلا نقص أو زيادة
تآمر علينا من أحبابنا لنا
وأشقاؤنا اقتسموا دمنا
ويضحك بنو صهيون
من غباء تفتحت أوراقه
في بساتين وجداننا
نحن من نقتل نحن
وندمر ماشيدناه على مرّ التّاريخ
حلّلنا علينا ذبح الأهل
وافتينا بانتهاك أعراض أخواتنا
وعلقنا أطفالنا على غصن الهاوية
صار الموت ينفر منّا
وتركتنا المقابر ولاذت بالفرار
وما زلنا ننتطر أيدي المؤامرة
علّها تشفي غليلها منّا
لو أمسح دمع بلادي
لأنني أخجل منه.*
إسطنبول
* إلـى مـتــى؟!
نَثرَتنيَ الدّروبُ
على مَحطاتِ الغيـابِ
لا الأرضُ تعرفُني
ولا السماءُ تذَوَّقت غيمـي
وأنـا بِـلا لغـةٍ
أحبو على أرصفةِ الدموعِ
وجعي يأنفُ الانحنـاءَ
وصوتي يتمسكُ بصمتِهِ
هنا المـاءُ يُشبِـهُ التّرابَ
والخبزُ معجونٌ بالقَشِّ
الشوقُ يرتدي قلبي
وثيابي ترتَديها غصتي
بكـتْ على غربتي غيمـةٌ
كانت قادمةً من بلـدي
ولـوَّحَ لـيَ السـّديمُ
حينَ أبصَـرَ شُحـوبَ ضوئي
نظارتي تكفكفُ حنيني
وأصابعي تعدّ جنازاتِ أحلامي
يقضمني اليباسُ المنبثقُ من شرودِي
ويحفرني السؤالُ
حينَ الليلُ يدكني في غياهبِهِ
إلـى مـتـى..
ينبـتُ الشوكُ في لهفتي؟!
إلـى متـى..
تقطرني الخَـيـبةُ
منَ العودةِ يا بلـدي؟!
أرجعيني ياحمـائمَ السلامِ
قلـعةُ الشهبـاءِ مَـهدي
فلا تلمسْـها يا خـرابُ
سيعتمُ غبارُها جوفَ الضحى
وتختنقُ أمواجُ السُّهـادِ
ويتفتتُ الكونُ عَويلاً
يطرقُ بـابَ الجحيمِ
ليخرجَ على العالَـمِ سخطُ اللهِ
حلب أمُّ البداياتِ
رحيقُ السماواتِ الحالمةِ
كفاكَ يا موتُ..
يا وحشَ الزلازلِ
وكأنكَ استسغتَ دمَـنا؟!
دمُـنا حـرامٌ على الطّواغيتِ
سينكسرُ جـذعُ الكراهيةِ
وستخرجُ يا موتُ من بلدي
خاليَ الوِفاضِ
وسيلعنُ التّاريخُ دولاً
مرغت مستقبلَها بالإجرامِ.*
إسطنبول
* ما أغباهم!!
إن سقطتَ
تأففوا منكَ
وداسوكَ
وإن علوتَ
غاروا منكَ
ورموكَ
وإن امتلكتَ القوةَ
خافوكَ
وصفقوا لكَ
وامتدحوكَ
ماأغباهم من أصحاب؟!
باعوكَ يوم صمتّ
وفي جلساتهم كم قتلوكَ؟!
ويوم نهضت..
بتعالٍ وسخريّة
شجّعوكَ
ظنّاً منهم أنّكَ انتهيتَ
ومهما حاولتَ..
لن تفلح
لأنكَ عندهم انتسيتَ
لكنّك..
حين بدأتَ
وانتصرتَ
وتفوقتَ
عادوكَ وقاطعوكَ
وقد يتآمرون
ويغدرونك
فاحذرهم إن عادوا
للصداقةِ..
يطلبون.*
إسطنبول
* تلابيبُ الرّجاءِ..
أختبىءُ عن وجعي
أتوارى خلفَ انهزامي
أشيّدُ من ظلّي جداراً
وأسندُ عليه دمعتي
وأتمسّكُ بتلابيبِ الرّجاء
صارَت دهشتي حطباً
وتهاوت في قلبي الصّحارى
تأتيني الدّروبُ بالاختناق
وزلازلُ الظّلمةِ تفجّرُ العماء
في آبارِ حنيني
اعشوشبَ الموتُ في أضغاثِ
الرُّؤى
كأنَّ الرّعبَ فاكهةُ الحياة
يسحلني الغيمُ
على جمرِ السَّماء
الأرضُ تعضّ خطاي
والأفق يهمي عليَّ العدم
يسكنُني عواءُ المسافات
بيني وبينَ بلدي
مقابرُ الأحلامِ السّرمديّة
ويطلُّ عليَّ رمادٌ من دمٍ
وندى ينزفُ صهيلاً
أيا حطامَ رغباتي العطشى
في بلدي تتدفّقُ
ينابيعُ جهنّم
شلاّلاتِ يباس
تجرف أشلاءَ الملائكة
وثمارُ الثّورة خراب
يكتبُنا الموتُ
على قارعاتِ الحقد
قناديلَ مبتورةَ الفتيل
والطّائراتُ تغيرُ على
ارتعاشاتِ الغد
حممُ السّكاكينِ تبرقُ
على رقابِ الأغاني
والأماني تغرغرُ بالتّحشرجِ
مساكنُنا تُطبَقُ على استغاثاتِنا
وأيادينا تمتدُّ من تحتِ الرّكام
لتصافحَ معاولَ الأحباب
يا الله !!
كم علينا أن ننقتلَ؟!
لنحظى بنتفةِ قلقٍ
وشجبِ قادةٍ
قد يتجرّؤون!!*
إسطنبول
* مواطنة الموت..
تبكي في وجهه التجاعيد
تنوء به الهواجس الجريحة
ونتوءات روحه تموء
تهاجمه بثور في دمه
وبداخله
تحرقه أمطار الحمض
وصدأ البوح يأكله
يصفعه اختناقه
لمّا أنادي على السّماء
والأفق يقصف دهشته
بصحراء الجمر
وتشتعل سهوب المرارة
في غصة صرخته:
يا بركان الجفاف أدفىء
- بحور دمعتي الشاخصة
حطب في جوفه ينمو
تراب في فمه يثمر آهة
وأحجار من سجيل تنهار
على يباس شهقته
يتنفسه الألم الوارف
من رحاب الرؤى
والضوء الهزيل يقف
على شباك مذبحه
يعتصره الانتظار الجاثم
على مرقد العتمة
في خطوته تشظى الكون
ومادت جبال قواه
ينتهكه ظله في العراء
والموت يموج على شفتيه
يمشي بلا جهة
أقدامه لا تحتها أرض
رأسه لا يطلّ على سماء
يتطلع إلى أمل كفيف
سفحته الغربة وتشربت قهره
وبلاده منحت للموت
حق المواطنة
ليزرع ضحاياه القتلى
على مرآى الشهود
ويتفافم عدد الموتى
وقوائم المفقودين
والخراب يزدهر على طول البلاد
لتصفق له يد الإجرام.*
إسطنبول
* فاجعة انتصرنا..
تقصّفتْ أغصان المدى
وتهشّمتْ أسنان الرياح
ضاق عليّ الفضاء
وَبكتْ في دمي الغيوم
تهاطل الخراب على بلدي
والموت عاث فساداً
في طرقات الطّفولة
كأنّ الكره اعتمر الحدود
يتصيّدنا الانفجار
في كلٌ نسمة تخطو
تنوح الأشجار على عصافيرها
وتراب الوطن يلفظ أنفاسه
الدّم يتدفّق من شرايين
الأرصفة
وتنهار عزيمة الجدران
تجدِ الشّمس تنزف
وترى القمر مبتور الأطراف
براكين تقذفها الجثث
وأعاصير تعصف بالقلوب
أيا وطني توقّف
بهاجمكَ الهلاك من كلّ صوب
سكاكين تبقر دهشتنا
وتنغرز في ظهر النّدى
انظروا..
ماذا حلّ بورود بلادي
والفراشات فقدت أجنحتها
لم يبق سوى صوت التّحشرج
بأيدينا نزهق نضارة الغد
ونفرش لليباس دهشتنا
نبحث عن خلاص من الرّمضاء
ونستجير بأيدي العدم
يأكلنا من زرعناه!!
ويلبسنا من خطنا له برده!!
ياالله أغثنا
ماذنب سنابلنا لتحترق؟!
تعرّينا من الماء
وتحوّلتْ ألفتنا إلى أشلاء
وصرنا لا نجيد غير القتل
رذيلة الكون غدونا
وعهر الانتماء
بايعنا الغرباء
على انتهاك كرامتنا!!
سلمنا لهم زمام أعراضنا
أصبحنا قطعاناً من الخونة
نحرص على مصالح الغزاة
ونرفع..
راية الخراب
وباستماتة نعمل
على قتل ما تبقى منّا
ونعدّ هذا انتصارنا!*
إسطنبول
* لكي أنساكِ..
لو أفقد ذاكرتي
وأنسى لغتي
ولا التقي بمن يلوذ بكِ
وأن يتغير شكل السماء
وطعم الهواء
وشكل الماء
وتختفي العطور
وترحل الطيور
ويتصدع المطر
ويتنكر الشجر
ويتوارى عني الضوء
وأن تشرق الشمس من غير مكان
وتبتلع الأرض البحار
ولا يبقى غير الموت
يعاشرني..
وعلى الليل
ألَّا يحتكّ بي
وكذا النهار..
ألَّا يريني وجهه
وينبغي أن تغير الأرض
مسارها
والقمر هذا..
ممنوع من الإطلالة
لا أسمح لأيّ كان
أن يبقى
لأنّ فراشة واحدة
تذكرني بكِ فأنتكس
لكي أنساكِ..
لي ألف ألف شرط
منها..
أن يلغى الحب بتاتاً
وتتكسر قامات الأحرف
وأن يطرد الشعراء
من كلٌ أصقاع الدنيا
وتحبس القصيدة
داخل أقبية المخابرات العربية
وتتبادل الجهات مواقعها
يصير الفوق تحتا
ويقلب الأعلى إلى أدنى
وعليٌ التخلص من قلبي
وأبتر يديّ
وأطوّح بأقدامي
وأفقأ مهجتي
وأتوقف نهائياً عن التنفس
وأرمي بروحي في مكان بعيد
كلٌ هذه الإجراءت
ستخفق في المحصلة
لأنكِ تسكنين مساماتي
سأبقى أحبكِ
إن فنيّ الوجود
بلدي العظيمة أنتِ
لغة الله مع الملائكة
وتحفته النادرة
حلب..
نبض الوجود.*
إسطنبول
* معطف قلبي..
أشربُ من اسمِكِ حياتي
أرتشفُ سبعَ سمواتٍ
محلّاةٍ بأنجمٍ
أكثرَ مِن حبّاتِ السّكّرِ
وشمسٌ تقرأُ الشّعرَ
لحبّاتِ القمحِ في دفتري
وآخذُ من أصابعِكِ
خصلةَ بوحٍ
تكفكفُ فضاءَ روحي
لأغفوَ على قارعاتِ النّدى
تحتَ هُدبِكِ أتنفّسُ القبلاتِ
وعندَ عنقِكِ أتلمّسُ اشتعالي
أجولُ على أرجاءِ دفئِكِ
أعمّرُ قلبي برحيقِكِ
وأمدُّ أطرافَ شوقي
ليحضنَ آفاقَ صوتِكِ
أتهجّى مافي عينيكِ
من أكوانٍ
أنتِ وحدَكِ
من تسترعي غيومي
وتهمي على نسغِكِ
أجنحةُ عشقي
وإلى شفتيكِ يتسلّلُ
ما ماتَ منّي
ليحيا
وتهجع إلى حضنكِ
قصيدتي
لتغدقي عليها
حليبَ الفجرِ
وتفيضَ بالأجنحةِ
هزيلٌ هو البحر
لولا موجِكِ
والأفقُ منخفضٌ
لولا سموُّ فتنتِكِ
ومتّسخٌ هذا الكوكب
لولا نضارتِكِ
أنتِ أمجادُ الهوى
وقيثارةُ التّكوينِ
أنتِ شهيقُ الشذى
وكأسُ الضّوءِ
ونبيذُ النّحلِ
وردةُ الوميضِ
وشجرُ الحُلُمِ
تعلّمتُ الغناءَ من خطواتِكِ
تكلّلتُ بالمدى النّاعسِ
في حضرةِ صمتِكِ
تلبَّستُ الأبدَ في هيامك
وصار الحبُّ
معطفَ قلبي
الذي لا يخلعُهُ.*
إسطنبول
* كي أنساكِ..
أنا كي أنساكِ
عليَّ أنْ أموتَ
وعلى قبري
ألَّا يعرفَ عن حبِّنا
شيءٌ
وعلى التُّرابِ
ألَّا يذكّرني بعطرِكِ
وعلى العتمةِ
ألَّا تحنَّ إلى ضوئِكِ
وعلى الاختناقِ
ألَّا يشتهي فضاءَكِ
وعلى الصَّمتِ
ألَّا يُزهرَ صوتُكِ
وعلى الملائكةِ
ألَّا يحسدوني عليكِ
ويومَ القيامةِ
على الحورِ
ألَّا يتشبَّهنَ بِكِ
وعلى الجنَّةِ
ألَّا تسمّى باسمكِ
وعلى الشّعراءِ
ألاَّ يصفوكِ
وعلى القمرِ
أَنْ يغادرَ السّماءَ
وعلى الشّمسِ
أنْ تختفيَ
وعلى الزّمانِ
أن ينتهي
وعلى الجحيمِ
أنْ تَضُمَّنِي إلى صَدرِها
وتَحرقَ الذّكرياتِ
ياحبيبتي حلب.*
إسطنبول
* ما وجدتُ لقلبكِ سبيلاً..
أتسلّقُ غصّتي
أصعدُ على قِمّةِ أوجاعي
وأعلو فوقَ شهقةِ الأحزانِ
لأشتلَ ما تبقّى عندي
من ضوءٍ
فوقَ هامةِ الاختناقِ
وألوّحُ بدمعتي للآفاقِ
وبالحرقةِ لغيومِ التّبتّلِ والاشتهاء
علّي أجدُ في عينيكِ درباً لروحي
يعبرُ نحوَ أفقٍ لا يخاتلُ
وسماءٍ من آهاتٍ
تسكُنها ومضاتُ اشتياقي
واجثو فوقَ الرّيحِ البكماءِ
أسألُها عن حنانٍ
يُلامسُ دميَ السّامقَ باللّهيبِ
يا هذا الكونُ توسّع بأمنياتي
بقدرِ حجمِ حبّي
وحجمِ الوقتِ الذي انتظرتُكِ
يا أيّها المدى الغافي على لهاثي
ثبْ على رِكابِ القصيدِ
وَحِّدِ اشتعالَ الجرحِ في لغتي
وشيّدْ من هديلِ الحروفِ
قوسَ الهلاكِ الخصيبِ
وقصرَ الحبِّ المنكسرِ
في باحةِ الفوضى القصيّةِ
الحبُّ يمضغُ العمرَ يزدردُهُ
يغتصبُ شرفاتِ الرّوحِ
سأمرُّ على الانهيارِ الرّاكضِ
أنتشلُ انهمارَ الرّؤى
وأبدأُ بالرّكونِ والسّكينةِ
وبعضِ الذّكرياتِ المثّلمةِ بالبوحِ
أعطني الدُّجى أدثِّرْ بِهِ ارتعاشي
واْستفِقْ من هذا الصّهيلِ
خائرٌ وجهُ الفجرِ
يأتي مغلولَ النّسماتِ
في يديهِ وردةُ المشيبِ
هذا النّهارُ مكفهرٌّ حزين
أمواجُهُ تتعكّز على دمعتي
خُذْ عَنِ الشّمسِ حِدادَها
أعطِها الضّوءَ من وريدي
سأمشي صوبَ بوّابةِ الفاجعة
أفتحُ البابَ للحُلُمِ المسجّى
وأقبّلُ عُنُقَ النّدى المخضَّبِ بالكبرياءِ
علَّ هذا الموتَ ينسربُ
مِنْ صليلِ رمادي
لا شيءَ يرتّبُ فوضى الكونِ
سِوى بسمتِها
لا شيءَ يُهَدِّئُ هذا الانفجارَ
غيرُ صوتِها
ولا شيءَ يردُّ قلبي
من كلِّ هذا الموتِ
إلاّ كلمةٌ منها
اعطِني يا حبُّ أصابعَكَ
أتلمّسْ بها رحيلي
واستبقْ ما تبقّى لي
من هزائمَ
قبل أن يتعثَّرَ هزيعُ الشّروقِ
في حضنِ النّجوى
ويجنَّ القمرُ من شِدّةِ القهرِ
رَتِّبْ لي موعداً
معَ وميضِ طلَّتِها
ورفيفِ أنفاسِها النّاهدةِ
وشهقةِ الضّفائرِ الجارحةِ
أحبُّها
يا موتُ ابتَعِدْ
أعطيكَ عمري مقابلَ
قُبْلَةٍ مِنْ أوراقِها
ونتفةِ ضوءٍ مِنْ حضورِها
لأهمسَ:
أحبُّكِ
وما وَجَدْتُ لقلبِكِ سَبِيلا.*
إسطنبول
* قُبلة..
وَعَدْتِني بقُبلةٍ
اشتعلَ الفرحُ بأغصاني
ورفرفَ الضّوءُ بنبضي
وتعالَتْ أهازيجُ الدّمِ
راحَ القلبُ يصفّقُ بجنونٍ
وتزيّنَتِ الرّوحُ
بأبهى ما عندَها من قصائدَ
راحَتْ أصابعي تغسلُ أسنانَها
واغتسلَتْ شفتايَ بالعطرِ
وجفَّفَتْ أنفاسي عَرَقَها
وسكنَ النّدى صدري
سرَّحَتْ ضحكتي شعرَها
وحزني قَلَّمَ أظافرَهُ
الغبطةُ طالَتْ أوجاعي
فأخذَتْ تلملمُ آثارَ غصّتي
وَكَنَسَ ليَ الوقتُ غبارَ وحشتي
تبدّلَتْ أحجارُ عمري بالياسمين
وترقرقَ الهناءُ بأوصالي
دبَّ المدى في ناظري
واستفاقَ الحنينُ في أكفّي
والزّمنُ الآسنُ تمطّى
نهضَ واقفاً على قدميهِ
أينعتْ مهجتي بالسعادةِ
وتبلّلَتْ عظامي بدموعِ الفرحةِ
صارَ للوقتِ طعمُ الخبزِ
وللنّسمةِ رائحةُ الاشتهاءِ
وهواجسي المرتابةُ فكَّتْ ضفائرَها
انداحَ العسلُ على لساني
ساوَرَني الطّيرانُ
انعتقَتْ أجنحتي
هامَتِ الرؤى في خاطري
وأخذَ لحاءُ صمتي بالغناءِ
عذبٌ هذا النّهار
نسغُهُ من رحيقِ الأمنياتِ
سأقبِّلُ فيها ندى دفئِها
وأزرعُ على شفتيها الجنّةَ
سأصلّي عندَ شفقِ العُنُقِ
ألملمُ ما عندَها من طُهْرٍ
وأبكي في محرابِ النّقاءِ
سأهيلُ روحي على نبضِها
أغتسلُ في بحرِ عينيها
وأتركُ لمراكبي حرّيّةَ التّجديفِ
وأصنعُ من عطرِها أُفُقاً
خرافيَّ اللّونِ
وسأمرّغُ بوحي على أمواجِ شعرِها
ألثمُ ذوائبَ الأنوثةِ
وأرسمُ على جبينِها فراشاتِ الجلالةِ
أذوبُ في خنصرِ شهقتِها
وأسألُ امتشاقَ الوجدِ فيها
ساعِدني لأمتلكَ فتنتَها
قلبي لا يقوى على هذا البرقِ
خُذْ بيدي يا حبُّ
لأتشجّعَ
وأقطفَ منها
قُبلةً كاملة.*
إسطنبول
* أخي..
سيدَ روحي أنتَ
نبض دمي الوارف بالعذوبة
شمس قلبي
الذي بدّدتَ ظلمته
قبل أن يغزوه الحب
كنتَ أنتَ قد طهرته
بأغانيكَ
أنتَ الماء الذي روّى ورودي
والضوء الذي تنفسته بحاري
من أنا لولاكَ يا أخي
كنت ضالاً عن وجودي
صنيع صوتكَ أنا
ثمرة وجدانكَ الأنيق
تعلمتُ منكَ العزف
على أوتار الحياة
وسكبتَ بأصابعي النّور
من كان يحييني حين أموت؟!
وينقذني من هجمة الريح!!
أنتَ من شيّد قامتي
وفتح نوافذي على المدى
علمني والدي بناء الحجر
لكنكَ علمتني إنارة الفكر
كلماتي اغتسلت بطهركَ
وسمائي اتسعت برحابة صدركَ
أنا غصن من أشجار روحكَ
قطرة ندى من فجر وجودكَ
وإن كنتُ الآن أحترق
لأنكَ عني بعيد
أنتَ الوطن..
الذي قذفوني منه
وإليكَ أحنّ وأصبو
ياشقيق ضحكتي..
التي غادرتني
أجنحة روحي المخطوفة
لثغة بوحي أمام المجهول
آهٍ أخي
لي منكَ طلب
قل للموت أن ينتظر عليّ
ولن أنسى له هذا الصنيع
يعطيني فرصة..
حتى ألتقيكَ
وأقبل يد ضوئك
وجبهة نبلكَ
ثمَّ..
لا بأس أن أموت
قرب دندنات عودك
يا أخي..
يا أكثر من أبي
يا أمّ أوجاعي
يا صديق شهقتي
الأولى والأخيرة.*
إسطنبول
* مراهنة..
سيسخرُ منكِ التّراب
يا من حاربتِ أنواري
وحين تموتين..
يكون اسمكِ قد سبقكِ
أمّا أنا..
ستبقى الشمس تشرق
من قصائدي
يا هذه الكائنة التي
حاولت أن تطال شموخي
قدركِ أن تزحفي
تحت أجنحة مجدي
سيلتهمكِ النّسيان بقضمةٍ
ولي الخلود سيبقى
في كنفي
انظري..
من حولكِ
كم من احتقار وازدراء
ترينَ..
يمقتكِ
يامن افتريتِ..
على مستقبلي
فضاعت منكِ
شفقتي..
وخسرتِ اهتمامي.*
إسطنبول
* وطنُ الفرحِ..
يتأملني الفراغ
يحدق في زحمة اختناقي
يقترب من انهزامي
يجسّ تجاعيد أنفاسي
يصيخ السمع لدمعتي
يمسد أصابع لوعتي
ويربت على أكتاف أوجاعي
يسقي صمتي جرعة
من تراتيله
ثم..
يجهش ببكاء محترق
ويدمدم..
بصوت متهدج النظرات
أنتَ..
محتاج لوطنٍ يضمّ رفاتك
وطن..
يزخر بغبار الضجيج
تعلو سماءه غيوم
من الضحكات
وتكون..
شمسه مجدولة الدفء
أشجاره تثمر القبلات
طيوره..
من همسات الخبز
أحجاره..
تشيدها الموسيقا
شبابيكه من شهوة الندى
وطن..
ترفرف على أسطحته
مكاتيب الغرام
شوارعه تكتظ بالنجوى
وأبوابه من ضوء
القمر.*
إسطنبول
* نفق الغياب..
لم يبقَ منّي
إلَّا حنيني
وشذراتُ الدّموعِ
فقدتُ عافيةَ العشقِ
وقلبي يتعكّزُ الذّكرياتِ
شمسُ روحي اصفرّت أوراقُها
وصارَت غيومي
تشكو نوباتِ السُّعال
لا الدّربُ يلتقطُ خطوتي
ولا يحاصرُ لهفتي إلاّ السّرابُ
أمدُّ يدي إلى المسافاتِ
يتتبّعني طريقٌ ينتهي بالسّدادِ
والخيبةُ تقتفي أثري
الشّمسُ تسلّطُ عليَّ عتمتَها
والرّيحُ تبعثرُني مع لهاثي
وباحتراقٍ يحتضني غبارٌ
يتغلغلُ في مساماتِ بصيرتي
وأنا أمخرُ عبابَ الوهنِ الكثيفِ
يسابقني دمي اللائبُ
في حيرتِهِ ظمأُ النّحيبِ
والذّكرياتُ تنهشُ مفاصلَ النّعاسِ
ينامُ الوقتُ ولا أنامُ
القمرُ ينبحُ في سمائي المعشوشبةِ
بقهري وكآبةِ النّجومِ
لم يبقَ من هذه الأرضِ
إلَّا غصّتي
والأفقُ استحالَ إلى نفقٍ
تأوي إليهِ صرخاتي
ياليلَ الغياب انظر
لوعةَ الأنفاسِ
قد ضاقَ صدرُ الانتظارِ
ورمادُ الشّوقِ يغمرُ جثّتي
تعالَي إليَّ قبلَ أن يدفنوا
سحابةَ نبضي
قبلةٌ واحدةٌ
من أصابعِ خمرتِكِ
قد توقفُ موتي
ألفَ عام.*
إسطنبول
* شطارة..
هكذا؟!
اببساطة تنسحبين؟!
و بأعذار واهية تتذرعين؟!
وتطلبين أن أصدق
وأن أقدر..
وأن أوافق على انتهاء علاقتنا
ونعود أصدقاء
نتعامل بطريقة رسمية
طبعاً..
انتهى دوري!!
وانتصر من جاء ينافسني
ومن عنده مايغريكِ
أما أنا..
صرت برأيكِ
أمثل مرحلة سابقة!!
بظنكِ ماعدت أملكُ
ما يثير اهتمامكِ
فقد نلتِ كلّ ما عندي
ببساطة..
وأرخص الأثمان
وصعدتِ..
فوق الأرض بأصبع!!
مسكينة أنتِ
هذا الذي سعى إليكِ
ما زال..
يسعى ليحظى باعترافي
يرسل لي الإنحناءات
ويجعل..
من تذلله واسطة
انسحابكِ يضحكني
ويذكرني بالطريقة التي
أوصلتكِ إليّ
اذهبي يا صغيرة
أمثالك مررن عليّ
وهنّ الآن
يترصدن غبار طريقي.*
إسطنبول
* خريفُ الكلام..
خريفُ الكلامِ
يطرقُ بابَ صمتي
يقرعُهُ بجنونٍ
يجتثُّ أصابعَ بكائي
كي لا تتلمَّسَ أحرفَ الدّروبِ
في لغتي صحارى الاشتهاءِ
وسحابٌ مِنْ دمِ النّدى
وبروقٌ من احتشاءِ السّراب
يمسكُني الخريفُ من أوراقي
يجرفُ أغصانَ الحُلُمِ
وتتكسّرُ الغيماتُ في لهيبي
يرمقُني الجفافُ باحتقارٍ وسخطٍ
والماءُ يشربُ نسغَ لحائي
تمطرُ في فضاءِ ليلي
خراباتُ الدّهشةِ الوارفةِ
أنحني فوقَ يباسِ آهتي
أكفكفُ عنها لوعَةَ الخواءِ
ترابٌ ينبتُ في الذّاكرة
وملحٌ يطفو فوقَ الجراح
أستوضحُ شفقَ السّديمِ
عن غصّةِ تَعتري سُهوبي
والرّيحُ تعضُّ نواجذي
يقشرني العراءُ من ضحكتي
يتصيّدني هسيسُ بابِ الأفولِ
وينضحُ من قامتي الخراب
أتهاوى تحتَ وطأةِ قصيدتي
أغلقُ على النجوى بُحّة الأشجان
وتترامى لي أفلاكُ الرّؤى
ترشقني بزبدِ الاحتضار
ويحضنُ الحطامُ تنهيدتي
يغسلني الغبار بعطرِ البردِ
سلامٌ على بلدي
التي شرَّدَتْ نبضي
وأقفلَتْ على صوتي
أجنحةَ الشّمس.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - مقدمة: مجيدة السباعي.
02 - تحيّة
03 - لا تنكسر
04 - مملكة الندىَ
05 - إزدهار الحب
06 - رائحة الخراب
07 - دروب الحطام
08 - مخادعة
09 - قرف الأرض
10 - وقال الصمت
11 - أحجار الظمأ
12 - جراح الماء
13 - معول الندى
14 - دمع بلادي
15 - إلى متى؟
16 - ما أغباهم؟!
17 - تلابيب الرجاء
18 - مواطنة الموت
19 - فاجعة انتصارتا
20 - لكي أنساكِ
21 - معطف قلبي
22 - كي أنساكِ
23 - ما وجدت لقلبكِ سبيلاً
24 - قبلة
25 - أخي
26 - مراهنة
27 - وطن الفرح
28 - نفق الغياب
29 - شطارة
30 - خريف الكلام
------------------------------------------- مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى